رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 18
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الثامن عشر
في منزل مدحت في المحافظة، وبعد ان بات الجميع ممن حضروا من العائلة بدخلها ليلتهم، فور أن اطمئنوا على استفاقة ابنهم في غرفة العناية بعد العملية الجراحية التي قام بها، اجتمعوا على طاولة السفرة ليتناولوا وجبة الإفطار، اعمامه ونساءهم، حتى نهال ايصًا اضطرت لعدم ترك والديها ومرافقتهم في هذه الليلة العصيبة.
كان الحديث العادي هو الدائر الان بعد أن التقطوا أنفاسهم وهدأت النفوس قليلَا
فقال محسن متغزلا بانبهار وعينيه تجول في الأرجاء:
- بسم الله ما شاء الله، الشجة بتاعتك يا ولدى حاجة من الاخر كدة يا دكتور .
تمتم إليه مدحت بامتنان وترحيب:
- تشكر يا عمى، والله دا انتو نورتونى بزيارتكم فيها، دي أول مرة افطر بنفس من ساعة ماسكنتها.
رد راجح بإعجاب هو الاخر :
- دا نورك يا ولدى، الشجة حلوة صح زى ماجال
محسن .
- ناجصها بس العروسة يا دكتور.
عقبت بها هدية، لتسبق والدته للرد بلهفة:
- ايوه يا ختى ادعي، دا انا نفسى اشوف اليوم ده وهموت عليه .
قال مدحت وهو ينهض عن مقعده بجوارهم:
- سلامتك من الموت ياما ان شاء الله. اليوم ده يبجى جريب، جريب جوي ان شاء الله.
قال الأخيرة وانظارها اتجهت نحو نهال بمغزى صريح، جعلها تخجل لتنكفئ على طبقها، تخشى ان ينتبه أحد من العائلة على تلميحه، والذي فهمته بدور لتلكزها اسفل الطاولة، لتغمز إليها بمكر ضاحكة بصوت مكتوم، جعل نعمات والدتهن تنهرهن بقولها:
- مالك يا بت انتى وهى، نازلين مسخرة وضحك كدة من غير سبب؟
تدخلت راضية تقول مبتسمة بمكر:
- ما تسيبهوم يضحكوا يا ست انتي، مش احسن من الغم اللى احنا كنا فيه امبارح .
تغضنت ملامح نعمات مع تذكرها للحادث بالأمس لتقول:
- الحمد لله، ربنا ما يعيدها تاني أبدًا، دا احنا ربنا نجدنا من الخازوق الواعر ده، لما ولدنا جام منها.
تدخل راجح هو الاَخر يضيف على قولها
- عشان ربنا كان كريم معانا لما ستر، دا عيالنا كانوا ولعوا فى البلد كلها .
- الحمد لله، ربنا يتم شفاه على خير.
قالها عبد الحميد بتأثر قبل أن تجفله نيرة بوضع الصنية على سطح الطاولة بجواره قائلة بنزق:
- الشاى اهه.
هتفت بها والدتها تنهرها:
-ومالك بترزعيها رزع كده؟ اتجنيتى يا بت؟
ردت نيرة وهي تسقط بجســ دها على المقعد بضيق:
- ياما انا جعانة وعايزة افطر زيكم، لكن البنته دول طلعوا يفطروا معاكم وسابونى اسوى الشاى لوحدى.
نهضت نعمات لتقوم بتوزيع أكواب الشاي الساخن قائلة بحرج
- معلش يا حبيبتي، افطرى دلوك وحقك عليا منهم، مضاريب الدم دول اللى سابوكى لوحدك .
مصمصت بفمها راضية وهي تطالع ابنتها التي انكفت على تناول الطعام بنهم، متمتمة:
- اموت واعرف بتودى الوكل فين؟ اللى ما باين عليها وكل ولا شرب حتى بجســ مها المعضم ده!
- بيروحوا فى خدودها الموردين دول، الله اكبر عليها، ولا انتي هتنكريها دي كمان يا ولية انتي؟
عقبت بها هدية لتبستم لها نيرة تقول بامتنان:
- تسلمي يا مرت عمى، دي عنيكي هي اللي حلوة.
- ايوة يا ختي افردي نفسك جوي.
قالتها راضية بتهكم، لتدخل في نزال مع هدية وسميحة ايضًا حول الشهية المفتوحة لنيرة، والتي كانت نتشارك معهن الحديث ضاحكة وغير مبالية، اما نعمات فانتبهت لكوب الشاي المتبقي لتتذكر قائلة وهي تتناوله:
-خدى يا بدور ودى كباية الشاى دى لواد عمك الدكتور فى المكتب، دا احنا كننا نسيناه.
همت ان تنهض الأخيرة لطلبها، ولكن راضية تدخلت بخبث:
- لا يا حبيبتى كملى وكلك، انتى جيتى فى الاخر، روحى انتى يا نهال ودي لواد عمك كباية الشاى .
❈-❈-❈
باحراج شديد اذعنت لمطلب زو جة عمها، لتتوجه نحو غرفة مكتبه في المنزل، حاملة صنية الشاي بيــ د والأخرى طرقت بها على الباب، لتسمع إذنه بالدخول، ودلفت تقدم قدم وتأخر قدم، تموت من الخجل وهي تخاطبه:
- الشاي.
سمع منها لترتفع رأسه نحوها على الفور تارك الاوراق وبعض الأشياء الهامة التي كان يعمل بها، وتركزت ابصاره عليها وهي تعيد عليه ولكن بصيغة أخرى:
- اتفضل.
بابتسامة متسعة ناكفها بمرح:
- اتفضل ايه؟ مش تحددي بالظبط.
زمت شفتــ يها، تمنع ضحكة ملحة لتضع الكوب الساخن امامه على سطح المكتب، وتهم أن تهرب سريعًا ولكنه أوقفها بأن أمسكها من رسغها يقول مستهبلًا:
- مش تردى عليا وانا بكلمك، ولا انا مش مالك عينك عشان تعبريني؟
باعتراض واهي وابتسامة مستترة:
- يا عم سيب يــ دى باه، عايزه اطلع، ايه هو ده؟
ضحك بتسلية يجيبها:
- ماشى هسيب يــ دك واخليكي تطلعي كمان، بس جوليلى الاول، عجبتك الشقة؟
أومأت بهز رأسها وصوت خفيض:
- حلوة وجميلة.
جعد ما بين حاجبيه يردد خلفها:
- حلوة وجميلة بس؟ طب لو فيها حاجة مش عجباكي، أو عايزه تغيرها كلها كمان جولى وانا اغيرها من بكرة، دي هتبقى شجتك، يعني الرأي الأول ليكي.
تخضبت الدماء في وجنتيها على الفور، واضطربت لتردد بتلجج بعد أن اربكها بقوله:
- اجول ايه؟ ولا اعيد أيه؟ لسه مجاش وجت الكلام ده؟
بقولك خليني امشي يا عم.
ضحك مرة أخرى لكي يردد هذه المرة بجدية:
- ان شاء الله يكون جريب، وجريب جوي كمان، المهم بجى انتى نمتى كويس امبارح؟
- الحمد لله، السرير كان مريح، اللى نمت عليه انا و بدور و نيره .
قالتها نهال بعفوية لتجده يقول بلؤم:
- يا بختك نمتى واستريحتي، اما انا بجى حاولت انام ع الكنبة اللي هنا دي، لكن النوم وكانه خاصمني ما عتب جفوني أبدًا.
سألته بقلق :
- ليه بجى؟ هى الكنبه هنا مش مريحة؟
رد بوجه بريء وأعين تشع بالجرأة:
- لا هى مريحة وكل حاجة لكن المشكلة عندي انا.
ناظرته باستفهام، فتابع يفاجئها:
- يعني عايزه تنامى فى الاؤضه اللى جامبى وانا يجينى نوم؟
قالها لتشهق مجفلة بخجل من رده المباغت، وبدون كلمة واحدة حتى، تحركت أقدامها للمغادرة من أمامه على الفور، وصوت ضحكاته تجلجل من خلفها
❈-❈-❈
في المشفى
وبداخل الغرفة التي انتقل إليها عاصم، بعد أن أطمان على حالته الأطباء، كانت سميحة تقبله بفرحة غامرة وعدم تصديق مرددة:
- يا حبيبى يا ولدى يا نور عينى، ان شا الله كنت انا يا غالى.
