-->

رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران الفصل 17

  

رواية في غياهب القدر 

بقلم الكاتبة بسمة بدران

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى







في غياهب القدر


قصه ورواية من قصص وروايات الكاتبة بسمة بدران


الفصل السابع عشر



لقاء.

 

 

"سأظل طولَ العمر بابَك أقرع ..

يا خير من لي يستجيب ويسمع

 

أنت الذي يَقضي الحوائجَ كلها ..

أنت الذي يعطي العطاءَ ويَمنع

 

فإذا وهَبْتَ فذاك فضلٌ سابقٌ ..

هذا الذي أرنو إليه وأطمع

 

وإذا منعتَ فأنت ربي خالقي ..

حاشا يداي لغير جودك ترفع

(ابن القيم)

 

--

 

 

بعد أن أنهت صلاة قيام الليل طوت سجادة الصلاة ثم خلعت إسدالها وجلست فوق فراشها تقرأ ما تيسر لها من آيات الذكر الحكيم.

 وبعد وقت ليس بالقليل أغلقت مصحفها الشريف ثم وضعته فوق المندضة المجاورة لها وتمددت فوق فراشها.

رغما عنها تذكرت هيئته المزرية التي هو عليها الآن فنزلت دموعها في صمت فما أصعب أن تجد شخصا تحبه في أزمة كبيرة كهذه

 وعمار ليس محبوبها فحسب بل أكثر من ذلك بكثير لا تعرف لماذا ذلك الرجل بالتحديد لما تعلق قلبها الصغير به مذ كانت طفلة صغيرة

 كل ما تعرفه أنها عندما عرفت معنى كلمة حب كانت من أجله هو.

 هو معذبها عمار هنداوي ابن خالها حاولت نسيانه كثيرا لكن لم تستطيع وكأن لعنه حبه ستظل تصاحبها أينما ذهبت وبعد إن فشلت في نسيانه أقسمت على نفسها بألا تعطي لأي رجل مكانه في قلبها حتى لو بقيت هكذا طوال عمرها.

تعلم أن ذلك ليس من حقها فلوالديها عليها حق لكن ماذا عساها أن تفعل وقلبها معلق به حد الموت.

 دعت الله كثيرا أن يخرجه من قلبها وعقلها لكن كلما دعت الله وتضرعت إليه يزداد حبه في قلبها وكأن الدعوة تأتي معها بالعكس فقررت أن تظل تعشقه وليحدث ما يحدث لكن هل يا ترى ستستمر صَبا في ذلك العذاب أم للقدر رأي آخر.

 

--

 

 

في صباح اليوم التالي

يجلسون فوق مائدة الإفطار في صمت شديد قطعه الصبي فهد الذي شعر بالملل من صمتهم هذا فهتف بنفاذ صبر: هو فيه إيه يا جماعة ملكم ساكتين كده ليه؟

أجابته الصغيرة فريدة ببراءة أذهلت جميع الموجودين: انت ذكي قوي يا فهد أكيد طبعا زعلانين على اللي حصل مع خالو عمار.

ابتسما الجميع رغما عنهم فمسد الحاج سعد فوق خصلاتها القصيرة بحنو شديد هاتفا بإعجاب: بسم الله ما شاء الله يا فريدة زكية ونبيهة زي جدتك الله يرحمها.

الله يرحمها.

تلك الكلمة البسيطة هتف بها الجميع خلف الحاج سعد الذي هتف موجها حديثه لزوج ابنته: معلش يا محمد بعد ما تخلص فطار عايزين نطلع نطمن على عمار ونشوف أخبار الكرسي المتحرك معاه إيه.

أومأ الرجل الطيب في صمت

كاد أن يتحدث مرة أخرى لكن قطعه صوت رنين جرس الباب فهبت عبير واقفة وهي تنفض يدها: خليكم قاعدين أنا شبعت الحمد لله وهفتح الباب.

وما هي إلا ثوان معدودة كانت تقف أمامه ترمقه بابتسامة بسيطة أعجبته كثيرا فتنحنح بخشونة هاتفا ببحته المميزة: صباح الفل يا ست البنات.

توردت وجنتيها خجلا ورددت تحية الصباح بصوت ناعم ثم أفسحت له الطريق ليلج.

سار بخطوات واثقة باتجاه غرفة المعيشة فأبصرهم جميعا يتناولون فطورهم وعندما أبصره الحاج سعد هب واقفا يرحب به بحفاوة هاتفا باسرار: يلا حماتك بتحبك الله يرحمها.

