-->

رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران الفصل 22

 

رواية في غياهب القدر للكاتبة بسمة بدران
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



في غياهب القدر

قصه ورواية من قصص وروايات الكاتبة بسمة بدران

الفصل الثاني والعشرون

❈-❈-❈

 طعنة



عتبي عليكَ.. وكم تغيبُ وأعتبُ!

وتطيلُ بُعدكَ ياقريبُ.. وأعجبُ!


كم أدّعي أنّي سَلَوتُكَ عامداً..

وأقولُ إني قدْ نسيتُ.. وأكذبُ!


أنا لا أبالي بالأنامِ.. مللْتهمْ!

حسبي بأنّكَ مقلتايَ وأقربُ!


وجهي على جدرانِ هجركَ شاحبٌ..

والقلبُ من جمرِ الجوى يتقلّبُ!

(الشاعرة سارة الزين)



❈-❈-❈

 رانا الصمت بينهما بعد أن فجرت قنبلتها الموقوتة في وجهه دون أدنى رحمة أو شفقة لم يتخيل يوما أن بعد كل ما حدث بينهما من حب واحترام وتقدير تأتي هي بكل تلك السهولة وتنطق كلمة مثل هذه

 ماذا هل قالت طلقني لماذا هل لأنه بات مشلولا لا يقدر على شيء؟

 أم أنها ملته وملت العيش معه بسبب عصبيته المفرطة بعد ذلك الحادث اللعين؟

 راحت الأسئلة تنهش في عقله دون هوادة.

 بينما هي لوهلة شعرت بأنها تسرعت وتود أن تلقي كل ما خططت له بعرض الحائط وتركض باتجاهه تعانقه وتعتذر منه عما بدر منها خاصة عندما أبصرت وجهه الذي شحبا شحوب الموتى وتجمد بصره

 ناهيك عن بطء تنفسه الذي بات واضحا للعيان كما أنها رأت أغرب شيء في حياتها على الإطلاق رأت دموعه المتحجرة والتي أبت كرامته أن يذرفها أمامها. 

حاولت أن تتحدث لكن الكلمات لم تسعفها ففضلت الصمت.

 بينما هو فقد شعر لأول مرة بأنه كان على خطأ كبير فزوجته التي كانت بمثابة كل شيء بالنسبة له طعنته في منتصف قلبه بخنجر مسموم.

هي تريد أن تترك يده في منتصف الطريق بل في أكثر وقت يحتاج وجودها فيه بقربه شيئا ما بداخله يدفعه أن يترجاها كي تبقى معه ويطلب منها الغفران ويعدها بأنه سيفعل كل شيء كي ترضا

 لكن عزت نفسه وكرامته وكبريائه منعوه من فعل هذا فإن كانت تريد الطلاق فلها ذلك فمن لا يضعنا تاجا فوق رأسه لا نضعه حذاء في قدمنا وهي لفظته من حياتها كخرقة بالية لا تصلح لشيء.

 فخرج صوته أخيرا متحشرجا خالي من الحياة: انت طالق يا زينة.


❈-❈-❈


استيقظ من نومه مبكرا فهو لم يذق طعما للنوم طوال الليل فقد قضى ليلته يتقلب في فراشه وكأنه ينام فوق جمرات وليس فراش وثير.

 التفكير كاد أن يقضي عليه وخاصة عندما رأى جارته الوقحة تجلس بمنتهى البراءة برفقة زوجته وكأنها تعلنها صراحة بأنها لن تتركه وشأنه أبدا. 

ولنفرض أنه أخطأ معها أو كانت مجرد لحظة ضعف فماذا سيحدث إذا؟

 سيخبرها بكل صراحة بأنه لا يريدها وإنما يريد زوجته وأبنائه وسيدفع لها تعويضا لتلك الليلة كي تبتعد عنه وعن زوجته للأبد فهو أيقن أنه يحب زوجته ولا يريد سواها وما فعله مع تلك الشقراء ما هو إلا مجرد نزوة وانتهت سريعا.

 ابتسم بسعادة عندما قاده تفكيره إلى هنا لكن هل يا ترى رغد ستقبل بالهزيمة وتبتعد عنه كما أراد؟ 

أم أن للقدر رأي آخر وان جريمة رامي ستظل لـ عنه تلازمه طوال حياته. 

هذا ما سنعرفه خلال الأحداث.

 استفاق من شروده على صوت زوجته الناعم يقول: صباح الفل يا حبيبي هي الساعة كم دلوقتي؟

 غمغم بهدوء: لسه بدري يا حبيبتي نامي انت وأنا هقوم البس وأنزل أتمشى شوية قبل الشغل.

 كادت أن تعترض لكنه دنا منها وطبعا قبـ لة عميقة فوق جبينها ثم هب واقفا عازما على الاستعداد للذهاب.

 بينما هي شيعته بنظرات حانية ثم عادت تستكمل نومها وابتسامة جميلة تزين محياها غافلة عن كل شيء يدور من حولها.


❈-❈-❈


بعد أن أدت فريضة الفجر طوت سجادة الصلاة ثم خلعت إسدالها وهي تشعر براحة نفسية غريبة لم تشعر بها من قبل راحة لم تجد

 لها تفسيرا مذ كانت صغيرة.

 ألقت بجسدها فوق فراشها وهي تحمد الله بداخلها على كل النعم التي منحها إياها تلقائيا لاحت صورته الحلوة أمام عينيها فابتسمت ببلاها وراحت تمسد فوق قلبها برقة وهي تتساءل بداخلها عن ماذا سيحدث لها في الأيام القادمة خاصة وأنها تشعر بأن سعادة ستدق بابها أخيرا.

 فهي رأت في منامها قبل أن تستيقظ لصلاة الفجر بأنها كانت تنام فوق فراشها وعمار يجاورها في الفراش ويتطلع إليها بشغف كبير وكأنها تحفة فنية أو لوحة جميلة رسمها فنان مشهور 

فلطالما كان يزورها في منامها لكن تلك المرة كان يبتسم ابتسامة صافية خالية من أي هموم أو حزن. 

ابتسامة رضا وكأنه عثر على شيء هام في حياته.

 تنهدت بحالمية ثم غمغمت بصوت خافت: اهدي بقى يا صَبا مالك في إيه؟

 هتتجنني من مجرد حلم.

ثواني وقفزت من مكانها وهي تنهر ذاتها بعنف فذلك الحلم جعلها تنسى أن تقرأ وردها اليومي بعد صلاة الفجر كعادتها. 

استغفرت ربها ثم اعتدلت في وقفتها وارتدت إسدالها مرة أخرى وبحركة سريعة جذبت مصحفها الصغير من فوق الطاولة المجاورة للفراش وراحت تقرأ بصوتها العذب ما تيسر لها من آيات الذكر الحكيم ورغما عنها صورته لم تفارق عينيها.


❈-❈-❈



تسللت بهدوء من جوار زوجها الذي يغط في ثبات عميق ودلفت للخارج فقد شعرت بألم شديد في بطنها فيبدو أن جنينها ما زال مستيقظا

 اتجهت إلى شرفة المنزل وسحبت كرسي ووضعته ثم جلست عليه بهدوء. 

رغما عنها راحت تتذكر لقائها الأول به بعد تلك الحادثة


 فقد كانت في الخامسة عشرة ربيعا تذكرت ملاحقته الدائمة لها فكانت أينما ذهبت تجده وكأنه كان يراقبها كظلها رغما عنها كأي فتاة في سنها تعلقت به حد الجنون كانت تهاتفه ليلا دون علم والدها وأخيها الأكبر حتى حدث ما كانت تخشاه وهو علم والدها وأخيها لم تنسى أبدا تعنيفهم لها حتى صفعها والدها لأول مرة لأنها أقبلت على ذلك الفعل المشين بالنسبة لهم. 

وقتها عرف حسام بما حدث لها وكان في حقيقة الأمر شهما كريما فقد أتى لخطبتها لكن عندما سأل عنه عمار علم بأنه شابا يافعا يركد خلف النساء.

 ناهيك عن أخلاقه الغير محمودة وقتها رفضه بشكل قطعي دون الرجوع لها وكأنها لا شيء وإن رأيها غير مهم. 

فأصرت على موقفها وراحت تتحدث معه مرة أخرى دون علمهم حتى تقدم لها زوجها حالي ووافقوا عليه رغما عنها فلم تجد بدا سوى الموافقة عليه كي تهرب من حبها لذلك المدعو حسام.


 تأوهت بصوت مسموع عندما ركلها طفلها أسفل بطنها فوضعت يدها تلقائيا تمسد مكان الألم وهتفت بصوت حزين: استغفر الله العظيمة يا رب أنا والله كنت صغيرة وما كنتش فاهمة إيه اللي بيحصل وما كنتش عارفة الصح من الغلط بس انت يا رب كنت كريم معايا وسترتني وعديت اللي حصل ده على خير الحمد لله.


❈-❈-❈


دلف للخارج عازما على التوجه إليها وتعنيفها عما ارتكبته بالأمس. 

تسلل بحرص باتجاه شقتها وقرع الجرس وانتظر

 ثواني وابصرها تقف أمامه بهيئة تخطف الأنفاس فقد كانت ترتدي منامة حمراء اللون تكشف أكتر مما تستر.

 رغما عنه راحة يتأملها بإعجاب سافر. 

ثواني وتثاقلت أنفاسه عندما اقتحم عطرها الناعم أنفه. 

فتح فمه ليوبخها لكن لم يستطع فقد كانت الكلمات تأبى الخروج من حنجرته دفعها بقوة للداخل ثم اغلق الباب وهو يلهث بعنف وكأنه كان في ماراثون للجري.

 أما عنها فقد كانت تتابع انفعالاته وابتسامة خبيثة تزين ثغرها فهي تعلم علم اليقين أنه يجاهد كي يبتعد عنها لكن هيهات لن تسمح هي بذلك وستستغل كل فرصة كي يقترب منها أكثر ويخون زوجته مرة أخرى.

 فدنت منه والتصقت به بقوة ثم طوقت عنقه بكلتا ذراعيها وهمست بإغواء أمام شفتيه: يسعد صباحك حبيبي رامي كيفك أكيد اشتقتلي منشان هيك إجيت لاتشوفين مو هيك؟

 لفحت أنفاسها الحارة صفحة وجهه فلم يستطع أن يتفوه ببنت شفه فتجرأت هي أكثر وضمته بحرص وراحت تمرر أصـ ابعها بإغواء خلف عنقه.

 لم يستطع الصمود أكثر من ذلك وانقض على شفتيها يقبلها بعنف شديد جعلها تشعر بالنشوة والسعادة الكبيرة فها هي ذي تحصل على ما تريد مرة أخرى.

 ثواني وانجرفت معه في علاقتهما المحـ رمة وتلك المرة عزمت على أن تأخذ منه ما أرادت مهما كلفها الأمر.


❈-❈-❈

دموع غزيرة تنسكب من مقلتيها وهي تحزم أمتعتها فقد قضيت ليلتها في البكاء بعد أن طلقها كما أرادت.

 حقا هي أرادت ذلك لكن لا تعلم لماذا تألمت كثيرا عندما نطقها زوجها

 تحبه؟ نعم. 

تريده؟ نعم. 

لكن تريده عمار القوي الذي يستمد الجميع منه القوة وليس العكس.

 لو كان فعل ما أرادت وخضع للعلاج لكان وضعهما الآن أفضل من ذي قبل لكن عناده وكبريائه جعلوه يخسر كل شيء وأولهم هي.

 أغلقت سحاب الحقيبة بعد أن جمعت كل متعلقاتها وراحت تمسح دموعها بأطراف أناملها وهي تشعر بألم شديد في صـ درها هي الآن تحررت من زوجها إلى الأبد

 لا تصدق بأنها ستذهب من هنا وتبدأ حياة جديدة مع رجل غيره فعندما وقعت قسيمة زواجها منذ عشر سنوات ظنت بأنها ستخرج من ذلك المنزل على قبرها لكن لعب القدر لعبته وغير جميع مخططاتها فكما يقال لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع. 

دلفت للخارج وهي تجر حقيبتها خلفها ثم ألقت نظرة أخيرة على باب غرفته وهي تعلم أنه لم يذق طعما للنوم مثلها لكن ما باليد حيلة فلقد انفصلا وانتهى الأمر.

 ترددت قليلا قبل أن تدلف للخارج فهي أرادت رؤيته لآخر مرة لكنها تراجعت في آخر لحظة فلربما هو لا يريد رؤيتها بعد ذلك اللقاء الذي كان بينهما بالأمس فنظراته الممتلئة بالخذلان أصابتها في مقتل بعد طلبها المباغت ذاك ناهيك عن ملامحه التي كساها الحزن 

وقتها صرخ بها بان تتركه وتخرج ترددت وقتها في الخروج لكن صوته المرتفع جعلها تنصاع لطلبه وتقضي ليلتها وسط دموعها في غرفة أبنائها. 

شيعت باب غرفته بنظرات حزينة ومن ثم انطلقت للخارج عازمة على بدء حياة جديدة مع رجل جديد لكن هل يا ترى ستكون حياتها أفضل من الصابق أم للقدر رأي آخر.


❈-❈-❈


بخطوات رشيقة هبط درج منزله عازما على التوجه لرؤية صديقه ومن ثم الذهاب إلى عمله كعادته في الآونة الأخيرة. 

استوقفه فجأة صوت إحدى جاراته التي هتفت بترحاب: رؤوف يا ابني صباح الفل.

 استدار إليها يرمقها بدهشة مغمغما بهدوء: صباح النور في حاجة ولا إيه؟ 

صمتت المرأة فليس لديها ما تقوله لكن رؤوف استشف ما كانت تريد التفوه به عندما أبصر وجه ابنتها منى الخجول والتي كانت ترمقه بنظرات هائمة من وقت إلى آخر. 

غلى الدم في عروقه فهو الآن أيقن أن والدته نفذت تهديده وراحت تطلب تلك الصغيرة له.

 قبضا على يديه بقوة حتى ابيضت مفاصله ثم رمقهما بحدة مغمغما في عجالة: طيب بعد أزنكم عشان ورايا شغل.

 ألقى كلماته وانطلق دون أن يستمع منهما ردا. 

فهتفت الصغيرة التي تبلغ من العمر ثمانية عشر ربيعا: شفت يا أمه أهو زي ما قلت لك مش طايقني مش زي ما مامته بتقول انه عايرني وهيموت عليا. 

ضربتها والدتها في منكبها مغمغمة وهي تلوي شفتها بعدم رضا: بلاش كلام فارغ يا هبلة وهيا أمه برضو هتيجي تخطبك له من غير علمه يلا تعالي خشي خلينا نروح نكلمها في التليفون ونشوف هتحدد ميعاد امتى. 

أومأت لها الصغيرة بعدم اقتناع وتقدمتها للداخل وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة

 بينما والدتها شعرت بالغضب الشديد فهي تعلم علم اليقين أن ابنتها على حق لكن كان لا بد أن تقول هكذا كي لا تخرب تلك الزيجة التي أرادتها منذ زمن فرؤوف شابا تتمناه أي فتاة. 

تبعت ابنتها وهي عازمة على التحدث مع والدته لتفهم ما يدور من حولها فهي كأي أم تريد الاطمئنان على صغيرتها خاصة وأن منى فتاة صغيرة وجميلة يتمناها أي شاب فلا تريد أن تتزوج إبنتها برجل لا يريدها.


❈-❈-❈


بعد أن أنهوا وجبة فطورهم طلب الحاج سعد أن يتحدث إلى ابنته الصغرى في أمر هام والتي بدورها تبعته إلى غرفته كي يتسنى لهما الحديث بأريحية أكثر. 

وها هي ذي تجلس بجواره فوق الفراش تنتظر حديثه والذي كان: عبير يا بنتي أنا عايزك تسمعيني كويس وتفكري في الكلام اللي هقلهولك قبل ما تردي عليا.

 لوهلة شعرت بالخوف من حديث والدها لكنها تماسكت وهتفت بجدية: في ايه يا بابا فهمني عشان حضرتك قلقتني جدا.

 رمقها بنظرة شمولية ثم هتف بمزاح: تقلقي ليه يا هبلة أنا جيلك عشان موضوع هيخليكي مرتاحة طول عمرك.

 دب الذعر في قلبها فيبدو أن حديث والدها عن زواجها بشخص آخر وهذا ما لا تريده أبدا فلقد عانت الأمرين من زواجها الأول وليس على استعداد أن تكرر هذه الخطوة مرة ثانية يكفيها ما رأته من زوجها البغيض فهتفت بحدة: لو كنت حضرتك قاصد اني اتجوز تاني فأنا مش موافقة يا بابا أنا ما عنديش استعداد أتهان واضرب كل يوم مرة تانية أنا كنت بنام ودموعي على خدي ما فيش مرة نمت وأنا مرتاحة ومبتسمة واشوف حلم حلو زي باقي البنات أنا عشت تلت سنين في قهر وزل وما كنتش بحسس حد فيكم بأي حاجة عشان كده -من فضلك-  يا بابا ما تفتحش معايا الموضوع ده تاني.

 صمت قليلا وهو يشعر بالحزن من نفسه فلقد غفلا كثيرا عن ابنته لاكن هي المخطئة هي التي لم تخبر أحدا بما يحدث معها. 

فأخذ نفس عميق وظفره على مهل ثم هتف بروية: طيب اسمعيني وبعدين قرري وانت عارفة اني مش هغصبك على حاجة. 

وعلى الرغم من عدم اقتناعها بما تفوه به والدها إلا أنها سألته باهتمام: طيب اتفضل يا بابا؟

 حقيقة هو كان يبحث عن حجة للتحدث مع أحدهم عن زواجه ولم يجد حجة أكثر من هذه فهتفا دون مقدمات: بصي أنا من الآخر قررت اني اتجوز وعايز أطمن عليك قبل ما أخد الخطوة ووالله مش عايز امشيكي من هنا ده انتي قبلي وقبل اللي هتهيجي تعيش هنا أنا بس عايز أطمن عليك عايزك تجيبي لك حتة عيل يونسك لما تكبري.

 فتحت فمها لترد على حديثه لكنه سبقها واستطرد حديثه: عموما اعرفي الأول مين اللي عايز يخطبك وبعدين قرري. 

أطرقت رأسها أرضا ولم تعقب.

 فهتف هو: عموما يا ستي عريسك المنتظر هو رؤوف صاحب أخوك عمار.


❈-❈-❈


ما زال في مكانه منذ ليلة أمس ينعى حظه العسر

 يبكي تارة ويشرد تارة أخرى فهو لا يصدق حتى الآن بأنه فعلها وطلق زوجته التي اختارها دونا عن نساء العالمين اجمع والتي تركته في أكتر وقت احتاجها فيه يعلم أنه قسا عليها كثيرا وإنه عاملها بجفاء أكثر.

 لكن ماذا عساه أن يفعل فهو كان مضغوطا بشكل لا يتحمله بشر فما مر به ليس بالهين أبدا وكان عليها أن تفهم ذلك لكن ماذا يا ترى سيحدث بعد الآن فزوجته تركته ورحلت.

 من سيبقى بجواره؟

 من سيلبي له احتياجاته؟

 انهمرت دموعه في صمت وآه من دموع الرجال عندما يشعرون بالعجز وقلة الحيلة تكون بمسابت جمرات مشتعلة وليس دموع.

 راحت التساؤلات تنهش في عقله بقوة حتى كادت أن تفتك به حاول الاعتدال ثم تزحزح إلى أول الفراش والتقط الهاتف عازما على التحدث مع صديقه عله يواسيه ويجد له حلا في محنته تلك فإن لم يتحدث مع أحدهم سيجن بالتأكيد فكل ما مر به من الأمس وحتى الآن كفيلا بان يجعله مجنونا رسميا وهو لن يسمح بأن يصل إلى هذا الحد وسيفعل كل شيء كي يتخطى تلك المحنة التي مر بها وسيعود عمار هنداوي كما كان.

 هذا الوعد قطعه على نفسه قبل أن يضغط زر الاتصال ويهاتف صديقه المقرب.


❈-❈-❈


حديث والدها يدور في رأسها كصدى صوت مزعج فهي لا تحبذ فكرة الزواج نهائيا كانت قد اتخذت قرارا أن تكرس حياتها لوالدها وأسرتها لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فوالدها قرر أن يزوجها كي يتخلص من عبء مسئوليتها وقالها لها بصريح العبارة إنه يريد الزواج وهي لا تمانع بأن يجد والدها شريكة تؤنس وحدته في آخر أيامه لكن كل ما يؤرقها أنها ستعاني مرة أخرى وما أدراها بأنا رؤوف لا يشبه زوجها السابق فهي قد أخذت فكرة عن الرجال بأنهم يشبهون بعضهم البعض وعلى العلم من أنها تعرف أن رؤوف لا يشبه زوجها السابق إلا أنها أرادت أن تقنع نفسها بهذا كي ترفضه نهائيا وها هي ذي اتخذت قرارها وعندما يعود والدها ستخبره بأنها غير موافقة عليه وإذا أراد أن يتزوج فليتزوج وهي ستبحث عن عمل ولن تزعجه هو وزوجته الجديدة أبدا.

هذا ما ستصر عليه رغم أنف الجميع.

ابتسمت بقوة عندما وصلت إلى هذا القرار وعزمت على تنفيذه عندا عودة والدها لتناول الغداء.

لن تصبر حتى المساء وستخبره كي يرتاح قلبها الملتاع لكنها أولا قررت أن تخبر شقيقتها بما يحدث معها علها تؤازرها في هذا إن أصر والدها على ما أخبرها به. 

فهبت واقفة عازمة على التوجه إلى غرفتها للحديث معها وبعدها ستبدأ في تنظيف المنزل وتجهيز الغداء.


❈-❈-❈


بعد أن قضيا وقتا ممتعا ولجا إلى المرحاض يأخذ حماما باردا وهو يشعر بالانتشاء مما حدث بينه وبين تلك الحسناء لا ينكر سعادته باجتماعه بها والغريب أنه تلك المرة لم يشعر بتأنيب الضمير كما حدث معه في مرته الأولى وكأنه اعتاد فعل المحـ رمات لوهلة تذكر أنه لديه ابنتين فخشي أن يحدث فيهما مثل ما فعل هو فقرر أن يأخذ خطوة ليريح ضميره قليلا.

 اغلق المياه وارتدى ثيابه ثم دلف للخارج عازما على الذهاب إلى عمله الذي تأخر عليه كثيرا اليوم.

 ولجا إلى الغرفة فابصرها ما زالت مستلقية على الفـ راش تدندن بسعادة وهي تعبث بخصلاتها بإغواء شديد

 كاد أن ينضم إليها مرة أخرى إلى الفراش ويضرب بعمله عرض الحائط لكنه قرر أن يتعقل قليلا فتنحنح بخشونة ثم دنا منها وجلس على طرف الفراش هاتفا بجدية: رغد اسمعيني كويسة.

 استقامت جالسة والتسقت به وراحت تمرر أصابعها في خصلات شعره المبتلة مغمغمة بصوتها الناعم: شو حبيبي إلي شو بدك؟

 أبعد يـ ــدها التي تد اعب خصلاته برفق وهتف دون مقدمات: احنا لازم نتجوز.


يُتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران من رواية في غياهب القدر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة