-->

الفصل السادس والعشرون - بنات حورية



الفصل السادس والعشرون .

بعد اسبوعين .
ركبت رسيل جوار صهيب السيارة وركب مالك بالخلف ،، لديها موعد مع طبيبتها المتابعة لحالتها .. سألته برفق : كيف حالك ،، هل كان يومك جيداً .
ابتسم لها وهو يلتقط يدها مقبلاً إياها قائلاً : الحمد لله بخير .
سحبت يدها منه سريعاً ناهرة إياه بعينيها منبهة لوجود مالك ليتحدث صهيب بصوت عال : كيف حالك يا مالك .
أجابه مالك برفق : بخير يا بابا .
عم الصمت قليلاً قبل أن يهتف صهيب مجدداً : إذا أين سنذهب بعد موعد الطبيبة .
صمت مالك بتردد .. يريد أن بفتح فاهه ويطلب ولكنه يشعر بأنه لا يمتلك الحق في ذلك .. فهو يشعر وكأنه دخيل علي حياتهم صحيح صهيب يكون خاله في المقام الأول ولكن رسيل لا تقرب له شئ .. لذا هو لا يشعر بحقه في ذلك فقط .. ولكن رسيل خالفت توقعاته وهي توجه له السؤال : مالك إلي أين تحب نذهب .
ابتلع رغبته قائلاً بحرج : أى مكان .
شاكسته رسيل قائلة : ما هذا المكان لم أكن أعلم به إذاً صهيب خذنا لأى مكان هذا بعد أن ننتهي .
ضحك صهيب برفق وابتسم مالك بانتعاش وهو يقول بحماس وقد ذهب بعض حرجه : هل نذهب للتزلج .
شهقت رسيل ملتفتة له بتسائل : هل تحب التزلج يا إلهي أمنية حياتي أن أذهب لتركيا لأتزلج هناك .
قال مالك بفخر معجباً بمجرى الحديث : لقد كنت أتدرب علي التزلج .
ثم تسائل بحماس : هل أنتِ أيضاً تحبين التزلج ولماذا بتركيا تحديداً .
قالت بضحكة حالمة : دعكَ مني أنه أمر رومانسي حيث تركيا والشتاء والتزلج .. أخبرني أنت هل هي هواية أم ماذا .
أجابها قائلاً : نعم فقط أحبها .
قالت بحماس صائحة : لنذهب إلى التزلج إذاً .
نظرت لعينين صهيب الممتنة بإبتسامة وهي تسمع مالك يقول : لتتزلجي معي .
أجابته بحزن مصطنع : أود حقاً ولكن أخوك بمعدتي لن يوافق .
نظرت لصهيب فأجاب بضحك : لنأتي بأخوه أولاً ثم نفكر بالأمر .
ابتسمت له وهو يصف سيارته أسفل عيادة طبيبتها .. صعد ثلاثتهما وانتظرا معاً حتي جاء دورها لتدخل للطبيبة التي رحبت بهم وتسائلت : كيف حالك أنتِ وطفلنا إذاً .
كانت ستجيبها ولكن صهيب سبقها قائلاً بلهفة : منذ فترة كانت تتقيئ باستمرار ومعدتها كانت تؤلمها كثيراً .. كان الأمر زائداً عن حده لذا أتسائل هل هذا يحدث .. هل هذا طبيعي أقصد .
قالت الطبيبة تطمئنه : هذا طبيعي في بعض الأحيان دعينا نفحصك ونرى .
فحصتها الطبيبة تحت مراقبة صهيب المترقبة ونظرات مالك المتابعة حتي قاما معاً ليتجها لمكتبها مرة أخرى فتحدثت الطبيبة : حسناً حال رسيل والطفل جيدة للغاية ينقصكي فقط بعض التغذية .
وتابعت موضحة : أظن أنها كانت حالة تسمم أستاذ صهيب ولكن لن يظهر لنا سببها الأن .. ربما أكلتى شيئاً فاسداً أو طعاماً من الخارج .. لنمنع الوجبات السريعة حسناً ونهتم بصحتنا أكثر من ذلك .. استفراغك الدائم كان بسبب تخلصك من حالة التسمم والحمد لله أن الجنين لم يتأثر .. ولكن إن تكرر الأمر لتأتي لى فوراً لا تنتظرى موعدنا حسناً .
كان كلام الطبيبة يضرب وتراً حساساً لدى كلاهما .. راحت رسيل تفكر في الأسابيع الفائتة وهي تتسائل ما الذى أكلته قد يسممها وكذلك أحذت أفكار صهيب تنفي ما يفكر به .. مر من أمام عينيه تخيل سئ .. سئ للغاية فمحاه سريعاً بنفي ناهراً نفسه لن يفكر بهكذا احتمال أساساً وكذلك فعلت هي وهي تحمد الله أن طفلها بخير الأن .
عم الصمت علي كلاهما حتي ركبا السيارة فحاولت إخراجه من حالة صمته قائلة بتبرير تقنع نفسها قبله : ربما بسبب أنني كنت أكل أصنافاً كثيرة وحلوى وكل هذا بنفس الوقت لذا قد يحدث أمر كهذا .
نظر لها باهتمام لعينيها يريد التأكد أن هذا ما تشعر به بالفعل .. ولم ينهي هذا الحزن إلا حماس مالك بعد ذهابهم للتزلج .. راقبته بفرحة مسرورة ومشاعر الأمومة خاصتها تتجه نحوه بسرور حتي حدثت صهيب : لقد قال مالك أنه كان يتدرب هل تعرف هذا الأمر .
