الفصل الثامن والعشرون - مملكة الذئاب Black
الفصل الثامن والعشرون
لم يكن
الأمر هين حيث كان الطريق طويل....وظلوا يسيرون لمده تخطت الخمس ساعات بدون
راحه.... كما ظهر الإرهاق على ساب الذى لم يتناول طعاما منذ صباح أمس..... فهو
كعادته ينسى أن يتناول طعامه...... وهذا جعل قدرته على الإستمرار بالتحرك تقل
بمرور الوقت......
ولكنه
حاول عدم إظهار هذا للملك حتى لا ينعته بالصبى..... فهو مرتاح لكون الملك لم يوجه
له أى حديث منذ دخولهم للغابه..... كما أن ساب كان مشغولا بجمع بعض الأعشاب التى
يحتاجها بحقيبته....كما أنه وجد بعض النباتات التى ظن أنه
لن
يراها يوم سوى بالكتب فقط.....
كان
يظهر علي ساب الإنبهار حين يرى أحد النباتات النادره..... أو التى لا تظهر إلا
بمناخ وبيئه معينه.... كان الملك يراقب ما يفعله.... ولكن لم يعلق فهو لا يريد أن
يخيفه.... فقد لاحظ أن الصبى بدأ يتعامل بعفويه فى حضوره.... كما أدرك أنه علم
بالطب والعلاج بالأعشاب.....
وهنا
تسأل الملك: لماذا لم يعمل بهذا المجال إذا كان بارعا به؟!....
ولكن
جذب إنتباه ورده شكلها أبيض.... كاد يقترب منها ليقطفها فهى تذكره بالورود التى
تقوم كيت بزرعها..... إلا أن ساب لاحظ إقترابه من هذه الزهره...
فأسرع
إليه وهو يقول بحده: لا تفكر بلمسها حتى... فتعجب الملك من هذا..... ثم نظر له....
وقال بحاجب مرفوع: ولما هذا؟!....
أجابه
ساب ببساطه: لأنك ستلقى حتفك بعدها بساعات قليله..... فظهرت الصدمه على وجهه
الملك... فأكمل ساب شرحه.... وقد نسى ألم معدته بسبب قله تناوله للطعام .....
هذه ورده الشوكران نوع من أنواع الزهور السامه..... لكن مازال هناك الكثيرون لا
يعلمون بهذا..... إلا أن أحد العلماء كتب عنها بأحد كتبه.... ورسم لها رسم موضح
حتى يعرفها القارئ إذا رأها....
كما أن
البعض قد لاحظ موت الحيوانات والأشخاص الذين يقتربون منها بعد ساعات معدوده....
كما سمعت أن أصحاب النفوس السوداء. قد يأخذون هذه الزهره ويقوموا بخلطها بالطعام
والشراب...لمن يريدون قتله وتظهر علاماتها بعد ساعتين من تناولها....
حيث أن
الماده السامه بها تتفاعل مع مخاط الفم عند مضغ النبات..... وتظهر أعراضها على شكل
عصاب.... ثم رجفه فى الأطراف..... ثم ترنح بالمشى.... ثم يشعر صاحبه بهبوط
حاد..... وتباطء بنبضات القلب.... والتنفس.... ثم الموت الناتج.... على توقف فى
الجهاز التنفسى..... فيمت بعد معاناه خمس ساعات.....
بإختصار
من يرد الموت البطئ لاحدهم فاليعطيه هذه الزهره..... أعجب الملك بكم المعلومات التى
أخبره بها هذا الصبى..... فسأله: ولماذا منعتنى من لمسها إذا كانت قاتله لمن
يتناولونها فقط؟!....
أجابه
ساب قائلا: لأنك لو قمت حتى بلمسها فإن مادتها السامه..... ستنتقل إليك مباشره عن
طريق جلدك الخارجى..... وعندها ستمر بتلك المراحل التى أخبرتك عنها منذ قليل.....
أوما
له الملك وأكمل متسألا: ولكن هل من الممكن إنقاظ من يتناول هذه النبته
بالدواء؟!.....
رد
عليه ساب ببساطه: للأسف لا.... حيث أن أعراضها لا تظهر إلا بعد ساعتين من
تناوله..... أى تكون بعد ما تفاعلت مع الجسد وأصبحت جزء منه..... فيكون خروجها منه
مستحيلا..... ولكن من الممكن أن يأتى أحدهم بعلاج لها بالمستقبل....
فأكمل
الملك طرح الأساله: إذا لا يوجد لها علاج!!.... أجابه ساب بهدوء: لا لا يوجد لها
علاج.... سوى إن كنت تهتم لأمر من تناول تلك الزهره.... أن تقوم أنت برحمه
وتقوم بقتله..... حتى لا يشعر بكل هذا الكم الكبير من الألم.....
فسأله
الملك مره أخرى: من المؤكد أن هناك أنواع أخرى من هذه النباتات السامه؟!....
أجابه
ساب بسلاسه: أجل هناك الكثير... ولكن أكثر ما جذب إنتباهى.... هى زهره الشوكران
التى رأينها وحدثتك عنها..... وكذلك نبته الدفلى الجميله... وهى تمتلك شكلا جذاب
وألوان مبهره... كالأبيض والأحمر وغيرها..... وكذلك زهره التوت الأبيض
السامه....كلها أنواع من الزهور السامه......
أصبح
الأمر ممتع..... حيث إبتسم الملك حين وجد ساب يحدثه بعفويه..... بل بشغف عن
النباتات... كما كان يمشى جواره بعد أن ظل بعيدا عنه طوال رحلتهم..... وصدقا فقد
إستفاد الملك من كل تلك المعلومات التى أخبرها إياه ساب.... فهو لم يكن يعرف عن
النباتات سوى أنها أزهار تعشق المرأة من يهديها إياها.....هذا كل ما يعلمه عن
الزهور.....
وبعد
مرور بعض الوقت وجدوا أنفسهم قد تخطوا الغابه.... وأصبحوا أمام أراضى واسعه مليئ
باللون الأخضر المريح للعين.... إبتسم ساب لهذا وكم شعر بالألفه للمره الأوله تجاه
الملك بعد هذا الحديث الممتع.... وهذا أول شعور مختلف غير الغضب يشعر به ساب
تجاه الملك.....
إبتسم
لتفكيره وظل الحديث قائم بينهم.... إلى أن وجدو رجل ما ببنيه قويه ووجهه متحجر له
هاله تشعرك بالخوف عند الإقتراب منه... ويملك علامه بوجهه تعطيه هاله من الرعب....
ولكن
ساب نظر له بحاجب مرفوع.... حين لاحظ نظرات الرجل له...... إبتسم ساب بسخريه هل ظن
هذا العملاق أنه سيشعره بالخوف إذا فهو يحلم..... ولكن من شكله أدرك ساب أنه رجلا
كبير وعمره قد تخطى الأربعون.....
توقف
كلا من ساب والملك أمام هذا الرجل.... الذى ألقى الحيه على الملك بإحترام بالغ:
أهلا بك مولاى كل شئ جاهز كما أمرت.....
أومأ
له الملك وتقدمه قائلا: هل يعلم أحد بقدومنا اليوم؟!.... تحدت الرجل ومازالت عيناه
أرضا مما جعل الضيق يرتسم على وجهه ساب.... ولكن لم يعلق فلأول مره يدور حديث
طبيعى بينه وبين الملك..... وهو لا يريد القتال معه بالحديث.... فهو ليس مستعدا
لهذا الأن......
كما
أنه لا يريد سوى طعاما وفراش.... هذا كل ما يريده بالوقت الحاضر..... وقد لاحظ
الملك عوده ساب لصمته مره أخرى..... وظهور الإرهاق الشديد على صفائح وجهه....
ولكن
تنبه لحديث الرجل الذى معهم وهو يسأله: هل سنذهب الأن سيدى أم تود أن تستريح
بالبدايه ثم نكمل مهمتنا؟!.....
أجابه
الملك بهدوء: لا فلنستريح قليلا ثم نكمل بعدها...... أومأ له الرجل وتقدم فاتح باب
العربه المتهالكه للملك..... نظر لها ساب فقد كانت أفضل
حالا....
من الأخرى الأكثر تهالكا التى أتوا بها.....
وكاد
ساب يذهب للأمام للجلوس بجوار الرجل الضخم... الذى سيتولى قياده العربه... إلا أن
يد الملك أوقفته وهو يسأله بحاجبين معقودين: إلى أين أنت ذاهب؟!....
أجابه
ساب وهو يفلت يده من قبضته بهدوء: سأجلس بجوار السائق.....
فسأله
الملك مستفهما: ومن الذى أمرك بهذا؟!....
تنهد
ساب وقال بهدوء: لا أحد.... ولكن لا أظن أنك ترتد أحد معك بعربتك النظيفه....
لم يرد
عليه الملك سوى بكلمه واحده: إصعد....
زفر
ساب الهواء الذى برئتيه بقوه.... ودخل جالسا بالمقعد المقابل لمقعد الملك.... ولم
تمر سوى لحظات وتحركت العربه نحو وجهتها...... لاحظ الملك العبوس الطفيف على وجهه
ساب.... وأدرك سببه لهذا قرر التلطيف من الجو.....
فسأل
ساب بهدوء: ألن تسألنى إلى أين نحن ذاهبون؟!....
نظر له
ساب ومازالت معالم الضيق ظاهره على وجهه..... وقال داخله: هذا ما لا يحق لأمثالى
فعله فأنا بنظرك سيدى أقل قيمه من حيوانك الأليف.... كما أنك لن تجبنى إذا لم ترد
هذا.... بل ستقوم بتعنيفى كما تفعل كلما سنحت لك الفرصه....
حسنا
كان سؤال الملك بسيط... إذا لماذا يشعر الملك وكأن الفتى لم يفهم سؤاله..... لهذا
لم يجبه حتى الأن ولكن ساب أجابه بثبات: لو كنت تعلم أن معرفتى للمكان الذاهبين
إليه سيفيدنا لكنت أخبرتنى مسبقا سيدى..... كما أننى لست من محبى الأناس الذين
يكثرون من أساله لا طائل لها..... لهذا لا أقوم أنا الأخر بالسؤال حتى لا يتضايق
منى الأخرون.....
إرتفع
حاجب الملك بإعجاب.... بسبب عقليه هذا الفتى فقال وهو ينظر خارج العربه: نحن ب
إستيباليا فهى الأفضل بإنتاج المعادن.... لهذا نحن هنا لشراء المعادن اللازمه لصنع
الدروع.....
تجعد
ما بين حاجبى ساب.... فهم يستخدمون المعادن الذى لديهم بالفعل فى صناعه الدروع....
فسأل ساب بتعجب: ولماذا نقوم بشراء معدن جديد غير الذى قمنا بشرائه.... فما نملكه
جيد لصناعه كلا من السيوف والدروع معا.....
فقال
الملك بهدوء وهو ينظر له: أتفق معكما.... ولكن أنا لى أعينى هنا.... وقد علمت أن
هذا المعدن أفضل بصناعه الدروع...... ولكن الدروع فقط.... لهذا جلبتك معى حتى ترى
جودته..... وإن كان جيد كما يقولون أم لا......
فسأل
ساب بدون تفكير: ولما أنا؟!.... ولماذا ليس غيرى؟!.... فأنا أظن أن هناك من هم
أكثر براعه منى.... بل ووعى لجوده هذه المعادن.....
نظر له
الملك بحاجب مرفوع.... وهو يقول بإبتسامه ساخره: سمعت أن أحدهم لا يحب طرح الكثير
من الأساله حتى لا يزعج من أمامه..... وأظن أننى بدأت أزعج من حديثك يا صغير.....
حسنا
لم يكن يجب أن يقول له يا صغير... حيث أن ساب تهور ورد عليه قائلا: إذا كنت صغير
كما تقول سيدى..... لما أخذتنى معك كما أنك سيدى من بدأ الحديث لا أنا.....
حدث كل
شئ بطرفه عين.... حيث أصبح وجهه الملك قريب من وجهه ساب بشده.... حتى أنه
شعر بأنفاسه.... التى تحرك شعره المنسدل على وجهه..... ينظر له الأن بغضب.....
حاول ساب الثبات.....
إلا
أن الملك تحدث ببحته المميزه.... وحده ظاهره: لا تعلم ما الذى سأفعله معك
بسبب تلك الأفعال الصبيانيه التى تفعلها أمامى.... كلما فقدت زمام عقلك وسمحت
لغضبك بالسيطره على هذا اللسان السليط... ولكنى متيقن أننى سأهذبه جيدا.... ولكن
بعد إنتهائى من تلك الأمر..... تذكر حديثى هذا جيدا.... ثم إبتعد عنه معتدلا
بجلسته مره أخرى..... وهو يتجنب النظر إليه.... حتى لا يقوم بدق عنقه الأن.....
وقعت
العربه بصمت مطبق إلا أن توقفت..... ونزل الملك منها ووجهه مازال يحمل علامات
التجهم..... يدرك الملك أن بحديثه هذا قد يعودوا معا لنقطه الصفر..... ولكن هذا
الفتى بارع بإثاره غضبه بسهوله....
نزل
ساب من العربه وهو ينظر حوله.... وجد بيتا ريفى ولكن لاحظ أنه الوحيد بالمنطقه....
ولكن المكان يبعث لك الراحه..... فهو مليئ بالأشجار والثمار....
نظر
حوله وجد الملك وسائق العربه قد دخلو للمنزل بالفعل..... فقام بملاحقتهم فوجد
الملك يجلس على مقعد منفرد بزاويه البيت..... مما يسمح له بمشاهده المكان.....
جلس
ساب على أول مقعد قابله.... منتظر ما سيحدث مر بعض الوقت لم يتحدث به الملك....
كما لم يحاول ساب التحدث وإصلاح ما أخفق فيه..... كما تعجب ساب من عدم رؤيته
للسائق... الذى جلبهم لهذا المنزل..... ياترى إلى أين ذهب؟!....
وكأن
الرجل سمع حديثه.... فظهر من اللا مكان وبيده بعض الصحون الفارغه التى قام برصها
على مائدته البسيطه..... فأدرك ساب أنه كان يقوم بتجهيز الطعام فوقف مقررا أن يقوم
بمساعده الرجل.... رغم معالمه المتجهمه منذ رؤيته..... والتى تنصح من ينظر إليها
بالإبتعاد عن صاحبها.....
ولكن
هذا ساب منذ متى وهو يسمع لصوت عقله.... ذهب خلف الرجل.... ولم يحدثه بل بدأ
بالعمل.... حيث قام بتقطيع الخصار الذى وجده على الطاوله.... حين أدرك أن ما سيعده
الرجل....وهو حساء وطبقا من الخضروات المقطعه.....
بدأ
ساب بالتقطيع بمهاره.... وكل ما يقوم بتقطيعه يضعه بصحن كبير جلبه من جوار
الرجل.... الذى نظر له بحده ولكنه لم يعلق...... وترك ساب يكمل عمله...
وبالفعل
إنتهى ساب من إعداد طبق الخضروات بالوقت.... الذى إنتهى به الرجل من إعداد
الحساء.... أخذ ساب طبق الخضروات وأخرجه.... كما قام الرجل بإخراج قدر الحساء هو
الأخر.... ووضعه على الطاوله كل هذا ولم يتم إصدار صوت بالمنزل منذ دخله
ثلاثتهم...... وقد لاقى هذا إعجاب ساب..... الذى بدأ يشعر بالصفاء بعد إعداده لطبق
الخضروات..... كما أحب المنزل وما به من محتويات بسيطه.... تدل على أن صاحبه رجلا
يعيش بمفرده..... ولكن هناك بعض اللمسات الباهته لإمرأة كانت تقطن بهذا المنزل....
ولكنها رحلت فأصبح المنزل يدل على معاناه صاحبه....
جلس
ساب والرجل الذى لم يعرف إسمه إلى الأن منتظرين حضور الملك...... ليبدأو بتناول
الطعام مضى بعض الوقت..... ثم وقف الملك من مقعده وجلس مترأسا الطاوله....... وبدأ
بتناول الحساء بهدوء..... مما جعل الرجل وساب يباشرون كذلك بتناول طعامهم.....
ولكى يشعر ساب بالسهوله فى تناول طعامه...... قرر تقطيع قطع الخبز بالحساء وخاصه
أنه قد تعرض للهواء....فأصبح بين اللين والشده......
ولكنه
تعجب حين وجد الملك..... يأكل طعامه بطبيعيه دون تذمر على نوع الطعام......ف
بالنظر
له هو
أو هذا الرجل البسيط قد يقبلون بهكذا طعام بل وقد يرونه طعاما دسم بسبب
فقرهم ...... ولكن الملك يأكل هذا الطعام دون إعتراض.... من أن الطعام لا
يليق به ك ملك.... فتعجب من يراه..... إذا فهذا المغرور يأكل كل ما يضع أمامه.....
وإن كان مجرد خبرا وحساء وطبق من الخضروات.....
أعاد
نظره للحساء ذو الرائحه الطيبه.... وقام بوضع كميه لا بأس بها من الخبر.... به بعد
أن قام بتكسريه بيديه فأصدر صوتا حاد بسبب ما يقعله.... إلا أنه لم يعطى بالا
للرجل ولا الملك الذان ينظران لما يفعله الأن بتعجب...... منتظرين تفسرا لما يقوم
به.... ولكن كما قلت هو أحب هذا الصمت وقرر الإكمال به.... لهذا لم ينظر لأى
منهم.... وأمسك بملعقته التى تملك شرخ كبير إلا أنه بدأ بتناول طعامه وبشراهه.....
فهو لم يتناول طعامه منذ صباح الأمس.....
يقر
ساب أن رغم عبوس الرجل منذ أن رأه..... إلا أنه أعد طعاما رائعا.... وبعد إنتهاء
الجميع من تناول الطعام.... كان ساب أول الواقفين حيث قام بحمل الأطباق المتسخه
وأدخلها للمطبخ..... ثم عاد وأخذ يلمم باقى الأشياء إلى أن إنتهى.....وعاد جالسا
بمقعده....
تحدث
الملك أخيرا بعد صمت دام أكثر من ساعه: فالتذهب لتستريح بعض الوقت.... فبعد ساعتين
سنذهب لوجهتنا هيا.....لم يعترض ساب بل ذهب لإحدى الغرف التى أشار له
الرجل بالذهاب إليها.....
دخل
ساب للغرفه... وبالوقت الذى وضع به رأسه
على
الوساده ذهب بسبات عميق..... ولكن شعر فجاء بالتعجب حين وجد نفسه بمنزل ريفى
جميل.. يشعرك بدفء كبير..... كما كان هناك طفلا بالخامسه يلعب مع فتاه
بالثامنه..... وأصوات ضحكاتهم تملا المكان.... فظهرت إبتسامه جميله تزين وجهه ساب
وهو يستمع لضحكاتهم.....ويشاهدهم يلعبون بحماس طفولى يليق بهم......
ولكن
تسأل لمن هذا المنزل؟!.... وماذا يفعل هنا؟!..... ولكن حين دقق بشكل المنزل....
شعر أنه دخل هذا المكان من قبل..... فظل يفكر لعله يتذكر.... أين رأى هذا المكان
من قبل؟!....
إلا أن توقفت أنظاره على مقعدا خشبى منفرد بزاويه المنزل...... فتجعد ما بين
حاجبيه حين تذكر أن الملك من كان يجلس على هذا المقعد منذ قليل ببيت الرجل
العبوس.... إذا هو بمنزل هذا الرجل!!.....
ولكن
كيف أتى إلى هنا؟!.... وقبل أن يفكر بإجابه مقنعه لسؤاله..... وجد إمرأة جميله
بإبتسامه تزين وجهها.... وهى تقول بحنان بالغ لصغارها: حسنا يا صغار يكفى مرحا إلا
ألان..... فوالدكم أوشك على القدوم..... فهيا قوموا بترتيب أماكنكم.... فأنتم
تعلمون أن أبيكم يحب للنظام.... هيا فالنرى من منكم أسرع من الأخر.....
وبالفعل
أسرع الطفلان بتنظيف أماكنهم... قبل عوده والدهم وخلال ذلك لم يستطع ساب معرفه....
لماذا هو هنا؟!... ولكنه قرر عدم التفكير وليرى ما الذى سيحدث....حيث من
المؤكد أن يعلم سبب رؤيته
لهذا
ولكن بوقتها..... لم يمر الكثير من الوقت ووجد باب المنزل يفتح..... وصوتا خشنا
ينادى: ليليان....
فخرجت
المرأة من مطبخها ومازالت الإبتسامه مرتسمه على وجهها..... ولكن عينها تشع عشقا
خالصا....وحين سمع الطفلان صوت أبيهم أسرعوا بالذهاب إليه...... يحتضون ساقه بفرحه
عارمه بوصوله.....
شعر
ساب حين رأى ذلك .... بنصلا حاد يخترق قلبه حين وجد الرجل يحمل أطفاله بحنان....
لم يرى أبيه يعطيهم مثل ذلك الحنان من قبل أو بعضا منه يوما ما..... فرمش بعيناه
حين شعر بتجمع الدموع بها....
ولكن
لفت نظره تجعد ما بين حاجبى المرأة.... حين لاحظت توتر زوجها....الذى يلاعب أطفاله
بعقلا شارد....ولكنها لم تتحدث بشئ ....بل أكملت ما تقوم به....من إعداد لطاوله
الطعام وحين إنتهت.... أمرتهم بالجلوس حتى يبدأو بتناول وجبتهم..... لاحظ ساب حين
جلس الرجل.... بعدم وجود تلك العلامه التى تزين وجهه كما هو الأن....
جلس
الزوجين وطفليهما وهم يأكلون الطعام.....
ولكن
نظرات الزوجه معلقه على زوجها...الذى يتحدث بإقتضاب... كما هو شارد الذهن منذ
جلوسه....ولم يضع أى شئ بجوفه من الطعام المعد أمامه....
تحدثت
ليليان بهدوء: ماذا هناك ماثيو؟!.... لماذا تبدوا مرهقا هكذا؟!....ولماذا لا
تتناول طعامك؟!...
أجابها
زوجها وهو يقول بإبتسامه باهته: ليس الأن ونظر تجاه أطفاله.... سأخبركى فيما
بعد... لتتفهم أنه لا يريد التحدث أمامهم.....
مر بعض
الوقت والزوجان ينظران لبعضهم بتوتر.... إلا أن إنتهى الصغار من تناول
طعامهم ....
فتحدثت
ليليان بثبات ظاهرى وإبتسامه حنونه:هيا صغارى إذا إنتهيتم من تناول وجبتكم....
فالتذهبوا لإستكمال ما كنت تفعلونه....فرح الأطفال وسارعوا لإستكمال مرحهم....وهم لا يشعرون بالجو المشحون
الذى ملئ البيت من حولهم....
تحدثت
ليليان بتوتر ظهر جلينا بصوتها:ما الذى حدث ماثيو ؟!...
تنهد ماثيو هذه المره بإنزعاج واضح قائلا: إنه
أخى مره أخرى...ولكن هذه المره غير سابقتها.....وليس هذا فحسب بل
أوقعنى معه هذه المره.... تجعد مابين حابيى ليليان... وهى تشعر بإقتراب شئ سيء
منهم...
فتسائلت
بحده وتوتر: وكيف هذا؟!... ما الذى ورطك به هذا اللعين....ألن ينتهى من تهوره الذى
يدمره ويدمر كل من حوله... بأفعاله الهوجاء هذه....
حاولت
أخذ أنفاسها.... وأكملت بصوت مهزوز... هل قام بأحد مشاجرته مع أحدهم من أجل إحدى
عاهرته؟!... أم حاول قتل أحدهم مره أخرى؟!....
نظر
لها ماثيو بثبات مزيف قائلا: بل أسوء من هذا وذاك.... بل قام بقتل أحدهم....
إتسعت
عينى ليليان بعد سماعها لحديث زوجها....
وقالت
بعيون دامعه وقلب ينبض رعبا: قتل من؟!!....
نظر
لها ماثيو بحزن.... وهو يعلم أن ما سيقوله تاليا سينشر الفزع والخوف بقلب
زوجته...إلا أنه قال بتوتر: إبن العراب....
صدرت
شهقه مرتفعه من ليليان وهى تضع يدها على فمها.... ونظرت لأطفالها وجدتهم مازالوا
بعالمهم الخاص.... ثم أعادت أنظارها المليئ بالخوف لزوجها...
وأصبحت
كلتا يديها ترتعشان.... وشعرت بخوف حقيقى على عائلتها.... وغضب ونقمه على أخ
زوجها.....وهنا قد تخلت عن هدوئها الظاهرة.... ووقفت من مقعدها قائله: اللعنه لقد
جن أخاك الملعون..... قد يتسبب بموتنا جميعا هذا الوضيع.... ألم يفكر بنا وهو مقدم
على هذا الأمر..... ألم يجد أحد سوى إبن هذا العراب......
قال ماثيوا بضياع وهو يحاول تبرأت أخاه: لقد كنت
حاضرا ليليان من بدايه الأمر.... جون لم يقم سوى بالدفاع عنى هذه المره..... فهذا
الحقير قد هجم عليه وحاول قتله..... كما أنه لم يكن بوعيه...وقد ظل يردد أنه سيقتل
جونى لأنه قد أخذ منه فتاته.... وحدث شجارا بينهم.... وأنا كنت أحاول التفريق
بينهم حتى لا يتأذى أحدهم....ولكن حاول الفتى أن يطعننى بسكينه.... فسبقه جون وشق
عنقه قبلها....
سألته
ليليان بتيهى:وما الذى حدث بعدها؟!..
أجابها
ماثيو: ذهبت معه لمنزله..... وقمت بتغيير ملابسى لأنها تلطخت بالدماء.... ثم جعلت
جون
يهرب خارج البلاد... حتى لا يعثر عليه أحد رجال
العراب ويقتله....
فسألته
ليليان بخوف:هل رأكم أحد؟!...
نظر
لها ماثيو بتعب:أجل لقد كنا بمكان عام... وأظن أن الأمر وصل للعراب الأن....لهذا
يجب أن نفعل التالى يجب أن نرحل....قبل أن
يعرف العراب مكاننا...ويأتى إلينا ليقتص لولده....
أومأت ليليان برأسها قائله.:أجل يجب أن نسرع....
وتتحرك لإحدى الغرف... والتى ينام بها ساب الأن.... ثم خرجت منها بعد قليل وهى
تحمل بعض الملابس لأطفالها.... الذين مازالوا يمرحون ولا يدركون لشئ مما يحدث
حولهم.....
حمل
ماثيو أحد أطفاله وليليان الطفل الأخر مقررين الرحيل.... لأى مكان مبتعدين حتى لا
يطولهم غضب أب مات إبنه... وليس أى أب بل العراب..... المعروف عنه أنه قاتل بدم
بارد.... يقتل كل من يحاول مضايقته أو مخالفه أوامره.... فما الذى سيفعله بمن قتل
صغيره....
ولكن
لم يسعفه الوقت... حيث حين فتح باب منزله وجد العراب ورجاله أمامه... يحاوطون بيته
حتى لا يستطيع الهرب....وهنا صدرت شهقه من ليليان التى أمسكت بيد ماثيوا
بقوه...وعيناها بدأت بذرف الدموع....
تراجع
ماثيو للخلف هو وزوجته....فدخل العراب للمنزل وتسأل بغضب ظاهر للعيان وهو يوجه
نظراته ل ماثيو:إلى أين أنت ذاهب؟!...أكنت تظن أننى لن أستطيع الوصول إليك....إذا
ف أنت مخطأ....وما فعلته أنت وأخيك اللعين بإبنى سأفعله الأن بأطفالك أمام
عيناك....
إتسعت
عينى ماثيو وليليان... حين إستمعوا لحديث العراب الذى يعميه غضبه.... على إبنه
الذى قتل منذ قليل..... كما علا بكاء ليليان ومعها الطفلان.... وهى تتراجع للخلف
وتضم صغارها..... بعد أن أنزل ماثيو إبنته وأعطاها لزوجته..... التى تحتمى بظهره
الأن.....
و تبكى بحرقه..... وهى تضم ضغيريها لقلبها تريد
إدخالهم هناك.... لعلها تحميهم من بطش هذا العراب...
تحدث
ماثيو بحده وغضب: إبنك من أخطأ فهو من حاول قتلى بالبدايه..... وأنا لم أفعل سوى
الدفاع عن نفسى..... كما أن حسابك معى أنا..... ف أنا من قمت بقتله..... وليس أحد
أخر.....كما أن أطفالى ليس لهم ذنب بما حدث.....
رد عليه العراب بغضب.... وعيون تلمع بالدموع
الحارقه على فراق ولده الحبيب: وأنا سأخذ كلا ولديك..... حتى تعيش حياتك معذبا
بعدم رؤيتك
لهم كما فعلت معى....سأجعلك تعلم كيف يحترق قلبك
على ولديك وأنت تراهم أمامك جثث لا تتحرك ولا تستطيع فعل شئ لإعادتهم إلى
الحياة.....
إنتهى العراب من حديثه....ثم أمر رجاله بفعل ما
أمرهم به..... إقترب رجال العراب من ماثيو الذى ظل يقاتلهم..... ولكن من أين له
القوه بمقاتله سبعه أشخاص أشداء.... فتكاثروا عليه وإستطاعوا تقيده بعد ضربه
بطريقه موجعه.... جعلت الدماء تخرج من أماكن متفرقه بجسده..... حتى أصبح لا يستطيع
الوقوف على قدمه من شده الألم......
وخلال
هذا كما قام رجلان بإبعاد ليليان عن أطفالها وصراخها وصراخهم يملا المكان....
وأمسك واحد بالصبى..... والأخر بالفتاه يمنعهم من الذهاب لأمك.... التى تصرخ تريد
أبنائها......
كان مشهد حطم قلب ساب الذى شعر بالضياع والإختناق..... وهو ينظر
ل ماثيو المكبل من رجلين يمنعونه من التحرك..... وكيف له أن يتحرك بعد هذا الضرب
المبرح؟!....
وليليان التى إحمر وجهها.... وإنقطعت أنفاسها من
شده صراخها..... والطفلان توقف أنظار ساب على كليهما..... وهم ينظرون بفزع وخوف
لأبيهم المغطى بدمائه.... منتظرين أن يقدم لهم المساعده.... وأمهم التى تبكى بهلع
نشر الرعب بقلوبهم الصغيره....
شعر
ساب بغصه بحلقه..... وهو يعلم أنه لن يستطيع المساعده..... فهو يعلم أنه يرى ما
حدث بالماضى.... وهو يشعر أن النهايه قد إقتربت.... كما أنها ستكون نهايه
مولمه......
فتابع
ما يحدث بعينين مليئه بالدموع.... وأنفاس منقطعه منتظر ما سيحدث تاليا.....
لفت
نظره حديث العراب وهو يقول ل ماثيو: أيهم تردنى أن أبدأ به الصبى أم الفتاة؟!....
فصدر
من ليليان صرخه موجعه قائله بصوت باكى بح من كثره صراخها: لاااااااا أطفالى
لاااااااا..... أرجوكم..... أطفالى ليس لهم ذنب..... أرجوك.....إقتلنى أنا إن أردت
إحراق قلبه..... أقتلنى أنا.... ولكن أتركهم هم.... أرجوك أتركهم.... فهم مازالوا
صغار أرجوك....
صرخ
ماثيو بحرقه:أيها اللعين أنا من قتل ولدك.... فخذ ثأرك منى..... ثم أكمل بصوت
باكى.... وقد تخازل من نفسه..... أرجوك أتركهم...فليس ذنبهم أنهم أولادى
قم
بتقطيعى إن أردت... ولكن لا تقترب منهم أرجوك..
فتحدث إبن العراب الأكبر.... الذى يمسك بالصبى
ويقول بجنون يملأ عينيه : ولكن هذا لن يشفى قلبى...تجاه من قتل أخى لهذا يجب أن
تشعر بما شعرنا نحن به....شاهد هذا وقام بشق عنق الفتى الذى لم يبلغ الخامسه
بسكينه الحاد.... فسقط الصبى أرضا ودمائه تملا المكان.....
إتسعت
عينى ماثيو الذى عاد... وحارب للفكاك من الرجلان الذان يمسكان به يمنعونه من
التحرك للوصول إلى طفله.... الذى فارق الحياة أمام أنظاره...
إلا أن صرخه ليليان المداويه.... جعلته يتوقف عن
المقاتله..... وهو ينظر لها وقد شعر بخروج روحه من جسده..... بسبب الألم الذى خرج
مع صوت صراخها.... ولكن لم يدوم هذا كثيرا.... وكأن عقلها لم يتقبل ما رأه.....
فقرر الإنفصال عن العالم.... فوقعت مغشى عليها.....
كان
ساب يحاول أخذ أنفاسه فوضع يديه على صدره يحاول أخذ أنفاسه.... وصوت المرأة مازال
يسمعه بأذنه..... ومشهد الطفل وهو يذبح أمامه لا يفارق عيناه..... فظل يغمض
عيناه... لعل المشهد يختفى إلا أنه ظل أمامه عيناه.... كما ظل يصارع حتى يأخذ
أنفاسه.....
ولكن خلال
هذا تسلل لأذنه.... بكاء فتاه تبكى بحرقه فرفع عيناه المليئه بالدموع سريعا تجاه
الصوت..... فتلاقت أنظاره مع الفتاة..... فتخشب ساب مكانه وهو يتسأل..... الفتاة
تنظر له.... كيف وهو مجرد طيف فى كابوس موجع؟!....
إلا أن
أنفاسه توقفت.... حين قالت الصغيره بجسد يرتشع... وصوتا هامس لا يكاد يسمعه بين
بكائها.... إلا أن ساب سمعه جيدا: إنقذى أبى....
ثم بعدها قام الرجل بشق عنقها هى الأخرى....
ووقع جسدها أرضا بجوار أخيها...... معلنه عن مفارقتها للحياه هى الأخرى.....
ظلت نظرات ساب ثابته على جسد الفتاة...وهو يسمع
صراخ ماثيو.... الذى يحارب رجال العراب للذهاب لأطفاله.... ظنن منه أنه يستطيع
إنقاذهم.... رغم علمه أنهم قد فارقوا الحياة....
إلى أن
نظر للعراب بغضبا حارق ودموع جاريه قائلا بحرقه: أقسم أن أجعلك تبكى دما....جزاء
ما فعلته بطفلاى.....وهم لا ذنب لهم..... أقسم على أن أجعلك يحترق قلبك على جميع
أبناك.... كما أحرقت قلبى على فلذه كبدى.....
رد عليه العراب وهو يتظر لوجهه بحرقه هو الأخر:
إذا تشعر الأن بالحرقه على أبنائك....كما شعرت أنا حين فقدت إبنى.....ولكن لم يكن ولدا واحد
يكفينى لأخذ ثأر ولدى......
ثم
إبتعد عنه راحلا هو ورجاله تاركين خلفهم ببايا رجل وإمرأة تتمنى أن يكون ما رأته
مجرد كابوس ستفيق منه عند إستيقاظها وجثتنا لطفلان لم يتخطى عمرهم العاشره تملأ
دمائهم المكان
حاول
ساب الإقتراب من ماثيو.... الذى يبكى بحرقه وهو يحمل أجساد صغاره.... ويقربهم إليه
حتى إمتلأ جسده ووجهه بدمائهم....
إلا
أنه توقف حين نظر للمرأه التى بجواره....فإنعقد حاجبيه وإتسعت عيناه بدهشه...وهو
يرى سابين أمامه بالمرأه..... تنظر له بعيون زابله ووجهه محتقن من كثره البكاء....
ولكن ما جعل قلبه يتوقف.... هى يديها وجسدها المليئ بالدماء..... فإردت للخلف وكاد
ينزلق إلا أنه حاول التمسك بالجدار خلفه.... وهو ينظر بفزع ل سابين..... التى تنظر
له بندم قاتل حطمه..... فحاول إغماض عيناه.... لعل هذا الكابوس ينتهى..... ولكن
حين فتح عيناه.... وجد أن جسده ويداه مليئه بالدماء.... فنظر بفزع لسابين لعلها
تفسر له ما يحدث....
فقالت سابين بصوت متألم باكى: هذا ما أنا
عليه..... أنا لست سوى قاتله مثلهم ساب.....