-->

رواية ذنبي عشقك - بقلم الكاتبة ميرا كريم - الفصل الثاني عشر

 


رواية ذنبي عشقك 

بقلم الكاتبة ميرا كريم




الفصل الثاني عشر

رواية 

ذنبي عشقك



مرض التفكير ليس له علاج، 

حتى لو استطعت ان تنام، 

ستحلم بما تفكر به.

آل باتشينو


❈-❈-❈


تململ في الفراش بتكاسل يهيأ له أنه يستمع لصوتها ليزفر انفاسه ويسحب وسادته يضعها على رأسه وهو يشعر انه سيفقد صوابه فتلك ال"شمس" يفقد السيطرة على حواسه واحدة تلو آخرى بسببها، كاد أن يكمل غفوته ويستسلم للنوم مرة آخرى لولآ نقر باب غرفته ليفتح عين ونصف متوجسًا لحين أدرك أن الأمر ليس من نسج خياله، لينتفض من فراشه ويفتح الباب مُسرعًا تزامنًا مع قولها:

-اتأخرت على الشغل...


ابتلعت باقي حديثها عندما انفتح الباب و وجدته امامها بهيئة مُبعثرة للغاية يرتدي بچامة عصرية مكونة من كنزة بيضاء فضفاضة ملحقة بغطاء رأس وبنطلون رياضي اسود وأما عن خصلاته التي ديمًا مُرتبة ومصففة بعناية كانت مُبعثرة ويتهدل بعضها على جبهته وعيناه؛ التي مازالت ناعسة متأثرة بنومه،وهنا وجدت البسمة تتسلل لثغرها فمن يصدق أن ذلك المُـ رعب كما تلقبه حين يستيقظ يبدو وسيمًا، وملامحه وهيئته مسالمة لهذا الحد الذي يجعلك تشعر كونه شاب عصري مرح الطباع.

فكانت تبتسم وتناست تمامًا كونها اطالت النظر دون قصد حتى أنها لم تنتبه لذتها إلا حين تراجع هو خطوتان للخلف مرتبكًا وأخذ يمرر يده بين خصلاته قائلًا بصوت عميق خشن بعض الشيء:

-راحت عليا نومة 


نكست نظراتها ودثرت بسمتها

تلـ عـن غبائها بسرها ثم عقبت بحرج:

-انا بقالي نص ساعة واقفة على الباب بحاول اصحيك 


همس بصوت خفيض للغاية مصحوب بتنهيدته: 

-كنت فاكر إني بحلم


رفعت نظراتها حين لم يصلها همسه: 

-هااا بتقول ايه؟


تدارك ذاته وبرر مُسرعًا:

-قصدي محستش انتِ عارفة إني رجعت متأخر وملحقتش انام


أومأت برأسها بتفهم ثم قالت وهي توليه ظهرها:  

-طيب انا هسيبك تجهز 


-هي الساعة كام؟ 


استوقفها بسؤاله لتلتفت تجيبه:

-عشرة ونص


-لأ مش هينفع اروح الشغل خلاص هريح النهاردة 


تنهدت وعرضت عليه:

-طيب انا حضرت الفطار وماما "ليلى" صحت اقولها تستناك تفطر معانا


-مش هتأخر عليكم


هزت رأسها دون أن ترفع نظراتها له ثم ابتعدت بخطواتها من أمامه ليغلق باب غرفته واول شيء كان يفعله هو أن نظر لهيئته المبعثرة في المرآة بنظرة مُقيمة ليهز رأسه ببسمة ساخرة فهيئته مزرية ولها كل الحق أن تجلب بسماتها.


❈-❈-❈


كان يجلس داخل تلك الغرفة رديـ ئة التهوية منكمش على ذاته على تلك الأرض الباردة مدمي الوجه مُـ نهك 

الجسـ د حين هدر أحدهم قائلًا:

-جرا ايه يا "صالح" ما مكنتش

عـ لقة وخدتها ما تجمد كده وتقوم تعملنا نمرة تفرفشنا

 

زاغت نظرات "صالح" وتسائل متوجسًا: 

-نمرة ايه انت وهو سيبوني في حالي بقى 


باغته أحدهم ساخرًا: 

-قوم ارقصلنا 


-ارقصلكم انتم فاكرني ايه؟ 


اجابه ذات الشخص هازئاً: 

-عالمة خرج بيت هتكون ايه


انفجروا جميعهم يسخرون منه ويلقون عليه السباب اللاذع الذي يليق بشخصه،ليعترض شخص ما انضم لهم اليوم و كان ينفرد بذاته في الزاوية: 

-ما تلم نفسك منك ليه وسيبوه في حاله


التفوا له برؤسهم وتسائل احدهم: 

-وانت زعلان عليه ليه هو يخصك


-لأ ميخصنيش بس الواد شكله مستوي ومتوصي عليه وكفاية عليه كده


مال عليه واحد منهم وأخبره: 

-من ناحية متوصي عليه فده متوصي عليه واطلب مننا نعمل معاه الواجب 


هز رأسه هدر بهم صارمًا بنبرة تحمل تحذير خفي بين طياتها: 

-طب عملتوا الواجب وخلصنا وكل واحد يروح على فرشته كفاية كده 


-ماشي بس نصيحة بلاش تصدر له علشان الواد ده متوصي عليه من فوق 


لوح بيده ثم جلس بجانب "صالح" يسأله متوجسًا: 

-مين اللي حاطك في دماغه ياض


اجابه "صالح" بنبرة ضعيفة 

متـ ألمة: 

-الظابط ابن ال*** اللي جابني امـ وت واعرف عرف طريقي منين 

  

-اوعى تقول" سليم الكومي" ده ظابط 

عـ قر والكل بيعمله ألف حساب 


-هو بعينه


-يا ستار عليه ده مشيبنا كلنا

بيقوله انه لما بيحط قضية في دماغه بيجيب أرارها ده غير انه موقع نص رجالة المعلم 


تسائل "صالح" ببلاهة: 

-المعلم مين؟ 


اعتلى جانب فم المدعو "حوكش" ساخرًا من غبائه للتتسع عين "صالح" ويتأهب لبقية الحديث ليميل على اذنه ويخبره بخطورة: 

ـــ المعلم بيطمنك هيخرجك منها بس بيقولك لو خرج وملقاش اللي يخصه هيزعلك.

❈-❈-❈

 جلسوا ثلاثتهم على الطاولة يتناولون الفطور في حين تسائلت "ليلى" ببسمة واسعة:

-قولي كتب كتاب الواد "نضال" كان حلو


اجابها وهو يربت على كفها المسنود على الطاولة:

-اه يا "ليلى" وعلى فكرة باعتلك السلام


-ربنا يهنيه ويسعده الواد "نضال" ده طيب ويستاهل كل خير 


أمن على دعواتها: 

-آمين يا "ليلى"


لتعقب هي ايضًا ببسمة هادئة:

ـ بعد اللي مروا بيه ربنا عوضهم… ربنا يسعدهم و يهنيهم ببعض


تأهبت نظرات" ليلى" تستغرب كيف علمت بأمرهم لتبرر هي بشيء من الحرج: 

- حكالي امبارح لما رجع عنهم

 

استغربت "ليلى" حديثها لتوجه له سؤالها: 

ـ صحيح حكتلها يا" سليم"


اجل فعلت وإلى الآن استغرب ذاتي كثيرًا فالأول مرة استرسل هكذا مع انثى ولأول مرة ايضًا أُطيل الحديث دون أن اسأم وينفذ صبري بل بالعكس تمامًا كنت اتعمد أن أظل أكثر امام نظراتها وفضولها مستمتعًا بردود افعالها...

كان ذلك ما يدور برأسه قبل أن يؤكد لها بإقتضاب: 

ــ اه يا "ليلى" حكيتلها بعد ما أصرت عليا


هزت "ليلى" رأسها بتفهم ولكن بينها وبين ذاتها تستغرب الأمر ولكنها لم تعطيه اهمية زائدة و باغتته متمنية:

-عقبال يا حبيبي ما افرح بيك كده واشيل عيالك


كان يرتشف من كوبه وفور حديثها انزله وأخذ يسعل بشيء من الارتباك قبل أن يغير سير الحديث و يدعو الله بسره أن لا تبدأ في وصلة أُمنياتها:

-طيب افطري كويس يا "ليلى" علشان تاخدي علاجك


تنهدت "ليلى" بيأس وعاتبته مستاءة:

-توهني في الكلام زي كل مرة علشان معرفش اخد منك حق ولا باطل

ثارت اعصابه من إصرارها ليعقب بهدوء نسبي وهو يؤشر بعينه نحو "شمس" الملتهية بطبقها كي لا تعيد ذات الحديث أمامها وتتسبب في احراجه:

_" ليلى" ابوس ايدك ما تبدأي في الاسطوانة بتاعت كل مرة 


لم تتراجع "ليلى" وقالت بتسرع منفعل نابع من يأسها منه ومن رأسه اليابسة: 

ــ لأ هبدأ فيها ايه يعني لو كنت سمعت كلامي وفرحت قلبي وخطبت الدكتورة "ميسون"


-كمون


قالتها هي بعفوية دون قصد وملامح الدهشة ترتسم على وجهها...لتجعد "ليلى" حاجبيها وتصحح لها:

-"ميسون" يا بنتي كمون ايه بس


تناوبوا النظرات بينهم لوهلة لتكبت هي بسمتها و تطرق رأسها تنظر داخل طبقها في حين تابعت "ليلى" وصلة أُمنياتها:

-البنت حلوة وبنت ناس واخلاقها كويسة ايه يعيبها بقى


اخبرك انا ماذا يعيبها؛ عيونها باردة لايوجد بها حياة ولا وميض دافئ كغيرها، وحين تمر من امامك لايلفحك سوى رائحة عطرها أما التي اريدها تلفحني بحُسنها وبكبريائها وبجمال روحها فيكفي أن تهفو عليّ لتشتت حواسي وتتأهب كل ذرة بي من أجلها.

مهلًا أيقصدها هي تلك التي عصته عيناه وأخذت تتأملها وهي تتصنع انشغالها بطبقها.

لعن تلك الأفكار التي دومًا تشتته في وجودها ولذات السبب وجد ذاته حانقًا بشدة ليهب من مقعده ويهدر بنبرة نافذة اجفلت "ليلى":

-قولت مفيش قبول من ناحيتي يا" ليلى" واظن ده كفاية اوي…


قال أخر جملة وهو في طريقه لغرفته، لتتنهد" ليلى" وتعقب بضيق: 

-ليه كده بس يا ابني


نظرت لآثاره وعقبت بعفوية مطلقة وهي تميل عليها وتربت على كتفها:

-بلاش تضغطي عليه يا ماما "ليلى" القرار ده مصيري ولازم يبقى نابع منه هو


استنكرت" ليلى" قولها:

-انتِ بتدفعيله يا "شمس" بدل ما تعقليه بكلمتين معايا


برقت عين "شمس" وتراجعت في جلستها قائلة بحـ رج:

-انا أعقله! لأ انا مليش حق ادخل اصلًا دي حاجات شخصية


عقبت "ليلى" بمحبة صادقة: 

-انتِ واحدة مننا وفي مقام بنتي واخته الصغيرة 


حانت منها بسمة ممتنة لمنحها إياها تلك المكانة بينهم ثم ردت بعفوية ومحبة صادقة:

-وانا ربنا يعلم إني حبيتك اوي و بعتبرك زي امي بالظبط بس بصراحة موضوع اخته الصغيرة وانه يتقبل مني كلام ده صعب شوية 

لتزيح غرتها خلف اذنها وهي تتذكر استرساله معها بالأمس وتصرح قائلة:

-هو اه اتكلم معايا امبارح على غير العادة بس برضو معتقدش انه هيتقبل مني كلام زي ده وخصوصًا كمان بعد اللي حصل امبارح وأنه عرف رأي فيها


_ حصل ايه امبارح ! 


اجابتها "شمس " بعدم ارتياح لذكر الأمر: 

-اصلنا قابلنا الدكتورة في السوبر ماركت ولمحت بكلام غريب ومستفز اوي


-قالت ايه؟


قالت بصدق ظهر بَين في عينها: 

-قالت ان انا السبب انك مش بتكلميها وكانت مستغربة ازاي قدرت اخليه يروح معايا السوبر ماركت... وانا زي ما حضرتك عارفة مليش دخل بعلاقتك بيها وحتى هو اللي اقترح عليا اروح معاه وعلشان كده كان لازم اوقفها عند حدها بالأدب


لم تشكك "ليلى" في حديثها ولكن أمر واحد شغلها: 

-طيب و"سليم" قال ايه؟


رفعت منكبيها وردت: 

-معلقش وقتها بس لما رجعنا قال ان معايا حق وده اكبر دليل ان الموضوع مش في دماغه اصلًا لأن لو كان في دماغه كان عارض كلامي او حتى حاول يبرر وجودي معاه


-يعني انتِ شايفة إني مفتحش معاه السيرة دي تاني


-انا شايفة انك تصبري وتحترمي رأيه واكيد ربنا هيكرمه ببنت الحلال اللي تناسبه... أنتِ بس ادعيله


-هو انا بعمل حاجة غير إني بدعيله يا بنتي


مالت "شمس" على رأسها تقبلها ثم نهضت قائلة:

-هجيب العلاج واجي تكونِ خلصتِ الأكل اللي على السفرة ده كله

ابتسمت" ليلى" بود لها وربتت على يدها التي تستقر على كتفها لتهرول "شمس" تاركة "ليلى" تقتنع برأيها وتؤنب ذاتها. 


❈-❈-❈


وقف أمام قهوته على المقود يسويها على نار هادئة تخالف تلك الاعاصير التي تضرب برأسه بسببها فكان شارد في عالم موازي حين شهقت هي:

- حاسب القهوة فارت

 

انتبه على ذاته وإن كاد يمسك بيد الركوة انتفض ملسوع من شدة حرارة عُروتها لتسقط من يده وينسكب ما بها على سطح المقود والأرض في حين هو زمجـ ر بصوت غاضب يعتصر قبضته، لتهرول هي إليه متسائلة:

-أنت كويس ايدك فيها حاجة 


جز على نواجزه ثم نفى برأسه يعاند كعادته لترفع يده بحركة عفوية تحاول تفقدها ولكن انتفض هو مرة آخرى وقال 

بعصـ بية مُفرطة:

-قولتلك مفيهاش حاجة 


ركضت تفتح المبرد تسحب أحد أكياس الثلج قائلة:

-ممكن متتعصبش وتحط ده على ايدك


ابتلع ريقه وكاد يخفق عقله ويتوقف عن العمل أمام اهتمامها

ولكن وجد ذاته يستنكر قائلًا:

-قولتلك لأ انا كويس 


لينظر للأرض وإن كاد يجلب أحد محارم المطبخ لينظفها منعته هي بحركة من يدها:  

-مفيش مشكلة انا هنضف


هز رأسه بملامح ثابتة ثم ولاها ظهره وغادر المطبخ في حين تنهدت هي وبدأت في تنظيف ما احدثه من فوضى.


❈-❈-❈


شعر بالخواء فور أن فتح عيناه ولم يجدها بين احضانه ليعتدل بنومته يجول بخضراويتاه محيط الغرفة ولكن ايضًا لم يجدها ليهب من جلسته باحثًا عنها فكان يسير يتلفت هنا وهناك لحين لمحها في المطبخ تعد الفطور فلم تنبه هي لوجوده لحين شعرت به يطوق خـ صرها من الخلف لتشهق بخفوت في حين هو دفـ ن وجهه بين ثنـ ايا عنقـ ها هامسًا:

-كده اصحى وملقكيش جنبي


ابتسمت وحاوطت يده التي تطوقها قائلة:

-كنت بحضرلك الفطار 


-مش عايز فطار انا عايزك أنتِ

كان يتحدث بهمس خطير وهو يقبل عنقها بقبلات محمومة متقطعة جعلت أنفاسها تتعالى ويتعالى معاها وجيب قلبها قبل أن تهمس بنبرة مُـ تأثرة:

-بس أنا جعانة يا "نضال" 


ادارها له يخطف قـ بلة عابرة من ثغـ رها ثم بحركة مـ باغتة منه كان يرفعها من

 خـ صرها ويجلسها على الكونتور الرخامي قائلًا:

-عيون "نضال" ماما متفقة معايا هتجيب لينا الفطار وزمانها على وصول


هزت رأسها متفهمة في حين هو أخذ يمرر أنامـ له بين خـ صلاتها يتأمل حُسنها وعينه تفيض بعشقها لتميل هي وتضع

 خـ دها على راحة يده متسائلة بتردد:

-هو لو طلبت من مامتك تاخد الولاد الملاهي هتضايق 


اعتلى حاجبيه وتسائلًا متحيرًا:

-أكيد لأ دي هترحب اوي و ممكن نروح كلنا معاها


قطمت شفاهها ثم همست بخجل: 

-لأ هما بس انا عايزة افضل معاك


اتسعت بسمته العابثة وقال بمغزى وقح افحمها:

-قولي كده بقى عايزة تستفرضي بيا


شهقت بخفوت و نكزته بكتفه، ليقهقه هو ويستمر على عبثه بعد أن رفع يده مسالمًا:

-خلاص خلاص هستفرض بيكِ انا


هزت رأسها بلا فائدة و وجهها يشتعل من شدة حرجها لتهدأ ضحكاته ويقول بِصدق:

-الولاد مش مضايقني يا "رهف" بالعكس بقى وجودهم فارق معايا جدًا وربنا يعلم بحبهم أد إيه وببقى مبسوط بوجودي معاهم أد إيه وارجوكِ بلاش حساسية زايدة 

تنهدت بإرتياح وهي ترى الصدق يقطر من حديثه ويفيض من خضراويتاه، ليتابع هو عبثه بغمزة من عينه:

-لكن لو عايزة تخليهم يروحو مع كرملة لأغراض دنيـ ئة من اللي بحبها انا معنديش مشكلة


هزت رأسها بلا فائدة وأخذت تلملم خصلاتها خلف اذنها تشعر بالـ خجل الشديد وكأنها حديثة عهدها، ليرفع هو ذقنها بأنامله ويضع قـ بلة خاطفة على

 ثـ غرها قائلًا:

-ممكن اعملك شاي بحليب وتاكلي بسكوت تصبيرة لغاية ما تيجي والولاد يصحوا 


هزت رأسها موافقة ولكن عدلت:

-ممكن بس نسكافيه مش شاي بحليب


قال بقطع لم تتفهمه هي: 

-مفيش نسكافيه


-لأ فيه البرطمان فوق أهو

 

كانت تشاور لموضعه بيدها تعتقد انه لم يلحظه ولكنه ابتسم بمكر وأضاف مشاكسًا:

-عارف أنه في بس مش هتشربي على الصبح كده نسكافيه هعملك شاي بالحليب زي وزي الولاد كمان


نفت برأسها وقالت بعدم رضا: 

-"نضال "مش بحبه


-هتحبيه علشان ده هيبقى المشروب الرسمي في البيت 


قالها وهو يدس قطعة من البسكويت الموضوع بالطبق بجانبه في فـ مها وقبل أن تقطم منها كان يشاركها إياها بـ فمه ملحقة بقبـ لة عاصـ فة أطاحت كل حواسها و كادت تفقدها توازنها فوق الكونتور ولكنه كان رحيم بها ودعم جسدها بيده لحين فصل قُـ بلته وهمس بعدها بتحشرج أمام ثغـ رها:

-بعد الفطار هحلي بيكِ 


ابتسمت تلك البسمة التي تأتي بربيعها على قلبه المُلع بها ليقوم هو بعمل مشروبه الرسمي الذي عممه تحت نظراتها المُسـ بلة وتنهداتها الـ حارة التي تنم عن سَكينة وراحة قلبها.


❈-❈-❈


تناولت نفس مطول من الهواء تشجع به ذاتها قبل أن تخطو لمكان جلسته داخل ساحة البيت الواسعة وإن اقتربت لموضعه مدت يدها بقدح القهوة التي صنعته خصيصًا له

دون أن تقول شيء، رفع هو نظراته الضيقة لها دون أن يحرك ساكنًا لتبرر وعيناها تتعثر داخل عتمته:

-عملتلك معايا

تعمدت أن لا تشعره بأهتماها المباشر كي لا يثور كالمرات السابقة حتى أنها صبت لذاتها مثله وتعمدت أن تذهب به لعنده بينما هو 

تناوب نظراته بين يدها وبين القدح حتى ظنت انه سـ يرفضه ولكن بالأخير خالف توقعها وتناوله من يدها قائلًا:

-انا فعلًا كنت محتاج قهوة 


هزت رأسها ورفعت كوبها ترتشف منه، وهي مازالت واقفة تنظر على مداد بصرها ليعرض عليها هو:

-اقعدي لو عايزة

 

في بادئة الأمر ترددت ونوت أن تغادر ولكن فور أن عرض عليها أن تجلس وجدت ذاتها تتحرك من تلقاء ذاتها وتجلس بالمقعد المجاور له تنظر لشروده ولملامحه الواجمة بنظرة متعاطفة لا تعرف مصدرها سوى أنها نابعة من لين قلبها… فبشكل ما ودون أدنى تفكير منها وجدت لديها رغبة قوية في التهوين عنه لذلك راوغته بحديثها: 

-الجو النهاردة حلو و ريحة البحر تجنن


لوهلة تركزت نظراته عليها قبل أن يهز رأسه يؤيدها لتتابع هي :

-أنت عارف ان ريحة البحر ليها فوايد كتير اوي منها تخفيف التوتر والقلق والإرهاق وكمان بتعزز الشعور بالرضا كويس انك جيت قعدت هنا


انعقد حاجبيه مندهش من حديثها لتتابع هي تراوغه لتحصل على مبتغاها:

-بس غريبة اوي شيفاك لسه مكشر رغم إني عارفة إن ريحة البحر بتزود مستويات هرمون السيروتونين (هرمون السعادة) في الجسم...لتمط فمها بأسف مصتنع وتضيف:

_ بس يظهر مشتغلش معاك 


اعتلى جانب فمه بشبح بسمة لتبتسم ايضًا وتتهكم بخفة :

-هو بصراحة أنا عذراك وشايفة أن معاك كل الحق حد يخطب واحدة اسمها كمون

 

وهنا ظهرت بسمته بوضوح أكثر ولكنه أدار وجهه يتستر عليها حين أكملت هي بمشاكسة: 

_ ايوة كده اثبتلي أن النظرية صحيحة ده انا كنت يأست وكنت فاكرة مفيش حاجة بتحوق فيك 


وهنا لم يحتمل وانفجر ضاحكًا تلك الضحكة الرائقة المفعمة بالرجولة التي تجعلها تستغرب كيف يمتلكها شخص مثله...لتبتسم ايضًا وتضيف براحة متنهدة:

_ماما "ليلى" مكنش قصدها 


هدأت ضحكاته شيء فشيء ثم اجابها: 

-عارف ومش ده اللي ضايقني

 

رمشت بأهدابها الكثيفة متسائلة: 

-اومال ايه؟ 


تاه لثوانِ داخل غابات الزيتون خاصتها قبل أن يشيح بوجهه بعيدًا عنها يستغفر بسره ويتوسل كل ذرة به أن تكف عن عصيانه من أجلها.

بينما هي قلبت عيناها من صمته المريب الملازم له وعقبت بسلاسة قبل أن ترتشف باقي كوبها: 

-مش لازم تتكلم كفاية انك هادي و مش متعصب زي عوايدك


لتصمت لبرهة ثم تقول متوجسة: 

_ هو بما انك هادي وكده ينفع اطلب منك طلب 


حثها أن تتحدث لتتابع هي: 

-عايزة اطمن على "حكمت" وابنها

بصراحة الست دي وقفت جنبي وعيب مسألش عليها انا دورت على الصفحة بتاعتها على النت علشان اجيب رقمها بس معرفتش اوصل لحاجة


زاغت نظراته وابتلع ريقه بتوتر يلـ عن بسره قراره في الإخفاء عنها فإلى الآن لم يجد مبرر منطقي للأمر يرضي عقله و يبرر فعلته سوى ان لابد أن تبقى لرعاية والدته. لذلك تحمحم يجلي صوته وعقب بإقتضاب على طلبها:

-بعدين... يا "شمس" هخليكِ تطمني عليهم 


تنهدت بعمق ثم قالت بنبرة مفعمة بالثقة:

-هعتبر ده وعد وانا عارفة انك اكيد هتصدق


نكس نظراته يشعر بالخزي من ذاته فكيف هي تثق به لذلك الحد في حين هو اخفى عنها و خيب ظنها


فكانت مازالت نظراته مطرقة لحين 

 طلبت هي بترقب:

_طيب ممكن طلب صغير كمان 


تأهب بنظراته… لتقول وهي تخرج عبوة دهان طبي من جيبها: 

_ ايدك حمرا اوي حط عليها من المرهم ده لو سمحت وبلاش تعند 


لم تنتظر رده بل وضعت العبوة أمامه ونهضت في طريقها لداخل المنزل لتعلق عيناه بظهرها وهو يشعر أنه مهما عاند وأخفى سيعصيه ذلك النابض بداخله ولن يقوى على الصمود أكثر. 


❈-❈-❈


حضرت والدته محملة بالطعام التي صنعته خصيصًا لهم وقد باركتهم واطمأنت على احوالهم وإن عرضوا عليها أمر اصطحاب الصغار وافقت على الفور ورحبت كثيرًا فكانوا يجلسون جميعهم يتناولون الطعام حين قالت هي:

-الأكل حلو اوي يا طنط "كريمة" يسلم ايدك 


-تسلمي يا بنتي من كل شر

 

ليعقب وهو يضع لقمة مغمسة داخل فم "شيري":

-اه يا" كرملة" الأكل تحفة معلش بقى تعبانكِ 


قالت "كريمة "بحنو شديد: 

-تعبكم راحة يا ولاد المهم تكونوا بخير وفي احسن حال 


ابتسمت" رهف" لسعادتها التي تنضح من عيناها بينما هو كان يطعم الصغيرة  

"شيري" بيده كما عودها ليستنكر "شريف" الأمر و يؤنب شقيقته:

-أنتِ مش صغيرة كُلي بنفسك


اخرجت "شيري" لسانها له قائلة:

-انا بحب" نضال "يأكلني هو ملكش دعوة


تدخلت" رهف":

-حبيبتي اخوكِ عنده حق لازم تاكلي بأيدك أنتِ مش صغيرة وكمان" نضال" مش بياكل بيأكلك بس


اعترض هو بإصرار وبكل بساطة دون تعقيد:

-هو انا اشتكيت ليكم انا مبسوط وانا بأكلها وبعدين انا خلاص شبعت وسايب مكان للتحلية


قال آخر جملة وهو يخصها بغمزة ذات مغزى من عينه جعلتها قطم شفاهها تكبت بسمتها بصعوبة بالغة 

ليتوعد لها بنظراته قبل أن يشاكس "شريف":

-لعلمك بقى يابطل أنا مش عايز اهز هيبتك بس قدامهم لكن انا ممكن اكتفك واكلك زيها فكُل بدل ما انت حر الهيبة هتبقى في ذمة الله خاف عليها


برقت عين" شريف" ورد متخوفًا:

-لأ خلاص انا مش هتكلم تاني وهاكل من سكات

قهقهوا جميعًا على مشاكستهم وكان يشعر هو بسعادة عارمة فكافة احلامه وامانيه تتجسد أمامه وتتوج بوجود والدته فيقسم أنه لايريد شيء آخر من الدنيا سواهم هما...فبعد انتهائهم من الطعام غادرت "كريمة" برفقة اطفالها التي وعدتهم بزيارة لمدينة الملاهي القريبة وقد فرحوا كثيرًا بالأمر في حين هو فور أن أغلق باب المنزل خلفهم التفت لها وقال ببسمة ماجنة تخفي خلفها الكثير من العبث:

-فطرنا… نحلي بقى


ابتسمت هي وقبل أن تستوعب الأمر وجدته ينحني بجذعه عليها ويحملها ويسير بها في طريقه لغرفتهم لتتعلق بعنقه وتأخذ اناملها طريقها لخصلاته الشقراء المختلط لونها هامسة بصدق:

-بحبك يا "نضال"


-يخربيت" نضال" وسنين "نضال"

قالها بتنهيدة مُسهدة وبنظرات تواقة متلهفة للغاية قبل أن ينقض على ثغرها ويكمل سيره بها لغرفتهم كي ينهال من رغد قربها كيفما يشاء.


❈-❈-❈


صباح اليوم التالي كان يجلس داخل مكتبه يمارس مهامه حين دخل زميله قائلًا:

-"صالح" خد اخلاء سبيل من النيابة يا "سليم "بيه


ضرب سطح المكتب بقبضته هادرًا: 

-ده اللي كنت خايف منه


-عرفت مين الشهود اللي كانوا معاه يومها

 

-اتنين اثبتوا وجودهم معاه وقت الواقعة و للأسف ملقناش ليهم صحيفة سوابق أو أي شيء مريب في سلوكهم 


زفر أنفاسه حانقًا قبل أن يهدر: 

-ماشي يا" أحمد" روح شوف شغلك أنت

 

-تمام يا "سليم" بيه

 

حسنًا الآن يستطيع اخبارها فلا مفر من الأمر فمن المؤكد أن ذلك اللعـ ين سـ يذيع الخبر فور أن يصل منطقته وبالطبع سيصل ل"بدور" التي بدورها ستخبرها وتضعه هو في موقف لا يحسد عليه.

وهنا لـ عن غبائه وسوء تصرفه الغير معتاد قبل أن يهب من مقعده ينوي العودة باكرًا لإخبارها وكل ما يشغله هو ردة فعلها غافل تمامًا أن ردة فعله هو التي كان لابد أن يحسب حسابها فحين يعود لن يجدها.


يتبع