همهم لها مجيباً : نعم يوجد مركز تدريب كان يذهب له برفقة والده رحمه الله .
ترحمت عليه بهدوء قبل أن تخبره : إذاً لنشترك له مجدداً بالتأكيد سيفرح انظر لسعادته .
وافقها وهو يلوح معها لمالك الذى أقبل عليهم بسعادة .. واستمروا بتلك السعادة الصادقة متناسين بإرادتهم وليت هذا النسيان لا يأتي بسوء .
______________________________
بعد ثلاثة أشهر .
بدأ فصل الصيف منهياً مشاعر الشوق الشتوية بادئاً مشاعر أشد لوعة .. مشاعر حارقة .. حيث الاشتعال والجنون .
وقفت لورين برداء السباحة أمام المسبح الخاص بديم في منزلهم الشبيه بالقصر هذا ،، ذُهلت حقاً عندما علمت أنَّ له حمام سباحة خاص به بطابق سفلي .. كانت تنتظره بتفكير عائدة بذاكرتها لهذا اليوم ..
بعد أن وضحت حورية وجهة نظرها لهم تركتهم بمفردهم وخرجت مغلقة الباب خلفها عليهم ... تذكرت كيف أعطته ظهرها بصمت منتظرة أن يعتذر منها ولكنه عنيد وكأن الإعتذار سينقص منه حجماً .. شعرت بكل ثقله عليها من الخلف وهو يدفن وجهه بعنقها قائلاً بحلاوة متلذذاً : إذاً هل تصالحنا .
أغمضت عينيها من سحر شفتيه بإرتعاش جعله يبتسم فشعرت به لتقول ببرود مصطنع : لست راضية بعد .
تنهد بصبر وهو يجلس خلفها جاذباً جسدها له محيطاً إياها بدفئ قائلاً : ماذا أفعل كي ترضي .
لو فقط جعلها تنظر لعينيه لخرت راضية مشتاقة لذا تمسكت بموضعها وهي تجيبه : أتركني بعض الوقت لا أعلم .
داعب عنقها وهو يسألها : وإن لم أترك لكِ بعض الوقت .
تنهدت وهي ترجع جسدها فتنام علي صدره متسائلة : هل تلك الفتاة أخبرتك بشئ .. أقصد هل قالت شيئاً صريحاً لك .. أم فقط كانت ..
صمتت بغيرة تحرق روحها ليضم جسدها له بقوة قائلاً : لم تقل شئ لا تفكرى أرجوكِ ،، فلتحذفي ذلك المشهد من رأسك ،، فكرى بنا نحن .. أنتِ بين ذراعي الأن .. أنا هنا أحبك وسأحبك دائماً وأبداً .
تنهدت بحرارة لتستدير له ناظرة بعينيه مستمدة ذلك الحب منهم لتقول وهي تحتضنه : وأنا كذلك سأحبك دائماً ولكن لن أسامحك حقاً إن تعاملت مع تلكَ المرأة مجدداً .. حينها لا أعلم ماذا سأفعل بها حقاً تلكَ الوق..
قاطعها مقبلاً إياها بشوق لتبادله برضي حتي همس لها : ألم تقل والدتك لا تسبي .
ضحكت كما ضحكت الأن وهي تخرج من شرودها علي حمله لها قافزاً بحمام السباحة ولم تتركه حتي صعد بها للسطح لتمسح وجهها برفق وهي تقول : يا مجنون .
ابتعد عنها يعوم بظهره مرسلاً لها ملامح وقحة لتعطيه ظهرها مخرجة لسانها له قبل ذلك ، كم يثق بذاته .. كم يثق بحبها وكم تحبه هي بمقدار تلك الثقة .. صرخت وهو يرفعها من أسفل قدميها لتصبح جالسة علي كتفيه فتقول برجاء : ديم ديم لا تفعل .
ولأنها لا تريد فعل وهو يرميها للخلف .. يعلم أنها لا تحب تلك الحركة فهي لا تستجمع حواسها اسفل المياه جيداً لتصعد ولكنه يُعلمها .. تركها ثوانٍ قليلة قبل أن ينتشلها مجدداً مقبلاً ثغرها الحبيب له بعمق وهي بتخدر بين يديه تعيش معه أول لحظاتهم الصيفية الذى يتخللها عشقهم .
________________________________
كانت تجلس مع والده الذى أصبح بمقام والدها الأن بحديقة المنزل ،، لكم تكن الإحترام له ولعقلتيه المتوسعة .. أصبحت تجلس معه كثيراً حقاً حتي بدأت تشعر بغيظ راكان منها .. يا الله لا تصدق مدى صبره واحتوائه ،، لقد بات راكان شئ كبير للغاية يستوطن قلبها ويحتل تفكيرها اليومي .. لقد انتقل من مرحلة تقبيل ثغرها لمرحلتين خلال تلك الثلاثة أشهر .. فباتت تحتضنه بسعادة كأنها طفلة تتعلق برقبة أبيها وتدلل عليه كيفما تشاء .. والأمر الثاني أنه بات يقبل عنقها بكل أريحية وهي تذوب بين يديه برفق .
لقد شردت حقاً بذاكرتها تتخيل منذ ثلاثة أسابيع حين أجلسها بحضنه قسراً حين أخذت القهوة لمكتبه بعد أن طلبها منها .. وحقاً لم تكن تتركه يطلب منها فهي لا تحب علاقته مع الممرضات والخدم الذين يحتلو المنزل من اجل والدته ومرضها رغم أنه يعاملهم باحترام فقط إلا أنها أصبحت حريصة علي أن تحد من تعاملهم الطبيعي معه ..
