الفصل الثالث - جسارة الإنتقام
- الفصل الثالث -
صاحت الفتاة بدلال مبالغ به وزيفت غضبها:
- الحقني يا جاسر بيه.. المدام تعبتني جداً ومش عارفة أشوف شغلي
أومأ لها بإقتضاب ثم أطفأ سيجارته في المنفضة ببرود وقال:
- استنيني هنا يا نورهان ولما أكلمك اطلعي..
توجه للأعلى بالغرفة وقد قرر مسبقا إن تمردت مرة أخرى سيذيقها عذابه ولن ينتظر أكثر من هذا على تلك الشُرذمة ليجد أنها أختارت غرفته هو خصيصا لتجلس بها فابتسم نصف ابتسامة ثم دلف ليوصد الباب بالمفتاح ووضعه بجيبه ليجدها على السرير جالسة القرفصاء وترتدي ملابسها مرة أخرى وفستانها الأبيض مُلقى بإهمال على المنضدة وعقدت شعرها كما كان.
نثرت أدوات التجميل بالغرفة بأكملها، بدا المنظر فوضوي للغاية وهو لم يتعود أبدا على ذلك الإهمال وعدم الترتيب.. أخذت تطالع أحدى المباريات على الشاشة بتركيز فتحكم بغضبه فأخذ خطوات نحوها بتمهل واضعا يداه بجيبيه ليشعر بشيء أسفل قدمه فنظر ليجد أنه ذلك العقد الماسي الذي أعطاه لها منذ قليل فابتلع مسيطرا على أعصابه بعد أن تلاحمت أسنانه وترقب وهو يفصله عن إيذاءها ردها المقبل فسألها ببرود:
- بتعملي ايه؟
هزت رأسها بسخرية ونظرت له وكأنها تخبره بعسليتيها هل أنت غبي؟! بينما اجابته سائلة بنبرة تدفع للإستفزاز:
شايف ايه؟
صدح صوته العميق بهيمنة وتحكم مبالغ بهما وقد استطاعت استفزازه ببراعة وكأنها تحكم في بروده الشهير بمنتهى البراعة:
- لما أسأل تجاوبي عدل!
اجابته بإستخفاف:
- بتفرج على ماتش!
وجدته يحك ذقنه بسبابته وابهامه في عنف كمن يستمد صبره وتحدث لها ببرود مجددا ولكنها لم تعلم أنه قد اُستفز مسبقًا وأن هذا هو هدوءه الأخير الذي يسبق العاصفة:
- مش قولتلك هنتصور وعايز اخلص تسبيني مستني ساعتين وفي الآخر بعد كل ده اطلع الاقيكي مخلصتيش!
صاحت مُقلدة اياه ليعقد حاجباه في غضب:
- مش قولتلك أني مش هغير ولا ألبس فستان..
رمقته بإستخفاف مجددًا ثم تابعت كلماتها بخشونة:
- وبعدين ايه الجربوعة اللي أنت رايح تجيبها اللي شكلها بتشقط رجالة من الشارع بعد نص الليل دي، make up ده أنا مبحطوش، عاجبك شكلي كده زي ما أنا هنزل معززة مكرمة آخد الصورة ولا أبقى عطلتك ولا عطلتني، وبعدين أنا مغشتكش، طريقتي وأسلوبي ومظهري مبيتغروش عشان حد، وفضنا سيرة بقا عشان عايزة أكمل الماتش ومش عايزة وجع دماغ..
أومأ لها في تفهم ثم خلع سترة بزته ليضعها بعناية على الأريكة وحرر زرا أساور قميصه الأبيض مشمرا اياهم للأعلى فنظرت له نظرة خاطفة بإستغراب ثم صاحت فجأة دون إكتراث لوجوده كما الصبي:
- يا ابن الغبية!! كنت باصيهاله!
لم يبدي أي انفعال أو تأثر ثم تحدث بهاتفه ببرود:
- مشيهم واطلعي استنيني قدام باب الأوضة!
انهى المكالمة ثم وضع الهاتف جانب سترته وتوجه لشاشة التلفاز ممسكا بسلك تياره الكهربي لينزعه في هدوء من علبة الكهرباء بالجدار
صرخت به ونهضت لتتوجه نحوه وسألته في غضب:
- ايه اللي أنت بتعمله ده، مجنون أنت ولا ايه؟
خلع السلك من الشاشة نفسها دون أن ينظر نحوها وما إن أقتربت منه حتى صفعها بشدة فنظرت له بأعينٍ متمردة وتحدي وكادت أن تتحدث ولكنه سابقها لتخلل أصابعه شعرها ثم تحولت لقبضة عنيفة لدرجة أنها شعرت بإقتلاعه ثم حدثها وأختلفت نبرته الهادئة عن ملامحه التي تحولت للغضب الشديد وعيناه ظلُمت بشكل مخيف:
- أنا بقا هوريكي الجنان على حق
- شغل الـ***** ده مش عليا
تفرس ملامحها الجامدة الصلبة التي عكست عدم خوفها منه ولم يجد أي آثار لكل ما فعله بتلك العسليتان الصلبتان فحدثته سائلة وأنفاسها تتلاحق بسرعة من إلقاءه إياها بمثل هذه الطريقة على السرير:
- أنت فعلاً مجنون.. أنت هتعمل ايه؟
اجابها بشر مبتسماً نصف ابتسامة ساخرة:
- هوريكي الجنان على أصله يا.. يا بنت هشام
انقض عليها لتحاول دفعه بيديها وهي تصرخ به:
- ابعد عني يا حيوان يا..
أوقفها بصفعة أشد من ذي قبل ثم ثبت يديها جانبها بكلتا يداه ليضعهما بعنوة خلف خصرها وبالطبع لم تستطع أن تقاوم ثقل جسده مهما حاولت دفعه فهي بجانبه كالطفلة الصغيرة وصاح بغضب ونظرات الإستحقار امتزجت بأنفاسه اللاهثة وقال بتوعد:
- أنا حيوان يا بنت الكلب؟ إن ما وريتك شغل الحيوانات على أصله مبقاش أنا جاسر ابن شرف الدين وهويدا الأنصاري
قيد يدها خلف ظهرها حتى ثبتهما تماما وجلس فوقها على ركبتاه لينظر لها أسفله بعينان قاتمتان بهما نظرة وبريق مُريب لم تره بهما منذ أن وقعت عيناها عليه، شعرت بخطره وكادت أن تركله بين قدماه ولكن قصر قامتها وساقيها وأيضا نحافتها لم تدع لها الفرصة لضربتها التي ودت تسديدها فقبض على احدى فخذها بقبضته الفولاذية وحدثها مبتسما بإحتقار:
مقتته بإشمئزاز وهي تلاحق أنفاسها ولم تستطع الإفلات ثم صاحت بتحدي ولم تكترث لتلك الملامح الشيطانية التي ينظر إليها بها:
- أنا أشرف منك ومن كل اللي تعرفهم يا قذر!
صفعها بظهر يده وشعرت بطعم الدماء في فمها ثم صاح بها جاذبا شعرها بقسوة:
- أنا اللي قذر برضو! أنتي اللي واحدة قذرة زي ابوكي
اقترب منها مرة ثانية فما منها إلا أن بصقت الدماء بوجهه ليصيح بها:
- آه يا واطية يا بنت الـ***
ألقاها أسفله على الأرض وهو ينظر لها في غلٍ ولم ير أمامه سوى تلك التخيلات التي حدثته بها "هويدا" والدته ودموع عينيها أمامه وقهرها الشديد الذي تحملته لسنوات ليتفاقم غضبه وتحدث بنبرة مقيتة لا تحمل سوى الكراهية والغيظ لتلك الحقيرة أسفل قدماه:
- تصدقي أنك بنت مـ** وسـ** مطمرش فيكي إن كنت عايز اديكي فرصة تظهري للناس قبل ما ابهدلك بس نقول ايه بقا.. تربية *** هيطلع ايه غير واحدة زبالة زيك، وحياة أمي لأعيد تربيتك من أول وجديد.. بتفي عليا يا مـ** يا شـ****، هدفعك تمنها غالي.. وغالي اوي
بصق عليها مثل ما فعلت هي ثم جذبها من شعرها مرة أخرى ليرغم جسدها الضئيل على الركوع على ركبتيها ومن ثم قيد كاحلاها بباقي السلك المتدلي من وثاق رسغيها ثم جذبها من شعرها وأجلسها على كرسي مرتفع نوعا ما كي تستطيع رؤية كل شيء بوضوح و تحدث بشر آمرا اياها وعينيه تلتمع ببريق مرعب ولكنها تماسكت أمام هيئته المُخيفة:
ذهب ليفتح الباب فوجد "نورهان" تنظر له بخوف لتتبدل ملامحه للبرود مرة أخرى ثم تبسم لها وانهالت نظرات الرغبة من عيناه وتحدث بخبث سائلًا:
- ايه يا بيبي خايفة مني؟ جاسر بيخوف ولا إيه؟
جذبها من يدها لتدخل إلي الغرفة وهو يُحدثها مشيرًا نحو "سيرين" وتسائل بإستنكار:
- بصي شوفي عملتلك فيها ايه؟
تطلعت "سيرين" بفزع ووجل من هيئتها المُقيدة، وكف يداه ارتسم على وجهها تاركا علامات حمراء، ومنظر الدماء التي تسيل من فمها أرعبها أكثر لتتمتم في خوف:
- جاسر بيه مكنش ليه لزوم أنا آسفـ..
قاطعها وهو يجذبها من خصرها لتلتصق به:
- لا لا.. بلاش اسمعك تتأسفي عشان واحدة زبالة زي ديه، كده كده محتاجة تربية من أول وجديد بس ده مش موضوعنا، أنا أصلا كنت عايزك عشان وحشتيني
فرغ من نظره إليها ثم ألقى نظره على "سيرين" التي وجدها تنظر له بحقد واحتقار ولم يتوقف عما يفعله وتوجه مرة أخرى إلي "نورهان" وقال:
- عايزك بقا تسيبك منها وركزي معايا..
- طبعاً مش محتاج أعرفك أن لو حرف خرج برا الأوضة هيتملك الأمورة تانيا وصعب بردو تكمل حياتها يتيمة الأم ومش عارفة أبوها هو مين.. مش كده ولا إيه.. مينفعش تانيا تتربى في الشارع بردو
أدركت أنه بتلك الكلمات يهددها ونبرته هادئة لينة للغاية بالرغم من أنه ينبهها أن ابنتها ستكون الثمن إذا ما أخرجت حرفًا من كل ما حدث ولم تبرح الإبتسامة المُرعبة شفتاه لتتوسع عيناها في ذعر لتتواتر الكلمات من بين شفتاها في توتر:
- أنا.. أنا استحالة والله أجيب سيرة لحد يا جاسر بيه أنا أصـ..
أوقفها عن الحديث ملتهما شفتاها حتى يُسكتها تماما عن الكلام ثم ابتعد ناظرا لها بشهوة ووقاحة ثم تحدث إليها قائلًا:
- أنا عارف إنك مش هتزعليني لأنك أكتر واحدة عارفة إن زعلي وحش.. وبعدين خلينا بقا نقول شوية كلام حلوين..
قبلها مرة أخرى حتى بدأت في الإندماج معه وحاوطت عنقه بيداها وغرس هو أصابعه أسفل ظهرها فابتعد عنها وهو يهمس بإعجاب:
- بقينا ملبن بعد الخلفة.. أموت أنا في النسوان الطرية
غمز إليها وهو يداعبها بتلك الكلمات لتصدح ضحكتها بعهر سرعان ما بدل خوفها، لطالما كان تأثيره عليها كلما اجتمعت به لا يُقاوم..
التهم عنقها وازاد غرس اصابعه اسفل ظهرها ثم ازاح شعرها وقبل أسفل أذنها لتبدأ هي بإطلاق آهات المتعة بينما نظرت لهما "سيرين" بتقزز فتلاقت فيروزيتاه بعسليتاها المحترقتان وازداد احتقارها له ولم تتفوه له ولو بكلمة واحدة..
ظلت تنظر لهما وتستمع لعهرهما سويا.. لم يزيدها إلا احتقارا ومقتًا له، ودت أن تتذكر كل ما تراه وتحفره بذاكرتها حتى يكن لديها سببا قويا ودافعا لتكرهه للأبد ولا تتهاون في أخذ حقها وحق موت أمها..
طوال ساعتان وهي ترغم نفسها ألا تفقد الوعي من صفعاته الشديدة التي نالتها منه.. أخذت تستمع لتلك العاهرة وهي أسفل من يُسمى بزوجها تتآوه مما يفعله بها، رآت توحشه بالسرير وطريقته البذيئة وكلماته المجردة من الحياء لتلك الفتاة، أرغمت نفسها على أن ترى كل لحظة لتنطبع بذاكرتها كلما رآت وجهه.. تحملت عُريهما وممارستهما للجنس سويا تحت أنظارها وهي التي لم يمر على زواجها منه ساعات حتى خانها..
همهم براحة في سكون وهي تداعب صدره بأطراف أصابعها بدلال ليقول:
- لا بجد كنتي وحشاني يا بت يا نورهان..
استندت على ذراعها وهي تنظر له كمن قاربت على التهامه بعينيها من جديد وهمست في عهر:
- جاسر بيه أنت بس تشاور
نفث دخان سيجارته بوجهها وهو يبتسم إليها ثم سألها:
- قوليلي بقا الوسـ** اللي هناك دي خسرتك كام النهاردة؟
رمق "سيرين" بنظرة تشفي وانتصار بينما انتظر اجابة "نورهان" التي قالت بغنج وتمنع زائف بالرغم من تأكدها بأنه سيعطيها أموال:
- لا ميصحش خيرك طول عمره مغرقني
قهقه في تظاهر بأن الأمر مضحك ثم صفعها على احدى مناطق جسدها الحميمية وحدثها قاصدًا أن يغيظ تلك الجالسة المقيدة:
- أموت أنا في القلب الأبيض يا أبيض أنت
دوت ضحكاتها المبتذلة فنهض عاري الجسد ليوجه ظهره المنحوت بالعضلات لوجهها ثم ذهب ليعود مرتديا بنطالا قطني بالكاد يغطي أسفله وممسكا بورقة بيده ثم تحدث إلي "نورهان" وهو يُلقي الشيك الذي يحمل مبلغًا جيدًا للغاية بجانبها:
-مش خسارة فيكي.. وبجد كنتي وحشاني..
لانت شفتاها بإبتسامة مليئة بالعهر عندما قرأت المبلغ المالي المكتوب بالشيك ثم أخبرته في امتنان:
- ماتحرمش من خيرك أبدا
نهضت على الفور بعد أن أدركت أن وقتها انتهى فأخبرها آمرًا:
- مش هاوصيكي بقا.. تقلبيها كحل وانتي ماشية عشان مبطيقش النور
حدثته بنبرة مترددة ثم همست:
- عنيا.. بس اصل يعني.. لو ممكن..
تنهد في إرهاق من عدم إرادته لمواصلة هذا الحديث ثم قاطعها وهو يجذب الغطاء عليه وقال:
- عارف إن عينك على هدوم جديدة.. خشي اختاري اللي انتي عاوزاه ومتطمعيش.. ويالا بقا النور
ابتسمت له هي بدلال مبتذل ثم حدثته في امتنان وقالت:
- تنقطع ايدي لو طمعت.. تصبح على خير
اتجهت في طريقها للباب ثم أغلقت الأضواء مثلما أخبرها وهي تمشي عارية ثم رمقت "سيرين" بنظرة مليئة بالإنتصار وأوصدت الباب خلفها بعد أن غادرت للخارج.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لم يغمض لها جفناً منذ البارحة، ظلت تعيد تلك المشاهد مرارا وتكرارا بعقلها بالرغم من اوجاع يدها وكاحليها المقيدتان وتيبس الدماء بجسدها ولكنها تذكرت كل شيء، نظراته التي تحمل الشر، احتقاره غير المبرر، خطأه الكثير بوالدها وكأنما يحمل تجاهه شيئاً ما، كراهيته التى اتضحت بعينيه وكأنها فعلت له شيئًا ما عن قصد أو كأنها آذته بالسابق ففكرت بداخلها وتحدثت إلي نفسها:
- هو ليه كل شوية يشتمني ببابا؟ ليه بيعاملني كده حتى لو مجبر على الجواز؟ ليه بحسه مستني يشوفني خايفة ومرعوبة منه؟ أنا عمري ما شوفته ولا مثلاً شغلنا أثر عليه في حاجة؟ ليه امبارح بصلي بصة مليانة غل وتشفي كده زي ما يكون عملت فيه حاجة وهو بياخد حقه وبينتصر عليا باللي بيعمله؟
أخترق عقلها العديد والكثير من الأسئلة التي لم تجد أي إجابات لها لتُحدث نفسها من جديد قائلة:
- أكيد بابا عنده اجابات على كل اللي بفكر فيه، أخلص بس من الزفت ده واعرف كل حاجة
تهادى عقلها لتلك الإجابة بينما حاولت التحرك ولكنه أحكم تقيدها جيدا لتتمتم بصوت خافت خشية من أن يسمعها فهي ليست في استعداد لجدال جديد معه:
- يارب أشوفك مشلول في ايدك يا بعيد!
توعدت له بداخلها وتنفست بغضب علها تستطيع أن تخفف عن صدرها ما اعتراها من آلم بيديها وكاحليها:
- ايش حال إذا كان ابن حرامية.. هو ايه الافترا اللي في العيلة دي، يعني أكيد عارف إن أمه نصبت على بابا، وبسببها أمي ماتت، ولسه كمان عايز يكمل افترا عليا.. بس على مين، فاكرني من الأوسا* بتوعه، بس وديني لا افرجك يا جاسر الكلب وأخليك تلف حوالين نفسك!
وبعدين يخربيت أهلك.. كل ده نوم! ايه مبتصحاش حتى تدخل الحمام.. جبله نايمه، الحيطة ديه كلها مبتحتاجش مياه، أكل مثلاً.. الله يحرقك بجاز
حاولت أن تهدأ من صراخ عقلها الحاقد لينقذها هاتفه الذي أصدر ذبذبات بالقرب منه لتسمع يده تحاول اجتذاب الهاتف وتحدث بصوت ناعس:
- عايز ايه
تمتمت داخل نفسها في تهكم:
- أخيرا الحيطة صحيت!
آتى صوته لينبهها من تهكمها التي ظنت أنها كادت أن تنطق به بصوت مسموع وهو يقول:
- اخفى يا معتز لما أفوق هكلمك..
لم تصدق أنه تحدث بهذا الإقتضاب الشديد ليخيب أملها واندثر حماسها بإستيقاظه عله يحل تقيدها، ولكن في ثوان لمحت الستائر تُفتح وحدها حتى أدركت أنها ستائر إلكترونية.
رمقته باستحقار وكره وبالكاد استطاعت التركيز من هذا الضوء الهائل الذي ولج الغرفة ليسبب لأنهار عسل عيناها التشويش وعدم الرؤية بوضوح لثوان ثم صدح صوته بينما نظر لها واضعا يده بجيبي بنطاله وتحدث بإستخفاف وتشفي إليها قائلًا:
- صباحية مباركة يا عروسة!
أكشر عن أنيابه مبتسما بإستهزاء وعلو ثم تعالت قهقهاته لتنظر له هي الأخرى مبتسمة بإحتقار ليرى أن لا زال بداخلها جبروت ولم تتعلم شيئا مما بدر منه ليلة أمس ليصيح بعقله:
- وحياة أمي لا أكسرك واحدة واحدة!
وجه ظهره لها مغادرا لحمامه بينما هي يتآكلها الغضب الشديد بعد كل ما فعله بها وبالكاد استطاعت السيطرة على أنفاسها الغاضبة ليخرج بعد عشرة دقائق ملتفا بمنشفة صغيرة بالكاد أدارت أسفل خصره لتطلع له في تعجب، يبدو مثيرا، ووسيما، له كل الحق بجسد كهذا يجعل النساء تهرول خلفه، لديه الثراء، الجاذبية، النفوذ، لماذا هي إذن؟ أحقًا تزوجها فقط من أجل الأموال؟ لماذا فعل كل ما فعله بها وأمام عينيها؟ كان له أن يفعل ما يشاء دون التعدي عليها بمثل تلك الطريقة.. هو حتى لم يتحدث لها بإحترام منذ أن خطت قدماها هذا المنزل!
تسائل عقلها وتحدثت إلي نفسها بينما هو تجول غير مكترثا لها وارتدى بنطالا رماديا مريحا ورداءا يماثله وتوجه خارج الغرفة:
- طب اتجوزتني ليه من غير حتى ما تحاول معايا اني اتنازل أو نوصل لحل ونتفق حتى أن يكون جوازنا جواز على ورق!! بتعمل فيا كده ليه؟!
اختلفت ملامحه وبدا بمزاج مختلف تماما عن أمس لتجده قد صنع بعض القهوة بعد أن عاد متمتما بأغنية لتندهش أنه حقاً يملك صوتا رائعا بالمقارنة مع أخلاقه وطريقته البغيضة
"No matter how many deaths that I die I will never forget, no matter how many lives I live I will never regret, there is a fire inside of this heart and a riot about to explode int.."
"مهما زاد عدد المرات التي أموتها لن أنسى أبداً.. مهما زاد عدد المرات التي أعيش فيها حياتي لن أندم أبداً.. هناك نارا بداخل هذا القلب و شغب على وشك التحول إلي.. "
حمحم بعد أن أنتبه أن تلك الأعين تتفحصه بصدمة، ثم لم يُكمل ونظر لها ببرود، عرفت ما عنته تلك الأغنية، طردت كل الأفكار التي تحسها على ظن أنه قد يكن جُرح من قبل مثلا أو عانى شيئا ما مثلما تخبر الأغنية وتسللت لأنفاسها رائحة القهوة التي احتاجتها وبشدة ليصرخ عقلها حاقدا عليه:
- إلهي تشرق وتموت يا بعيد
شردت بعيدا بعينيها عنه حتى لا يستفزها مظهره أكثر من هذا.. وعادت ليأجج عقلها التفكير، لماذا لم يحلها إلي الآن؟ تغير مزاجه! ظن أنه آخذ بثأره جراء فعلتها بالأمس، حسنا عليه أن يدعها وشأنها الآن لتصرخ بداخلها:
- طيب، أقصاها ربع ساعة وهيفكني..
أخذ عقلها يراهن وتابعت ساعة الحائط في ترقب لتمر الدقائق دقيقة تلو الأخرى وبعد تسع دقائق تسللت رائحة عطره الرجولي المزعج لأنفاسها وبدون مقدامات شعرت بشيء يرتطم بوجهها لتكتشف أنها المنشفة المبتلة التي كان يستخدمها منذ قليل..
أقترب منها بملامح تغيرت كثيرا ومزاج رائق للغاية وفيروزيتان رائقتان لتسخر منه داخلها قائلة:
- لا ده مش ابن حرامية بس، ده ابن مجنونة كمان!
وجدته يفك وثاقها لتتريث وهي تحاول بسط قدميها ببطئ شديد لأن الدم بهما توقف منذ البارحة ومن ثم دلكت يداها ليرتسم الآلم على وجهها ليُحدثها بتشفي مُبتسمًا في استفزاز:
- مبروك يا عروسة.. أول درس ليكي..
أضاف بنبرة امتلئت بالانتقام ثم اقترب منها متوعدًا اياها وهو يقول:
شايفة البهدلة اللي في الأوضة ديه.. عايزها بقا بتبرق في نص ساعة
أكشر عن ابتسامة حتى ظهرت أنيابه وكاد أن يغادر ولكنه توقف والتفت لها وحدثها بغطرسة:
متنسيش الملايات علشان اللي حصل امبارح..
غمز لها رامقا اياها بنظرة انتقام وكأنه أخذ بثأره لتوه ومقتها بإحتقار ثم صفع الباب وسمعت صوت المفتاح يوصده لتهمس هي:
- أبو شكلك يا زفت أنت
بصقت خلفه لتلقي نظرة حولها على الغرفة والفوضى التي بها ثم همست في تأفف:
- يارب!! ليه بس التنضيف، أنا عمري ما نضفت أوضتي حتى!!
ضربت بقدمها على الأرض لتتوجع وتمتمت في ضعف لم يتجلى أبدًا سوى وهي بمفردها:
- آه آه.. الله يحرقك يا زفت!
تنهدت بيأس ثم آتت لها فكرة جيدة لتتوسع ابتسامتها لتتحدث بإعجاب وثقة:
- بتعجزني!! ده بُعدك!
تناولت شرشف السرير لتضعه على الأرض وجمعت به كل شيء وبحثت عن مكان لتضع به آثار الجريمة لتلمع عيناها مبتسمة لتنظر على السرير وبصعوبة رفعت مرتبته واضعة كل شيء أسفلها.
أنهت كل شيء ثم ولجت الحمام وأوصدته خلفها بإحكام ووقفت أسفل المياة الساخنة لتوصد عيناها وتهز رأسها بإنكار وحُزن على حالها لتتحدث إلي نفسها:
- كان مستخبيلي فين، أنا عمري ما عملت حاجة وحشة في حد، بجد واحد فينا هيموت التاني لو فضلنا نتعامل كده!
شردت أفكارها لتوصد المياة وخرجت من كابينة الاستحمام لتلقي نظرة على الحمام حولها ليبدو كقطعة من النعيم، كل شيء مرتب ومنظم بعناية، ذلك الرخام الأسود الصارخ بالفخامة، يبدو كقصر لأحدى الملوك في حد ذاته.
حاولت أن تجد ما ترتديه فلم تجد سوى أثواب الإستحمام فهمست متمتمة:
- ما أنا مش هطلع قدامه بحتة فوطة يعني
تأففت بينما أمتدت يدها لواحد من رداءات استحمامه النظيفة التي طويت بعناية وتمتمت من جديد في تهكم:
- عنده كتير، مش هيموت لو أخدت واحد
نظرت بالمرآة لتطلع لملامحها المُرهقة ثم أقتربت لتتفحص شفتاها فوجدت أنه كان مجرد خدش داخلي ولكن لا زال فكها يؤلمها لتهمس بحرقة غاضبة:
- يارب تتشل
شعرت بالوهن أمام ما فعله بها ثم أخرجت شعرها المبتل ليتجفف وحده ثم نظرت بمرآة على الجدار لتلاحظ مدى فرق الجسد بينهما وأن رداءه كبير جدا بالنسبة لها لتضيف بإستهزاء:
- طبعاً بُرنس فيل وهو شبه الحيطة كده..
هزت رأسها بإنكار وعقدت رباطه حول خصرها بإحكام ثم فتحت باب الحمام لتُخرج رأسها وتجولت بعينها بحثا عنه فلم تجده فخرجت مسرعة ثم جلست بجانب الأريكة منتظرة اياه لتتفقد الوقت وهمست بتذمر:
- آف!! لسه عشر دقايق بحالهم! أنا عايزة امشي واخلص بقى
اراحت رأسها للخلف لتذهب في النوم في ثوان فهي لم تغمض أعينها منذ ليلة أمس ولم تشعر به حين فتح الباب لينظر للغرفة التي لاقت استحسانه ورضاءه ومن ثم توجه ليبحث عنها بعيناه ليجدها نائمة على الأريكة بعفوية، شفتاها افترقا قليلا، أنفاسها منتظمة ويبدو عليها الإرهاق، وتأكد أنها في حالة ثبات تام..
عقد حاجباه مخترق تفاصيلها بزرقاويتاه الجليديتان المتفحصتان ومن ثم وضع يداه بجيبيه وهو ينظر إليها وكاد أن يصرخ به ليوقظها ولكن شيء ما أجبره على تطلع ملامحها الهادئة في سلام!