-->

رواية ذنبي عشقك بقلم الكاتبة ميرا كريم - الفصل الثالث

 

 رواية ذنبي عشقك 
بقلم الكاتبة ميرا كريم



رواية ذنبي عشقك

الفصل الثالث

عادت معه إلى المنزل كالـ جثة  التي لا روح بها، فلم تفارق غرفتها وظلت ساكنة لم تتفوه بشيء معه لعدة أيام  
فمن يراها ساكنة يظن أنها فقدت الرغبة في النطق من شدة يأسها؛ ولكن هي كانت توفر الحديث لتعيد حساباتها !

وهاهي بعد تأدية فرضها تجلس على سجادة الصلاة تقرأ في مصحفها الصغير كي يطمئن قلبها، راجية الله أن يمدها بالقوة التي طالما تحلت بها فمن يصدق أن تلك ذاتها التي كان الأصرار والعزيمة يثمر في ظل طموحها...

أغلقت مصحفها حين انتهت ونهضت تطوي سجادة الصلاة تزامنًا مع دفعه لباب غرفتها وصراخه المعاتب لها:
-هو أنتِ هتفضلي مقطعاني كده 
كتير

تنهدت بضيق من اهتمامه الزائف وسألته بكل جمود:
-عمر زعلي ما همك يا "صالح" 
قول عايز إيه؟

صرخ عقله الصدأ لا داعي للمقدمات فهي تحفظك عن ظهر قلب ليدلك مؤخرة رأسه  ويقول بتوجس من ردة فعلها:
-شوفيلي معاكِ فلوس علشان البت بدور جت وفرجت عليا الدنيا 

استفسرت هي:
-أنا مش كملتلك على شهريتها
وقولتلي أنها خدتها

تخابث كي يستعطفها كعادته: 
-حصل وخدت الشهرية على داير مليم  بس اعمل ايه في طماعها بتقول صرفتهم، والواد محتاج حاجات وأنت ميرضكيش ابن اخوكِ يبقى ناقصه حاجة

حانت منها بسمة ساخرة وتهكمت:
-قلبك حنين اوي وانا معرفش! 
بلاش بالله عليك دور الصعبانيات ده علشان أنا أكتر واحدة عارفة أنك جاحد ومعندكش عزيز حتى لو كان من دمك 

نطق بضجر من تلميحها:
-يووه بقى مقولتك خلاص وانتِ اللي خرجتيني عن شعوري وقتها ومحستش بنفسي

تنهدت وتحركت خطوتان بعيد عنه مؤنبة:
-كنت هتموتني وبتقولي محستش بنفسي ده انا يا اخي لغاية دلوقتي مش قادرة استوعب انك سيبتني مرمية وجريت

حاول استعطافها بخبث بَين لم يخفى عليها:
-خلاص بقى يا بت ميبقاش قلبك اسود وبعدين دي المصارين في البطن بتتعارك وانا مليش غيرك يتحملني

تهكمت ببسمة متألمة تعكس خيبة أملها:
-وعلشان ملكش غيري؛ بتستقوى عليا وبتستغلني  

اعترض على المسمى وبرر ببجاحته المعتادة:
-استغلك...ده كلام! وبعدين هو في فرق بين الأخوات

لوحت بيدها دليل على عدم اقتناعها وردت بشجاعة:
-من هنا ورايح هيكون في فرق يا "صالح"

اشرأب برأسه وتسائل بملامح متشنجة وصوت غليظ:
-يعني إيه؟

قذفت قرارها الحاسم بوجهه دون أن تهاب بطشه: 
-يعني مفيش فلوس وانزل اشتغل زي الرجالة واصرف على ابنك او على الأقل اشتغل بالتاكس واسعى على اكل عيشك بدل ركنته اللي هلكته في الحارة ده انا طلع عيني علشان اسدد اقساطه

برر منفعل دون أن يحمل ذاته عناء تحمل المسؤولية:
-بتخنق من السواقة وأخر مرة كنت هجيب كـ رش زبون لما مـ ارضـاش يدفع اللي انا عايزه

زفرت حانقة من تبريراته الواهية واقترحت: 
-خلاص يبقى نبيعه 

اعترض بصوته الغليظ و بكل تبجح:
-لأ مش هيتباع ده نافعني في المشاوير واوعي تفتكري انه علشان بأسمك هتعرفي تلـ وي دراعي

تهكمت هي ببسمة مريرة:
-كويس انك لسه فاكر أنه بأسمي

-انا كتبته بأسمك علشان بحبك يا بت 

ردت بِفطنة لنواياه المتوارية:
-انت كتبته باسمي علشان عم "فارق"  جوز امك الله يرحمه هو اللي أصر لما دبستني وخلتني أمضي على وصلات الأمانة بتاعة الأقساط  وانت وافقت وقتها علشان متورطش نفسك

زمجر غاضبًا بعد حديثها الذي يعريه أمام نفسه:
-يوووه بقى قصري مش كل ما اطلب منك حاجة تسمعيني كلامك اللي زي
الـسـ م ده...هتديني فلوس من سكات ولا لأ

رفعت رأسها تدعي الثقة وقالت والإصرار يزدهر داخل زيتونها رغم ارتجاف احشائها:
-لأ...ومن هنا ورايح مليش فيه ومش هتاخد مني قرش واحد

ظنت أنه سينقض عليها كعادته ويبرحها ضربًا لذلك ابتلعت رمقها وابتعدت عنه مسافة كافية ولكنه فاجئها  وركل مقعد تسريحتها بعزمه عوضًا عنها، لتغمض عيناها بقوة  حين صرخ بها متوعدًا:
-ماشي يا "شمس" ليكِ روقة و وربنا  لأكون مربيكِ من جديد 

قالها وغادر غرفتها بخطوات يتأكلها الغضب تاركها تنظر لأثاره  تلملم شتاتها وتلتقط انفاسها. 
❈-❈-❈
كان يتابع عمله حين دخل عليه أحد زملائه الضباط قائلًا:
-تمام يا "سليم" بيه

سأله دون أن يرفع نظراته له:
-عملت ايه؟

-مفيش جديد يا فندم كلهم
بيدعوا انهم بيشتغلوا لحسابهم ومفيش حد وراهم

زفر انفاسه وقال بثقة وهو يمرر يده فوق شعيرات ذقنه الناعمة:
-مستحيل يا "احمد" احساسي بيقولي غير كده 

-يا فندم تحقيقات النيابة ما اسفرتش عن حاجة ومحدش نطق بحرف كلهم كلامهم واحد

ضاقت نظراته وقال بِفطنة وهو يحرك القلم بين يده:
-وده أكبر دليل إني صح

-طب تؤمر بإيه؟

القى القلم الذي بيده على سطح المكتب وقال بثقة نابعة من رجل مُحنك لا يستهان به:
-حطهم في حبس واحد ودخل معاهم واحد من المخبرين بتوعنا 
يكون وشه مش محروق ليهم وخلي عينه تبقى عليهم ويوصلنا اللي بيدور بينهم

ابتسم "أحمد "بسمة واسعة ومدح خطته قائلًا: 
-حل عبقري يا "سليم" بيه والله الواحد بيتعلم منك 

شبح بسمة مغترة ظهرت على جانب فمه وتبعها صوته الذي صدر أمرًا:
-طب يلا روح شوف شغلك يا حضرة الرائد

ادى التحية وانصرف، ليزفر"سليم" انفاسه حانقًا ويقسم لذاته أنه لن ييأس و سيستمر في السعي في سبيل القضاء على  تجار تلك السموم ويلقيهم في غياهب السجون كي يحد من تدميرهم  لعقول شبابنا ومجتمعنا بأثره. 
❈-❈-❈
بعد مغادرة أخيها تكورت في فراشها وبيدها صورة تلازمها دائمًا تضم عائلتها الصغيرة التي رحل أفرادها...دمعة حارقة سقطت من عيناها انبأتها أن تلك الذكريات المريرة تكاد تعود و تلتهم روحها وتحرق قلبها بنارها ككل مرة!
لذلك  نفضتها عنها ونهضت تنفض ثوب اليأس والحُزن من عليها و قررت أن تذهب لرؤية ابن اخيها لتطمئن عليه وتخفف برؤياه وطأة شعورها.

فقد فتحت خزانتها تضع الصورة بين طيات الملابس ثم بعدها نزعت تلك الاسطوانة الدائرية الرفيعة التي تعلق عليها ملابسها واخرجت من داخلها ذلك المبلغ الضئيل الذي تبقى من مدخراتها التي جنتهم في شهور غُربتها وخبئتهم بعيدًا عن أعين أخيها.

تناولت نفس عميق من الهواء وهي تدسهم في جيب فستانها الفضفاض قاتم اللون.
وبعد دقائق كانت تطرق على باب تلك الغرفة الصغيرة التي تأويهم 
وحين  انفتح الباب وجدت ابن شقيقها يرتمي عليها ويحتضن ساقيها هاتفًا بحروف متكسرة:
-عمتو وحشتيني

انحنت "شمس" ببسمة رائقة للغاية متناسية بؤسها ورفعته معها تحتضنه وتضع قبلات عدة على وجنته هاتفة بمحبة صادقة:
-قلب عمتو أنت وحشتني اكتر 
طمني عليك

ارجع الصغير رأسه للخلف واخبرها وهو يتحسس وجهها ببرائة ولطف أسر قلبها:
-أنا الحمد لله كويس وانتِ 

اجابته متأملة:
-هبقى كويسة علشان شوفتك

-اهلًا يا "شمس" حمد لله على سلامتك اتفضلي 
قالتها "بدور" مُرحبة وهي تفسح لها المجال، لتبتسم "شمس"  وتحتضنها بود بعد أن انزلت الصغير:
-"بدور"اخبارك ايه؟ وحشتيني 

ربتت "بدور" على ظهرها وأخبرتها بمحبة  لم تتصنعها:
-الحمد لله كل شيء...انتِ كمان وحشتيني
فصلت "شمس" عناقها وخطت للداخل لتجد ذاتها تقف في وسط الغرفة تتطلع لمحتوياتها بنظرة مشفقة للغاية فكانت تحتوي على مرتبة مهترئة بالزاوية وبالأرض قطعة من الكليم الباهت و بزاوية أخرى مقود مسطح صغير وعدة أواني.

-معلش يا "شمس" الأوضة على أدها 

قالتها "بدور" بحرج وهي تجذب الكرسي الوحيد وتمسحه لها بطرف ملابسها، لتبتسم "شمس" وتخطو نحو المرتبة وتجلس تربع ساقيها قائلة:
-حقك عليا يا "بدور" كان نفسي تعيشي أنتِ والولد عيشة أحسن من كده

-وانتِ ذنبك ايه هو اخوكِ الله يجازيه بقى

حاولت ان تخفف عنها اولًا ثم بعدها تسائلت باهتمام كي تستبين أمرهم:
-معلش والله كل حاجة هتبقى احسن...طمنيني عليكم عايشين ازاي الفلوس اللي بيدهالك "صالح" مكفياكم ولا لأ

ابتلعت "بدور" غصة مريرة لطعم الحنظل في جوفها ثم استرسلت بقلة حيلة:
-فلوس ايه يا "شمس" أخوكِ بقاله شهور رامي توبتنا ولا بنشوف منه ابيض ولا اسود ده حتى من كام يوم روحتله وطردني وقالي ربي ابنك بمعرفتك

شهقت "شمس" بقوة من جحود شقيقها وافعاله المشينة بحقهم 
فتلك المنكسرة التي تقبع أمامها الصدق يقطر من حديثها و بعيدة كل البعد عن تلك الصورة التي يوصلها "صالح" لها.

-سرحتي في إيه يا "شمس"
نفت برأسها و دون ادنى تفكير كانت تخرج كل مابجيبها وتدسه بيد "بدور" قائلة:
-خدي دول دلوقتِ خليهم معاكِ وانا ليا تصرف تاني معاه

-بس يا "شمس"... 

قاطعتها" شمس" بإصرار قوي: 
-من غير بس يا بدور خدي الفلوس

حاولت "بدور" نُصحها: 
-بس ده مفـ تري بلاش تقفي قصاده انا ميرضنيش أذيـ تك

-متنعيش همي انا معايا ربنا

-ونعم بالله يا "شمس" بس وغلاوة "رامي" عندك بلاش تقفي قصاده ده لما بيشرب الهـ باب اللي بيشربه ده بيبقى
طايـ ح اسأليني انا عنه ده كل حتة في جسـ مي تشهد على اللي كان بيعمله فيا

تنهدت وقالت متفائلة: 
-متقلقيش وبإذن الله خير… انا هدور على شغل من بكرة ومش هتخلى عنكم مهما حصل

قالتها وهي تدثر الصغير بأحضانها كي تستمد منه القوة للقادم وبعد بضع الوقت غادرت وهي تنوي أن تتصدى لأخيها دفاعًا عنهم مهما كلفها الأمر.
❈-❈-❈
كانت تسير في طريق العودة  إلى منزلها حين قرصها الجوع فلم تذكر متى أخر شيء نزل جوفها.
وقفت على مقربة من محل البقالة القريب تدس يدها في جيب فستانها لعلها تجد بعض المال ولحُسن حظها وجدت ورقة واحدة فئة العشرون جنيه لتبتسم بسمة راضية فتلك الورقة الوحيدة هي كل ما تملك في الوقت الحالي ولكن لا يهم فقرصة الجوع أهون بكثير من تقريع الضمير فكيف كانت ستملأ بطنها وتضع رأسها و تهنأ بالنوم وتلك البائسة وابنها يتعلق أمرهم بعنقها…

تنهدت براحة وكأنها ألتهمت خروف لتوها وبكل رضا اعادتها لجيبها وكادت أن تكمل طريقها لولآ صوت صاحب البقالة الذي هتف مرحبًا:
-يا اهلاً يا اهلًا يا بنتي

ألقت عليه السلام بود:
-ازيك يا عم "طاهر"

-الحمد لله يا بنتي  أنتِ طمنيني عليكِ

-الحمد لله على كل شيء 

كادت أن تكمل سيرها ولكنها شعرت بتردده وكأنه يود قول شيء لذلك تسائلت:
-مالك يا عم "طاهر" عايز تقول حاجة؟

-والله يا بنتي مش عارف اقولك ايه

شجعته هي ببسمة ودودة هادئة:
-اتكلم يا راجل يا طيب

-اخوكِ الله يسامحه اخد حاجات على النوتة والحساب تقل اوي...ومش انا لوحدي ده اللي اسأله فلوس ده صحاب كل المحلات اللي في الحتة وهو ولا في دماغه ولما بنطالبه بحقنا بيبـ جح ويقل ادبه و انا  ممكن اشتكيه بس عامل خاطر ليكِ وللظروف اللي بتمري بيها

ردت بحرج وكل خلية بها تنتفض غاضبة من ذلك الموقف البشع:
_ كتر خيرك… على العموم حاضر يا عم "طاهر" يومين والفلوس تكون عندك

-ربنا يكرمك يا بنتي 

هزت رأسها ببسمة باهتة وغادرت وهي تود لو أن الأرض تنشق وتبتلعها لتتستر على حرجها.
❈-❈-❈
بعد عدة أيام قضتها هي في البحث عن عمل هنا وهناك دون فائدة حتى تملكها اليأس وضاق الحال بها فمن جهة شقيقها وطلبه للمال الذي لم يكف عنه بكل تبجح ومن جهة أخرى تلك البائسة طليقته وابنها الذي فور أن واجهته وعاتبته بشأنهم لم يلين قلبه و طاح  بها
ومن جهة أخرى تلك الديون التي يفتعلها ولم يفكر في سدادها فكانت تشعر بنيران تتأكل احشائها من افعاله المخيبة للآمال وبعد تفكير مضني أخذت قرارها  فيحدث ما يحدث فلم تعد تهاب شيء...لذلك حاولت مهاتفة "عماد"كي يساعدها ولكنها لم تستطيع التوصل له لذلك ذهبت إلى مسكنه وإن رأها تفاجئ بها متسائلًا:
-"شمس" مالك أنت كويسة 

تراجعت خطوتان بعيدة عن بابه و وقفت على أعتاب الدرج متسائلة:
-تليفونك مقفول ليه… كنت عيزاك ضروري

ضرب جبهته بخفة وبرر لها: 
-معلش كنت في الورشة طول النهار ونسيت اشحنه خير يا "شمس" 

صرحت والإصرار يذدهر في زيتونها:
-عايزة ارجع حقي يا "عماد"

-مش فاهم  يعني عايزة تعملي ايه؟

صمتت لبرهة، ليستنتج هو بريبة:
-اوعي تكوني عايزة تعملي اللي بالي

هزت رأسها تؤكد له استنتاجه ليهمس متخوفًا:
-بس "صالح" هيهد الدنيا 

ردت بشجاعة لم تفاجئه فهو يعرفها لاتخشى توابع افعالها فعندما تذكر المجازفة تذكر "شمس":
-يعمل اللي يعمله مش هيهمني

ذكرها بملامح متأثرة وبنبرة تعكس خوفه عليها:
-بس يا "شمس" أنتِ عرفاه بلاش ده لسه جسمك معلم من العلقة اللي فاتت

لوحت بيدها وهدرت بشجاعة:
-انا مبقتش اخاف يا "عماد" واللي هو عايزه يعمله هي موتة ولا اكتر 

حاول جعلها تعدل عن قرارها:
-بس يا "شمس"

قاطعته مُصرة وتسائلت بعدها:
-من غير بس…هتساعدني ولا لأ

زفر انفاسه من صلابة رأسها وعنادها و وافق مضطر:
-ثوانِ هغير هدومي واحصلك على تحت 

اومأت له ونزلت درجات السلم بروية تزامنًا مع صعود "بسمة" التي فور أن وقع نظرها عليها تخشبت بأرضها بينما "شمس" سألتها بود وببسمة هادئة تعكس جمال روحها:
-ازيك يا "بسمة" 

أجابتها بسمة بإقتضاب وهي تشملها بنظرات حاقدة متفحصة:
-كويسة

استغربت "شمس" نظراتها ولكنها لم تهتم و ردت وهي تكاد تتخطاها:
-يارب دايمًا...عن اذنك

-رجعتي ليه يا "شمس"

باغتها بسؤالها لتلتفت لها وتجيبها بأسى:
-ما انتِ عارفة إيه اللي رجعني يا "بسمة"

-اللي اعرفه انهم قالوا انك سافرتي تشتغلي ومش هترجعي تاني مهما حصل

قالت بقلة حيلة والحسرة تقطر من حديثها: 
-كان نفسي مرجعش بس محدش بيهرب من قدره

التوى فم "بسمة" وقالت متهكمة:
-وياترى بقى "سلطان" هو قدرك اللي رجعتي علشانه

تقلصت معالم وجه "شمس" باستياء بعدما ايقنت سبب حدتها معها وردت بكل وضوح:
-"سلطان" عمره ما كان في حساباتي يا "بسمة" وياريت ميكنش في حساباتك أنتِ كمان 

تجهمت قسماتها بعد أن فسرت كلمات "شمس" على طريقتها و ردت بحدة مبالغ بها:
-ليه ميكنش في حساباتي؟ علشان انا تربية ملجأ مش كده...ولا علشان مليش اهل... ولا علشان مش حلوة ومتنورة زيك

استائت من سوء ظنها وكادت ترد عليها وتعزز من ثقتها لولآ ظهور "عماد" الذي قال منفعل:
-عـ يب كده يا "بسمة " هي عمرها ما هتقصد تقلل منك

ردت "بسمة" بتسرع وبصوت مرتفع:
-لأ تقصد وانت بدافعلها كده ليه هي عملالكم ايه انت واخوك هتموتوا عليها ليه فيها ايه زيادة عن كل البنات

دافعت "شمس" عن ذاتها تستنكر اتهامها:
-ايه اللي انتِ بتقوليه ده انتِ اتجننتي  "عماد" اخويا 

تهكمت "بسمة" دون عقل تشكك في سلوكها:
-ولما هو اخوكِ كنتِ عنده بتعملي ايه وانتِ عارفة أنه قاعد لوحده 

زمجرت "شمس" وتأهبت بشراسة كي تنقض عليها ففي قانونها لا للمساس بشرفها وكبريائها:
-قسم بالله كلمة كمان يا "بسمة" وهمسح بيكِ البلاط 

فزع "عماد" و وقف يحيل بينهم يهدأ من ثورة "شمس":
-خلاص...خلاص... بلاش فضايح 

احتمت "بسمة" خلف ظهره وتشبثت بقميصه تخفي وجهها كرد فعل تلقائي لجسدها بعد هجوم "شمس" الشرس غافلة أن بفعلتها تلك جعلت ذلك النابض بصدره يلتوي متألمًا…بينما هي تناوبت نظراتها بينهم وقرأت الهلع الذي أصابها 
لتزفر أنفاسها بضيق وتقول متراجعة: 
-انا مش هاحاسبك على نيتك وسوء ظنك... في ربنا  

تنفست "بسمة"  الصعداء وتراجعت خطوتان للخلف تنوي الفرار لشقتها ولكن "شمس" استوقفتها تعريها أمام نفسها: 
-عارفة ايه مشكلتك يا "بسمة" أنك  مش عاملة قيمة لنفسك وعايزة الناس هي اللي تعملك...نصيحة مني 
عززي نفسك ونظفي قلبك علشان ربنا يكرمك
قالت ما قالت قبل أن تتخطاها وتنزل الدرج تاركتها بعيون غائمة ورأس مطرقة وكأنها تؤكد على كل كلمة نطقت بها، بينما هو كان سينزل بعدها ولكن حزن لأمر "بسمة" وظل متخشب أمامها لحين رفعت نظراتها الغائمة له وفور أن رأت الشفقة في عيناه هرولت من أمامه تختبأ داخل شقتها. 
❈-❈-❈
أما عنه فقد مرت عليه الأيام بروتينية عادية بين اعتنائه بوالدته وبين ساعات عمله المرهقة، وها هو الآن يصب كافة تركيزه على تلك القضية العويصة، حين تناهى إلى مسامعه جَلبة تأتي من الخارج تلاها دق باب مكتبه وظهر ذلك العسكري أمامه يؤدي التحية بإجلال ليسأله بنبرة صارمة:

-أيه الدوشة  اللي بره دي 

أجابه بإحترام:
- يا فندم دي بت عاملة قلبان وعمالة 
تعـ يط ومُصرة تقابلك شخصيًا 

جعد بين حاجبيه الكثفين وأمره بلامبالاة وهو يعود للأوراق بين يده:
-أنا مش فاضي...خلي حد من الأمناء يشوفها محتاجة أيه 

أومأ له وإن خرج من مكتبه سمع عدة مشاحنات وصوت أنثوي يهلل بالخارج، ليزفر بنفاذ صبر وينهض يستكشف الأمر وما ان فتح باب مكتبه وجدها أمامه منفعلة وبهيئة رثة للغاية تصرخ  بوجه مدمي وكدمة زرقاء تحاوط عيناها اليسرى وشعر مبعثر استنبط هو انه تم جذبها منه حتى سارت هيئته بتلك الفوضى، لوهلة توقف الزمن به  وهو ينظر لها  بعيون قاتمة تنبأ بالغضب، وما ان لاحظت هي ظهوره تعدت العسكري الذي يتعمد ردعها وتمسكت بذراعه وترجته بِنبرة ممزقة:

-محتاجة مساعدتك خليهم يسيبوني

أبتلع ريقه وهو ينظر ليدها الصغيرة وهي  تتمسك به كأنه هو طوق نجاتها، وقال بنبرة مهتزة بعض الشيء لم تقلل من هيبته:
-سيبها  

أومأ له العسكري بطاعة ليجذبها هو  ويدخل بها إلى مكتبه ويدفعها أمامه ثم تحرك ليجلس  خلف مكتبه هادرًا بصوت غاضب نفضها:
-إيه! هو أنا ما وريش غيرك ولا ايه يا بت 

اهتزت نظراتها وأخذت تفرك  كف يدها بتوتر شديد من شدة ذعرها...ليصرخ هو بنفاذ صبر:
-انطقي أنا مش فضيلك

نطقت بحروف متقطعة من بين شفاهها المرتعشة:
- أنا...جاية اسلم نفسي 

جعد بين حاجبيه الكثيفين بريبة وهدر:

- أفندم...أنتِ جاية تهرجي يا بت!

نفت برأسها بِهستيرية وقالت وهي تجهش ببكاء مرير:

-أنا قتلته! 

استوحشت نظراته المُرعبة وهب من مقعده يقف أمامها يصرخ بحدة أرجفت أوصالها وجعلت نحيبها يزداد رهبةٍ من هيبته:
- قتلتي ميـــــــــــــــــن...أنطقــــــــــــــــــي؟

يُتبع..