فاقت من شرودها علي حديث والد راكان ،، فاروق الحميدى ،، وهو يقول : أين شردتي يا ابنتي .
تنحنحت بحرج : أسفة يا عمو .
ثم تسائلت وهي تنظر لساعة يديها قائلة : عمو أتسائل لما تأتي من العمل قبل راكان أقصد ألستما تعملان معاً .
ابتسم فاروق بخفة قائلاً : لا يا حبيبتي راكان لديه أعماله الخاصة التي يديرها وأنا لدى أعمالى .
رفعت حاجبيها متسائلة : ألا تحتاج له في العمل معك .
داعبها عالماً بعقلها البريئ .. فقد باتت راما أكثر من ابنته حقاً ،، لم يكن يفهم حقاً كيف تتعامل مع راكان قبل أن يعاشرها هكذا ليعلم كيف أنها فتاة تستطيع جعلك تصمت لساعات وأنتَ فقط تنظر لجمالها ولحديثها الطفولى .. حقاُ تليق تلك اللينة الصغيرة بابنه الجلف الكبير : وهل تظنين أنني لست قادراً علي إدارة أعمالى .
خجلت قائلة باحمرار وجهها : لا لا أقصد .. لا تفهمني خطأ .. يا إلهي .
صمتت وقد كانت ستبكي حقاً وهي تفكر بالأفكار التي قد تراوده من سؤالها ليعفيها قائلاً : ما بالك أمزح معك يا صغيرة .
قالت بخجل وهي تنظر للأرض : أسفة حقاً .
قال بضحك وهو يرى ابنه يدخل بسيارته من الباب : لا تعتذرى لم يحدث شئ ،، اخبريهم في الداخل أن يحضرو الغداء وأنا سأستقبل راكان وأتبعكي .
التفتت برأسها للبوابة لتجده يدخل فارتفعت دقات قلبها بطبل شرقي .. شرقي بالهوجائية التي تحتلها فلا تعرف لها بداية ولا نهاية .. متشتتة لا تعلم أن ما تخاف منه هو الذى سيمنع تشتتها .. لا تعلم أنها لم تسمح له بعد ليحتلها وليحتويها كما يجب بالفعل .
دخلت تخبر الخدم ما يريده فاروق متسائلة بحرج إن كانو يريدون شيئاً فترد كبيرتهم بحنان والتي تحبها راما وتحترمها : لا شئ يا صغيرتي اذهبي أنتِ واستقبلي زوجك .
كانت تلك السيدة تدعي مريم .. سيدة حنون أدركت أن الكنة المصون التي أتت زوجة لهذا الإبن لم تكن إلا طفلة صغيرة .. ما زال أمامها الكثير لتتعلمه غير أمور المطبخ التافهة .. لديها حياة يجب أن تندمج بها ،، خرجت راما للحديقة مجدداً وهي تكمل ذكريات هذا اليوم .. لا تعلم لما تتذكره دائماً .
همست له بخجل وهي تشعر بجسده الخشن أسفلها : راكان ماذا تفعل .
ثبتها بإحكام علي قدميه محاوطاً خصرهت قائلاً : اهدأى ودعيني أعلمك درس جديد .
تعالت دقات قلبها منتظرة درسه الجديد وقد وعدته أنها ستحاول معه لتشعر بهِ يزيح شعرها لإحدي كتفيها قائلاً بهدوء : إذا كيف كان يومك اليوم .
استجمعت كل ما تود أن تحكيه له قائلة بانسجام : أريد أن أخبركَ أمراً أنتَ طوال الوقت بالعمل وأنا هنا وحيدة لا أفعل شئ .. أجلس مع والدتك قليلاً ولكنها تنام معظم الوقت ثم أجلس مع خالتى مريم قليلاً ولكنها تنشغل بالمنزل أيضاً وتتركني وكذلك ..
صمتت شاهقة بإرتعاش وهي تشعر بأنفاسه علي عنقها وإحدي يديه تستبيحان بشرة ظهرها الناعمة أسفل منامتها فيقول ملهياً إياها : أكملى وكذلك ماذا .
لا تستطيع التحمل حقاً ستفقد وعيها من فرط التوتر فترجته : راكان توقف توقف أرجوك .
أخرج يديه ليحاوطها مجدداً فتنفست براحة قليلاً وهو يخبرها : اهدئى .. واكملى حديثك هيا .
عادت تتحدث مجدداً قائلة وهي تمسك بذراعيه المحاوطين لها وكأنها بذلك ستمنعه إن أراد معاودة ما فعله ليبتسم هو : أرسم أحياناً بل الكثير من الوقت أرسم لكي أنفذ أكبر مجموعة من الملابس كي أنفذها وأفتتح المحل ولكن أحتاج لوقت طويل .. وأحتاج أن أشترى الكثير من القماش ..وأحتاج ..
قال هو مجدداً مديراً وجهها له ليقبل شفتيها بخفة : حسناً سنتناقش في هذا فيما بعد والأن لنعود لدرسنا .
وضع وجهه برقبتها فشعرت بخشونة ذقنه أول شئ قبل أن تشعر بخشونة شفتيه تداعبان عنقها ولم تعرف حقاً كيف صمتت مستجيبة له وقد أصبح مجنوناً محتلاً ومقبلاً لعنقها بأكمله .
صرخت وهي تشعر بذاتها ترتفع من علي الأرض .. لتخرج من شرودها وراكان يتسائل : بماذا تفكرين يا بسكوتة أقف ورائك منذ ساعة .
