-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 9

 قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص 

الكاتبة أمل نصر


(ست الحسن)

الفصل التاسع 


في الجامعة كانت الجلسة التي جمعت نهال بابن عمها رائف، بعد ان فاجأها بزيارته، ولأنها معتادة عليه وعلى المزاح معه كأولاد عم تربوا معًا كأخوة، فكان التباسط والضحكات المرحة هي السمة المميزة للجلسة، مع الأسئلة الفضولية من المذكور، عن صديقتها:

- ايوه يا عنى، هي ابوها من عيلة مين بالظبط؟

قطبت نهال باستغراب الإلحاح منه وتكرار الأسئلة عن صديقتها:

- يا بنى وانت مالك بعيلتها ولا عيلة ابوها؟ هي صاحبتي انا على فكرة مش صاحبتك انت.

هتف يُراوغها بمزاحه المعتاد مرددًا:

- وه، وافرضي يا ستي، مش لازم برضوا اطمن عليكى وعلى الصحبة اللي بتمشي معاها يا غزاله يا شارده انتى .

ضحكت نهال تضرب كف بالاَخر غير قادرة على التوقف لعدة لحظات حتى قالت من بين ضحكاتها :

- غزاله شارده! والنعمة انت مخك ضارب ورايحة منك ع الاَخر، يا بنى انت متعرفش تتكلم جد شوية خالص؟

- ماشى يا ستي نتكلم جد، عاملة إيه بجى فى الدراسة؟ ماشية كويس ولا بتخلي مدحت اخويا يساعدك ؟ 

اردف بالأسئلة بعفوية، غير منتبه على عبوس نهال، لمجرد التلميح، فهتفت تجيبه بانفعال

- يساعد مين؟ انا مش محتاجة مساعدة من حد يا بابا، حتى لو كان واد عمي، انا اعرف زين اعتمد على نفسي .

طرق بكفه على سطح الطاولة بينهم يقارعها باستغراب رغم مزاحه:

- خبر إيه؟ بتهبي فيا وانتي متعصبة كدة وتاكليني، عشان بس بسألك، إيه يا بت؟

رغم علمها الأكيد بمزاحه وقصده لكن طبعها العنيد، جعلها تزداد انفعالًا :

- بت لما تبتك، انا دكتور محترمة يا فاشل انت .

سمع منها وازداد مرحه في الضحكات ليغيظها ، بعد ان احتقن وجهها وتغير لمجرد سبب تافه في نظره، وصدح الهاتف يقطع عليها قبل أن تزيد بكلمات ساخطة نحوه، نظرت للرقم المعروف تغمغم بصوت وصل لأسماع الاَخر:

- ودا عايز ايه ده؟

- مين؟

- اخوك الدكتور اللي كنت بتجيب سيرته. 

- مدحت؟

أومأت برأسها إليه، قبل أن تجيب الاَخر:

- الو السلام عليكم .

رد يسألها على الفور بنزق:

- انتى ما اتصلتيش ليه تبلغبنى ان المحاضرة اتلغت؟

ارتفع طرف شفتها الأعلى باستنكار حاولت ان تخفيه بإجابة مراوغة:

- طب اديك عرفت، ايه اللى حصل يعنى؟

وصلها صوت انفاسه الهادرة، قبل ان يهتف متوعدًاا:

- ماشى يا نهال، وانتى فين دلوكت؟ فى المكتبة ولا خرجت مع اصحابك ولا بتعملى ايه بالظبط؟

قال الاَخيرة بصيحة عالية، جعلتها تستشيط من الغيظ، ولكنها تمالكت لتجيبه على مضض:

- مطلعتش من الجامعة ولا مشيت، انا في الكافتيريا مع....

قطعت جملتها إثر إنتباهاها على فعل رائف الذي كان يشير إليها بكفهِ لرفض ان تخبره بمجيئه، وصاح مدحت عليها في الهاتف:

- وجفتي ليه؟ ما تجولي يا نهال جاعده مع مين؟

للمرة الثانية يجفلها بصياحه لتهتف تجيبه بانفعال؛

- جاعدة مع البنات يا مدحت، هو انا اعرف غيرهم؟

رد مدحت ببساطة تذهلها:

- طيب انا ساعة كدة وهخلص الكشف اللى عندى فى المستشفى وهعدى عليكى اخدك.