بحرج شديد رد عاصم وملامح متغضنة:
- بعد الشر عليكى ياما، خلاص كفايه بوس، الله يخليكى .
انتبهت لترفع نفسها عنه مرددة بجزع:
- إيه يا ولدي اَللمتك؟ يجطعني يا حبيبى مخدتش بالي، جولي إيه اللي واجعك؟
صمت عاصم فتكلف سالم والده بالرد وقد فهم عليه من ملامح وجهه:
- يا ولية كفاية بجى، الواد خزيان من بوسك اللى عمال على بطال.
اعترضت سميحة وهي تجلس على الكرسي المجاور:
- وه يا راجل؟ مش فرحانة بسلامته، دا انا كنت هموت فيها وما صدجت رجعلى وفتح عينه وكلمني.
جلس هو الاخر سالم يردد هذه المرة بتفكه:
- اه في دي انا مجدرش اكدبها يا عاصم، امك يا ولدى كانت زى الميتة بعد اللي حصل، وبس ما جولنالها، عاصم فاج ونجلوه اؤضه تانية، لجيناها جامت فجأة جدامنا ولا اكنها كانت بتمثل.
تناولت سميحة كف ابنها تقبله معقبة على كلمات زو جها:
- امثل دا إيه؟ دا انا روحى اتردتلى لما علمت بسلامته، بس ايه بجى، البركة فى الدكتور مدحت، اللى خلى ست الحسن والجمال تجعد جمبك وتكلمك، عشان عارف ان روحك فيها وهتجوم عشانها .
اشاح بوجهها مرددًا بحرج متزايد:
- وه ياما، ايه اللى انتى بتجوليه ده بس؟
تدخل سالم ضاحكًا:
- بتجول اللى حصل يا سعادة الباشا، وانت خزيان ليه؟ ما احنا عارفين اللى فيها، ربنا يجعلها من نصيك يا ولدى انا شايف ان البت كمان بجت ميلالك، دا انت ماشوفتش بكاها وحرجتها عليك امبارح .
على الرغم من طبول الفرح التي كانت تضرب بداخله لسماع هذه الكلمات من والديه، وشرحهم عما كانت عليه بالأمس، بجزعها عليه، ثم فرحها باستفاقته، وهذا ما لمسه بنفسه، فضل الا يتابع معهما وترك كل شيء لوقته، فقال مغيرًا دفة الحديث:
- امال حربى ورائف فينهم؟ انا مش شايفهم من امبارح يعني؟
ضحكة عالية صدرت من سميحة قبل أن تجيبه:
- اسكت يا ولدى، عيال عمك منشفين ريج العمدة وولده، بيلعبوهم زى الجط والفار لحد اما يربوا معتصم ويدولوا الطريحة اللى هى .
-وهما ما لهم؟ أنا بس اجوم وان ما كنت عرفت العمده وولده مجامهم مبجاش انا.
قالها عاصم باحتقان، وجاء الرد من والده:
- واحنا لسة هنستنى لما تجوم؟ انت وراك عزوة وعيلة واللى حصل يخصنا كلنا مش وحدك .
- ايه هو اللى يخصنا كلنا؟
رددها ياسين بعد ان دلف إليهم فجأة داخل الغرفة، ابتهج عاصم بمجيئه حتى نسى وضعه وكاد أن يعتدل بجدعه:
- جد ياسين.
اوقفه ياسين بكف يده التي لوح بها أمامه قائلًا:
- خليك مكانك، انتى هتجوم وانت مدشدش يا جزين؟
قالها متفكهًا قبل ان يقترب يُقبل رأسه ويردف:
- عامل ايه النهاردة يا حبيبي؟
رد عاصم بابتسامة ممتنة:
- تسلملى يا جدى، الحمد لله على كل حال .
سمع ياسين ليُلقي نظرة شاملة على حجم الكسور بجســ د الاَخر، ليقول:
- يا حزنى، دا انت اتكسرت خالص يا جزين .
بوجه مشتد رد عاصم:
- الكترة تغلب الشجاعة يا جد، لكن ولا يهمك انا برضوا كسرتهم وما سيبتش حد فيهم من غير ما اعلم عليه.
قال ياسين مؤيدًا وهو يجلس على طرف الفراش بجواره:
- انت هتجولى؟ ما عيال عمك جالولى على اللي حصل في معتصم ومناخيروا المكسورة.