ضحكت لتقول بمشاكسة : منذ خمس دقائق أتيت أية ساعة تلك .
أنزلها ليديرها له قائلاً بجدية : وإن كان لم تشعرى بي لمدة دقيقتين هيا قولى عذرك كي لا أعاقبك .
قالت ببراءة : كنت أفكر بك .
رُفع حاجبيه بذهول ثم تداعي المكر : وبماذا تفكرين بي .
تلعثمت قليلاً لا تعرف بما تجيبه ليخبرها هو وهو يدنو منه فخدرها قربه : هل أخبركِ أنا بما تفكرين .
قالت بتساؤل مترقبة : بماذا .
ضحك قائلاً وقد احتار بكتلة التناقض تلك : ما رأيك أن أشرح عملى أفضل ولكن بغرفتنا حسناً حتي لا نُمسك بالجرم المشهود هنا .
صمتت مازالت متهدرة وعقلها يستوعب ببطئ حديثه حتي سمعته يقول مجدداً : هل أتركك أم ستقعين .
تأففت مستجمعة ذاتها لتقول وهي تبتعد عنه : لماذا سأقع يعني .. أوووف .
قال بتحذير جدي قبل أن يقلبه بخبث : قلت لا تتأففي ولكن إن كان ذلك الضيق لأنني لم أشرح لكِ فأستطيع أن أحملك الأن لغرفتنا وأشرح لكِ كل ما تفكرين به .
سارت معه للفيلا وضربت صدره قائلة : توقف أرجوك .. ثم هناك ما أريد أن أحدثك عنه .
أومأ لها وهو يحاوطها بيده : بعد الغداء نتحدث .
وبعد الغداء جلست معه بغرفتهم وبدأ هو الحديث وهو يراها تجهز مشروبها المهدأ لأعصابها _ الينسون _ : اصنعي لي قهوة معك وتعالي لتخبرينني بما تريدين يا حُلوة أنتِ .
ابتسمت بتورد لمجاملته وبعد قليل وضعت المشروبات أمامهم وهي تجلس علي طقم الأرائك معه لتقول بحماس : سيبدأ عامي الجامعي الثاني قريباً بعد اسبوعين تحديداً .
أغمض عينيه للحظات فشعرت بضيقه لتنظر له بترقب خائفة ولكنه كسر خوفها وهو يجيب : حقاً أعذريني يا راما .. كان في عقلى ولكن ذهب مع الأعمال المتراكمة .. بالتأكيد تحتاجين لتجهيز نفسك .. لا أفهم في تلك المواضيع ولكن أخبريني ما تريدين وسأحضره لكِ .
ابتسمت محتضنة إياه بعد أن فكرت بسوء لوهلة ففاجأها بحنانه هذا لتقول بسرور : أحتاج بعض الأدوات فقط وأريد أن أخرج مع أحد من أخواتي لأحضرهم .
أومأ موافقاً : لا بأس حسناً متي تذهبين .
رفعت كتفيها : لا أعلم لم أحدث أحد بعد ولكن سأحدث هيا وسبأ ليأتيان معي .
أومأ لها وهو يشرب قهوته فتلاعبت بأصابعها ليسألها : هل تريدين شئ أخر .. لا تخجلى هكذا ما الأمر .
طلبت منه : أريد شراء بعض الأقمشة ،، يعني أقصد لأجهز بعض الموديلات لأنفذ مثلها بعد ذلك .
وافق أيضاً ببسمة قائلاً : لديكِ طموحات لكل شئ أليس لديكِ طموح بطفل صغير هكذا أو ربما طفلة تشبهك وتكون جميلة للغاية كأمها .
رفعت حاجبيها بدهشة تسأله بتوتر نال من معدتها : هل تريد أطفال الأن ،، أنا .. أنا أكون أم هل تمزح .. هل تراني أستطيع أن أكون والدة .
هل له أن يغضب مثلاً فينهرها ويخانقها حتي يعطيها سبب للأبتعاد أكثر .. لا بل عليه التعامل بها كل رفق رافعاً من معنوياتها المهزوزة تلك .. فقال بدفئ يشجعها : ومن غيرك يستطيع أن يكون أم .. هل تعلمين ستكونين أجمل أم بالكون ستكونين حنونة جداً لأن الطفلة التي بداخلك هي من ستتعامل مع أطفالنا .. ثم أنكِ ستأتين لى بقمرات مثلك وحينها لن نتوقف أنا وأنتِ عن النظر لحلاوتهم .
ضحكت و أزاح توترها للغاية قائلة : ولكن أنتَ حينها سيكون لديك مسئولية زائدة .. تعلم فأنا وحدى مسئولية .
ضحك بقوة مشاكساً : لا بأس أنا أحب المسئولية .
ثم اقترب منها يداعبها : خاصةً لو كانت بسكويتة مثلك هي مسئوليتي .
تسائلت بهمس : لماذا تدعوني هكذا .
قطب جبينه مسترسلاً بتلقائية وهو يقربها منه : أولستِ بسكوتة ،، دعيني أكتشف إذا كنتِ شيئاً أخر .
وراح يداعبها في حدود الدروس الثلاث الذى لم يتخطوها بعد قبل أن تبعده قائلة بضيق : الينسون سيبرد .
ابتعد عنها بأنفاس مغتاظة ليراقبها وهي تشرب مشروبها بهدوء .. فكر قليلاً فسألها : راما ..
همهمت له ليتابع : ما رأيك لو نعزم عائلتك بأكملها علي الغداء يوماً .. ستبدئين دراستك وتنشغلين وأظن لن نستطيع فعلها إلا قبل وقت بعيد للغاية صحيح .
أخرجت عينيها قلوباً وهي تهتف بحماس : إنها فكرة رائعة لنعزمهم .. كيف فكرت بشئ كهذا .. أقصد شكراً لك .
ابتسم لفرحتها قائلاً : إذا رتبي أنتِ لأمور المنزل مع الخالة مريم وأنا سأدعو الجميع فقط أعطيني أرقام أزواج أخواتك لأحدثهم وأنتِ تحدثي لأخواتك أيضاً .
_______________________________
كان أجمل يوم بحياتها والأصح الأكمل وهي تجتمع مع عائلتها تحت سقف منزله هو .. لقد اكتشفت أنه أروع رجل بالكون .. لقد اكتشفت أنها ستحيي مع نسخة أبيها الثانية ..
لم تكن جلسة هادئة كأسرة منمقة من طبقة راقية بل كانت جلسة صاخبة يعلوها المرح بين عبارات راكان وجود ودوروك المازحة وتجاذب الحديث بين الكبار بانضمام ديم لهم وبكاء صغيرى جيلان أحياناً وضحك الفتيات ولهوهم .. تلك الجلسة لم تكن تعطي طابع جلسة الطعام الهادئة أبداً .. تراصت الأطباق بمساعدة الجميع لراما علي سفرتين أحدهم للرجال والأخرى أرضية للنساء كأصول مصرية ..
منذ ساعتين .. كانت راما تغير ثيابها بعد أن سُكب العصير عليها دون وعي من إحدى الخادمات المشغولات ،، تفاجأت بصود راكان خلفها تاركاً الجميع بالأسفل لتتسائل وقد كادت أن تخرج بعد أن انتهت : لماذا أتيت كنت سأنزل الأن .
حاوط خصرها محاولاً التقاط شفتيها بشوق لتبتعد بخوف قائلة : ماذا تفعل قد يرانا أحد .
قربها مجدداً ليقول : وإن رآنا أحد لقد اشتقت لكِ .
حاولت التملص منه باستمرار حتي حاوطها بين الحائط والدولاب .. لقد كانت متوترة من تواجد الجميع .. قد يصعد أحد ويراهم وهي بالكاد ستستطيع تجميع أنفاسها المتبعثرة بعد ذلك ،، ترجته برفق وهي تتملص منه بغيظ أصابه : أرجوك .. أرجوك ليس وقته .
لقد كان مصراً بعبث ولكنها كانت بأقصي مراحل خفقان قلبها الهلع فرفعت كفها بنية إبعاد وجهه عن مرمي وجهها ولكنها بين ثانية وأخرى لا تعلم كيف حدث ذلك .. كيف اسودت ملامحه بذهول تحول لغضب بعد أن ارتطم كفها بوجهه بقوة لم يترجمها كما ترجمتها هي أيضاً بصفعة .. لقد صفعته حقاً .. تلكَ الطفلة الصغيرة التي بالكاد تفقه شئ بمحاوطة أنفاسه لها قد صفعته .
شهقت كاتمة أنفاسها بذهول غير مستوعبة .. لم تكن تقصد أبداً ،، لقد اندفع الإدرنالين بداخلها فتصرفت دون وعي .. رأته وهو ينظر لها بعينين يحملان غضب الوحوش قبل أن يستدير عنها حتي لا يتهور ويردها لها ضعفين .. هرعت خلفه متمسكة بكتفهِ من الخلف لينفضها بعنف وهو يتابع سيره لتجرى واقفة أمامه قائلة بانهيار : أسفة أسفة لم أقصد ..
كانت تُبرر ببكاء كالأطفال محركة يديها بإرتعاش : أقسم لم أقصد أسفة .
أزاحها من أمامه بتزمت ومازالت عينيه تحمل تلك النظرة الشرسة ولكنها بكت ولا تتحمل فكرة فعلتها أو اغضابه وهي تعوق طريقه مجدداً متمسكة بثيابه : سامحني والله لم أقصد .. راكان .
همست باسمه بالنهاية بضعف وهو يتركها ويخرج من الغرفة .. ظلت بالغرفة أكثر من ربع ساعة حتي استطاعت بصعوبة التوقف عن البكاء وتعلم أنها لن تتوقف حتي يأخذها بحضنه يطمئنها بكلمة فهي وربها لم تكن تقصد بالفعل .
راقبها من علو لم تمس طبقها وهي تناول أهلها الطعام .. صامتة واجمة تحاول ألا تفتح فاهها للتنفس حتي كي لا تنتحت هنا بين الجميع .. فانسل من بين الرجال ليجلس أرضاً جوارها متحدثاً بعد سماع صياح أخواتها بين مرح وذمٍ مرح : وكيف تأكل راما من غيرى .
أجابته سبأ بعقلانية ممازحة : طوال عمرها تأكل من غيرك .
ابتسم لها قائلاً بفخر : وهل تحسبينني هيناً .
استمر حديثهم وتجاهل رعشة جسدها الملامس له وهو يحيط ظهرها بذراعه يقدم لها دعمه فهو يعرف أنها لن تمس طعامها وكأنها طفلة تشعر بالذنب ولا تريد تجربة مخاصمته .. وبالفعل لم تضع لقمة بفاهها وهو ليس بغافلٍ عن هذا وهو يطعمها رويداً رويداً بين الحين والأخر .. كصغيرة لقمة له ولقمة لها بجوار مسايرة حديث الجميع حتي لا ينتبه لهم أحد .. أوليست  هي صغيرته ..!!
كان يربت علي ظهرها بنقرتين كلما قرب الطعام من شفتيها لتلتقط الطعام من يدهِ .. لاحظ انتفاضها المتوقع فنظر لوجنتيها القابع عليهم دموعها ليمد يده لها بلقمة أخرى ويمسح دموعها بطريث عودته .. كل هذا وهو يحدث والدته وعمته رحمة والدة دوروك ويجارى والده من الأعلى .. كان يحتويها بحنان عاشق أبوى مما زاد من دموعها الصامتة فما كان عليه إلا أن التقط كفها واضعاً إياه علي وجنتها البعيدة عنه كي تمسح دموعها بدون إثارة نظر من حولهم وبيده الأخرى يطعمها و يمسح وجنتها الظاهرة له ويمسد ظهرها بلطف يناجيها أسفاً ويجتاحها حناناً كما يفعل الرجل .
لم يكن منها فائدة حقاً فهمس لها : الحقيني بالمطبخ .
ثم وقف قائلاً : هنيئاً جميعاً .
قامت وراءه لتدخل المطبخ لتجده فارغاً من العاملات .. كان يضع الطعام بطبق .. فوقفت خلفه بصمت كالمذنبين وهي فعلاً كذلك ،، راقبته بلهفة وهو يضع الطبق علي الطاولة ويتوجه لها بملامح جامدة لم تتبين منها شئ فيقول : توقفي عن البكاء .
احتضنته ببكاء وكأنه يقول لها فلتبكي وليس العكس : لم يكن بإرادتي .. لقد خرجت حركة لا إرادية أقسم لك .
احتضنها بدفئ قائلاً : لا بأس توقفي عن البكاء .
سارعت قائلة بلهفة : ستخاصمني ثانياً .
قال وهو يجذبها للطاولة : لم أخاصمكِ أولاً زوجتي الصغيرة .
قالت بعيون متوسعة انبهاراً : أنا حقاً أسفة .
ضحك وهو يقرص وجنتها برفق مجلساً إياها آمراً : كُلى طعامك هيا .
وشرع بالأكل معها وهو ينظر لفرحتها وكأنها نالت جائزة ليوقن أنه سجين عشقها بالفعل .
___________________________
لم تصدق نفسها حين رأته يدخل من باب الفيلا ،، نظرت لراما الجالسة جوارها حينها لتخبرها راما ببراءة : ليس لي دخل راكان من عزمه .
تمتمت ببؤس : حسناً .
والأن وبعد أن انتهي الغداء خرجت تتمشي بتلك الحديقة الواسعة .. لا تنكر أنها اشتاقت له ،، لم تراه منذ ثلاثة أشهر بالفعل .. لقد نمت لحيته جاعلة إياه أوسم وأوسم وإزدادت لمعة عينيه بشكل خطير .. وجدته يستجمع حياته المشتتة والضالة بشكل جيد وهي فقط من تحشر ذاتها داخل آلامها .
لم تتحرك عينيه عنها حينما كانا بالداخل .. استطاعت ملاحظة ذلك جيداً فنظراته وحدها كانت تحرق بشرتها وكأن درجات الحرارة زادت بمعدل مُحرق ... صوته أيضاً كان يأخذها لعالم أخر كلما تحدث .. يا ليته ما حدث ،، يا ليتها لم تتزوجه من البداية ويا ليته لم يكن ندلاً هكذا .
لم تشعر وهي منهمكة في شجنها بتقدمه منها ولا بوقوفه خلفها وكله شوق لها .. لقد ابتعد مجدداً حتي يستجمع ذاته .. حتي يقوى علي مواجهتها بعد مواجهة أخرى استنزفته كانت مع لميا .. وقد حصل علي مسامحتها حتي ولو كان يعلم أنها مسامحة زائفة من وراء قلبها المتحطم .
رفع يديه يود تلمس شعرها الأحمر الذى يرسل شراراته لقلبه ولكنه لا يقوى علي ذلك ،، لا يشعر بحقه بعد .. أمامه الكثير من الأوقات لكي يشعر بأنه يستحقها ويستحق عناقها .. حبها .. روحها الذى اهدتهم له مسبقاً واستغلهم بطريقة خاطئة ولكنه الأن يستغل حقه بزواجهم مبقياً إياها علي اسمه حتي لا يخسرها لأى سبب .
وضع يديه بجيوييه يقبضهم وكله يحترق كي يلتقطها بين ذراعيه .. يشبع روحه المحبة لها كما كانت تفعل هي دون مقابل بالماضى .. وبالحاضر الأن هو يتلظى علي نار مستعرة ليناله مجدداً .
شهقت وهي تلتف فتصطدم به .. سرعان ما ابتعدت عنه وكأن صاعقة ضربتها ،، رددت بخفوت وعينيها متسعة من مفاجأتها به : ماذا تفعل هنا .
استند علي جزع الشجرة قائلاً بتعب واضح بنبرته : اشتقت لكِ .
ثم تابع مقاطعاً اي استهزاء منها : كيف حالك .
أجابته بابتسامة مُفرسة : أنا بأفضل حال .
أومأ متمتاً بنبرة أوقعت قلبها : أتمني أن تكوني بأفضل حال دائماً ،، وسمعت أنكِ بدأتِ بالعمل .
أخبرته بكذب وكأنها الأسعد بالكون : نعم بالفعل بدأت بالعمل بشركة عالمية وأعمل علي رسالتي بشكل جيد للغاية .
أومأ لها مخبراً إياها بتردد : لقد نقلت كل شئ هنا ،، انتهت ألمانيا من حياتي للأبد .. سأبدأ هنا من جديد وأتمني لو ..
لم تدعه يُكمل مخبرة إياه بحدة اصطنعتها بصعوبة : أتمني التوفيق لكَ سفيان وأتمني أن تخرجني من قائمة حساباتك .. عن إذنك .
ثم تركته ورحلت ووقف هو يتنفس بضيق صدره وكأن العالم أجمع أطبق عليه فلم يعد يرى ولا يسمع ولا يتنفس .. لم يعد يرى إلا تلك الحمراء النقية .
_____________________________
مساءاً راقبت حورية دياب مبهورة بنور وجهه المتزايد هذه الليلة كمال حاله منذ يومين .. وبنفس الوقت خائفة للغاية .. خائفة من مجرد التفكير بشئ سئ قد يحدث .
كان يُصلي كشاب صغير .. أقام الليل رغم أنهُ مُتعب من بعد اليوم الذى قضوه بمنزل راما وبعد العمل .. ظلت تراقبه وقلبها يتردد بين خفقة لهوفة وأخرى مرعوبة حتي تردد صوت آذان الفجر فتوضأت لتُصلي معه ووقفت خلفه تستمع لنبرته الشجية الذى ضعفت قليلاً بمرور الزمن .
انتهوا من صلاتهم ليظل جالساً مكانه يسبح ويستغفر ويدعو الله أن يحفظ بناته وظلت جالسة خلفه تفعل مثله حتي أخبرته بهدوء : 
دياب ألن ترتاح قليلاً لديك عمل بعد ساعات قليلة .
نظر لها بوجهه الأبيض لتبتسم عاضضة شفتيها بوجل .. هيئته رائعة ساحرة ولكن رغم ذلك قلبها منقبض .. مد ذراعيه لها حتي احتضن جسدها واستند علي الحائط من خلفه بها في هذا الركن المخصص للصلاة بغرفتهم حتي قال بهدوء العالم أجمع : لقد أطمئننت علي راما اليوم ،، طفلتك ونسختك الصغيرة .. تلك الجميلة سيعوضها راكان عني بعد غيابي كما فعلت معك .
مسدت صدره برفق قائلة برجاء لربها قبله : حفظكَ الله لنا أنتَ ستكون جوارها دائماً ولن تحتاج لأى تعويض .
ابتسم برفق مقبلاً جبينها بعمق محتضناً جسدها بشوق : أنا مطمئن البال علي بناتك يا حورية فالحمد لله تركت لهم ما يكفيهم حتي إذا غدر أحداً بهم يوماً ما لا يسألون المساعدة من الغرباء .. غير أنهن أقوياء جميعهن أخذوا تلك الصفة مني وإن كانت صفاتك تفرقت عليهم .. ولكن أخشي عليكِ أنتِ من بعدى .. هل نتفق إتفاق .
امتلئت عينيها دموعاً متسائلة وهي تنظر له : لما تقول هذا .
رفع رأسه للأعلي قائلاً : انتهي يا طفلتي .. يا صغيرتي يا كل حياتي أنتِ .. منذ فترة وأنا أحلم بأبي يأخذنى إليه .. أشعر بأنه وقت ذهابي يا حورية لا تنسيني من دعائك ولا تخافي أبداً و ..
قاطعته شاهقة ببكاء : لا أرجوك لا تقل هذا جميعنا سنذهب ولكن لا تتركني أرجوك .
ثم ضحكت بقلب موجوع وهي تقبل وجهه : ألا تعلم أن حديثك هذا سيؤلمني هل تختبرني أم ماذا .
داعب وجهها برفق قائلاً : أنا سلمت بناتنا للأشخاص الذي اختبرت أصولهن ودوركِ أنتِ أن توجهيهُن بعد ذلك .. سفيان داخله نظيف لا تجعلى سبأ تتطلق منه واطلبي منها أن تعطي لقلبها فرصة أخرى .. وديم كذلك لذا وعي لورين قليلاً لن تخسر زوجها بسبب الغيرة والغضب لتكون أكثر تفهماً .. راما مثلك تماماً خام ستعيش بكنف زوجها .. أما جيلان ورسيل فلا أخشي عليهن شئ وهيا سأتركها لكِ كلياً كنت أتمني لو اطمئننت عليها هي أيضاً قبل ذهابي .. وأنتِ يا حوريتي .
لم يكن ينظر لها يعلم كم أن حديثه قاسياً عليها ولكنها ستتذكره ... ستتذكره حين يغيب عنها وتحلس بمفردها فتعلم أن طريقها هي ما زال طويلاً ودورها ما زال ببدايته ليتابع : أنتِ يا جميلتى .
نزلت دموعه هو الأخر وكأنه مسافراً يشعر بشوق رهيب تجاهها رغم أنها بين ذراعيه قائلاً : أعلم ستحزني ولكنه سيمضي .. ستجعلينه يمضي يا حورية فالحياة لم تعد أنا وأنتِ بل أصبحت بناتك وأحفادك أيضاً .. دعواتك ستصل لي وستنير قبرى لذا سأشعر بكِ دائماً .
شهقت مترجية بحدة : توقف أرجوك لا أريد سماع هذا الكلام كلما قلته كلما شعرت أن الأمر أقرب .
حاوط وجهها مقبلاً إياه بكل مكان قائلاً ليجهزها لتلك الصدمة : سأموت يا حورية .. كلنا سنفعل وأنتِ ستأتي لى .. سأنتظرك لتكوني زوجتي بالجنة .. ستنظرين لبناتنا وتضحكين وتجعلى نفسك قوية من أجلهن ولأجل خاطرى عندك .
ظهر نور الصباح ليقول : هيا بنا لنصلى ركعتين الضحي وننام .. توقفي عن البكاء إن كنت مخطأً سأعاقب نفسي لأنني أبكيتك هكذا .
ضحكت قائلة بإرتعاش وهي تقف : أنتَ مخطئ أساساً .
قربها له محتضناً إياها .. حضن بث بهِ كل مشاعر السنوات الفائتة .. مشاعراً أعوام .. مشاعر ضهوراً عاشوها سوياً حتي هرما معاً قائلاً : أحبك .. أحبك يا ابنتي الجميلة .
تركها مستعداً للصلاة ووقفت خلفه ليُصلي وتصلي هي الأخرى وسمعته يلفظ الشهادتين قبل أن يبدأ الصلاة لتزدرد ريقها هاززة رأسها بنفي مقنعة ذاتها أنهم يتوهمون .. استمعت لصوته الحبيب وهو يتلو آيات الله بأول ركعة ثم الثانية .. ولكن فاجعتها أنها كانت الثانية لها فقط وهي ترى جسده مستكيناً ساجداً لربه .. انهارت بكاءاً وهي تكمل صلاتها داعية من كل قلبها أن يكون يدعي الله وسيقوم الأن .. ولكنها ركعت ثم سجدت مرة والأخرى وهو مازال علي وضعه .. ظلت ساجدة تخشي أن تنهي صلاتها .. تبكي وتتمني أن يقبض روحها معه لو كان كذلك حتي اشتاقت فأنهت صلاتها لتضه وجهها بين كفيها باكية بعنف وهي تناديه بصدمة .. بتلهف .. وأمل : دياب .
ولم يجيبها فاقتربت منه تلمسه بحذر .. بترقب وبنفس الأمل وداخلها ينهار : دياب .
رفعت رأسها للأعلي شاهقة بصوت مكتوم وهي ترفع جسده لها فيميل رأسه الحبيب علي كتفها فتبكي بصمت مترجية : أرجوك أفق أرجوك .. حسناً فلتفق ولتكمل حديثك المؤلم سأسمعك أقسم لك ولن أتذمر .
كانت واعية لتوقف أنفاسه .. واعيه أن روحه خرجت من جسده ولكن كلها أمل كالأطفال تناجيه أن يجيبها : يا دياب أرجوك لست مستعدة .. أبي أرجوك أفق أرجوك ليس لي غيرك أرجوك .
فتحت فاهها متنفسة بلهاث شديد وهي تمدد جسده علي سجادة الصلاة لتقبل علي جسده بسواد الرؤية حولها وما الحل غير أن تفقد وعيها كي تُرحم من لحظات الإنهيار تلك .
والإنهيار الأن يحتاج إما لإيمانٍ قوى أو ضلع متين يُدفن به وهو ضلعها فمن يشهد إنهيارها غير ظلامٍ بشع سيبتلع صدمتها بكل صدرٍ رحب .
أحدثكم عن دياب ..
هو ضلعي المفقود بعد الأن .. 
هو روحي المنكسرة بعد الأن .. 
هو ملامحي الضائعة وعيناى الزائغة ...
هو أنفاسي المضطربة بضيق من بعد الأن ... 
هو ملاذ فراغي وحزني وأفكارى من بعد الأن ..
هو سيكون ملامح أستشفها من بين أحفادى ... 
هو سيكون رفيقي الغير مرئي من بعد الأن ..
هو سيكون دعاء .. أدعو الله برؤيته بأحلامي فيستجيب فأعيش معه الليل بأكمله لاستيقظ وأظل أتذكر الحلم طوال ساعاتي حتي أغفو مجدداً لعله يأتي مجدداً .
هو بناتي الأعزاء .. هو بهن جميعاً كم قال لي .. 
هو مسيرتي المستكينة بأيامه والقائمة بعد فقدانه ...
هو أنا الأن أقوال حازمة كان يقولها سأتذكرها لكي أعمل بها .. لكي أنتبه لبناته .. للقطع الذى تركها لي من بعده كما رغب بأخر كلماته .
هو الأن دموعي التي صاحبت عيناى وبشرتي .. 
هو فرحتي الناقصة بكل جميل حولى .. 
هو انكسار سبأ وتشتت راما وضياع هيا ووجع جيلان وحزن رسيل وانطفاء خضرواتي لورين ..
أغلقت مذكراتها التي صاحبتها لشهرين بملامح حزينة وهيا تدخل عليها مسرعة قائلة بخوف : أمي لقد تعبت رسيل مجدداً ونقلوها للمشفي .
وصغيرتها الحامل لم تتحمل خبر فقدان أبيها فوقعت كما وقعت هي وأصبح حملها متعسراً للغاية جوار حزنها .. هرعت حورية لملابسها وقلبها وجل علي ابنتها وهي تخبر هيا : اجهزى لنذهب لها وأخبرى سفيان ليأتي معنا . 
سفيان الذى انتقل للعيش فوقهم مجدداً لينتبه عليهم وقد أصبح المسئول عنهم .. دعت ربها أن يهون علي صغيرتها رسيل ويحفظها  وانشغل عقلها الحزين علي زوجها بقلقها علي ابنتها وكيف ستخرج من حزنها الذى يبتلعها إلا بحزن أخر .. أو ربما فرحة واسعة ولكن من يشاركها فرحتها غاب ولن تشركه بالحزن لو كان حاضر .
لذا هي تلك المعادلة الصعبة .. حزن قد ينسيكَ حزن أخر لفترة .. وبالأحرى يجعلكَ تتناسي حتي تصمد أمام تلك الحياة القاسية .
يتبع 

________________________________