-->

رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران الفصل 18

رواية في غياهب القدر 

بقلم الكاتبة بسمة بدران

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى







في غياهب القدر


قصه ورواية من قصص وروايات الكاتبة بسمة بدران


الفصل الثامن عشر


 افعى. 

يامَن هواهُ أعـزّهُ و أذلني
كيفَ السّبيلُ الى وِصالِكَ دُلّنِي

يامن هواه أعزّه و أذلني
كيفَ السّبيلُ الى وِصالِكَ دُلّنِي

أنتَ الذي حلّفتَني وحَلفتَ لي
وحَلفتَ أنكَ لا تخون فَخُنتَني
(سعيد بن أحمد البوسعيدي)

❈-❈-❈

وما ان خرجت من ذلك المقهى حتى استقلت سيارة اجرة وهي تشتعل من الغضب فذلك الابله يظنها ساقطة من السقيطات الاتي يعرفهن ماذا يظن نفسه كي يعرض عليها عرضا كهذا.
 لعنت نفسها الاف المرات لأنها اعطته فرصة للتحدث معها كما انها اضطرت للكذب على زوجها من أجل لقائه.
 بعد أن جلست في المقعد الخلفي لسيارة الاجرة خاطبت السائق بأمر: اطلع من هنا بسرعة لو سمحت.
 رمقها السائق بتعجب وأومأ لها موافقا ولم يعقب.
 ثواني واملته عنوان المنزل الذي تقطن به والدتها فعليها ان تتحدث مع أحدهم كي لا تجن فالموقف الذي حدث معها قبل قليل جعلها تشعر بأنها إمرأة رخيصة. 
أراحت ظهرها فوقه الأريكة الخاصة بالسيارة وراحا عقلها يعيد ما حدث معها منذ قليل وكأنه شريط سينمائي. 
زاغت عينيها وقبضت على يديها بقوة حتى خدشت أظافرها كفها وغمغمت في نفسها: وديني ما حاسيبك يا حسام الكلب هعرفك مين هي زينة وان أنا مش زي الستات الزبالة اللي انت بتعرفهم.

❈-❈-❈

ابتعد عنها بصعوبة لاحتياجها للهواء ونظراتهما هي التي تتحدث وصوت لهاثهما يملأ المكان من حولهما.
 ضمت نفسها إلى حضنه أكثر وأراحت وجنتها على صدره تستمع إلى خفقات قلبه المرتفعة وكأنه كان في ماراثون للخيل وعلى الرغم من أنها تزوجت قبل ذلك الا انها لم تشعر بدفء القبلة إلا الآن مع ذلك الرجل الوسيم.
 تنهدت بحرارة وعانقته أكثر وابتسامة خبيثة تزين ثغرها. 
أما عنه فلم يصدق ما حدث بينهما للتو. 
ماذا هل فعلها هل خان زوجته التي اخذ عهدا على نفسه في الصباح بأنه لم يفكر في غيرها؟
 شعر بالخزي والخذلان والعار فلطالما كان الزوج المخلص المحب.
 والآن بات خائنا نذلا حقيرا.
 تثاقلت أنفاسه ودمعت عينيه رغما عنه وفجأة ابتعد عنها بعنف شديد ودفعها بقوة متوسطة ثم هرولة إلى منزله وشياطين الأرض تلاحقه وهو يغمغم بعدم تصديق: لا لا لأ مش حقيقي ما حصلش
 اللي حصل ده كان غصب عني
 لأ لأ ما حصلش ما حصلش.
 بينما هي رمقته بدهش ثم راحت تنظر في أثره بوله فهي كانت تعلم بأنه سيفعل ذلك فليس من السهل لرجل كرامي أن يخون زوجته بتلك السهولة. 
تعلم انها ستعاني معه كثيرا للحصول عليه لكن لا بأس فكما يقال بالعامية
 ما فيش حلاوة من غير نار.
 اتسعت ابتسامتها وهي تمرر إبهامها على شفتيها وتغمغم في نفسها: يا الله! قديشو حلو إيه إهروب يا رامي وحياتك انت لائلي مو لحدا تاني. 
ألقت نظرة أخيرة على بابه الذي ولج منه للتو ثم استدارت عائدة إلى منزلها وهي تخطط في خطوتها القادمة.

❈-❈-❈

في مطبخ منزلهم 
تقف أمام الموقد تقلب الحساء الذي يوجد على النار بشرود تام. 
فهي اليوم تخلصت من سجنها وباتت حرة طليقة للأبد وعليها ألا تفكر في تلك الخطوة مرة ثانية فستكرس حياتها لوالدها وأخيها ريثما يتعافى من محنته. 
رغما عنها تذكرت شهامته معها ونظراته الدافئة التي كان يخصها بها من وقت إلى آخر. 
ثواني وهزت رأسها بعنف كي تنسي كل تلك الأفكار.
 انتفضت على صوت شقيقتها التي ولجت للتو: إيه يا بنتي ده بتهزي دماغك كده ليه زي البومة؟
 استدارت ترمقها بغضب: بومة والله ما حد بومة إلا انت يا عزة ثم انت مش كنت تعبانة من شوية إيه اللي قومك من السرير؟
 أجابتها وهي تجلس على الكرسي الموجود بداخل المطبخ: ما فيش حسيت اني زهقانة وما جاليش نوم قلت اجي أساعدك في أي حاجة. 
هرولت باتجاه الثلاجة وأخرجت منها مجموعة مختلفة من الخضار ووضعتهم أمامها فوق الطاولة الرخامية: حلو جيتي لي في وقتك خدي بقى يا فالحة اعملي السلطة.
 آه ده انت ما صدقتي بقى.
 وزعت نظرها بين الطاولة والخضروات ثم هتفت بمزاح: طيب هو انا هخرط بايدي يعني فين السكينة يا ناصحة؟ 
رمقتها بغضب: لما انت عايزاني أجيب لك السكينة لحد عندك مخرتهم أنا بالمرة ما تهزي طولك كده يا اختي وقومي جيبيها. 
وضعت يدها على بطنها وهتفت بمسرحية: اه يا بطني يانا انا أصلا مش قادرة اتحرك اقول لك انا حاسة اني محتاجة ارتاح يلا لما يجهز الغدا ناديني.
 قالت كلماتها وانطلقت للخارج قبل أن تستمع رد شقيقتها التي شيعتها بنظرات حارقة.
 ثم احتلت مقعدها وراحت تقطع الخضروات وما زالت تلك الأفكار التي راودتها منذ قليل تعود إليها من وقت إلى آخر.

❈-❈-❈

في محل العطارة خاصته شعر بالانهاك نوعا ما فذلك اليوم كان مرهقا لقد توافد الكثير من الأشخاص لأجل شراء الاشياء منه.
 ألقى بجسده فوق الكرسي وأراح ظهره عليه هاتفا بإنهاك: يا دين النبي الواحد مش حاسس برجله. 
أغمض عينيه عله يستجم قليلا ثم فتحهما عندما استمع إلى صوتها المميز تقول: يسعد مساك يا حاج سعد.
 أجابها بابتسامة هادئة: يسعد مساكي يا ست صباح.
 في نعمة الحمد لله انت طمني اخبار المحروس ابنك إيه بقى أحسن الحمد لله؟
 أومأ لها بحزن وغمغمة بخفوت وصل إلى مسامعها: الحمد لله دائما وابدا المهم قولي لي عايزة إيه فلفل اسمر ولا حاجة تانية؟
 أردفت بحياء أعجبه كثيرا: هو الحقيقة يعني انا مش عايزة حاجة لقيت نفسي قريبة من هنا قلت آجي أطمن على ابنك.
 اتسعت ابتسامته ثم غمغمة بمشاكسة: طيب مش عايزة تطمني على ابو ابني برضه انا غلبان وراجل أرمل بقالي سنين طويلة  ومحتاج اللي يطمن عليا أيوة والله. 
رغما عنها أفلتت ضحكة صغيرة جعلت وجهها يزداد جمالا.
 فهتف بمشاكسة وهو يصفق بيده: اللهم صلي على النبي الشمس بتطلع أهه يا رجالة. 
وضعت يدها على فمها تكتم ضحكاتها ثم رمقته بحدة مصطنعة واستدارت دالفة للخارج وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة. 
بينما هو شيعها بنظرات ولهه هاتفا بحنق: ما لسه بدري احنا لحقنا نقول حاجة. 
زفر بإحباط ثم جلسا مرة أخرى فوق الكرسي وما زالت تلك الابتسامة على وجهه لكن سرعان ما اندثرت تلك الابتسامة وحل محلها الحزن عندما تذكر حالة ابنه الوحيد.

❈-❈-❈

هبط من سيارته الفارهة ودفع الباب بعنف ثم سار للداخل بخطوات واسعة وهو يطوي الأرض من تحت قدميه من شدة الغضب.
 ولجا للداخل وألقى بجسده فوق الأريكة المُذهبة وشياطين العالم تتراقص أمامه.
 لم يصدق أن تلك المرأة استطاعت إهانته بكل تلك البساطة أمام العامة فعلت ما لم تفعله اي امرأة من قبل تجرأت عليه وهذا غير مقبول بالنسبة له.
 أشعل سجارته بقداحته الذهبية وهو يصك على أسنانه بقوة وأقسم بداخله أن يذيقها أشد أنواع العذاب وبات الانتقام منها هو شغله الشاغل من الآن فصاعدا.
 فبعد ما كان سيأخذها وسيلة للانتقام من زوجها أصبحت هي الآن عدوة له.
 ابتسم بشيطانية عندما تخيلها تقف أمامه وهي منكسرة تقدم له فروض الولاء والطاعة.
 وضع سجارته في فمه واستنشق منها نفسا طويلا وظفره في الهواء ثم غمغمة بصوت يشبه فحيح الأفاعي: ماشي يا زينة والله لهدفعك اللي انت عملتيه ده غالي قوي وبكرة تشوفي يا تربية الحواري هاعرفك مين هو حسام ابو الدهب.

❈-❈-❈

ضربت فوق صدرها بقوة هاتفة بعنف: يا لهوي! هو قالك كده بصريح العبارة يا بت يا زينة؟
 أومأت لها وما زالت تشعر بالغضب.
 فاستطردت والدتها: افرضي ما كانش قصده اللي جه في دماغك يا هبلة وكان قصده انه عايز يتجوزك مثلا يبقى الراجل كده ما غلطش.
 رمقتها زينة بدهشة هاتفة بعدم تصديق: انت بتقولي ايه يا اما جواز ايه وزفت ايه انت ناسية اني واحدة متجوزةَ
 لوت والدتها فمها واطلقت شهقة صغيرة: متجوزة اه متجوزة مع ايقاف التنفيز انت ناسية يا بت ان جوزك بقى عاجز يعني انت يا حبيبتي لا انت متجوزة ولا مطلقة عاملة زي البيت الوقف يا بت انت لسة حلوة وصغيرة بصي لنفسك في المراية 
وقلتي لي ان كمان جوزك رافض العلاج طيب هتستني ايه لما شباب يضيع هدر يا بت انت لسة ما كملتيش الخمسة وتلاتين سنة وحلوة وصغيرة ومرغوبة واهو بيه من البهوات عايزك انت فقرية ليه كدة؟
 هزت رأسها بعنف وكأنها تطرد صوت والدتها من أذنها: انت بتقولي ايه يا اما انت واعية للي بتقوليه ده عايزاني اسيب عمار؟
 أجابتها بصوت يشبه فحيح الأفعى: وليه لا ليه ما تسيبيهوش إذا كان هو اللي مش عايز يتعالج عايز يعيش كده عالة عليكي وعلى كل اللي حواليه شوفي نفسك وشوفي مستقبلك يا هبلة ما حدش هينفعك لما تكبري وتعجزي يا خايبة ما حدش هيبقى خسران إلا انت. 
إتسعت حدقتاها في دهشة فهي لا تصدق ما تتحدث به والدتها كيف لأم أن تتحدث مع إبنتها بهذه الطريقة تريد أن تخرب بيتها وحياتها كيف!
 سألتها بذهول: انت بتتكلمي بجد يا امه؟
أومأت لها مؤكدة بنفس الصوت الفحيحي: ايوة يا روح امك متأكدة وواعية لكل اللي بقلهولك سيبي عمار يا زينة وشوفي حياتك عمار هيخليكي قاعدة جنبه ممرضة مش ست بيت اسمعي اللي بقولهولك يا بت انا اكبر منك وواعية عنك.
 هبت واقفة تصيح بعنف: انا همشي يا اما وزي ما قلت لك يومين وهاجي اخد العيال وانسي الكلام الفارغ اللي انت قلتيه ده. 
مصمصت شفتيها بعدم رضا: طيب يا اختي. زي ما تحبي بس انا عارفة انك زكية وهتحسبيها صح ده انت تربيتي يا بت. 
سحبت حقيبة يدها من فوق المنضدة التي تتوسط الغرفة وهرولت للخارج قبل أن تتفوه والدتها بكلمة آخرى فهي لا تنكر أن حديث والدتها أثر عليها نوعا ما لكنها عزمت على عدم التفكير فيه مرة أخرى. 
لكن هل يا ترى ستصمد زينة أمام كل هذا أم للقدر رأي آخر؟

❈-❈-❈

ليلا كعادتها تقف في شرفة غرفتها تستنشق الهواء العليل باستمتاع شديد تلقائيا لاحت صورته الحلوة أمام عينيها ابتسمت بخفة عندما تذكرت هيئته اليوم فرغم ما حدث معه ووجهه الذي بات عابسا طوال الوقت ما زال جميلا وجذابا حد الجنون بالنسبة لها.
 لا تصدق أنها تكن له كل ذلك العشق بمفردها فماذا عن التخاطب وكل ما قرأته في علم النفس لكنه لم يشعر بها يوما بل إنه لم يرها من الأساس هل هذا طبيعيا؟
 قطع شرودها ولوج والدتها التي هتفت بصوت مرتفع نوعا ما: صَبا بتعاملي إيه يا بت في البلكونة؟ 
استدارت إليها وهي تعدل من وضع إسدالها: تعالي يا ماما أنا بحب اقف بالليل شويت كده.
 دنت منها والدتها بخطوات بطيئة. مستطردة حديثها: طيب ما تيجي تقعدي معايا أنا وأبوك نسمع فيلم سوى بدل ما أحنا وشنا في وش بعض كده شبه قرض قطع.
 ضحكت بقوة: قرد قطع ما سمعكيش الحاج يا سوسو والله كان هيعمل لك بطاطس محمرة. 
رمقتها بحدة مصطنعة: مين دي اللي يعملها بطاطس محمرة انت ما تعرفيش أمك ولا إيه يا بت لا خلي بالك احنا مسيطرين برده.
 ضحكت مرة أخرى: أيوة أيوة ما أنا واخدة بالي يا سوسو يا جامد انت.
 رمقت ابنتها بتفحص شديد ثم سألتها بعدما قرأت لمعة الحزن في عينيها: رغم انك بتضحكي يا بنتي بس عينيك فيها حزن غريب.
 جذبتها من يدها وولجت بها للداخل ثم أجلستها فوق فراشها وجلست بجوارها مستطردة حديثها: لسه بعد كل اللي حصل بتحبيه يا صبا؟
 أومأ لها على استحياء ولم تعقب.
 فاستطردت حديثها بروية: طيب يا بنتي وآخرتها إيه؟
هتفضلي عايشة راهبة كده.
 رمقتها بحيرة ولم تعقب.
 فسألتها مباشرة: طيب ناوية على إيه يا صبا؟
 أجابت على سؤالها بسؤال بعد أن ثبتت عينيها في عينين والدتها: ناوية على إيه في إيه يا ماما؟ 
صاحت بقوة نوعا ما: ما تجاوبيش على سؤالي بسؤال يا صبا.
 ظفرت بقوة وإجابتها بصوت حزين: والله ما عارفة يا ماما أنا حقيقي مش عارفة أوعي تفتكري اني مبسوطة بحالتي دي يا ماما ومبسوطة اني متعلقة بشخص متجوز وعنده أولاد وبيحب مراته أو مبسوطة أني بحب شخص من طرف واحد. 
انتي عارفة يا ماما اللي يحب من طرف واحد ده كأنه واخد جرعة سم بتموته بالبطيء عارفة يعني إيه الشخص اللي يبقى قدامك عايش مبسوط وسعيد وكل حاجة بتتمنيها تكون لك شايفاه بيديها لشخص تاني عارفة ده إيه يا أمي ده أصعب شعور ممكن البنيآدم يقابله في حياته.
 ربطت والدتها على منكبها مغمغمة في حزن: فهماكي يا نن عيني بس برضه يا بنتي الدنيا مش تنفع تمشي كده لازم تفكري في نفسك يا حبيبتي وفكري في مستقبلك انت ما بقتيش صغيرة يا صَبا الحقي اتجوزي وجيبي لك حتة عيل يكون سندك في الدنيا الدنيا ما بتدومش والعمر بيجيري يا بنتي. 
دنت منها وطبعت قبلة عميقة فوق جبينها ثم هبت واقفة وهي تردف بتأكيد: فكري في كلامي يا صَبا واوزنيه كويس وأنا عارفة يا حبيبتي انك عاقلة وهتختاري الصحف. 
 دلفت للخارج تاركة الأخرى في حالة يرثى لها.

❈-❈-❈

ادعى النوم وانتظرها حتى نامت ثم استدار إليها ينظر إلى وجهها الملائكي وهي نائمة. 
لا يصدق أنه فعلها وقبل امرأة غيرها لطالما حلما بأن تكون زوجة له عندما لفتت نظره في الجامعة وهي تمرح مع صديقاتها بعفويتها وخفة ظلها التي كانت مصدر جاذبيتها 
أحبها كثيرا وتزوجها بعد قصة حب دامت لسنوات.
 كيف له أن يفعلها بكل تلك البساطة وينظر إلى امرأة أخرى.
 رغما عنه راح يتأمل جمالها الهادئ فزوجته ليست قبيحة كي ينظر إلى أخرى بل هي جميلة. جميلة من الداخل والخارج لكن أولا وآخرا هو رجل مشاعره تحركت رغما عنه للأخرى التي استطاعت بدلالها الزائد وجمالها اللافت أن تجذبه ناحيتها دون أدنى مجهود.
 ظفر بقوة فضميره يؤلمه بشدة.
 انحنى بجزعه قليلا ووضع قبلة طويلة فوق رأسها وكأنه يعتذر لها عما بدر منه ثم انزلق قليلا وفرد ذراعه  وجذبها لتتوسدهما ثم راحة يمسد على خصلاتها بهدوء.
 بينما هي فقد فتحت عينيها ومنحته أجمل ابتساماتها وتشبثت به وكأنه طوق نجاة بالنسبة لها غافلة عن الصراع الطاحن الذي يدور بين قلبه وعقله.

❈-❈-❈

في صباح اليوم التالي
 دعوني آخذكم إلى مكان نزوره لأول مرة حيث استيقظت فتاة في السابعة عشرة من عمرها وهي تفرك عينيها بكلتا يديها كالأطفال.
 دلفت للخارج وهي تتخبط في كل شيء يقابلها من أساس وأبواب.
 رمقتها والدتها بسخط هاتفة بحدة: انت يا بت مش ناوية تكبري بقى هتفضلي طول عمرك كده صاحية من النوم مش شافية قدامك.
 ألقت بجسدها الصغير فوق أقرب مقعد وهتفت بنعاس وهي تتثاءب وتتمطع بيديها يمينا ويسارا: يووه بقى يا ماما ما هو الواحد زهق من الصحيان بدري عشان الثانوية العامة دي من دروس لمدرسة لما زهقت واتخنقت والآخر هعمل إيه يعني هاخد الشهادة واركنها في الدرج واتجوز واخرط بصل. 
صاحت فيها والدتها بعنف: نعم يا أختي! 
لا وحياة أمك لو ما تبقي دكتورة كده قد الدنيا وأتباهى بيكي والناس تشوفني وتقولي أم الدكتورة راحت أم الدكتورة جت لاكون يا بت جايباكي تحت رجلي من شعرك أنا بقول لك أهو.
 زفرت بحنق مردفه بعدم رضا: طيب افرضي أنا مش حابة أبقى دكتورة يا ماما.
 قاطعتها بحدة: لا يا روح أمك أنا قلت تبقي دكتورة يعني تبقي دكتورة يا بت الدكاترة هما اللي بيشتغلوا دلوقتي أنت مش شايفة الأوبئة والأمراض بقوا بالهبل. 
 تثاءبت بقوة أكثر وهتفت مغيرة الحديث: طيب بصراحة كده يا أما أنا كنت عايزة أروح أزور أبويا في السجن ما تزعليش مني برضو ما هو أبويا في الأول وفي الآخر.
 وعلى الرغم من الغضب الذي اعتراها في تلك اللحظة إلا أنها لم تستطع منعها من رؤية والدها إذ هتفت بهدوء مصطنع: وماله يا بت يا نور تروحي تشوفيه بس رجلي على رجلك رغم اني مش طايقاه بس ما اقدرش أسيبك تروحي المكان المشبوه ده لوحدك.
 تنهدت نور بارتياح ثم هبت واقفة ودنت من والدتها تقبل وجنتها بقوة: ربنا يخليك لينا يا شحرورة مصر الجديدة كلها يوه أقصد يا شحرورة الجمالية.
 قهقهت الحاجة صباح بمرح ثم ضربتها بخفة فوق رأسها: طيب يلا يا لمضى خشي اغسلي وشك واتوضي عشان تصلي الصبح على ما أنا أجهز الفطار عشان ما تتأخريش على المدرسة. 
وبالفعل ركضت نورهان تنفذ ما طلبته منها والدتها كي لا تسمع  موشح كل يوم.
 بينما الحاجة صباح انطلقت إلى المطبخ كي تعد لهما فتورا خفيفا.

❈-❈-❈

انتهت من إعداد وجبة الفطور له كما أنها سكبت القهوة خاصته ووضعتهم فوق صينية مستديرة ثم دنت من الفراش  لتوقظه بحرص: عمار يلا قوم أنا جهزت لك الفطار. 
فتح عينيه بتثاقل وغمغم بصوت أجف من أثر النعاس: صباح الخير.
 ردت عليه تحية الصباح واقتربت منه كي تساعده على الاعتدال لكنه هتف بعنف: أنا رجلي بس هي اللي مشلولة لكن أيدي سليمة يا زينة.
 زفرت بحنق فهي لا تعرف كيف تتعامل معه بعد تلك الحادثة فكظمت غيظها ودنت منه بعد ما اعتدل ووضعت صينية الطعام فوق ساقيه مردفه بهدوء مصطنع: طيب أتفضل بألف هنا وشفا وأنا هروح اغسل المواعين. 
سألها بدهشة: هو أنت مش هتفطري معايا؟
 سبقتك.
 قالتها ودلفت للخارج. 
أما عنه فقد شرع في تناول طعامه بلا مبالاة وكأنه شخص فقد لذة الحياة بأكملها.

❈-❈-❈

تأكدت من إتمام زينتها فهي تحرص دائما على أن يراها في أجمل صورة ثم نظرت إلى الساعة وركضت بسرعة للخارج فهي حفظت مواعيده عن ظهر قلب وفعلا صدقة حدسها عندما أبصرته يدلف من باب شقته ويغلقه من خلفه فنادته بصوتها الناعم بخفوت: رامي.
 شعرات بالغضب عندما مر جانبها ولم يعرها أي اهتمام.
 فدنت منه تجذبه إليها هاتفة بحدة: لك شو أنا عم بحكي معك ليش ما عم بترد علي؟
 بيده الأخرى أبعد يدها التي تقبض على ساعده هاتفا من بين أسنانه: بقول لك إيه يا مدام رغد اللي حصل امبارح ده كان غلطة فهماني ومش هيتكرر أنا بحب غزل.
 قاطعته وهي تقطع المسافة بينها وبينه حتى التصقت به كالعلكة وهتفت بصوت يشوبه الدلال: مأكد؟
 صدقني ما راح تقدر أنت ما فيك تطلع مني أبدا يلا اعترف اني بعجبك كتير. كتير يا رامي.
 أنفاسها الساخنة اسكرته لدرجة أنه شعر بتخدر كامل في جميع حواسه.
 فدفعها إلى شقتها واغلق الباب من خلفهما.
 وانقض على شفتيها يقبلها كالأسد الجائع وكأنه لأول مرة يقبل امرأة في حياته.
 بينما هي تعلقت بعنقه ولفت ساقيها حول خصره سانحة له بتقبيلها بحرية
 وما هي إلا دقائق معدودة حتى فقد رامي السيطرة على نفسه وولج بها إلى أقرب غرفة قابلته عازما على قضاء وقت مع تلك الحسنات.
 أما عنها فلم تمانع بالطبع بل بادلته شغفه بشغف أكبر وجموح يضاهي جموحه 
 غافلين على أن هناك رب يرى ويسمع…







يُتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران من رواية في غياهب القدر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة