-->

رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران - الفصل 27

قراءة رواية في غياهب القدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية في غياهب القدر

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 


الكاتبة بسمة بدران 

الفصل السابع والعشرون

 مواجهة. 



العشق يدفق من قلبي لأوراقي ... هذا لأنك ِ في أعماق أحداقي


شربْتُ كلَّ كؤوس ِ نداك ِ يا كبدي ...وسوف أشربُ ما في جعبة الساقيِ


حملتُ كاسَك ِ أسعى سعيَ محترق ٍ ... كما أتيتك ِ مشتاقا لمشتاق ِ


يا رجفة َ الشوق يا تاريخَ أوردتي ... يا رعشة َ العشق ِ يا دائي وترياقي

(صبحي ياسين)


❈-❈-❈





ولج إلى منزله وهو يدندن بسعادة كبيرة فهو قضى نهاره بصحبة تلك الحسناء والتي حرصت على أن يكون نهارا مميزا لكليهما.

 فقد فعلت له كل شيء يجعله سعيدا بدءا من المأكولات التي يحبها والمشروبات ناهيك عن الوقت الممتع الذي قضياه في الفراش.

 فتح فمه لينادي عليها لكن اغلقه عندما أبصر هيأتها الغاضبة واستمع إلى صوتها الهادر وهي تكتف ساعديها أمام صدرها: كنت فين يا رامي؟ 

ازدردا ريقه بصعوبة ثم أجابها بتلعثم: كنت في الشغل وبعدين.

 قاطعته بصراخ: كداب انت كداب يا رامي انطق أحسن لك وقل لي كنت فين.

 اهتز بداخله وتزعزع ثباته الانفعالي وهو يمني النفس بألا تكون زوجته قد اكتشفت ما يفعله من خلف ظهرها فكاد أن ينطق بالكذب لكنه أغلق فمه للمرة الثانية عندما تركته واتجهت إلى غرفتهما

 ثواني وخرجت وهي تحمل قميصه بين يديها ثم ألقته في وجهه هاتفة بغل: اتفضل شم قميصك كله ريحته برفان حريمي للدرجة دي الاستهتار يا رامي بتخوني وكمان مش قادر تغير هدومك عند الهانم جاي لي وريحه هدومك برفان من اللي هي بتستعمله بجد أخض عليك. 

اطرق رأسه أرضا في خزين ولم يعقب.

 بينما هي راحت تصرخ بصوت مرتفع: أنا قصرت معاك في إيه؟

 قل لي علشان تروح تدور عليه برة أنا قيدالك صوابعي العشرة شمع ليك ولعيالك قل لي أنا عملت إيه؟ 

حب وما حبتش حد في حياتي قدك اهتمام وبكلمك ليل ونهار عايزة اعرف إيه اللي خلاك تدور على واحدة تانية غيري؟

 رفع رأسه بعد أن استعاد رباط أجشه هاتفا بعنف: والله برافو عليك يا غزل انت كدبتي الكدية وصدقتيها هو معنى ان فيه برفان حريمي في هدومي يبقى أنا بخونك هو أنا مش قيلك ان مرات أخويا كانت تعبانه امبارح ورحت زرتها وهناك قابلت أختي حسناء وسلمت عليها وحضنتها جايز يرفانها علق في هدومي لو مش مصدقاني اتفضلي التليفون عندك أهو اتصلي بحسن واسأليه يلا اتفضلي.

 اهتزت حدقتاها ورمقته بخوف ثم اتجهت بخطوات بطيئة وأمسكت بسماعة التليفون الأرضي وطلبت رقم أخيه بعد أن نقلته من المفكرة الصغيرة التي تجاور الهاتف وما هي إلا ثواني حتى استمعت إلى صوت شقيقه والذي هتف بصوته المميز: الو.

 ازدردت ريقها وأجابت بتلعثم: أيوة يا حسن أنا غزل أنا كنت متصلة عشان أطمن على حالة نادية هي بقت كويسة رامي قال لي إنها كانت تعبانه امبارح.

 تجمدت في مكانها وشعرت بالبرودة وكان هناك دلو ماء بارد سكب عليها في شهر أمشير وهي تستمع إلى رده المفاجئ بالنسبة لها: الله يسلمك يا غزل هي بقت كويسة الحمد لله ورامي كان معانا امبارح ما سابناش. 

أغلقت الهاتف وهي تشعر بأنها ظلمت زوجها وحبيبها فتحت فمها لتعتذر منه لكنه أوقفها بإشارة من يده: خلاص يا غزل مش عايز اسمع ولا كلمة أنا داخل اوضتي و-من فضلك- ما تجيش ورايا عشان أنا محتاج اقعد لوحدي شوية.

 انطلق إلى غرفته وتركها تتآكل من الغيظ والندم معن فهي ظلمته وصدقت عقلها الصغير تعلم علم اليقين مدى عشق زوجها لها.

 قبضت على يديها بقوة وهتفت بتصميم: غبية يا غزل غبية بس والله ما هسيبه ينام زعلان مني أبدا.


❈-❈-❈



أطلقت شهقة سوقية وهتفت بصراخ بعدما استمعت إلى جملتها الأخيرة: نعم نعم يا ادلعدي مرات مين يا بت انت 

انت اتجنيتي ولا إيه؟ 

دنت منها بخطوات متمايلة حتى باتت قبالتها وهزت رأسها بهدوء مستفز مغمغمة: تؤ تؤ بالراحة على نفسك يا قطة ده انت حتى عروسة النهارده اهدي كده ليطق لك عرق.

 صكت على أسنانها بقوة حتى كادت أن تهشمها ثم استدارت موجهة حديثها للذي يقف وابتسامة شامتة ترتسم فوق محياه تسأله بعنف: هو صحيح الكلام اللي بتقوله الزبالة دي؟

 أومأ لها بهدوء

 فدنت منه تقبض على تلابيب قميصه: انت بتقول إيه انت اتجننت تتجوزني على دي أنا تدخلني على درة يا حسام. 

أبعد يدها بعنف هادرا في وجهها: وطي صوتك انزاي تكلميني كدة واذا كانت هي زبالة فأنت ما تفرقيش عنها حاجة على الأقل هي واضحة وصريحة إنما لنت بقي.

 قاطعته بصراخ: أنا إيه أنا واحدة اتجوزتني على سنة الله ورسوله وبنت ناس ومحترمة إنما هي.

 قاطعها وهو يشير بسبابته في وجهها: إياك تغلطي فيها وعايزك تعرفي يا هانم انك زيك زيها هنا ولو سمعت مجرد بس انك ضايقتيها أو اتعرضتلها حسابك هيكون معايا أنا ودلوقتي اطلعي اتلقحي في أي اوضه من اللي فوق عشان أنا هقضي الليلة مع ليالي أصل ما ليش مزاج ليكي النهاردة. 

انعقد لسانها عن الحديث وراحت تغمغم بأقزر الشتائم وهي تبصره يحيط كتف تلك الساقطة ويصعد برفقتها إلى الأعلى وهي تضحك بدلال زائد فصارت بخطى مترنحة وألقت بجسدها فوق الأريكة وهي تشعر بالضياع.

 فيبدو أن أيامها القادمة لم تمر على خير أبدا كما أن ظلمها لعمار هنداوي سيجعلها تدفع الثمن غاليا.

 إنسابت دموعها فوق وجنتيها فهي لم تتخيل في أسوأ كوابيسها أن يحدث معها ما حدث لكن أحيانا يفاجئنا القدر بما لا نتوقعه أبدا.


❈-❈-❈



قبل قليل بعد أن تحدث الحاج سعد عن نفسه هتف عمار بهدوئه المعتاد: بص بقى يا أستاذ فرج من الآخر كده احن طالبين ايد الست صباح لابويا وبما انها موافقة يبقى من الأحسن اننا نعجل بكتب الكتاب احنى حبين بس نمشي بالأصول وجينا نطلبها منكم بعد ما عرفنا انها ملهاش حد غيركم انت والست زوجتك ها قلت إيه؟ 

وزع الحاج فرج نظراته بين الحاج سعد والسيدة سعاد والسيدة صباح ثم هدر بقوة: يبقى على بركة الله كتب الكتاب يكون يوم الجمعة بعد الصلاة ألف مبروك يا حاج سعد.

 هلل الحاج سعد بسعادة وردد خلفه: الله يبارك فيك يا حاج فرج ودلوقتي بقى خلينا نقرا الفاتحة ونتفق ونشوف الست صباح هتحتاج إيه عشان نلحق نجيبهلها قبل كتب الكتاب.

 أطلقت السيدة سمرة زغرودة مجلجلة بعد أن استمعت إلى كلمات الحاج سعد الأخيرة ثم احتضنت شقيقتها وهي تهتف بسعادة: الف مبروك يا صبوحة والله صبرتي ونولتي يا بت. 

  بادلتها السيدة صباح العناق وهي تشعر بسعادة كبيرة بداخلها فهي كانت على يقين بأن الله -سبحانه وتعالى- سيعوض صبرها خيرا وان ما لاقته على يد زوجها وعائلته من ظلم وقهر وإذلال ستجد عكسه عند الحاج سعد ذلك الرجل الطيب والشهم

 وكما يقال فما أجمل من عوض الله -عز وجل-.


❈-❈-❈


بعد أن أنهت صلاة قيام الليل استمعت إلى صوت شهقات مكتومة آتية من غرفة الطفلين فهرولت لترى ما الذي يحدث ولمن ذلك الصوت

 فتحت الباب بحرص فأبصرت الطفل ليث ينكمش فوق فراشه وصوت نحيبه يملأ الغرفة.

 دنت منه وجزبت رأسه إلى صـ درها وراحة تمسد فوق خصلاته الفحمية وهي تهتف بلهفة: مالك يا ليث بتعيط كده ليه يا حبيبي شفت كابوس ولا حاجة؟

 هزة الطفل رأسه نفيا.

 فراحت تمسد فوق ظهره صعودا وهبوطا: طيب اهدة يا حبيبي وبطل عياط وفهمني مالك؟

 لم يرد الصبي وراح يبكي بصوت أعلى جعلها تضمه أكثر إلى صـ درها وهي تقرأ ما تيسر لها من القرآن الكريم وما هي إلا دقائق معدودة حتى هدأت شهقات الصبي فأبعدته بحرص عن صـ درها وسألته بابتسامة جميلة: ها بقيت أحسن؟

 أومأ لها موافقا

 فكررت سؤالها: طيب قل لي إيه اللي حصل خلاك تعيط بالشكل ده؟ 

نكث الصبي رأسه أرضا ولم يعقب.

 فقررت ألا تضغط عليه وهبت واقفة عازمة على تركه كي يستريح لكنها توقفت عندما استمعت إلى صوته الجاد: خليكي هنا يا صَبا ما تمشيش.

 جلست مرة أخرى ترمقه باهتمام فهتف الطفل بنبرة تقطر حزنا: أنا زعلان قوي يا صَبا مش مصدق أن ماما سابت بابا واتجوزت حد تاني غيره كمان بابا عمل زيها وما فكروش فينا هما الاتنين فيها إيه لو كانوا فضلوا مع بعض وما سبوناش لوحيدينا يه ماما عملت كده وليه بابا أصلا وافقها؟ 

قطبت صَبا حاجبيها بدهشة فهي لم تتخيل يوما بأن ما حدث سيؤثر على الصبي بتلك الطريقة فأخذت نفس عميق وزفرته على مهل ثم هتفت بجدية مصحوبة باللين: اسمعني كويس يا ليث اللي حصل بين مامتك وباباك ده ربنا هو اللي كاتبه مامتك وباباك حياتهم مع بعض انتهت لحد هنا وده قدر ربنا يا حبيبي انت عارف ان قدر ربنا ما حدش يقدر يقف قدامه صح؟

 أومأ لها الصبي. 

فاستطردت حديثها: ماما وبابا ما غلطوش ربنا -سبحانه وتعالى- حللهم ان هما يتجوزو بعد ما ينفصلوا يعني هما الاتنين ما عملوش حاجة حرام أو عيب فهمني يا ليث. 

أومأ لها مرة أخرى. 

فدنت منه وطبعت قبلة طويلة على جبينه هاتفة بشقاوة: دلوقتي تنام بقى عشان تصحى تساعدني نعمل فطار حلو لبابا وللاتين إيه رأيك؟

 ماشي. 

قالها ليث وهو يتمدد فوق الفـ راش ويسحب الغطاء فوقه 

بينما هي شيعته بنظرات حزينة ودلفت للخارج وهي تتساءل بداخلها

 هل ستستطيع أن تعوض هذين الطفلين عن الفراغ الذي تركته والدتهما أم لا؟

 أما عن ليث فراح يحدق في سقف الغرفة بشرود وهو يشعور بالغضب حيال والده ووالدته فعلى الرغم من اقتناعه بحديث صَبا إلا أنه لم يستطع أن يغفر لهما ما فعلاه بحقه هو وشقيقته.

 والسؤال هنا يا ترى سيؤثر كل ما حدث على ليث مستقبلا أم سيستطيع أن يعيش طبيعيا ويتخطى كل ما حدث؟


❈-❈-❈


في غرفته يدور حول نفسه كالأسد الجريح فهو لم يصدق حتى الآن أن الفتاة التي انتظرها كل هذا العمر باتت لرجل غيره والأغرب من ذلك أنها باتت لشخص طالما أحبته.

 كيف ومتى لا يعرف كل ما يعرفه أنه خسر الحرب قبل أن تبدأ.

 قبض على يديه بقوة ثم فح من بين أسنانه: لا يا صَبا مش دي النهاية أبدا النهاية أنا اللي هحطها مش انت

 لكن ازاي بس ازاي هقدر أشرفها وهي ملازمة العاجز ده طول الوقت ازاي.

 صك على أسنانه بقوة ثم ركل الجدار عدة مرات بقدمه وهو يظفر بقلة حيلة.

 عاد وجلس فوق فراشه ووضع رأسه بين راحتي يده وراح يفكر في حل لعودة صَبا إليه ولكن تلك المرة عليه أن يفكر جيدا المهمة الآن أمامه باتت شبه مستحيلة خاصة وعندما تزوجت بحبيبها أراحا ظهره على الفراش وعقله يدور كبندول الساعة ويبدو أن النوم سيجافيه تلك الليلة

 فهو من الأشخاص الذين إذا شعروا بالغضب لا يستطيعون النوم مطلقا.


❈-❈-❈


في صباح اليوم التالي

 فتحت عينيها بتكاسل شديد ثواني وشعرت بشيء صلب تحت رأسها

 ابتسمت بعذوبة عندما رفعت عينيها وأبصرته يأخذها بين ذراعه وينام بعمق فهي قضت ليلتها تحاول الاعتذار منه بشتى الطرق لم يسامحها إلا عندما بكت أمامه وقتها ضـ مها إلى صـ دره وأخبرها بأنه ليس غاضبا منها وقتها شعرت بالارتياح وتوسدت صـ دره ونامت بسلام واطمئنان.

 فهي تحبه كثيرا وما فعلته ليس إلا غيرة عليه وعشق كبير له.

 حاولت إبعاد يده بهدوء ثم راحت تداعـ ب وجهه بأطراف خصلاتها مما جعله يتململ ويقطب حاجبيه بانزعاج شديد. 

ضحكت بعذوبة ثم كررت فعلتها ففتح عينيه وقبض على يـ دها هاتفا بابتسامة: مش هتبطلي حركاتك دي قلت لك إني جسمي بيقشعر من الحركة بتاعتك دي.

 ضحكت مرة أخرى ثم داعبت وجنته بيـ دها الحرة مغمغمة: يلا قوم على بال ما أحضر لك القطار علشان ما تتأخرش على شغلك. 

جذبها إليه وطبع قبـ لة عميقة فوق جبينها ثم عانقها وهو يهتف ويجذب الغطاء عليهما: خلينا نريح حبة كمان. 

حاولت أن تعترض لكنه أسكتها بطريقته الخاصة

 فسكتت شهر زاد عن الكلام الغير مباح.


❈-❈-❈



وضعت كوب القهوة أمامه وهي ترسم ابتسامة صفراء على وجهها وهتفت بجدية وهي تستقل الكرسي المقابل له: بقول لك إيه يا رؤوف انت يا حبيبي ناوي تكمل جوازك امتي؟ 

ارتشف رشفة صغيرة من كوب القهوة وأجابها بهدوء: لسه مش عارف يا اما أصل عبير متاخدة شوية عموما يعني أنا هبقى أتكلم معاها في الموضوع ده. 

لوت شفتيها بعدم رضا وغمغمت بسخط: وهي متاخدة ليه إن شاء الله أول جوازه لها -لا سمح الله- بقول لك إيه يا رؤوف أنا ما بحبش كهن البنات ده يا أخويا أنا عايزة افرح بيك واشوف لك حتة عيل.

ذفر بنفاذ صبر وهتف: بقول لك يا أما حاضر هتكلم معاها سيبيني بقى اشرب القهوة خليني امشي عشان اتأخرت. 

صمتت قليلا تدعي التفكير ثم سألته مباغتة: طيب يا ابني انتو قررتم هتعيشوا فين معقولة يا رؤوف هتسيبوني قاعدة لوحدي هنا وتروح تدور لك على بيت برة!

 رمقها بدهشة هاتفا بعدم تصديق: هو أنت عايزانا نسكن معاكي هنا وأنا اللي فكرت انك هتتضايقي عموما يعني.

 قاطعته بلهفة: لا لا لا أتضايق إيه ده أنتو هتنوروني ومراتك هشيلها فوق راسي بس يا ابني أنا مش عايزة اعيش وحيدة في اخر ايامي انت عارفني يعني ما بحبش الوحدة فيعني لو.

 قاطعها بهدوء: أنا ما عنديش أبدا مانع اني أعيش معاكي والرأي في الأول والآخر لعبير لو هي ما عندهاش مشكلة خلاص من بكرة نوضب اوضتي واشتري اوضه نوم جديدة ونعيش عندك هنا يا ست الكل بس يا أما أنا عايزك توعديني انك ما تضايقيش عبير أبدا صدقيني يا أما عبير غليانه وطيبة وعايزة تعيش واللي شافته في جوزتها الأولى مش شوية فعشان كده عايزين نعوضها على الأيام السودة اللي عاشتها ها قلتي إيه افتحها في الموضوع؟

 أجابته بلهفة وسعادة كبيرة تجتاحها: أيوة طبعا فاتحها وان ما شلتهاش الأرض يا ابني أنا هاشيلها فوق راسي ده هيبقى بيتها وأنا اللي ضيفة عندها. 

قالت تلك الكلمات بخبث شديد لم يلاحظه الآخر فقد كان شاردا في عالم آخر فكلما ذكر اسم حبيبته شعر بفراشات تدغدغ معدته ويزداد خفقان قلبه بشدة.

 أنهى فنجان قهوته ثم هب واقفا يهتف بسعادة: طيب يا ست الكل أنا هامشي بقى واعملي لنا غدا حلو كده وععدي على عم سعد في البيت أخد رأيه في الموضوع. 

ألقى كلماته دفعة واحدة وانطلق للخارج تاركة الأخرى تشيعه بنظرات غير مفهومة وهي تهتف بفحيح: والله وهتنوريني يا بنت الحاج سعد.


❈-❈-❈


فتحت عينيها بإجهاد شديد ثم أغلقتهما عدة مرات شعرت بالحزن عندما أبصرت هيأتها المزرية فقد قضت ليلتها فوق تلك الأريكة بردهة القصر. 

شعرت بالغضب من ذلك الذي يقبع بين أحضـ ان تلك السـ اقطة فعزمت على مواجهته وفهم ما يحدث من حولها ألا وهو إن كان متـ زوجا بتلك الحية لماذا تـ زوج بها وجعلها تطلق من زوجها عليها أن تفهم كل ما يحدث من حولها قبل أن تتخذ أي خطوة.

فاستقامت واقفة وهي تمسد أسفل ظهرها ثم صعدت درجات السلم تبحث عن تلك الغرفة التي يقبعان بها واثناء تجولها استمعت إلى صوت حركة بسيطة فأيقنت على الفور أنها له سارت باتجاهها ثم راحت تطرق فوق بابها بعنف وهي تهتف بغضب: يا حسام بيه يا أستاذ حسام أتفضل اطلع لي دلوقتي حالا لازم تتكلم معايا وتفهمني إيه المهزلة اللي بتحصل دي؟ 

صكت على أسنانها عندما لم تجد ردا فكررت الطرقات مرة أخرى ولكن بطريقة أعنف جعلته يفتح الباب وهو يلف نصفه السفلي بمنشفة كبيرة ويجفف خصلاته بأخرى صغيرة وهتف وهو يرمقها ببرود مستفز: إيه الغاغة اللي انت عملاها على الصبح دي الناس بتقول صباح الخير وانت عملة لك ازعرينا ليه كده؟

 رمقته بدهشة هاتفة بعدم تصديق: غاغا وازعارينا انت متأكد انك تربية قصور ده اللي يشوفك يقول إنك تربية حارات عموما.

 قاطعها وهو يحذرها بسبابته: بصي يا بتاعة انت أنا مش هسمح لك بأي تجاوز ولسانك ده لو نطق بكلمة ما عجبتنيش هقطعهولك. 

لم يؤسر تهديده بها فهتفت بصوت مرتفع: يبقى تفهمني إيه اللي بيحصل هنا أحسن لك لما أنت متزفت ومتجـ وز ليه اتجـ وزتني وخلتني أسيب جـ وزي عموما. قاطعها وهو يلقي المنشفة الصغيرة أرضا: عيزة تعرفي أنا عملت كده ليه هقول لك

 تار قديم بيني وبين جـ وزك زي ما هو حرمني من أكتر بني أدمة حبتها في حياتي أنا كمان حرمته منك ومش بس كده خليته يشوفك قليلة الأصل ونكرة للجميل عارفة كمان أنا عملت معاكي كدة ليه عشان انت كمان غلطتي في حقي فكرة لما كبيتي العصير في وشي قدام الناس كلها لا مؤاخذة يا مدام حسام أبو الدهب ما بيسبش حقه أبدا وطاري أخدته من جوزك ومنك ومن الآخر كده عايزة تعيشي معانا هنا في القصر يبقى تنفذي اللي أقول لك عليه بالحرف الواحد

 وعموما اللي أنا كنت عايزة خلاص حصل وعمار اتجـ وز بنت عمته يعني استحالة هيردك لعصمته تاني. 

دنا منها وربط على وجنتها بقوة متوسطة: عايزك تفكري كويس قبل ما تديني قرارك النهائي

 تعيشي هنا ولا تغوري في داهية ترجعي بيت أمك وأبوك.

 دفعت يده وهتفت بغل: ربنا ينتقم منك يا حسام حسبي الله ونعم الوكيل فيك.

 رمقها باستخفاف ثم اتجه إلى داخل الغرفة واغلق الباب في وجهها تاركا إياها تشيعه بنظرات حاقدة لو خرجت لأحرقته حيا.


❈-❈-❈


هو ليث ما صحاش يفطر معانا ليه؟ 

تلك الكلمات تساءل بها عمار وهو يرتشف من فنجان الشاي خاصته.

 أجابته صَبا وهي تضع لقمة صغيرة في فم لاتين: مرداش يصحا قال لي إنه ما نامش كويس امبارح فسبته على راحته. 

سادة الصمت بينهما لبضع دقائق حتى انتهت صَبا من إطعام الطفلة فأجلستها بجوارها وأعطتها كوب الحليب هاتفة في حنو أعجب عمار كثيرا: لاتين حبيبتي اشربي اللبن دم كله مش انت كنت بتقولي لي بالليل عايزة تكبري وتبقي دكتورة زي صَبا؟

 أومأت لها الطفلة والتقطت منها الكوب بحرص وراحت ترتشف منه بسعادة. 

شرعت صَبا في إكمال طعامها لكنها أجفلت على سؤاله المباغت: بتعملي كده ليه يا صَبا عايزة تسبتي إيه بالظبط معقولة تكوني أحن عليهم من أمهم يعني اللي رمتهم؟

 رمقته بعتاب وهي تهتف موجهة حديثها للطفلة: لاتين حبيبتي خدي اللبن وروحي شغلي التليفزيون واتفرجي على الكارتون إيه رأيك؟

 أومأت لها الطفلة وذهبت بخطوات بطيئة كي لا تسكب الحليب عليها.

 بينما هي أعادت بصرها إليه وسألته وهي تهتف بغضب: عمار ما تتكلمش بالطريقة دي قدام الأولاد تاني عايزة أعرفك ان ابنك ما بفاش صغير ابنك ما نامش طول الليل سبب تفكيره في اللي انت ومامته عملتوه ف-من فضلك- بلاش تتكلم بالطريقة دي عن مامته قدامه تاني لا هو ولا البنت.

 هتف باستفزاز وسألها ببرود: وانت هتعلميني أتعامل مع ولادي أزاي اسمعيني يا صَبا ما تتدخليش في اي حاجة تخصنا انت هنا بس لسبب معين في دماغي وكمان عشان خاطر أبويا

 يبقى ما تعمليليش فيها المصلح الاجتماعي فهماني.

 شعرت بالغضب من حديثه فصرخت في وجهه: انت إيه يا أخي ما عندكش إحساس ما سألتش نفسك أنا استحملت كل اللي بيحصل ده ووافقت عليك وعلى معملتك اللي زي الزفت دي ليه؟ 

شعرة بالغضب من صوتها المرتفع فهدر وهو يضغط على أسنانه: وطي صوتك وانت بتتكلمي معايا يا صَبا أحسن لك مش عمار هنداوي اللي واحدة تكلمه بالطريقة دي انت مفكرة نفسك مراتي بجد ولا إيه عشان تحاسبيني لا فوقي لنفس أنا ما بحبش ولا هحب غير زينة فاهمة زينة يا صَبا.

 دنت منه وانحنت بجزعها حتى لفحت انفاسها وجهه وهتفت بغل وهي تضغط على كل حرف تتفوه به: أيوة فاهمة زينة اللي رمتك وانت في أكتر وقت كنت محتاجها فيه

 زينة اللي فضلت عليك راجل تاني واتجوزت بعد عدتها بيوم واحد وكأنك ولا حاجة في حياتها

 زينة اللي...

 بترت باقي حديثها عندما التف وجهها إلى الجانب الآخر من أثر الصفعة القوية التي هبط بها على وجنتها الرقيقة.


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران من رواية في غياهب القدر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة