-->

رواية وصمة عار - بقلم الكاتبة خديجة السيد - الفصل الثاني

 

رواية وصمة عار

 بقلم الكاتبة خديجة السيد 




الفصل الثاني

رواية

وصمة عار 



ثم شهقت سافانا لتركض نحوه والدتها تسألها والذعر عليها يملأ عينيها وهي تصرخ 


_أمي.. أمي هل أنتِ بخير؟ ماذا فعلتي بها ايتها الغبيه


ادمعت عينا اليزابيث وتزايد وتيرة أنفاسها بخوف لأنها كانت المتسببة لما حدث لها كانت في هذا الأثناء تقترب من لينا بمحاولة الاطمئنان على يدها الموضوعه تحت الماء البارد إلا أن صوت سافانا يردعها تصيح بحقد


= ابقى بعيده عنها كل ما حدث لها بسببك .لا أفهم لماذا أتى بكٍ والدي إلى هنا للعيش معنا وهو يعلم أن الجميع هنا يكرهك غير مرحب بكٍ ..الأفضل لكٍ لملمي كرامتك الباقية واتركي هنا إلا المصائب تأتي من ورائكٍ فقط.


❈-❈-❈


رفعت اليزابيث وجهها الملطخ بالدموع إلى المرآة أمامها ناظرة إلى عينيها الثائرتين وكان كل شيء بداخلها يرتجف من الألم وكان كل شيء من حولها مليئًا بالكرب والصمت. ثم أوقفت اليزابيث تعابيرها اللامتناهية.


تحركت لتنهض لكنها صُدمت عندما رأت نفسها في المرآة كانت أمامها فتاة لا تعرفها ووجدت نفسها تنظر بعناية إلى صورتها جيدًا في المرآة بشرتها التي كانت دائمًا ذهبية اللون كانت شاحبة وصفراء وعيناها الخضراوتان كانت الاثنتان على الدوام مشرقة ومليئة بالحياة كانت ذابلة ومحاطة بهالات سوداء أغلقت عينيها بشدة لن يساعدها الحزن الآن الألم لن يساعدها على الاستمرار في حياتها هكذا. 


هي بالفعل صغيرة جدًا على هذا الألم في البداية غادرت ذلك المنزل الكبير إلى الأبد؟ المنزل الذي عاشت فيه سنوات طويلة تنعم بالرفاهية والحياة الوردية المنزل الذي بناه والدها لأمها عندما كانت صغيرة عندما أنجبتها والدتها في سن الخامسة والآن أين المنزل، و أين العائلة وأين الأصدقاء الذين كانوا بجانبها طوال الوقت؟ 


لقد هجرها الجميع منذ وفـ.ـاة والدها وإعلان إفلاسه واكتشفت الآن أنها ليس لديها أصدقاء أبدًا كان الجميع يغازلها ويقترب منها و من عائلتها على أمل المصالح المادية أو الاجتماعية الآن أدركت أنها لا تستطيع الوثوق بأحد كان عليها أن تعتمد على نفسها فقط، فـ المدينة كلها أصبحت تعرف أن ممتلكات والدها الأكبر قد تمت مصادرتها بسبب الديون وتركها والدها وتركها في مواجهة كل هذه المشقات بمفردها 


غير أنها تعيش في منزل غير مرحب بها فيه ولا أحد يريدها فيه ولا تريد حقًا البقاء في ذلك المنزل الصغير وكل من يعيش فيه يكرهها وليس لديها من يحبها ويريدها أن تكون دائما بصحة جيدة فلماذا لا تزال وسط كل هذا وعليها التشبث بالقوة والتظاهر باللامبالاة


ثم سرحت متذكّرة ما حدث منذ فترة قصيرة كان يسير العم أركون في زاويه المنزل وعندما مر في الصالة اتسعت عينا اليزابيث وامتلأتا بالدموع عندما رأت العم أركون يقف أمامها و تعثر لعابها وبدأ وجهها يرتجف بقلق كطفل مذنب لذا فسألها هو باهتمام عما حدث؟. 


تطوعت ابنته سافانا للرد بازدراء مصعبه الموقف 


= أبي من الجيد أنك هنا ابنة أخيك المصونه رميت إبريق الشاي عمدًا على الأرض وسكبة على والدتي وأحرقت يدها


شعرت اليزابيث بالحرج مما كان يحدث الآن خاصة مع وجود عمها أركون هنا ومشاهدة ما كان يحدث بالكاد تراجعت اليزابيث عندما رأت مظهر أركون كان يحدق بها بعتاب وخيبة أمل ومن الاحراج المفرط الذي كان يكتسحها لم تستطع التكلم بشيء


ثم اقترب العم أركون من زوجته لينا بقلق ثم وجد اليزابيث تقترب منه لتقف أمامه وهي تقول كلمات متعثرة.


