-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 13


قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص 

الكاتبة أمل نصر


(ست الحسن)

الفصل الثالث عشر



خلف ظهره كانت تقهقه بشقاوة وهي تتهرب من جدها والذي كان يحجزه عنها هو بجســ ده الضخم، كحائط دفاعي من هجوم ياسين والذي كان مصمم على الفتك بها وهو يهدر صائحًا:

- سيبها يا مدحت، خليني أكسر عضمها البت دي.

جلجلت من خلفها بضحكاتها تردد:

- اعجل يا جد انا بهزر معاك .

ردد من خلفها صائحًا باستنكار وقد زادت من عصبيته:

- اعجل انا يا بت ال...... ياد سيبها ياد.

مدحت والذي كان يمنعها عنها بصعوبة واعصاب ترتخي شيئًا فشيئًا وهو يكاد أو يقع ارضًا من الضحك يخاطبه:

- طيب حتى جولى بس، هي عملت إيه لدا كله؟

سمع ياسين ليصيح بتشنج:

-وانت مالك إنت باللي هي عملته؟ سيبها خليني اخلص عليها مضروبة الدم دي.

طلت برأسها إليه تزيد من منكافته:

- طب اجول انا يا جد وهو يحكم ما بينا .

صعق ياسين ليبدوا كالذي صعقه ماس كهربائي:

- شوفت بت ال .. برضوا مش مبطلة، سيبنى يا ولدى خلينى افش خلجى فيها .

رد يجيبه بلهاث حقيقي من فرط ضحكاته:

- خلاص يا جدى كفاية عشان خاطري، انا راجل مش واخد ع الفرهدة دي.

توقف ياسين فجأة وقد اصابه التعب هو ايضًا، فقال:

-  ماشى يا سي الدكتور، أنا هسيبها المرة دي بس عشان خاطرك انت .

أومأ له بتحية متنهدًا ببعض الإرتياح :

- كتر خيرك يا جدى والله، ربنا يخليك يارب.

رفع ياسين عصاه محدجًا نهال بغيظ جعلها تكتم ضحكاتها حتى غادر، لتواصل مرة أخرى واستدار لها مدحت، ليتسمر متجمدًا في النظر إليها، وهي تحاول وتجاهد للتوقف حتى تمكنت من القول اَخيرًا لتسأله:

-  مالك بتبصلى كده ليه؟

تنهد بصوت عالي يجيبها:

- مش عارف اجولك إيه؟ وانتي دايمًا بتلخبطي الدنيا معايا كدة، دا أنا من ربع ساعة بس، كنت مخنوج ومش طايج نفسى وانتى نفسك كنت بتوعد لك بحساب عسير، لكن فى لحظة واحدة بضحكتك اللى تجنن دى نسيتنى الدنيا وما فيها .

اخجلها بكلماته، وهذه النظرة الدافئة والتي تخترق قلبها لتجعل الزيادة في خفقانه بسرعة ارنب يركض في البراري، فقالت باستفهام:

-  طب وانت كنت هتحاسبنى ليه؟

- مش عارفه ليه؟ 

-لا مش عارفة؟

قالتها بصدق ليرد على الفور متذكرًا:

- اتأخرتى ليه؟ وتعرفي منين الست دى اللى انتى جايباها معاكى دلوك؟

عبست ملامحها تجيبه:

- يعنى هو ده جصدك، على العموم اديك عرفت السبب اللى خلانى اتاخر وهو انى كنت عايزه اجف جنب الست الغلبانة دى هى وبتها، ولو عن معرفتها، فدي حكاية طويلة، وعايزة جعدة عشان احكيلك...

قطعت منتبهه على تحديقه بها، فهتفت بشقاوتها المعتادة:

- إيه يا عم إنت؟ هتفضل كتير تبصلى وانت ساكت كده؟

حينما ظل على صمته، تابعت:

- بس إيه حكاية الجلبية البلدى دي؟ دا انت بجالك سنين طويله ما لبستهاش 

كالطفل الصغير، تهلل وجهه ونسى ما كان برأسه من عتاب، فقال مبتهجًا:

-عجبتك ؟ دا انا لابسها مخصوص النهاردة عشان خاطرك ، وعشان اشوف رأيك. 

أجفلها بكلماته والتي زادت على خجلها حتى لم تقوى هذه المرة على التهرب، وانعقد لسانها عن الرد، لتسبل أهدابها عن النظر ومواجهة عينيه، وانعكس ذلك عليه هو ايضًا، لتثير جنونه بها وبحالاتها التي تتغير سريعًا، 

من شقاوة وعفرتة، إلى خجل شديد


قطعت عليه عمته صباح بندائها، وهي تهتف بإسمه:

- مدحت يا ولدى انت لسه جاعد هنا؟

التف إليها قاطبًا بتشتت يسألها:

- ايوه يا عمتى عايزة حاجة؟

ردت صباح بتعجب لحالته هي الأخرى:

- عايزه سلامتك يا حبيبى، انا بس افتكرتك روحت تصلى الجمعة مع عمامك وولاد عمك.

استدرك لينظر نحو الساعة التي تزين رسغه، فقال مجفلًا:

-  وه دا انا اتأخرت صح، ويدوبك امشي واحصل الصلاة، عن اذنكم .

قالها وتحرك مغادرًا على الفور، شيعته صباح بعينيها، تردد من خلفه:

-  روح يا حبيبي، حرمًا مجدمًا ان شاء الله .

سألتها نهال بانتباه:

-  عمتى، هو مين اللى راح يوصل خالتى رضوانة ؟

التفت صباح مضيقة عينيها بريبة تقول:

- راح معاه حربي عشان يوصلها، لكن انتى عرفيتها كيف يا مصيبة انتى؟

تبسمت بلؤم تجيبها بمرواغة:

- نصيبة ليه بس يا عمتى؟ دى حتى بتها اللى كانت صاحبة اختى بطة، و هى اللى اتجوزت عندينا هنا في البلد وصاحبة المشكلة اللي جات لجدي عشانها والدتها،  فيها حاجة دي يا عمتى؟

اردفت سؤالها الاَخير بخبث صريح، وردت لها الأخرى:

- يعنى انتى معارفاش فيه ايه ؟!

هزت رأسها بالنفي تقول ببراءة:

- وانا هعرف منين بس يا عمتى، لو في حاجة زي انتي ما بتجولي. 

صمت صباح تطالعها بشك وعدم تصديق:


❈-❈-❈

اوعوا تكونوا اكلتوا من غيرى .

هتف بها حربي وهو يعدو بخطواته السريعة لداخل المنزل بعد عودته من الخارج، ردت عمته صباح :

- لا يا ولدى، دا احنا يدوبك بنجول بسم الله الرحيم .

جدم اسحب لك كرسى عشان تاكل معانا.

خاطبه والده بنبرة حانقة:

- وانت كنت فين يا محروس عشان متحصلش الصلاه معانا، وتيجي كمان ع الوكل متأخر؟

اجابه حربي بعدم تركيز وهو يتناول الطعام بشراهة بعد أن جلس وانضم إليهم:

- كنت فى مشوار يا بوى .

- مشوار ايه يا حيلتها اللى يخليك ما تحصلش صلاة الجمعة؟

قالها بتوبيخ، لترد صباح مخاطبة له بضيق:

  - وه يا محسن، انا اللى بعته يوصل عمته رضوانة.

سألها محسن بعدم فهم:

- رضوانة مين؟

هذه المرة كان الرد من هدية التي هتفت وأنظارها نحو ياسين:

- رضوانة يا محسن، معرفش رضوانة اللى كانت مرة عمي ياسين زمان.

تدخل رائف يسأل بفضول:

- صح يا جد انت اجوزت حد تانى غير ستى نحمدو؟

وتدخل مدحت أيضًا:

- معقول! الكلام دا صح يا جد؟ يعنى اللى شوفتها النهارده كانت مرتك؟

رفع رأسهِ إليهم ياسين بعد فترة من الصمت بوجه عابس، وصوت خلى من مرحه الدائم:

- فضوها كلام خلونا ناكل وانت يا حربى بعد ما تخلص وكل حصلنى على اؤضتى .

صمتوا جميعهم مجبرين، فقد كانت هيئة ياسين غير مشجعة على الإطلاق لفتح أي حديث، بالإضافة إلى هذا الشرود في تناول الطعام، والذي لم يستمر سوى لحظات معدودة، قبل ان ينهض عنه وأكد مرة أخرى على حربي لضرورة اللحاق به.

عقب مغادرته، اشتعلت الاسئلة الفضولية والهمهمات واللمزات عن المرأة الغامضة والتي ظهرت الاَن في هذا الوقت بعد طول غياب،

فقال عبد الحميد:

- ودى إيه اللى جابها؟ دى بجالها عمر طويل محدش شافها !

ردت صباح :

- كانت جاية فى موضوع كده عشان بتها الزمجانة وجوزها اللى ضربها.

خرج عاصم عن صمته هو الاخر:

- يا جماعة حد يفهمنى، دى كانت جبل ستى نحمدو، ولا بعدها؟

اجابت والدته:

- دي اتجوزها على ستك نحمدو سنتين وطلجها .

سألتها بدور:

- طب هي ستى، كانت ساعتها مخلفة عيال؟

اجابها عن السؤال والدها:

- ايوه يا بتى، دي كانت مخلفانا كلنا كمان، بس دا بعد ماطلج ستك الطلجة الأولانية

- أولانية! وه، دي على كده ستى اتطلجت اكتر من مرة ؟

قالها رائف بعدم استيعاب وجاءه الرد من عمه محسن:

- مرتين يا ولدي، كان يطلجها ويردها تانى عشان خاطرنا احنا عياله، اصل جدكم كان طبعه حامى فى شبابه، لكن طول عمره حنين مع عياله.

رفع رأسه حربي إليهم باستدراك يقول وهو يلوك الطعام بفمه:

-  بجى على كده المرة الحلوة دى كانت مرة جدى، وانا اجول، إيه سبب الاهتمام دا من جدي؟

تنهيدة كبيرة اخرجتها صباح لتقول مقررة:

 - هي فعلًا حلوة، وجدك لحد دلوك مش ناسيها .

قال مدحت وقد تركزت انظاره نحو نهال 

-  يبجى كان بيحبها يا عمتى، دا حتى شكله اتغير لما جبنا سيرتها.


❈-❈-❈


ادخل .

هتف بها ياسين نحو حربي والذي كان يطرق على باب غرفته، بناءًا على طلبه، دخل المذكور ليجد جده متكئًا بنصف نومه على الاَريكة الخشبية الصغيرة في الجانب القريب من باب الغرفة، يتلاعب في سبحته، بوجوم، فتكلم حربي يسأله:

إنت كنت عايزنى فى ايه يا جدى؟

اعتدل ياسين بجذعه ليقول:

- ايوة تعالي اجعد جمبي هنا، احكيلى عن كل اللى شوفته بالظبط عند عمتك رضوانة اللي وصلتها من شوية.

جلس مذعنًا لطلبه حربي، ورد يجيبه رغم حالة الدهشة التي اكتنفته، من السؤال:

-  شوف يا جدى، انا بعد ما وصلتها، أصرت عليا ادخل اشرب شاى عندها في البيت، ما كنتش عايز بصراحة بس فى الاخر دخلت عشان ما تزعلش منى وتفتكرنى بتكبر عليها، وشوفت بيتهم يا جدي، باين قوى انهم ناس على كد حالهم .

سأله ياسين:

- مين اللى طلعلك من الرجال؟

مصمص حربي بشفتيه يجيبه بعدم رضا:

- ما فيش يا سيدى غير واد بتها  اللى يدوبك ١٥ سنة، اظاهر كدة ان كل خلفتها بنات .

  - وانت شوفت حد من بناتها ؟

سأله ليجيب الاَخر على الفور بلهفة:

-  ايوه يا جدى بتها نسمة اللى كانت متجوزة عندينا هنا، صاحبة الموضوع اللي كلمتك فيه الولية امها، هى اللى دخلتنا الشاى، بس ايه يا جدى، بت تجول للجمر جوم وانا اجعد مطرحك، انا مش عارف كيف البت الحلوه دى تتجوز الواد الطحان العفش ده، لا وكمان هو اللي بيجلع عليها من خيبته!

عادت إلى ياسين النبرة المرحة في مخاطبته:

- دا انت بصيت على البنيه واتحججت كمان من وشها، يا بن الفطروس .

ضحك حربي يقول بحرج:

- وه يا جد مش سلمت عليا وكلمتني كمان، ساعة ما أمها جدمتني ليها؟ على العموم هى شبه والدتها. 

أومأ ياسين يهز رأسه بتفهم وشرود، حتى هم حربي في الاستئذان والإنصراف، ولكن الأخر فاجئه بقوله:

- طب حكيلى تانى بجى، ليكون فى حاجة ناسيها.

ردد خلفه حربي بعدم تصديق:

- تانى يا جدى !


-❈-❈-❈


بعد تناول الغذاء

تفرق الأفراد كالعادة، راجح وأشقاءه الرجال صعدوا ليرتشفوا الشاي في ضوء الشمس، بعادة نشأو عليها منذ أن كانوا أطفالًا صغار في منزلهم هذا الذي ترعرعوا فيه، أما الزوجات، فقد ذهبوا مع صباح إلى المطبخ، لمساعدتها في الجلي والتنظيف قبل الذهاب ، الشباب والفتيات وقد تجمعوا هذه المرة في مكان واحد، في حديقة المنزل، للتحقيق مع نهال في هذا الموضوع الجديد 

- جولى واعترفى يا سهونة ان هو دا السر اللى كان بينك وبين جدك .

هتف بها رائف وكان رد الأخرى 

-،لاه مش جايلة، ومش هاريحكم .

قالت بدور:

- سيبك منها يا واد عمي، البت دي لو جعدتوا للصبح في السؤال معاها، برضوا،  مش هتجول دى انا عرفاها .

اضافت على قولها نيرة:

- انتى هتجوليلى، دى استاذه فى اللوع .

صاحت بها نهال غاضبة:

-  لمى نفسك يا نيرة، انا مش عايزة اتعصب عليكي.

رددت الأخيرة بتحدي:

- ليه يا حبيبتى؟ شايفانى مبعثرة ولا شايفاني مبعثرة؟

هتف عاصم بحزم نحو الاثنتين:

- خلاص بجى يا بنات انتو هتشبطوا فى بعض، فضوها بجى من الموضوع ده.

صاح رائف يعترض بمكر:

- ما تسيبهم يا عم خلينا نشوف مين اللى هتفوز فيهم .

- ماخلاص بجى فوضوها دا مش موضوع اللى هيخلينا نخسر بعض .

هدر بها مدحت بضيق ليصمت الجميع، فقد كان هذا الأمر اخر اهتمامه، ولا يعجبه هذا التجمع حولها، وهذه الأسئلة المكررة بملل، وهو يريد الأنفراد بها والتحدث معها.

- عقب رائف على قوله بخبث:

-، نخسر بعض! لا مش لدرجادى يعنى يا عم الدكتور . احنا ولاد عم، نشد ونرخى وفى الاخر نتصالح ونفضل حبايب.

غمغم مدحت بصوت خفيض حانقًا من سماجة شقيقه والإصرار على استفزازه:

- ابو دمك يا شيخ، عيل بارد .

ضحك عاصم بصوت عالي وقد فهم على مدحت، وبنفس الوقت انتبه على افعال الاَخر المناكفة بقصد، فتدخل قائلًا:

- بجولك إيه يا رائف، إنت متعرفش إن الفرسة الكبيرة جابت مهر صغير يشبه الحصان العالى .

هتفت بدور مهللة بفرح وحماس:

- ولدت مهر صغير، إنت بتتكلم جد يا عاصم؟

ضجك الاَخير يطالعها بقلب يقفز فرحًا بين أضلعه، وقد خاطبته أمام الجميع بإسمه، وتخلت عن تحفظها، لتسأله بتباسط وفرح طفلة صغيرة، فخرج رده بابتسامة اشرقت ملامحه وزينت ثغره:

- صح يا بدور، صغير وحلو جوي كمان، يشبه الحصان العالي ابوه. 

ضحك رائف ضاربًا كفًا بالاَخر يردد :

- انتى فينك يا حربى يا واد عمى؟

تجاهله عاصم وكتم ابتسامته، أما نيرة ف قالت بلهفة:

  - يا عم احنا مالنا بحربى دلوك، خلينا فى المهر الصغير ، انا جايمة اروح اشوفه .

قالتها ونهضت على الفور، تبعها عاصم وبدور وحتى رائف لم يستطع منع نفسه من رؤية الحدث الجديد.

همت نهال أن تنهض أيضًا ولكنها تفاجأت بيــ د 

قوية تطبق على كف يــ دها التي كانت تتناول الهاتف من جوارها ع الاَريكة الخشبية، طالعته باستفهام، ولكنه وجه لها نظرة محذرة كي تصمت، ارتبكت بإجفال تنتظر حتى ابتعد اولاد أعمامها مع شقيقتها لتسأله بعدم فهم:

-  إيه فى حاجة؟

تبسم ببهجة تغمره مجبرًا نفسه لرفع كفه عن كفها، وهو يقول:

- لأ مفيش حاجة يا ستي، أنا بس عايز اجعد مع بعض لوحدينا شوية.

قالت باضطراب وابتسامة متوترة: 

- والنعمة خضيتنى، وافتكرت فى حاجة.

- سلامتك من الخضة يا جمر .

قالها مدحت لتصعق متفاجئة بكلمات الغزل التي جعلتها تردف بخجل تحاول أن تخفيه بمزاحها:

-  انت كمان بتعاكس يا دكتور؟

رد يشاكسها محدقًا بها بنظرات تزيد على خلجلها:

- ومعاكش ولا اقول كلام حلو ليه؟ دا انا ابجى راجل معنديش نظر وغبي، دا انت عنيكي بس يتكتب فيها قصائد .

ضخات قوية، بأصوات تشبه الطبول لهذا الصغير داخل

صــ درها، لا تصدق ولا تستوعب أن يأتي هذا اليوم وتسمع منه هو هذه الكلمات بهذه المشاعر التي تصدر مع حرف منه، ضاع التعبير منها وضاعت هي أيضًا، فلم تتمكن سوى بالتهرب، بأن أسبلت أهدابها لتهبط بأنظارها للأسفل، فهتف هو يجفلها:

- ارفعي عنيكي يا بنتي، هو انا بكلمك عشان تهربي بيهم، دا انا ما صدجت الحوش اللي معانا مشيو، خصوصًا الواد رائف البارد.

سمعت منه لتضحك بمرح وتقول:

- اقسم بالله دي اول اعرف شخصيتك دي، طول عمري شايفاك الدكتور الراسي العاجل 

رد يلوح لها بكفه:

- عجل مين يا ماما؟ الكلام ده كان زمان، جبل ما اشوفك بعد ما كبرتي وبجيتي كدة. 

بابتسامة ارتسمت على ملامح وجهها بشدة سألته بفضول:

- بجيت كده ازاى يعنى؟

مال برأسه يطالعها بسحر نظراته، ليقول:

- شوفي يا ستي، اللي اجدر اقولهلك دلوقتي وتبجي متأكدة منه، هو اني اللحظة اللي شوفتك فيها هنا في بيت جدي بعد السنين الطويلة دي، جولت هي دي!....

همت ان تقاطعه ولكن هو كان الأسبق:

- عارفك هتجولي كنت جاي عشان خطوبة اختي، بس انا برضو هرجع واجولك ان دا هو اللي حسيت بيه، ويشهد ربنا إني ما بكذب في حرف.

ظلت لعدة لحظات تطالعه صامتة قبل أن يفتر ثغرها بابتسامة كانت تتوسع تدريجيًا حتى اردفت بمرح،:

- يالهوى عليا وعلى سنيني، طب انا ارد اجول إيه دلوك؟

رد يجيبها بحزم:

- يا ستي متفكريش ولا تتعبي نفسك، انتى ردى عليا بالكلمة اللي مستنيها وبس.

- كلمة ايه؟

صدرت فجأة بالقرب منهما، ليجدا أمامهم حربي واقفًا يناظرهم بوجوم وتجهم.

زفر مدحت غاضبَا يقول:

- مش تجول السلام عليكم الاول يا حربى، جبل ما تخض الناس وتتدخل في كلامهم. 

رد حربي مقارعًا:

- اتخضيتوا! ليه بجى ان شاء الله؟ شوفتوني عفريت جدامكم مثلًا؟

هدر مدحت غاضبًا:

- عايز ايه يا حربى؟

- يعني هعوز إيه؟

قالها بنبرة بطيئة مريبة، اصابت نهال بالتوتر بالإضافة إلى هذه النظرات الغير مريحة منه وهو يتابع:

- انا بس مستغرب جعدتكم... وبجية الشعب مش موجود!

صك على فكيه مدحت يكظم غيظه حتى لا ينفعل ويهشم رأسهِ، بعد أن وصله التلميح الصريح منه، وردد خلفه مشددًا على الكلمات:

- بجية الشعب راحوا يشوفوا المهر الجديد.

تنهد حربي بوجه ممتعض، قبل أن يقول وهو يحرك اقدامه

- انا كمان هروح احصلهم، متزعش نفسك يا عم الدكتور، سلام .

تكلمت نهال فور مغادرته بوجه انسحبت منه الدماء:

- حربي شكله ميريحش، انا خوفت منه.

قال مدحت بحزم:

- وانتي تخافي ليه؟ ولا تجلجلي اساسًا منه؟ إدينى كلمة منك اروح لجدى وعمى دلوك ونتمم الموضوع.

ابتلعت ريقها ولم تدري بما تجيبه، وزاد هو بإلحاحه:

- ها ايه رايك؟


❈-❈-❈

في الأسطبل وبجوار المهر الصغير التي كان يقف بالقرب من والدتها:

هتف عاصم ضاحكًا:

- يا بت نزلى كفك زين وانتي بتلمسي عليه، هو هيعوضك؟

ردت بدور وهي ترتد للخلف كلما اقترب منها الصغير:

- لا يا بوي انا خايفة. 

اقترب عاصم بالصغير يشاكسها بمرح:

- طب جربي بس ع الخفيف كدة وخليه ياخد عليكي، دا غلبان والله.

تدخل رائف قائلًا:

، ما خلاص يا عم عاصم، بلا تاخد بلا تنيل، سيبها على حالها كدة، دي بت خايبة.

تغضن وجه بدور لترد عليه بغضب وانفعال:

- احترم نفسك يا رائف ومتغلطش، مالك انت ان كنت خايبة ولا ناصحة، انت مالك ها؟

ردد عاصم خلفها متصنعًا الغضب:

- ايوه صح يا زفت انت، بطل برود وغلاسة واسمع الكلام، 

التقطها رائف ليصيح مهللًا يردد:

- اسمع الكلام يا عينى ع الرجالة، يا عيني ع الرجالة

تبسم عاصم صامتًا، يخطف نظراته بطرف عينيه نحو بدور التي تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل، وهي تدعي الغضب، متمتمة بكلماتها الساخطة:

- يا باي عليك يا رائف، دا انت صح والنعمة غلس ورزل كمان.

تدخلت نيرة بعد فترة طويلة من المتابعة:

- ما هو عندو حج صراحة يتريج عليكي، بجالك ساعة معرفاش تلمسى بكفك ع الحصان الصغير ده.

هتفت بها بدور حانقة:

- ما انا بصراحة بخاف من الحاجات الصغيره 

دى، باه، حتى انتي كمان يا نيرة؟

ضيق عاصم عينيه بخبث قبل ان يفاجئها ويتناول كفها قائلًا:

- بتخافى من الحاجات الصغيرة، طيب تعالى نجرب مع الحصان العالى .

قالها وهو يحاول سحبها نحوه، وصرخت هي بزعر متشبثة بالحاجز الخشبي خلفها باليــ د الأخرى:

- لا يا عاصم لا، سيب يدي حن عليك. 

تدخل رائف بسماجة يغيظها

- ايوه والنبى يا عاصم جربها من الحصان، اصل البت دى شلانى صراحة.

قهقه عاصم وقبضته ارتخت لا يريد تخويفها اكثر، ولكنها لم تقتنع وهي تصرخ نحو نيرة:

- ما تحوشي عني يا جزينة انتي، الاتنين بيتسلو عليا وانتي ساكتة؟

ضحكت نيرة هي الأخرى تقول بتسلية:

- يا حبيبتى ما انتى اللى خايفة من المهر الصغير، نعملك ايه بس؟

عقد حاجبيه عاصم يدعي الجدية في قوله:

- يا بت هو انا هرميكى له عشان ياكلك، دا انا بس هخليه ياخد عليكى،  تعالى بس متخافيش .

اعترضت تحرك رأسها برفض قائلة

-  لا يا عم، احسن يرفسنى ولا يكسر لى ضلع انا مش ناجصة.

- يا بت انا معاكى يعنى متخافيش .


قالها عاصم ليتفاجأ بمن يردد خلفه بصوت عالي:

- ما تروحى معاه يا بدور خايفة ليه؟

قالها حربى والتفت رؤس الاربعة نحوه، فقد كان مستندًا على باب الاسطبل.

ارتبكت بدور بخضة، وتحفز عاصم بعد ان تركها واشتدت ملامحه وهو يناظر الاَخر بتحدي، أما رائف فقد تصرف على طبيعته وقال ضاحكًا: 

- إنت جيت يا غالى؟

رد حربي ساخرًا بقصد:

- ايوه يا حبيبى، انا جيت من اول الفيلم .

هدر عاصم بغضب 

- فيلم إيه؟ ما تنجى كلامك يا حربي، بدل ما تهلفط بكلام ماسخ مالوش معنى.

اعتدل حربي في وقفته ليقول:

- يعنى هجول ايه بس يا واد عمى؟ وانا شايف المشهد ده مرتين ورا بعض .

- إنت تجصد مين؟

سأله رائف ورد الاَخر:

- جصدى ع الدكتور والدكتورة....

قاطعته بدور بغضبها:

- بجولك ايه يا حربى، احترم نفسك وبطل تلجح بالكلام .

خاطبها عاصم بانفعال:

- سيبيه يا بدور خليه يغلط، عشان لما يدفع تمن غلطه يعرف ان الله حق.

-' وانا لسه هستني لما اعرف، انا ماشى يا عم وسيبهالكم .

قالها حربي وهو ينفض جلبابه ليستدير مغادرًا على الفور، تبعه رائف حتى يلحق به هاتفًا :

- استنى يا حربى انا جاى معاك .

قالت نيرة عقب انصراف الاثنين:

- دا ماله دا اجن ولا إيه؟

توقف عاصم يتبادل مع بدور النظر بصمت. 


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة