-->

رواية في غياهب القدر بسمة بدران - الفصل الرابع عشر

 

رواية في غياهب القدر 

بقلم الكاتبة بسمة بدران





الفصل الرابع عشر 

صدمة 2

رواية

في غياهب القدر



وأسيرُ وحدي في الطريقِ كأنني

طِفلٌ تشرّدَ في الحياةِ سنينا

ليسَ الضياعُ بأن أسيرَ بمُفردي

حينًا أرى حُزني، وأضحكُ حِينَا

فلطالما أخفيتُ نبضَ مواجعي

وطويتُها كي لا أعيشَ حزينا 

إن الضياعَ بأن أذوبَ صبابةً

من أجلِ قلبٍ لا يذوبُ حنينَا 

(د/ ماجد عبدا لله)


❈-❈-❈


  تجلس برفقة الطفلتين تلاعبهما وهي تشعر بسعادة كبيرة فإحدى الطفلتان تشبه والدها بشكل كبير وكأنها نسخة مصغرة منه بينما الأخرى تشبه والدتها.

 رغما عنها حملت التي تشبه والدها وراحت تقبل كل إنش في وجهها وكأنها تقبله هو وتغمغم بكلمات العشق من يراها يظنها جنت بالفعل. 

راحت الصغيرة التي تبلغ من العمر عامين تتململ بين يديها وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة وبالفعل تركتها ثم هبت واقفة عازمة على أن تطهو لهما شيئا يسد جوعهما

 ولسان حالها يردد بأنها قريبا جدا ستحصل على والدهما وكذلك فهي أحبتهما كثيرا ولن تتركهما أبدا لوالدتهما.


❈-❈-❈


صدمة شلت جميع حواس الموجودين بالغرفة ولم يتفوه أي منهم ببنت شفه.

 بينما صديقه راحا يتشبث به ويثبته مكانه هاتفا بحدة: اهدى يا عمار اهدى غلط على جرحك يا أخي. ما تحركش دماغك بالشكل ده احنا لسه ما نعرفش إيه اللي حصل لك بالظبط اهدى يا عمار يمكن يكون أسر البنج.

 هزة رأسه نفيا وهو يصرخ بقوة أفزعت الجميع: لا لا لا أنا عارف أنا بقولك إيه أنا مش حساس برجلي ولا بنصي التحتاني يا رؤوف انت فهمني فهمني صح؟

 شعرا الجميع بالحزن والشفقة عليه.

 دنا منه والده بعد أن خرج من صدمته وهو يهتف بروية: اهدى بس يا حبيبي وأنا هناديلك الدكتور حالا أكيد صدقني لسه البنج مأسر.

 أيد الجميع حديث الحاج سعد وهم يتمنون بداخلهم أن ما يقوله هو الصواب وليس شيئا آخر وإلا ستكون كارثة بكل المقاييس وستحط على عائلة هنداوي بأكملها.

 فأردف رامي وهو يركد للخارج: أنا هروح أنادي الدكتور بسرعة يا جماعة بس أنتم ما تخلوهوش يتحرك لأحسن يكون غلط عليه. 

أما عن زينة فقد دنت منه فافسح لها صديقه المجال لتقترب منه أكثر فضمت رأسه بحرص إلى قلبها وراحت تمست فوق ظهره وهي تهتف: ما تخافش يا عمار كل حاجة هتكون بخير اهدى بس انت.


❈-❈-❈


عادوا إلى أرض الوطن وكلهم اشتياق إلى عائلاتهم الحبيبة.

 استقلوا سيارة أجرة متجهين إلى المشفى جلس بجوار السائق بينما زوجته وأبنائه استقلوا الكرسي الخلفي. 

راحا يفكر في كيفية اخبار زوجته بما حدث مع أخيها الأكبر ولكنه فقر ألا يخبرها ويترك الموضوع للمفاجأة.

 لكنه تراجع فزوجته قلبها ضعيف للغاية وربما يؤثر ذلك الموضوع بالسلب عليها وعلى جنينها الذي ما زال في بدايته.

 فتنحنح كي ينتبهوا له هاتفا بهدوء يحسد عليه: عزة حبيبتي أنا عاير أقول لك على حاجة بس عايرك تهدي كده الأول. 

شعرت بوخزة في قلبها وان زوجها يخفي عليها شيئا فسألته بتوجس: خير يا محمد قول على طول الله يخليك أنا ابتديت أقلق.

 هتف دون مقدمات: عمار أخوكي في المستشفى. عمل عمل حادثة بس هو بقى كويس.

 جحظت عيناها في دهشة حتى كادت أن تخرجا من محجرهما وضربت صدرها بقوة هاتفة بصراخ: يا لهوي عمار أخويا حادثة إيه وإيه اللي حصلله؟ 

أرجوك قولي يا محمد وهو كويس بالله عليك؟

 أومأ لها موافقا وأخذ نفس عميق وظفره على مهل ثم راح يقص عليها ما عرفه من والدها وزوج عمتها والأخرى تستمع له بتركيز شديد ودموعها تهطل دون توقف.


❈-❈-❈


بخطوات بطيئة اتجهت إلى غرفته التي نقل إليها حديثا بعد أن دلتها إحدى الممرضات عليها.

ولجت بهدوء فوجدت الجميع يقفون وملامح القلق تطفو على وجوههم والطبيب يفحص عمار الذي كان يهتف بحدة: ها يا دكتور قل لي أنا ليه مش حساس بنصي اللي تحت أكيد في حاجة غلط صح أنا اتشليت يا دكتور.

اطرك الطبيب رأسه في خزي ولم يعقب فاستطرد عمار بصياح: يبقى أنا إحساسي كان صح أنا اتشليت أنا ما عدتش هامشي على رجلي تأني صح؟

خلاص كده هفضل طول عمري عاجز لا أنا كده الموت عليا أهون الديني يا دكتور إبرة هوا بايدك أنا عاير أموت مش عايز أكون عبء على حد أبدا يلا يلا اديني إبرة هوا وخلصني. 

أخذا يردد تلك الكلمة عدة مرات فحاول الجميع تهدئته وبداخلهم حزن عميق لكنه رفض أي مواساة من أحد وصاح بضراوة: اطلعوا كلكم برة مش عايز أشوف حد يلا اطلعوا برة.

 لم يجد الطبيب سبيلا سوى أن يحقنه بإبرة مهدئة كي يرتاح قليلا.

 رفض عمار بشتى الطرق أن يأخذ تلك الإبرة لكن الطبيب ورؤوف ثبتاه جيدا وأعطوها له بالقوة وما هي إلا ثواني حتى غطى في ثبات عميق. 

شعر الطبيب بالارتياح وكذلك رؤوف الذي كان يبكي في صمت كبقية عائلة هنداوي الذين دلفوا للخارج ودموعهم تسبقهم على حال ذلك المسكين الذي سيقضي باقي عمره ملازما للفراش.

 بينما الحاج سعد شعر بأن قدماه لم تستطيعا حمله فألقى بجسده النحيل فوق أحد المقاعد وراح يبكي ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

 لكنه سيذهب إلى الطبيب ويعرف ما الذي أصاب ابنه البكري وهل يوجد طريقة لعلاجه أم لا وان اضطر الأمر سيأخذه إلى الخارج ولن يتركه أبدا هكذا.

 لكن ما لا يعرفه الحاج سعد أن ابنه فقد الأمل في كل شيء حوله وستتحول حياته إلى معاناة قاسية. ستجعل عائلة هنداوي في حالة حزن دائمة.


❈-❈-❈


بعيدا عن المكان الذي يوجد به عائلتها

 جلست فوق الأرضية الصلبة وأسندت ظهرها على الحائط وراحت تنتحب في صمت ودموعها تغشي عينيها.

 لم تصدق ما استمعت إليه فحبيبها وصديقها لم يستطع الوقوف على قدميه مرة أخرى.

 كادت أن تقول ليه يا رب؟

 لكنها تراجعت في آخر لحظة وأستغفرت ربها وراحت تتمتم: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه.

 راحت تعيدها مرارا وتكرارا ودموعها تنساب كالشلال فوق وجنتيها.

 شعرت بأحدهم يجلس بجوارها فمسحت دموعها بكلتا يديها واستدارت إليه فهتفت: وليد!

 أومأ لها موافقا وأردف بحزن: حمد لله على سلامة الباش مهندس عمار يا صَبا والله أنا زالت علشان جدا وعلى الرغم من أني ما بحبهوش وانت عارفة السبب لكن ما أنكرش اني بحترمه جدا.

 صمتت فلم تجد شيئا تقوله له فاستطرد هو: أنا حبيت اجي أقف جنبك في الظروف دي يا صَبا وانتي عارفة قد إيه أنا بحبك ومش هبطل أحبك حتى لو رفضتيني عشر مرات مش هيأس وهفضل أتقدم لك لحد ما توافقي.

 رمقته بتعجب فماذا يقول ذلك الأبله هل هذا هو الوقت المناسب الذي يتحدث فيه عن الزواج وغيره يا له من معتوه.

 فهبت واقفة وهي ترمقا شذرا وهتفت بحدة طفيفة: شكرا على سؤالك يا دكتور وليد شرفتنا ودلوقتي بعد ازنك عشان أروح أطمن على عمار.

 ألقت كلماتها دفعة واحدة وانطلقت باتجاه عائلتها.

 أما عنه فراح يشيعها بنظرات حزينة ممزوجة بالغضب

 فتلك الصبا ستصيبه بذبحة قلبية يوما ما. 

فطوال حياته لم يجد شخصا يحب بلا أمل كهذه الفتاة ربما هذا السبب بالتحديد الذي دفعه لعشقها

 فالوفاء بات عملة نادرة في هذه الدنيا التي نعيشها.


❈-❈-❈


على أطراف أصابعه ولجا واغلق الباب من خلفه.

 دنا بحرص من الفراش الذي يرقد عليه وجلس على عقبيه بجوار رأسه المضمض بالشاش الأبيض وامسك بيده وراحا يبكي بصوت مرتفع ويناجيه بحزن: عمار يا صاحبي يلا قوم أنا عارف لنك استحالة تقبل ان حاجة زي دي تهزمك طول عمرك قوي وكلنا بنستمد منك القوة دي وعشان كده عارف انك مش هتخزلني وتقوم على رجلك تاني وأنا أوعدك اني عمري ما هسيبك وهفضل جنبك لحد ما ترجع زي الأول وأحسن يا صاحبي. 

أسند برأسه على يده وراحا يبكي بشهقات مرتفعة وجسده يهتز بقوة ويتوعد الذي فعل هذا بصديقه بأشد ألوان العذاب.

 فماذا فعل عمار كي يستحق هذا الفعل الإجرامي الذي تعرض له.

 لطالما كان شخصا جيدا مع الجميع

 يعلم أنه ليس ملاك لكنه كان شخصا جيدا.

 هب واقفا كمن لدغته أفعى ومسح دموعه بعنف هاتفا بتصميم: قسما برب العزة لحجيبك حتى لو كنت مستخبي في سابع أرض وهعرف انت مين حتى لو ما فيش أي دليل ضدك ويا أنا يا أنت يا ابن الحرام.


❈-❈-❈


في رواق المشفى تسير بخطوات أشبه بالركض وزوجها وولديها يتبعوها ودموعها لا تتوقف

فناداها زوجها بقوة: عزة مش كده اهدي عشان اللي في بطنك. 

استدارت إليه ترمقه بعتاب وأكملت طريقها وهي تمسح دموعها بأكمام ثيابها كي تستطيع الرؤية. 

دقائق وأبصرت والدها يجلس فوق أحد المقاعد واضعا رأسه بين كفيه وعمتها تجاوره وتمسد فوق ظهره وزينة وغزل ورامي يقفون أمام الغرفة ويبكون في صمت.

 خرج صوتها مبحوحا من شدة البكاء: بابا. 

رفع رأسه عند تعرفه على صوتها وهب واقفا فاتحا لها ذراعيه والتي بدورها ركضت وألقت بجسدها الصغير بين أحضان والدها وانفجرت في بكاء مرير وهي تهتف وسط شهقاتها: عمار جراله إيه يا بابا أرجوك قل لي أنه كويس والله العظيمة ما عرفت غير دلوقتي. 

هتفا والدها بدموع: عارف يا حبيبتي اهدي شوية أنا مش ناقص حد فيكم يحصله حاجة تاني.

 ابتعدت عن حضن والدها وسألته وهي تمسح دموعها: طمني يا بابا عمار كويس مش كده. 

هزة رأسه نفيا وجذبها من يدها لتجلس

 لكن استقبلتها عمتها بعتاب: مش هتسلمي عليا يا عزة ولا إيه؟ 

احتضنت عمتها بقوة: وحشتيني قوي يا عمتي بس اعذريني أنا لسة عارفة من دقايق اللي حصل عشان كده ما شفتش قدامي.

 ربطت عمتها على رأسها في حنو: ولا يهمك يا حبيبتي تعالي ارتاحي محمد قال لنا إنك حامل. 

إنصاعت لأوامر كل من والدها وعمتها وجلست بجوارهم فوق المقعد

 وقررت سؤالها مرة أخرى: عمار عامل إيه؟ 

هتف والدها ببكاء: عمار اتشل يا عزة أخوك مش هيقف على رجله تاني. 

اهتز جسدها وكأنه ضُرب بصاعق كهربائي هاتفة بوجل: إيه اتشل.


❈-❈-❈


لم يتوانى في أن يزف إلى رأيسه ذلك الخبر المفرح ألا وهو ما حدث لعمار هنداوي وما أصابه من مصيبة فلقد علم من العمال الذين يعملون بالمشفى ما حدث له بالتفصيل بعد أن أعطاهم النقود بالطبع.

 هرولة خارج المشفى واستقل سيارة أجر عازما على التوجه إلى منزله الفخم الذي يوجد في أحد الأحياء الراقية بالقاهرة وما هي إلا دقائق حتى اعطا سائق السيارة العنوان والذي بدوره انطلق إلى وجهته المحددة.

 وبعد وقت ليس بالقصير هبط من سيارة الأجرة بعد أن أعطى السائق نقوده.

 وها هو ذا يتجه إلى داخل الفيلا بعد أن سمح له الحارس الذي يقبع بالخارج.

 قرع الجرس الداخلي للفيلا وانتظر ثواني وفتحت له خادمة في مقتبل العمر الباب.

 رمقها بإعجاب سافر ثم سأل عن المكان الذي يوجد به سيدها

 تقدمته للداخل واصطحبته إلى غرفة المكتب ولج واغلق الباب من خلفه فرمقه ذلك الرجل بحدة وكاد أن يوبخه. 

لكن الآخر سبقه هاتفا بسعادة: عمار هنداوي اتشل يا باشا. 

سعادة عارمة غزت خلاياه بعد ذلك الخبر السار.

 فسأله بعدم تصديق: بتقول إيه؟ 

زي ما حضرتك سمعت يا باشا عمار هنداوي اتشل يعني بح.

 لمعت عيناه بقوة وشرد إلى البعيد مغمغما في نفسه عمار هنداوي اتشل يعني ما بقاش له لازمة دلوقتي هيقعد في البيت زي الحريم يا خسارة كان نفسي نلعب مع بعض شوية يا عمار بما أنك مامتش لكن اللي انت فيه ده هيقتلك بالبطيء.

 أخرجه ذلك المجرم من شروده هاتفا بصوته الغليظ: فين الحلاوة بتاعتي بقا يا باشا؟

 رمقه بتعالي هاتفا بقرف: موجودة يا أخويا هتاخدها بس الأول عايرك تبلغ المعلم فكري أني هجيله في أقرب وقت عشان عايزه في حاجة مهمة. 

كاد أن يتسائل الرجل عن هذا الشيء لكن نظرة الآخر الحادة أخرسته فالتزم الصمت ثم استطرد الرجل بكبرياء: وانت كمان تكون موجود أنا شغلي معاك لسه ما خلصش.


❈-❈-❈


ولجا غرفة الطبيب بعد أن سمح له الآخر بالدخول.

 استقبله الطبيب بابتسامة هادئة ثم أشار له ليجلس في الكرسي المقابل له هاتفا بتعقل: خير يا حاج اؤمرني؟

 أجابه الحاج سعد بانكسار: ما يأمرش عليك ظالم يا ابني اسمح لي أنا كنت عاير اعرف إيه اللي حصل لابني بالظبط وهل في علاج ولا لا وهل ممكن يمشي على رجليه مرة تانية؟ 

شعرة الطبيب بالشفقة على ذلك الرجل الطيب فهتف بهدوء: بص يا حاج أولا ما فيش حاجة بعيدة عن ربنا وأكيد احنا مش هنعرف نحدد حاجة دلوقتي غير لما نعمل إشاعات على العمود الفقري اللي واضح من الإشاعات المبدئية انه أضرر جامد هنضطر نعمل أشعة رنين على المنطقة اللي تضررت بالظبط عشان نشوف هل ممكن نركب شرايح ومسامير ممكن تبقى في عملية كل ده هتحدده الإشاعات يا حاج. 

قاطعه الحاج سعد بلهفة: يعني في أمل يا دكتور؟

 أومأ له الطبيب بقوة هاتفا بابتسامة بشوشة: أكيد يا حاج ما فيش حاجة بعيدة على ربنا والأمل دايما موجود وعايزك تعرف يا حاج إن الإرادة نص العلاج ولو ابنك اللي باين عليه أنه شخص قوي وصحته حلوة ما شاء الله ساعدنا بالإرادة صدقني هيرجع يقف على رجله تأني. 

هب الحاج سعد واقفا ومد يده ليصافح الطب الذي بدوره وضع يده في يده هاتفا بامتنان حقيقي: ربنا يطمن قلبك يا ابني وألف شكر وأسف اني ضيعت وقتك. 

منحه الطبيب ابتسامة عذبة: ما تقولش كده يا راجل يا طيب مكتبي مفتوح ليك في إي وقت وربنا يشفيلك ابنك هو وكل اللي زيه. 

أمنا الحاج سعد خلفه وهو يدعو الله أن يأخذ بيد ابنه ويشفيه ويشفي كل مريض.


❈-❈-❈


ليلا أصر الحاج سعد أن يذهبوا جميعهم إلى منازلهم وإنه سيبقى بمفرده مع ابنه.

 لكن أصر رامي زوج غزل أن يبقى معه فوافق على مد.

 وبالفعل انصرفت جميع عائلة هنداوي ما عدا رامي الذي ذهب إلى أحد المحالّ ليبتاع لهم شيئا باردا يشربوه. 

بينما رؤوف ذهب ليطمئن على والدته وسيعود. 

جلس فوق المقعد المقابل للغرفة يقرأ في كتاب الله ثواني واستمع إلى صوت صراخ بالغرفة التي يقبع بها ابنه فصدق واغلق المصحف وهرول باتجاه الغرفة فأبصر ابنه يصرخ بقوة ويلقي الأشياء التي تطولها يده أرضا وهو يصيح: طلعوني من هنا أنا مش عايز أفضل في المستشفى دقيقة واحدة.

 دنا منه والده يهدهده هاتفا بمهادنة: اهدى طيب يا عمار وهعمل لك اللي أنت عايزه.

 صاحا في والده لأول مرة: أنا مش عيل صغير عشان تخدني على قد عقلي بقول لك أنا عايز اخرج من هنا.

 شعر والده بالحزن عليه فهتف باستسلام: حاضر يا ابني نسأل الدكتور ولو سمح لك.

 قاطعه بفظاظة: ما تسألش حد أنا قلت هاخرج النهاردة يعني هاخرج أنا مش هنام غير في بيتي النهاردة سامعني يا بابا؟

 أومأ الحاج سعد موافقا.

 فظفر عمار بقوة لاعنا نفسه فهتف بحزن: ما تزعلش مني يا بابا أنا أعصابي تعبانه أرجوك. 

قاطعه والده بلهفة: ما تقولش كده يا حبيبي

 حاضر هنسأل الدكتور لو الجرح اللي فرلسك صَبا تقدر تغيرلك عليه ومش هيبقى فيه خطورة هنخرج النهاردة حاضر يا بني.

 هز عمار رأسه ببطء.

 بينما الحاج سعد ذهب ليستأذن الطبيب ويخبره برغبة ابنه.


❈-❈-❈


في مساء اليوم التالي.

 يجلسون في المخزن التابع للمعلم فكري والصمت يخيم عليهم فأشعل ذلك الرجل سجارته الفخمة وراح ينفثها ببطء شديد وعينيه معلقتان في الفراغ. 

لم يجرؤ أحدهم أن يسأله ما به

 لكن تلك الحالة أشعرت ذلك الشاب المجرم بالملل فسأله بتطفل: بقول لك إيه يا باشا حضرتك ناوي على إيه بالظبط؟

 احن قاعدين كده بقلنا أكتر من ساعة.

 رمقه بحدة ولم يعقب.

 فازدرد المعلم فكري ريقه هاتفا بروية: هو ما يقصدش يا باشا بس احنا كنا عايزين نعرف نقدر نساعد حضرتك بأيه؟ 

مع ان الموضوع خلص خلاص وابن هنداوي أهو رجع بيته متشال يا حرام زي العيال الصغيرة. 

زفر دخان سيجارته بقوة هاتفا بشماتة: صعبان عليك قوي يعني يا معلم فكري!

 هزا المعلم فكري رأسه نفيا.

 فهتف المجرم: آه بحسب يا معلم فكري وإلا تبقى زي اللي بيقولوا يقتل القتيل ويمشي في جنازته. 

فرمقه الحاج فكري شذرا

 فاستطرد موجها حديثه لذلك الرجل الذي يجلس بغرور وعنجهية لا تليق بالمكان الذي يجلسون فيه: ما قلتش يا باشا حضرتك ناوي على إيه؟ 

ابتسم ابتسامة شيطانية وهتف بحقد وصل إلى من حوله: ناوي على كل خير ناوي اخد منه كل حاجة وأولهم مراته.


يتبع