-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 5

 رواية مواسم الفرح (ست الحسن)
بقلم الكاتبة أمل نصر



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص الكاتبة أمل نصر

(ست الحسن)

الفصل الخامس 

❈-❈-❈


- احكيلي عن رضوانة .

قالها ياسين ليرتسم البؤس على ملامح نهال، لتضع كفيها على جانبي رأسها تقول بتعب:

- تاااانى يا جدى، انت ما شبعتش كلام عنها؟

رد ياسين بإصرار :

- لا مشبعتش يا نهال وانتى هتجوليلى كل حاجة

- تجولك ايه يا جد؟

هتف بها مدحت والذي ولج بالصدفة لداخل الغرفة اثناء الحديث، ليُتابع بابتسامة مشاكسة، فور ان رأى العبوس على ملامح ياسين:

- هى ايه الحكاية يا جدى؟ دا انا كمان بقيت متشوق اسمع الأسرار اللي ما بينكم:

زفر ياسين بقول بقرف:

- يا خويا ولا حكاية ولارواية إنت ايه اللى جابك اصلاً؟

ضحك مدحت ليقول متقبلًا المزاح الثقيل لجده:

- الله يسامحك يا جدى، مش هاخد على كلامك وازعل عشان انا جاي لبت عمي بعد ما جبتلها العلاج .

قال الأخيرة وهو يشير على ما بيده، حيث الكيس البلاستيكي الذي امتلأ بالأدوية، وتابع :

- حاجة تانية كمان عشان اعمل بأصلي رغم معاملتك العفشة معايا.

نظر إليه ياسين باستفسار، فاستطرد مدحت:

- جاى اجولك ان ابويا مستنيك بره ومعاه الحاج اسماعيل جريبكم من طرف جدتي نحمدو الله يرحمها. 

انتفض ياسين لينهض على الفور مرددًا بعجالة:

- وه اسماعيل ابو محمد مستنى بره كمان؟ دا من بدرى ما جاش، من ساعة ما اتوفت نحمدو، قليل الاصل ده  تو ما افتكر؟

تفوه بالكلمات وهو يخرج لتجد نهال الغرفة قد خلت عليها وعليه ، ليزيد من ارتباكها بأن جلس على طرف السرير بحوارها، ليخرج علب الأدوية ويقول بشرح مستفيض:

- شوفى يا نهال، دا هتخدي منه بعد العشا ودا مرتين فى اليوم بعد الاكل يعنى ها تاخدى منه دلوكت بصى كده واحفظى الاسم 

قال الأخيرة وهو يقترب برأسهِ منها، ف اقتربت برأسها هي الأخرى تدعي التركيز فيما يقوله، رغم خفقان قلبها  الذي كان يضرب بقوة داخل أضلعها، وحاولت التماسك حتى تخفي اضطرابها وتمعنت النظر لتحفظ إسم الدواء الذي يشير إليه، ليفاجئها بقوله:

- استنى هنا ارفعى عينك.

تطلعت به عن قرب بتساءل لتجده توقف يحدق بعينيها، ثم قال:

- هو انتي عينيكى ملونة:

قطبت ترد بتمتمة وتشتت:

- هه

اقترب اكثر يحدق بعينيها حتى اشاحت بوجهها عنه، وصخب الضربات القوية لقلبها تخشى ان يصل إليه، لتتمتم داخلها بغيظ:

- دا باينه اتجن دا كانه ولا أيه؟

فعلتها البيسطة رسمت على ثغره ابتسامة مشاكسة ليقول مناكفًا

- انتى اتكسفتي، انا اسف بس دى اول مره اَخد بالى من لون عنيكى .

ظلت صامتة على وضعها وحالة من التوتر تجتاحها حتى كانت تلعب بخيوط الغطاء في الأسفل، ولكن شخصيتها المعاندة غلبتها لتغمغم بصوت خفيض:

- وانت من امتى بتاخد بالك أساسًا ؟

رد بابتسامة متسعة زادت من خجلها 

- سمعتك على فكرة .

التفت سريعًا تهم بالرد ولكن الكلمات هربت منها، فعادت لتبتعد بوجهها عنه، ليرفرف قلبه بسعادة تجلت بقوة في نبرة صوتهِ إليها:

- انتى ليه بعدتى بعنيكى تانى؟ ماتخلينى اتحجج منها كويس ؟

قالت نهال تدعي الشجاعة والتغلب على خجلها:

- تتحجج من اى بس؟ انا مش فاهمة والله؟

قال ببساطة وجرأة لم تعتادها منه:

- من لون عنيكى؟ ولا تجوليلى انتى احسن ؟

صمتت تمسح بأناملها على جبهتها المتعرقة، فارتباكها قد وصل لاَخره، وهي تشعر وكأنها فأر صغير في مصيدة، تتمنى من قلبها دخول اي فرد من المنزل حتى ينقذها منه ومن حصار نظراته إليها.

اما هو فقد كاد الفضول أن يقتله لتُجيبه على سؤاله، رغم التسلية الشديدة في مراقبة أفعالها اللذيذة امامه، وفي الاخير قرر التصرف بذكاء، فقال مغيرًا دفة الحديث:

- اااا لكن انتى مجولتليش جهزتى نفسك بجى للجامعة؟

أجابت نهال مسبلة اهدابها تتطلع على الغطاء الذي تتلحف به:

- ايوه الحمد لله ابويا لجيلى سكن طالبات كويس 

سمع مدحت ليهتف بانفعال يدعي الغضب:

- سكن طالبات ازاي يعني؟ وانتى ماجدمتيش ليه فى المدينه الجامعية اصلًا؟ ثم انه ازاى يعني ابوكى هيأمن عليكى فى السكن؟ احنا ضامنين الحتت الغريبة دي فيها إيه؟

بلعت الطعم، لتلتف رأسها إليه بحدة انستها خجلها، لتبرق عينيها في النظر بخاصتيه، وهذا ما كان يتمناه منذ لحظات، ليتقبل انفعالها بكل رحابة وسعة صدر:

- اولا انا ملحقتش التجديم فى المدينه الجامعية،

ثانيا انا بجولك سكن كويس و مع نوها صاحبتى ودى قمه فى الادب ومعاها بنتين من البلد مايتخيروش عنها فى الرباية، احنا مبنخطيش خطوة من غير تفكير، وحساب زين .

هلل مدحت وكانه طفل صغير فرح بلعبته ليجفلها بقوله:

- زتونى غامج!

قطبت تسأله بدهشة:

- اللى هو ايه؟!

اجاب بابتسامة متسعة بمرح:

- لون عنيكى السرى اللى مابيظهرش غير للجريب منك بس 

- وه

قالتها بخجل شديد وهي تشيح بوجهها عنها، وتشد بالعطاء عليها بعصبية وحركة لا إرادية، وقد انتابها شعور قوي ان من يجلس امامها الاَن هو شخص آخر، وليس ابن عمها العاقل الرزين، 

اما هو فقد غمرته السعادة حتى جعلته يحلق فوق السحاب، وتورد وجهها الندي نتيجة الخجل، يفعل به الأفاعيل، ليقطع عليه نشوته دخول الفتيات ومعهن عمته صباح التي خاطبته بمودة:

- حجه النهاردة يوم عيد، الدكتور هيتغدى ويتعشى عندينا، يا دي الهنا يا ولاد.

ضحك مدحت على لفتتها ليرد وهو يعتدل وينهص عن التخت:

- تسلمى يا عمتى متحرمش منك، بس انا عايز اروح بيتنا اريح جســ مى وانام، احسن حاسس ان عضمي كله مكسر .

هتفت صباح بلهفة حانية:

-سلامة عضمك يا حبيبي وجســ مك كله، بس انت تمشي وتتعب ليه؟ ما هو بيت جدك مفتوح اى اؤضه خش فيها وارتاح.

اعترض بابتسامة يناكفها، ليدور حديث سريع بينهما، استغلت نهال انشغالهم، لتتناول رسغ شقيتها لتجلسها عنوة، ثم تسألها بهمس غاضبة:

- انتى كنتى مختفيه فين؟

اجابتها بدور باستغراب:

- انا كنت بروق المطبخ مع عمتى ع السريع كدة، ليه؟ هو انتي كنتي عايزاني في حاجة؟

وقبل ان ترد نهال، تفاجئت بنيرة تحشر نفسها بينهن، وتسأل بسماجة:

- انتوا بتتكلموا فى ايه؟

ردت نهال بضيق:

- يا ساتر يارب كل حاجة حاشره نفسك فيها .

هزت برأسها نيرة موافقة وهي تبتسم بصفار تبتغي إغاظة ابن عمها، ولكن مدحت أجفلها:

- يا للا يا نيره عشان تروحى معايا.

قالت بدور:

- وانا كمان هاروح معاكم.

تدخلت نهال تقول سريعًا:

- لا استنى، انتى ها تمشى معايا انا وابويا.

هتفت بها صباح:

- هتمشى كيف يا بتى على رجلك اللى وجعاكى دي؟ انتي هتقعدي هنا وتتعالجي في بيت جدك لحد اما تروجي؟ 

اعترضت نهال تقول:

- لا معلش يا عمتى، انا متعودتش اغير فرشتى .

قال مدحت:

- خلاص تعالى معانا فى عربيتى .

على الفور أبدت رفضها تردد:

- لا لا انا هاروح مع ابويا .

رد مدحت بإصرار

- وتستنى ليه؟ انا هخلى عمى يروح معانا اساسًا؟

ردت بحرج :

- لا مفيش داعى، انا هستنى شوية، مطارتش هي ع المرواح، امشي انت ونيرة.

رفضها الواضح لرفقته؛ اصابه بضيق شديد، حتى انه هم ليُفحمها برد قوي حتى لا تعترض على قول له مرة أخرى، ولكن شقيقته نيرة سبقت بالرد :

- وتستنى ليه يا ختى؟ يا للا جومى معانا واحنا هنسندك انا وبدور لحد العربية.

همت لتعترض مرة أخرى، ولكن العمة صباح كانت لها بالمرصاد لتقول بحزم:

- خلاص عاد ملكيش حجة، ولا انتي هتتكسفى من واد عمك كمان؟ جومى يا بدور سنديها مع نيرة.


❈-❈-❈ 


في السيارة التي استقلها راجح ليجلس في الأمام بجوار مدحت الذي كان يقودها، والفتيات في الخلف، نهال كانت بجوار النافذة بناءًا على رغبتها، ونيرة في الوسط، وبدور بجوار النافذة الآخرى، ومع هذا ايضًا، لم يرحمها من حصاره لها، وعينيه العميقة تراقبها في المراَة الأمامية، يتحدث مع والده ويسير بطريقه، ولا يرفع ولا يغفل عنها.

قال راجح بعتب:

- ملكش حج يا ولدى تكلف نفسك وتجيب العلاج من غير ما تجولى؟

أجاب مدحت وعينيه تراقب رد فعلها:

- فى ببتها يا عمى والموضوع مش مستاهل، يعني ماتشغلش نفسك انت .

رد راجح بحرج:

- لكن يا ولدى ما تأخذنيش كده ما ينفعش، انا لازم ادفع تمن....

قاطعه مدحت بحدة

متكملش يا عمى، اى كلمة تانية هتزعلنى منك والله، انا مش واخد غريب عنك ولا عن بنت عمي.

قال الأخيرة وانظاره اتجهت إلى انعكاس صورتها في المراَة امامه، هم راجح بالجدال والإصرار على موقفه، ولكن مدحت قطع بحدة معه، حتى استسلم راجح مجبرًا لفعله الكريم، لتستشيط نهال من الغضب في الخلف، حتى كتفت ذراعيها والتفت تراقب الطريق من نافذتها تحاول التماسك كي لا تنفجر بوالدها الذي سمح لهذا الشخص ان يحملها جميلُ، هي في الغنى عنه.


❈-❈-❈ 


قالت نعمات تجيب ابنتها التي صاحت على فعل والدها للسكوت على فعل ابن عمها والتغاضي عن دفع ثمن العلاج بعد ان فحصها ايضًا مجاناً وبناءًا على رغبة والديها:

- طب وفيها ايه يا بتى؟ دى حاجه بسيطة مش مستاهلة.

هتفت نهال لا تحتمل تبريرًا لفعل والدتها:.

- كيف حاجة بسيطة يعني؟ بجى يكشف على رجلي، ويجيب العلاج على حسابه كمان؟

دافعت نعمات:

- يا بتى انتي ليه مكبره الموضوع؟ هو واد عمك دا حد غريب. 

صاحت نهال بانفعال وعصبية:

- الموضوع نفسه كبير يامٌا، انا مش عايزه احس نفسى مديوناله بشئ مش كفاية حكاية الكشف اللى غصبتونى عليه .

قالت نعمات بعد ان فاض بها : 

-وه عليكى، دا انتى بجيتى صعبة جوى يا شيخة، اها ابوكى داخل يا ختي وكلميه بجى بنفسك.

قالت الأخيرة نعمات بعد ان انتبهت على دلوف زو جها للمنزل، والذي هتف سائلًا بدوره:

- فى ايه ؟ صوتكم عالى ليه؟

ردت نعمات : 

-تعالى شوف يا راجح، بتك عاملة عاميلها عشان واد عمها كشف على رجلها واتحمل تمن العلاج .

قال راجح :

- وفيها ايه يا بتى دا واد عمك مش غريب.

لم تتحمل نهال الجملة المكررة، لتضع كفيها فوق اذنيها

- حن عليك يا بوى، انا ودانى تعبت من الكلمة دى النهاردة

رد راجح بعدم استيعاب:

- يا بت انت مالك اتجنيتى ؟!

قالت نهال بتعب :

- واضح ان مفيش فايده من الكلام، طيب ممكن تجولى دلوقتي، كان عايزك فى ايه سيادة الدكتور، بعد ما نزلنا انا و بدور. من العربية.

رد راجح ببساطة:

- كان بيسألنى على عنوان السكن بتاعك فى المحافظة.

هتفت نهال بصوت عالي بعدم احتمال:

- كمان يا بوى، هو ماله هو؟ حاشر نفسه ليه فى دى كمان !!

رد راجح بصوت عالي بدوره:

- خبر ايه يا بت؟ واد عمك عايز يطمن على سكنك وكمان يشوف المنطقة اللى هتسكنى فيها زينة ولا عفشة مش من حجه يطمن عليكى !! 

حاولت نهال التهدئة من ثورة غضبها بأن تمسح بكفيها على وجهها، فقالت بهدوء نسبي:

- ماشى يا بوى ماشى اللي تقول عليه وتشوفه زين ماشي، واضح انى داخلة على ايام ما يعلم بيها الا ربنا .

غمغمت بالاخيرة بصوت خفيض، حتى تتجنب الشجار مع والديها


❈-❈-❈ 

في منزل عبد الحميد

ولج لداخل المنزل بمزاج رائق، واضعًا كفيه بجيبي بنطاله، يصفر ويغني بابتهاح ظهر على ملامح وجهه، حتى انه لم ينتبه على شقيقته التي دلفت خلفه، فهتف والدته بفضول:

- بسم الله ماشاء الله، الدكتور وشه بيضحك 

دنى ليقبل رأسها ثم ردد دون ان يلتفت خلفه:

- مساء الخير ياست الكل .

ردت راضية بسعادة :

- مساء الهنا على عيونك يا حبيبي  


تدخل رائف يوقفه قبل ان يكمل طريقه نحو غرفته، 

- ياحلاوه يا ولاد، واَخيرًا شوفنا الدكتور بيضحك!

طالعه مدحت بنظرة مشمئزة منه وهو يردف الكلمات والطعام في فمه:

- طب ابلع الاول جبل ما تتكلم وتستظرف بخفة دمك .

عقب عبد الحميد :

- والله عندك حج يا ولدى دا هيفضل طول عمره كده فى هبله ده ما هيتغيرش أبدًا.

سمع رائف للنقد من الإثنان، واستمر في تناول الطعام دون ان يبالي، وكأنه لم يستمع شئ 

قالت راضية مخاطبة ابنها:

- قرب يا ولدى اتعشى معاهم، مستني إيه؟

قال مدحت بنبرة مكتفية سعيدة:

- لا يا امى انا شبعان، شبعان خالص، انا بس عايز انام وارتاح عن اذنك بجى.

قال كلماته وذهب على الفور، تاركًا والدته تتحرق لمعرفة سبب الحالة التي هو بها، لدرجة جعلتها تتلقف نيرة التي كانت خارجة من غرفتها بعد ان بدلت ملابسها، لتجذبها من ذراعها وتقربها إليها هامسة

- خدى هنا يا بت، اخوكى ماله ؟!

القت نيرة بنظرها على الباب الذي اغلقه شقيقها منذ لحظات بعد ان دلف لغرفته، ف سألت بارتياب

- ماله اخويا؟ ما هو زين اها.

- زين اها! تعالى يا بت معايا احكيلى كل اللي حصل بيت جدك .

قالتها راضية وهي تجذب ابنتها بحزم لتجلس بها في احد الاركان بالصالة لغرض الحديث، ولكن نيرة اعترضت، لتنزع يدها عنها قائلة:

- يا اما سيبينى انا هموت واتعشى، عصافير بطني بتسوسو.

لم تستسلم راضية ف جذبتها مرة أخرى قائلة بتصميم :

- يا بت الوكل مش، هيطير تعالى هما دقيقتين وبعدها كلي للصبح .

صاحت نيرة بصوت عالى جعل والدها ينتبه:

- ياما بجولك جعانة، باه، يعني هو الكلام هيخلص؟

هدر عبد الحميد بزو جته يجفلها:

- خبر ايه يا مره انتى؟ بتجولك جعانة سيبيها تاكل . هى الحكاوى هتطير؟

تركتها راضية مجبرة، لتتمتم خلفها بصوت خفيض، وهي تراها تجلس على مائدة السفر من قبل أن يختم والدها كلماته، لتأكل بنهم وشهية مفتوحة دائمًا:

- كلك ديب يا بعيدة


❈-❈-❈ 

على تحته كان جالسًا على طرفه بشرود، دون ان يبدل ملابسه، يتذكر كل همسة وكل رد فعل صدر منها، هذا الخجل الشديد الذي يميز شخصيتها العنيدة، ثم هذا الاكتشاف الجديد الذي علمه جديدًا عنها، وهو لون عينيها السري والذي لا يعلمه سوى المقربين جدا منها، لعن نفسه وغباءه الذي جعله ينشغل بتأسيس مستقبله بالعمل الدئوب دون توفف حتى أضاع عليه اجمل الفترات في مراقبتها وهي تكبر أمام عينيه حتى تصبح بهذه الروعة، 

التفت رأسه فجأة نحو النتيجة الورقية المعلقة على أحد حوائط بالغرفة، وجدها عشرة بالشهر، ليتبين له المتبقي من الايام لن يتعدى ٨ ايام على فتح الدراسة بالجامعات، أخذ شهيق طويل وأخرجه مرة أخرى، ليهدأ ضربات قلبه التي تسارعت فجأة ، فما ينتظره قد اقترب، اقترب ميعاد ان تصبح بالقرب منه، ليراها يوميًا، بل وتتعلم في نفس مكان عمله، اقترب الميعاد الذي يجدد الامل إليه، لإصلاح ما أخطأ به سابقا، اقترب ميعادها مغه، تمتم يفكر بصوت واضح مع نفسه:

- هانت، هانت مدحت. 


❈-❈-❈ 


بعد ٨ ايام 

توقفت لتتطلع للمبنى الضخم امامها بمشاعر مختلطة ما بين الهيبة والإجلال والإنبهار، قلبها كان يضرب بتسارع رهبة من الموقف مع قرب تحقيق حلمها لتصبح طبيبة، لقد فعلت الصح رغم سذاجة تفكيرها في البداية، حينما علقت مستقبلها بدخول نفس الكلية التي دخلها هو؛ لتقترب منه وتُصبح لائقة له ومتكافئة معه، أما الاَن وقد اكتشف وهم تعلقها بإنسان سطحي، بأفكار رجعية جعلته يختار شقيقتها الصغيرة الغير مناسبة له من جميع النواحي، لا عمرًا ولا تعليمًا، ولا ثقافة، لتعلم هي بحقيقته وتلحق نفسها في التأسيس لمستقبلها، مستقبلها فقط.

- اه

صدرت منها فجأة إثر دفعة قوية تلقتها من صديقتها وزميلة الدراسة معها من البلدة نوها والتي قالت :

- ما تتحركى يا بت، انتى هتفضلى واجفه كده كتير؟

ردت نهال بضيق:

- يخرب بيتك خضتينى، كنتي هتكفيني على بوزي قدام الطلبة والزملا وفي اول يوم دراسي كمان، عشان ابقى مضحكة الكل.

ردت نوها :

- اعملك ايه يعنى؟ ما انتى اللى وجفتى مكانك ومش متحركة 

سارت معها نهال لترد وهي تبتسم بسعادة:

-  مش مصدجة نفسى يا نوها، وفرحانة جوى انى خلاص هحقق حلم عمرى وابجى دكتورة. 

قالت نوها بابتسامة فرحة هي الاخرى:

- مش انتى لوحدك يا ماما، انا زيك برضو ويمكن اكتر، وعشان كدة بقولك اتحركى بجى خلينا ندخل الكلية ونعيش الواقع بجد ونمارسه.

همت لترد نهال ولكن صوت الهاتف قطع عليها، لتنظر بهذا الرقم الغريب عنها، فتحت لتتبين من هو المتصل:

- الو السلام عليكم .

وصلها صوته المنفعل:

-السلام عليكم وحمد ع السلامة كمان، انتي فين؟

قطبت مندهشة لتبعد الهاتف عن اذنها لتهمس لنوها ياعين متوسعة مندهشة:

-دا الدكتور مدحت ابن عمي. 

همست الأخرى سائلة:

-ودا عايز إيه؟

حركت رأسها بعدم فهم، ثم ردت بصوت مهتز:

- يعنى هاكون فين ؟ انا فى الجامعة طبعاً.

رد بصوت محتد:

- انا مش منبه عليكى وجايلك انى هاجى اخدك بالعربية واوصلك .

شعرت نهال بالغيظ منه لتجيبه بعند:

- وانا جولتلك متتعبش نفسك.

٠وصلها صيحة منه اجفلتها:

- انتى مالك اتعب ولا اتنيل حتى، انتى ليه مابتسمعيش  الكلام؟

انعقد لسانها ولم تعرف بما تجيبه وهو بهذه الحالة من العصبية التي لم تعتاد عليها منه، مع ازدياد غضبها بانفعاله الغير مبرر نحوها، وحينما طال انتظاره هتف بها:

- مابترديش ليه ؟

ردت تدافع:

- هاجول ايه يعنى ؟ ما انا بجولك طلعت مع زميلاتى فى السكن مجيتش لوحدى يعنى، يبقى إيه لزمة الزعيق والشخط فيا؟

هذه المرة كان الصمت من جانبه، ليصلها صوت انفاس متهدجة تزيد من توترها، فرددت بتساؤل:

- الو... الو يا دكتور مدحت.

- اجفلى يا نهال ، إجفلي دلوك.

قالها لينهي المكالمة سريعًا، ليجعلها تنظر في الهاتف باستغراب وقد تغير مزاجها على الإطلاق.

سألتها نوها:

- مالك شكلك اتغير ليه؟ هو قالك إيه بالظبط؟

اجابتها نهال:

الباشا الدكتور كان بيزعج معايا عشان جيت الجامعة ومستنيتش يوصلنى، اصلوا خايف يا ستى عشان بجيت مسؤله منه.

- خايف عليكى 

- ايوه يا ختى خايف عليا، بس اللي مستغرباله ، هو عرف كيف نمرتي؟ بس هو مؤكد خدها من ابويا، اعمل ايه بس مع ابويا دا اللي بيثق فيه وعامله ولده 

تبسمت نوها تناكفها:

- يا بت، يعنى انتى مكنتيش عايزه تسمعى صوته؟!!

ارتبكت نهال لتلكزها قائلة:

- لاه مكتش عايزه اسمع صوته ولا عايزه منه مساعدة انا جولتلك جبل كده انى مش هبص غير لمستجبلى وبس .

ردت نوها بعدم تصديق:

- يا شيخة! يعني عايزانى اصدق ان نستيه ونسيتي حبك ليه؟ 

- ايوه نسيت ويا للا ياختى همى برجلك شويه خلينا نوصل ونشوف النظام ايه .

قالتها نهال بجدية لتتهرب من الرد على سؤال صديقهتا، ولتسرع بخطواتها نحو الداخل:


❈-❈-❈ 


وإلى بدور التي كانت في طريقها نحو المدرسة مع ابنة عمها وصديقتها نيرة، يتسامرن بالحديث المسلي حتى يصلن المدرسة، حتى تفاجأن بمعتصم الذي كان متوقفًا بجانب الطريق وكأنه كان في انتظارهن، بمرفقها لكزت نيرة على جانب بدور تغمز لها لتُنبهها، ف ارتبكت الأخرى وتوترت وهي تجده يقترب منهن بابتسامة لزجة ليُصافحن بيده، مرددًا بترحيب:

- إزيكم يا بنات، عاملين ايه؟

اومأت له نيرة كرد، اما بدور فازداد ارتباكها وعيناها تتطلع يمينًا ويسارًا حولهم لتقول:

- إنت ايه اللى جابك يا معتصم؟ ولا واقف هنا ليه؟

رد بسماجة غير مبالي بقلقها:

- طيب  سلمى زين الاول، هو انا لحقت عشان تاخديني كدة على مشمي؟  عامله ايه يا نيرة فى الدراسة؟ زينة كدة ولا خايبة؟ ههه

بادلته نيرة ابتسامة على مضض كمجاملة، قبل أن تستأذن لتبتعد وتتركهما، كي تعطيهم فرصة للتحدث على انفراد.

تبسم معتصم يقول بمزح:

-عندها زوق بنت عمك دي والله، عرفت من نفسها ومن غير ما اقولها عشان تروق لنا الجو ههه 

قطعت عليه بدور تسأله بحدة:

- معتصم انا سألتك إيه اللي موجفك على الطريق كدة؟ وجاي ليه؟

رد معتصم بعتب:

-يعني هكون جاى ليه يعنى؟ جاى عشان اشوفك يا بدور وحشتيني. 

هتفت به بعصبية:

- تشوفني دا إيه؟! وكدة على الطريق كمان؟ هو انت مش خايف حد من ناسى يشوفك هنا تحصل نصيبة؟

رد معتصم بعدم اكتراث ضاحكًا:

- تحصل نصيبة ليه مش خطيبك انا؟ ثم انتى السبب يا بدور، عشان منشفاها عليا، دا انتى حتى التلفون بالعافيه بتردى عليه.

حاولت التماسك حتى لا تقرعه برد قاسي، فقالت بجفاء:

- بجولك ايه يا معتصم؟ إنت تحمد ربنا انى برد عليك من الأساس، ولا انت ناسى ان جدى حكم إن مفيش كلام تليفونات لحد ما يحصل جواز وانا لولا زنك الكتير فوق راسي، والله ما كنت رديت عليك اصلاً.

تقبل حديثها ليرد ببرود شديد:

- خبر ايه يا جمر؟ مزوداها كدة وشادة معايا في الحديت عشان كلمتين اتجالوا، وهو احنا يعني هنتبع كل اللى يتجال ياك؟

تملكها الغيظ من ردوده المستفزة، لتهدر به؛

- معتصم فوضها وامشى احسن، كفاية كدة، بت عمى واجفه فى الشمس احسن تتعب .

القى نظرة نحو نيرة التي كانت تتابعهم من قريب، ثم عاد إلى بدور قائلًا:

- تتعب كيف يعني، هى لحجت تجف ولا احنا لحجنا نتكلم اساسًا؟

هتفت به بدور وقد فاض بها:

-امشي يا معتصم احسنلك دلوك، امشي الله لا يسئك.

هز رأسهِ بابتسامة مستفزة يقول لها:

- ماشى ياجمر، عشان خاطرك بس، وكدة كدة الايام  جايا كتير، سلام.

اردف بها ثم ذهب لتعود إليها نيرة على الفور سائلة:

- كان عايز ايه ده ؟!

لم تجيبها بدور وقد بدا عليها الشرود وهي تغمغم بصوت خفيض وهي تتبع اثره:

- انا مش عارفة عجلى كان فين ساعتها؟

هتفت نيرة باستفسار:

- انتى بتجولى ايه؟ صوتك واطى وانا مفهمتش حاجة.

التفت إليها بدور تطالعها بنظرة غير مفهومة تجيبها:

-ما تشغليش نفسك يا نيرة، اهو جال كلمتين وراح لحال سبيله، يا لا بجى مايهمكيش انتي.


❈-❈-❈ 


وفي الجامعة وبعد ان استقرت مع صديقتها في المدرج لانتظار الدكتور الذي سوف يُعطيهم اول محاضراتم العلمية لبدء الدراسة، اقتربت فتاة جديدة تجلس بجوارهن لتبادرهن بإلقاء التحية:

- السلام عليكم يا بنات، ممكن اتعرف بيكم.

ردت نوها بمودة للفتاة:

- اهلا وسهلا بيكي، انا نوها ودى نهال صاحبتي وبت بلدي. 

اشرق وجه الفتاة تردد:

- با أهلاً يا مراحب ببنات البلد، اهلا يا نوها، اهلا نهال... 

توقفت فجأة محدقة بإعجاب نحو الأخيرة مردفة:

- بسم الله ماشاء الله، ايه الحلاوه دى؟

تبسمت نهال لترد على الفتاة بخجل:

- متشكرة يا ستي، بس مش لدرجادي يعني.

هتفت الفتاة:

-والله لدرجادي وأكتر كمان، هو انتوا من فين يا بنات؟ بس قبل ما تتكلموا احب اعرفكم بنفسى، انا بثينة من هنا، من المحافظه نفسها يعنى 

ردت نوها:

- يعنى انتى من البندر؟ بس احنا يا ستى بلدنا بعيدة عن هنا.

عادت بثينة لتردف بإعجاب:

- بس ايه الحلاوه دى؟ دا انتو بلدكم بتطلع ابطال يا

البنات.

تبسمن لها الاثنتين يستجبن لمرحها، لتردف نوها:

- يعني انتي هتتجني على نهال، امال لو شوفتى اختها بدور كمان، دى عنيها ما تعرفيلها لون، اصلهم وراثة من امهم نعمات.

تمتمت بثينة بإكبار:

- ما شاء الله ربنا يبارك، لكن انتو متعرفوش مين داخل لنا دلوقت؟

تمتمن الإثنتان بصوت واحد:

- لا ما نعرفش صراحة، ما انتي عارفة احنا لسة جداد زيك .

استمر الحديث بمودة بين الفتيات الثلاثة حتى هدأت الأجواء، والتزم الجميع الصمت مع دلوف دكتور المادة؛ الذي ما ان رأته بثينة، هللت تصفر بصوت مكتوم بإعجاب مرددة:

- ايوة بقى افتحو كدة نفسنا من اولها عشان نبدأ الدراسة صح، هي دي الدكاترة ولا بلاش .

قالتها الفتاة لتنقل بأنظارها نحو الفتيات تريد مشاركتهن الرأي لتفاجأ بالجمود الذي أصاب الاثنتين، فقد كان هذا اخر ما يتوقعن، رددت باستغراب لهيئتهن:

- ايه يا بنات ما لكم قاعدين ساكتين ليه؟ ايه اللي جرالكم؟ هو انتو شوفتو عفريت!

 يُتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة