-->

رواية جديدة طُياب الحبايب لرضوى جاويش الفصل 17 - 4 - الثلاثاء 11/2/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل السابع عشر

4

تم النشر الثلاثاء

11/2/2025



نهضت تسير على أطراف أصابعها في حذر، تحاول أن تتلمس الطريق لباب الكوخ، وهي تحمل المصباح الزيتي كمؤنس لها، لكن فجأة وبلا مقدمات، كف باردة كممت فمها من الخلف، تجذب جسدها لجسده الفاره الطول، هامسة بالقرب من مسامعها في نبرة أمرة: إياك والصراخ، وإذا ما طرق أحدهم بابك لا تردي.. 

هزت أنس رأسها مؤكدة على التزام أوامره، وقد هدأ الصخب بالخارج، وابتعد عن موضع البيت بشكل كاف، ما دفع الدخيل ليستطرد في نبرة أمرة من جديد: سأبتعد، لكن إن قمتي بأي حركة من شأنها فضح أمري فلا تلومن إلا نفسك.. 

رفع الدخيل كفه عن فمها، هامسا: استديري ببطء واغلقي ذاك المصباح، فلا داعي لجعل الجيران يتنبهون أن ذاك البيت مسكون من الأساس.. 

استدارت ببطء كما أمرها، وما أن رفعت ناظريها لبرهة وهي تهم بالنفخ في نار المصباح لاطفائه، حتى وقع ناظرها على ذاك الدخيل، فشهقت في ذعر مصدومة، ما دفعه ليسرع هو زافرا في قوة مطفئا نار المصباح، ليعم الظلام.. 

❈-❈-❈

القاهرة ١٩٩٠.. 

شهر مر منذ آخر مرة وطأت قدماها بيتها، كان شهرا حافلا رأت وسمعت فيه ما لم تسمع أو ترى بحياتها كلها، تفتحت عيناها على عوالم آخرى، ودخل حياتها شخوص جدد، كانت أبعد ما يكون عن عوالمهم، وما كان يخطر ببالها لحظة، أن تكون هي محور كل هذه الأحداث، وتشهد كل هذه الصراعات في هذه الفترة الزمنية القصيرة.. 

طرقات على باب حجرتها، جعلها أنس تحيد بناظريها عن تلك النقطة المألوفة في سقف حجرتها، والتي تتطلع نحوها ما يقارب الخمس دقائق يوميا، قبل أن تقرر النهوض لمواجهة العالم.. تستعيد كل الأحداث وترتب القادم.. 

دخلت برلنت أمها متسائلة: صحيتي! قلت أشوفك معقول لسه نايمة لحد دلوقت!..

ابتسمت أنس مؤكدة وهي تستقيم جالسة بالفراش: صحيت يا ماما، تعالي يا حبيبتي، انتي كويسة! 

جلست برلنت قبالتها على الفراش، متسائلة في تردد: إنتي اللي كويسة! من ساعة ما وصلتي م الصعيد وانتي مش أنس اللي أعرفها، فيكي حاجة متغيرة!.. 

ابتسمت أنس مؤكدة: لا أبدا يا ماما، بس الصراحة كان دايما في بالي سؤال مش لقياله إجابة، هو ليه كنا معزولين عن أهلنا كده!.. ليه كان لنا أهل بعاد عنا، واحنا كمان واخدين جنب منهم!.. 

هتفت برلنت في اضطراب: اهو بقى، شوية خلافات قديمة ملهاش لازمة.. قومي افطري، حمدية حطت لنا الفطار عشان وحشني نفطر مع بعض.. 

همت برلنت بالنهوض مغادرة الغرفة في محاولة منها للهرب من الإجابة على مزيد من اسئلة ابنتها التي تدرك تمام الإدراك أنها ستطرحها ولن تدع فرصة لسؤال إلا وطرحته في انتظار إجابة شافية تريحها، ابنتها وتعرف طبعها.. وقد صدق توقع برلنت، فقد هتفت أنس بغتة: جدي عزام بيسلم عليكي.. 

تسمرت برلنت موضعها لبرهة، قبل أن تستدير لمواجهة ابنتها، متسائلة في نبرة مهتزة: هو لسه عايش! على فكرة ده مش جدك، ده عم ابوكي.. لو جدك كان عايش، مكنش.. 

هتفت أنس تستحث أمها التي صمتت ولم تستكمل حديثها: مكنش ايه يا ماما!.. ليه حاسة إن في قصص وحكايات كتير معرفهاش، ومحدش عنده استعداد يعرفهاني!.. ليه بتقولي كده على أهل بابا، مع إنه باين عليهم طيبين، جدي عزام ده استقبلني في بيته، و.. 

هتف أمها في حنق منفعلة: في بيتك! استقبلك في بيتك، مش بيته.. جدك حسان أبو نجيب والدك، كان ليه فالبيت ده زي ما لعزام بالظبط، وبعد موت جدك ابوكي معرفش ياخد منهم حق ولا باطل، ويوم ما نجيب مات، مات حقه اللي هو حقك معاه، ده مدفنش هناك جنب جدك، أبوكي وصى مندفنوش هناك، تخيلي!.. 

هتفت أنس متعجبة: ليه ده كله! على ايه العداوة دي!.. 

اندفعت برلنت لمغادرة الغرفة تحاول أن تقطع أي تواصل مجددا، متعللة: بقولك ايه يا أنس، أنا السيرة دي بتتعب قلبي، وأنا مش ناقصة وجع قلب، تعالي نفطر.. 

تطلعت أنس نحو موضع مغادرة أمها، وقد تيقنت أن الأمور لا تبدو كما هي على ظاهرها، فالحقيقة ما زالت مستترة وعليها كشفها.. وإن كان حقها وإرثها مع جدها عزام الحراني!.. لم كان عليها الذهاب لنجع رسلان للمطالبة بإرثها من حبيب رسلان، لا من عزام الحراني!.. كل هذه الاسئلة معلقة في مشنقة الظن، وما من إجابة.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩٠.. 

تمدد سرور على جانب جسده في أريحية على أحد الأرائك أسفل التعريشة، متخذا من ساعده مسندا ومتكأ وهو يهتف في حبيب الذي مال بجسده للخلف مسندا ظهره لظهر الأريكة الخشبية، يشبك كفيه خلف مؤخرة رأسه، ويمد رجليه على طولهما، يضع إحداهما على الآخرى في استرخاء.. 

هتف سرور وصوت جرامفون صفية رسلان يصل لموضعهما في ذاك الليل الساكن: ستك دي آخر سلطنة وروجان.. 

تنهد حبيب هامسا: والله أنت ما فاهم حاچة! ستي صفية دي أكتر واحدة شالت الهم ولسه شيلاه.. بس بتحايل الدنيا، وبتتصالح مع الأيام لچل ما تعدي.. ستي صفية عايشة فالماضي والزمن اللي ولى، عشان لو عاشت معانا أيامنا هتتعب.. حابسة حالها في الأغاني والذكريات الجديمة، عشان الچديد يطمم النفس ويوچع الجلب.. 

هم سرور بالرد على حبيب إلا أن مدثر ظهر قادما نحو التعريشة، وما أن اقترب وقد أدرك أن سرور بصحبة حبيب، حتى عزم للعودة هاربا من البقاء، كما كان يتحاشى التواجد مع سرور منذ أن اكتشف سره، لكن حبيب استوقفه مطالبا في مودة: تعال، هتهرب على فين! استلجى وعدك يا چميل.. 

سار مدثر نحو التعريشة وجلس كالتلميذ الخائب، يجلس قبالة سرور صامتا لا ينطق حرفا، وما أن هم سرور بمعاتبته، حتى هتف مدثر في نبرة تحمل هم الدنيا: بجولك ايه يا سرور! وراس أبوك الله يرحمه، ما أني ناجص تبكيت وتجطيم، أني مستكفي، والله مستكفي.. 

تنهد سرور هاتفا: ومين جالك إني هبكتك ولا هجطمك من أساسه!.. أني واعي لحالك، وشايف اللي غيري مش واعيله، بس لازما عليا انبهك واجولك خلي بالك، أنت ماشي فسكة مش تمام.. 

هتف مدثر حانقا: مش بيدي، أني ببعد كتير، وعلى كد ما ببعد، برچع أجرب اكتر م الأول، أني حاولت لكن مجدرتش، أني عارف إن اللي بجوله چنان.. بس ده اللي حاصل.. 

هتف حبيب مهادنا: اهدوا على بعض بس، وكلامكم انتوا الاتنين صح، كلامك يا سرور ده أني جلته كتير، هي خلاص ربنا سهل لها من زمن، ومبجاش وچودك مجبول به يا مدثر، لأنها في عصمة راچل، وعندها واد بيكبر وعينه بتفتح ع اللي حواليه، فاهمني!.. 

هز مدثر رأسه مؤكدا، هامسا في تيه: ما المصيبة إني فاهم وواعي، بس كل أما أجول لحالي بكفاياك، أبعد وشوف حالك بعيد عنها، مجدرش.. لا جادر اظلم نفسي ولا اظلم واحدة تانية ملهاش ذنب إن جلبي عمره ما هيكون لها، حاسس إني داير في ساجية بلف حوالين نفس الموال، ومش لاجي لي حل.. 

تنهد سرور ولم يعقب بحرف، فقد كان مدثر يصف حاله الذي كان وما زال عليه منذ سنوات، وتساءل في نفسه، هل كتب على أولاد النجدية الحب من طرف واحد!.. يعطوا قلوبهم لمن لا يستحق، أو لمن لا يُقدر، أو حتى لغافل بوجودهم من الأساس.. 

إنه شقاء الحب من طرف واحد.. ويا له من شقاء!.. 

نهض حبيب يصنع بعض أكواب الشاي، هاتفا في محاولة لتلطيف الأجواء: نشربوا لنا كبايتين شاي، عشان نروجوا، بلا حب بلا كلام ماسخ.. 

سأل سرور بغتة: هي الأستاذة روحت صحيح!.. 

اضطربت كف حبيب وهي تضع براد الشاي على ركوة النار، التي دفع بها بعض الأغصان الجافة لتشتعل جزوتها مجددا قبل أن تخبو، ما أن جاء سرور على ذكرها، لمَ كل من وما حوله يدفعه قصرا للتفكير فيها، وهو الذي يحاول جاهدا أن يصرف محياها عن مخيلته التي لا تفارقها إلا فيما ندر، ليعود حضورها أشد فتكا لراحة باله، ومحاولة تصبره على بعادها الذي فرض سلطته على كل مجريات حياته..

الصفحة التالية