سمع عاصم ليقول بغضب مع تذكره لما حدث له وما فعله هذا الجبان:
- سيبوهولى يا جدى، إبعد عيال عمى عن الموضوع ده، انا كفيل اسد فيه لوحدي.
بحمية وعصبية هتف ياسين معترضًا:
- ابدا ولا يمكن، أنا لازم اعلمهم الادب هو وابوه، ولا يكونش انت فاكر، ان معتصم الاهبل ده هيعمل حاجة من غير شور ابوه؟
صمت عاصم بتفكير فقال سالم بتذكر:
- صح يا عاصم نسيت اجولك، اخوك بلال علم باللي حصل، ونازل مخصوص عشان يشوفك.
رد عاصم بصوت عاتب:
- وليه بس تجولوا ل بلال وتجلجوه فى الغربه يا بوى؟ دا كدة خوفه هيبقى اضعاف.
رد سالم نافيًا:
- ويعني احنا حد فينا فتح خشمه وجالوا يا ولدى؟ دا ناس من البلد زميالوا، هناك عرفوا من اهاليهم وجالولوا، مفيش حاجة بتستخبى يا ولدي، خصوصَا المصايب.
أومأ عاصم متنهدًا باستسلام واقتناع بقول والده:
- ينزل بالسلامة ان شاء الله .
❈-❈-❈
في المنزل العمدة والذي كان يقطع السير بصالته ذهاباً وإيابًا، هتف معتصم بجزع:
- اعمل ايه يا بوى ؟ اعمل ايه ياما ؟ انا مش جادر انام من الخوف.
زفر هاشم يجيبه بسخرية غاضبة:
- وانا اعملك ايه يا خايب يابن الخايبة؟ انيمك فى حضنى ولا اديك منوم؟
تدخلت انتصار توبخ زو جها:
- ما براحه على الود يا عمدة، انت مش شايف الرعب اللى هو فيه؟
ضرب بكفه على جانب فخذه يخاطبها بسخط:
- راحة ايه يا اختى؟ هو عاد فيها راحة؟ ما خلاص الحكايه بانت وولدك ربنا يستر وما يروحش فيها .
صرخت به:
- بعد الشر، انت بتفول على ولدك يا راجل؟
زاد الرعب بقلب معتصم ليجلس ملتصقًا بها يردد:
- صح ياما الكلام اللي بيقولوا ابويا ده؟ يعني هما ممكن فعلًا يخلصوا عليا؟
بكف يــ دها انتصار صارت تربت على ظهره وكتف ذراعه تهدهده:
- لا يا حبيبى متجلجش انت ، ان شاء الله نلاجيلك صرفة، ونخلصك من الموضوع ده نهائي.
ردد خلفها هاشم بسخط وقرف من أفعالها ودلالها المبالغ فيه لابنها:
- صرفة ايه يا ختى و رائف و حربى مراجبينوا وبيطلعولوا زى عفريت العلبة في أي حتة يروحها، دا فاضل بس يطلعولوا من الحنفية.
صاح معتصم بجزع:
- طب يا بوى ما تبلغ عنيهم العيال دي وتريحني وتريح نفسك، انا تعبت منيهم ومن عمايلهم معايا.
بضحكة خالية من أي مرح ولم تصل لعينيه قال هاشم:
- ابلغ اجول ايه؟ طب انا بعت الغفر امبارح فى المكان اللى جولت عليه ومالجوش حد منهم، الشغل ده شغل ياسين، انا عارفه دا بلوه مسيحة
- يعنى ايه؟ خلاص معدتش في حل ولا صرفة للعيال دي؟
هتفت بها انتصار وقال هاشم ردًا عليها:
- والله ما انا عارف، وحاسس مخي واجف عن التفكير، لكن اللى هيجننى هما عرفوا ازاى بالسرعه دى؟ جبل حتى ولدهم ما يفوج من الغيبوبة، طب حد شافوا يعني؟
استدرك عاصم يقول بتذكر:
- انا افتكرت حاجة يا بوى وحاسس انها تكون هي السبب، اصل من امبارح ملاجيش الساعة الجديدة، وخايف ليكون وجعت فى العركه ولا يكون عاصم شدها منى، ساعة ماخبطنى بالروسية وكسرلى مناخيرى .
صاح هاشم بانفعال شديد، يشعر ببواد ذبحة صــ درية، بعد ان صعقه معتصم بهذه المعلومة الخطيرة:
- يكون! يكون برضوا يا واد الخايبة؟ دا اكيد ألأكيد كمان، اعمل ايه فيك الله يخرب بيتك؟ كده بجي فى ايديهم دليل يعنى ممكن يحبوسوك بيه، اعمل ايه بس معاك؟ انا خايف لا تنزل عليا جلطه بسببك انت وامك.
❈-❈-❈
عودة إلى المشفى
وقد تجمع اعمام عاصم وزو جاتهم، تقريبًا جميعهم بالغرفة معه، حتى يطمئنوا عليه:
فقال راجح:
- سلامتك الف سلامه يا ولدى، دا انت نزعت جلوبنا من الخوف عليك، بس حمد لله ربنا ستر.
- يا للا بجى شد حيلك عشان ترجع وتنور بيتك .
قالها عبد الحميد لتضيف على قوله هدية زو جة محسن:
- اهم حاجه الوكل، اتوصى بيه يا سميحة زين عشان يرم عضمه، ويجوم أشد من الاول.
سمعت الأخيرة، لتردد بتعب:
- جوليلوا يا هدية، جوليلوا يا خيتي ونبهيه عليها دي، دا من الصبح منشف ريجى، وهو مش عايز ياكل ولا يشرب حتى زين؟
تدخلت راضية هي الأخرى:
- لا يا ولدي خلي بالك منها دي، دا واد عمك مدحت مشدد علينا جوى فى حكاية الوكل ده، وهو دكتور، يعني هو ادري بكلامه.
- اسمع الكلام يا واد، مفيش حاجة هتجومك على حيلك غير الغذا الزين،
قالها محسن ليرد على قولهم عاصم:
- يا جماعة انا عارف كل اللي بتقولوه ده، بس هو شوية شوية يعني، انا لسة نفسى مسدوه ومش جادر والله.
انتفض سالم فجأة قائلًا بنزق:
طب اسيبك انا مع كلام الحريم ده واروح الجهوه اشربلى حجرين معسل، حاسس نفسي اتكتفت من كتر الجعدة.
- وانا كمان جاى معاك.
قالها راجح وهو الأخر ينهض، لينضم معهما محسن وعبد الحميد أيضًا، ويغادروا الغرفة، تاركين النساء بالقرب من عاصم، والفتيات نهال ونيرة وبدور في جانب وحدههم ما زالن واقفات، لتخاطبهم سميحة:
- ما تجدموا يا بنتة، سلموا على واد عمكم واطمنوا عليه .
تقدمت اولهم نيرة تخاطبه:
- ألف سلامة عليك يا واد عمى، تجوم منها ان شاء الله وترجع احسن من الأول.
- الله يسلمك يا نيرة، تسلمي يا بت عمي.
قالها عاصم ليلتفت نحو الأخرى بجوراها والتي خاطبته هي الأخرى بابتسامة وخجل:
- حمد الله على سلامتك
بادالها عاصم الابتسام للرد عليها:
- الله يسلمك يا بدور.
قاطعت نهال وصل النظرات المتبادلة بين الطرفين، لتهتف بسماجة:
- عاصم يا واد عمي.
ردد متبسمًا لها:
- أيوه يا نهال يا بت عمي .
ضحكت تردف له:
- سلامتك.
بادلها الضحكة يجيبها:
- الله يسلمك .
❈-❈-❈
بداخل المشفى التي وصلها للتو رائف، كان يقطع طريقه نحو المصعد المؤدي للطابق الموجودة به غرفة عاصم ، حينما استوقفه صوت نسائي يهتف بإسمه، ليلتف إلى المرأة، وتوقفت مزبهلًا لمن وقفت أمامه، تخاطبه مبتسمة:
- ايه دا؟ معقول؟ أوعى تكون ما عرفتنيش؟ لا دا انا كدة هزعل اوي؟
استدرك رائف ليبادر المرأة ومد كفه أمامه للمصافحة قائلًا بزوق:
- لا ازاى عارفك طبعاً؟ انتى الدكتورة مها، انا بس كنت مستغرب في البداية.
قالت مها بعد ان بادلته المصافحة:
- مستغرب ليه بقى دا انا حتى دكتورة، يعنى طبيعى لما تلاقينى فى مستشفى اللي بشتغل فيها ولا انت تقصد حاجة تانية
شعر رائف بضيق بداخله منها ومن الحديث معها، ولكنه استطاع ان يخفي ذلك خلف ابتسامته وقوله:
- لا طبعاً ما اجصدش حاجة، انا بس بجالى سنين ماشوفتكيش، شيء طبيعي يعني اني اتوه شوية .
قالت مها بابتسامة لم تغادرها منذ بداية اللقاء:
- لكن انا اول ما شوفتك افتكرك على طول، ها بقى انت ايه اخبارك؟
❈-❈-❈
خرجت نهال من الغرفة لتبحث عن مدحت في الطابق الذي أخبرها منذ قليل عبر الهاتف انه يعمل به، ولكن في طريقها كادت تصطدم بأحدهم، فارتدت بأقدامها للخلف مرددة بأسف وانظارها في الأرض:
- انا أسفة ما كنتش واخده بالى .
جاءها صوت الرجل:
- على ايه بس؟ دى حتى صدفة جميلة، ازيك يا انسة نهال .
رفعت رأسها نحو المتحدت بجزع وقد علمت بهويته من صوته، فقالت على مضض وهي تهم ان تتحرك وتتركه:
- اهلا وسهلا حضرتك، كويسة والحمد لله.
حاولت التحرك ولكنه اوقفها بسؤاله:
- عاصم ابن عمك عامل ايه دلوقت؟ دا انا زعلت اوى على اللى حصله.
اومأت له برأسها تقول بضيق وعينيها تجول يمينًا ويسارًا تخشى من مجيء مدحت ورؤيتها واقفة مع هذا الرجل:
- الحمد لله زين، هو دلوك احسن من الاول بكتير... ايه دا رائف اللى هناك ؟ عن اذنك اروح اندهله .
قالت الأخيرة وانظارها بالفعل ذهبت إلى محل الاَخر حيث يقف، فرد يونس لها بخبث:
- طب استنى الاول، هو انتى تعرفى هو واقف مع مين، قبل ما تروحي وتسلمي او تندهي؟
ناظرته باستفهام تجيبه:
لا طبعًا معرفش، بس هي باين عليها انها دكتورة يعني.
- بس كدة! تعرفي انها دكتورة وبس؟ ومتعرفيش انها تبقى مها خطيبة مدحت سابقاً؟
قالها يونس ليرى على الفور، رد فعل كلماته على ملامح وجهها وهي تهتف باستنكار:
- خطيبته ازاى يعنى؟ انا عمرى ما سمعت انه كان خاطب.
تبسم يونس يردف لها:
- ما هو كان مشروع خطوبة لأنهم كانوا بيحبوا بعض اوى بس ما عرفش ايه اللى حصل وخلاهم فركشوا واتجوزت هى استاذوا فى الجامعة بس اهى اتطلقت . ربنا يلم شملهم تانى .
قالها هذا المدعو يونس فشعرت هي وكان دوار برأسها بدا يدور، ليلفها داخل غمامة من الأفكار السوداء، لا تصدق ولا تستوعب ولكن يبدوا من طريقة هذا المدعو يونس في الحديث الثقة التامة فيما يردف، استغل يونس شرودها وهذا الحالة من التيه التي تكتنفها ليسألها:
- هو صحيح انتى مخطوبة لمين فى ولاد عمك يا نهال؟
التفت تطالعه عاقدة الحاجبين باستغراب لتجيبه بعدم تركيز:
- مين جال إني مخطوبة، أنا مش مخطوبه لحد، عن اذنك .
قالتها وارتدت تعود للغرفة، صارفة النظر عن البحث عن مدحت، اما هو فكانت تغمره فرحة غير عادية!
❈-❈-❈
عادت إلى الغرفة بحالة شاردة جعلت راضية تنتبه عليها لتسألها باستغراب:
- مدحت ولدي مجاش معاكى يعنى؟ مش انتي كنتي راحة تندهيلوا؟
ردت نهال وهي تجلس بجوار شقيقتها:
- انا ما عرفتش هو فين؟ مشتفوش اساسا.
همست بدور تسالها باستغراب هي الأخرى:
- ايه مالك شكلك متغير ليه كده؟
طالعته نهال بتفكير، عدة لحظات حتى حسمت الامر للتحدث معها، فهي في أشد الحاجة لمشاركة احد قريب منها لمخاوفها:
- بجولك ايه يا بدور، تعالى نطلع شويه فى البلكونة.
❈-❈-❈
- صباح الخير يا بطلنا .
قالها رائف وهو يقتحم الغرفة فجأة ضاحكًا، لتبادله سميحة الابتسام مرددة
- خش يا حبيبى، دا واد عمك بيسأل عليك من ساعة ما فاق، انت وحربي معاك.
- وانا جيت اها، عامل ايه النهاردة بجى،
قالها وهو يصافح عاصم بخفة، والذي رد هو الاَخر:
- زين والحمد لله يا سيدي، ناجصنى بس شوفتكم انت وواد عمك حربى، هو مجاش معاك ليه؟
غمز رائف ضاحكا يجيبه:
- عشان مينفعش احنا الاتنين مع بعض يا باشا، أصلنا عملينها دوريه ولازم حد فينا يكون موجود فى البلد .. عشان المحروس ميغبش عن عنينا، ولا انت محدش بلغك باللي احنا بنعمله؟
ضحك عاصم يرد:
- وطبعاً رئيس العصابة جدى ياسين
جلجل رائف يردد ضاحكًا:
- طببعاً، أمال يعنى هيكون ابوك وعمامك الغلابة
❈-❈
بالشرفة التي انفردن بها معًا سالتها بدور:
- طب وانتى اتأكدتى من كلامه دا كمان عشان تشيلي الطين كدة وتنجهري؟
اجابت نهال:
- مش عارفة، بس هو هيألف مثلًا ولا هيجيب كلام من مخه؟ وحتى لو حصل، هيبجى ليه؟
طب لو فرضنا طلع الكلام صح، انتى يهمك فى ايه؟ .
- كيف ميهمنيش انى اعرف انه كان مجاطع الجواز عشان حبيبة الجلب اللى غدرت بيه واتجوزت استاذه ودلوك جاعدة معاه فى نفس المستشفى .
قالتها نهال بعصبيه اربكت شقيقتها لتتمتم:
- بصراحة انا مش عارفه اجولك ايه؟
- انتي مش عارفة وانا مخى هينفجر وحاسه الارض بتلف بيا .
قالتها نهال قبل أن تجفل على النداء باسمها:
- يا نهال يا نهال تعالى هنا .
التفت الأخيرة عائدة نحو الداخل لتجيب أبيها وخلفها شقيقتها:
- ايوه يا بوى عايز ايه؟
استقبلها راجح بضحكة متوسعه بفرح يخبرها:
- جالك عريس يا بتى، شكلنا كده هنطلع من المستشفى بجوازه يا عاصم يا واد اخوى .
سمع الاَخير وازبهل صامتًا وهو ونهال ومعهما كان رائف وبدور نفس الشيء، فجاء الرد من راضية بحدة:
- عريس مين ده يا ابو ياسين اللى معندوش دم عشان يتجدم فى الوجت ده؟
قطب راجح من لهجة راضية المهاجمة بدون داعي، فقال موضحًا:
- وه يا مرة اخوى ... الراجل غريب وبيدينى فكرة عشان يتجدم رسمى بعدين، يعني مطلبش حاجة عيب ولا حرام.
دلف مدحت ومعه جده بوسط الحديث الدائر، فسأل بفضول:
- هو مين اللى يتجدم رسمى يا عمى؟ الموضوع فيه عرسان ولا إيه؟
التقط راجح السؤال ليرد بفرحة وفخر:
- واحد مركزه كبير جوى هنا فى المستشفى وبيجول انه صاحبك حاجة كده جيمة وسيمة:
ضيق مدحت عينيه بتفكير سائلا:
- مين دا اللى جيمة وسيمة؟ وعايز يتجوز مين؟
هتف راجح وكأنه يخبره بالبشري:
- اسمه يونس يا عم الدكتور، وعايز يتجدم ل نهال؟
سمع منه لتفور الدماء برأسه، وبرقت عينيه بشر ليردف بدون تفكير، مدافعًا عن حقه:
- مين يتجدم لمين؟ نهال مخطوبة اساسًا يا عمي.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية