-->

الفصل السادس عشر - مرآة مزدوجة



 الفصل السادس عشر



شردت ليليان للحظة تفكر بحكمة ثم قالت بهدوء:


- أنا شايفة إنك عملتِ الصح، علاقتكوا مكانش ينفع تستمر على الحال ده.


أومأت ليلی بشرود، ابتسمت بتهكم وقالت:


- المشكلة عندي إني قعدت أقول أنا مش عايزة أصلحه، أنا مش عايزة أصلحه، واكتشفت في الآخر إني مقطعتش علاقتي بيه علشان كنت عايزة أصلحه أصلًا.


تنهدت ليليان واقتربت لتعانقها، فهمست ليلى بنبرة متحشرجة:


- اللي واجعني هو اللي قاله، اللي قاله كان معناه إنه تعبان هو كمان وأنا ضغطت عليه، أنا زودت عليه تعبه وتعبت معاه.


مررت ليليان ذراعها فوق ظهرها لتهدئها، ولكن بدلًا من ذلك بدأت ليلى في البكاء وهي تقول:


- أنا مقصدتش أبقى مؤذية، وهو كمان أذاني وإخواني أعمل حاجات غلط وحرام، مبقتش عارفه مين فينا الغلطان؟


تنهدت ليليان وقالت:


- خلاص يا ليلى وأدي علاقتكوا انتهت أهي، كفاية اللي حصل لحد هنا وحاولي تنسي الفترة دي من حياتك.


أومأت ليلى، ونهضت بسرعة عندما تذكرت عمل شقيقتها، فقالت بتعب:


- حاضر، هحاول، نامي أنتِ دلوقت علشان شغلك وبكرة نبقا نكمل كلامنا.


كانت ليليان تريد أن تتحدث معها عما حدث معها مع عمر صباحًا، ولكنها فضلت أن تستمع لها، فقد بدت حزينة مثقلة بالهموم عندما عادت من خطبة هاجر وهي لم تحب أن تراها هكذا، ربما قد تسرد لها ما حدث غدًا، أومأت لها باستسلام، فنهضت ليلى وأغلقت الأضواء وتركت الغرفة.


❈-❈-❈


وقفت ليلى بالشرفة تستند على المقبض الحديدي بينما تحدق بالسماء الفجرية بشرود، كانت ليليان قد نامت منذ وقت طويل حتى تذهب لعملها، بينما والدتها تنام مبكرًا بالأصل، فلم يتبقَ سواها تجلس بمفردها غارقة في أفكارها، كانت هاجر أيضًا ممتعضة عندما تركتها بعد انتهاء حفل الخطبة اليوم، أو بالأحرى الأمس، فقد تخطى الوقت منتصف الليل منذ وقت طويل، تنهدت ليلى بحزن لم يتملك من قلبها بهذا الشكل يومًا، تشعر بالإحباط الشديد مما فعله سليم، تشعر بالخذلان وخيبة الأمل، لقد أعطاها أملًا في أن يتوقف عما يفعله، لقد رأت به خصال حسنة، لقد رأت كل هذا داخل عيناه البنية المربكة، رأت به الشخص المحترم الذي يكره أن يضر أحدهم، هو شخص طيب في داخله وقد رأت هذا في معاملته معها الرقيقة ومراعاته لطريقتها في التعامل مع الجنس الآخر، لا يمكنها فهم كيف لشخص يتصف بتلك الصفات أن يفعل شيئًا ترفضه الشريعة والمجتمع! لا يمكنها فهم طبيعة تفكيره ولكنه يعاني من شيء ما، من علة ما أو اضطراب ما، هناك قطعة مفقودة من تلك الأحجية، ربما بسبب إجبار والده؟ ربما هذا جعله يتمرد على أي شيء وكل شيء حتى يتمرد على مبادئ طُبع عليها؟ ربما، أو ربما هناك شيء آخر يُحفز بداخله التمرد والتهور والاندفاع في  كل شيء؟ هل هذا ما يجعله يتصرف تصرفًا منافي للأخلاق؟ ربما، ولكن لماذا هي تفكر به الآن؟ لماذا تحاول التماس الأعذار له؟ لقد قررت أنها ستخرجه خارج حياتها بالكامل، وهذا قرار نهائي، ولكنها لا تفهم لماذا تشعر بالألم؟ لماذا قلبها يؤلمها كلما أعادت كلمات علي وسليم في يوم الخطبة؟ لا تعلم ولا تريد أن تعلم لأنها تشعر أنها إن علمت ستكتشف شيئًا لا تريده؛ لهذا قررت أن تبعد التفكير بهذا الأمر حاليًا، ودلفت لتصنع قدحًا من القهوة لنفسها حتى تستفيق وتزيل آثار النعاس عنها.


❈-❈-❈


ارتدت ليليان قميصًا أسودًا وبنطال جينز باللون الأزرق السماوي، بينما أسدلت شعرها المتموج الذي مشطته بعناية، جلست فوق فراشها تمسك بحذائها الأسود ذي الكعب العالي، لقد قررت أن تهتم بمظهرها قليلًا، عليها أن تبدو بهيئة حسنة، علّها تشعر بالقليل من الثقة بالنفس -المعدومة لديها- التي قد تساعدها على تقبل بيئة العمل التي لم تعتاد عليها رغم مرور قرب الشهر منذ أن بدأت في العمل، كانت قد بدأت في قراءة كتب التنمية البشرية على هاتفها وقد التمعت تلك الفكرة في رأسها بالأمس وهي تجلس تقرأ في إحدى تلك الكتب، ربما قد تستطيع تجاوز توترها هذا، كانت تبدو فكرة جيدة في الأمس ولكنها بدت متشككة بشأنها اليوم.


دلف نعناع الغرفة يتباطأ في سيره وقد بدا عليه الغرور والثقة بالنفس فنظرت له ليليان بحقد وقالت موبخة نفسها:


- حتى القط عنده ثقة في نفسه أكتر منك يا حزينة!


تنهدت ليليان ووقفت بعد أن ارتدت حذائها، كانت معتادة على هذا النوع من الأحذية ولكنها تخاف من السقوط، اقتربت نحو المرآة الطويلة المعلقة على خزانة ملابسها ونظرت لهيئتها، بينما دلفت ليلى الغرفة وما إن رأتها حتى ابتسمت باتساع وقالت:


- أوه، مين هيجيب عرسان من الشغل النهاردة؟


جلست ليلى فوق الفراش خلف ليليان التي استدارت وقالت:


- شكلي كويس يعني؟


نهضت ليلى وقرصت وجنتي شقيقتها وقالت:


- قمر اللهم بارك.


أبعدت ليليان يدي ليلى بضيق والتقطت حقيبتها من فوق الفراش وقالت:


- تمام أن ماشية دلوقت، سلام.


- سلام


همست ليلى بخفوت وهي تجلس بجانب نعناع على الفراش.


❈-❈-❈

جلس سليم على كرسي مكتبه، ينظر لعلي بغيظ، بينما الآخر كان يغلق ازرار قميصه ويدندن بإحدى الأغاني متعمدًا إثارة غيظ سليم، نهض سليم ووقف خلفه واضعًا يديه في جيب بنطاله وقال:


- كان لازم تتكلم معاها يعني؟


همهم علي بعدم فهم معتمدًا اغضابه، وقد حدث ما يريده عندما كز سليم على أسنانه وقال:


- أنت فاهم قصدي يا علي بلاش استعباط.


استدار علي وابتسم قائلًا بتلقائية:


- رجعت كل حاجه لمكانها.


ضم سليم قبضتيه ليكبت غضبه وقال باستنكار:


- والله؟


أومأ علي وقال وهو يقرص وجنته ليشعل غضبه:


- أصل ليلى دي بنت كويسة ومحترمة ومتستاهلش عيل زيك يا سوسو.


صفع سليم ذراع شقيقه وهو ينظر له بغضب، بينما أمسك علي بياقته وقال بتحذير:


- لا ولا، متفكرش إني علشان بهزر معاك وهاها وكدا هسمحلك تتعدى حدودك، متنساش إني أخوك الكبير.


دفعه علي ثم ألقى عليه نظره محتقرة وخرج من الغرفة مغلقًا الباب خلفه، تنهد علي وفرك عينيه بتعب، هو لا يحب أن يتحدث مع شقيقه بتلك الطريقة ولكنه لم يجد حلًا آخر لمشكلة سليم، فهو عنيد والطريقة الوحيدة لجعله يتوقف عن عناده هذا هي بكسر رأسه، أو كما يُقال بتربيته، وهو يعلم جيدًا أن سليم يعتبره صديقه الوحيد، وحتى وإن كان على علاقة جيدة مع والديه حاليًا فهو لن يستحب الحديث مع والده أو والدته، وعلي سيستخدم هذا السلاح ضده، كان يشعر بالحزن عندما يجد شقيقه بلا أصدقاء دون سبب واضح وتقتصر جميع صداقاته عليه، ولكنه بتلك الطريقة يعطيه امتياز يمكنه استخدامه، لمصلحة شقيقه فقط.


❈-❈-❈


أتت فترة الاستراحة بالعمل فتنهدت ليليان براحة وهي ترجع ظهرها للخلف لتريح ظهرها قليلًا، هبط الجميع للطابق السفلي كالعادة لتجلس وحيدة في مكتبها، فأرجعت رأسها للوراء تنظر للسقف ثم أغمضت عينيها لترتاح قليلًا.


خرج عمر من مكتبه ليجذب نظره هيئتها الجالسة بمفردها في هذا الطابق، تأمل مظهرها من رأسها لأخمص قدميها، شعر متموج ومتطاير يمينًا ويسارًا ليبدو كقرص الشمس الذي اعتاد أن يرسمه عندما كان صغيرًا، وجهها مستدير بينما تحيط الهالات السوداء عينيها كإطار يزين عينيها الداكنة بينما يتناثر القليل من الحبوب وجهها الأبيض والذي بدا أنه اكتسب لونًا أغمق من الشمس، كان طولها متوسطًا، ليست بالطويلة أو بالقصيرة، بينما ارتدت قميص وبنطال واسعين ليخفيا الكثير من معالم جسدها، بينما لاحظ ارتدائها حذاء ذا كعب عالٍ للمرة الأولى ربما، فقد رآها عدة مرات ترتدي الأحذية الرياضية المريحة.


اقترب عمر من مكتبه وحمحم بخفوت لتفتح ليليان عينيها وتجد نفسها في مواجهته، فانتفضت من مقعدها وقالت باحراج:


- مخدتش بالي من حضرتك.


كتم عمر ضحكته التي كانت على وشك الخروج ما إن رأى مظهرها المرتبك، حاول رسم ملامح جدية وقال:


- بردو مش هتنزلي تقعدي تحت شوية.


أعادت ليليان خصلة من شعرها خلف أذنها، بينما تابع عمر كل تحركاتها بعينيه، أجابت ليليان:


- لا ملهوش لازمة يعني.


أربكتها نظرته الغامضة التي نظر لها بها، بينما قال:


- طب قدامي بقا على تحت علشان أنا عايز أتكلم معاكِ في حاجه.


تمتمت ليليان بامتعاض وهي تتقدمه نحو الأسفل:


- يادي الحاجات اللي مبتخلصش.


قال عمر وهو يغلق زر سترته الرسمية:


- سمعتك يا آنسة.


ضحكت ليليان بتوتر وهي تنظر له من خلف كتفها بينما توجهت نحو المقهى.


أحضر عمر قدحين من القهوة وجلس في مواجهتها بينما قال وهو يمرر لها قدح القهوة خاصتها:


- أتعودتِ على الشغل؟


ابتسمت ليليان وأجابت:


- الشغل نفسه اتعودت عليه، إنما البيئة نفسها لسه.


أخذ عمر رشفة من قهوته بتلذذ بينما راقبته ليليان بحذر بينما التقطت عينيها ساعته الفضية التي يرتديها، وظلت تحدق بها بشرود لينظر لها عمر مضيقًا عينيه ثم اتبع اتجاه نظرها ليجدها تنظر نحو ساعته، فابتسم وقال:


- حلوة؟


انتبهت ليليان لما فعلته، فاحمر وجهها بتوتر وأومأت وهي تبعد نظرها عنه وتركز على القدح، فنظر عمر لساعته مجددًا وقال وهو يرتشف القليل من القهوة:


- دي أكتر ساعة بحبها من بين كل اللي عندي.


- هي حلوة فعلًا.


همست ليليان وهي ترتشف من القهوة بدورها، عمت لحظة من الصمت، ليضع عمر القدح على الطاولة عندما آتته إحدى الأفكار التي قالها فورًا:


- آنسة ليليان هو وجودي بيضايقك؟ يعني شايف إني برخم عليكِ في وجودي؟


كانت ليليان على وشك الارتشاف من القهوة ليجعلها سؤاله توقف يدها عن الارتفاع نحو فمها، نظرت إليه للحظة عاجزة عن التفكير بشيء وقد حاصرها سؤاله، بعد لحظة همست:


- لا


عقد عمر ذراعيه أمام صدره واستند على الطاولة وقال:


- عارفه يا ليليان ايه مشكلتك؟ إنك كدابة وجبانة.


وضعت ليليان قدح القهوة على الطاولة وقالت مستفسرة وقد شعرت بالإهانة مما قاله:


- ليه؟


حك عمر ذقنه النامية وأجاب ببساطة:


- علشان خايفة تصارحيني.


نفت ليليان برأسها سريعًا وقالت:


- لا والله مش خايفة أنا اتكلمت مع حضرتك بصراحة، أنا فعلًا مش مسترخمة وجودك لأني مبحبش أبقا لوحدي فيعتبر حضرتك بتونسني.


همس عمر بشرود:


- وأنتِ فعلًا خير ونيس ليا بردو.


نظرت له ليليان بعدم فهم فهي لم تلتقط ما قاله عمر، فقالت:


- حضرتك بتقول ايه؟


أجاب عمر ليجذبها نحو نقاش جديد:


- بس ده ميمنعش بردو إنك جبانة، وبتضطري للكدب علشان تخبي خوفك.


بدت ليليان حائرة وتفكر فيما قال بجدية، ولكنه قاطع تفكيرها عندما نظر لمحجر عينيها وقال:


- على فكرة أنتِ إنسانة بسيطة بطبعك، وأي حد ممكن يلاحظ ده، أنا مثلًا، محمد، كدا وده بيخليكِ شخصية سهل قراءتها، ده مش شيء وحش ده بيدل إنك بسيطة زي ما قولت قبل كدا، فـ ده بيخلي أي شخص يشوف الخوف على وشك، أنتِ ممكن تفكري إن محدش يعرف عنك حاجه وإن محدش فاهمك بس بالعكس، وعلى فكرة الخوف ده أسوأ حاجه ممكن يحس بيها الانسان؛ لأنه بيعطل الانسان وبيمنعه من إنه يتقدم في حياته، وده واضح عليكِ على فكرة، باين إنك مش عايزة تتقدمي في الحياة أو تعملي أي حاجه جديدة في حياتك، وعلشان كدا رافضة الشغل علشان خايفة، وبصراحة أنا مش فاهم سبب خوفك ده، بس حبيت أنصحك كشخص أكبر منك ومريت بمواقف كتيرة زي دي، وأنا أقدر أقولك بدون خوف إني كنت بخاف زيك كدا، بس ده عطل حياتي وكل حاجه كانت متعقدة ولما واجهت اكتشفت إن المواجهة أفضل بكتير من الخوف والتهرب وده هتشوفيه بنفسك، أنا بديكِ نصيحة علشان أنا شايف فيكِ نفسي من كذا سنة.


استمعت له ليليان بصمت وهي تفكر في كل حرف يقوله عمر بنبرته الرخيمة، بينما أربكتها نظرته العميقة التي بدت وكأنها تستكشف أعمق عمق في عينيها، ارتشف عمر آخر رشفة من قدحه ثم وضعه على الطاولة وقال:


- اعذريني بقا علشان هضطر أمشي علشان عندي مشوار برا الدار، محمد هو اللي هيتابع بدالي.


أومأت ليليان وهي ترتشف من قهوتها التي أهملتها وتحدق به وهو ينهض ليغلق زر سترته وينظر لساعته ورحل بعد أن عادت ملامحه للجمود، بعد أن عصف بتفكيرها بطريقة لم يفعلها أحدهم معها قبلًا.


❈-❈-❈


استلقى زين فوق فراشه يلقي بكرة مطاطية في حجم قبضته لتضرب السقف ثم ترتد لتعود له فيمسك بها، كرر تلك العملية بينما انشغل عقله بالتفكير بما حدث منذ يومين، ربما هو قد بالغ بردة فعله، ولكن هذا لا يمنع أنها بالغت أيضًا فيما فعلته، وهو أخبرها مسبقًا أنه شخص عصبي بطبعه لا يمكنه التحكم في غضبه.


ولكن، هناك شيء جديد قد طرأ عليه، شيء غير مستحب في تلك الفترة الحساسة في علاقته مع هاجر، لا يعلم لماذا أصبح مشتتًا، أصبح غير متأكد من طبيعة مشاعره تجاه هاجر، يشعر أن الأمر لا يتعدى الإعجاب اللحظي وهو من ضخم الأمر فقط، ربما لأنها أصبحت خطبيته وأصبح وجودها مضمونًا في حياته، وربما لأنها أصبحت إلزامًا عليه فأصبح يريد التهرب من مسؤولية كتلك، رغم أنه ما زال هناك أربعة أعوام أخرى أمامه حتى يتزوج، ولكنه كونه قد عقد خطبته يعني التقيد ببعض الأشياء فتصبح حريته محدودة، ربما، ولكنه ليس متأكد مما يفكر به، وكل ما يشعر به هو أنه غير متأكد من مشاعره تجاه هاجر، وهو الآن مشتت وفي حيرة من أمره لا يعلم ماذا يفعل؛ لهذا لم يفكر بالاتصال بهاجر مجددًا منذ ذلك اليوم، وقد قرر أنه لن يهاتفها حتى يحسم قراره بشكل نهائي.


❈-❈-❈

جلس سليم خلف مكتبه يرسم أشياء عشوائية ليخفف من غضبه، كان يائسًا بشدة، لقد سئم من إصدار الجميع الأحكام عليه، من عمه وسخريته المستمرة، من والده عندما كان يرفض الالتحاق بكلية الطب، من علي ومن ليلى عندما علما بما يفعله، لقد أرهق من كمية الأحكام التي توجه له؛ لهذا اندفع يصيح بليلى ما إن أصدرت حكمًا جديدًا عليه عندما كان هو قد فاض به الكيل، هو لم يرد أن يتحدث معها بهذا الهجوم والطريقة الفظة، لقد جرح ليلى ولا يعلم كيف يمكنه أن يجعلها تغفر له هذا الخطأ، فهي قد قطعت جميع الطرق بينهما، حتى وإن لم تفعل فهو لن يستطيع مواجهتها بعدما فقد أعصابه أمامها بتلك الطريقة، لقد رأى تلك النظرة في عينيها، تلك النظرة المخذولة التي جعلته يشعر بالذنب مئات المرات، رغم أنه عنيد ومتمرد إلا أنه لا يحب أن يكون مخطئًا في حق أحدهم، وقد أخطأ في حق ليلى بتوجيه إهانة غير ملموسة من بين حديثه، كما أنه قد أخطأ في حق علي، والمشكلة أنه يعلم كيف يُرضي كلاهما، ولكنه ببساطة لا يريد أن يفعله؛ لأن لا أحد يستطيع فهمه!


لقد تمنى طوال حياته أن يجد شخصًا خارج إطار عائلته يتحدث معه، يتحدث حول أي شيء وكل شيء، يتحدث عن أمور عامة وأن يضع أشياء شخصية عنه يريد أن يبوح بها بشكل مستتر يفهمها الشخص الذي أمامه دون أن يعلق، يفهم ويستمع فقط، والشبان معظمهم يريدون أن تتحدث معهم بشكل مباشر ويرفضون الاستماع في معظم الوقت متهمينه بأنه طفل لين هش كما وضح لهم هذا المجتمع الكريه، مثل نظرية الرجال لا يبكون، والفتيات رغم أنهن يستمعن له ويجدن الأمر شاعريًا إلا أنهن لا يفهمن ما يقوله من بين السطور؛ لهذا توقف عن التحدث بتلك الطريقة اكتفى بوجود شخص يستمع له فقط حتى وإن كانت بطريقة محرمة.


فكر سليم للحظة يبحث عن شخص يتفهمه ويستمع إليه غير علي، فلم يجد سوى ليلى، ولكن ليلى لا يمكنها تقبله كما هو، وقد تخلت عنه توًا لأنه جرحها وأهانها.


- ليلى، ليلى اللي ناوية تكسر دماغي قريب.


همس سليم بشرود وهو ينظر للحائط يستحضر مخيلته؛ ليتابع الرسم. 


يُتبع..