-->

رواية في غياهب القدر لبسمة بدران - الفصل السادس عشر

 

رواية في غياهب القدر 

بقلم الكاتبة بسمة بدران





الفصل الخامس عشر 

حيرة

رواية

في غياهب القدر






عاد من عمله وهو يشعر بالجوع الشديد.

استقل المصعد وما هي إلا ثواني معدودة حتى توقف المصعد في الطابق الذي يقطن به.

فتح الباب ودلف بخطوات واثقة رغما عنه راحت عينيه باتجاه شقتها وهو يمني النفس بأن تخرج ويراها 

وفي نفس اللحظة استمع إلى صوت بابها يفتح وكأن من تقبع بالداخل قرأت أفكاره

 استقبلته بابتسامة جميلة هاتفة بعذوبة دغدغت جميع حواسه: إستاذ رامي كيفك انت منيح؟

 أومأ لها موافقا فقد أبى صوته أن يخرج من حنجرته مأخوذا بطلتها البهية.

 فقد كانت ترتدي منامة حمراء بالكاد تصل إلى ركبتيها عارية الأكمام وتركت لخصلاتها العنان لتنساب خلفها بروعة وأناقة شديدة ناهيك عن رائحة عطرها التي تسبقها أينما ذهبت.

 فتنحنح بخشونة هاتفا بصوت مبحوح من قوة مشاعره: الحمد لله. 

كادت أن تخرج إليه لكنها توقفت في مكانها عندما أشار لها بيده هاتفا بعنف: انت رايحة فين بالمنظر ده  ادخلي جوه بدل ما حد يشرفك. 

رباه ماذا يقول ذلك الوسيم حقا يغار عليها؟

 لا والله هذا كثير كثير جدا عليها.

 رمقته بنظرات هائمة جعلت الآخر رغما عنه ينظر إلى عينيها الجميلتين. 

ظل يتبادلان النظرات الولهة والمعجبة حتى صدح رنين هاتفه في الأرجاء فزفرا بعنف وأشاح ببصره بعيدا عنها ثم أخرجه من جيب سترته فتنحنح بجدية وضغط زر الإيجاب ووضعه على أذنه هاتفا بحدة طفيفة: أنا قدام الشقة أهو يا غزل.


❈-❈-❈


رددت الاسم خلفه بعدم تصديق: حسام أبو الدهب هو مش أنت اللي كنت عايز تخطب.

 قاطعها بمراوغة: عليكي نور أنا اللي كنت كنت يا مدام زينة بس دلوقتي هي اتجوزت وأنا لسه.

 كادت أن تتساءل عن ماذا يريد منها وما الذي أتى به إلى تلك المنطقة التي لا تليق بهيئته. 

فهتف هو وكأنه قرأ أفكارها: أنا جيت عشانك حابب أتكلم معاكي شوية ممكن؟

 هزت رأسها نفيا.

 فاستطرد هو بمهادنة: طيب بلاش دلوقتي بس توعديني أنك تديني فرصة أتكلم معاكي بجد محتاج أتكلم معاكي ضروري.

 فتحت فمها لتعترض لكن نظراته المترجية جعلتها تبتلع باقي حديثها وتومئ له موافقة.

ثواني وسحب هاتفه من جيب سترته يمده إليها هاتفا بهدوء وثقة: اتفضلي.

 وزعت نظرها بين  الهاتف الذي في يده وبينه ثم سألته باهتمام: إيه ده؟

 أجابها بابتسامة اكتبيلي رقمك امال هلاقيكي ازاي بس يا مدام زينة؟

 ازدردت ريقها بقوة ثم أمسكت الهاتف من يده وراحت تكتب رقمها بيد مرتعشة جعلت الآخر يبتسم في داخله.

 فالآن ستبدأ خطته ويبدأ العد التنازلي للقضاء على عمار هنداوي نهائيا.


❈-❈-❈


على فراشها تجلس تتآكل من الغيظ فحديث والدها وزوج شقيقتها غير مريح بالمرة.

 كيف يتركوه هكذا؟ 

فهي عهدته صلبا قوي يهابه الجميع وهو لا يهاب إلا الله.

 هي تشعر به وبماذا يعاني الآن

 فأخيها قد كسر من الداخل وما هو عليه الآن ليس بالأمر الهين. 

أطلقت صوتا من حنجرتها دليلا على غيظها ثم هبت واقفة عندما آتتها فكرة جهنمية فهتفت بتأكيد: هو صح كده مافيش غيره هيقدر يقنعه. 

بخطوات واسعة هرولت باتجاه خزانتها وسحبت أول شيء رأته أمامها وارتدته على عجالة ثم وضعت حجابها فوق رأسها بإهمال واندفعت للخارج قاصدة مكان عمله وهي تتمنى بداخلها أن يساعدها ويساعد أخيها الأكبر.


❈-❈-❈


فتح عينيه ليلا ثم مد يده بحرص يتحسس مكان زر الإضاءة

 ثواني واضاءة الغرفة وراح يحدق في السقف بشرود فهو سيكون محط نظره دائما وأبدا خلال الفترة القادمة. 

ظل يتأمل النقوش التي في سقف الغرفة وكأنه يراها لأول مرة

ابتسم بسخرية فهو الآن شخصا عاجزا لا يستطيع تحريك قدميه ابتسمة مرة أخرى بمرارة عندما قفزت في ذهنه صورة زوجته الحبيبة.

 إلى متى ستتحمله؟

 وكيف ستصبر وتتأقلم مع حالته الجديدة؟

 كيف سيبثها عشقه الذي لطالما أغدقها به خلال العشر سنوات المنصرمة كيف؟ وكيف سيلبي احتياجاتها كامرأة؟

 كل تلك الأسئلة دارت في رأسه قبل أن يستمع صوت طرقات خافتة فوق بابه يليه ولوج زوجته وعلى وجهها ترتسم ابتسامة هادئة ملقية تحية المساء وهو بدوره ردها عليها باختصار شديد.

 دنت منه بخطوات هادئة وجلست بجواره فوق الفراش تسأله بنعومة: عمار حبيبي عامل إيه دلوقتي أحضرلك العشا؟

 هزة رأسه نفيا.

 ففتحت فمها لتعترض لكنها أغلقته على الفور عندما هتف هو: فين الولاد قلت تروحي تجيبهم النهاردة؟

 أطرقت رأسها أرضا.

 فهتف هو بنبرة ساخرة: آه ما حبتيش الولادة يشوفوا أبوهم وهو مشلول مش كده؟

 انعقد لسانها فهي ماذا ستقول أتقول إن والدتها أخبرتها بما تفوه به للتو ومنعت أبنائها بأن يذهبوا معها

 أم تقول إنها وافقت والدتها على تفكيرها ذاك

 ماذا ستخبره؟ 

قاطع شرودها هاتفا بكلمات اراحتها قليلا: عموما انت عندك حق أنا كمان مش حابب انهم بشوفوني وأنا كده.

زفرت بارتياح فتساءل باهتمام: بابا جاب لي الكرسي المتحرك ولا لسه؟

 هبت واقفة تهتف بسعادة: أيوة جابوا ثواني ع

هجيبهولك عشان تقوم تدخل الحمام وتاخد دش وبعدها أحضر لك العشا وتاخد البرشام اللي الدكتور كتبلك عليه. 

هرولت للخارج قبل أن تستمع منه ردا.

 بينما هو شيعها بنظرات حزينة وهو يتساءل بداخله ما ذنب تلك المرأة أن تعيش برفقة رجل عاجز.


❈-❈-❈


على صــ ـــدره العا ري تنام وهي تر سم دوائر وهمية.

 شعرت بالريبة حياله فسألته بدهشة: حبيبي انت سرحان في إيه؟ 

شعر بالحزن حيالها فهذه زوجته التي يعشقها كثيرا لم يصدق أنه بات مشغولا بأخرى سواها وهي كانت تملك قلبه بأكمله. 

ماذا أيقول كانت!

هذا يعني أنه استطاع أن يدخل امرأة أخرى إلى قلبه لا بل هي التي ساعدته على ذلك

 فلطالما تغار عليه من كل شيء حوله حتى باتت غيرتها تخنقه

 لماذا فتحت لرغد بابها وهي امرأة غير عادية بها كل شيء يتمناه الرجل قدمت حاجبيها.

 قطبت حاجبيها بدهشة عندما لم تجد منه ردا فرفعت رأسها قليلا وهي تعيد سؤالها مرة أخرى: رامي انت معايا؟

 أومأ لها موافقا وراح يداعب فروة رأسها بأصابعه النحيلة هاتفا بصدق: سرحان فيكي يا حبيبتي.

 ابتسمت برضا ثم أسندت برأسها على صدره مرة أخرى وراحت تستنشق عطره وكأنه إكسير الحياة بالنسبة لها. 

بينما هو كان يداعب خصلاتها وهو يشعر بتأنيب الضمير فلمجرد نظره إلى أخرى خيانة كبيرة لتلك التي تقبع بين أحضانه.

 فأغمض عينيه بقوة حتى كاد أن يعتصرهما ولسان حاله يردد: ربنا يستر من الأيام اللي جابة.


❈-❈-❈


أغمض عينيه وفتحهما عدة مرات وهو يراها تدنو منه بخطواتها المتمهلة

 لوهلة شعر بأنه يتخيل لكن صوتها الناعم جعله يوقن أنها حقيقة وليست خيال

 إذ هتفت بلهفة: رؤوف كويس اني لقيتك هنا.

 قطب حاجبيه بدهشة ثم أشار للصبي الذي كان يقف بالقرب منهم أن يتركهما بمفردهما قليلا.

 وبالفعل دلف الصبي للخارج وتركهما فسأل بلهفة لم يستطع إخفائها: عبير انت كويسة حد اتعرضلك ولا حاجة؟ 

طب جوازك الحقير ده.

 قاطعته بسرعة وهي تهز رأسها نفيا: لا لا خالص أنا جيالك بخصوص عمار. 

رفع أحد هاجيبيه وتساءل باهتمام: عمار ليه ماله حصل له حاجة تاني؟

 أجابته بحزن لم تستطع إخفائه: هو فيه مصيبة أكتر من اللي هو فيها يا رؤوف أنا جيتلك مخصوص النهاردة عشان تحاول انك تقنعه يعمل الإشاعات والتحاليل عشان يتعالج عمار رافض العلاج خالص وأنت أقرب حد ليه وبيسمع كلامك طول عمره 

عشان كده حاول معاه عشان خاطري.

 رمقها بنظرات ولها قبل أن يغمغم بصوته الخشن: حاضر يا ست البنات من غير ما تقولي أنا أصلا كنت ناوي اعمل كده بس قلت أديله وقته عشان ما ينشفش دماغه. 

بس عايرك تعرفي أن مجيتك دي عندي بالدنيا وأوعدك اني هعمل اللي هقدر عليه عشان أخوكي أبو دماغ ناشفة ده يتعالج.

 ابتسمت رغما عنها على حديثه العفوي ثم شكرته ومنحته أجمل ابتساماتها.

 أما عنه فقد شعر بان قدميه لا تلامس الأرض من شدة السعادة فمجيئها اليوم إليه يعني شيئا واحد أنها باتت تثق فيه وهذه الخطوة ستمهد له الكثير في الأيام القادمة وهو سيستغلها أحسن استغلال.


❈-❈-❈


وعلى الجانب الآخر تتمرمغ في فراشها وهي تضحك بسعادة.

 فكلما تذكرت نظراته لها اليوم تشعر بفراشات تدغدغ معدتها وها هو يتحقق ما تريد بأقل مجهود منها

 أرادته يراها كامرأة جميلة وها هو ذا يفعل.

 ارادته يفكر بها طوال الوقت وهي على يقين أنه يفعل ذلك.

 فهناك أنواع من النساء تعرف ما تريده جيدا ورغد ليست امرأة عادية بل امرأة شديدة الذكاء ولاكون منصفة تجربتها جعلتها هكذا ذكية حريصة وكذلك حويطة.

 فقد كانت في بداية حياتها فتاة بسيطة رقيقة طيبة القلب تزوجت زواجا تقليديا كأي فتاة عربية أعطت لزوجها كل ما احتاجه لكنه رجل يشبه بعض الرجال خانها بمنتهى القسوة ومع من أقرب رفيقا لها. 

فتحولت شخصيتها مائة وثمانون درجة أصبحت تكره نفسها وتكره جمالها كما أنها تكره أن ترى شخصا سعيدا وكأنها أصيبت بمرض نفسوي.

 أنا لا أبالغ في تحليل شخصية رغد فهناك سيدات شخصيتها هكذا عندما تكون رقيقة وجميلة وطيبة وتتعرض لصدمة تغير حياتها وشخصيتها مائة وثمانون درجة. 

استقامت جالسة وراحت تداعب خصلاتها بأطراف أناملها 

تارة تمشطها وتارة تلفها فوق أصابعها وما زالت تلك الابتسامة الجميلة ترتسم فوق محياها. 

تنهدت بحالمية وغمغمت بنعومة زائدة: يا الله! قديشك حلو يا رامي.

 ألقت بجسدها مرة أخرى فوق الفراش واحتضنت وسادتها وأغمضت عينيها وهي تمني النفس أن تراه في منامها.


❈-❈-❈


بعد أن اطمأنت أنه غطى في ثبات عميق نامت بجواره وهي تنظر إلى سقف الغرفة بشرود

 ثواني وتذكرت زيارتها لوالدتها


 فبعد ما ولجت وألقت السلام استقبلتها والدتها وهي تلوي شدقها بحنق هاتفة بتساؤل: تعالي يا أختي وقولي لي المحروس جوزك عامل إيه؟

 أجابتها باقتضاب وهي تجلس فوق الاريكة التي تجلس عليها والدتها: أهو زي ما هو يا أما. 

مصمصت شفتيها ثم أردفت بسخرية: وهيفضل زي ما هو لحد امتى يعني؟

 هيفضل طول عمره مشلول وانت يا أختي بقى ناوية تشتغليله ممرضة؟

 رمقت والدتها بعدم تصديق هاتفة بدهشة: انت بتقولي إيه يا أما لو ما كنتش هقف جنبه دلوقتي هقف جنبه امتى ده عمار عمار حبيبي وجوزي وأبو عيالي. 

رمقتها بسخط مغمغمة بحدة: يعني إيه يعني؟ 

هتفضلي كده زي البيت الوقفة شغالة عند ابن هنداوي مرمطون يا بت بصي لنفسك في المراية ده أنت حلوة وصغيرة هترضي تعيشي كده.

 ظفرت بحنق ولم تعقب.

 فاستطردت والدتها كالأفعى التي تبخ سمها: عموما يا أختي انت حرة اللي بيشيل قربة مخرومة تخر على دماغه

 بس انتي بتي وأنا عجناكي وخبزاكي يا زينة لو استحملتي النهاردة مش هتستحملي بكرة وابقي افتكري كلامي. 

هبت واقفة كي تتخلص من حديث والدتها السام هاتفة بصوت مرتفع: ليث يا لاتين يلا بينا يا ولاد علشان نمشي.

 قاطعتها والدتها بحدة: تمشوا تروحوا فين يا أختي الواد والبت راحوا يلعبوا مع عيال خالهم مصطفى وهيجيبهملي بالليل

 وبعدين انتي عايزة تاخديهم يشوفو أبوهم وهو متكسح كده عايزة العيال يجلهم حالة نفسية لا يا أختي أنا ما اقبلش ان أحفادي يحصل لهم حاجة

 خدي بعضك انت وروحي م

خليكي جنب جوزك العاجز وأنا يومين تلاتة كده ولا حاجة وهمهد للعيال آه ما هو أنا مش ناقصة العيال يتصدوا. 

صمتت تفكر في حديث والدتها الذي مع شديد الأسف به بعض من الصواب فليس من المنصف أن تأخذ الطفلين وهم لا يعرفون شيئا عن حالة والدهما.

 فهتفت بهدوء: طيب يا أمه خليهم وأنا هاجي كل يوم ابص عليهم ودلوقتي بقى أنا هامشي عشان ممكن عمار يصحا في اي وقت ويحتاج حاجة.

 لوت والدتها شفتيها بسخط ولم تعقب. 

فظفرت الأخرى بحنق واتجهت إلى الخارج.


 استفاقت من شرودها وهي تشعر بشيء غريبا ومرة أخرى قفز في ذهنها لقائها مع ذلك الرجل المدعو حسام أبو الدهب فهتفت بحيرة كبيرة: يا ترى عايز مني إيه يا حسام وايه اللي فكرك بينا بعد السنين دي كلها.


❈-❈-❈


أوصلها إلى منزلها وقلبه يهدر بجنون.

فقرع لها الجرس واستأذن منها بلباقة أعجبتها كثيرا شكرته برقة وهتفت بتأكيد: ما تنساش يا رؤوف مستقبل عمار دلوقتي بين أيديك انت بعد ربنا.

أومأ لها متفهما واندفع للخارج قاسدا منزل زوجها البغيض كي ينهي ما بينهما إلى الأبد فهو قطع عهدا على نفسه ان يكون لهم السند بعدما حدث لرجل العائلة.

 بينما عبير ولجت إلى المنزل بعدما فتحت لها شقيقتها الكبرى عزة وهي تتساءل بلهفة: كنتي فين يا بنتي قلقتينا عليكي

 كده تنزلي من غير ما تقولي لحد كويس ان أبوكي صلى العشا ورجع دخل أوضته علطول ما لاحظش غيابك وإلا كان قوم الدنيا على دماغنا.

 إجابتها باختصار هغير هدومي وارجع احكيلك. 

أومأت لها موافقة وأغلقت الباب واتجهت إلى غرفة المعيشة تنتظرها ريثما تعود وقبل أن تجلس فوق الأريكة شعرت بألم طفيف أسفل بطنها تلقائيا وضعت ١يدها تضغط برقة فوق موضع ألمعا وهي تتنفس بقوة فيبدو أن ذلك الضغط العصبي الذي تعرضت له في الأيام الأخيرة أثر على جنينها بالسلب.

 تنهدت بارتياح عندما اختفى الألم فغمغمت بابتسامة: استحمل يا عمار يا صغير أنا عيزاك تيجي قوي وراجل جدع زي خالك.


❈-❈-❈


فوق أريكته الفخمة يجلس يستنشق سيجارته الفخمة بشراهة شديدة وبيده الأخرى يحتضن إحدى النساء الشبه عارية التي ضحكت بميوعة وهتفت وهي تمسد فوق صدره الصلب: بقول لك إيه يا باشا دي خامس سيجارة تشربها واحنا قاعدين مع بعض وأنا عدم اللامؤاخزة يعني مليش في الدخان.

ضحك بقوة أعجبت تلك التي تقبع بين أحضانه وغمغم من بين ضحكاته: امال ايه يا سوسو؟

 رفعت رأسها حتى باتت أنفاسها تحرق صفحة وجهه وهتفت بإغواء: ليا في الشرب يا باشا اوعى تكون ما عندكش حاجة تتشرب احسن تضرب لنا الليلة.

قرصة خصرها بقوة متوسطة جعلها تتأوه بنعومة اذابته كليا وهتف وهو يطفئ سيجارته في المنفضة الكريستالية الموجودة بالطاولة التي أمامه وهب واقفا يحملها بين يديه وهو يهتف بقذارة: لا ازاي ده أنا البار عندي مليان من كل أنواع الخمور المستوردة يا عسل. 

تشبثت بعنقه وراحت تضحك بنعومة ودلال جعلت الآخر يصعد بها إلى أعلى بخطوات واسعة وهو يمني نفسه بقضاء ليلى مثيرة مع تلك الجميلة

غافل على أن الله يسمع ويرى كل شيء فهذه هي الدنيا الآن.

القليل في ذلك الوقت يتعبدون ويتضرعون إلى الله والكثير يرتكبون المعاصي وكأن الدنيا انقلب حالها.


❈-❈-❈

بخطوات بطيئة يسير باتجاه الباب ليفتحه بعد ما استمع إلى قرع الجرس.

 ثواني وارتد خطوتين للخلف عندما ابصره يقف بجبروت أمام الباب يرمقه شذرا وهو يهتف بحدة: ازيك يا حسن الله معلش ده أنا أيدي طلعت تقيله شويتين بدليل إن انت بقالك كام يوم ما طلعتش برة بيتك.

رفع الآخر حاجبه بدهشة فمن أين علم بأنه يقبع في منزله منذ ذلك اليوم. 

كاد أن يسأله فاستطرد الآخر: انت عبيط ولا إيه فكرني هسيبك كده عشان تهرب لا يا حبيبي أنا موقف تحت بيتك كام راجل حلوين كده عشان ما تروحش هنا ولا هنا قبل ما تطلق عبير. 

ابتسم ابتسامة جانبية ثم وضع إحدى يديه في جيبه ببرود استفز الآخر: معلش يا بشمهندس رؤوف مش هقدر أقول لك أتفضل أصل الوقت اتأخر.

 قهقهة بلا مرح هاتفا بسخرية: ليه يا حلوة خايفة على نفسك من الفتنة عموما يا بيضا ما تخافيش أنا ماليش في الأصناف بطاعتك. 

دنا منه قابضا على تلابيبه وهو يضغط على أسنانه بقوة ويفح من بينها: بكرة الصبح نجيب عبير وعم الحاج سعد والمأمون وتطلقها ورجلك فوق رقبتك يا حسن سمعني.


يُتبع..