-->

رواية ذنبي عشقك - ميرا كريم - الفصل السابع عشر 2

رواية ذنبي عشقك

بقلم الكاتبة ميرا كريم



رواية ذنبي عشقك

- تابع قراءة الفصل السابع عشر -

الصفحة السابقة


 

لعـ ن تلك اللـ عينة بسره من محاولاتها العديدة لمهاتفته التي لم تكف عنها في الأيام الماضية وهو يتجاهلها، فقد ضغط على زر الهاتف يكتم صوته و اجابها متنهدًا:

-دي "هاجر" يا "كرملة"

 

تساءلت مستغربة:

-"هاجر" مين بنت "صفية" 

 

-هو في غيرها 

 

-وهي بتتصل بيك ليه؟

 

قال وهو يمد يده من تحت الطاولة ويتمسك بيد "رهف "ويخـ لل أنامله بين اصـ ابعها: 

-بتقول أن خالتي ضاغطة عليها وعايزة ترجعها لطـ ليقها وعايزاني اكلمها اقنعها

 

كان يتحدث وهي تتابعه بعيناها وتشدد ايضًا على يده بعد أن تفهمت أنه يطمئنها بطريقته فقد قدرت كثيرًا عدم إخفائه للأمر وشفافيته امامها ولكنها فور أن انهى حديثه منحت" كريمة" نظرة تفهمتها جيدًا وقالت بجدية بعدها:

-سيب الموضوع ده عليا انا هروح ل "صفية" واتكلم معاها 

 

زفر انفاسه براحة وأيد اقتراحها فمنذ ما تفوهت به تلك ال"هاجر" وهو لا يطيق رؤية وجهها وليس لديه أي رغبة لفعل شيء من اجلها:

-ياريت والله يا "كرملة"

 

هزت "كريمة" رأسها وقررت في قرارة نفسها أن لا تدع شيء يعكر صفو حياة ولدها.

--

عاد لمنزله وهو يشعر ان رأسه سـ ينفجر فكان غارق في أفكاره  داخل غرفة مكتبه حين دلفت أحد العاملات قائلة:

-"سليم" بيه البيت كله اتنضف ماعدا الأوضة اللي قولت عليها زي ما أمرت

 

هز رأسه لها وتسائل بملامح جامدة:

-"صباح "فين؟

 

-مع ست "ليلى" في اوضتها

 

-طيب لو خلصتي تقدري تتفضلي

 

-طيب عن اذنك يا بيه 

 

لتغادر السيدة بينما هو يجلس يستعيد برأسه ما تفوهت به "بدور" مرارًا وتكرارًا فعقله يرفض ويستنكر أن يرأف بها بينما قلبه كان يهفو لها ويتألم بصمت من أجلها ولكن ياترى من سينتصر بالأخير؟ قلبه المتورط بعشقها، أم عقله الثائر ضدها. 

--

في المساء جلست بالفراش تنتظر خروجه من المرحاض ليضيء هاتفه ويلفت نظرها رقم تلك ال "هاجر" لتزفر أنفاسها وإن كادت ترفض الاتصال وجدت ذاتها تضغط على شاشته وتجيب متوترة:

-الو نعم

 

ردت "هاجر" من الطرف الأخر دون أن تلقي حتى السلام، متبجحة:

-فين" نضال"  مش بيرد عليا ليه؟

 

اغتاظت "رهف" من طريقتها واجابتها والغيرة تأ كل قلبها:

-"نضال" بياخد شاور عايزة منه ايه؟ 

 

غاب رد "هاجر" وتنبأت أنها اصابت هدفها لتتابع كي تتخلص من ما يؤرقها ويشغل بالها:

-اسمعي يا "هاجر" متهيألي أنتِ حد كبير وعاقل كفاية ومحدش يقدر يجبرك على حاجة واعتقد أن دي حياتك وانتِ الوحيدة اللي تقدري تقنعي مامتك برفضك

" نضال " جوزي مش مجبر يعمل كده 

 

ضغطت على كل كلمة نطقت بها وكأنها تعلن حقوق ملكيتها له، لتضيف الآخرى من الجانب الأخر بغيظ:

-هو اللي قالك تقوليلي كده؟

 

-لأ بس مش بيرد عليكِ  علشان مش حابب يحرجك ده حتى وَكل ماما" كريمة "تكلم مامتك وتحاول تحل مشكلتك معاها 

زمجرت" هاجر" مغتاظة من الطرف الأخر لتعقب" رهف" بثقة يرجع الفضل في اكتسابها إياها؛ هو: 

-اتمنى متتصليش تاني ولا تحرجي نفسك اكتر من كده واتمنى  اسمع  عنك اخبار كويسة 

 

قالت جملتها قبل أن تغلق الخط تزامنًا مع خروجه يرتدي بنطال بيتي مريح عـ اري الصـ در و يجفف شعره بمنشفة صغيرة وفور أن وقعت خضرويتاه عليها و وجد نظراتها زائغة جلس على طرف الفراش وتسائل بقلق:

-حبيبي مالك 

 

رفعت هاتفه أمام نظراته وهمست:

-رديت على "هاجر"

 

تناول من يدها الهاتف وتسائل متوجسًا:

-قالتلك حاجة؟

 

تناولت نفس عميق من الهواء واجابته :

-لأ انا اللي قولتلها تحل مشاكلها بنفسها وأنك مش بترد عليها علشان مش عايز تحرجها 

 

لاحت على ثغره بسمة  بالكاد كبتها على اندفاعها الغير مسبوق في حين تابعت هي:

-وقولتلها متتصلش تاني

 

اعتلى حاجبيه وأيد ردة فعلها:

- كويس 

 

-يعني انت مش مضايق علشان قولتلها كده

 

-لأ هي متفرقش معايا في حاجة 

هزت رأسها ببسمة هادئة وتنفست الصعداء ليكوب وجهها ويقول وعينه تهيم بها:

-قولتلك متخليش الخوف والشك يدخلو بينا

وضعت يدها فوق يده وقالت بنبرة حالمة وعيناها تغدق عليه بربيعها: 

-أنا مش خايفة ولا عمري هشك فيك أنا بثق فيك أكتر من روحي بس من حقي ادافع عنك وعن حياتي وراحتي اللي ربنا 

عوضني بيها واتجسدت فيك

 

اعتلى حاجبيه وشاكسها وهو يحـ رك انفه على خاصتها : 

-ايه الكلام الحلو ده هاخد على كده

 

اجابته مُتنهدة وهي تحـ اوط خـ صره وتدفـ ن وجـ هها بصـ دره:

-خد براحتك 

 

وضع قُبـ لة حنونة اعلى رأسها، ثم اخرجها من احـ ضانه هامسًا بمغزى وعينه لا تحيد عن ثغـ رها:

-طب إيه مش هنحلي بقى ولا ايه؟

 

قهقت بغـ نج وهزت رأسها مستسلمة

 ليمـ يل بها على الفر اش واثناء ذلك شعرت بملـ مس غريب تحت يدها لتدس يدها بجيبه وتخرج ما به متسائلة:

-ايه الحبوب دي يا "نضال" وبتعمل ايه في جيبك

ارتبك بعض الشيء واخذها من يدها يميل بجـ سده يفتح أحد ادراج  الكومود القريب يلقيه به ويغلقه قائلًا:

-ده للصداع يا حبيبي متشغليش بالك 

 

ليقترب منها من جديد مراوغًا:

-هو إحنا كنا بنقول إيه؟

ابتسمت وتعلقت بعنقه تقربه منها دون أن تعير الأمر أهمية ليكمل هو ما بدأه ويصحبها معه في عاصفة هوجاء من المشاعر التي دومًا تطيح بكافة حواسها.

--

مرت عدة أيام وها هو يجلس بمكتبه بمزاج عكر للغاية اصبح ملازم له في الآونة الأخيرة ولكن اليوم كان أكثرهم سوءاً على الإطلاق فقد استيقظ على وصول رسالة من رقم مجهول تحمل 

تهـ ديد صريح له فكان ينظر لفحواها بنظرات غاضبة ويفكر من له مصلحة  فبِفطنته يتأكد أن من يقوم بتهديده له علاقة وثيقة بهولاء الرجال الذي قام بالتحفظ عليهم وإلى الآن يرفضون الإفصاح عن الرأس المدبرة. 

-"سليم "بيه

قالها أحد زملائه الذي كلفه بتتبع الأمر، ليتأهب بجـ سده ويلقي الهاتف بأهمال على سطح مكتبه متسائلًا:

-عملت ايه؟

 

-الارقام اللي بيجيلك منها رسايل التهديد والمكالمات للأسف ملهاش بيانات من الخطوط  دي حرة من اللي بتشترى من الشارع

 

زفر أنـ فاسه وقال بضجر:

-وايه الحل؟

 

اقترح زميله بجدية:

-اولًا لازم حضرتك تاخد حظرك كويس وتخليهم يحطولك حراسة عند البيت

زفر أنـ فاسه الغاضبة ثم رفـ ض 

بعنـ جهيته الغا شمة: 

-مش هعمل كده...مش انا اللي اخاف من شوية عيال زي دول ولو حطيت حراسة ابقى بحسسهم إني خايف منهم

 

-" سليم" بيه ده حرص مش خوف وبعدين معظم ضباط الشرطة بيحصل معاهم كده 

 

نفى بسبابته وهدر بإصرار لا يزحزحه شيء:

-انا مش هرتاح غير لما اعرف مين اللي وراهم انا متأكد أنه حد من جوه الدايرة مش براها وليه علاقة برضو بشوية العيال اللي لمناهم أخر مرة

 

-وارد جدًا كده حضرتك مسكت أول الخيط 

 

وهنا اضائت فكرة برأسه وطفر بها:

-طيب عندي حل

 

-اتفضل قول يا "سليم" بيه 

 

-لو قدرت اطول في المكالمة وامط الكلام معاهم هنقدر نحدد مكانهم مش كده

 

-اكيد طبعًا وبسهولة جدًا

 

زم فمه وقال يستحسن ثقته:

-حلو اوي خلينا نرتب الموضوع ونشوف 

 

-تمام تأمرني بحاجة تانية يا "سليم" بيه

كاد يصرفه من مكتبه ولكن دون وعي وكأن قلبه هو من ناب عنه قال:

-استنى محتاجك في حاجة كمان 

 

ليرحب الأخر ويتأهب لحديثه بينما هو قرر في قرارة نفسه وبعد تفكير عُضال أن يسعى لشيء ربما سيجعله يبتُ في أمرها.

--

كانت جالسة على سجادة صلاتها بعد أداء فرضها تتضرع لربها بدموع حـ ارقة تكوي قلبها قبل وجنتها  

تطلب منه العون على ما هي بصدده فلا حيلة لها سوى الدعاء 

فمنذ أن عادت مع "صالح"  من عدة ايام وهي في حالة انهزام يرثى لها وكأنها فقدت كافة دفعاتها ومجابهتها لتلك الحياة التي هي بصددها.

ضجيج يأتي من الخارج جعلها تستراب وتأمن و تنهض ترفع سجادتها تطويها وتضعها على فراشها قبل أن تتقدم من نافذتها المنفس الوحيد الذي تركه "صالح"  بعد حبسه لها لتلقى رجال متجمهرون أمام بنايتها ورجال أخرى يعلقون فروع من المصابيح الكهربائية الملونة التي تتزين الأفراح بها فكان الشارع يسوده الهرج والمرج بشكل 

مثـ ير للريبة جعلها تهمس لذاتها:

-ياترى ايه اللي بيحصل! 

 

وهنا اتى صوته المتلهف من خلفها ليجيب كافة تساؤلاتها:

-وحشتيني يا زبادي

 

انتفض جسـ دها و التفتت مُسرعة لتجد الباب الذي يوصده شقيقها بذاته انفتح وظهر هو أمامها ليهوى قلبها بين ضلوعها وتفر كل ذرة دمـ اء بها وتنطق بحروف ترتجف كجـ سدها:

-"سلطان" 

 

اغلق الباب خلفه ثم لاحت على ثغره بسمة واسعة وقال بتلهف وهو يقترب بخطواته منها:

-عيونه 

 

تعالت وتيـ رة أنـ فاسها وتراجعت لأقصى زاوية بعيد عنه ولكن هو في طرفة عين كان يقف أمامها  يحاصرها بجـ سده وإن كادت تصرخ كمم فمـ ها بكف يده وهمس  بوقا حة أمام وجـ هها:

-عيب عليكِ الناس لما تسمعك تقول ايه مش حلوة في حقك قبل الدُ خلة

 

برقت عيناها من وقـ احته وضـ ربته بصدره ليبتعد عنها ولكنه كسد منيع لم يتأثر بدفعاتها بل رفع يده الآخرى يزيح غطاء رأسها ويخلل انامله بين شعرها هامسًا بلو عة لا مثيل لها:

-وجـ عتي قلبي يا زبادي ليه عايزة تهربي مني مكفكيش السنين اللي اتعذبت فيها من غيرك

 

هزت رأسها بقوة تنفر من لمـ سته ومن أنفـ اسه  الكريـ هة التي تلفـ ح صـ فيحة وجهـ ها وظلت تصرخ صرخات صدرت مكتومة بفضل كف يده، ليكـ بل خصرها ويضيف وهو مغيب بسحرها ولوعته

 تهـ لكه لامتلاك قلبها:

-سنين كل دقيقة فيهم كنت بحلم باليوم ده اللي هتكونِ  فيه بين ايديا… بس انتِ حتى الحلم استكترتيه عليا

 

ذاد ذلك الوهج الشرس بعيناها وتلـ وت 

بجـ سدها  تحرك وجهـ ها لتتزحزح يده بعض الشيء ولا يجابه حركتها وفي غفلة منه غـ رست اسنانها بكف يده بغل مُخرجة د ما ئه 

لينتش  يده متأوها وتدفعه عنها بكل ما أوتيت من قـ وة و تركض نحو الباب ولكن قبضته القوية أحالت دون ذلك فقد رفـ عها من خـ صرها عن الأرض لتر فس بسـ اقيها في الهواء وتصرخ مستنجدة ولكن لاحياة لمن تنادي! ليرميها بقوة على الفراش وفي غضون ثوانِ كان يثبت 

جـ سدها بواسطة سـ اقيه ويكـ بل يدها يرفـ عها فوق رأسـ ها صارخًا بغضب 

قـ اتل أمام وجهـ ها:

-عايزة تهربي ليه للدرجادي كرهاني ده انا محبتش حد غيرك

أنتِ ليه مش عايزة تحسي بيا وبالنار اللي جوايا بسببك 

 

كانت تقـ اومه بكل ما بها وفور أن نطق بحديثه تحدته بنظراتها الشرسة قبل حديثها الذي طـ عن بقلبه بسـ كين ثلم:

-اه بكر هك بكر هك يا "سلطان" وعمري ما هكون ليكِ 

 

-انا صبرت عليكِ كتير وجبت أخري وطالما النتيجة واحدة و مش هتعقلي يبقى هوريكِ وشي التاني  

 

قالها بغضـ ب قـ اتل وكل خلية به

 تنـ تفض من مقـ تها له ليد فن وجـ هه بين ثنايا عنقها وهو منتـ شي حد الجـ حيم من قربها هامسًا بخـ بث مقـ يت بالقرب من أُذنها قاصد ترهـ يبها: 

-عشت سنين مانع نفسي اني اعمل كده علشان كان نفسي تبقى بالرضا لكن الظاهر مفيش فايدة وعلشان كدة مش هضيع دقيقة واحدة فيها احتمال انك متكونيش ليا

 

وهنا خارت دفعاتها وتهدلت اجفانها بعد أن انسحب عقلها فلم تشعر بشيء إلا والظلام يسحبها ويغرقها معه في غيمة كاحلة ستمطر جمر مُـ شتعل وينبأ بقدوم الجـ حيم بعدها. 

يُتبع..