-->

رواية أنين وابتهاج الجزء الثاني - هدير دودو - الفصل الثالث

رواية أنين وابتهاج الجزء الثاني 
بقلم الكاتبة هدير دودو



رواية أنين وابتهاج الجزء الثاني 

الفصل الثالث

_ دموع حزينة قد اختلطها بعض الدموع الفَرحة والإبتسامات السعيدة_

 ❈-❈-❈


وقفت آلاء تطالع كل ما يحدث بأعين متسعة يتآكلها القلق والخوف، استعجبت من سير الطبيب والممرضة بتلك السرعة...السرعة التي لم تستطع أن  تفسرها سوى بتفسير واحد فقط وهو توقف قلبه عن النبض، و حصل له اكثر شئ لم تتمنى أن تستمع إليه في حياتها. 


شعرت أن دقات قلبها هي التي ستتوقف من الخوف عليه، أعدت ذاتها لإستماع خبر الطبيب الذي سيرهق قلبها وروحها ويساهم في إنهاء حياتها التي تمضي بوجوده، تقسم أن صوت دقات قلبها أصبح يصل إلى مسامعها أغمضت عينيها وضغطت فوقهما بقوة تتظر لاستماع صوت الطبيب عندما يهرج من الغرفة، وهي تدعي ربها بضعف شديد من بين بكائها


:- لأ لأ، يارب عـمر ميحصلهوش حاجة مش هقدر يارب.. 


تنادي ربها بأمل وقلبها يملؤه الحزن والقهرة التي كادت تقسمه إلى نصفين، تقسم بأن اللحظات التي تمضي عليها الآن هي أكثر لحظات مرعبة مضت عليها في حياتها، حتى موت والديها لم تخشى وتخاف هكذا، كان هو  حينها بجانبها يطمئنها ويحاول ان يبث في قلبها الذي يرتجف الهدوء والاطمئنان، لكنها الآن لم تجده بجانبها لكي يطمنها كما اعتادت، هي الآن بمفردها، بل هو بذاته سبب قلقها الشديد الذي سيتسبب في إنهاء حياتها.


أعادت فتح عينيها على صوت الطبيب وهو يغلق باب الغرفة خلفه بعدما خرج من عند عمر للتو، وابتسم بهدوء لعله يهدأ من وتيرة قلقها هي وتامر، وغمغم يشرح لهما الأمر بعملية وهدوء 


:- الحمدلله عمر بيه اتحرك ودة مؤشر اللي كنت مستنيه عشان نتأكد من نجاح العملية، يعني كدة هو فاق وبقي كويس إلى حد ما، بس جسمه مرهق على الصبح أو كم ساعة هيكون استعاد وعيه. 


تهللت أساريرها بسعادة تغمرها، وبدت الفرحة تلتمع داخل عينيها الذابلتين وقد أعاد بريقها يتلألأ من جديد، وأعادت تلتقط انفاسها بانتظام، تُدخل اكبر قدر من الهواء في رئتيها، وكأن الهواء كان محجوب عنها من قبل، تمتمت تسأله بتلعثم و عدم تصديق، جيث أن حديثها كان غير منتظم نهائيا، تشعر ان أذنيها توهمها بخبر هام تحلم باستماعه


:- هـ.. هو كويس، يعني اكيد كويس، هو قصدي صحي وفاق بجد...خلاص مبقاش تعبان زي الأول؟ 


ابتسم الطبيب بهدوء تام بعدما رأى لهفتها الواضحة عليه، واومأ لها برأسه إلى الأمام بثقة، مما جعل دموعها تنهمر مجددا على وجنتيها لكنها ليست مثل كل مرة، فتلك دموع الفرح...الفرحة التي غمرت قلبها بعد حديث الطبيب. 


قبل أن يذهب الطبيب استوقفه تامر وهو يسأله مرة أخرى؛ ليتأكد مما استمع إليه للتو 


:-دكتور أنتَ متأكد من اللي بتقوله دلوقتي؟ 


همهم الطبيب بخفوت يرد عليه يطمئنه، أسرعت آلاء تتحدث بنبرة حانية وهي تطالعه باستعطاف


:- هو ممكن طب ادخل ابات معاه جوة في الاوضة. 


