رواية ذنبي عشقك - ميرا كريم - الفصل الخامس عشر
رواية ذنبي عشقك
بقلم الكاتبة ميرا كريم
رواية ذنبي عشقك
الفصل الخامس عشر
أنت لا تعلم ما معنى أن يُعاقب المرء نفسه، بترك ما يحبّ .
- دوستويفسكي
❈-❈-❈
استيقظ بوقت باكر كعادته ولكن بمزاج عكر للغاية ملازم له من الأمس بسبب تلك المكالمة الهاتفية وتهـ ديد صاحبها الصريح له، فبعد ان استعد خرج من غرفته وأول شيء فعله هو ان توجه لوالدته ليطمئن عليها وحين وجدها مازالت تغط في سبات عميق أغلق بابها برَوية وسار بضع خطوات قبل خروجه يتطلع لباب غرفة "شمس" القريب فكم يود رؤيتها لعلها تخفف عبء ما يشعر ولكن هي مازالت تتعمد ان تختبأ بغرفتها وتحرمه من دفئ وهجها، تنهد بتثاقل وإن كاد يدير مقبض الباب ليغادر انفتح بابها و تناهى لمسامعه صوتها الرقيق هاتفة:
-استنى لو سمحت
تجمد بمكانه والتفت يُشـ بع شوق عينه العاصـ ية لها بينما هي توترت تحت وطأة نظراته واخذت تفرك بيدها قبل أن يتدارك هو و يزيح بنظره عنها مستغفرًا، لتقول هي بإقتضاب:
-انا كنت عايزة أودي الكتاب لصاحبه بس ماما "ليلى" قالتلي اقولك الأول وانت امبارح اتأخرت
تنهد ولم يجب حتى انه لم ينظر لها، لتتابع هي:
-ممكن اروح قبل ما ماما "ليلى" تصحى
غاب رده ولكن بالأخير أتاها صوته العميق قائلًا:
-عشر دقايق اجهزي وهوصلك
تقلصت معالم وجهها واعترضت مكررة:
-توصلني فين ده المكتبة قريبة و…
قاطعها بنفاذ صبر وبصوت قاطـ ع لا يقبل التفاوض:
-بقوا تسع دقايق...هستناكِ في العربية
قالها وهو بالفعل يفتح الباب ويغادر لتضرب الأرض بحذائها بغيظ قبل أن تلتقط الأوراق والكتاب وتلحق به.
❈-❈-❈
بعد عدة دقائق من الصمت القاتل اوصلها لهناك وقد سلمت الكتاب والورق التي سهرت عليه لأيام ل"معتز"، الذي مدح مجهودها كثيرًا واوكلها العمل على كتاب أخر وقد رحبت بالأمر لعله يلهيها عن التفكير في بؤس مصيرها
فقد سار معها "معتز" لباب الخروج مشجعًا:
-هستناكِ تخلصي قبل الاسبوع ما يخلص
-ربنا يسهل بس متتعشمش ارجعه قبل المعاد زي اللي قبله لأني بصراحة معرفش ظروفي ايه الفترة الجاية
-على العموم براحتك بس لو هتتأخري ياريت تبلغيني معاكِ رقمي مش كده
هزت رأسها ببسمة متحفظة مؤكدة:
-اه معايا و حاضر هبقى ابلغك… عن اذنك
-مع السلامة
ابتسمت بسمة بسيطة متحفظة و تحركت بضع خطوات بعيدًا عنه ليأتيها هتافه بصوت عالي نسبيًا:
-"شمس"
التفتت برأسها ليقول وهو يلوح بيده ببسمة بشوشة واسعة:
-هستناكِ تكلميني
هزت رأسها بحركة مؤكدة واكملت سيرها لسيارة "سليم" الذي أصر على انتظارها كي يعيدها
لتصعد لجانبه وتنتظر أن ينطلق بها ولكنه بقى ساكنًا، لتلتفت برأسها تتسائل ما الخطب ولكن تلجم لسانها حين وجدت عروقه نافرة وملامحه متجهمة بشكل مُرعب للغاية جعلها تتوجس قائلة:
-أنت كويس!
رمقها بنظرة ضيقة واحدة تخفي بطياتها شيء واحد هي مازالت غافلة عنه، ثم رد بإقتضاب قبل أن يُشغل المقود وينطلق بها:
-كويس
❈-❈-❈
منذ أن أخبره ذلك ال"صابر" بمكانها وهو يكاد يجـ ن لا يعلم كيف يتصرف لذلك توجه للقهوة القريبة قاصد " جلال "ذراع" سلطان" اليمين على أمل أن يساعده وفور أن قص عليه الأمر رفض قائلًا:
-مينفعش نروح معاك الظابط ده نابه ازرق ومش سهل وهيحطنا في دماغه وينخور ورانا لو ظهرنا في الصورة
-طب والعمل يا "جلال" أنا كمان خـ ايف اروحله يعلم عليا وانا لوحدي
-متخفش يا نطع انت صاحب الحق أنت تروح وتتكلم وتطالب بأختك ده حقك مش كفاية مغشمك ومقعدها في بيته والله اعلم ايه بيدور بينهم
دافع "صالح " حفاظًا على ماء وجهه رغم شح نخوته:
-لأ "شمس" جدعه ومش هتفرط في نفسها مهما حصل انا واثق في كده
تهكم "جلال" ببسمة هازئة:
-واثق...وماله ابقى اخرس كلام الناس وبالمرة اقنع "سلطان" بكده قبل ما يطير دماغك
تأفف "صالح" بضجر:
-انت بتخوفني يا "جلال" ده انا جاي اقع في عرضك
-عايز رأي
تروح وتعمله سياح قدام بيته وهو اكيد هيخاف من الفضيحة
-وافرض اتغـ ابى عليا ولا خدني رماني في الحبس
-انشف يلا ومتخافش انت صاحب الحق أهم شيء "سلطان" ميعرفش مش عايزين مـ صايب انت عارفه مبيتفاهمش
-مش هفتح بوقي بس انت استر عليا وخليك جدع
-عيب عليك
قالها ببسمة سـ امة والخبـ ث يقطر من عيناه وهو يلتقط خرطوم ارجيلته ويسحب نفسٍ طويل منها ويزفره دفعة واحدة محدث غيمة ضبابية سوف تتلاشى سريعًا مع الهواء مثل ذلك الوعد الذي قطعه.
❈-❈-❈
بعد أن اوصلها غادر لعمله وهو يشتعل من شدة غيظه ينفعل من أقل شيء وتثور ثائرته حتى وإن القى احد عليه تحية الصباح لذلك لم يصمد فبعد مرور أقل من ساعتين ترك عمله وكان في طريقه للمنزل فقد توقف بسيارته وإن كاد ينزل منها لمحها تجلس على رمال الشط القريبة لوهلة تردد في الذهاب لعندها لكن قدميه عصته وقادته لهناك فحين وقف على مقربة منها تحمحم كي لا يفزعها بينما هي كانت شاردة قبل ان تنتبه لقربه منها فقد رفعت نظراتها المتوهجة له في حين هو تسائل مستغربًا:
-قاعدة هنا ليه؟
بررت بتنهيدة مثقلة:
-الدكتورة عند ماما "ليلى" وكنت محتاجة اشم هوا
هز رأسه بتفهم ودهشها حين جلس بجوارها دون حديث، فما كان منها غير أن تظل صامتة ايضًا وتلتهي بالنظر للبحر أمامها
طال صمتهم لعدة دقائق لحين كسره هو:
-كلمتيه زي ما قالك؟
رمشت عدة مرات ثم تسائلت بعدم فهم:
-هو مين؟
تنهد بضيق وأوضح لها:
-صاحب المكتبة
ابتسمت بسمة عابرة ونطقت بأسمه بتلقائية جعلت الدماء تتصاعد لرأسه:
-اه قصدك "معتز"
جز على نواجذه بقوة حين نطقت اسمه امامه وأكد بحركة من رأسه، لتتسائل هي:
-هكلمه ليه؟
قال من بين أسنانه:
-مش هو قالك هستناكِ تكلميني معنى كده ان معاكِ رقمه
أكدت بنية صافية:
-اه حصل ايه المشكلة مش فاهمة
كور قبضة يده وصدر حديثة يحمل بين طياته شك صريح:
-يعني فعلًا معاكِ رقمه ومعاه رقمك وبتتكلموا
هزت رأسها بلافائدة من افتراضه سوء الظن دائمًا ولكنها عاهدت ذاتها ان تسايره لذلك دافعت عن ذاتها دون أن تنفعل:
-مش هفهم سؤالك غلط لتنظر بنصف عتمته وتضغط على كلماتها التالية كأنها تؤكد لذاتها قبله:
-لو ان السؤال مش من حقك اصلًا ومش مجبرة ابرر ليك حاجة بس هوضحلك...أنا فعلًا معايا رقمه بس مكلمتوش ولا مرة هو كان قايلي لو هتأخر عليه في معاد التسليم او حاجة وقفت معايا أبلغه ومحصلش وعلشان كده مكلمتوش وعلى فكرة انا خدت رقمه بس ومرضتش اديله الرقم اللي أنت عطتهولي
أثناء حديثها كان يجول بعينه الضيقة على تقاسيم وجهها يستشف صدق حديثها ودون قصد غلبه شيطانه و وجد ذاته يهيم بها ويسير بعينه على تقاسيمها بداية من خصلاتها المتراقصة مع الهواء وصولًا لعيناها العُشبية الواسعة التي تطالعه الآن بنظرات خجلة حائرة جعلته يزيح بعينه يستغفر لعدة مرات بسره بينما هي تنهدت بقوة تعاند وتتغاضى عن ذلك الصوت الذي يتردد بأحشائها فارة بعيناها منه تلملم غرتها وتضعها خلف أذنها دون حديث فطال الصمت بعدها لحين كسره بصوته العميق الذي يستقر في الأعماق بكل سلاسة:
-تعرفي إني اقتنعت بكلامك بخصوص ريحة البحر
تطلعت له مستغربة ما يتفوه به ليتابع ونظراته ساهمه بعيد عنها:
-كنت مضايق اوي وحاسس إني بقيت احسن بس حقيقي مش عارف ده من تأثير البحر ولا تأثيرك أنتِ
ابتلعت رمقها ورمشت عدة مرات بعيناها مستغربة:
-انا!
وهنا صرخ قلبه يسبق عقله ويكسر قواعده الثابتة:
-اه أنتِ يا "شمس" مش اقادر انكر أكتر من كده
رفعت عُشب عيناها له بنظرة ضائعة متسائلة بعدم فهم:
-تنكر إيه انا مش فاهمة حاجة
نحى عقله جانبًا وصرح مسلمًا:
-أنكر أن وجودك غير فيا حاجات كتير
لم تجد جواب مناسب تنطق به ردًا على حديثه فقد زاغت نظراتها وتعالى وجيب قلبها حين تابع هو بنبرة كشفت بوضوح ما يكنه لها:
-أنتِ النور اللي نور عتمة قلبي يا "شمس" والدفى اللي خلى جليد قلبي يدوب
برقت عيناها تحاول استيعاب ما نطق به حتى أنها ظنت أنه يهيأ لها ولكن حين وجدت عينه تشملها بصدقها هبت من جلستها متلعثمة:
-ايه اللي انت بتقوله ده
انت اكيد مش في وعيك
نهض يلحق بها قائلًا بكل ثقة:
-لأ في وعي ومتأكد من رغبتي
همست وهي لا تستوعب المغزى من حديثه:
-رغبتك اللي هي إيه؟
-اتجوزك…
قالها دون تفكير بصوت مثقول بثقة عارمة جعل كافة حواسها تتأهب غير مُصدقة:
-تتجوزني...أنت بتقول إيه!
أكد بصوت قاطع:
-مش بحب أكرر كلامي مرتين واظن سمعتيني كويس
قالت والحيرة تشـ تت كيانها:
-سمعتك كويس بس مش قادرة استوعب كلامك ولا قادرة استوعب انه طلع منك
تهدلت معالمه وتسأل متوجسًا بصوت مهزوز بعض الشيء:
-ليه؟ للدرجة دي مفهمتنيش وشيفاني وِحش
غامت عيناها وسكنها نظرة عـ جز عن تفسيرها حين أخبرته بصوت صادق مرتعش:
-انت مش وِحش يمكن الأول كنت بخاف منك لكن دلوقتي...
ابتلعت باقي حديثها وكأنها تذكرت شيء عَجزها، بينما هو كان متأهب لباقي حديثها وحين قطعته واشاحت بوجهها تسائل بحيرة يحاول استنباط ماهية شعورها:
-دلوقتي ايه يا "شمس" اتكلمي...
ادارت ظهرها له كي لايقرأ الأمر بعينها ثم بررت بصوت رغم وَهنه ويأسها إلا أنه صدر مفعم بالكبرياء:
-انا طول عمري بحاول اهـ رب علشان اللي حواليا بيفرضوا عليا حاجات انا مش عايزاها ومش هسمحلك تفرض سُلطتك عليا
استنكر اتهامها وعيناه تحثها على تصديقه:
-انا مليش سُلطة عليكِ يا "شمس" ومش هغـ صبك على حاجة أنتِ مش عيزاها بس أنا عايزك تفهمي إني...
كاد أن يُصرح بما يكنه لها ولكنها منعته رافعة يدها تحثه على عدم المتابعة وكأنها تعلم ما كان يود قوله ثم نطقت بقطع تعاند كل شيء واولهم ذلك الصوت الممزق المتردد بأحشائها:
-مش موافقة
تراجع خطوتان مشدوه من قرارها وصعب عليه التفوه بشيء أمام رفضها، لتتابع هي بيأس قد تملك من كيانها:
-مقدرة محاولاتك الكتير في مُساعدتي وهفضل مدينة ليك العمر كله بس صدقني مهما حاولت أهـ رب هتحصل ألف حاجة ترجعني تاني
قالت ما قالته قبل أن تتركه وتهرول في طريق المنزل تاركته مـ شدوه فهي برفضها كمن طـ عنته في صميم قلبه بطعنة غادرة غير متوقعة.
❈-❈-❈
اغنية حالمة بصوت كوكب الشرق أم كلثوم صادرة من ذلك المذياع الصغير المستقر على أحد أرفف المطبخ.
فكانت تقلب بواسطة المضرب السلك ما يحويه الوعاء من مكونات وهي تردد خلف الاغنية بشجن:
-رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا
علموني أندم على الماضي وجراحه
اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه
عمر ضايع يحسبوه إزاي عليّ
انت عمري اللي ابتدي بنورك صباحه
قد ايه من عمري قبلك راح وعدّى
يا حبيبي قد ايه من عمري راح
ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة
ولا داق في الدنيا غير طعم الجراح
ابتديت دلوقت بس أحب عمري
ابتديت دلوقت اخاف لا العمر يجري
كانت مندمجة مع الاغنية وتتمعن بكلماتها التي تتجسد به معانيها وغافلة تمامًا كونه يقف على باب المطبخ يتابعها بخضرويتاه التي يفيض العشق منها فقد تحرك ببطء لعندها ودون أي مقدمات كان يحاوط خسرها ويدفن وجهه بين ثنايا عنقها يستنشق عبقها هامسًا:
-صباح الروقان
لم تتفاجأ به فأصبحت تعتاد طريقته لتدير رأسها ببسمة هادئة وترد تحية الصباح متبوعة بـقـ بلة على وجنته:
-صباح كل حاجة حلوة جميلة زيك
تنهد بعشق وادار جسدها له معاتبًا:
-مش قولتلك مش بحب اصحى وملقكيش جنبي
بررت وهي تخرج من حيز يده تسكب الخليط داخل القالب المخصص له:
-معلش النهاردة اول يوم شغل ليا وحبيت اعملك الكيك اللي انت بتحبه علشان تفطر بيه
مط فمه وهز رأسه ببسمة باهتة لم تصل لعينه، وكونها تعرفه تساءلت باهتمام بعد أن وضعت القالب في الفرن:
-اضايقت ليه؟
رفع عينه لها وقال بوضوح لطالما احترمته وأسر قلبها:
-انا مش ضـ دد شغلك بالعكس انا فخور بيكِ وباللي وصلتيله... بس خلينا نسهل الأمور على نفسنا يا "رهف"
تعلقت بعنقه متسائلة ببسمة هادئة:
-مش فاهمة قصدك ايه؟
تنهد واقترح وهو يحاوط خصرها:
-خليني اجيب حد كويس يساعدك في البيت وياخد باله من الولاد في غيابك
اعتصرت عيناها وفسرت عدم اقتناعها:
-بس انت عارف انا بحب اعمل كل حاجة بأيدي وكمان ماما "كريمة" وعدتنا أنها هتيجي تعيش معانا وهبقى مطمنة على الولاد
هز رأسه بتفهم وقال وهو يخلل يده بين خصلاتها البندقية:
-"كرملة" لو تطول هتشيل الولاد في عنيها بس بتكلم عنك انتِ يا حبيبي كل دي اعباء عليكِ وانا مش عايزك تتعبي وفي نفس الوقت هيبقى عندنا وقت لبعض اكتر و للولاد
حاولت طمئنته كي يعدل عن الفكرة:
-"نضال" انا هعرف اوفق والله متقلقش
أكد بإيجابية تعزز من ثقتها بنفسها:
-عمري ما شككت في قدراتك وعارف ومتأكد انك هتقدري بس علشان خاطري ريحيني انا مش عايزك مضغوطة علطول ومشتتة بين البيت والولاد وشغلك.
تنهدت تحاول أن تقتنع بحديثه ليتابع وهو يهـ يم بها هامسًا بمكر وهو يضع قُـ بلات متفرقة على وجهها:
-انا والولاد اولا بكل لحظة معاكِ
بلاش تعارضي
همست وهي مغيبة تحت وطأة قـ بلاته:
-موافقة بس تكون ست كبيرة وأمينة وموثوق فيها
ابتعد إنش واحد عن وجـ هها يرفعه بأنامله يضع قُبـ لة خاطفة على ثـ غرها متسائلًا بخفة:
-خايفة عليا من الفتنة صح؟
أجابته وهي تكوب وجهه بكفوفها:
-انا بثق فيك بس لازم اخاف مش جوزي حبيبي
نطق بصدق نابع من صميم قلبه المُـ ولع بها:
-اوعي تدخلي الخوف والشك بينا انتِ مالية عيني ومالكة كياني وقلبي لما بِيدق بيدق علشانك أنتِ مش عشاني
تنهدت تنهيدة مُسهدة تنم عن راحة قلبها قبل أن تحاوط خصره وتضمه لها داعية بصدق:
-ربنا يخليك ليا يا "نضال"
وضع قـ بلة على خصلاتها معقبًا:
-ويخليكِ ليا يا حبيبي… يلا بقى مش عايزك تتأخري روحي البسي وصحي الولاد وانا هطلع الكيك من الفرن وهعمل شاي بحليب للفطار
هزت رأسها بأمتنان وخرجت من احضانه تضع قُـ بلة على وجنته
قبل أن تبتعد بخطواتها عنه لينبهها بلطف وبنبرة مشاكسة:
-" رهف" بلاش makeup لو سمحتي... يعني انتِ من غير حاجة بتزغللي وبتنوري في الضلمة
هزت رأسها ببسمة هادئة واحترمت رغبته بكل رضا ليضيف هو:
-وتلمي شعرك يا شحرورة الله يكرمك
ضربت الأرض تحتها واقترحت متهكمة:
-طب ما تيجي تشرف عليا بنفسك
غمز بعينه بشقاوة وقال بنبرة ماكرة وهو يرفع منكبيه:
-موافق جدًا بس انا مضمنش نفسي لو طلعت معاكِ هعمل ايه
شهقت تهرول بعيدًا عنه هاتفة:
-لأ وعلى ايه انا هطلع انفذ اللي قولته بالحرف احسن
انفجر ضاحكًا على تراجعها وظل يتابعها لحين اختفت عن انظاره ببسمة حالمة تفيض فيض بعشقها.
❈-❈-❈
أما عنه فقد هرول خلفها ولكنه لم يلحق بها فقد دخلت غرفتها واغلقت بابها ليزمجر غاضبًا ويدلف لغرفة مكتبه دون أن يلقي حتى السلام على "ميسون" التي كانت تراقب كل شيء والـ غل يأكل أحـ شائها، فكانت "ليلى" تلاحظ ايضاً ما يحدث ولكنها حاولت أن تلهيها في الحديث ولكن هي تسائلت بنبرة سـ امة متهكمة:
-اظن حضرتك ملاحظة اللي بيحصل يا طنط
حاولت "ليلى " تبرير الأمر:
-مفيش حاجة بتحصل يا بنتي تلاقيهم شدوا مع بعض شوية ما انتِ عارفة "سليم"
وهنا لم تتحمل تلك المتلونة وبخت
سـ مها:
-اللي اعرفه ان البنت دي مش سهلة ابدًا و بتتمسكن علشان توقع "سليم "في شباكها
اعترضت "ليلى" على اتهامها:
-البنت طيبة ومش زي ما انتِ فاكرة
-ملهاش تفسير تاني يا طنط وبصراحة مستغربة ازاي توافقي على المهزلة دي
-مهزلة ايه بس ايه الكلام ده يا بنتي!
عقبت والـ غل ينقط من وجهها:
-يظهر انك موافقه يا طنط ومعندكيش اعتراض أن واحدة بسيطة وفقيرة زي دي تشاغل ابنك وتعلقه بيها
-الغنى غنى النفس يابنتي وبعدين "سليم" راجل وميتقلقش عليه هو عنده عقل وبيعرف يميز
هبت تضرب الأرض تحتها قائلة بغيظ:
-لو كان عنده عقل مكنش اتجاهل اهتمامي وقدر مشاعري
واستها "ليلى "بطيبة تجبر بخاطرها:
-كل شيء نصيب وبكرة ربنا هيكرمك بواحد احسن من ابني يعرف يقدرك
اعتلى جانب فم تلك المتلونة وعقبت بغرور وهي تنطر خصلاتها الشقراء خلف ظهرها:
-متأكده من ده... عن اذنك لازم امشي
قالتها قبل أن تغادر تاركة "ليلى" تستغفر ربها وهي مـ ستاءة قلقة على حال ابنها فقد ادارت إطار مقعدها المتحرك بيدها وصولًا لعند باب مكتبه تفتحه وتدلف له متسائلة:
-ايه اللي حصل يا ابني
كان هو يجلس يكوب رأسه بيده لا يستوعب رفضها حين انتشله صوت والدته ليرفع وجهه المتهدل لها وإن كاد يجيبها تناهى إلى مسامعه صوت مشاجرة يأتي من الخارج وتابع له صوت صراخ أحدهم
نهض يتفقد الأمر بينما قالت "ليلى" متوجسة:
-ايه الدوشة دي استر يارب
أجابها وهو يفتح نافذة غرفة مكتبه:
-مش عارف
لتتجمد معالمه وتتوحش نظراته
حين القى نظرة على الخارج واستمع لصوت ذلك المقيت مهللٍ:
-يا "شمس" اخرجي من عندك انا عارف أنك جوة عند الباشا وبستغفليني ومقضياها معاه
وهنا تفاقم غضب "سليم" وثارت ثائرته فما كان يغشاه ويأمل أن يحسب حسابه لولآ رفضها حدث بالفعل...ليخطوا للردهة بخطوات واسعة ينوي ان يفتك به ولكنه تفاجأ بها تقف شاحبة الوجه بارقة العينين...تريث قليلًا قبل أن يقترب يطمئنها ولكن عيناها لم تمنحه الوقت لذلك فكانت تخبره أرأيت ألم أخبرك أن لا مفر من الهرب.
فكادت تفتح الباب لكي تهرول لعند "صالح" تخـ رسه ولكن يد "سليم" كانت رادعة لها وأمره كان نافذاً أمام وجهها:
-مش هتخرجي ليه ومش هتتحركي من هنا
نفت برأسها بهسـ تيرية و غمغمت والخوف ينـ هش قلبها:
-عرف طريقي وحصل اللي كنت خايفة منه ياريتك سمعت كلامي من الأول...سيبني انزل
قال حازمًا وهو يدفعها للداخل:
-انا اللي هنزله وهتصرف معاه
اعترضت هي:
-"صالح" مش هيسكت ومش هتخلص من شـ ره الله يخليك سيبني ارجع معاه واريحك من مشاكلي
نحى كبريائه جانبًا وكرر طلبه متوسلًا:
-وافقي يا "شمس" على طلبي علشان يبقى من حقي احميكِ
نفت برأسها وفرت دموعها مغمغمة بذات النظرة التي يعجز عن فهمها:
-مش هيسبوك في حالك وابقى بورطك اكتر وانت ملكش ذنب
أكد بكل ثقة:
-محدش يقدر يلمس شعرة منك وانتِ في حمايتي خلي عندك ثقة فيا
عقبت بصدق نابع من حـ رقة قلبها:
-انا بثق فيك بس مقدرش اجازف ولا اقدر اخـ سرك
نفى برأسه بعدم اقتناع وصـ رخ بإصرار وهو يدفع بها لأقرب مقعد أمرًا:
-مش هتـ خسري حد غير نفسك وانا مستحيل اقبل بكده
قالها وهو يفتح الباب ويخرج له يدك الأرض تحت قدمه تارك "ليلى "التي كان كل ذلك يدور أمامها تحاول تهدأتها ومواستها ولكن بينها وبين ذاتها كان قلبها يتأكل من خـ وفها على ولدها.
وصل لعنده بملامح وهيئة تنتفض من شدة الغـ ضب وأقل ما يقال عنها انها
مُرعـ بة، تراجع "صالح" خطوتين بعيون زائغة من هيبته الطاغية وقبل أن ينطق بشيء كان "سليم" يجذبه من حاشية ملابسه متسائلًا بنبرة قوية صارمة:
-هي حصلت تيجي تهلل قصاد بيتي يا
كـ لب
ابتلع "صالح "رمقه بحلق جاف ورغم ذلك اتبع نصيحة" جلال" وقال متبجحًا:
-عايز أختي يا باشا اللي انت أنيها في بيتك
زمجر "سليم" وهو يشدد على حاشية ملابسه اكثر:
-جاي دلوقتي بتسأل على أختك بعد ما كنت عايز تقتلها
برر "صالح" مُصر على تبجحه يستغل أحقيته في تقويمها:
-يا باشا مَصارين البطن بتتعارك وانا وهي اخوات وكنت بأدبها
جز "سليم" على نواجذه بقوة وقال بغضب قاتل وهو يؤرجحه بين يده:
-يا واطـ ي بتستغل أنها ضعيفة وملهاش غيرك وبتسـ تقوى عليها
اجابه "صالح "بأنفاس متعالية يقاوم أرجحته له:
-استقوى على مين يا باشا دي كانت هتجيب أجـ لي وفـ تحتلي دماغي
اوعى تكون فاكرها سهلة اختي قوية وعمر ما حد داسلها على طرف غير وأخدت حقها وانا دلوقتي عايزها لمؤاخذة واظن ميرضكش ياباشا الناس تـ خوض في سمعتها وتقول أنها مرفقاك وعايشة معاك في بيتك
وهنا لم يتحمل ولم يشعر بذاته إلا وهو يضربه برأسه بين حاجبيه بكل ما اوتي من قوة ارتد" صالح" للخلف كرد فعل لضربته ولم يتحكم بجسده وسقط على ظهره وانفه تقطر الدماء منها ورغم ذلك مال بجزعه يتفقد انفه ويزيح دمائها بيده هادرًا بما زاد الأمر سوءٍ:
-انا دلوقتي عرفت كنت موصيهم عليا ليه؛ اكيد علشان مخرجش من الحبس ويخلالك الجو مع ال*** اللي متحامية فيك
استوحشت نظراته وزمجر غاضبًا بعد خص ذلك اللعـ ين لها بذلك اللفظ النـ ابي واتهامه المـ شين له فلم يشعر بذاته إلا وهو يركله بقدمه يسطحه على الأرض من جديد وفي لمح البصر كان يشهر سلاحه الملازم له في وجهه هادرًا بنبرة يتطاير منها غضب اعمى:
-اللي انت بتتكلم عنها دي وبتـ خوض في عرضها تبقى اختك يا عَرة الرجالة
ليبصـ ق عليه والشـ يطان يهيأ له أن يتخلص منه للأبد ليرفع "صالح" وجهه الـ مدمي له ويقول بنبرة ترتعش حروفها من شدة خوفه:
-صلِ على النبي يا باشا ايه هتـ موتني وتودي نفسك في داهيـ ة سيبني امشي واخدها معايا ويا دار ما دخلك شر وإذا كان على الفضيحة فأنا هدويها بمعرفتي
لعن ذلك المُخـ نث بصوت جهوري وفي لحظة سيطر الشيطان عليه بالكامل وجد ذاته يلغي عقله ويشدد أجزاء سلاحه يصوبه نحو رأسه، ليصرخ "صالح" مستنجدًا يتخلى عن تبجحه أمام تـ هوره وهو يلعن نصيحة ذلك ال "جلال "في سره:
-باشا إحنا آسفين يا باشا وحياة الغالين بلاش تتهور وأنا هغـ ور من هنا
لم يحرك ساكنًا بل توحشت نظراته أكثر وكأنه تلبسه شيء يجعله يُصر على فعلها لحين انتشله صراخـ ها من غفوته التي نسجها الشـ يطان له وكاد يوقعه في الشرك بسببها…هرولت هي تدفع جسده عن شقيقها:
-هتعمل ايه هتقـ تله أنت اتجـ ننت
لم يجب بل كان عيناه جامدة ونظراته مستـ وحشة بشكل مُرعـ ب للغاية جعلها تبتلع غصتها وتحاول تهدئة روعه قائلة:
-نزل سـ لاحك ارجوك ومتوديش نفسك في داهـ ية هو اه يستاهل الـ موت ألف مرة بس في الأخر اخويا...نزل سـ لاحك وبلاش تتهور الله يخليك...لم يفعل أي ردة فعل لتقترب بحذر تقف أمام فوهة سلاحه دون مهابة مغمغمة ببكاء مرير و بنبرة مرتجفة مزقها الخوف والألم:
-فكر في ماما "ليلى" ومستقبلك
ارجوك بلاش تحسسني بالذنب الباقي من عمري وتقضي على اللي فاضل مني
اهتزت نظراته و استرد تعقله أمام بكائها ثم قبل أن يخفض سلاحه اتاه صراخ "ليلى" من موضعها ترجوه مثلها ليتناوب نظارته بينهم قبل أن يتراجع ويخفض سلاحه ببطء، لتبتسم هي بعدم اتزان من بين دمعاتها وتُصرح بقرارها:
-انا همشي ومش هتشوف وشي بعد كده
نفى برأسه يستنكر ما تفوهت به لتكرر هي بإصرار مقيت:
-انا مكاني معاه مش هنا
رفض التخلي عنها قائلًا:
-أنتِ طلبتي حمايتي وانا متعودتش اخل بكلمتي
نظرت بنصف عتمته بنظرة مُطولة وكأنها تحفظ معالمه ثم صدر حديثها عن عمد كي تشطر قلبه:
-زي ماطلبتها منك… دلوقتي بقولك مش محتاجها ومش من حقك تمنعني
لأول مرة يشعر بالعجز هكذا، فقد تلجم لسانه وتهدلت معالمه وقبل أن يصدر منه أي ردة فعل تدخل "صالح" وهو ينهض يحتمي بظهرها ماسحًا الدمـ اء من أنفه:
-يسلم فُمك يا اختي
التفتت تسند "صالح"ودون أضافة المزيد كانت تستسلم وتكاد تسير معه بينما "صالح" ابتسم باستفزاز مقيـ ت وقال شامتًا:
-قولتلك يا باشا إحنا اخوات واللي داخل بينا خارج
زمجر "سليم"غاضبًا ولأول مرة يتجرأ ويتمسك برسغها كمحاولة أخيرة منه في ردعها لتتجمد بأرضها ترفع عشبتيها التي احترقت من شدة بكائها تطالعه برجاءِ خفي كي يتركها بينما هو كان يشعر بروحه تنسلت منه مع نظراتها حتى ان عيناه اخبرتها بكل وضوح ما يكنه لها وترجتها بنظراتها ولكن كان رد فعلها أنها أنزلت يده وسارت في طريقها تصمم على فراقها.
يتبع...