= العم أركون أرجوك أن تسمح لي أن أبرر موقفي لم أقم بإلقاء الشاي الساخن على العمة  لينا عمدًا أبدا كما قالت سافـ..


قاطعتها لينا بتعبير قاسٍ على وجهها وهي لا تزال تتألم قائلة بحده


= اغربي من أمام وجهي الآن.. لقد خيبتي ظننا جميعاً بيكٍ و افسدتٍ حياتنا منذ أن جاءتي هنا للعيش معنا، تحركي من امامي لا اريد ان أراكٍ


فاقت اليزابيث من شردها ثم جمعت قوتها بشكل ضعيف وسارت نحو الباب وفتحته قليلاً لتقف خلفه مختبئة عن الأنظار تستمع إلى المحادثة التي كانت تدور بينهما في الخارج أطلقوا لينا و ابنتها صرخة عنيفة وسيل من الاتهامات والشـ.ـتائم القاسية من الجميع إليها


صاحت سافانا بعصبية حادة


= كفى والدي ما حدث من تلك الفتاة حتى الآن يجب أن تغادر من هنا بأسرع ما يمكن إنها ليست سوى فتاة مدللة عديمة الفائدة و مجرد فاشلة ..تلك المتغطرسة كانت تهدف إلى إذلالي وإهانتي بسلوكها طول الوقت.


ثم تحدثت لينا زوجته بسرعه بينما كانت تخمد الألم بصعوبة مرددة


_ابنتك علي حق أركون ، هي طفلة مدللة ومفسدة وتحتاج لمن يربيها مرة أخرى كان من الممكن أن يكون جرحي أعمق وأحتاج إلى طبيب جراحة أو كنت أموت بسببها


قال أركون بجدية شديدة وهو يتحدث قائلا


= لا تبلغي لينا ، أنتٍ بخير الآن وهذا جيد و اليزابيث ليست فتاة سيئة للغاية مثل ما تتوقعين هي ما زالت تحت تأثير الصدمة.. ذات ليلة فقدت والدها وحياتها الغنية وكل أمواله وأصبحت وحيدة وليس لديها أحد يجب أن نتعامل معها هذه الايام بحذر شديد لتتجاوز هذه المرحلة


عبس وجه لينا وهي تتحدث بغضب مكتوم 


= أعرف كل ذلك لكن للصبر حدود لقد سئمت من سلوكها المتهور أعلم أنك تحاول تجاهل ما تفعله من أجل شقيقك المتوفى كانت تربطك به علاقة طيبة .. لكن لا تتوقع مني أن أتحمل هذا القدر ،عليك التحدث معها عن احترامها معنا  


هز رأسه وتنهد بعمق وزفير وهو يتكلم


-حسنًا سأتحدث معها ولكن ليس اليوم .. الي هنا يكفي 


ابتعدت اليزابيث عن الباب وكانت تعاني من ألم شديد وكسرت قلبها تلهث بالدموع المكتومة وأنه لم يعد هناك من يحبها في تلك الحياة.


❈-❈-❈


عند المساء.


قام أركون بالزفير لفترة طويلة قبل أن يدخل إلى الداخل وعندما دلف نظر إليها وجدها جالسة على كرسيها كما كانت منذ الصباح بنظرة شاردة مثل عقلها أغلق العم أركون الباب من ورائه وضاقت عينيه نظر إليها وهي جالسة على المقعد المقابل للسـ.ـرير و انهارت على نفسها بشكل متشنج.


اقترب وأضاء الضوء ومرت بضع دقائق فقط عندما نادى باسمها بصوت أجش


= ابنتي اليزابيث تعالي الي هنا أريد التحدث معك قليلاً


خرجت من دهشتها ولاحظت أنه أشعل الأنوار وكان يناديها كأنها غائبة منذ فترة ثم استجابت لطلبه و تحركت بهدوء من مكانها وسارت نحوه و جلست على سريرها وهو جالس بجانبها ، لف يده حول كتفـ.ـها بحنان ويقول بابتسامة خفيفه


= أنتٍ وحيده هنا لماذا، تبدو منزعجًا جدًا من شيء ما؟ 


نظرت إليه بصمت قليلًا وحزنها من نفور الجميع لها وضغطت علي الألم داخل قلبها وقالت بمرارة


= لا أحد يحبني هنا وأنا أتفهم ذلك وأعرف السبب الجميع يريدني أن أغادر هنا، لكن ليس لدي مكان إلا هنا ما هو خطئي .. تركني والدي وترك العالم كله و تمت مصادرة جميع ممتلكات والدي وصرت وحدي بدونه


لم يرد عليها ولم تشعر بأي حركة قادمة منه في البداية لكنه ما زال يضع يده حول كتـ.ـفها وبصوت رقيق قال


= ليس لدينا رفاهية الانهيار يا عزيزتي علينا أن نتغلب على كل شيء.ما يحدث لكٍ الآن هو امتحان من الرب بالتأكيد كل هذه الصعوبات ستنتهي قريباً، ولم تدوم هكذا.. لكن الأهم أن نتغلب على كل شيء بالعزيمه والصبر.


ثم تابع حديثه وهو يقول بصوت هادئ لطيف 


= ولا تتحدثي مرة أخرى أن لا أحد يحبك لأنني أحبك وأعتبرك مثل ابنتي الثانية والآن أريد ابنتي الجميلة أن تقول الحقيقة هل أنتٍ حقًا من قطعتي فستان سافانا؟ 


تفاجأت بالسؤال ثم أصبحت متوترة للغاية عند التحدث بصوت خجول وقالت بصوت هامسه بصدق 


= لا أعرف ما حدث لي في تلك اللحظة شعرت أن باقي جسـ.ـدي يحترق من الغضب وهذا شيء جديد بالنسبة لي وبعيد عن طبيعتي أنا هادئه وخجوله وقليلة الانفعال ولكن ما فعلته سافانا جعلني غاضبة وحتى تحولت إلى فتاة سيئة ومتهورة لكن أقسم لك أنا نادمة لفعل ذلك.. لكنها جعلتني أفعل ذلك لقد تحدثت معي بطريقة قاسية ووقحة


ابتسم أركون وقال بهدوء


= أما زوجتي لينا فهل تعمدتي إلقاء الإبريق عليها لحرق يدها لأنك كنتي غاضبة منها هي الأخري؟


تكلمت بسرعة قائلة بصوت حزين


= لا يا عمي من فضلك لا تصدق أنا لست شريره لهذا الحد.. كل شيء حدث بدون قصد وحتى الآن لا أصدق كيف حدث


تنهد بعمق وزفير وقال بجدية


= لكنك ارتكبتي خطأً كبيراً يا عزيزتي وعليكٍ أن تعتذري لهم عما حدث حسنًا ابنتي الجميلة


ضغطت على شفـ.ـتيها بشدة وقالت بصوت منخفض


= أعرف لكنهم أول من تعمدوا القتال معي لأنهم يكرهونني ولا أعرف لماذا


هز رأسه ببطء وبتفهم قال مرادفا


_ سأتحدث معهم عن هذا لا تقلقي لكن يجب أن تعتذري لهم اتفقنا


أومأت إليه بإيجابية وبوجه غاضب بينما قام أركون وقال بهدوء


_تعالي واخرجي معي حتى يتصافى الجميع من بعضهم البعض.. ولا تكبر المشكله 


❈-❈-❈


بعد أسبوع بدأت في الذهاب إلى جامعتها القديمة لطالما كانت اليزابيث من أشهر الأسماء في الكلية كانت أشهر طالبة بشخصيتها القوية وغطرستها لطالما كانت علاقـ.ـتها بزملائها في الفصل علاقة تفوق وغطرسة ولماذا لا؟ كانت دائما الأفضل و الأجمل و الأكثر أناقة و الأكثر تفوق في الدراسات كانت علاقتها مع الأساتذة متقاربة نظرا لمعرفتهم بأهمية والدها فقد حرص الجميع على ذلك ولكن الوضع تغير الآن!


ذهبت اليزابيث على الفور إلى كافيتريا الكلية حيث وجدت سافانا تنتظرها على أحد الطاولات في الزاوية بجوار النافذة حيث كانت تنتظرها باستمرار رغم إرادتها بأمر من والدها حتى يصل ويقودهم إلى المنزل.. وبمجرد أن جلست اليزابيث بجانبها قامت من مقعدها وقالت في اشتمئزاز


_ ما هذا ألا يوجد من ينظف محل القذارة؟

وأنتٍ كيف تجلسي في وسط هذا الغبار الكرسي متسخ لنغادر المكان؟


نظرت سافانا ببرود إلى اليزابيث وقالت باقتضاب إلى وجهها المحتقن


_لا ، من لا يحب المكان يجب أن يغادر أنا لا أهتم بكٍ على الإطلاق 


تنهدت بضيق شديد وشعرت بالملل وقالت بنبرة لطيفة تحاول حل المشاكل بينهما هاتفه بصوت لطيف


_سافانا لماذا تتحدث معي دائمًا هكذا ما الذي فعلته لكٍ حتى أنك تكرهني كثيرًا لا يمكنك حتى النظر إلى وجهي بنظرة جميلة


ضحكت سافانا بسخرية وقالت بنبرة حادة


_ لمعلوماتك لم أوافق على الاعتذار تلك الليلة ولا أقبل اعتذار منك وفعلت ذلك لأجل خاطر ابي فقط.. لأنك برأيي لن تكون إلا فتاة فاشلة ومتعجرفة. 


اتسعت عيون اليزابيث على الفور في حالة من الغضب وهتفت بحده وغيظ


= أقول لك شيئًا ليس هنال شخص متعجرف وفاشل غيرك سافانا و انتٍ دائمًا تغاري مني ، لذلك لا تحبيني لأنني أفضل منك.


نهضت سافانا بغضب وقالت بصوت حاد


= هل يمكن أن تخبريني بما لديكٍ الآن حتى اغار منك؟؟ على الأقل أنا لدي أبي وأمي وعائلة تحبني ولدي عمل ناجح ومستقبل باهر.. ابقي صادقه مع نفسك اليزابيث أنتٍ من يجب أن يغار مني


أصبح وجه اليزابيث شاحبًا و التمعت عيناها بالدموع بحسره عندما ذكرت عائلتها ولم تفهم لماذا يكرهها الجميع و يرآها فتاة فاشلة وخاصة سافانا.


ثم عادت من تجولها إلى هذه البغيضة لتتحدث بغضب و استهزاء


= انتٍ لست سوى طفلة مدللة يا آنسة اليزابيث لقد ولدت بفمك ملعقة ذهب و اعتدتي على إخضاع الجميع لاوامرك ولن يستمر هذا طويلاً سيأتي يوم و لن تجدي فيه أحدًا معك ...ولماذا سيحدث هذا في المستقبل لقد حدث بالفعل وأنتٍ الآن بمفردك وبدون عائلة 


تحدثت اليزابيث بين أسنانها في سخط


_أنتٍ حقاً مختله عقلياً سافانا لا أفهم لماذا تكرهني بهذه الطريقة.. ماذا فعلت لكٍ حتى تحقدي عليا هكذا


ارتجف جسد سافانا بعنف وغلي الدم في عروقها وهي تصرخ بعصبية وتكشف عن سبب كرهه لها قائله بابتسامه مريرة


= أنتٍ من بدأ يكرهني في البداية حاولي أن تتذكري كيف عاملتني في الماضي ألم تتذكري عندما ذهبت إليكٍ احد المرات إلى قصرك القديم كيف استقبلتني حينها؟ تذكري آخر مرة جئت فيها و اصدقائك الماكرون كانوا موجودين ايضا.. وكنت ارتدي ملابس عاديه ولم يكن لدي مال لشراء فستان غير الفستان الذي كنت أرتديه كبير وواسع من ماركة رخيصة.. هل تتذكري كيف أحرجتني عندما طلبت مني إحدى صديقاتك أن أحضر لها كأس ماء لأنها ظنت أنني خادمة في القصر !!. وأنتٍ بدلاً من أن أصلح الموقف؟ وتخبريها أنني إبنه عمك ولست خادمة؟ صمتي وظلتي تراقبني وتضحكي بسخرية معهم


وقفت اليزابيث للحظة غير متفهمة ومحاولة طرد هذا الشعور الذي جعل جـ.ـسدها يرتجف من حقارة نفسها وما كانت تفعله بها بالماضي.


ابتسمت سافانا ساخره وشعرت بالدموع تنهمر من عينيها بإهانة وهي تتذكر ذلك الموقف الذي شعرت فيه بانها بلا قيمه بسببها وبسبب اصدقائها السيئين..ثم نظرت إلى وجه اليزابيث بحقد هاتفه


= وبعد كل هذا تسألني لماذا أكرهك؟ هل عرفتي الآن فقط لماذا أكرهك كثيراً ولا أحبك ولا أريدك أن تبقى معي في منزل واحده.. آمل أن تحاولي أيضًا أن تتجاهلني ولا تتحدثي معي سأرحل، وأنتٍ تنتظري والدي.لا أستطيع حتى التحديق في ذلك الوجه أشعر بالاشتمئزاز حقًا


ثم هرعت سافانا للخروج من المكان وبقيت اليزابيث في مكانها لكنها كانت لا تزال في حالة صدمة فقد عرفت أخيرًا سبب كرهه لها لكنها عرفت أيضًا مدى احتقارها لنفسها.. صحيح هي كانت تعامل الجميع بطريقه سيئه وتشعرهم بالإهانة لانها تربت على ذلك واعتادت ولم تكن تعرف قيمه فعلتها هذه غير الآن! بعد ما اصبحت واحده منهم.. بلا مأوى بمفردها في تلك الحياة.. ثم جمعت ما تبقي من كبريائها وخرجت من الكافيتريا وهي تمسح دموعها بشدة. 



يتبع.