رفع كلا حاجبيه بدهشة مغمغما: الله يرحمها وأنت ايش عرفك يا حاج سعد انها ميتة ما يمكن عايشة.

هزة رأسه نفيا مردفا بإصرار عجيب أذهل الموجودين: لا أنا بقول لك الله يرحمها واحمد ربنا انها ماتت وإلا كانت حتنكد عليك عيشتك اسألني أنا يا ابني.

قهقها الجميع على مزحة الحاج سعد البسيطة ثم أعاد حديثه مرة أخرى: يلا يا رؤوف اقعد كلك لقمة.

هز رأسه نفيا هاتفا بهدوء: بألف هنا يا عم الحاج أنا جاي لك علشان عايزين نروح مشوار مهم.

رمقه بدهشة سائلا إياه باهتمام: مشوار إيه ده يا ابني؟

أجابه بهدوء: نروح نطلق عبير من الزفت اللي اسمه حسن نهائيا وأنا اتفقت مع المأزون انه هيكون هناك بعد نص ساعة عشان كده يا عم الحاج يلا قوم ما فيش وقت.

ابتسم الحاج سعد بداخله فما توقعه كان صحيحا مائة بالمائة وذلك الشاب الخلوق مغرم بابنته.

اتسعت ابتسامته والتي زادته بشاشة هاتفا بتأكيد: هغير هدومي وهنزل معاك مع اني كنت عاير اطلع أطمن على عمار الأول.

قاطعه بتأكيد: ما تقلقش أنا سبقتك وطلعت اطمنت عليه ولقيت الكرسي المتحرك فارق جدا معاه يلا بقى يا حاج ما فيش وقت.

ثم استدار مواجها حديثه لعبير التي انقبض قلبها بعد تلك الكلمات فيبدو أنها ما زالت تخشى زوجها فهتفت بتلعثم: حاضر. ثواني وهكون جاهزة.

منحها ابتسامة هادئة ونظرات مطمئنة جعلتها تركض إلى غرفتها وهي تشعر بالأمان نوعا ما.

بينما الحاج سعد اتجه هو الآخر إلى غرفته وبداخله شعور بأن الله سيعوض على ابنته خيرا.

 

--

 

أمام مرآته الكبيرة التي تعلو طاولة ألزينة يقف يهندم من حلته السوداء.

وضع رابطة العنق حول عنقه وتركها مفتوحة فهذه مهمة زوجته

وما هي إلا ثواني حتى شعر بأنفاسها الحارة تحرق عنقه من الخلف.

استدار إليها يقف أمامها. فتولت هي مهمتها وسرعان ما أتمتها على أكمل وجه ابتسمت له بهدوء هاتفة بفخر: أي خدمة عملتها لك على شكل فراشة شكلها تحفة بذمتك ودينك ما بيسألوكش في الشغل مين القمر اللي رابط لك الكرافتة؟

منحها ابتسامة جميلة ثم أومأ لها موافقا وانحنى بجسده طابعا قبلة عميقة فوقة جبينها وكأنه بتلك القبلة يعتذر لها عن تفكيره لأخرى في الليلة المنصرمة

ثواني وابتعد عنها ثم التقط بكفها الصغير بين كفه الضخم ودلف سويا للخارج يتناولان وجبة الإفطار

وضعت فنجان القهوة خاصته أمامه ثم راحت تأكل بشهية مفتوحة بينما هو امسك بفنجان القهوة وارتشف منه رشفة صغيرة ثم باغتها بسؤاله. مردفا بهدوء: غزل انت لسة بتحبيني؟

رفعت كلا حاجبيها المنمقين هاتفة بعدم تصديق مجيبة على سؤاله بسؤال: إيه اللي انت بتقوله ده يا رامي!

ارتشف رشفة أخرى من فنجانه ثم هتف بتأكيد: ما تجاوبيش على سؤالي بسؤال وجاوبيني انت لست بتحبيني؟

انتظرته ريثما يضع فنجانه ثم احتضنت ظهر يده بكفها الدافئ هاتفة بصدق أصاب قلبه بالحزن: أيوة طبعا يا رامي وكل يوم بعيشه معاك بحبك أكتر من اليوم اللي قبله.

ابتسم لها باتساع ثم ربط بيده الأخرى فوق يدها التي ما زالت تتمسك بيده وغمغم بصدق: وأنا كمان يا غزولة يا حبيبتي كل يوم بيعدي بحبك أكتر من اليوم اللي قبله.

ضحكت بسعادة ثم هبت واقفة واستدارت إليه تجلس فوق ساقيه وتطعمه بيدها وكلما وضعت شيئا في فمه تعطيه قبلة صغيرة كمكافأة له.

أما عنه فقد أعجبه ما تفعله كثيرا لقد كانت تدلله كما تدلل أبنائهما لعن نفسه آلاف المرات وعزم على عدم انجرافه خلف مشاعره الهوجاء وأن يبقى فقط لزوجته وأبنائه.

لكن هل يا ترى هذا  ما سيحدث؟

سنعرف خلال الاحداث القادمة

 

--

 

شعرة بالراحة نوعا ما فذلك الكرسي المتحرك جعله يتحرك بأريحية أكثر عوضا عن رقدته بالفراش التي أشعرته باليأس من كل شيء حوله

 ابتسما بمرارة على الحالة التي هو عليها الآن فهو في نظر نفسه يشبه النساء اللاتي لا نفع منهن يلازم المنزل باستمرار.

 إنسابت دمعة يتيمة من جانب عينيه فمسحها على الفور بعنف عندما أبصر زوجته تدنو منه وهي تحمل صينية مستديرة الحجم يوضع عليها فنجان من القهوة وبعض الشطائر

 فجلست وراحت تعطيه فنجان القهوة بحرص وهي تبتسم برقة ثم هتفت بهدوء: بألف هنا وشفا يا حبيبي عملت لك فنجان قهوة إنما إيه تحفة.

 منحها ابتسامة صغيرة والتقط منها كوب القهوة وراح يرتشف منه ببطء شديد وهو يصدر صوتا من فمه دليلا على تلذذه بطعم القهوة.

ثواني وناولته إحدى الشطائر فسألها باهتمام: أخبار الولادة إيه وحشوني قوي يا زينة روحي جيبيهم بقي.

 ابتلعت ريقها بصعوبة ثم أردفت بتلعثم: حاضر يا عمار بس لازم نمهد لهم الأول الولادة صغيرين مش هيستحملو الصدمة دي.

 أومأ لها موافقا.

 فاستطردت وهي تربط فوق منكبه بمؤازرة: ما تقلقش يا حبيبي أنا طلبت من ماما تجيبها لهم كده واحدة واحدة ليس طبعا هيفهم لكن لاتين لا بس مش مشكلة هتاخد على الوضع وأنت إن شاء الله تتعالج وتبقى زي الفل مش كده يا عمار؟

قاطعها بحدة: لا مش كده يا زينة أنا مش هتعالج مش هعلق نفسي بأمل ويطلع كداب انت سمعاني أنا مش هتعالج.

صرخت قبالته هي الأخرى: يعني إيه مش هتتعالج يا عمار انت عجبك وضعك كده هتفضل يائس عاجبك انك تقعد على الكرسي كده طول عمرك.

 صاح بضراوة بعد أن تلبسه شيطان كبريائه: أيوة مش هتعالج يا زينة وأنا عاجبني اللي أنا فيه ولو مش عاجبك تقدري تمشي والباب يفوت جمل.

انعقد لسانها بعد ما تفوه به للتو فرمقته بعتاب واتجهت إلى غرفة أبنائها.

بينما هو شيعها بنظرات حزينة ثم ألقى فنجان القهوة أرضا وراحا يبكي بصوت مرتفع كطفل صغير ولسان حاله يردد كعادته في الآونة الأخيرة: ليه يا رب؟

 

--

 

 

يجلس برفقة شقيقته يتناقشان حول أمر زواجه حيث هتفت تسنيم بإصرار عجيب: وبعدهالك بقى يا وليد لحد أمتي هتفضل كده ما تتجوز بقى وانسى صَبا واحدة رفضتك مرة واتنين وتلاته يا أخي خلاص بقى .

 أجابها بنفس الإصرار: أنا مش هتجوز غيرها يا تسنيم أنا ما اتعودتش أعوز حاجة وما اخدهاش و صَبا دي أكتر حاجة تعبتني في حياتي علشان كده أنا هافضل وراها لحد ما توافق.

 هبت واقفة تصيح بعنف: وافرض ما وافقتش.

 وضع ساق فوق الأخرى وهو يهتف بثقة تليق به كثيرا: هتوافق هتوافق يا تسنيم بس أنا هحتاج منك مساعدة.

وضعت كلتا يديها في خصرها مردفه وهي تهز رأسها بعنف: لا لا لا ما ليش دعوة بحواراتك دي أنا اتكلمت معاها قبل كده وكسفتني أنا ما عنديش الصبر اللي عندك ده يا عم حل مشاكلك بعيد عني.

رفع أحد حاجبيه بدهشة معقبا على حديثها: كده يا تسنيم عايزة تسيبيني لوحدي في نص الطريق هي مش دي صحبتك؟

 كانت كانت صحبتي يا وليد أيام الجامعة بس بعد كده كل واحد فينا شاف حياته أنا اتجوزت وهي اشتغلت علشان كده بتقول لك أنا كلامي معاها مش هيجيب نتيجة صدقني.

 هز رأسه نفيا مغمغما بتأكيد: هيجيب نتيجة يا تسنيم خصوصا لو نفزتي الكلام اللي هقول لك عليه.

 جذبها من يدها لتجلس مرة أخرى وأردف باهتمام: اسمعيني بقى وركزي في كل كلمة هقولهالك.

وراحت تنصت إليه بتركيز شديد وبداخلها تتمنى من الله أن يريح قلب شقيقها.

 

--

 

وفي نفس التوقيت وبالتحديد منزل حسن زوج عبير

 تجلس بجوار والدها حتى تكاد تلتصق به وهي تشعر بالخوف الشديد من نظراته التي إذا كانت تقتل لوقعت صريعة في الحال

كان يرمقها بنظرات عدائية لم ترى مثيلا لها من قبل.

 قبض على يده بقوة عندما أبصر حالتها تلك فسلط عينيه في عين المدعو حسن يحذره فشعر الآخر بالخوف الشديد واطرق رأسه أرضا بعد أن أشاح ببصره عنها.

 ثواني وهتف المأذون سائلا إياها بتأكيد: قولي لي يا بنتي ما بتفكريش ترجعي عن اللي في دماغك؟

 هزت رأسها نفيا وهدرت بعنف: لا يا عم الشيخ أنا عايزة اطلق منه نهائيا.

 وجه حديثه لحسن: وانت يا ابني ما فيش أمل إن أنتم تعيشوا مع بعض مرة تانية؟

 أشاحها ببصره بعيدا عن المأذون ولم يعقب.

 فهتف رؤوف بقوة أفزعت الموجودين: لا احنا اتكلمنا في كل حاجة قبل ما حضرتك تيجي يا عم الشيخ -من فضلك-  خلص بقى الموضوع ده احنا ورانا أشغال.

 قاطعه المأذون بحدة طفيفة: يا ابني أنا ما وجهتلكش كلام أنا بوجه للزوج احسن يكون مجبور على حاجة -لا سمح الله-  وده ما ينفعش.

 رمقه رؤوف شزرا بنظرات ثاقبة بالتهديد مما جعلت حسن يهتف بغل: أنا موافق على الطلاق يا حضرة المأذون.

وما هي إلا دقائق حتى أنهى المأذون عمله وهو يغمغم: لا حول ولا قوة إلا بالله.

 أوصله رؤوف إلى الباب وكأنه صاحب المنزل ثم استدار عائدا حيث يجلسون وهتف بجدية: كده مهمتنا خلصت يلا بينا يا عمي الحاج وانت يا عبير مالك خيفة كده ليه خلاص الكابوس اللي انت كنتي فيه خلص وصحيتي منه على خير الحمد لله يلا هم وانزاح.

 أومأت مؤكدة على كلامه غافلة عن الذي يرمقها بنظرات مشتعلة وبداخله يقسم أنه لن يمرر فعلتهم هذه على خير وسيقلب الدنيا على رؤوسهم كما أنه سيلقن ذلك المتعجرف رؤوف درسا قاسيا لن ينساه أبدا في حياته.

 

--

 

قررت ألا تذهب إلى عملها اليوم وتجلس في المنزل فهي ستذهب إلى معشوقها وتبدل له ضماضات جرحه وستستغل الفرصة لتتأمله في صمت كعادتها.

وها هي ذي تقف أمام شقته تقرع الجرس وما هي إلا ثواني حتى فتحت لها زينة الباب وهي ترمقها شزرا

 وضعت كلتا يديها في خصرها هاتفة بترحاب مبالغ فيه: يا أهلا يا أهلا يا أهلا ب صَبا ست البنات.

أومأت لها ولم تعقب.

 فأفسحت الأخرى لها الباب لتلج وهي ما زالت ترحب بها بطريقة أزعجت صَبا كثيرا.

 سألتها باختصار: عمار فين؟

 في اوضة المعيشة.

 قالتها وهي تشير على إحدى الغرف.

سارت صَبا بخطوات رزينة تتبعها زينة في الاتجاه التي الذي أشارت إليه قبل قليل شعرت بوخزة في قلبها عندما أبصرته يجلس فوق الكرسي المتحرك فألقت تحية الصباح بصوتها الناعم ذو البحة المميزة جعلته يرفع بصره وينظر إليها وهو يردد تحية الصباح خلفها.

 دنت منه على استحياء وسألته بلهفة لم تستطع إخفائها: عامل إيه دلوقتي يا عمار؟

 أجابها بصوت خالي من الحياة:  مافيش جديد يا صَبا أنا زي ما أنا تعالي غيري لي على الجرح.

 قطعت المسافة الفاصلة بينهما ثم هتفت موجهة حديثها لزينة: هاتي الشاش والقطن والمطهر يا زينة من جوه.

رمقتها بسخرية ثم ذهبت لتنفذ طلبها.

بينما الأخرى راحت تتأمله بوله مستغلة شروده المستمر ونظره إلى نقطة وهمية طوال الوقت غافلا عن امرأة كادت أن تفني حياتها من أجل إسعاده.

وما هي إلا ثواني معدودة حتى قطعت تأملها به هاتفة بحدة طفيفة: اتفضلي اللي طلبتيها.

 التقطتهم منها صَبا وراحت تقوم بعملها بخفة وجدية شديدة

والأخرى تتابعها وهي تصك على أسنانها بغضب

كادت أن توبخها لكنها استمعت إلى صوت نغمة الرسالة يصضح من هاتفها بالداخل فهرولت على الفور لتتعرف على هوية المرسل.

 

--

 

على قارعة الطريق يقف يتلفت يمينا ويسارا

 فقد طلب منه سيده أن يقف في تلك المنطقة ويراقب زوجة عمار هنداوي وعلى الرغم من أنه يرى نفسه أكبر من ذلك لكن لم يجد سبيلا سوى تنفيذ أوامر ذلك الرجل فهو يغدقه بالمال الوفير.

شعر بأحد يضرب على منكبه من الخلف بخفة فاستدار إليه عازما على توبيخه لكنه اغلق فمه على الفور عندما تعرف على هويته وما كان هذا سوى المعلم فكري الذي هتف بهدوء: لا مؤاخذة يا سمعة أنا لقيتك واقف قلت أصبح عليك.

رمقه بدهشة مغمغما: معلم فكري. إيه مش خايف حد يشوفك معايا انت ناسي اننا بنتقابل في المخزن عندك عشان ماحدش يشوفنا مع بعض.

 هز رأسه نفيا مردفا بثقة: ماتقلقش انت عيل مشبوه كده كده ولو حد شفني معاك هقول اني كنت بسألك على حاجة

 المهم اسمعني كويس يا سمعة اللي بيعمله الباشا الكبير ده أكبر غلط يا ابني احنا من امتى بندخل الحريم ما بينا؟

 كاد أن يتحدث لكن المعلم فكري قاطعه بإشارة من يده: اسمعني للآخر أهل المنطقة لو شموا خبر من اللي بيحصل هيقطعونا حتت

حاولت أتكلم مع الباشا بس رفض يسمع فأنا ما تزعلوش مني هشيل ايدي من الحوار ده وعشان في ما بينا عيش وملح وشيشة حبيت أنصحك وعقلك في راسك تعرف خلاصك فوتك بعافية يا صاحبي.

 تابعه بعينيه حتى اختفى وسط الزحام ثم هز رأسه بعنف هاتفا بصوت خافت: أنا بعمل اللي يتطلب مني وأكيد الباشا الكبير مش هيغرق نفسه يعني أيوة صح هو ده الكلام المظبوط.

 

--

 

بحرص شديد دلفت من منزلها بعدما أخبرت زوجها بأنها ستذهب إلى بيت والديها للاطمئنان على طفليهما.

 فلقد أرسل إليها المدعو حسام رسالة يخبرها بموعد لقائه بها والمكان الذي سيلتقيان فيه.

وها هي ذي تستقل سيارة أجرة ثم تعطيه العنوان فينطلق بها في رحلة استمرت أكثر من نصف ساعة.

 بعد الوصول للمكان المرغوب ثواني وتوقفت السيارة أمام المقهى الراقي.

 ترجلت من السيارة بعد أن أعطت السائق نقوده ثم ولجت بداخل المكان وهي تتلفت يمينا ويسارا بحث عنه

 وأخيرا وقعت عينيها عليه يجلس على إحدى الطاولات البعيدة نوعا ما عن زحمة المكان.

دنت منه بخطوات بطيئة حتى باتت أمامه

 هب واقفا يمد لها يده ليصافحها فسرعان ما بادلته السلام ثم التف حول الطاولة ليفتح لها الكرسي لتجلس بطريقة أنيقة أعجبتها كثيرا

جلست وهي تشكره بنعومة مبالغ فيها.

 استدار عائدا ليجلس مكانه ثم سألها بعد أن أشار إلى الناد: ها تحبي تشربي إيه يا مدام زينة؟

 فتحت قائمة المشروبات الموجودة أمامها ثم هتفت بحيرة: مش عارفة انت إيه رأيك؟

 أجابها بهدوء: مش عارف انتي اللي هتشربي.

 استغرقت ثواني تفكر ثم حسمت قرارها أخيرا وهتفت موجهة حديثها للنادل: هات لي عصير مانجة فريش.

 وجه بصره للذي يجلس بشموخ فوق مقعده والذي بدوره أردف: وأنا عايز قهوة مظبوط.

 دون النادل طلبهما ثم انسحب من أمامهما بهدوء.

 رانا الصمت حتى قطعته هي بفضول: ها ما قلتليش يا أستاذ حسام عايزني في إيه؟

 تنحنح ليجلي حنجرته مغمغما بصوت خافت: أولا خلينا نشيل الألقاب يعني ناديني حسام وأنا هناديكي زينة.

 أعادت سؤالها ولم تعقب على حديثه وقبل أن يجيبها وضع النادل المشروبات ثم استأذن بلباقة وانصرف.

 أمسكت يكوب العصير وارتشفت منه رشفة صغير ثم وضعته مكانه وفتحت فمها لتعيد سؤالها للمرة الثالثة لكنه سبقها هاتفا بجدية شديدة: عايزك يا زينة.

 فغرت فاهها بعدم تصديق ثم هبت واقفة هادرة بعنف: انت بتقول إيه يا حيوان أنا واحدة متجوزة.

وقبل أن يستوعب حديثها أمسكت بكوب العصير وأفرغته في وجهه دفعة واحدة ثم رمقته بغضب وتركته واندفعت للخارج وهي تشتمه بأفظع الألفاظ.

 تاركة إياه يشتعل من الغضب والإحراج معا.

 

--

 

في تمام الثالثة عصرا.

 وقفت في شرفة منزلها كعادته تنتظره ريثما يعود.

 وما هي إلا دقائق حتى أبصرته يترجل من سيارته فهرولت باتجاه مرآتها تلقي نظرة أخيرة ثم ألقت لنفسها قبلة في الهواء واندفعت للخارج تستقبله وكأنه زوجها.

بينما هو استقل المصعد وضغط زر الطابق المنشود وما هي إلا ثواني حتى توقف المصعد في الدور الذي يقطن به

 دلقا من المصعب فأبصرها تقف أمامه ترمقه بابتسامة واسعة

 ترتدي منامة من اللون الأسود بالكاد تغطي خسرها عارية الأكتاف وجمعت شعرها على أحد منكبيها ووضعت الكثير من مستحضرات التجميل مما جعلها فتنة لكل من يراها.

هتف بعدم تصديق: مدام رغد إيه اللي انتي عملاه في نفسك ده ثم ازاي تخرجي من شقتك بالمنظر ده؟

دنت منه بخطوات مدروسة حتى التصقت به وهتفت بنعومة أطاحت بما تبقى لديه من تعقل: أنا اجيت منشانك يا رامي حبيت شوفك قبل ما تدخل بيتك.

 أغمض عينيه مستمتعا بحلاوة قربها ناهيك عن أنفاسها التي تضرب بشرة وجهه فلم يستطع التماسك اكثر من ذلك وجذبها ليحتبسها في ركن صغير بجانب المصعد وانقض على شفتيها يقبلها بعشق وشغف ولهفة.

بينما هي طوقت عنقه بكلتا يديها وراحت تبادله قبلاته بجنون وشغف أكبر.

 تاركين كل شيء خلفهم فقط يستمتعون بجمال اللحظة التي يعيشونها.

يُتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران من رواية في غياهب القدر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة