-->

رواية في غياهب القدر - بقلم الكاتبة بسمة بدران - الفصل العاشر

 

رواية في غياهب القدر 

بقلم الكاتبة بسمة بدران





الفصل العاشر

قرار

رواية

في غياهب القدر



إذا سألتُ وصلَهُ

جاوبني بلا ولا


يا ليت لو جاوبني

عن لا بأنْ قال هلا


معذبٌ من هجرهِ

أشكو بُعاداً وقَلا


روحي به هائمةٌ

منه فقدتُ الأملا


في حُبّه لي قصةٌ

غدَتْ لغيري مثلا


(الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم)


❈-❈-❈


تراقص قلبها فرحا عندما أبصرته يلج من الباب الرئيسي للمنزل وابتسامة كبيرة ترتسم فوق محياه الحسن.

 ألقى تحية المساء عليهما ومن ثم جلس بجوار زوجته بعد أن وضع قبلة عميقة فوق جبينها.

اشتعلت  النار في صدرها عندما رأت كل ذلك العشق واللهفة تنضح من أعينهما.

 تنحنحت بقوة كي تقطع التواصل البصري الذي بينهما هاتفة بإحراج مصتنع: ايه كيفك إستاذ رامي؟

 ابتسم بمجاملة ثم رد باختصار: كويس يا مدام رغد.

 هبت غزل واقفة تهتف بإصرار عجيب: أنا بقى هروح أحضر الغدة واهي بالمرة رغد تتغدى معانا.

 ابتسمت بداخلها لكنها أرادت أن تظهر بشكل يليق بها فهتفت بهدوء: أنا بعتذر منكم جدا لكن أنا بدي.

 قاطعها رامي بقوة: ما فيش اعتذار يا مدام رغد غزل قالت إنك تتغدي معانا يبقى تتغدي معانا.

 أطرقت رأسها في خجل مصتنع وهمست بداخلها: يا الله شو هالرجال والله بياخد العقل. 

رفعت رأسها عندما استمعت إلى صوت غزل المازح يقول: يلة يا حلوة تعالي ساعديني في تحضير الأكل.

 هبت واقفة تتبعها بخطوات أنثوية مدروسة

 وعندما مرت من أمامه غمزت له بإحدى عينيها فشعرت بالغضب الشديد عندما لم يعرها أي اهتمام أو ربما لم يرها من الأساس.

 فسارت بخطوات واسعة وهي تطوي الأرض من تحت قدميها من شدة الغضب.

 تابعها رامي بعينيه حتى اختفت عن مرمى بصره ومن ثم تمدد فوق الأريكة ينتظر ريثما تنتهيان من إعداد الغداء.


❈-❈-❈


صاح بضراوة أفزعت كل من المعلم فكري وكذلك الرجل الذي زف له الأخبار الغير سارة بالنسبة له: يعني إيه ما أخدش العربية يا بهايم هو أنت يا زفت مش أكدتلي انه ما بيطلعش برة المنطقة من غير عربيته! 

رد الرجل بتأكيد: أيوة والله يا باشا عمار هنداوي ما بيطلعش برة المنطقة فعلا من غير عربيته بس أنا مش عارف ليه ما اخدهاش المرة دي؟

 هتف المعلم فكري مقاطعا: ابن الجني بسبع ترواح يا سعادة الباشا بس ما تقلقش وديني المرة الجارية ما هيفلت منها اذا كان فلت المرة دي بسبب غلطة صغيرة مننا فالمرة الجابية.

 قاطعه الرجل المجهول بحدة أفزعته: المرة الجاية لو ما تمش اللي أنا عايزه ه

حطير رقبتك أنت والبغل ده.

ازدردا الرجل ريقه في خوف

 بينما هتف المعلم فكري مؤكدا: ما تقلقش يا باشا أوعدك إن المرة الجاية كل حاجة هتبقى تمام.

 جلس فوق المقعد وهو يشعر بغضب لا مثيل له فصك على اسنانه بقوة حتى كاد ان يهشمها مغمغما بفحيح: المرة الجاية مش هتنفد يا ابن هنداوي وان كان اتكتب لك عمر جديد المرة دي فالمرة الجاية مش هيحصل.


❈-❈-❈


انتفضت من مكانها كالملسوعة هادرة بكل ما يعتمر في صدرها من غضب: حضرتك بتقول إيه يا بابا موافق على إيه؟

 أنا مابفكرش في الجواز أصلا.

 زجرها والدها بحدة لكنها لم تصمت بل بالعكس استخدمت حقها الشرعي والطبيعي واستطردت حديثها بكبرياء يليق بها: أنا مش هتجوز غير لما أكون مقتنعة مية في المية وانت يا دكتور وليد طلبت الطلب ده مني قبل كده وأنا سبق وفهمتك اني مش عايزة اتجوز حصل؟

 أومأ لها موافقا ثم غمغم بهدوء استفزها كثيرا: بس السبب اللي رفضتيني عشانه زمان يا آنسة صَبا ما بقاش موجود.

 زجرته بحدة وهتفت من بين أسنانها: ما يخصكش كل اللي انت قلته ما يخصكش ودلوقتي عن إذنكم أنا هدخل ارتاح شويت أنا واحدة جرحها لسة ما لمش.

 وللحقيقة هي لا تعرف بالضبط أي جرح تقصد هل جرح قلبها الذي ينزف منذ عدة أعوام أم جرح بطنها الذي أيضا لم يلتئم بعد.

 ألقت كلماتها دفعة واحدة وانطلقت إلى غرفتها وهي تغمغم بكلام غير مفهومة

 تاركة الجميع ينظر في أثرها بذهول تام وبالأخص والدها فلطالما عاهدها مسالمة طيبة. 

تنحنح وليد وهو يشعر بالغضب منها ومن نفسه هاتفا في عجالة: طيب استأذن أنا يا عمي بس حضرتك اتأكد أن الموضوع ما خلصش هنا.

 هب السيد كامل واقفا مصافحا إياه بحفاوة: مع ألف سلامة يا ابني وإن شاء الله هشوفك تاني. 

قال كلمته الأخيرة بمغزى وصل وليد الذي ابتسم باتساع وأومأ برأسه ثم انصرف. 

بينما والدتها تحدثت بعدم تصديق: هو إيه اللي حصل ده يا حاج معقولة دي صَبا بنتنا!

 وقفت وكسرت كلامك قدام الضيف لا لا لا أنا حاسة ان فيه حاجة غريبة.

 ألقى السيد كامل بجسده فوق المقعد الذي كان يجلس عليه سابقا مغمغما بصوت هادئ: لا يا سعاد صَبا استعملت حقها الطبيعي ورفضت العريس بس صدقيني أنا حفضل وراها لحد ما تتجوز معنديش استعداد أني أسمع كلمة ملهاش لازمة عنها من حد في الحتة خاصة ان اللي اسمها زينة دي مش هتسكت عشان كده عايزك تساعديني اننا نقنع صَبا توافق على الدكتور وليد.

 ردت والدتها بابتسامة: والله يا أخويا ياريت ده واد حليوة شبه نجوم السيمة أنا لو عليا كنت كتبت الكتاب دلوقتي بس نعمل إيه في راس بنتك الناشفة.

 بس هي معزورة برده ماهوو.

 كادت أن تفضح سر ابنتها لكنها تراجعت على آخر لحظة ولحسن الحظ لم يلاحظ زوجها زلت لسانها تلك.

 فحمدت الله بداخلها ومن ثم هبت واقفة عازمة على التحدث مع ابنتها مرة أخرى علها تثنيها عن قرارها هذا.


❈-❈-❈


أخيرا حسمت قرارها بعد أن تغلبت على خوفها.

 أخذت نفس عميق وزفرته على مهل وضغطت زر الإيجاب ثم وضعت الهاتف فوق أذنها وهتفت بصوت مهزوز: أيوة.

 استمعت إلى صوته الكريه على الطرف الآخر يقول: أهلا بالهانم اللي فكرت نفسها خلاص بقت حرة وخرجت من سجنها لكن اللي هي ما تعرفهوش اني أقدر أردها مرة في أي وقت.

ماذا يقول ذلك الأبله سيردهل مرة أخرى سيعيدها إلى عصمته.

هذا الحديث يعني أنها ستصبح زوجته مرة أخرى سيضربها ويهينها ويعذبها كما كان يفعل سابقا. 

انهمرت دموعها كالشلال وهتفت بصوت باكي: أرجوك ما تعملش كده أنا مش عايزة ارجعلك مرة تانية.

 أطلق ضحكة مزلزلة هاتفا بغضب دبا الذعر في جميع أطرافها: لا يا حلوة ده بعدك أنا هعرفك أنتي والمحروس أخوكي مين هو حسن؟

 قاطعته بنشيج: أرجوك يا حسن أنا مش عايزة منك أي حاجة كل اللي أنا عيزاه انك تبعت لي ورقتي وتسيبني في حالي.

 صمت يدعي التفكير.

 بينما هي راحت تدعو الله بداخلها ان يخلصها من ذلك الأحمق.

 لكن تسارعت دقات قلبها وجف حلقها عندما استمعت إلى صوته مرة أخرى يقول: ده بعدك يا حلوة وأنا رديتك خلاص وبلغي المحروس أخوكي ان حسن مش هيسيب حقه أبدا وهيدفعه تمن اللي عمله غالي قوي.

 وقبل أن تستوعب باقي حديثه اغلق الهاتف في وجهها.

 تركت الهاتف يسقط أرضا وجلست القرفصاء تبكي في حرقة وتتساءل بصوت متقطع

 إلى متى ستظل في ذلك العذاب.


ها يا صَبا قلت إيه؟ 

أجابتها بإصرار عجيب: لا يا ماما قلت لحضرتك لا أنا مش هتجوز لا وليد ولا غيره واظن أنا قلت لك أسبابي.

 رمقتها بحدة هاتفة بغضب: ماهو اللي أنت بتقوليه ده ما فيش حد عاقل يوافقك عليه

 تعيشي طول عمرك من غير راجل يا صَبا وأختك بقى عندها عيل واتنين

 اسمعيني يا بت مش معنى أني سمعتك وسكت معناها أني موافقاكي على إللي انتي بتعمليه ده

 عرفنا ان الحب مش بايد حد بس برضو مش صح اننا نفضل قاعدين كده. 

بترت باقي حديثها عندما أبصرت دموعها تغرق وجهها.

 فدنت منها تجذبها إلى صدرها وتمسد فوق خصلاتها بهدوء: طيب اهدي بس يا بنتي اهدي يا حبيبتي ما فيش حاجة بتتحل بالعياط 

بيقولوا ما فيش حاجة بتنسي الحب القديم غير حب جديد والواد ده شكله شريكي يا بنتي ليه لأ؟ 

تعالت شهقاتها ثم غمغمت من وسط دموعها بصوت متقطع: صدقيني يا ما مش هقدر. مش هقدر أكون لحد وأنا عقلي وقلبي مع حد تاني دي خيانة يا ماما وأنا مستحيل أغضب ربنا عشان خاطر أي حد.

 أرجوك يا ما تضغطيش عليا.

 شعرت والدتها بالعجز حيال ما تفوهت به ابنتها

 فهي تعلم علم اليقين أنها محقة.

 فالخيانة يا سادة ليست بالجسد فقط بل بالعقل والقلب أيضا

 وفي وجهة نظري أن الخيانة بالقلب والعقل أصعب مائة مرة من الخيانة بالجسد

 فالخيانة بالجسد ربما تكون مجرد نزوة مرة مثلا لكن الخيانة بالقلب والعقل تكون في كل ثانية وفي كل لحظة.

 ابتعدت عن والدتها ورفعت رأسها بتحدي هاتفة وهي تمسح دموعها بأطراف أصابعها: أنا قررت يا ماما اني أطلع عمار من قلبي للأبد بس مش بطريقتكم دي لا بطريقتي أنا.

 هحاول اني ما اشوفهوش وما اتكلمش معاه وكمان أتجنبه تماما.

 وأوعد يا ماما ان إللي قالته زينة ده مش هيتكرر تاني أبدا.


❈-❈-❈


بعد الغداء جلس ليث يستذكر دروسه بينما لاتين راحت تلعب بألعابها. 

وفي الخارج تحديد غرفة المعيشة

 استلقى فوق الأريكة واضعا رأسه فوق ساقي زوجته التي بدورها راحت تداعب خصلاته بأناملها برقة بالغة.

 رفع رأسه يرمقها بامتنان شديد ممزوج بالعشق وكذلك هي.

 ظلا يتبادلان النظرات لوقت لا يعرفان مداه حتى قطعت هي تواصلهما البصري إذ انحنت بجزعها قليلا طابعة قبلة طويلة فوق وجنته جعلته يبتسم باتساع.

فغمغم بصوت خافت: ربنا مايحرمني منك أبدا يا زوزو.

ردت أمامه حتى لفحت أنفاسها الساخنة صفحة وجهه هاتفة بنعومة أذابته: ولا يحرمني منك يا عموري يا حبيبي.

 كادت أن تبتعد بوجهها عنه لكنه لم يعطها الفرصة إذ أمسك رأسها بيده والتقط شفتيها بشفتيه يقبلها بهدوء مثير جعلها تتأوه بنعومة.

 استمرت قبلتهما الهادئة تلك لبضع ثواني حتى قاطعهما ابنتهما الصغيرة التي ركدت تهتف بصوت مرتفع: ماما بابا انتو بتعملو ايه؟

ابتعدا عن بعضهما ثم انطلقت ضحكاتهما بصخب فكلما اقترب منها يقاطعهما أحد أبنائهما.

  فغمغم بخفوت وصل إلى مسامعها: العيال دول هيشلوني كده مش هينفع والله.


❈-❈-❈


بعد مرور أسبوع

 تقف في شرفة منزلها تنتظر قدومه فهي خلال الأسبوع المنصرم كانت تراقب تحركاته عن كثب حتى باتت تحفظ مواعيد مجيئه ورحيله. 

ابتسمت بقوة عندما أبصرت سيارته تدنو من البناية التي يقطن بها.

 على الفور هرولت إلى الداخل تلقي نظرة أخيرة فوق مرآتها لتتأكد من زينتها ثم أسرعت للخارج كي تستقبله.

 ثواني وأبصرته يخرج من باب المصعد فهتفت بنعومة: مسا الخير إستاذ رامي كيفك؟ 

أجابها بإرهاق: كويس يا مدام رغد انت أخبارك إيه؟

 رسمت الحزن ببراعة فوق قسمات وجهها وأجابته بانكسار: مو منيحة أنا كتير تعبانه.

 سألها بلهفة حقيقية: ليه مالك بس تحبي اطلبلك دكتور؟ 

هزت رأسها نفيا وانخرطت في بكاء مرير جعلته يشعر بالخوف الشديد.

 دنا منها كي يفهم ما حدث لها لكنها باغتته وارتمت بين أحضانه تعانقه بقوة.

 اتسعت حدقتاه في دهشة وراح يفكر بخوف شديد إذا خرجت زوجته ورأتهما في ذلك المشهد بالطبع ستفهمه خطأ. 

حاولا أن يبعدها عنه لكنها تشبثت به أكثر وبكت بصوت مرتفع وبداخلها تبتسم بقوة.

 فهي ستبدأ الآن خطتها للحصول على ذلك الرجل الذي أعجبت به منذ الوهلة الأولى.


❈-❈-❈


ولجا منزله بعد أن فتح الباب بالمفتاح الخاص به

 فأبصر زوجته وأبنائه يستقبلونه بابتسامة جميلة بادلهم الابتسام بصعوبة فهو قضى يومه بين العمل والاجتماعات هو يعمل في مجال الاستثمار العقاري بدبي.

 دقائق وكانوا يلتفون حول مائدة العشاء راحوا يأكلون في صمت حتى قطعه الصغير فهد هاتفا بجدية: بابي صحيح إللي قالتهلنا مامي. 

صب كل تركيزه نحو الصغير وأجاب على سؤاله بسؤال: ومامي قالت لك إيه بقى يا فهد؟

 أجابت الصغيرة نيابة عنه: ماما قالت إننا هنسافر مصر خلال الفترة دي يا بابا لجده ولخاله عمار. 

رمقا زوجته بعتاب مستتر ومن ثم أعاد بصره إلى أطفاله هاتفا بجدية:  حاضر يا حبايبي أخلص بس الشغل اللي ورايا وبعدين ننزل مصر على طول إن شاء الله. 

بينما عزة شعرت بأن زوجها غضب من تصريحها لأولادهم. 

لكن ما الذي أزعجه في حديثها ألم يقل هو بنفسه أنهم سيعودون إلى القاهرة ريثما ينتهي من عمله إذا ما المشكلة في ذلك.

 خرجت من شرودها على صوت ارتطام ملعقته بالطبق ونهوضه بسرعة هاتفا في عجالة: عزة أنا داخل الأوضة يا ريت تخلصي عشا وتحصليني.


❈-❈-❈


تسللت من منزلها خلسة تسير وهي تتلفت يمينا ويسارا خشية أن يراها أخيها أو أبيها.

فبعد ما أخبرها زوجها بأنه أعادها إلى عصمته قررت الذهاب إليه والتحدث معه بهدوء كي تتخلص منه للأبد. 

وعلى الرغم من خوفها الشديد منه إلا أنها لم تجد سوى المجازفة.

فهي تعلم علم اليقين أن زوجها شخصا سيءا فخشت أن يؤذي أخيها أو والدها. 

فهو كان خلال الأسبوع المنصرم يهددها تارة ويعنفها تارة أخرى سواء من خلال رسائل نصية أو مكالمات هاتفية. 


وفي نفس التوقيت شعر بالاختناق قليلا فخرج إلى شرفة المنزل يشرب سف

جارته في الهواء الطلق.

وضع إحدى سجائره في فمه وأشعلها بقداحته واستنشق نفسا عميقا منها وزفرة بقوة فخلفت سحابة رمادية حوله.

كاد أن يضعها في فمه مرة أخرى لكنه توقف عندما أبصرها تسير بخطوات متعسرة وتتلفت يمينا ويسارا كاللصوص.

على الفور شعر بأن هناك خطبا ما

فهرول إلى الداخل ملتقطا سترة يرتديها فوق قميصه المنزلي واندفعا للخارج غير عابئ بنداءات والدته المتكرر. 

فهو شعر أن هناك خطبا ما وعليه أن يعرفه

فلربما حدثا لأحدهم مكروه.


❈-❈-❈


في مكان بعيد عن حي الجمالية وبالتحديد منزل من منازل ذلك الرجل المجهول.

يجلس المعلم فكري وذلك الشاب يخططان للإيقاع بعمار.

فهتف المعلم فكري بصوته الغليظ: وبعدين بقى في ابن الرفضي ده اللي مش عارفين نخلص منه العربية مركونة بقلها فترة وما بيركبهاش.

أجابه الشاب باستفزاز: لسه له عمر يا معلم شكله كده زي القطط بسبع ترواح.

تعجب المعلم فكري عندما أبصر ذلك الرجل صامتا فسأله بتوجس: خير يا باشا حضرتك ساكت ليه مش بتشارك معانا في الكلام؟

نفس دخان سيجارته في وجه المعلم فكري مما جعله يسعل بقوة ثم هتف بتفكير: بفكر يا أخويا في حل هيخلصنا من الزفت ده.

قهقه الشاب بانطلاق هاتفا بمزاح: إيه مالك يا معلم فكري شوية دخان يعملوا فيك كده أمال يا أخويا قاعد لنا في القهوة وهات الشيشة وشيل الشيشة.

رمقه بغضب هاتفا من بين أسنانه: السجاير بتاعة الباشا دي نوع فخم على الآخر احنة مش قده. 

كاد أن يتحدث لكنهما صمتا عندما هتف ذلك الرجل بقوة: لقيتها لقيت الطريقة اللي تخلصنا من عمار هنداوي وتخليه يركب عربيته ويسوقها زي المجنون كمان.


❈-❈-❈الفصل العاشر

قرار.


❈-❈-❈


إذا سألتُ وصلَهُ

جاوبني بلا ولا


يا ليت لو جاوبني

عن لا بأنْ قال هلا


معذبٌ من هجرهِ

أشكو بُعاداً وقَلا


روحي به هائمةٌ

منه فقدتُ الأملا


في حُبّه لي قصةٌ

غدَتْ لغيري مثلا


(الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم)


❈-❈-❈


تراقص قلبها فرحا عندما أبصرته يلج من الباب الرئيسي للمنزل وابتسامة كبيرة ترتسم فوق محياه الحسن.

 ألقى تحية المساء عليهما ومن ثم جلس بجوار زوجته بعد أن وضع قبلة عميقة فوق جبينها.

اشتعلت  النار في صدرها عندما رأت كل ذلك العشق واللهفة تنضح من أعينهما.

 تنحنحت بقوة كي تقطع التواصل البصري الذي بينهما هاتفة بإحراج مصتنع: ايه كيفك إستاذ رامي؟

 ابتسم بمجاملة ثم رد باختصار: كويس يا مدام رغد.

 هبت غزل واقفة تهتف بإصرار عجيب: أنا بقى هروح أحضر الغدة واهي بالمرة رغد تتغدى معانا.

 ابتسمت بداخلها لكنها أرادت أن تظهر بشكل يليق بها فهتفت بهدوء: أنا بعتذر منكم جدا لكن أنا بدي.

 قاطعها رامي بقوة: ما فيش اعتذار يا مدام رغد غزل قالت إنك تتغدي معانا يبقى تتغدي معانا.

 أطرقت رأسها في خجل مصتنع وهمست بداخلها: يا الله شو هالرجال والله بياخد العقل. 

رفعت رأسها عندما استمعت إلى صوت غزل المازح يقول: يلة يا حلوة تعالي ساعديني في تحضير الأكل.

 هبت واقفة تتبعها بخطوات أنثوية مدروسة

 وعندما مرت من أمامه غمزت له بإحدى عينيها فشعرت بالغضب الشديد عندما لم يعرها أي اهتمام أو ربما لم يرها من الأساس.

 فسارت بخطوات واسعة وهي تطوي الأرض من تحت قدميها من شدة الغضب.

 تابعها رامي بعينيه حتى اختفت عن مرمى بصره ومن ثم تمدد فوق الأريكة ينتظر ريثما تنتهيان من إعداد الغداء.


❈-❈-❈


صاح بضراوة أفزعت كل من المعلم فكري وكذلك الرجل الذي زف له الأخبار الغير سارة بالنسبة له: يعني إيه ما أخدش العربية يا بهايم هو أنت يا زفت مش أكدتلي انه ما بيطلعش برة المنطقة من غير عربيته! 

رد الرجل بتأكيد: أيوة والله يا باشا عمار هنداوي ما بيطلعش برة المنطقة فعلا من غير عربيته بس أنا مش عارف ليه ما اخدهاش المرة دي؟

 هتف المعلم فكري مقاطعا: ابن الجني بسبع ترواح يا سعادة الباشا بس ما تقلقش وديني المرة الجارية ما هيفلت منها اذا كان فلت المرة دي بسبب غلطة صغيرة مننا فالمرة الجابية.

 قاطعه الرجل المجهول بحدة أفزعته: المرة الجاية لو ما تمش اللي أنا عايزه ه

حطير رقبتك أنت والبغل ده.

ازدردا الرجل ريقه في خوف

 بينما هتف المعلم فكري مؤكدا: ما تقلقش يا باشا أوعدك إن المرة الجاية كل حاجة هتبقى تمام.

 جلس فوق المقعد وهو يشعر بغضب لا مثيل له فصك على اسنانه بقوة حتى كاد ان يهشمها مغمغما بفحيح: المرة الجاية مش هتنفد يا ابن هنداوي وان كان اتكتب لك عمر جديد المرة دي فالمرة الجاية مش هيحصل.


❈-❈-❈


انتفضت من مكانها كالملسوعة هادرة بكل ما يعتمر في صدرها من غضب: حضرتك بتقول إيه يا بابا موافق على إيه؟

 أنا مابفكرش في الجواز أصلا.

 زجرها والدها بحدة لكنها لم تصمت بل بالعكس استخدمت حقها الشرعي والطبيعي واستطردت حديثها بكبرياء يليق بها: أنا مش هتجوز غير لما أكون مقتنعة مية في المية وانت يا دكتور وليد طلبت الطلب ده مني قبل كده وأنا سبق وفهمتك اني مش عايزة اتجوز حصل؟

 أومأ لها موافقا ثم غمغم بهدوء استفزها كثيرا: بس السبب اللي رفضتيني عشانه زمان يا آنسة صَبا ما بقاش موجود.

 زجرته بحدة وهتفت من بين أسنانها: ما يخصكش كل اللي انت قلته ما يخصكش ودلوقتي عن إذنكم أنا هدخل ارتاح شويت أنا واحدة جرحها لسة ما لمش.

 وللحقيقة هي لا تعرف بالضبط أي جرح تقصد هل جرح قلبها الذي ينزف منذ عدة أعوام أم جرح بطنها الذي أيضا لم يلتئم بعد.

 ألقت كلماتها دفعة واحدة وانطلقت إلى غرفتها وهي تغمغم بكلام غير مفهومة

 تاركة الجميع ينظر في أثرها بذهول تام وبالأخص والدها فلطالما عاهدها مسالمة طيبة. 

تنحنح وليد وهو يشعر بالغضب منها ومن نفسه هاتفا في عجالة: طيب استأذن أنا يا عمي بس حضرتك اتأكد أن الموضوع ما خلصش هنا.

 هب السيد كامل واقفا مصافحا إياه بحفاوة: مع ألف سلامة يا ابني وإن شاء الله هشوفك تاني. 

قال كلمته الأخيرة بمغزى وصل وليد الذي ابتسم باتساع وأومأ برأسه ثم انصرف. 

بينما والدتها تحدثت بعدم تصديق: هو إيه اللي حصل ده يا حاج معقولة دي صَبا بنتنا!

 وقفت وكسرت كلامك قدام الضيف لا لا لا أنا حاسة ان فيه حاجة غريبة.

 ألقى السيد كامل بجسده فوق المقعد الذي كان يجلس عليه سابقا مغمغما بصوت هادئ: لا يا سعاد صَبا استعملت حقها الطبيعي ورفضت العريس بس صدقيني أنا حفضل وراها لحد ما تتجوز معنديش استعداد أني أسمع كلمة ملهاش لازمة عنها من حد في الحتة خاصة ان اللي اسمها زينة دي مش هتسكت عشان كده عايزك تساعديني اننا نقنع صَبا توافق على الدكتور وليد.

 ردت والدتها بابتسامة: والله يا أخويا ياريت ده واد حليوة شبه نجوم السيمة أنا لو عليا كنت كتبت الكتاب دلوقتي بس نعمل إيه في راس بنتك الناشفة.

 بس هي معزورة برده ماهوو.

 كادت أن تفضح سر ابنتها لكنها تراجعت على آخر لحظة ولحسن الحظ لم يلاحظ زوجها زلت لسانها تلك.

 فحمدت الله بداخلها ومن ثم هبت واقفة عازمة على التحدث مع ابنتها مرة أخرى علها تثنيها عن قرارها هذا.


❈-❈-❈


أخيرا حسمت قرارها بعد أن تغلبت على خوفها.

 أخذت نفس عميق وزفرته على مهل وضغطت زر الإيجاب ثم وضعت الهاتف فوق أذنها وهتفت بصوت مهزوز: أيوة.

 استمعت إلى صوته الكريه على الطرف الآخر يقول: أهلا بالهانم اللي فكرت نفسها خلاص بقت حرة وخرجت من سجنها لكن اللي هي ما تعرفهوش اني أقدر أردها مرة في أي وقت.

ماذا يقول ذلك الأبله سيردهل مرة أخرى سيعيدها إلى عصمته.

هذا الحديث يعني أنها ستصبح زوجته مرة أخرى سيضربها ويهينها ويعذبها كما كان يفعل سابقا. 

انهمرت دموعها كالشلال وهتفت بصوت باكي: أرجوك ما تعملش كده أنا مش عايزة ارجعلك مرة تانية.

 أطلق ضحكة مزلزلة هاتفا بغضب دبا الذعر في جميع أطرافها: لا يا حلوة ده بعدك أنا هعرفك أنتي والمحروس أخوكي مين هو حسن؟

 قاطعته بنشيج: أرجوك يا حسن أنا مش عايزة منك أي حاجة كل اللي أنا عيزاه انك تبعت لي ورقتي وتسيبني في حالي.

 صمت يدعي التفكير.

 بينما هي راحت تدعو الله بداخلها ان يخلصها من ذلك الأحمق.

 لكن تسارعت دقات قلبها وجف حلقها عندما استمعت إلى صوته مرة أخرى يقول: ده بعدك يا حلوة وأنا رديتك خلاص وبلغي المحروس أخوكي ان حسن مش هيسيب حقه أبدا وهيدفعه تمن اللي عمله غالي قوي.

 وقبل أن تستوعب باقي حديثه اغلق الهاتف في وجهها.

 تركت الهاتف يسقط أرضا وجلست القرفصاء تبكي في حرقة وتتساءل بصوت متقطع

 إلى متى ستظل في ذلك العذاب.


ها يا صَبا قلت إيه؟ 

أجابتها بإصرار عجيب: لا يا ماما قلت لحضرتك لا أنا مش هتجوز لا وليد ولا غيره واظن أنا قلت لك أسبابي.

 رمقتها بحدة هاتفة بغضب: ماهو اللي أنت بتقوليه ده ما فيش حد عاقل يوافقك عليه

 تعيشي طول عمرك من غير راجل يا صَبا وأختك بقى عندها عيل واتنين

 اسمعيني يا بت مش معنى أني سمعتك وسكت معناها أني موافقاكي على إللي انتي بتعمليه ده

 عرفنا ان الحب مش بايد حد بس برضو مش صح اننا نفضل قاعدين كده. 

بترت باقي حديثها عندما أبصرت دموعها تغرق وجهها.

 فدنت منها تجذبها إلى صدرها وتمسد فوق خصلاتها بهدوء: طيب اهدي بس يا بنتي اهدي يا حبيبتي ما فيش حاجة بتتحل بالعياط 

بيقولوا ما فيش حاجة بتنسي الحب القديم غير حب جديد والواد ده شكله شريكي يا بنتي ليه لأ؟ 

تعالت شهقاتها ثم غمغمت من وسط دموعها بصوت متقطع: صدقيني يا ما مش هقدر. مش هقدر أكون لحد وأنا عقلي وقلبي مع حد تاني دي خيانة يا ماما وأنا مستحيل أغضب ربنا عشان خاطر أي حد.

 أرجوك يا ما تضغطيش عليا.

 شعرت والدتها بالعجز حيال ما تفوهت به ابنتها

 فهي تعلم علم اليقين أنها محقة.

 فالخيانة يا سادة ليست بالجسد فقط بل بالعقل والقلب أيضا

 وفي وجهة نظري أن الخيانة بالقلب والعقل أصعب مائة مرة من الخيانة بالجسد

 فالخيانة بالجسد ربما تكون مجرد نزوة مرة مثلا لكن الخيانة بالقلب والعقل تكون في كل ثانية وفي كل لحظة.

 ابتعدت عن والدتها ورفعت رأسها بتحدي هاتفة وهي تمسح دموعها بأطراف أصابعها: أنا قررت يا ماما اني أطلع عمار من قلبي للأبد بس مش بطريقتكم دي لا بطريقتي أنا.

 هحاول اني ما اشوفهوش وما اتكلمش معاه وكمان أتجنبه تماما.

 وأوعد يا ماما ان إللي قالته زينة ده مش هيتكرر تاني أبدا.


❈-❈-❈

##########


بعد الغداء جلس ليث يستذكر دروسه بينما لاتين راحت تلعب بألعابها. 

وفي الخارج تحديد غرفة المعيشة

 استلقى فوق الأريكة واضعا رأسه فوق ساقي زوجته التي بدورها راحت تداعب خصلاته بأناملها برقة بالغة.

 رفع رأسه يرمقها بامتنان شديد ممزوج بالعشق وكذلك هي.

 ظلا يتبادلان النظرات لوقت لا يعرفان مداه حتى قطعت هي تواصلهما البصري إذ انحنت بجزعها قليلا طابعة قبلة طويلة فوق وجنته جعلته يبتسم باتساع.

فغمغم بصوت خافت: ربنا مايحرمني منك أبدا يا زوزو.

ردت أمامه حتى لفحت أنفاسها الساخنة صفحة وجهه هاتفة بنعومة أذابته: ولا يحرمني منك يا عموري يا حبيبي.

 كادت أن تبتعد بوجهها عنه لكنه لم يعطها الفرصة إذ أمسك رأسها بيده والتقط شفتيها بشفتيه يقبلها بهدوء مثير جعلها تتأوه بنعومة.

 استمرت قبلتهما الهادئة تلك لبضع ثواني حتى قاطعهما ابنتهما الصغيرة التي ركدت تهتف بصوت مرتفع: ماما بابا انتو بتعملو ايه؟

ابتعدا عن بعضهما ثم انطلقت ضحكاتهما بصخب فكلما اقترب منها يقاطعهما أحد أبنائهما.

  فغمغم بخفوت وصل إلى مسامعها: العيال دول هيشلوني كده مش هينفع والله.


❈-❈-❈


بعد مرور أسبوع

 تقف في شرفة منزلها تنتظر قدومه فهي خلال الأسبوع المنصرم كانت تراقب تحركاته عن كثب حتى باتت تحفظ مواعيد مجيئه ورحيله. 

ابتسمت بقوة عندما أبصرت سيارته تدنو من البناية التي يقطن بها.

 على الفور هرولت إلى الداخل تلقي نظرة أخيرة فوق مرآتها لتتأكد من زينتها ثم أسرعت للخارج كي تستقبله.

 ثواني وأبصرته يخرج من باب المصعد فهتفت بنعومة: مسا الخير إستاذ رامي كيفك؟ 

أجابها بإرهاق: كويس يا مدام رغد انت أخبارك إيه؟

 رسمت الحزن ببراعة فوق قسمات وجهها وأجابته بانكسار: مو منيحة أنا كتير تعبانه.

 سألها بلهفة حقيقية: ليه مالك بس تحبي اطلبلك دكتور؟ 

هزت رأسها نفيا وانخرطت في بكاء مرير جعلته يشعر بالخوف الشديد.

 دنا منها كي يفهم ما حدث لها لكنها باغتته وارتمت بين أحضانه تعانقه بقوة.

 اتسعت حدقتاه في دهشة وراح يفكر بخوف شديد إذا خرجت زوجته ورأتهما في ذلك المشهد بالطبع ستفهمه خطأ. 

حاولا أن يبعدها عنه لكنها تشبثت به أكثر وبكت بصوت مرتفع وبداخلها تبتسم بقوة.

 فهي ستبدأ الآن خطتها للحصول على ذلك الرجل الذي أعجبت به منذ الوهلة الأولى.


❈-❈-❈


ولجا منزله بعد أن فتح الباب بالمفتاح الخاص به

 فأبصر زوجته وأبنائه يستقبلونه بابتسامة جميلة بادلهم الابتسام بصعوبة فهو قضى يومه بين العمل والاجتماعات هو يعمل في مجال الاستثمار العقاري بدبي.

 دقائق وكانوا يلتفون حول مائدة العشاء راحوا يأكلون في صمت حتى قطعه الصغير فهد هاتفا بجدية: بابي صحيح إللي قالتهلنا مامي. 

صب كل تركيزه نحو الصغير وأجاب على سؤاله بسؤال: ومامي قالت لك إيه بقى يا فهد؟

 أجابت الصغيرة نيابة عنه: ماما قالت إننا هنسافر مصر خلال الفترة دي يا بابا لجده ولخاله عمار. 

رمقا زوجته بعتاب مستتر ومن ثم أعاد بصره إلى أطفاله هاتفا بجدية:  حاضر يا حبايبي أخلص بس الشغل اللي ورايا وبعدين ننزل مصر على طول إن شاء الله. 

بينما عزة شعرت بأن زوجها غضب من تصريحها لأولادهم. 

لكن ما الذي أزعجه في حديثها ألم يقل هو بنفسه أنهم سيعودون إلى القاهرة ريثما ينتهي من عمله إذا ما المشكلة في ذلك.

 خرجت من شرودها على صوت ارتطام ملعقته بالطبق ونهوضه بسرعة هاتفا في عجالة: عزة أنا داخل الأوضة يا ريت تخلصي عشا وتحصليني.


❈-❈-❈


تسللت من منزلها خلسة تسير وهي تتلفت يمينا ويسارا خشية أن يراها أخيها أو أبيها.

فبعد ما أخبرها زوجها بأنه أعادها إلى عصمته قررت الذهاب إليه والتحدث معه بهدوء كي تتخلص منه للأبد. 

وعلى الرغم من خوفها الشديد منه إلا أنها لم تجد سوى المجازفة.

فهي تعلم علم اليقين أن زوجها شخصا سيءا فخشت أن يؤذي أخيها أو والدها. 

فهو كان خلال الأسبوع المنصرم يهددها تارة ويعنفها تارة أخرى سواء من خلال رسائل نصية أو مكالمات هاتفية. 


وفي نفس التوقيت شعر بالاختناق قليلا فخرج إلى شرفة المنزل يشرب سف

جارته في الهواء الطلق.

وضع إحدى سجائره في فمه وأشعلها بقداحته واستنشق نفسا عميقا منها وزفرة بقوة فخلفت سحابة رمادية حوله.

كاد أن يضعها في فمه مرة أخرى لكنه توقف عندما أبصرها تسير بخطوات متعسرة وتتلفت يمينا ويسارا كاللصوص.

على الفور شعر بأن هناك خطبا ما

فهرول إلى الداخل ملتقطا سترة يرتديها فوق قميصه المنزلي واندفعا للخارج غير عابئ بنداءات والدته المتكرر. 

فهو شعر أن هناك خطبا ما وعليه أن يعرفه

فلربما حدثا لأحدهم مكروه.


❈-❈-❈


في مكان بعيد عن حي الجمالية وبالتحديد منزل من منازل ذلك الرجل المجهول.

يجلس المعلم فكري وذلك الشاب يخططان للإيقاع بعمار.

فهتف المعلم فكري بصوته الغليظ: وبعدين بقى في ابن الرفضي ده اللي مش عارفين نخلص منه العربية مركونة بقلها فترة وما بيركبهاش.

أجابه الشاب باستفزاز: لسه له عمر يا معلم شكله كده زي القطط بسبع ترواح.

تعجب المعلم فكري عندما أبصر ذلك الرجل صامتا فسأله بتوجس: خير يا باشا حضرتك ساكت ليه مش بتشارك معانا في الكلام؟

نفس دخان سيجارته في وجه المعلم فكري مما جعله يسعل بقوة ثم هتف بتفكير: بفكر يا أخويا في حل هيخلصنا من الزفت ده.

قهقه الشاب بانطلاق هاتفا بمزاح: إيه مالك يا معلم فكري شوية دخان يعملوا فيك كده أمال يا أخويا قاعد لنا في القهوة وهات الشيشة وشيل الشيشة.

رمقه بغضب هاتفا من بين أسنانه: السجاير بتاعة الباشا دي نوع فخم على الآخر احنة مش قده. 

كاد أن يتحدث لكنهما صمتا عندما هتف ذلك الرجل بقوة: لقيتها لقيت الطريقة اللي تخلصنا من عمار هنداوي وتخليه يركب عربيته ويسوقها زي المجنون كمان.


يتبع