كاد يرد عليها رافضا بحزم؛ بسبب الاجراءات الطبية المشددة للمستشفي، فاسرعت تعقب بنبرة مترجية يملأها القلق والضعف


:- هقعد جوة ساكة خالص، تامر هيبقي برة ولو اتكلمت هو بنفسه هيخرجني أنتَ شايفني قاعدة طول اليومين اللي فاتو دول ازاي. 


طالعها بشفقة وهو يرى حالتها تلك الفتىة التي مضت ودموعها التي كانت لم تتوقف عن السيل فةق وجنتيها، تحدث موجه حديثه للممرضة التي تقف بجانبه بعملية 


:- جهزيها عشان تدخل جوة. 


التفت إلى آلاء وتامر، وتحدث بنبرة تحذيرية جادة 


:- ممنوع تتكلمي جوة عشان متقلقيهوش وأنتَ يا أستاذ تامر لو لقيتها بتتكلم قول للممرضة تخرجها عشان صحة عمر بيه. 


انهي حديثه وذهب إلى مكتبه بهدوء، بينما آلاء فقد ذهبت مع الممرضة؛ حتى تعدها للدخول إليه والبقاء بجانبه،  اتصل تامر على والدته يطمئنها على شقيقه، وأقنعها بصعوبة أن تأتي في الصباح


:- يا ماما هو لسة مفاقش هتفصلي قاعدة على الفاضي مش هتستفادي حاجة، لكن خليكي بكر يكون فاق وتعرفي تتطمني عليه. 


اقتنعت والدته بصعوبة شديدة وأغلقت معه وهي تشعر بسعادة عارمة تغمرها وتغمر قلبها، وكأن روحها قد ردت بها مرة أخرى. 


دلفت آلاء إلى الغرفة بخطوات بطيئة تشعر أن الفرحة ستوقف قلبها، لكنها كانت فرحة ممزوجة ببعض القلق الخفيف الذي لن يمحي سوى عندما يفوق و يفتح عينيه الزرقاء وتذوب بداخلهما، تريد أن تتحدث معه وتقص عليه ما فعلته مع عدي ونهى، تعبر له عن مدى خوفها في ابتعادها عنه، وأنها لم تستطع العيش بدونه، تخبره أنها تعشقه بشدة وستكمل معه حياتها القادمة حتى تنتهي، وأنها قد نست حزنها منه وأفعاله التي كانت بسبب خوفه عليها.. 


جلست بجانبه لبعض الوقت وهي لا تعلم كم ساعة مضت عليها بجانبه حتى الان، وضعت كف يدها يلامس كف يده باشتياق وشغف شديد، لكن ما صعقها بالفعل هو أنها قرأت حركة شفايفه واستمعت الى صوته وهو يهتف باسمها، شفايفه تتحرك بأحرف اسمها المحفور في قلبه


:- لـــــو لــــي


فهمت أنه يناديها بلقبها المفضل بصوت مبحوح خافت بشدة لا يستمع من الأساس بسبب تعبه، لكنه وصل اإلى مسامعها واستمعت إليه ليس بأذنيها بل بقلبها وروحها، قلبها المتعلق بقلبه وروحها المتعلقة بروحه..


_بعض الاحيان قد نعلم ان نبضات الفؤاد ليس أهم شي للفؤاد، بل يوجد شخص يتعلق الفؤاد به فيصبح أهم من النبضات، والحياة بأكملها_


اسرعت تضع يدها فوق كف يده الملقى بجانبه فوق فراش المستشفي، وردت مسرعة بلهفة على أمل أن تتأكد مما استمعت إليه للتو


:- ايوة يا عمر أنا هنا ياحبيبي جنبك ومعاك، عمر انت سامعني صح؟ 


كانت تسأله و هي تشعر بالخوف... الخوف الحقيقي يجتاح كل ذرة بداخل قلبها، وجسدها، تخشى ان أذنيها تكن كاذبة وأن ما تشعر به يكون غير صحيح.. 


صوت همهمة خافتة بالكاد يستمع وصل إلى مسامعها يطرب أذنيها كاللحن، فأسرعت دموعها تهرول فوق وجنتيها بضعف، وكل جزء بداخل جسدها يرتجف يحتاجه بجانبها، هو مصدر أمانها وقوتها اكتشفت أنها ضعيفة بشدة بدون وجوده، هي كالهشة الضعيفة اقل شئ يؤثر بها ويجرحها بقوة.


نهضت سريعا وقامت بالضغط فوق الزر الموصل بالممرضات في المستشفي، لم يمر سوى بضع دقائق معدودة ودلفت الممرضة وهي تطالعها بدهشة، بادرت آلاء تتحدث بقلق جلى على جميع اوتارها 


:- هو بيتكلم حاليا بس بصوت واطي أوي مش مسموع، مش عارفة بجد ولا أنا بتهيألي روحي اندهي الدكتور يشوفه بسرعة. 


ابتسمت الممرضة في وجهها بهدوء تطمئنها، وردت تجيبها بعملية وثقة 


:- متقلقيش يا مدام آلاء، مفيش حاجة تستاهل قلقك دة، هو اصلا فاق والدكتور اتطمن عليه في وقتها، لكن هو مجهد شوية، لسة الموضوع كله شوية وقت وهتلاقي فاق اهدي واتطمني. 


اومأت لها برأسها الى الامام ولن يقوى لسانها على التفوه بحرف واحد، خرجت الممرضة بعد ذلك من الغرفة، ورأت تامر يقف أمامها يسألها بقلق بادي عليه


:- في إيه هو عمر في حاجة؟ 


حركت رأسها يمينا و يسارا نافية، واجابته بعملية تشرح له حالة شقيقه بهدوء، ثم سارت من أمامه تستكمل طريقها..


❈-❈-❈


جلس تامر فوق المقعد بجسد مرهق وملامح وجه مجهدة، ثم قام بالإتصال على فريدة، هو يريدها بجانبه ومعه في كل وقت تخفف عنه كل ما يشعر به.


لأول مرة يعترف بقيمتها الحقيقية في حياته، هي أصبحت جزء لا يتجزأ منه لا يمكن أن يستغنى عنها، لكنه علم ذلك متأخر، علم قيمتها و اهميتها بعد مرور الوقت الصحيح، فهو لاازال لن ينسى آخر نقاش تم بينهما قبل معرفته بما حدث لأخيه، ويعلم أنها هي الأخرى لم تنساه، هو ايضا لم ينسى وقوفها أمامه وهي في منتهى الخذلان والإنكسار، يتذكر كيف كانت دموعها تلتمع داخل عينيها وكانت تمنعها عنه بصعوبة بالغة وهي تحاول أن تقدر حالته وما حدث لشقيقه.. 


ردت عليه بصوت هادئ مجهد، نعم هي الأخرى مجهدة، تريد أن تأخذ قسط قليل من الراحة، لكن الظروف حولها لم تساعدها على ذلك إطلاقا، فهي دائما تجلس مع والدته و شقيقته تحاول التخفيف عنهما ولو بكلمات قليله، ردت تسأله بقلق 


:- الو يا تامر بتتصل ليه، هو في حاجة حصلت عندك؟ 


استشعر كم الجهد والتعب التي تشعر بهما من خلال نبرة صوتها واحرفها الخارجة بصعوبة، فـرد عليها بهدوء وحنو على غير المألوف منه معها


:- لا مفيش كل حاجة هنا كويسة زي ما قولتلك الوضع تمام والدكتور بيقول انه بقي كويس حتى آلاء دخلت تقعد معاه لغاية ما يفوق، بس حسيت أن أنا محتاج اكلمك ومحتاجك جنبي، أنتِ شكلك تعبانة ومنمتيش كل دة صح؟ 


همهمت بصوت خافت ترد على سؤاله وهي تشعر بالدهشة من التغيير المفاجئ الذي حدث له


:- أنا كويسة هو منمتش بس متخافش. 


لكنها سرعان ما تذكرت أمر المكالمة و بسملة ذلك الشئ الذي يعكر دائمًا مزاجها منذ أن علمت به، فأكملت بغيرة وضيق 


:- اعتقد أني أنام او لأ دي حاجة متخصكش أنا بقول أنك تروح تكلم بسملة على معاد تقابلها فيه عشان الشغل االي بينكم طبعا.


قالت جملتها الاخيرة بنبرة ساخرة فظل هو صامت لم يرد عليها وعلى حديثها؛ لذلك أغلقت المكالمة وأنهتها، وهي تشعر بغصة قوية تتشكل في قلبها تؤلمها بعدما قد فسرت صمته خطأ...ذلك الموضوع يقف لها كالشوك كلما حاولت أن تسعد ذاتها تتذكر ذلك الأمر سريعا. 


زوجها يعرف واحدة غيرها، هل لهذة الدرجة هي غير مهمة لديه؟! هل العيب والخطأ عليها هي أم هو الذي أخطأ ولم يحبها فيتهرب منها بأي شئ حتى  لو كان هذا الشئ هو خيانتها.. 


لو كان التفكير يقتل لكانت توفت منذُ دهر مضي،  فمنذ أن تزوجته وعقلها لا يعمل شئ سوى التفكير حتى أُرهَق بشدة، جميع خلاياها تصرخ علها تخبرها أن ترحمها كما ترحم الجميع، لماذا تشعر بوجع الجميع و لم تشعر بوجع ذاتها؟! 

فوجعها هو الوجع الحقيقي الذي يؤلمها حقًا.. 


لا تبكي عزيزتي واهدي، لا تبكي أنتِ قوية ليس شئ مثل هذا هو ما يضعفك، فهو لا يستحق دموعك التي تنزل من اجله الآن. 


لقنت ذاتها تلك الكلمات؛  حتى تحاول ألا تبكي وتضعف مع ذاتها مثل كل مرة، نتيجة لتفكيرها الزائد في كل مرة يكون انهيارها وضعفها اكثر؛ لذا قررت ألا تبكي وتنهار تلك المرة.. 


❈-❈-❈


بعد مرور بعض الوقت


كانت آلاء لازالت تجلس بجانب عمر، لا تعلم كم من الوقت مر عليها وهي جالسة ولا تريد أن تعلم شئ هي كل ما تريده أن ترى عينيه فقط. 


وأخيرًا قد استجاب الله لدعواتها، واستطاع عمر أن يفوق ويستعيد وعيه، فتح عينيه ببطء شديد وحاول ان يتطلع أمامه بوضوح، فالرؤية لديه مازالت مشوشة، لكنه نجح في النهاية أن يفتح عينيه ويراها، تفاجأ عندما رآها تجلس فوق مقعد بحانبه الإرهاق والهذلان باديان عليها بوضوح، وجهها الشاحب وملامحه الحزينة، عينيها المنتفختان بسبب كثرة بكاءها عليه، ظل يطالع هيئتها... 


طالعته هي الأخرى بعدم تصديق وهرولت مسرعة تقترب منه،  ثم تحدثت بلهفة وقلق كانا سيجعلا قلبها يتوقف نهائي، فإذا حدث له شئ هي ستمـ'ـوت معه، حياتها بدونه لا تعني لها شئ


:- عمر أنتَ كويس صح، أنت فوقت يا حبيبي كنت هموت عليك بجد، جاسس بإيه، خوفت اوي احسن تسيبني أنتَ كمان. 


قالت جملتها الأخيرة بصوت متحشرج، وهي تحاول أن تمنع بكاءها أمامه، لكنها فشلت فبدأت دموعها تسيل فوق وجنتيها بغزارة،  تقسم أنها في تلك اليومين بكت بكاء يكفيها لسنوات طويلة قادمة. 


نبرتها المرتعشة القلقة، وهيئتها الباكية الحزينة هما اكثر شيئان أحزنوا قلبه وآلموه بشدة، رد عليها بصوت متعب، لكنه كان قوي واثق كعادته خرج منه بصعوبة فهو مازال لم يُشفَى بعد


:- متقلقيش يا حياة عمر كلها، مش عاوزك تعيطي ولا تخافي تاني طول ما أنا جنبك وقولتلك أن عمري ما هسيبك أصلا. 


حركت رأسها إلى الأمام بهدوء، لم تنكر أن كلماته طمأنت قلبها كالسحر، كانت تنتظره أن يخبرها بتلك الكلمات حتى تهدأ ويهدأ قلبها الخائف، ابتسمت بهدوء ابتسامة هادئة، لكنها أسرعت تتحدث بلهفة عندما رأته يحاول أن ينهض ويعتدل في جلسته


:- استنى يا عمر متتحركش خالص عشان خاطري لغاية ما الدكتور يجي هو الأول.


انهت حديثها وقامت بضغط فوق الزر الموصل للطبيب مباشرة، فهي تخشى أن يصيبه أي شئ سئ بعد أن استعاد وعيه. 


ابتسم عمر في وجهها بثقة كأنه يخبرها أنه اصبح بخير لا تقلق عليه، فالشئ الوحيد الذي يتعبه هو رؤية الخوف في عينيها. 


سريعا ما أتى الطبيب ودلف العرفة ثم بدأ في فحصه تحت انظارها التي لم تطمئن بعد، بعدما انتهى أردفت تسأله من قبل أن يتحدث 


:- ها يا دكتور طمني عليه هو بيقول أنه بقي كويس


اومأ لها الطبيب برأسه إلى الأمام، ورد يجيبها بعملية 


:- ايوة الحمدلله هو بقي كويس اتطمني، محتاج بس يرتاح عشان ميتعبش، وأنا هبعت ممرضة حالا تتابع معاه. 


انهي حديثه وخرج يطمئن تامر الذي كان يقف على الباب ينتظر خروجه بنفاذ صبر وقلق شديد ينهش في قلبه.. 


لم يمر سوي بضع دقائق حتي دلفت احدي الممرضات وبدأت تعلق له المحاليل وتعتني به..


وجدت تامر  يدلف الغرفة واقترب من عمر يسأله بقلق شديد 


:- إيه يا عمر عامل إيه دلوقتي حاسس بحاجة؟ 


اومأ له عمر برأسه إلى الأمام، وأردف يجيبه بهدوء 


:- لأ أنا كويس متقلقش أنتَ، شكلك تعبان أنت كمان زي آلاء خدها وروحوا ارتاحوا شوية وأنا بقيت كويس كدة كدة. 


أسرعت تحرك راسها يمينا ويسارا نافية، و تحدثت بتصميم وإصرار 


:- لأ يا عمر أنا مش هروح ومش هدخل البيت غير لما تروح معايا أنتَ كمان.


كاد أن يرد عليها ويقنعها بالذهاب، لكنها قاطعته بإصرار معترضة 


:- عمر عشان خاطري متضغطش عليا أنا مش هقدر اروح البيت غير لما تيجي معايا، خليني كدة جنبك. 


اومأ لها برأسه إلى الأمام بعدما رأى إصرارها وحالتها القلقة، ثم بدأ بتحدث مع تامر ويطمئنه عليه عندما شعر بقلقه هو الآخر..


❈-❈-❈ 


في الصباح... 


دلفت احدي الممرضات الغرفة، لكن تلك الممرضة كانت ليس التي أتت في المرة السابقة، كانت تتطلع نحو عمر بلا حياء أو خجل تطالعه بجراءة شديدة.


فقد لاحظت آلاء نظراتها المعلقة عليه منذُ أن دلفت الغرفة اقتربت منه وعلقت بعض المحاليل الطبية كل ذلك تحت انظار آلاء التي كانت ستموت غيظا بنيران الغيرة المشتعلة داخل قلبها، ثم اقتربت منه وكادت ان تقرب اكثر بحجة أنها ستساعده في اعتدال جلسته، لكن قبل ان تلمسه قد صاحت آلاء بها بغضب عارم بعدما وصلت لأعلى ذروة في غضبها 


:- اسـتـنـى هـنـا.


طالعتها الممرضة بدهشة، لكن آلاء لم تهتم لنظراتها قد رفعت سبابتها في وجهها بتحذير، وتابعت حديثها بحدة وغيرة بالغة، وهي تنهض تقترب منها


:- ايدك بقي يا حبيبتي لتوحشك وكفاية كدة أوي، شغل النظرات والتسبيل دة يتلم شوية ياريت، أنا اللي هساعده يقعد اقفي شوفي بعمل صح ولا غلط، ومتجيش تاني بعد كدة ابعتي اي واحدة تانية. 


نظرت الممرضة ارضا بحرج من حديثها، لم تتوقع ان تحدث معها هكذا، اقتربت آلاء من عمر الذي كان يطالعها ويطالع غيرتها وهو يبتسم ثم بدأت تساعده.


خرجت الممرضة وهي تنوى ألا تدلف اليهما مرة أخرى بعد حديثها معها، باردت آلاء تتحدث مع عمر بضيق وغضب 


:- على فكرة دي بنت قليلة الادب والله مش عارفة ازاي شغالة في مستشفي محترمة زي دي. 


رد عليها بهدوء وهو يحاول كبت ضحكته بصعوبة شديدة؛ بسبب هيئتها الغاضبة 


:- ما أنتِ علمتيها الادب خلاص مش هتفكر تعمل كدة تاني اصلا. 


تعلم أن حديثه صحيح فبالفعل هي لن تقوى أن تفعل معه هكذا مره أخرى، لكنها عادت تتحدث معه  بعبوس وهي تضم كلتا شفتيها إلى الأمام 


:- بس برضو يا عمر كان المفروض أنتَ كمان تزعقلها على الاقل عشان انا واقفة قدامك حتى مش سايبها وهي عمالة تبصلك كدة. 


طالعها بزُرقة عينيه و شرد في ملامحها الذي يعشقها بشدة، ثم تحدث بهدوء شديد 


:- كنت هتكلم على فكرة ثم اني بحترمك و أنتي واقفة وموجودة  وأنتِ مش موجودة كمان بس أنتِ اتكلمتي على طول مسيبتيش فرصة. 


كادت أن ترد عليه لكنها صمتت عندما رأت جميع العائلة قد آتوا للإطمئنان عليه..


جلس الجميع مع عمر يطمئنون عليه وعلى صحته، ثم خرجوا تاركين آلاء معه؛ لكي يرتاح قليلا، اردفت نغم بغيرة وغيظ و هي تشعر بعدم رضا لوجود آلاء بالتحديد معه 


:- والله اشمعنى بقي ست آلاء اللي تفضل معاه جوة و كله يخرج، هي فاكرة نفسها مين إن شاء الله هي فاكرة أن محدش بيحبه غيرها. 


ردت عليها سناء والدتها بضيق، وهي ترى أن هذا الوقت ليس مناسب قط لـثرثرتها التي بلا جدوى فهي بالكاد تطمأنت على ابنها بعدما كانت على وشك أن تفقده في أي وهلة


:- نغم خلاص مش وقت اللي بتقوليه دة، هي مراته والطبيعي أنه يبقي محتاجلها، وكمان متنسيش أن لما كلنا روحنا محدش فضل معاه غيرها هي واخوكي أنتِ ذات نفسك روحتي، متجيش تقولي بقى اشمعنى هي، وبلاش كلامك دة اخوكي حتى لسة مخرجش من المستشفى عشان ترجعي للي بتعمليه. 


شعرت بالغيظ أكثر من حديث والدتها الذي يُظهر ما فعلنه آلاء في اليومين السابقين، لكنها صمتت ولم تعقب بعدما رأت أن والدتها محقة فهذا ليس الوقت الذي يتناسب مع حديثها وشجارها نهائي. 


اقتربت آلاء من عمر وبدأت تطعمه ثم أعطته دواءه بعناية شديدة، تحدث بعدها يسألها باهتمام

 

؛- شوفي تاكلي إيه أنتِ عشان أنتِ مكلتيش، ولا هتفضلي من غير اكل كدة كتير، بلاش اهمال في صحتك يا لولي. 


ابتسمت بخجل من دلاله لها وقد توردت وجنتيها، ثم ردت تجيبه بخفوت


:- عمر مليش نفس، لما احس إني عاوزة اكل هقولك صدقنـ... 


قطعها مزمجرا بحدة وصرامة وهو يتطلع إلى هيئتها الضعيفة المجهدة 


:- آلاء مفيش الكلام دة، أنتِ مش شايفة شكلك بقي عامل ازاي، اوعي تكوني فاكرة عشان تعبان هسكت واسيبك تعملي اللي بعجبك حتى لو هيضرك أنتِ عاوزة تتعبي ولا إيه. 


ردت عليه سريعا نافية، تصحح ما يتفوه به 


:- لأ طبعا مش كدة يا عمر، أنا بس مش عاوزة اكل دلوقتي مليش نفس، بس خلاص هاكل أهو هطلب اي اوردر. 


اومأ لها إلى الأمام برضا وبالفعل تناولت الهاتف وطلبت لذاتها شئ تتناوله، وهي تبتسم بسعادة على وجوده بحانبها واهتمامه بها الدائم،  تتمنى أن يظل معها طيلة حياتها ولم تُحرم من وجوده معها.. 


 ❈-❈-❈


 استمعت آلاء الى صوت طرقات فوق الباب الخاص بالغرفة، لم يمر سوى ثوانٍ ودلف الظابط الذي جاء من قبل، طالعته بتهكم وعدم رضا وهي تتذكر انه لم يستمع إلى حديثها ولم يعطيها اهتمام عندما اخبرته أن عدي هو الذي فعل بـ عمر ذلك، مازالت تتذكر رده الغليظ عليها وهو يخبرها 


"ألا يجب أن يأخذ بحديثها فهي لم تكن متواجدة أثناء حدوث الحادثة"


تمتمت لذاتها بتهكم ساخر وهي ترفع شفتها إلى أعلى بتذمر 

:- قال مينفعش قال، ليه فاكرني هـ'ـبلة مثلا. 


تحدث الظابط موجه حديثه نحوها باحترام 


:- لو سمحت يا مدام ممكن تنتظري برة لحد ما اخلص مع عمر بيه، عشر دقايق بالكتير و اتفضلي تاني. 


كادت أن تعترض على حديثه بعناد، لكنها رأت عمر وهو يأومأ لها برأسه إلى الامام يشحعها على فعل حديثه، فنهضت وخرجت تاركة إياه معه بمفردهما على مضض. 


وجه الظابظ بصره نحو عمر، وهتف يسأله بعملية

 

:- حمدالله على سلامتك يا عمر بيه، أنا سالم حمدي

الظابط اللي ماسك القضية بتاعت حضرتك، أنا جيت قبل كدة بس حضرتك كنت لسة مقومتش،  ممكن نعرف مين عمل كدة لو شوفته أو شاكك في حد معين يكون هو اللي عمل كدة؟ 


رد عمر يجيبه ببرود كاذبا وهو يعتدل في جلسته


:- لأ انا مشوفتش حد، حتى اللي ضرب ضرب من جزء مش معروف ومش شاكك في حد، أنا مليش اي اعد'اء عشان يحصل كدة. 


طالعه الضابط بعدم تصديق، وتحدث يسأله ثانية بنبرة مغزية 


:- يعني مش عدي السعدني رجل الأعمال هو اللي عمل كدة، زي ما زوجة حضرتك قالت. 


توعد عمر بشدة لـ آلاء وتصرفاتها المندفعة الحمـ'قاء التي لم تخبره بها،  مقررا أن يحدثها في ذلك الامر فكيف لها أن تتصرف من دون أن تنتظره.


عاد ببصره مرة أخرى يتطلع نحو الضابط، ورد عليه بنفي صارم 


:- لأ طبعا، عدي السعدني ملوش يد في حاجة، أنا قولت اللي عندي والمدام كانت أعصابها تعبانة شوية مش اكتر. 


نهض الظابط بضيق من صمت عمر الغير مفسر، لكنه قبل ان يفتح الباب ويخرج طالعه مرة أخرى وتحدث يسأله بهدوء

 

:- لو شاكك في حد يا عمر بيه قولي ومتخبيش عليا حاجة، والقانون هيعاقب اللي عمل كدة، اكيد المدام مش هتقول على عدي كدة لوحدها ولا الاصرار اللي عندها إني اكتب اسمه في المحضر كان جاي من فراغ. 


تنهد عمر بضق وقد شتعل غضبه من تصرفاتها الحمقاء التي تضعه في مواقف مثل هذة، ورد عليه بنفي وإصرار شديد على حديثه 


:- أنا صاحب الشي وبقول أن مفيش حاجة مخبيها عليك ولا شاكك في حد يا حضرة الظابط. 


خرج الظابط وهو يشعر بالغيظ من اجابات عمر الذي من الأكيد انه يخفي عنه شئ، لكن هو ليس في يده شئ يفعله، دلفت آلاء الغرفة مسرعة وتمتمت تسأله بلهفة 


:- ها يا عمر قولتله على عدي صح قولتله ايـ.. 


  لم تقوى على مواصلة حديثها بعدما رأت هيئته الغاضبة بشدة، وقد انتفخت اوداجه غضبا من دون أن تعلم السبب، عيناه مشتعلان يطالعها بنظرات غاضبة حادة تخترق جسدها، وكأنها فعلت شئ خاطئ بشدة، ولكن لم يقوى لسانها على سؤاله اوالاستفسار منه عما فعلته جعله غاضب بتلك الطريقة.. 


"يُتبع"