الفصل السادس - شهاب قاتم
الفصل السادس
ارتشف قهوته وهو يُعيد داخل رأسه كل موقف حدث اليوم معها، منذ أن رآها تهرول خلف أختها إلي كلماتهما منذ قليل، وإلي الآن لا يدري ما الدافع خلف إقترابها منه، ولا يدري ماذا تريد تلك المرأة الغريبة!
لا تعامله مثل الفتيات الثريات ولا تحاول أن تجذبه بمفاتنها، تتمسك بالقيم والعادات بل والدين لتشابه أي إمرأة عادية في مثل هذا المُجتمع المتخلف، ملله أصبح لا يُطاق، وتلك الشخصية الجديدة التي حاول أن يُظهرها أمامها هي ليست سوى طُعم لمعرفة ما تُخفيه وما تُريده..
ولكن تبدو ليست بالسهلة أبداً، وما أزعجه أكثر هو تدخلها الذي لم يغفل عنه في حياته! ماذا تريد من وراء سؤالها له عن أصدقائه وعائلته وعن إرتباطه العاطفي؟
زفر في تأفف وهو يُعيد تذكر كل ما حدث منذ أمس إلي الآن ليجد نفسه ينزعج عندما تذكر تجمع والديها معها ليتناولوا الطعام، ابتلع في مرارة وانزعجت ملامحه كثيراً عندما ذكره ذلك الموقف بما تمناه يوماً ما ولم يحصل عليه..
"ماما أنتي كويسة؟" سأل شهاب والدته التي تبدو وأنها ليست بخير على الإطلاق
"آه يا حبيبي" بالكاد أجابته وهي تجر قدميها بصعوبة حيث المطبخ لتصنع له أي طعام قد تجده لتقف أمام مبرد الطعام الذي لا يتواجد به سوى رغيفين من الخبز وبعض الجبن التي لا تعلم ما إن كانت صالحة للإستخدام لتخرجهما وهي تحاول صنع شطيرتان وبالرغم من علمها أن ذلك لا يكفي طفل في عمره ولكنها وقتها لا تملك سوى ذلك القليل
"بس انتي شكلك تعبان" همس وهو يتفقدها ببراءة
"هاروح للدكتور النهاردة حاضر" أخبرته وبداخلها تعلم أنها تكذب عليه
"طب هاتروحي امتى علشان اجي معاكي؟"
"هتكون يا حبيبي في المدرسة والدكتور موجود الصبح بس"
"طب بابا هيروح معاكي؟"
"آه هياخد إذن من الشغل ويجيلي.. يالا عملتلك السندويتشات.. ركز يا شهاب في الفصل في كل كلمة بيقولها المدرسين علشان تبقى شاطر وتعرف تحل كويس في الإمتحانات، ولما تكبر تاخدني توديني لأحسن دكتور في الدنيا"
"حاضر يا ماما" ناولته كيس الطعام ليضعه شهاب بحقيبته المدرسية التي لاحظت والدته اهترائها فتلك هي السنة الثالثة لإستخدامها لتشعر بغصة في حلقها وهي تنظر له بحزن وقلة حيلة على ذلك الحال الذي وصل له طفلها
"يالا يا حبيبي علشان متتأخرش.. خد بالك وأنت ماشي ومتتخانقش مع الولاد.. سامع؟" حاولت إجبار إبتسامة على شفتيها
"حاضر" همس بالموافقة واقترب ليعانقها بينما أوقفته
"بلاش يا حبيبي علشان متتعديش مني" نظرت له بمزيداً من الحزن ليومأ هو لها ثم توجه للخارج فظنت والدته أنه ذهب لتجر هي قدميها بصعوبة وهي تحاول التغلب على مرضها لتتوجه لزوجها
"كرم.. أنت لازم تشوف حل للي بيحصل ده، الولد حاجته مقطعة، مفيش أكل ليه، حتى مبياخدش مصروف.. طلع جزء يا أخي من اللي أنت بتحوشه لكل شهر، مش هاينفع الولد يكون كده في وسط زمايله"
"رجعنا بقى للزن.. قولتلك مش معايا!" حدثها بسأم زافراً
"مش معاك ازاي، أنت مش هتبطل بقى! ما أنت مرتبك قد كده و.." توقفت عن الحديث لموجة شديدة من السعال الذي باغتها وبعد أن انتهت واصلت الحديث "حرام عليك، أنا هاستحمل إنما ابنك لأ.. الولد هيطلع معقد من كتر الفقر اللي أنت معيشنا فيه، مش علشان المشروع اللي بتحلم بيه يبقى تفرط في حق ابنك" حدثته بنبرة مجهدة من آثار تلك الحمى
"ما تستحملوا شوية، وهو يوم ما أكبر وأعمل المشروع مش ده برضو هيفيدكوا؟" علت نبرته لتنظر هي له بحزن
"نستحمل إيه أكتر من كده؟ دكاترة وعلاج مفيش، أكل مفيش، هدوم مفيش، خناقات علشان الكهربا ولا مصاريف البيت الأساسية حتى مش عايزنا نصرفها.. مش ممكن يا كرم كده، مبقتش عيشة.. وحتى لما قولتلك أرجع عند خالتي أنا والولد رفضت ورافض أي مساعدات منها، يا أخي أنت لا بترحم ولا بتسيب رحمة ربنا تنزل!"
حدثته بحرقة وهي لا تدري إلي متى سيظل زوجها لا يريد إلقاء بال لها هي وابنها، لم تعد تستطيع التحمل، لم تعد تستطيع رؤية حال ابنها بمثل تلك الطريقة وتظل صامتة.. متى سيتحمل زوجها مسئوليتهما؟
"أنا مش هاستنى واحد ست تصرف على بيتي.. اللي بقدر أعمله باعمله وانتي مطالبة تستحملي جوزك وتقفي جانبه"
"هنستحمل لإمتى فقر وكمان قلة وجودك جانبنا، ما كفاية اللي معاك وافتح بيه مشروع صغير وخلاص"
"مش هو ده اللي أنا باحلم بيه!" هدأت نبرته وهو يشرد من احدى نوافذ المنزل والتفت ليُعطيها ظهره لتتقدم هي وتلمس كتفه في حنان
"كرم.. أنا مقدرة إنك طموح وعايز تبني نفسك.. بس أنا بقا زهقت.. زهقت من الكفاح والتعب.. نفسي أعيش مستورة ومبسوطة وخلاص.. أنا مش بشتكي ولا بطلب حاجة زيادة.. إنما أنا مش لقياك جنبي.. مش حاسة بوجودك.. كل وقتك للشغل للشغل.. كفاية بقا حرام عليك" تحدثت بنبرة ارتفعت رغماً عنها
"أنتي عارفة من زمان إن ده حلمي وعمري ما خبيت عليكي.. وما دام هو ده قرارك فأنا مش هامنعك من إنك تعيشي مبسوطة وسعيدة ومستورة زي ما بتقولي.. شوفي اللي يريحك واعمليه!" كان هذا تعقيب كرم على حديثها لتنظر له باكية
"يعني ايه أعمل اللي يرحني؟!" استفسرت في عدم فهم
"يعني احنا وصلنا لطريق مسدود.. الإختيار أختيارك" نظرت له لتنهمر المزيد من دموعها بينما هو لا يزال موليها ظهره
"يعني خلاص.. هتسيبني بالسهولة دي؟" همست في حُزن
"مش شايف حل تاني لأني عمري ما هنسى حلمي اللي فضلت أحلم بيه سنين"
"وأنا.. أنا مفرقش معاك؟"
"مقولتش كده بس أنتي مش قادرة تستحملي شوية" تحدثا كليهما بهدوء لم يتخلله سوى نحيب هادئ من والدته وهو يستمع لهما
"أنا بستحمل بقالي كتير وأنت عارف.. من ساعة ما كنا في الجامعة.. شهاب دلوقتي بقا عنده تمن سنين يا كرم.. عارف يعني ايه؟ يعني بقالي مستحملة خمستاشر سنة"
"وأنا مش هاجبرك تستحملي.. وليكي الأختيار.. لو حابة نتطلق ماشي.. بس مش هتاخدي شهاب" حدثها بهدوء مجدداً لتهطل دمعاتها ويبدو أنها لم تستطع التحمل معه أكثر..
"ازاي عايز تحرمني من ابني؟ أنت بتتكلم بجد؟" سألته في صدمة
"بقولك إيه.." التفت إليها ليلاحظ شهاب وافقاً بجوار الباب لينظر لها في غضب ولكنه توجه نحو ابنه "شهاب يا حبيبي أنت لسه مروحتش المدرسة؟"
"أصل.. أنا عايز مصروف" همس وهو يتفقد وجه والده في براءة بالرغم من تلك الكلمات والمشاجرة التي دارت بين أبويه وتركيزه بها جيداً ولكنه بالنهاية طفل صغير لا يعلم بعد اختيار الوقت المناسب
"بكرة يا حبيبي هديلك مصروف، يالا روح علشان متتأخرش" ربت على رأسه ليومأ شهاب بإقتضاب وتوجه للخارج وتابعه والده بنظره حتى تأكد من عدم وجوده لتتابع زوجته الحديث مرة أخرى
خلل شعره بعنف بعد أن داهمته واحدة من ذكرياته السوداء ليتجرع المتبقي من قهوته جرعة واحدة وتسارعت أنفاسه عندما تذكر وجوده بمنزل فيروز وكذلك تلك الطريقة التي اتبعها معها والدها وإكتراثه الشديد للإطمئنان على حالها وهو حتى لم يغضب منها أو يعاتبها على إخفاء حقيقة ذلك المشروع عنه بل وسألها إذا كانت تملك أموال.. لا يدري لماذا هذا أكثر ما أزعجه بالأمر!!
ظل شارداً وهو يتذكر المزيد ولم يلاحظ تلك العينتان الهادئتان اللتان تتابعه بهدوء، هي الأخرى تُفكر، شخصية كشخصية شهاب السيكوباتية لن تقتنع بمرضها بسهولة، سيكون درب وعر معه مليء بالصعاب ولن تنسى شغفها مهما تفاقمت الأمور!
لا تزال كلمات ماهر لها ونظرية الخير والشر خاصته تدوي برأسها، عرفت عن شهاب الكثير وحتى دون تفاصيل، عليها البدء بإستخراج تلك التفاصيل منه هو شخصياً..
أطالت النظر إليه وهو يتحرك في ملل كل ثوانٍ والإنزعاج الذي يظهر على ملامحه، تثاؤبه المتوالي، لقد تفقد هاتفه في تلك الدقيقتان أكثر من خمس مرات، ألهذا الحد هو وحيد؟
كان من السهل أن تلاحظ علامات تحركات جسده التي توضح ترسُخ السيكوباتية بهذا الشخص، هو الآن على طبيعته الشديدة ولا يعلم أنها تراقبه، إذن؛ شخصيته اللطيفة التي يحاول أن يُظهرها وطريقته اللبقة معها منذ الصباح لا تدل سوى على أنه يريد منها هي شيئاً.. ألا يزال يرتاب بأمرها؟ أم أنه يتسلى من قِبل الملل الشديد الذي يطغى على حياته؟ لقد أتضح عليه يوم أمس طريقة الإذلال والإهانة لأنه لا يعرفها بعد وليس مهتم بأي أمر يخصها ولكن تحوله هذا يعني أنه أصبح مهتماً بشيء ما عنها!
عمل، سفر، علاقات جنسية متعددة، ومحاولات للإنتقام من بدر الدين.. هذه هي حياته!! هل هناك أشياء أخرى يهتم بها ويفعلها وهي ليست على علم بها؟!
عليها أن تكسب المزيد من ثقته، خاصة وأن فرص البقاء بمفردهما بعد اليوم هي لم تُفكر بها كثيراً، عليها إتباع أسلوباً حذراً معه، كما عليها أن تنفي كل ما قد يجعله يرتاب بأمرها من أي ناحية كانت!
توجهت نحو أحدى المبردات بالمتجر وابتاعت زجاجة من المياة ثم توجهت نحوه لتلمح الطاولة أمامه لتجد عليها كوباً من القهوة واحدى الصفيحات المعدنية الفارغة التي تحمل احدى أسماء مشروبات الطاقة ثم تفحصته بعينيها ليبتسم إليها إبتسامة تحمل قدراً عالياً من اللطافة
"معلش لو أتأخرت" أخبرته بوقار شديد لا تقصد من خلفه سوى التصرف برسمية
"ولا يهمك" أخبرها بنبرة هادئة لتلاحظ أختلافه الشديد عن يوم أمس ليزداد تأكدها بأنه يُريد منها شيئاً ما
"طيب احنا كده شوفنا الأرض، وعرضت عليك المشروع وتقريباً مستنية بس موافقتك، ولو وافقت ساعتها هنقدر نتكلم في التفاصيل اللي بعد كده" أومأ لها مهمهماً ثم تفقدها لبضع ثوان بداكنتين تتفحصها حتى كادت أن تتحدث ولكن صدح هاتفه بالرنين ليجيبه فوراً
"تمام.. نعم!!.. ممكن بليل، في الشركة أو مكتبك مش هاتفرق.. على تسعة كويس.. سلام!"
عدة كلمات مقتضبة كان لها تأثير بشع من إنزعاج قرأته في عيناه وتجهم ملامحه كان أسوأ من تلك المرة الأولى التي رآته بها لتتابعه في صمت وهو يضع هاتفه بجيبه مرة أخرى وبُنيتيه لم تفارق عينيها بطريقة غريبة للغاية حتى أوشكت على سؤاله لماذا ينظر لها بمثل هذه الطريقة الغريبة ولكنه بالنهاية تحدث
"فين ورق الأرض؟" سألها بنبرة لا تدري لماذا شعرت أنه يتهمها بشيء ما
"موجود.. ممكن بكرة لو حابب أعدي عليك في الشركـ"
"أنا عايز أشوفه دلوقتي" قاطعها وهو ينظر لها وكأنه يراها كاذبة وقرأت الشك الشديد بعينيه لتحمحم وهي تُدرك أنه لو صمم أن يرى أوراق الأرض الآن سيكون عليها أن تواجه أكبر مخاوفها التي كانت تحاول أن تبعد عنه كل البعد طوال السنة الماضية
"تمام، هو في شقتي أنا وماهر" كان يصعب عليها التحدث ولكنها ستحاول أن تثنيه عن قراره "بس هي في التجمع ومش عايزة أضيع وقتك في مشوار طويل و.."
"لا أنا فاضي" قاطعها وهو يُضيق عينيه تجاهها ورآت تلك النظرة التحليلية التي تتهمها بعينيه وكان عليها أن تتخذ قراراً وبسرعة، أن تذهب لشقتها معه الآن وتُحضر الأوراق وتنفي كل الإتهامات عن شخصها أو تخسر كل محاولاتها في الحصول على ثقته
"إيه، في مشكلة ولا حاجة؟" رآت بعينيه وكأنه واثق أنها تمزح معه من البداية بهذا الأمر "ولا مفيش ورق معاكي أصلاً؟ ولا الموضوع كله مفيهوش ورث" ابتسم نصف إبتسامة بملامح ظهر بها إدراك أنها تريد من خلف كل ذلك شيئاً آخر سوى ذلك المشروع لتنظر له في وجوم امتزج بالتوتر ليقهقه بخفوت ويده كادت أن تمسك بذراعها وملامحه اختلفت بشكل غريب لتعود هي خطوة للخلف لتنظر له بجدية
"لا طبعاً اتفضل نشوف الورق!" أخبرته لتتركه خلفها وخفق قلبها في خوف من مجرد رؤية منزلها والتواجد به مرة أخرى وأخذت تفكر أنها لما كان عليها الإنصياع وموافقة بدر الدين على وضع تلك الأوراق اللعينة بمنزلها هي وماهر!! ولكن كان هذا الحل الوحيد أمامها لتُنفي جميع التهم التي تقرأها بعينيه وتبرهن له أنها تستحق ثقته حتى ولو تطرق الأمر لحياتها الشخصية!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"ها.. هيوصل امتى؟" سألته سارة التي حافظت على إظهار ملامح الحُزن على وجهها
"هنتكلم النهاردة بليل وهارد على حضرتك أو على المِتر" أشار المحامي الخاص بشركة والد شهاب والذي كان يتابع كل ما يتعلق بشئون قانونية له إلي المحامي الآخر الذي حضر مع زوجة كرم
"وليه مش دلوقتي؟"
"حضرتك جاية من غير معاد ومحدش كان على علم بالموضوع، غير إن حضرتك وقت إعلام الوراثة مكونتيش موجودة وموضوع الجواز ده احنا لسه عارفينه! يا ريت تدينا فرصة وهارد على حضرتك"
"وده هيكون امتى يا ترى؟!" تناولت نفساً عميقاً وهي ترفع وجهها في علو شديد
"في خلال يومين.." أخبرها برسمية ثم تناول احدى البطاقات من أمامه "ده رقم موبايلي المباشر لو حضرتك احتاجتي حاجة بخصوص الموضوع في أي وقت.. وياريت المِتر يسيبلي رقمه وأنا هابلغه على طول"
"اتفضل" نهض المحامي ليترك له بطاقته وتناول البطاقة الأخرى منه بعد أن نظرت له سارة بتآفف
"هرد عليكم في أقرب وقت إن شاء الله"
"طيب نستأذن احنا" تحدث له الرجل لتنهض سارة وأومأت إلي المحامي بزهو ثم تركته ليتبعها المحامي الخاص بها وتركا خلفهما المحامي الخاص بكرم ليقع في حيرة شديدة تجاه الأمر برمته وأخذ يتذكر كل الإجراءات القانونية التي أجراها لصالح كرم منذ العديد من السنوات وكيف لم يخبره أبداً عن وجود زوجة وابن صغير له!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
عصراً في نفس اليوم..
"انده دكتور وكلم بسرعة بدر أو أختك وجوزها ولا إخواتك!"
لا تزال تتذكر تلك الجملة التي تحدثت بها هديل، ممن تزوجت زينة؟ ومنذ متى وهي متزوجة؟ ماذا حدث لها بعد تلك الليلة السوداء مع شهاب؟ يبدو أنها قد فاتها الكثير!!
كان عليها اتباع الصمت التام كي تعرف ما فاتها، ذلك السكوت والشرود وعدم التحرك وتظاهرها بأنها لا تستطيع تحريك قدميها كان الحل الوحيد.. تحاول النظر حولها كلما كانت بمفردها كي تعرف بأي يوم هي ولكنها لا تستطيع!! تريد أن تحصل على بعض الوقت بمفردها دون تواجد هديل الدائم معها كي تستطيع التصرف وحدها!
لا يُمكن أن والدتها تمكث كل ذلك الوقت بشكل دائم معها، لا يُمكن أنها تغيرت لتُصبح تتعامل مع بدر الدين وأخواتها بمثل هذه الطريقة.. وأين زينة؟ أيُمكن أن تكون تزوجت من سليم؟
شعرت بخفقات قلبها تتصاعد في رعب ما إن كان ما تُفكر به حقيقي!! لا.. هذا لن يحدث أبداً طالما هي حية على وجه الأرض!!
وجدت دموعها تنهمر بغلٍ شديد لتستمع بعدها إلي صوت والدتها الذي لم تعد تتحمله، فلماذا هي متواجدة بجانبها على كل حال؟
"أروى يا حبيبتي فيه إيه؟ أنتي كويسة؟ فيه حاجة تعباكي؟ ردي عليا يا حبيبتي!!" صرخت هديل في وهن لتصرخ أروى وتصنعت النحيب لتهرول هديل إلي الخارج لتتوقف أروى عن البكاء ونهضت مسرعة نحو هاتف هديل لتُصعق من ذلك التاريخ الذي قرأته!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"سولي.. مش هنروح نطمن على أروى؟" سألته زينة بينما كانت تُعلق ذلك البرواز الذي حمل صورتها هي وسليم بغرفته التي اعطتها لهم نورسين عندما آتيا
"زينة أنا مفرهض أوي النهاردة.. خليها بكرة يا حبيبتي" اجابها بهدوء
"طيب مش هاننزل نتغدى معاهم؟" توجهت نحوه وهو نائماً على السرير ثم جلست أمامه
"بقولك إيه.. كفياكي فرك بقى وتعالي دلعي جوزك شوية" غمز لها ثم جذبها إليه بشدة
"يا سولي ده هو النهاردة اللي نصه ضاع وبكرة وهنسافر تاني" أخبرته في دلال
"النهاردة بقى ولا بكرة ولا كمان شهر.. أنا عريس يا روح قلبي لسه"
"كمان شهر!! لا يا حبيبي متفقناش على كده.. احنا يادوب نرجع من السفر مع سيدرا وأدهم وكل واحد فينا على شغله" حدثته بجدية
"لا لا ثانية واحدة.. شغلي أنا هاروحه، إنما شغلك ده إيه إن شاء الله؟" نظر إليها متفحصاً وجهها بجدية هو الآخر
"شغلي.. هانزل المواقع تاني و"
"ولا تاني ولا تالت.. مش هاينفع تنزلي الشغل خالص الفترة دي" قاطعها نافياً
"وده ليه بقى؟!" رفعت حاجبيها بإستفسار لتبتعد عنه وجلست أمامه مرة أخرى
"زينة بلاش مناقشات كتير، أرجوكي اسمعي الكلام! متخليناش نفتح في مواضيع ملهاش لازمة"
"وأنا بقى إني اشتغل ويكون ليا كاريري وحياتي دي حاجة ملهاش لازمة عندك!! حقيقي مكونتش اتوقع إنك تفكر كده أبداً يا سليم!" احتدت نبرتها ليزفر هو متآففاً ثم نهض تاركاً سريرهما
"أنا مقصدش كده.."
"امال تقصد إيه بالظبط؟"
"قولتلك أرجوكي متخلنيش افتح في مواضيع مش هتجيب غير النكد والخناق!" ارتفعت نبرته وسيطر على وجهه الإنفعال
"لا افتح، ما دام الموضوع هيتعلق بشغلي افتح براحتك"
"ماشي يا زينة" نظر إليها غاضباً وبدأت أنفاسه في التعالي "لما تنزلي الشغل والكلب اللي اسمه شهاب ده يعملك حاجة ولا يأذيكي بأي شكل هيكون كويس؟ احنا حوالين مننا حراسة قد كده لغاية ما نعرف اخرة الزفت ده ايه! يبقى شغل ايه اللي انتي عايزة تنزليه لما نرجع ده أنا مش فاهم، إيه غبية للدرجادي ومش قادرة تفهمي ده؟" اندهشت زينة من طريقته لتنهض وواجهته غاضبة هي الأخرى
"مش هانخرج علشان شهاب، مش هاشتغل علشان شهاب، مش هانعمل علشان شهاب، شهاب شهاب، إيه بقى.. ما نموت نفسنا احسن ونوقف حياتنا عليه!"
"تصدقي أنا غلطان! أنا سايبهالك يا زينة!" اجابها بغضب ثم توجه تاركاً الغرفة ليصفع الباب خلفه وتابعته زينة بزرقاويتيها وهي حقاً لم تفكر من قبل كم أن شهاب سيؤثر على حياتهما سوياً!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"حضرتك ناقص كده اجتماعين ورا بعض الساعة ستة وسبعة، والعشا بليل مع الوفد الصيني" تحدثت لميس بإبتسامة ليومأ لها عمرو
"طيب شوفيلي حد يجيبلي أي غدا خفيف"
"حاضر، بعد إذنك يا دكتور"
خرجت لميس بخطواتها التي تشابه احدى عارضات الأزياء من مكتب عمرو صفوت احدى رجال الأعمال في نهاية العقد الثالث من عمره وهو الذي تولى ما خلفه له والده من مجموعة شركات وعدة وحصة في العالم الإقتصادي بإستيراد وتصدير الأدوية وكذلك صُنعها بعد أن درس بكلية الصيدلة وعمل مع أبيه لسنوات حتى توفى وترك له جميع ما يملكه..
أخذت هاتفها لتجيبه بمنتهى الضيق وهي تتآفف من والدتها التي تبدو لن تتفهم أبداً أهمية عملها لديها..
"كلمتيني مليون مرة وأنا مردتش، صعب أوي إنك تفهمي إني مشغولة؟ عايزة إيه؟"
"يا بنتي بطمن عليكي" اخبرتها وصوتها يسيطر عليه الحزن من طريقة ابنتها التي لا تتغير أبداً
"أنا زي القرد، ولا مش هاتغدا ولا هاتعشى في البيت، كلي انتي وسيبيني بقى أشوف شغلي"
"حقك عليا يا بنتي أنا آسفة"
"يا ساتر" نفخت زفرة بضيق وهي تنهي المكالمة وهي لا تكترث لوالدتها التي وجدت ابنتها تنهي المكالمة بمثل تلك الطريقة لتفر احدى الدموع على وجه هيام
"يارب اصلح حالها وطمن قلبي عليها.. يارب بلاش تعاقبني فيها.. أنا ندمانة على كل اللي عملته وتوبتلك توبة نصوحة، بس بلاش تردهولي فيها لأجل حبيبك النبي!!" همست تناجي ربها في حرقة لتنهمر المزيد من دموعها لتتحول إلي نحيب جارف بسبب ماضٍ طائش تشعر وكأنها تتحمل كل عواقبه وحدها دون أحد يهونه عليها..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تفقدت الساعة التي عبرت الخامسة عصراً بقليل ولم تدري لماذا يسيطر الإنزعاج على ملامح شهاب منذ تلك المكالمة الهاتفية ولا لماذا تغيرت طريقته اللطيفة عن صباح اليوم، أهناك ما أدى لتغير مزاجه، أكان بسببها هي أم بسبب تلك المكالمة؟! ظلت تتعجب بينها وبين نفسها وأطنبت التفكير فهي لم تعد تستطيع التحدث بالمزيد إليه كما أنها لا تتحمل فكرة أنها ستتواجد بشقتها اليوم بعد ما يقارب من عام كامل بمفردها!
"آلو" أجابت هاتفها الذي أخرجها من دائرة أفكارها
"إيه ياختي.. مفيش كده مكالمة تطمني على أخوكي هاشم الغلبان؟"
"بذمتك من قلبك ولا أختك زاقاك عليا؟" ابتسمت فيروز وهي تتحدث إليه
"من قلبي وربنا.. ما تيجي الويك اند ده تقضي معانا يوم من اوله، وحشتيني والله يا فيروز جداً"
"وأنت كمان يا حبيبي وحشتني جداً" رمقها شهاب الجالس بجانبها بطرف عينيه وقد لاحظته
"ست هبة خلاص، الوحيدة اللي حامل في الدنيا، من ساعتها وهي عايزة تقعد تاكل وعايزة اللي يخدمها"
"يا عم ما تسيبوا البنت تتدلعلها شوية.. بكرة يجولها العيال يلهوها وتبقى مش ملاحقة على الشغل والتربية، بس سيبك منها واحكيلي شغلك عامل إيه؟"
"ما هو يعني أنا كنت ناوي أعزمك بقى بمناسبة" حمحم ثم تابع "Senior Accountant"
"ياغتي يا ناس على الشطار.. مبروك يا H، والله فرحتلك بجد" صاحت بإبتسامة
"لو فرحنالي يبقى تقبلي العزومة"
"يا سلام من عيني.. يوم الجمعة الجاي من النجمة هتلاقيني عندك"
"وبصراحة يعني كنت عايزك كده في حوار مهم حبتين.. بس ياريت ملقاهوش عند هبة"
"أوبا.. شكل كده الحوار مهم.. وبعدين سرك في بير متقلقش"
"ماشي يا دكتور!! هستناكي"
"هاجي إن شاء الله"
"تمام.. كده بقى أبلغ دكتور هبة ونلم العيلة بقى.."
"خلاص، اتفقوا وابعتلي على الواتساب"
"تمام، يالا عايزة حاجة؟"
"متحرمش منك يا حبيبي"
"ماشي يا دكتور سلام"
"سلام" ابتسمت بعذوبة بعد أن أنهت مكالمتها ثم التفتت لشهاب لتجده بنفس الملامح المتجهمة التي لا تعرف ما سببها
"هانكمل ازاي؟" سألها بعد أن اقتربا من مفترق طرق
"هناخد الصينية دي ونكمل على طول في تاني يمين" أومأ لها في تفهم
"أنا عارفة الطريق طويل علشان كده مكونتش عايزة اتعبك" أخبرته في امتنان بينما لم تجد رداً منه لتتعجب لهذا الجفاء
"شهاب هو فيه حاجة حصلت مخلياك متضايق؟" سألته وقررت التنازل أخيراً عن الصمت المبالغ به
"لا" اجابها بإقتضاب شديد
"أنا ملاحظة إن جالك مكالمة ومن ساعتها شكلك مضايق" التفت إليها وبداخله يستجوب نفسه، ألهذا الحد تلك المرأة تستطيع أن تقرأ ملامحه التي ينخدع بها الجميع بسهولة؟!
"لا خالص" أجبر إبتسامة حاول تزيفها ببراعة ولولا أنها بدأت في التعرف على ابتساماته الكاذبة لصدقته
"يمكن!" هزت كتفيها ثم أعادت نظرها على الطريق لتجد أنها اقتربت للغاية من منزلها "الشمال الجاي" همست وحاولت أن تتغلب على مشاعرها التي خلفت جلبة غير مسبوقة منذ وفاة ماهر "أيوة الفيلا اللي على اليمين دي" أقترب شهاب مثلما أخبرته هي ليصف السيارة ثم أطفأ المحرك ليلاحظ أنها لم تتحرك للترجل من السيارة وقد لمح التوتر يسيطر عليها
"إيه مش هاتنزلي؟" سألها بينما حمحمت وأطلقت تنهيدة في خوف
"أصل.. أنا ماجيتش هنا من ساعة ما ماهر اتوفى" تحدثت بصعوبة ليهمهم هو دون إكتراث ثم تذكر أنه يحاول أن يبدو لطيفاً معها اليوم
"معلش.. بس أنا محتاج الورق" أخبرها بنبرة فارغة من المشاعر ثم ترجل من السيارة لتحاول هي تمالك نفسها وهي تلعن ذلك اليوم الذي وافقت به على علاج هذا الرجل ثم ترجلت هي الأخرى ونظرت لتلك الفيلا المكونة من ثلاثة طوابق تشاركت بها مع جيرانها بالطابقين السفليين لتنتعش الذكريات بعقلها
"لو عليا كان نفسي اجيبلك الفيلا كلها ليكي لوحدك يا فيروزتي" أخبرها ماهر لتنظر هي إليه بإبتسامة
"يا حبيبي ربنا ما يحرمني منك.. أنا عارفة إن الموضوع كلفك كتير ومكنش والله لازم تجيب شقة غالية اوي كده"
"امال عايزة أميرتي تعيش في مكان أقل من ده، أنا نفسي مش هاوافق أبداً، وبعدين لسه لما ابقى سيادة اللوا هاجيبلك الأحلى منها"
"أنا بقول كفاية دلع بقى يا سيادة اللوا، مش هاتفرجني على الشقة ولا إيه؟"
"ولو مدلعتش فيروز حبيبتي ادلع مين بس؟" ابتسمت له بخجل ثم أمسكت بيديه وهي تنظر إليه بإمتنان شديد وفرحة تملكت منها، فهي تعلم كيف عانى كثيراً ليُحضر لهما تلك الشقة وقد أفنى عليه جميع مدخراته فقط ليحاول المحافظة بشتى الطرق على نفس المستوى الذي شب كلاهما عليه
"فيروز.. فيروز.. سمعاني"
"أيوة سمعاك، فيه إيه بس يا مـ.." تعجبت لماذا تبدو نبرة ماهر هكذا بذلك الملل وكذلك صوته تغير كثيراً ثم توقفت من تلقاء نفسها لتجد شهاب يهز يدها لتجتذبها مسرعة من يده وقد أدركت أنها قد كانت حبيسة في سجن من الذكريات التي حاولت أن تتجنبه منذ رحيل ماهر..
سارت مسرعة حيث المدخل بينما تبعها شهاب الذي تعجب من حالتها منذ ثوان وذهب عقله ليُفكر بأن تلك المرأة تُخفي عليه أمراً لتلتفت فيروز إليه
"معلش بس؛ هو حضرتك رايح فين؟"
"طالع معاكي" اجابها بتلقائية متفحصاً ملامحها
"أنا آسفة.. بس مفتكرش إني قولتلك تتفضل!" حدثته برسمية
"مش هتقوليلي اتفضل، ومش هاستناها منك، وبصي علشان أنا ابتديت أزهق، أنا من ساعة ما جبتلك سيرة الورق وأنا ملاحظ إنك مـ"
"أظن إني قولتلك من ساعة ما جوزي ما مات وانا مجتش هنا، إيه! مش قادر تقدر حاجة زي دي" قاطعته بحدة وحاجبان متقاربان في إنفعال
"البقية في حياتك.. ومقدر.. بس أظن إني مش هاثق في شوية كلام.. ومن حقي أشوف الورق ده، وبعدين أضمن منين إنك مش متفقة مع حد ممكن يكون موجـ"
"بس بس!!" قاطعته مشيرة بيدها إليه أن يصمت لتوقفه عن الكلام ونظرت له بخزي شديد وكأنها ليست تلك الأخصائية النفسية التي تحاول أن تعالجه "اتفضل" رمقته مجدداً بخيبة أمل ونست أنها تتعامل مع رجل مجرد من المشاعر لتصعد أمامه وهو يتابعها..
ظل ناظراً إليها وذهب عقله للتفكير بشهوانية تامة!! أنزعج من أنها ليست كمثل بقية النساء اللاتي يتباهين بأنوثتهن، لماذا تخفي جسدها خلف تلك الملابس؟ كم كره تلك الملابس التي تعيق استكشافه وحب استطلاعه لقوام النساء!
وقفت لتبتلع وأطلقت تنهيدة تخللها الخوف مما ستواجهه وأخرجت المفتاح لتضعه بباب الشقة ثم فتحته وترددت قبل الدخول ثم همست إليه
"اتفضل" آتى صوتها مهزوزاً لما تغلب عليها من حزن بينما فهم شهاب أمراً آخر تماماً وهو أنها تخفي عليه شيئاً
"لا اتفضلي أنتي الأول" أخبرها بنفاذ صبر وهو يتابعها بداكنتيه
"والله ما تيجي.. اتفضلي انتي الأول" أخبرها ماهر بإبتسامة لتقهقه هي
"يا سلام يا سيادة اللوا! أوامر يا باشا"
حاولت طرد تلك الذكريات وهي تمد يدها لتضيء الأنوار لتقع عينيها على أثاث المنزل الذي تراكم عليه الأتربة بطريقة جعلت فؤادها يتمزق لأشلاء وهي لا تُصدق أن تلك الجدران التي جمعتها يوماً بماهر بكل أمل وعشق بينهما أصبحت تشابه الخراب الذي لا عمار له.
"معلش، البيت بقاله كتير متفتحش، ثواني وهادخل أجيب الورق من أوضة النوم" أخبرته دون أن تنظر لها ولم تعد تكترث إلا لشلال الذكريات التي داهمها وأغرقها حزناً ليجعل الدموع تنساب على وجهها في صمت..
توجهت بخطوات بطيئة وهي تتفقد أركان المنزل التي جمعتها بزوجها لتبدأ لا تلقائياً بالنحيب، لقد تناولا الطعام هنا يوماً ما، شاهدا مبارة النهائي في هذا الركن، وهناك كانت أول قبلة جمعتهما.. كيف لها أن تنسى كل ذلك؟ كيف لها أن تُكمل حياتها دون وجوده؟
استندت بوهن على باب غرفة النوم ومدت يدها المرتجفة لتضيء الأنوار وما إن وقعت عينيها على ملابسه المُعلقة على مِشْجب الملابس أجهشت ببكاء مرير لم تستطع السيطرة عليه..
توجهت مهرولة نحو ملابسه لتعانقها في شوق جارف وأخذت تبكي بحرقة وهي لا تتحمل بعد فكرة موته بين ليلة وضحاها
"سيبتي ليه يا ماهر بس؟" همست بين بكاءها وهي تجذب الملابس إليها أكثر
"طب ما تيجي تبات معايا عند ماما بس الليلادي هيحصل إيه؟ مش فاهمة إيه لازمة إن كل واحد فينا يبات عند مامته!"
"يا حبيبتي أنا عايز اطمن عليكي وانتي في اول الحمل.. أنا كده كده هاغيب فترة طويلة المرادي، يمكن اجي كمان شهر ولا حاجة، يبقى منها مطمن عليكي عند طنط ومنها كمان اقضي الليلادي مع ماما" مسح على شعرها في حنان ثم اقترب ليُقبل جبهتها
"علشان خاطري اسمعي كلامي.. أنا عارف طنط وعمو وفريدة بياخدوا بالهم منك ازاي" نظر لها في ترجي لتومأ هي له بالموافقة
"ياريتني ما وافقت ولا خليتك تروح! وحشتني اوي يا ماهر" همست بهيستيرية ونست تماماً أن شهاب ينتظها بالخارج ولم تدرك أن صوت بكاءها قد جعله يتبعها ليقف وهو يراقبها بصمت وتعجب شديد لتجعله يُفكر أنها ممثلة محترفة قد خدعته ببراعة!
أطال من النظر إليها وإلي حالها ليبتسم نصف ابتسامة في سخرية، لا يستطيع مجرد تحمل فكرة أن هناك إمرأة تعشق زوجها إلي ذلك الحد، من أين لها بكل تلك التمثيلية الرائعة؟ أهي تحاول أن تثنيه عن رؤية الأوراق الخاصة بالأرض؟ لا لن ينخدع أبداً حتى يعرف ما خلف هذه المرأة..
"اشمعنى هو؟ اشمعنى هو من بين كل زمايله؟ ليه موتوه؟" التفتت إليه وهي تهذي بالكلمات ليرى وجهها الذي جعله يتراجع عن تفكيره منذ ثوان، يستحيل أن هناك من يستطيع التظاهر بمثل هذا البكاء والآلم البادي على وجهها الذي صدق شهاب أنه حقيقي تماماً وعقد حاجباه وكأنما شُل لسانه فلم يدر بم يخبرها..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يتبع...