كالعادة حاولت إثناءه والجدال:

- يا واد عمى متشلش همي، انا همشى مع البنات مش محتا..

قاطعها بحدة حازمًا:

- اجفلى يا نهال واسمعى الكلام .

قالها لينهي المكالمة بتعجرف، ليزيد من استفزازها، أمام رائف المندهش مما يحدث، وسألها على الفور:

- هو ايه الحكاية؟.

لم تتردد نهال في اخباره عما يحدث:

- الحكاية يا استاذ، هي إن اخوك الدكتور المحترم محكم رايه انه يوصلنى فى الروحة والرجعة، ومطلعش مشوار إلا لما اقوله، عشان انا جال ايه بجيت مسؤليته هنا 

- مسؤليته! غريبة يعني؟

قالها رائف بدهشة وعدم فهم، ثم تابع بخبث:

- طب ايه رأيك؟ بدل ماتستنيه، اخدك انا ونروحله  المستشفى اللى هو بيشتغل فيها، واللي هتيجي انتي ان شاء الله كمان دكتوره فيها، أصل بصراحة عايز اعمله مفاجأة، انا جاي هنا مخصوص عشان افاجئك وافاجئه.

ضيقت عينيها تسأله بتفكير:

- طب والبنات همشى من غير ما استأذنهم انا تجريباً مجعدتش خالص معاهم النهاردة 

- إتصلى بيهم .

اعترضت نهال مرددة:

- لاطبعًا مينفعش، أنا لازم اروحلهم المكتبة اديهم خبر، وبعدين اَجى اروح معاك .

أومأ لها رائف ثم نهض عن مقعده:

- ماشى تمام، يالا جومى على طول.

نهضت نهال مع ابن عمها، ليتبعهم في الناحية الأخرى، هذا المدعو محمود، والذي لم يغفل عن مراقبتهم، ولو لحظة واحدة.


❈-❈-❈


في طريق عودتهم بعد انتهاء المشاجرة مع معتصم، سألت بدور نيرة التي كانت تسحبها في طريق اَخر، غير هذا المؤدي لمنازل والديهم.

- هو احنا لازم يعني نروح لجدي ونجولوا، ما تخلينا نروح على بيوتنا أحسن يا نيرة.

هتفت نيرة بحدة وتصميم:

- ابويا ولا ابوكي، مش زي جدي، هو اللي هيعرف يتصرف في الموضوع دا زين، جدي أبدًا لا يمكن يسكت على الكلام ده.

ابتعلت بدور ريقها الذي جف من الخوف، تعقب بقلق:

- بس انا خايفة ابويا يزعل منى .

توقفت نيرة لتخاطبها بغيظ:

- ما تبجيش هبلة يا بت انتى، يزعل منك ليه ابوكي ان شاء الله؟ انتي رايحة لجدك تجولي باللي حصل ، مش راحة لحد غريب.

بدا على وجهها القبول رغم التردد، فسحبتها نيرة مرة أخرى من كفها لتشجعها على عدم التراجع، حتى إذا وصلوا إلى الوجهة المقصودة، هتفت نيرة:

- خلاص يا بدور احنا وصلنا لبيت جدي، شدي حيلك عشان احنا هنجول كل اللي حصل، والنعمة لو اخويا رائف جاعد دلوقتي، لكان عرفه مجامه صح.


- اه يا خاينة يا قليلة الاصل هتمشى وتسيبنا؟ 

هتفت بها بثينة نحو نهال فور أن اخبرتها هي ونهى، لنيتها في الخروج مع رائف، وهتفت الأخيرة هي الأخرى بدراما

- سيبيها يا بثيتة، دى شكلها خلاص نسيتنا، ومعدناش فارجين معاها.

ضحكت نهال معقبة على ردودهن:

- يعني جالبة معاكي تمثيل النهاردة يا ست نهى، طب يا حبيبتي، انا فعلًا نسيتكم، ومبجتش اتشرف بيكم كمان. 

شهقت نهى، لترد مقارعة :

- نعم يا ختي؟ انتي صدجتي نفسك ولا إيه يا عنيا؟ ومين دول اللي متتشرفيش بيهم، إيه يا بت نعمات؟

ردت نهال ضاحكة معهن بحرص، تنبههن بعيناها عن النظرات المصوبة نحوهن من رواد المكتبة، فقالت بثينة بجدية فور توقفت ضحكاتهن:

- طب خلينا بجى نتكلم جد وقولى انتى ليه عايزه تروحى؟

اجابتها نهال بنظرة حالمة:

- بصراحة نفسى اشوفوا بلبس المستشفى وهو كده بيكشف على المرضى كمان.

تدخلت نهى بمكر قائلة:

- ما انتى بتجولى انك مش طايجاه ولا طايجه تحكماتوا فيكى ؟

نهضت نهال عن مقعدها بجوارهن في ردهة المكتبة تردد بابتسامة مستترة اختلطت بارتباكها:

- يخرب مطنك يا شيخة، إيه دخل ده بده يعني؟ ها؟ اوعى يا بت اوعي، انا ماشية اروح مع واد عمى رائف، دا شدد عليا إني متأخرش، يا للا بجى سلام

رددن خلفها بابتسامات ونظرات ماكرة:

- سلام.


❈-❈-❈


خرجت من مبني المكتبة بخطوات مسرعة، بغرض اللحاق بهذا المجنون، بعد ان تركته قريبًا من هنا، ولكنها وقبل أن تصل، تفاجأت بمن يقطع الطريق أمامها، رفعت عينيها فوجدته نفس الشخص الذي فعل هذه الأمر معها سابقًا، متعمدًا مضايقتها من اول يوم دراسي لها في الجامعة، ف هتفت بحدة في وجهه:

- انت اتجننت ياجدع انت ولا اتهلبت؟ ولا هي بجت عادة معاك وفاكرني هسكتلك؟

بابتسامة لزجة رد هذه المدعو بهدوء غريب، متجاهلًا شتيمتها:

- اصل بصراحة بجى عندي سؤال ليكي ونفسه اسأله، هو انتي ليه كل ما تشوفينى تكشرى فى وشى؟ شكلي عفش ولا مش عاجبك؟

استشاطت غيظًا منه ومن بروده، فهتف بانفعال وشراسة:

- نعم يا خويا، هي ناجصة استظراف واستعباط كمان؟ ولا فاكرنى هسكتلك على جلة الحيا ده؟ غور من وشى مش ناجصه استظرافك .

قالتها وهمت أن تتحرك ولكنه وبكل غباء كرر فعلته السابقة وتصدر يمنعها من تخطيه، ليقول بوقاحة:

- ما انتى بتقعدي مع شباب وعمالة تضحكى من الصبح، ولا هي جات عند انا و هتعملى فيها مؤدبة؟

شهقت بأعين جاحظة لا تصدق قوله، همت أن تفحمه بكلمات قاسية، ولكن رائف الذي وصل بالصدفة ليرى ما حدث، كان له السبق، بأن جذبه فجأة بعنف من ياقة قميصه، يهدر بصوت مخيف، 

- من هى بجى اللى هتعمل فيها مؤدبه يا روح......

جن جنون الاخر مع سماعه لسبة رائف ليصيح بوجهه:

- إنت جيت يا حلو، طب شيل يــ دك دي عن جميصى بدل ما اجطعهالك.

تبسم رائف بهيئة مجرمة تظهر فقط مع من يستحق،  ليردد ساخرًا:

- تجطهالى! طب لو راجل ورينى هتجطعهالى ازاى ...

قالها وختم بضربة رأس افقدت الاخر اتزانه، قبل يبدأ الهجوم ويلقنه درسًا قاسيَا..


❈-❈-❈


فور سماعها بما حدث، وقصت عنه الفتيات عن الفعل الأحمق لمعتصم معهن، وما اردف به اثناء الشجار، هتفت صباح بانفعال وصوت عالي :

- بجى الواد اللى ميسواش نكلة دا فى سوج الرجالة، يتجرأ ويعمل كدة؟ لأ وكمان يخربط بالكلام الواعر ده يا بوى عن العيلة كمان.

سمع منها ياسين، ليسال مخاطبًا البنات بخطر:

- انتوا متأكدين من اللى بتجولوه ده؟ يعني الواد معتصم جال الكلام ده صح؟

ردت نيرة بلهفة،:

- والله يا جدى احنا ماكدبنا فى كلمة

ضرب ياسين بالعاصا الأبنوسي، يحاول التريت وتحري الصدق منهما

- يا بتي الكلام دا كبير وواعر.

ردت بدور :

- بس هو دا اللي حصل فعلا يا جدي، واحنا جينا نبلغك وانت تحكم بنفسك 

رددت صباح من خلفها بغيظ:

- بتجولك مد يدو عليها يابا وهانها هى وناسها في وسط الشارع وجدام مدرستها .

هم ياسين بالرد ولكنه تفاجأ بعاصفة نارية بدخول عاصم، وبهيئة وحشية هاتفًا بصوته العالي ، دون حتى أن يلقي السلام:

- الكلام اللى سمعته دا صح يا جد؟

- كلام إيه يا ولدي؟

سأله المذكور بصدمة افقدته التركيز كباقي الموجودين، ولكن عاصم تجاهله ليقترب مباغتًا بدور بسؤاله، بنبرة هادئة خطيرة :

- الود ده مد يــ دوا  عليكى صح؟

ابتعلت بدور ريقها برعب من هيئته وقبل ان ينبت فمها بالإجابة كان رد صباح:

- استنى يا عاصم يا ولدى افهم الاول، وبعدين اسأل 

هدر صائحًا بعصبية:

- انا مش عايز افهم، أنا عايز اعرف حاجة واحدة وبس، الواد اتجرأ ومد يــ ده عليها ولا لأ.

تلجمت الألسن وخيم الصمت على الجميع أمامه، خوفًا من رد فعله، او أن يرتكب جريمة، وذلك لعملهم الأكيد بطبعه العنيف نحو كل ما يمس العائلة، او يقترب منها بسوء، فما بالك لو كان هذا السوء مس إحدى بناتها بل واقربهم لقلبه، فصاح بعدم احتمال:

- ساكتين وما حدش ناطج فيكم ليه؟ هو الواد ده عمل ايه بالظبط ؟عمل ايه يا بدور؟ عمل ايه يا نيرة؟

قالها موجهًا سؤاله نحو الأثنتين، ف لم تقوى بدور على الرد، لتُسبل أهدابها عنه بحرج، غير قادرة حتى على مواجهة عينيه، أما نيرة فكانت تتحرق للكلام ولكن في انتظار الإذن من جدها والذي حاول معه بمهادنة:

- اجعد الاول يا عاصم، وبلاش عصبيتك دى، الامور ماتتخدتش كده .

- امال تتأخد ازاي ؟

صاح بها لتخاطبه صباح هي الأخرى:

- يا ولدي تبع كلام جدك واستهدى بالله، احنا بنجولك بس اجعد، مفيش كلام يتجال ع الواجف كدة .

زفر بقوة يسحب شهيقًا طويلاً وأخرجه، قبل ان يرسم ابتسامة بلاستيكية، ليقول بتهديد:

- ماشى يا جدي، هسمع كلامكم واجعد ، بس هتحكولى كل اللى حصل، وإلا قسما بالله، لا هروح اخد بندجيتى وافرغها فيه، من غير حتى ما افهم. 

كز على اسنانه ياسين يقول بغيظ:

-ماشي يا عم عاصم بس في البداية كدة، مفيش اى كلمة غير لما تدينى وعد انك تحكم عجلك وتسمع أمري جبل ما تتصرف بأى فعل.

صمت عاصم يقلب الحديث برأسهِ، مستشعرًا المغزى خلف كلمات جده، ليزداد بقلبه الشك حول ما سمعه وتناثرت به الألسنة في البلدة، ولأنه يريد التأكد من صحة ما سمعه، كان لابد له من الموافقة.

بدا على ياسين بعض الارتياح وهم ان يحكي ما حدث، ولكن عاصم أوقفه:

- بعد اذنك يا جد، أنا عايزة نيرة أو بدو، المهم يعني واحدة فيهم اللى تحكى .

فهم ياسين وجهة نظر عاصم، فهو يريد الحقيقة بالتفصيل من افواه الفتيات، ولا يريد كلامًا مختصرًا بحرص منه او من صباح، لذلك اضطر صاغرًا الإذعان لرغبته، ف تمتم بفمه سبة وقحة مغمغمًا:

- ماشى يا بن ال....  احكيلوا يا نيرة .

سمعت الأخيرة لتنطلق مع إعطائها الإذن، وتقص ما حدث بالتفصيل، دون ان تفوت حرف واحد.


❈-❈-❈


في الجامعة 

وامام عميد الكلية في غرفة مكتبه، وقف الثلاثة امامه، رائف، ونهال، وهذا المدعو محمود، والذي كان بحالة يرثى لها، بعد ضربه من الآخر في المشاجرة التي لم يوقفها سوى حرس الجامعة، ولولا ذلك لكان مكانه المستشفى الاَن.

قال عميد الكلية موجهًا الكلمات لرائف:

- يعنى انت سايب كليتك وجاى عندنا هنا تعمل فتوة

رد رائف بدفاعية:

- حضرتك انا جاي هنا في زيارة عادية، يعني لا قاصد اعمل فتوة ولا عايز اعمل مشاكل من الأساس، بس بجى لما اشوف البنى اَدم ده بيتعرض لبنت عمى، هسكت ازاي يعني ولا اعمل نفسي مش واخد بالي .

- كداب .

صاح بها هذا المدعو محمود ، ليتابع امام العميد:

- الواد ده بيكدب، لا هو يبجى ابن عمها ولا يعرفها دا هى اللى.....

قاطعه رائف بلهجة حازمة مهددة وسبابته رفعها للأعلى أمامه غير مكترث لوضعه او حتى في المكان الذي هو فيه :

- اياك تغلط بكلمة واحدة حتى، وألا هادفنك مكانك، وملكش عندي دية بعدها

هدر العميد بصوت عالي يضرب بكفه على سطح المكتب أمامه:

- بس يا ولد انت وهو، مسمعش صوت أي حد فيكم غير لما أسأله.

قالها ثم توجه نهال التي كانت تحاول السيطرة على ارتجافها والخوف مما يحدث معها، وما مرت به منذ قليل، ليسألها:

- وانتى... الكلام اللى بيقولوا الولد دا صح؟

أومأت برأسها وخرج صوتها بضعف كالهمس:

- رائف ابن عمي صادق فى كل كلمة جالها، والولد دا بيتعرضلى من اول يوم دراسى ليا

-اممم .

زام بها العميد بتفكير قبل ان يتناول بطاقات الهوية الخاصة بالجامعة ( الكارنيه ) التي انسحبت منهم، بعد دخلوهم لغرفة العميد، والذي ارتفعت راسهِ فجأة بسؤال لرائف:

- ايه دا؟ هو دا تشابه أسماء ولا انت فعلا، الدكتور مدحت عبد الحميد يلقى اخوك؟

اوما برأسهِ وقبل ان يقولها بفمه، توقف على طرق باب غرفة المكتب، ليلج منه مدحت بعد ان استأذن للدخول إليهم. 

- السلام عليكم.

القى التحية بهدوء وثقة وعينيه تجول على ثلاثتهم، قبل ان يصافح العميد بأدب ويطلب منه الاَخير ان يجلس ويستريح، وجاء رده:

- معلش في البداية يا دكتور، انا بطلب منك ان تسمحلها تجعد. 

قالها بالإشارة نحو نهال، والتي تفاجأت من فعله، والموافقة السريعة من العميد بان أمرها:

- تفضلى يا أنسة اقعدي .

سمعت منه لتجر أقدامها بصعوبة حتى جلست على الكرسي المقابل لمدحت، والذي رمقها بنظرة غامضة بجمود اثار الريبة بداخلها، قبل أن ينتبه على قول العميد:

- دا الظاهر بقى إن الولد دا كلامه صحيح، لما قال انه هو اخوك وانها هي بنت عمك، مدام جيت لوحدك بقى ومن غير ما نطلبك. 

اومأ مدحت برأسهِ، فتابع العميد بعتب:

- بس برضو هو مالوش حق فى اللى عمله مع يا دكتور .

هم مدحت ان يرد ولكن رائف سبقه بعصبيته:

- بجولك اتعرض لبت عمى عايزنى اسكتله؟ دا كويس انى مطلعتش روحه.

صاح هذا المدعو محمود قائلًا بارتياع، وقد تبين من حقيقة ما يخشاه بالفعل:

شايف يا سيادة العميد ، اهو بيهددنى جدامك اها ، ومش مستني حتى لما اطلع من المكتب، طبعا بيتحامى في اخوه الدكتور.

حدجه مدحت مضيقًا عينيه بنظرة نارية صامتًا، وقال العميد:

- وانت صح بقى بتتعرضلها من اول يوم دراسى؟

علم محمود بضعف موقفه، وهذا المأزق الذي وضع نفسه فيه، فخرجت كلماته بغباء:

- لا يا دكتور دا هما الاتنين بيكدبوا عليا عشان انا معجبتنيش مسخرتهم مع بعض 

إلى هنا ولم تقوى على الصمت اكثر من ذلك، وردت بانفعال غضبها:

- كداب وببفتري علينا، دا واد عمي وبس، دا زي اخويا.

وقال رائف هو الاَخر :

- خليه يحترم نفسه يا دكتور بدل ما اعرفه مجامه.

صاح العميد بسأم وتعب:

- نقي كلامك يا ولد انت واحترم نفسك، دي بنت عمه زي ماقالت.

- وخطيبتى !

قالها مدحت بثقة الجمت نهال بذهول، حتى ظنت انها سمعت خطأ، وفاجئت رائف بصدمة، أما هذا الولد محمود، فقد انتابه رعب حقيقي، من هذه النظرة الباردة المخيفة من مدحت

وقال العميد مخاطبًا له بفرحة:

- الف مبروك يا مدحت، انت اخيرا عملتها يا راجل؟ طب كنت قولى .


❈-❈-❈


بعد ان اسمتع من نيرة، تكلم عاصم رافعًا كفه أمامهم يفند الأخطاء على اصابعه : 

- يعنى غلط فيها، وفى ناسها، لا وكمان اتجرأ ومد يــ دوا عليها، لا بجى الواد مالوش ديه عندى .

قالها ونهض على الفور بدون أستئذان ليذهب، ولكنه توقف على هتاف جده ياسين، وهو يضرب بعصاه على الأرض بحسم:

- اوجف عندك يا واد انت، خليك كد كلامك ولا  ناسى انك ادتنى وعد 

سمع منه وتذكر هذا الوعد الذي أجبر على النطق به قبل لحظات، يتنفس بخشونه وصوت مسموع، يضغط على قبضته بشدة، وهتفت صباح هي أيضا:

- اسمع كلام جدك يا عاصم، بلاش عند يا ولدي.

ظل على وضعه متخشبًا، وقدميه تدعو للتحرك وعدم التراجع، ولكن الصوت الاَخير كان له الكلمة العليا:

- حن عليك يا عاصم، إرجع يا واد عمى .

بدون ان يشعر وجد نفسه يستدير نحوها، والتقطت عينيه نظرة الرجاء في براح عينيها، مشاعر قوية انتابته لحظتها لتزلزل كيانه، ولفظ اسمه الذي تفوهت به، يتردد على أسماعه بتكرار وإلحاح.

قال ياسين ليفيقه من حالة الشرود والضياع الذي اكتنفه :

- تعالى يا عاصم واخزي الشيطان يا ولدي، ونتكلم انا وانت كلام كبار

تحركت أقدامه بصعوبة، يجاهد باستمامتة للسيطرة على انفراط مشاعره التي تبعثرت، بنظرة واحدة منها، لتعيده لنفس المربع، وينقض كل العهود التي اخدها على نفسها بنساينها، وقد ظن انه يستطيع. 

وصل إلى جده، ليجلس بالقرب منه، ولكن هذه المرة قصد ان يعطيها ظهره حتى يستعيد توازنه، وتكلم على الفور، يدعي الجدية في مخاطبة ياسين:

- انا رجعت اها يا جد، سمعنى بجى كلام الكبار .

رد ياسين بلهجة ماكرة لا تخلو من الحكمة:

- هاجولك بس بينى وبينك .

توقف مخاطبًا ابنته:

- جومى يا صباح خدى البنته من هنا .

نهضت المذكورة مذعنة للأمر :.

- حاضر يا بوى، زي ما تحب، يالا بينا يا بنات .

اعترضت بدور وهي تنهض عن مقعدها، وتنهض ابنة عمها معها:

- لا يا عمتى انا ماشيه احسن، ياللا يا نيرة معايا، مع السلامه يا جدى.

هتف ياسين يوقفها فور ان استدارت عنه

- استنى يا بدور، انا كنت عايزك في سؤال قبل ما تروحي. 

ناظرته باستفهام، فسألها على الفور:

- إنتى الواد دا لو فلتك من شبكته هتزعلى يا بتى؟

سمعت منه لتردد بلهفة وبدون تفكير حتى:

- لا يا جد بالعكس، دا انا  نفسى اخلص من الشبكة الزفت ده.

قطب عاصم بدهشة، ورد ياسين هو الاَخر:

- وه، لدرجادى يا بتى؟

- واكتر يا جدى والله دا انا كل يوم بتحايل على ابويا وهو مش راضي 

قالتها بدور بلهجة راجية اثرت في ياسين، الذي قال لها:

- خلاص يا بتى روحي انتي دلوك وتتعدل ان شاء الله.

ردت بدور بأمل امتزج بفرحة داخلها ان وجدت اَخيرًا من يساندها ويقف معها:

- ماشى يا جدى سلام بجى .


ذهبت بعد ذلك لتتابعها عيني عاصم وتتعلق بها، بعد ما سمعه منها ورغبتها في الانفصال عن خطيبها، وتسارعت دقات قلبه برهبة واماني تتراقص في خياله، يخشى أن تكون وهمًا

- عاصم 

انتبه على صياح ياسين النزق:

- مالك سرحان في إيه يا جزين؟

انتفض يجلي راسه ليرد محاولا التركيز:

- ايوه يا جد انا معاك اها.

قال ياسين:

- بجولك يا ولدى مينفعش نوجع عيلتين فى بعض عشان عيل زى ده ولا يسوى .

عاد عاصم لعصبيته ليهتف بانفعال:

- يعنى ايه ؟ نسيبوا بعد اللي عملوا معانا يا جد؟ دا غلط فينا ومد ي.ده عليها.

رد ياسين:

- ومين جالك ان احنا هنسيب حجنا بس كل حاجة

بالعجل.

قالها بلهجة هادئة زادت من عصبية الاَخر:

- عجل ايه يا جدى؟ دا انا ناري جايدة وعايز افلجه نصين دلوكت، وانت تجولى عجل.

غمز ياسين بغموض يجيبه:

- متبجاش غشيم، انا مستعد اسيبك تعمل اللى انت عايزه، بس بعد كده النتايج هتبجى واعره على الكل، لكن بجى لما نشغل عجلنا هنوصل للي احنا عايزينه ونجيب حجنا تالت ومتلت، مش بالعفونة هي يا عم عاصم!

صمت الاَخير مضيقًا عينيه بتفكير، ليتابع ياسين في إقناعه:

- واعى إنت وفاهم للكلام اللى بجوله يا عاصم؟


يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة