رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران - الفصل 24
قراءة رواية في غياهب القدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الرابع والعشرون
زو اج
لِكُلِّ دَمْعٍ مِنْ مُقْلَةٍ سَبَبُ
وَكَيْفَ يَمْلِكُ دَمْعَ الْعَيْنِ مُكْتَئِبُ
لَوْلا مُكَابَدَةُ الأَشْوَاقِ ما دَمَعَتْ
عَيْنٌ وَلا بَاتَ قَلْبٌ فِي الْحَشَا يَجِبُ
فَيَا أَخَا الْعَذْلِ لا تَعْجَلْ بِلائِمَةٍ
عَلَيَّ فَالْحُبُّ سُلْطَانٌ لَهُ الغَلَبُ
(محمود سامي البارودي)
❈-❈-❈
يجلس برفقة شقيقته الصغرى يلعبان الشطرانج بسعادة كبيرة.
ثواني وصدح صوت عمار وهو يضحك بسعادة: كش ملك يا بيرو يلا يا حلوة قومي اعمليلنا فنجانين قهوة.
عبست كالأطفال ثم هتفت بحزن: لا مليش دعوة والله يا عمار انت خمتني.
ضربها برفق فوق منكبها هاتفا بسعادة: أيوة كل مرة تقولي البقين دول لا بقول لك إيه مش كل ما تخسري تقعدي تعيطي زي العيال الصغيرة كده ناوية ترجعي في كلامك وما تعمليش قهوة أنتي مش قلتي الخسران هيعمل قهوة؟
أومأت له موافقة.
فهتف بمهاودة: طيب يلا يا شاطرة قومي اعملي قهوة وإن شاء الله تكسبيني الدور الجاي أقول لك وعد حسيبك تكسبيني يلا قومي.
هبت واقفة وهي تغمغم بغيظ: غشاش كل مرة يقول لي كده ويكسبني برضو وكأنه هيحصل له حاجة يعني لو سابني أكسب مرة اووف راجل رخم.
قهقها بسعادة وهو يهتف من وسط ضحكاته: سمعتك على فكرة ابقي وطي صوتك يا هبلة وما تتأخريش في عمايل القهوة وتعالي بسرعة عشان عايزك في موضوع مهم.
صمت عندما استمع إلى صوتها من بعيد وهي تهتف بقوة: طيب.
أراحا ظهره فوق كرسيه المتحرك الذي بات صديقه في الآونة الأخيرة ثم تنهد بحرارة
لا ينكر بان نفسيته تحسنت كثيرا عندما جلس برفقة والده وشقيقته.
ابتسما بسعادة عندما تذكر حديث صديقه ووالده عن زواجه بأخته والتي رفضت رفضا قاتعا الزواج مرة أخرى فوعده بالأمس بأنه سيتحدث إليها فهو يحب صديقه كثيرا وعلى الرغم من حزنه الشديد بأنه كان يعشقها مذ كانوا صغارا إلا أنه التمس له العذر عندما لم يخبره.
فشخصا مثل رؤوف يفهم ويعرف الأصول والعادات والتقاليد
كان بديهيا أن يفكر بتلك الطريقة لكنه بسبب تفكيره ذاك خسر حبه.
رغما عنه راح يبتسم بسعادة عندما تذكر بأن أحوال شقيقته ستتحسن أخيرا بعد زواجها بصديق عمره لكن سرعان ما تلاشت تلك الابتسامة وحل محلها الحزن عندما تذكر زوجته وما فعلته به فعلى الرغم مما اقترفته في حقه إلا انه ما زال يعشقها.
أحيانا يلتمس لها الأعذار وأحيانا يلعنها بداخله لكن ما لا يعرفه عمار هنداوي أن زوجته من الغد ستبدأ حياة جديدة مع رجل جديد.
❈-❈-❈
اغلق الباب من خلفه بعد أن ولج للداخل وهو يتسلل على أطراف أصابعه بحثا عن زوجته بعينيه فهو أراد أن يفزعها كعادته في الآونة الأخيرة.
لا ينكر أنه تعلق بها كثيرا خاصة وعندما تزوج لا يعرف لماذا توقفت عن غيرتها عليه لكن كل ما يعرفه الآن أنه بات عاشقا لها وللأخرى لا يعرف لماذا وكيف؟
لكنه لم يستطع التخلي عن إحداهما وكأن قلبه انشطر إلى شطرين شطرا لها وشطرا للأخرى.
ثواني وشعر باستغراب عندما لم يجدها لكنه أطلق صرخة مدوية عندما شعر بها تصرخ في أذنه من الخلف وهي تضحك بسعادة.
استدار إليها وراحا يضحك هو الآخر ثم دنا منها وجذبها يعانقها بقوة وهو يستنشق رائحتها بعمق هاتفا بلهفة حقيقية: وحشتيني قوي يا غزولة.
ابتعدت عنه وهي تشاكسه: وانت كمان يا قلب غسولة يلا ادخل اغسل أيدك ونادي البنات من جوه على بال ما أحضرلك الغدة.
رفعة أحد حاجبيه بدهشة: البنات هو أنت ما اكلتيهومش؟
هزت رأسها نفيا وهتفت بهدوء: لا تمارا قالت لي أنا مستنيا بابا فانت بقى يا بطل تأكل تمارا وأنا هاكل يارا.
أومأ لها موافقا وانطلق إلى المرحاض.
بينما هي ذهبت إلى المطبخ كي تعد وجبة الغداء وهي تدندن بسعادة.
لكن هل يا ترى ستدوم تلك السعادة عليهما أم للقدر رأي آخر.
❈-❈-❈
صمت خين على المكان بعد ما أنهت حديثها المباغت ذلك.
فسألها والدها بعدم تصديق: صَبا انت بتقولي إيه انت عارفة موافقتك دي معناها إيه؟
قاطعته والدتها بلهفة: وبعدين يا بنتي إيه اللي يجبرك انك تتجوزي واحد اتجوز قبل كده؟
وجهت حديثها لأخيها الذي يجلس يتابع ما يحدث في صمت: ما تاخزنيش يعني يا حاج سعد دي صَبا زينة بنات الحتة.
لم يتفوه الحاج سعد ببنت شفا منتظرا حديث صَبا والذي يعرفه مسبقا. فهو قد استمع لحديثها مع نفسها أمام شقة ولده
وقتها تعجب كثيرا من اعترافها بينها وبين نفسها وأشفق عليها كثيرا فتلك الفتاة لا تستحق أن تتعذب كل هذا العذاب فالعشق من طرف واحد شيء قاسي لا يتحمله أي مخلوق.
وقتها تمنى من الله أن يريح قلب تلك المسكينة يعلم أن الله استجاب لدعائه فذلك الرجل الخير قريبا جدا من الله.
تحدث والدها مرة أخرى: صَبا يا بنتي فكري كويس وخالك مش هيزعل لو رفضتي عمار لسة بيحب مراته ومش هينساها بسهولة يعني يا حبيبتي انت داخلة معركة خسرانه خسرانه ثم أنت إيه اللي يجبرك انك تتحملي حاجة زي دي!
هدرت بكل ما يعتمر بداخلها من عشق: عشان أنا بحبه يا بابا بحب عمار ابن خالي من وأنا عيلة بضفاير بحبه وقعدت لحد دلوقتي من غير جواز بسببه مش معقول تجيلي فرصة زي دي هتخليني أكون قريبة منه وأحقق حلمي هرفضها ده كأن ربنا -سبحانه وتعالى- كافئني جزاء لصبري دوت وأنا مش هرفض أبدا يا بابا واستحالة أضيع الفرصة دي من ايدي أنا موافقة يا خالي موافقة اني أتجوز عمار عارفة أنه مش بيحبني وعارفة أنه لسه بيحب زينة ربنا يسامحها بقى بس صدقني.
قاطعها الحاج سعد بلهفة: صدقيني انت يا صَبا عمار هيحبك وهيعشقك مش عشان انت أحسن بنت في الدنيا ولا عشان أخلاقك ولا عشان احترامك عشان يا بنتي ما فيش حد يلاقي حد بيحبه بالشكل ده وما يبادلهوش الشعور
عمار هيشوف الحب ده بعينيه بالاهتمام بيه ولهفتك عليه وخوفك على ولاده القرار اللي انت أخدتيه ده هو عين العقل
ودلوقتي بقى يا حلوة جهزي نفسك علشان انت داخلة على معركة زي ما أبوكي قال معركة مش سهلة وعارف إنك هتنتصري فيها يا صَبا وهتكسبي قلب عمار مفهوم؟
أومأت له موافقة وهتفت بثقة: مفهوم يا خالي أوعدك اني هشيل عمار وولاده في عيني ومش بس كده هقنعه أنه يتعالج.
قاطعتها والدتها بحزم: بس يا بنتي الكلام ده مش هيبقى سهل وافرضي زينة لستت عليك بالكلام في الحارة.
أجابها الحاج سعد بتأكيد: ما تقلقيش يا سعاد زينة مش هتبقى فاضية لا لصَبا ولا لغيرها زينة هتتجوز بكرة عشان كده احنا نكتب كتاب صَبا وعمار النهاردة بعد العشا ودلوقتي بقى بعد ازنكم علشان ألحق أروح أتكلم مع عمار اللي عارف أنه هيتعبني كتير جد. على ما يوافق.
انطلق للخارج بعد أن هب واقفا دون أن يستمع ردهم.
شيعوه بنظراتهم حتى اغلق الباب من خلفه
فسألها والدها بجدية: انت متأكدة من قرارك ده يا صبا؟
أومأت له بثقة.
فهتفت والدتها بقلة حيلة: يبقى على بركة الله.
❈-❈-❈
ألقط بجسدها فوق أقرب مقعد قابلته وهي تشعر بالانهاك الشديد فقد قضت يومها بين التسوق ومركز التجميل فغدا ستزف على رجل احلامها حقا هو بالنسبة لها يشبه فارس الأحلام الذي يأتي وينقز حبيبته فوق الحصان الأبيض وهذا بالضبط ما أراده حسام أبو الدهب إن يجعلها سعيدة. سعيدة قدر المستطاع قبل زواجه بها.
وبالفعل هو نجح في ذلك فزينة لم تفوت يوما واحدا إلا وهي تشتري كل ما تريده أنفقت الكثير والكثير من المال. دون أن تحسب أي حساب.
تأوهت بصوت مسموع وكادت أن تنهض من مكانها لكنها أجفلت على صوت الصبي ليث: ماما صحيح اللي سمعناه ده؟
رمقته باستغراب هاتفة بتساؤل: سمعت إيه يا حبيبي؟
أجابها بصوت أجش من أثر انفعاله: صحيح انتي هتتجوزي واحد غير بابا؟
أخذت نفس عميق وزفرته على مهل ثم أراحت ظهرها فوق المقعد الذي تجلس عليه وأجابته بهدوء: أيوة يا حبيبي أنا بكرة هتجوز راجل طيب جدا وهيحبكم خالص يا ليث انت واختك لتين بس يا حبيبي لازم تعاملوه كويس انت عارف يا ليث هنعيش في بيت كبير جدا جدا جدا هنعيش في قصر شبه اللي بيعيشوا فيه الأمراء.
صمتت تراقب تغير معالم وجه ابنها الذي يبدو بأنه كبر قبل أوانه.
فاتسعت حدقتاها في دهشة عندما هتف الصبي: مش عايزين كل اللي انتي قلتيه ده يا ماما لو حضرتك مصرة تتجوزي أنا هاخد لتين ونروح نعيش مع بابا.
فعقد لسانها من رد ابنها الذي يبلغ من العمر تسع سنوات من يسمعه يكاد يجزم بأنه في السادسة عشر ربيعا كيف ومتى كبر ذلك الفتى!
كادت أن تعنفه على رده الفظ عليها لكن سبقها الطفل واستطرد حديثه: ودلوقتي أنا هدخل آخد أختي ونمشي حتى مش هنستنو خالو مصطفى يوصلنا.
ألقى كلماته في وجهها دفعة واحدة وانصرف من أمامها وهو عازما على تنفيذ ما أخبرها به للتو.
تاركا إياها تشعر بالدهشة والغضب معا.
❈-❈-❈
على المقهى خاصته يجلس يدخن أرجيلته.
فإذا بشخص يجلس قبالته هاتفا بصوته الأجش: مسا مسا يا معلم فكري.
رمقه باستخفاف ثم هتف بفظاظة: أهلا أهلا بوش المصايب عايز إيه؟
أجابه باسماجة: سلامتك يا معلم.
رمقه بحدة وهدر بعنف: يلا غور من هنا أنا مش طايقك لا أنت ولا اللي مشغلك.
ابتسما باسفرار وغمغم بفحيح: تؤ تؤ تؤ كده الباشا يزعل منك يا معلم وانت مش قد زعله.
ألقى خرطوم الارجيلة بعنف ثم سأله بحدة: انت عايز إيه دلوقتي طيرت لي الحجريين ياخي منك لله.
أجابه باستفزاز: ما قلت لك عايز سلامتك عموما الباشا بيقول لك بما انك ما بقتش معاه ولا عليه فهو شالك من حساباته خالص بس خليك فاكر انك لو فتحت بقك واتكلمت مش هيحصل لك كويس وانت عارف الباشا وعارف هو يقدر يعمل إيه.
اهتزت حدقتاه بخوف ثم هتف بشجاعة مصطنعة: بلغ الباشا اني ما شفتوش ولا أعرف عنه حاجة
ودلوقتي بقى يلا غور من غير مترود.
هز رأسه نفيا هاتفا بابتسامة صفراء: لا لا لا مش قبل ما اشرب فنجان شاي يا راجل بقى معقول تبقى صاحب القهوة دي وما تعزمنيش على كباية شاي ده حتى أنا سمعت انك مش بخيل.
شمله بنظرات غاضبة ثم هتف من بين أسنانه: هات واحد زفت يااد يا جمعة.
❈-❈-❈
حضرتك بتقول إيه يا بابا صَبا مين دي اللي أتجوزها؟
تلك الكلمات هتف بها عمار بعصبية مفرطة جعل والده يشعر بالخوف عليه.
فهتف بمهاودة: اسمعني بس يا ابني كويس أنا رحت لعمتك وجوزها والبنت وهما ماعندهمش مانع انت بقى إيه مشكلتك؟
هدر بعنف: مشكلتي اني مش عايز اتجوز يا بابا ثم إيه اللي يخلي صَبا تتجوز واحد زيي إيه اتحايلت عليها يا بابا ولا خدتها من باب الشفقة وإني عاجز ومش لاقي حد يخدمني.
اطرق والده رأسه أرضا ولم يعقب فيبدو أن إقناع ولده دربا من المستحيل.
أما عن عمار فأدرك أن حديثه على صواب وموافقة صَبا عليه ما هي إلا شفقة ورأفة بحاله فهدر بعنف أفزع والده: اسمعني كويس يا بابا أنا مش هتجوز بعد زينة أنا لسة بحبها وعايز لما أخف وأبقى كويس ترجع لي.
صاح والده بعنف: زينة مين دي اللي انت مستنيها زينة كتب كتابها بكرة يا بيه وعارف كتب كتابها على مين؟
على حسام أبو الدهب فكره ولا تحب أفكرك بيه؟
نزل كلام والده عليه كالصاعقة ماذا هل زوجته ستتزوج بغيره؟
راحت الشكوك تساوره حيالها وراح يتذكر معاملته له في الآونة الأخيرة.
قبض على يديه بعنف حتى ابيضت مفاصله وصك على أسنانه بقوة حتى كاد أن يهشمهما وهتف بفحيح: هي كانت بتخوين عشان كده حبت انها تطلق وتخلص مني وديني ما هاسيبها والله لاكون شارب من دمها الخاينة.
شعر والده بالغضب منه وفاض الكيل من غبائه فهب واقفا ودنى منه يجذبه من تلابيبه هاتفا بحدة وتأكيد وهو يثبت عينيه في عينيه: اسمعني كويس يا غبي زينة اختارت الفلوس استحالة تكون بتخونك تخونك امتة وفين وهي ما كنتش بتخرج من هنا غير عشان تروح لامها شيل الكلام الفارغ ده من دماغك زينة اتطلقت منك عشان انت كنت رافض تتعالج وهتتجوز حسام أبو الدهب عشان خاطر فلوسه فاكر حسام أبو الدهب اللي كان عايز يخطب عزة وانت رفضته مش بعيد يكون خطبها مش بعيد يكون هيتجوزها عشان ينتقم منك ويكسر ظهرك
اسمعني يا عمار أنا مش هاسمح لك انك تنحنى ولا ان ظهرك ينكسر ولا انك تشمت حد فيك لازم تقف على رجلك زي الأول وتبقى أحسن وبنت عمتك هتتجوزها حتى لو بالعافية لنت فهمني وده آخر كلام عندي يا عمار وإلا قسما عظما لا أنت ابني ولا أعرفك وأكون غضبان عليك ليوم الدين.
ألقى كلماته دفعة واحدة وتركه بعنف ثم استدار قاصدا غرفته وهو يتمتم بكلمات غاضبة.
تاركا الآخر يشتعل من الغضب والغيرة.
❈-❈-❈
فاض الكيل منها ومن تحكماتها فضرب فوق الطاولة بعنف هاتفا بهدوء مصطنع: تاني يا أمي تاني هتقولي لي منى وما اعرفش إيه هو أنا مش نهيت الموضوع ده قبل كده وقلت إني مش عايز اتجوز غير عبير وانت رفضتي وقتها وقلت لك إيه إنك ما تفتحيش معايا الموضوع ده تاني وما سكتيش برده وروحتي طلبتيهالي وأنا كنت قيلك اني مش موافق على أساس انك بتحطيني قدام الأمر الواقع.
اسمعيني كويس جواز مش هتجوز غير عبير بنت الحاج سعد يا كده يا بلاش.
صمتت قليلا تفكر في حديثه فيبدو أن ابنها لن ولم يتنازل عن تلك الفتاة فأقسمت أن توافق عليها وبعدها ستذيقها الويلات على موافقتها على ابنها ستجعلها تندم أشد الندم ففي وجهة نظرها أنها لا تستحق شابا مثل ابنها وهي كانت متزوجة من ذي قبل.
أما عنه فبقي مكانه يراقب انفعالات والدته
لوهلة شعر بتأنيب الضمير لأنه صرخ في وجهها لكنه سرعان ما اقنع ذاته أنه كان عليه فعل ذلك كي ينهي هذا الموضوع الممل بالنسبة له.
التقت مفاتيحه وهاتفه وكاد أن ينصرف لكنه تجمد مكانه عندما استمع إلى صوت والدته الصارم: أنا موافقة يا رؤوف على جوازك من بنت الحاج سعد هنداوي.
❈-❈-❈
بعد أن انتهت من تنظيف غرفة أطفالها جلست بإنهاك شديد فوق فراشها وهي تضع يدها أسفل ظهرها وتتأوه بألم.
استلقت على ظهرها وراحت تحدق في سقف الغرفة بشرود تام
ثواني وقفزت في ذهنها أحداث ما بعد زواجها
فقد كانت تشعر بالملل الشديد فزوجها يقضي طوال النهار في عمله ويأتي ليلا يأكل وينام مما جعلها تشعر بالملل الشديد وذات يوم صضح هاتفها بصوت رسالة كانت على تطبيق الماسنجر تسللت من جوار زوجها الذي كان يغط في ثبات عميق ودلفت للخارج على أطراف أصابعها كي لا تزعجه.
وما هي إلا ثواني حتى اتسعت حدقتاها في دهشة وهي تبصر اسم المرسل وما كان هذا سوى المدعو حسام أبو الدهب.
ترددت كثيرا في فتح الرسالة لكن فضولها أبى أن يفعل ذلك فضغطت على الرسالة وكان محتواها كالآتي.
عزة يا حبيبتي عاملة إيه وحشتيني قوي طمنيني عليك وقولي لي مبسوطة في جوازك أنا مش مصدق انك خلاص سافرتي وبقيتي لراجل غيري عايز أقول لك إن كل اللي قاله لك أخوك عني كدب أنا من ساعة ما عرفتك وأنا ما حبتش حد غيرك ولا شفت أي ست غيرك صدقيني يا حبيبتي أنا بس مش طمعان غير أني أطمن عليك أرجوكي يا حبيبتي طمنيني عليك من وقت للتاني.
دمعت عينيها من كلماته فهي تعلم أنه كان يحبها كثيرا لكن لماذا حرمها عمار منه وهو يعلم أنه لا يعرف نساء غيرها
شعرت بالغضب الشديد حيال شقيقها فهو في وجهة نظرها حرمها من السعادة الحقيقية.
لم تشعر بنفسها إلا وهي ترسل له: وانت كمان وحشني قوي يا حسام أنا مش كويسة خالص حاسة اني غريبة في بلد غريبة أنا ضايعة يا حسام.
ظل يتبادلان الرسائل الكتابية وبعدها تطور الأمر إلى تسجيلات صوتية.
استفاقت من شرودها على ركلة عنيفة في بطنها هو ابنها الذي يبدو أنه انزعج من أفكارها تلك.
حزن عميق اجتاحها كثيرا بعد تذكراتها تلك فزوجها الذي يرقد في سلام بالداخل لا يستحق تلك الخيانة أبدا استغفرت ربها ثم هبت واقفة عازمة على استكمال ما كانت تفعله لكن تلك المرة بعينين دامعة
فالخيانة ليست بالجسد فقط وإنما بالعقل والنظر والسمع وكل الحواس التي خلقها الله -عز وجل- .
❈-❈-❈
ليلا يجلس الجميع في شقة الحاج سعد ينتظرون ذلك الشيخ الذي سيعقظ قران عمار وصبا
كان الجميع في صمت عجيب وبالأخص عمار الذي كان ينظر في نقطة وهمية وكأنه في عالم آخر فهو لا يصدق بأنه سيتزوج من غير حبيبته وأم أولاده كما أنه لم يستيقظ من صدمته بها فقد أكد له صديقه بأنها حقا ستتزوج فما كان عليه سوى الانصياع لرغبة والده خاصة وأنه على يقين بان زينة تغار من ابنة عمته كثيرا ولطالما حذرته منها لذا كان أقرب سبيل للانتقام منها هو الزواج بصَبا.
يعلم أنها لا تستحق منه ذلك وإنه لو كان الوضع مختلف لم يتمنى زوجة له أفضل منها لكن للأسف قلبه مغرم بزوجته الخائنة من وجهة نظره.
استفاق من شروده على كف والده الذي ربط على وجنته بحنان هاتفا بهدوء: عمار حبيبي المأزون جه صدقني يا بني عين العقل اللي انت عملته وبكرة تشكرني على الخطوة دي.
أومأ له بهدوء ولم يعقب فاستطرد الحاج سعد: العريس أهو يا مولانا أتفضل اكتب الكتاب.
جلس الرجل بين عمار والحاج كامل والد صَبا ثم طلب الأوراق الرسمية الخاصة بهما وبعد وقت ليس بالقليل طلب المأذون أن يضع الحاج كامل يده في يد عمار وراحا يلقي كلماته الشهيرة الخاصة بالزواج وكل منهما يردد خلفه.
وأخيرا أنهى المأذون عقد القران بكلماته الشهيرة: بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير.
أطلقت الحاجة سعاد صوتا من حنجرتها يدل على السعادة وسرعان ما فعلت عبير بالمثل.
أما عن صَبا فكانت سعادة العالم تغمرها في ذلك الوقت فلولا حيائها لقفزت في مكانها من فرط سعادتها لكن لا بأس فالمشوار أمامها طويل جدا وهي أقسمت على نفسها بان تجعل ذلك الجالس وعلى وجهه ملامح الحزن الشديد يعشقها كما تفعل هي.
لكن هل يا ترى ستنجح صَبا في مهمتها الشبه مستحيلة أم أن للقدر رأي آخر؟
يتبع