رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 19
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل التاسع عشر
- مين يتجدم لمين، نهال مخطوبة يا عمي اساسًا؟
قالها بعصبية وتقرير وكأنه يتحدث عن شيء محسوم، مما جعل راجح يردد بعدم استيعاب أو كأنه لا يصدق ما وصل لأسماعه:
- نهال مخطوبة! ازاي يعني؟..... كيف؟ ولو مخطوبة يبجى لمين ان شاء الله وابوها ما يعرفش؟
اجابه الاخر حاسمًا بدون تفكير:
- انا يا عمى، وخطبتها من جدى كمان؟
ردد راجح ساخرًا بنظرة محتقنة
- يا حلاوة، ودا حصل من غير ابوها ما يعرف؟
تحمحم ياسين يخاطبه بمهادنة:
- يا ولدى هو كلمنى من فترة طويلة، بس انا اللى كنت مأجل عشان ورايا شوية مواضيع ومشغول فيها؟
تدخلت راضية تضيف هي الأخرى:
- يعني في بيتها يا راجح، دا واد عمها وطلبها من جدها، مش حد غريب هو.
صرخ راجح بها فاقدًا عقد تحكمه:
- لكن دا بيجول خطيبها من جبل ما ياخد موافقتي! ما ليش جيمه انا على كدة، عشان الباشا يقرر هو وجده، ويركنو ابوها على جمب.
شعر مدحت بفداحة الخطأ الذي ارتكبه، فقال بلهجة لينة يخاطب عمه:
- يا عمى ما تزعلش منى ولا تاخد على كرامتك، احنا معملناش اي فعل، دا كان مجرد كلام ع الطاير وطبعا كل حاجة بعد شورتك، وانا دلوك اللي خلاني اتكلم هو اني اتعصبت لما عرفت ان البارد ده اتجدم ل نهال وانا جايلوا انها مخطوبة.
قالت نعمات بلهجة هادئة من أجل ترضيته:
- خلاص يا بو ياسين، هدي كدة، الموضوع خير ان شاء الله، مدحت واد عمها وهو أولى بيها.
سمع منها راجح وتجاهل متجه بخطابه نحو نهال:
- وانتى يا سنيورة ساكته ليه؟ مش عوايدك يعنى؟ ولا يكونش انتى كمان عارفة؟
اسبلت أهدابها بخفر لتطرق برأسها نحو الأرض صامتة، مما ساهم في ازدياد انفعاله، ليصيح بها:
- يا صلاة النبى، دا على كده انا اخر من يعلم !
صاح به ياسين بدوره:
- خبر ايه يا راجح؟ هو انت شوفتهم اتجوزوا يعني؟
بغضبه التف إليه يهتف بانفعال:
- ما هو دا اللى ناجص كمان؟ جومى يا نعمات، جومى يا بدور، خلونا نمشى.
سمعت الأخيرة لترد بسؤال:
- نمشى نروح فين يا بوى؟
ردد خلفها مستهجنًا:
- نمشى نروح بلدنا يا غندورة ولا انتي نسيتى ان وراكى مدرسة؟
- لا منسيتش بس فيها ايه يعنى لو غبت يومين دى ثانوى زراعى، مش ثانوية عامة ولا حاجة مهمة.
قالتها ببساطة لتبرق عيني الاخر غيظًا وهو يهدر بها:
- وتغيبى ليه اساساً؟ ما احنا اتطمنا على واد عمك وخلاص، ولا انتي مصدجتي وافتكرتيها فسحة!
ردت بثبات تحسد عليه:
-لاه يا بوى لسه لما يجوم على رجله هبجى اتطمن مش دلوجت.
عقبت سميحة بالقرب منها:
- جدعه يا بدور، هو دا الكلام الصح، ما تسمع منها يا راجح، وسيبها تجعد لها يومين تطمن على واد عمها .
- وتجعد ليه؟ وإيه لازمة جعادها اساساً؟
صاح بها راجح قبل أن تجفله بدور بجرأة غير متوقعة:
- لازمتوا انى خطيبتوا، ما هو خطبنى انا كمان من جدى زى الدكتور مدحت ما خطب نهال.
قالتها ليُصعق عاصم بردها، لا يصدق ما التقطته اسماعه،
ويخيم الإزبهلال على وجوه باقي الافراد في الغرفة، بردود افعال مختلفة، سميحة تود إطلاق زغروطة مدوية، ونهال تناظر شقيقتها بأعين زائغة، لا تصدق ان شقيقتها جرأت على هذا الفعل، رائف وراضية ومدحت ونعمات أيضًا تلجمت افواههم عن المجادلة، وقد تفاجأو بالخبر الذي جعل هدية بجوارهم تغلي من الغيظ.
وياسين وسط كل هذا يعصر بعقله، ويراجع نفسه، إن كان عاصم قد حدثه قبل ذلك عن هذا الأمر.
مما ساهم في ازدياد تأجج جذوة الغضب بقلب راجح الذي التف لوالده بانفعال اختلط بعتبه:
- طب ما تجوزهم احسن من ورايا يا بوى!
اضطرب ياسين وقد اربكه الوضع عن التكذيب او التصديق، فقال بمهادنة:
- يا ولدى ما تخدتش كل حاجة كدة بعصبية، انا بجولك اها، كل اللي حاصل جدامك دا كلام، واهم حاجه رأيك انت في الأول والآخر.
خرج صوت راجح بهدوء ولوم:
-رأيى فين يا بوى؟ الاول بيجول خطيبتى والتانية بتجول خطيبى، والحجة جايبنها فيك انت ابويا، على اساس ان انت صاحب الرأي في الأمرين يبجى فين رأيى انا عاد؟.....
صمت برهة يحدج الجميع بنظرات اتهام قبل ان ينقل نحو زو جته بخاطبها:
- يا للا بينا يا نعمات، خلينا نروح ونشوف مصالحنا، مفيش داعي للجعدة اكتر من كدة، وان كان ع المحروسة فخليها مع اختها...... تطمن على خطيبها .
قال الأخيرة بنبرة متهكمة وانتفضت نعمات مذعنة للأمر لتنهض عن مقعدها، لتسير خلف زو جها مغادرة، وقبل أن يصلوا لباب الغربة أوقفهما مدحت بندائه:
- استنى يا عمى معلش، جبل ما تطلع من المستشفى بلغ ردك ل يونس بالرفض .
خرجت نهال عن صمتها لتجفله بردها:
- لا يا بوى ما تبلغش حد انا لسة ما جولتش رايى .
التفت رأسه بحدة نحوها، ليهدر بأعين مشتعلة
- ما جولتيش رأيك !، هو انتي لسة ليكي رأي فيها دي كمان؟
انزوت خلف شقيقتها برعب، ورد راجح:
- انا لا هاجول ولا احزن، انا ماشى وفايتهالكم خالص، يا للا بينا يا نعمات، خلينا نحصل الجطر .
قالها واستدارا الاثنان ليغادرا على الفور، وتحرك ياسين خلفهم ليلحق بهما، مغمغمًا بقوله
- أدي نتيجة اللي يتبع العيال، ها تخسرونى ولدى يا ولاد الفرطوس .
بمغادرته هو الاَخر، التف مدحت نحو الأخرى بأعين مشتعلة، وخطوات متمهلة يقترب منها، يود خنقــ قها، أو سحب لسانها المستفز من حلقها، كي يؤدبها ويربيها، وخرج صوته بهدوء مخيف:
- تعالى هنا، سمعينى ها تجولى رأيك فى مين بجى؟
بقلب يرتجف من الرغب، ارتدت بخطواتها حتى أصبحت خلف رائف، الذي تصدر لشقيقه مرددًا بضحك:
- استنى يا مدحت، هى اكيد بتهزر .
- ودا وجته عشان تهزر في حاجة زي دي؟ وجدام ابوها كمان؟
صرخ بها مدحت ورائف يحجبها بجســ ده، حتى لا يستطيع النيل منها امام نظرات هدية المغتاظة بصمت، وضحك البقية حتى عاصم لم يقوى على كتم ضحكاته على جنون الإثنان، وما زال مدحت يهدر بها:
- هتفكرى فى مين يا بت؟ ردى عليا؟
بقوة كاذبة كانت تدعيها أمامه، رغم ارتجاف اوصالها من الخوف قالت بقوة:
-طب جولى حكاية مها الاول وانا اجولك.
قالتها لتجده تسمر محله فجأة يناظرها بذهول، والدته توقفت عن الضحك وتجمدت لتبدوا كتمثال بفاه مفتوح، حتى رائف العابث دائمًا، تجهم واستدار يسألها بدهشة
- انتى عرفتى منين حكاية مها؟
اجفلت نهال من رد فعلهم بمجرد ذكر الاسم ليبدوا جليًا أمامها ان ما اخبرها به هذا المدعو يونس كان حقيقي، لذلك جاء ردها على رائف بالسؤال:
- يعنى صح فى حكاية اها زى ما سمعت؟
سألها مدحت هو الاخر بصوت خفيض مريب:
- سمعتى من مين بالظبط؟
تلجلجلت بخوف تجيبه:
- اا مش لازم تعرف ؟ إنت جولى الكلام دا صح ولا لاه وبس؟
تدخلت راضية قائلة:
- لا يا بتى، انتى جوليلنا الأول مين اللى جالك عشان نعرف نرد عليكى؟
بعناد وتصميم ردت نهال:
- انتو جاوبونى وخلاص، مالكوش دعوه باللى جالى .
- مالناش دعوة، طب تعالى بجى عشان اعرف منك .. واجولك.
قالها مدحت وهي يباغتها فجأة بجذبها من كف يــ دها، بحركة سريعة، ليسحبها ويخرج بها، وهي تحاول التخلص من قبضته مرددة:
- سيب يــ دى، انتى واخدنى واريح بيا فين؟
توقف بها فجأة ليقول:
- انتى مش عايزه تعرفى حكاية مها؟
اومأت تجيبه بهز رأسها، فقال يجيبها وهو يعود بسحبها:
- يبجى تيجى معايا وانا افهمك
خرج بها من أمامهم، لتتمتم بدور متسائلة نحو الجميع بخوف:
- يا مرارى احسن يعمل فيها حاجة.
ضحك رائف يعقب على قولها
- هيعمل فيها ايه يعنى؟ هيموتها؟
قالت نيرة وهي تضرب كفًا بالاَخر:
- اخويا الدكتور العاجل الراسي، اللي كنا نحلف برزانته اتجن ، منك لله يا نهال، زي ما طيرتى عجل اخويا منه.
قالتها فضحك معظم الموجودين في الغرفة، ليضيف على قولها عاصم، وانظاره نحو بدور:
- معلش بجى، اصله حبها، والحب يعمل اكتر من كده كمان.
تخضبت الدماء بوجنتي الأخيرة لتطرق رأسها بخجل عنه، ولتزيد من حقد هدية التي كانت على وضعها في المراقبة بصمت.
❈-❈-❈
في الطرقة المؤدية لمخرج المشفى، لحق ياسين بولده قبل ان يتمكن من المغادرة، فجذبه من ذراعه يوقفه قائلها بحزم:
- استنى هنا يا واد انت، هو انا هجعد كدة اجري وراك ؛انت هتعمل زى العيال الصغيرين؟
- انا برضو يا بوى اللى عجلى صغير؟
قالها راجح بغضبه الذي لم يهدأ بعد، فقال ياسين بمكابرة:
- ايوه عجلك صغير، لما تزعل من حاجة زي دي، مجرد كلام وبس، مكبر الموضوع وعامله حكاية، طب هو انا يعنى مليش كلمة فى جوازهم؟
تماسك راجح حتى لا ينفعل بوجه والده؛ الذي يقلل من الأمر أمامه، مصرًا على ازدياد حنقه، فقال كازًا على أسنانه:
- يا بوى بلاش اسلوبك ده معايا، عشان انت عارف زين انا اجصد جلة التعبير، مش كلمتك .
رد ياسين مستهبلًا:
- طب وهو حصل ايه بس لكل ده؟
للمرة الثانية تماسك راجح يجيبه:
- يا بوى انت عارف زين، إن انا زعلان من ايه، فبلاش تلف وتدور عليا، عشان انا مش عيل صغير صح، لاجل ما يضحك عليا بكلمتين، وسيبنى امشى دلوك الله يخليك، وافتكر كويس ان ولدك مش هفية.
كلمته الأخيرة كانت قاسية على ياسين، حتى جعلته يصمت عن الجدال معه، ويتركه ليكمل طريقه نحو الخروج مع زو جته التي توقف بالقرب تنتظر منذ فترة.
❈-❈-❈
دفعها لداخل غرفة المكتب خاصته في المشفى، لتقف في الوسط بقلب على وشك التوقف، تراقب برعب عصبيته في غلق الباب عليهما، ثم التف إليها بوجه مظلم يتقدم بخطوات هادئة مريبة، فخرج صوتها بشجاعة تدعيها:
- انت بتجفل باب المكتب وبتبصلى كده ليه؟ عايز مني أيه؟
رد بتريث عجيب:
- وانتى خايفه ليه؟ دا احنا حتى هنتفاهم دلوك .
- نتفاهم على ايه ؟ إنت جولى على حكاية مها، ويبجى خلاص وخلصنا على كده .
قالتها نهال قبل ان تجده يتخطاها ليجلس خلف مكتبه، ثم جاء رده باستخفاف محنك:
- يا شيخة! بس كده، حاضر يا نهال هجولك حكاية مها، من طج طج للسلام عليكم، والتفاصيل كمان، بس على شرط انك تجوليلى مين اللى جالك على الموضوع ده من الاساس
اغتاظت بشدة من تعنته الشديد معها، ثم قلب الطاولة ناحيتها بذكاء، لتصبح إجابة مقابل إجابة، ولكن الأمر لن يمر على خير، لو حدث واخبرته عن هذا المدعو يونس الذي اخبرها بالموضوع، فكان الصمت حليفها في هذه اللحظة، ليأخذ مدحت فرصته في الضغط بقوله:
- اممم، سكتى ليه؟ ما تجولي يا دكتورة!
بكذب مفضوح اخترعت قولها:
- انا عارفه الموضوع ده من زمان بس افتكرت النهاردة
- كدابة.
قالها سريعة وقوية لتجادله باعتراض:
- وهكدب ليه ان شاء الله؟
نهض عن كرسيه فجأة ليقابلها وينظر في عينبها مباشرة بقوة قائلًا:
- عشان الموضوع ده محدش يعرفه غير امى و رائف، أبويا نفسه ما يعرفش بالسيرة دي، يبجى عرفتى انتى منين؟
نظرته الحادة القاسية، والمسافة القريبة بينهما، مع ضغف حجتها والشلشل الذي اصاب عقلها عن التفكير في رد مناسب، حتى تتجنب قول الحقيقية، كل هذا جعلها كالمخروسة أمامه لعدة لحظات زادت من قوة موقفه أمامها، فخرجت إجابتها اخيرًا بتهرب:
- طب وانت ليه مصمم تعرف باللى جالى؟
على نفس المسافة لم يتحرك بأنش واحد اجابها بابتسامة لم تصل لعينيه:
- عشان هو كدة، زى انتى ما عايزة تعرفى بحكاية مها، انا كمان عايز اعرف مين اللي جالك ويمكن اكتر.
زفرت بقنوط لتقول بقلة حيلة مستسلمة اَخيرًا:
- خلاص مش عايزه اعرف.
- خلاص يبجى تروحى تتصلى بعمى حالا وتبلغيه بموافجتك على واد عمك ورفضك للزفت اللى اسمه يونس.
قالها سريعًا وهو يعاود الجلوس على مقعده بأريحية، ليزيد من غيظها واضعًا قدم فوق الأخرى، ف التفت تضغط بأسنانها على شفتها السفلى كي تذهب ولسانها يغمغم بالكلمات الحانقة"
- ماشى يا مدحت، اعمل ما بدالك وابجى جابلنى لو نفذت اللى فى مخك، هاااا، ياااماااا
شهقت بالاخيرة مخضوصة حينما تفاجأت به أمامها يوقفها ممسكًا بيــ دها، ليجفلها بسؤاله، وعلى وجهه ابتسامة يجاهد لعدم اظهارها:
- بتبرطمى بتجولى ايه؟ سمعيني.
- ما جولتش حاجة ولا اتنفست حتى، انا بس بستغفر .
توسعت ابتسامة كبيرة على وجهه، رغم ادعائه الجديدة في قوله:
- طب امشى نفذى اللى جولت عليه، ياللا.
ردت متصنعة الأدب:
- حاضر ..
تركها لتخرج وقد اغلقت هذه المرة فمها وتركت الغمغمة والسباب داخلها، لتتجنب جنونه
❈-❈-❈
بعد أن يأس ياسين من ترضية ابنه الذي اتخذ طريقه عائدًا إلى البلدة مع زو جته، اضطر للعودة هو الاَخر، نحو من كانو السبب الرئيسي في هذا الشقاق الذي حدث بينه وبين ولده، كان خارجًا من المصعد حينما تفاجأ بمن يهتف بإسمه من الخلف:
- حج ياسين، عامل ايه عاصم يا حج ياسين؟
استدار بكليته نحو مصدر الصوت ليتفاجأ برضوانة وهو تقترب بخطواتها منه بصحبة ابنتها نسمة، رحب بهما يمد كفه بالمصافحة:
- اهلا اهلا، تعبتوا نفسكم ليه بس؟
ردت نسمة بحرج:
- برضوا دا كلام يا عم ياسين؟ دا واجب علينا.
- حتى لو كان يا بتى، برضوا المسافه بعيدة، محدش هيلوم عليكم.
قالها ياسين وكفه تصافح رضوانة التي قالت:
- وهي المسافات عمرها كانت حجة يا حج ياسين؟
اضافت نسمة على قولها:
- ويعني احنا جايين عشان اللومه كمان؟ لا طبعًا.
اومأ برأسه لهن مطرقًا بقوله:
- بارك الله فيكم يا بوي، بارك الله فيكم.
سألته رضوانة:
-المهم بجى، عامل ايه عاصم دلوك ؟
تنهد ياسين بثقل قبل أن يجيبهن وهو يلتف:
- تعالوا معايا شوفوه بنفسكم واطمنوا عليه، بدل السوال كدة في الطرجة.
تحركن معه ليسرن بمحاذاته، فتمتمت رضوانة بصوت وصل لإسماعه:"
- ربنا يجومه بالسلامة، وما يحرج جلب حد على ضناه ابدًا يارب.
براسهِ التف يشيعها بنظرات مشفقة ليتمتم هو ايضًا:
- ياااارب
❈-❈-❈
وإلى نهال التي كانت تاكل في نفسها من وقت ان تركته، حانقة من فعله معها وتعتنه وغروره، يفرض كلمته ويحكم ويتحكم بها، ولا يكلف نفسه حتى بإراحتها بكلمة، ينكر عليها حق المعرفة عن ماضيه او عن حبه القديم، يبدو ان انطباعها عنه كان صادقًا حينما رأته قريبًا بعد سنوات، رجعي وذو عقلية قديمة بائسة.
في غمرة شرودها وقعت عينيها فجأة عمن تسببت في كل ما حدث معها اليوم، عن صاحبة القصة المجهولة وقد كانت تقف وسط مجموعة من الممرضات تملي عليهن أمرًا ما:
بدون ان تشعر وجدت قدميها نحوها لتقترب وتسمعها وهي تسالهن عن بعض الحالات، وتردف عليهن التعليمات حتى ينفذنها، توقفت مزبهلة نحوها، تناظرها بتفحص من رأسها وهذا الشعر المستفز بنعومته وطوله، حتى اخمص قدميها في الأسفل وهذا الحذاء الرائع، لتغمغم داخلها بسخط:
- حلوه، لا وطويلة ومناسبه لطوله ولبسها حلو، عنده حج يعجب بيها، وبتتكلم بحراوى، بينها مش صعيدية كمان، يا ترى سابتوا وغدرت بيه؟ ولا ايه اللى حصل ما بينهم وخلاهم اتفرجوا واتجوزت غيره؟ طب هما لسه بيحبوا بعض!
خرجت فجأة من شرودها اثر صوت ما:
:- حضرتك عايزه حاجة؟
التفت بدون تركيز نحو محدثتها تردد:
- هااا، إنت بتكلميني؟
ردت الفتاة الممرضة
- بسألك لو عايزه حاجة؟ أصلك جاعدة بجالك فترة ساكتة جمبينا، ف انا جولت اسألك لتكوني عايزة حاجة؟
ارتبكت نهال تبحث عن حجة ولكن لسانها سبق وأدلى بما يدور في عقلها:
- ااا انا كنت عايزه الدكتورة.
وبرد فعل غير متوقع تفاجأت بالمذكورة تلتف إليها لتخاطبها بصوتها الناعم سائلة:
- عايزه تسألينى على حاجة يا أنسة؟
- انتى الدكتوره مها؟
سألتها نهال بدون ادني تردد وجاءت إجابة الأخرى ممتزجة بدهشتها:
- ايوه انا الدكتورة مها، انتى عايزه تسألى على ايه بقى ؟!!!
❈-❈-❈
على الأوراق التي كان منكفئ عليها، يعمل بها بتركيز شديد، فقده فجأة حينما تفاجأ بمن يقتحم عليه الغرفة بدون استئذان، ليقف أمامه، يحدجه بنظرات مريبة وغريبة صامتًا استقبلها هو بكل برود ليرحب به قائلًا:
- اهلا مدحت، مش بعادة يعنى تدخل من غير استئذان! ايه بقى؟ هو انت عايز حاجة مني؟ اؤمرنى.
ظل مدحت على صمته يناظره بتفكر عميق، وكأنه يستكشف الشخصية الأخرى لرجل اعده من ضمن اصدقاءه، بعد زمالة في العمل استمرت طويلًا، منذ سنوات، شخصية سمجة لدرجة الاستفزاز، كيف غفل عن هذا الجزء به؟
- انت هتفضل تبصلى كدة كتير وانت ساكت؟ طب اقعد حتى ع الأقل، وبعدها اتأمل في جمالي براحتك.
قالها بمزاح سخيف لم يتقبله الاَخر، ليخرج عن صمته بسؤاله لها:
- مالك ومال نهال يا يونس؟
ضحكة عالية الصوت أصدرها يونس قبل ان يقول مستهبلًا:
- ايه دا؟ هو الخبر لحق ينتشر بسرعة كدة؟ طب انا كنت ناوى اقولك بس..
قاطعه مدحت بعصبية هادرًا:
- بس ايه؟ هو انا مش جايلك انها مخطوبة؟
نهض يونس عن مقعده، ليجيب وهو يعدل من وضع رابطة العنق المتدلية فوق ازرار القميص المنشي:
- اه صحيح انت قولت كدة، بس انا بقى سألت والدها وطلعت مش مخطوبة، ولما طلبتها منه، الراجل رحب جدًا، وكانت الفرحة مش سايعاه
- رحب بإيه؟
- بجوازى من بنته؟
- يمكن! بس دا كان جبل ما يعرف.
- يعرف بإيه؟
- يعرف إن واد عمها طلبها للجواز، يعنى هيبحى احج من الغريب.
ذهب عن وجه يونس العبث وهذه الضحكة المصطنعة ليقول بعدم فهم:
- يعنى ايه؟ انا مش فاهم.
قرب مدحت رأسه منه ليقول بثقة مشددًا على حروف كلماته:
- يعنى انا واد عمها، طلبتها للجواز، وفى الحالة دى، حتى لو انت خطبتها فهى بجت من حجى، دا عرفنا، وانت غريب وما تعرفش
تجهم وجه يونس ليقارعه بغضب:.
- يعني ايه؟ حتى لو هى مش موافقة؟
- وانتى عرفت منين انها مش موافجة:
- انا بسأل؟
خرج رد مدحت بصرامة لينهي الجدال:
- وه، هو احنا هناخد وجتنا كله فى اسئلة والأخد والرد ، طب اجيبلك انا من الاَخر، ملكش دعوه بنهال يا يونس لأنها بجت خطيبتى، ماشى ..
❈-❈-❈
مضيقة عينيها باستفتسار وانتظار الرد منها، وهي على وضعها في الاضطراب لعدة لحظات، قلبها يحثها على الدخول في الموضوع مباشرة وسؤالها عن مدحت وعلاقتها به، ولكن عقلها يأمرها بالتريث والتوقف عن فعل قد يؤدي بنتائج عكسية فوق رأسها، فقال بعدم تركيز:
- انا كنت عايزا اسألك؟
- ايوه عايزه تسألينى فى إيه؟
خرج صوتها بتلجلج وتفكير في البحث عن رد مناسب:
- ف... اه .. حالة عاصم ابن عمي اخباروا ايه؟
سألته مها باستفهام:
- عاصم مين ؟
اجابتها بلهفة وقد وجدت الحجة:
- عاصم اللى كان فى العمليات امبارح، ابن عم الدكتور مدحت !!
إلى هنا واستدركت الاخرى لتطالعها بتركيز وتفحص:
- وانتى تقربى ايه ل عاصم ولا مدحت بقى؟
رفعت رأسها ومدت ذقنها بتعالي تجيبها:
- انا ابجى خطيبة الدكتور مدحت.
بصدمة ظهرت جلية على قسمات الأخرى لتردد لها بعدم تصديق
- إنتى خطيبة مدحت؟ وهو من امتى خاطب اصلاً ؟
بثقة تصنعتها بجدارة قالت نهال:
- ايوه خطيبته، ايه مش عجباكى؟
- وانا مالى تعجبينى ولا متعجبنيش؟ ثم انتى بتسألينى ليه عن الحاله ؟ ما تسألى خطيبك الدكتور .
قالتها مها بتعجرف واسلوب مستفز لنهال؛ التي حاولت السيطرة على اعصابها في الرد:
- ما انا سألتوا وفهمنى كمان عن حالته بس انا كنت عايزه اعرف منك اكتر .
لملمت مها بأوراقها لتقول بنزق:
- معلش بقى، انا مش فاضية عشان اشرحلك ولا افهمك..
قالتها وذهبت لتترك نهال وقد تأكدت بيقين ان هذه المرأة، ما زالت تحمل بداخلها مشاعر نحو مدحت الذي تركته سابقًا وتزو جت بغيره، فهل يا ترى؟ ايكون هو ايضًا يحمل بدخله مشاعر لها؟
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية