رواية صمت الفتيات - بقلم الكاتبة خديجة السيد- الفصل السادس والعشرون
رواية صمت الفتيات
بقلم الكاتبة خديجة السيد
الفصل السادس وعشرون
رواية
صمت الفتيات
لتتجه دهب نحو فراشها تحضن دميتها بين ذراعيها لتدفن الاخيرة وجهها بصـ..ـدرها تبكى بشهقات ممزقة بخوف و رعب.. حتى ظلت هكذا لحظات تقاوم بصعوبة الدموع التى انسابت بصمت على وجنتيها و هى تدرك بانه ليس لديها حل اخر غير الصمت والتماسك حتي لا يعلم احد من اهلها ما حدث معها منذ شهرين وبالتحديد والدها.. فهي اصبح تترعب من رده فعل حينها وعقلها مستمر في نسج سيناروهات قاسيه عندما يعلم والدها بما حدث.
فور ان دلفت رحاب متجهه بخطوات مترددة نحو غرفة دهب ابنتها ليصل الي سمعها صوت اناتها وهي تبكي بشده زفرت رحاب بخوف و النيران التى بصدرها تشتعل اكثر و قد تأكدت من شكوكها بأن يوجد شيء قد حدث مع ابنتها الصغيرة وهي تخاف ان تقول... ارتجف جـ..ـسد دهب عندما شعرت بأن والدتها خلفها اعتدلت بسرعه بخوف بينما تقدمت منها رحاب وقالت بهدوء و عينيها مسلطة عليها بتركيز و اهتمام تراقب ردة فعلها
= انتي كويسه يا دهب مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه؟
صمتت ولم تجيب عليها و هى تحيط جسدها المرتجف بذراعيها ثم ربتت رحاب على ظهره قائلة بحنان
= حبيبتي مش انتي بتحبيني يبقى ما ينفعش تكذبي عليا ولا تخبي عليا حاجه مش كده؟ قوليلي مالك خايفه من ايه ومش عاوزه تقولي لينا
لتقول دهب وهى تنفجر باكية بشهقات ممزقة
= هتزعقيلي زي بابا وهتضربيني
لتحاول ان تطمئنها وتتحدث معها بلهجه تملاها الحنان والمرح قائله بابتسامه عريضه وهي تاخذها بين احضـ..ـانها الدافئ
= لا طبعا مين قال كده وبعدين بابا زعق عشان كان خايف عليكي وانا مش هعمل زيه.. ده انتي حبيبتي وروحي و اخر العنقود و آخر حته من قلبي.. يلا يا حبيبتي احكيلي وما تخافيش مني، وما ينفعش اصلا تخافي مننا احنا بالذات ،عشان احنا اهلك وعايزين دائما الخير ليكي
❈-❈-❈
فور ان دلف اسماعيل الى المنزل اتجه بخطوات بسيطة الى داخل غرفه ريحانه فهو يعرف ان زوجته اصبحت طول الليالي السابقه تجلس بداخلها ولا تخرج منها وتقيم فيها الليل حتى تنام داخل فراش ابنتها وتصلي وتدعي لها، فتح الباب و دلف اسماعيل الى الغرفة بوجه يظهر عليه على الاكفهرار و الاغتمام لكن نشوي تجاهلته و ركزت عينيها علي الصور والالبومات المنتشره في الارض تحتها التي كانت تتفحصها بعنايه شديدة لكنها اخفضت عينيها عندما ظهر امامها قائلا بدهشة
= بتعملي ايه يا نشوى؟
ابتسمت بحب وهي تشاهد صور براءه ابنتها قبل ان تغتال على يد ذئب بشري، لتقول بنبرة شارده
= تعالي بص يا اسماعيل وانا بدور في اوضه بنتك لقيتها لسه محتفظه بالبوم الصور وهي كانت صغيره وصور وهي لسه مولوده كانت شكلها حلو قوي وهي صغيره، يا ريتها ما كبرت وفضلت بين يدي و قدام عيني على طول الـ 24 ساعه
تصلب جـ..ـسد اسماعيل فور سماعه كلماتها لكنه لم يتفاجئ فاصبحت الفتره الاخيره تصرفاتها غريبه منذ حادث ابنتها، شحب وجه نشوي فور ادراكها معنى كلماتها تلك لتشعر بانفاسها تنسحب من داخل صدرها و امتلئت عينيها بدموع محتقنة مما جعلها تخفض رأسها و هى تشعر بخيبة أمل و الخجل من نفسها
= ولا انا كنت من زمان ام مهمله معاها ومش بهتم بيها.. اكيد كنت كده برضه.. بس لا انا فاكره المرحله دي لما كانت بتكبر بين ايدي
ثم هتفت فجاه بصوت عالي مرتجف من بين شـ..ـفتها وقد اخذت ضربات قلبها تزداد من شدة الخوف
= بص كده يا اسماعيل الصوره دي ما كانتش بتضحك قوي فيها! تفتكر هنا كان حمدي عمل ليها حاجه بس كانت صغيره قوي يا حبيبتي.. يا قلبي كانت لسه بتكبر و ملامحها بتبان ليه يطفيها كده ويخليها تعبانه وزعلانه من صغرها
اجابها بهدوء يعاكس النيران التى تغلى بعروقه قائلا
= نشوى اقفلي اللي في ايدك ده و بطلي تفكري في الحاجات دي وتتعبي نفسك على قله فايده اللي حصل حصل خلاص.. التقصير جاي مننا احنا الاثنين مش هيفيد بحاجه لما كل واحد يقعد يرمي عن الثاني الغلط عليه بدل ما نقف ونحل
لم تهتم بالحديث وصاحت بغضب شديد وهي تقلب بالصور مثل المجانين و تنظر اليهم بعينين تلتمع بوحشية عندما لم تجد تاريخ خلف الصور، مما جعلها تخفض عينيها في ذعر و خوف
= هي الصور دي ازاي مش وراها تاريخ ولا مكتوب عليها حاجه من وراء.. انا كنت عاوزه اعرف هي عندها كام سنه هنا هي قالت انه كان بيستغلها من وهي عندها خمس سنين ازاي انا مش كاتبه على كل صوره سن بنتي ولا حتى عارفه اخمن من الصور هي عندها كام سنه.. اكيد الحيوان اخوك هو السبب انها ما تبقاش فرحانه كده في الصور.. بس انا زي ما كنتش واخذه بالي أنها مش فرحانه.. هو انا كنت مهمله فيها اوي كده من وهي صغيره
فرك اسماعيل وجهه و هو يلتقط نفساً عميقاً محاولاً تهدئت الالم الذي ينبض بداخله من رؤيتها تعاني هكذا وتحمل نفسها الذنب كامله بهذا الشكل مقارناً حالتها تلك بالماضى، هز رأسه محاولاً طرد افكاره تلك و التركيز علي ما اتى من اجل حماية طفلته الوحيدة ومحاوله اصلاح اي شيء تبقي، بينما شهقت نشوي بقوة لتقول بألم و بكائها يزداد
= انا ما استاهلش تكون بنتي يا ريتني ما كنت بخلف احسن ولا اعذبها واهمل فيها كده.. حتى اكثريه المناسبات مش فاكره كنت بصورها ليه..
زفر اسماعيل بعنف و النيران التى بصدره تشتعل اكثر وقال بصوت مخنوق
= شيء طبيعي ما تبقيش فاكره يا نشوي ،الصور عدى عليها سنين طويله
لكنه حديثه لم يريحها بل ظلت تجلد نفسها بشده وقوه.. انتفضت لتنهض أمامه تدفعه بصدره هاتفة بصياح حاد و انفس لاهثة
= لا العيب مش في السنين واننا مش فاكرين، العيب فيا وفيك احنا اب وام مهملين احنا ما كناش قد المسؤوليه.. امال بنتنيل نخلف ليه لما احنا مش عارفين نربي عيله صغيره ولا كنا حاسين بوجعها ولا قادرين نحميها من غدر البشر.. احنا ما نستهلهاش وما نستحقش يكون اسمنا اب وام
توقفت عن الكلام فجاه ثم تطلعت اليه بنظرة يملئها العذاب وهي تعلم أنها تستحق هذا.. بعد ما فعلته بها و عدم اهتمامها الكافي بـ ريحانه شعرت كما لو سكين حاد يغرز بقلبها...ثم أشارت إلى نفسها تصرخ بألم وهي تبكي
= بالذات انا، أنا استاهل كل اللي يجريلي عشان ما كنتش بسمعها ولا اديها فرصه تتكلم؟ و عشان ما كنتش قريبه منها كفايه؟ وعشان ما كنتش باركز معاها واشوفها تعبانه ولا زعلانه من ايه؟ انا كنت فين من كل ده ازاي كنت مغيبه على بنتي كده ومش واخذه بالي منها.. ازززاي
أكملت صرختها نشوي بصوت مرتجف و قد شحب وجهها من شدة الذعر و الخوف
= وفي الاخر بنتك هي اللي محبوسه واحنا اللي بره، احنا اللي نستاهل الحبس والشنقي مش هي احنا ما نستاهلش نعيش بعد اللي عملناه في بيتنا.. ايوه المفروض احنا اللي نتحاسب مش هي.. المفروض الحكومه بتاعتك دي تحسبنا احنا وكل اب وام زينا ما يستهلوش انهم يكونوا عندهم اولاد
صرخت نشوي منتحبة عندما اخذت تشعر بألم شديد متتالي قاسي داخلها وهي تشعر بالذنب الشديد تجاه ابنتها وتقصرهم نحوها، بينما أكملت تصرخ به و هي في حالة شبه هستيرية
= اه يا بنتي قلبي واجعني عليها قوي يا اسماعيل ما بقتش عارفه اعيش من ثاني وضمير يؤنبني بالشكل ده، انا زي هكمل حياتي من غيرها ازاي هعرف اعيش في الدنيا وهي مش مسامحاني.. قل لهم ياخذوني انا ويسيبوا بنتي.. آآآه يـا ريـحـانـه
بينما شعر اسماعيل كامل جـ..ـسده متصلباً بينما تضيق به الانفاس كما لو منع عنه الهواء فجأة ليشعر كأنه وسط جحيم يشعل جسده بنار لا يستطيع تحملها وهو يقف عاجز يشاهد زوجته تنهار من الالام على ابنتهم...
❈-❈-❈
جلست رحاب بجانب زوجها و شهقات بكائها تتعالي وقد اخذت ضربات قلبها تزداد من شدة الخوف علي ابنتها و اخذت تنتحب وهي في حالة شبه هستيرية.. لكنها انتفضت بمكانها فازعة عندما نهض زوجها بدر بحده قبل ان يغمغم بقسوة
= هو ده اللي ربنا قدرك عليه هتقعدي تعيطي جنبي بعد المصيبه اللي انتي قلتيهالي يعني طلع فعلا كلام الظابط حقيقي مش كذب والهانم بنتك راحت مع الراجل برضاها
هتفت بصوت باكي ميت بينما كتفيها منحيين و الالم يلتمع بعينيها بوضوح
= امال عاوزني اعمل ايه بعد اللي عرفته من بنتك ده لولا ريحانه لحقتها في اخر لحظه كان زمانها
لم تقدر على تكمله جملتها لتنفجر في البكاء و هو صائحاً بشراسة مرعبة و يكاد يكون خارج السيطرة
= وبنتك كان عقلها فين لما راحت لوحدها مع واحد غريب ما تعرفوش ..وانتي يا هانم كنتي فين وسايبه بنتك في الفرح لوحدها انا مش نبهت عليكي اكثر من مره ما تغيبش عن عينك لحظه واحده
أسرعت رحاب تهتف بتبرير
= والله العظيم كانت جنبي طول الفرح وانا كنت بابص عليها كل شويه لما كانت بتبعد عني، بس بنتك روان كانت عايزه تدخل الحمام ومكسوفه تدخل لوحدها عند ناس غريبه قالتلي تعالي معايا واستنيني بره وانا رحت معاها وماجاش في دماغي ان ممكن ده يحصل
اجبر بدر شـ..ـفتيه علي التحرك قائلاً بصعوبة و هو يشعر بالقلق علي بناته من القادم
= يبقى اكيد كان بيرقبك واستغل أنك مشغوله مع بنتك الثانيه وراح يلعب في عقل العيلة الصغيره الثانيه عشان يستدرجها ..هي فين بنتك صحيح
تحرك قاصد غرفه دهب لكن توقفت رحاب أمامه و عيونها متسعة بحده وهي تمسك بكتفه وصاحت بعصبية حادة
= استني هنا انت رايح فين رايح تتخانق مع دهب صح.. ما انت لسه قائل بلسانك انها عيله صغيره ومش فاهمه حاجه هي ايه ذنبها الزفت الحيوان الثاني هو اللي ضحك عليها واستغلي سنها الصغير بانها مش هتعرف تدافع عن نفسها ، اياك تقرب منها يا بدر كفايه اصلا بسبب زعيقك المره اللي فاتت خافت منك انها تتكلم وتحكي لينا اللي حصل، و لولا إللي انا اخذت بالي ما كناش هنعرف حاجه ونسيبها يعيني تعاني مع نفسها واحنا مش دريانين بحاجه.. والله العظيم حتي لو فيها طلاقي منك يا بدري ما هتمد ايدك على البنت دي سامع ولا لا هو انت كده بتحل يعني
اتسعت عينا بغضب مكتوم وصمت بينما اخرجت زوجته صوت صغير متألم كان كسكين يغرز بقلبها وهي تقول بين دموعها بتوجس
= معنى كده اللي بنسمعه في الجرايد والاخبار صح عن ريحانه وعمها فعلا اعـ..ـتداء عليها وهي صغيره.. يعيني يا بنتي عليها هي كمان ربنا يسترها معاها ويبارك ليها زي ما سترت على بنتي ولحقتها كان زمانها دلوقت واحده من الضحايا اللي بنسمع عنهم ..يا ريته كان عايش كنت انا اللي قـ..ـتلته بيدي الكلب ده، احنا مديونين بكثير لريحانه لازم نروح نشكرها بنفسنا
قاطعها بدر بلهجة صارمه شديده قائلا
= ولا تشكري حد ولا تنيلي حاجه ،خلاص الموضوع ده لازم نقفل عليه و لا اكننا عارفنا حاجه ولا عاوزه سيره بنتك تبقى في الجرائد والاخبار هي كمان!!
همست بعدم فهم وهي تتطلع اليه باعين متسعة ممتلئة بالارتباك
= انت بتقول ايه يا بدر، بس حسب اللي عرفناه ان شهاده بنتك هي اللي هتنقذ ريحانه من حبل المشنقه
أردف وهو يتنفس الصعداء بصعوبة ونبرة المرارة الموجودة فى صوته وهو يقول بصوت مختنق مرتجف
= بس سمعه بنتك ومش هي بس لا بناتك الثلاثه كمان هتبقى على كل لسان وما حدش هيصدق انه ما لمسهاش وكل واحد هيقول كلمه ويزود من نفسه في عرض بنتك.. ده غير دي قضيه بتتسجل في المحاكم يعني بنتك لما تكبر و واحد يجي يتقدملها وهيسال عليها طبعا وعلى سمعتها هيعرف على طول موضوع القضيه وان في حد حاول يعـ..ـتدي عليها
قد شحب وجه رحاب فور ادراكها معنى كلماته تلك فهي لم تحسبها ذلك، شعرت فجاه بانفاسها تنسحب من داخل صدرها كما لو ان المكان يطبق جدرانه من حولها حين فكرت في ذلك بالفعل، امتلئت عينيها بدموع محتقنة مما جعلها تخفض رأسها و هى تشعر بالعار و الخجل علي بناتها.. بينما جلس بدر بمواجهتها مائلاً الي الامام و ظل ينظر اليها حتى بادلته بتردد نظراته وهو يهتف بجدية
= ولو قعدنا من هنا لمئه سنه نحلف لكل واحد ان بنتك بريئه ما حدش هيصدق عشان الناس مش بترحم.. عشان كده الأفضل نعمل نفسنا ولا اكننا عرفنا حاجه ولا الموضوع ده حصل، حتى بنتك نفسها لازم تنسى، والحمد لله ان ربنا سترها على بنتك لحد كده
يـتـبع