رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الفصل 34
قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ميرا كريم
الفصل الرابع والثلاثون
إنِّي دعوتُ الله دعْوة عاشِق، ألاّ تفرّقنا الْحياة ولا البَشر.
- فاروق جويدة
❈-❈-❈
بعد أداء فرضها جلست تقرأ وِردها كما تعودت في وقت الفجر الذي يعد من الأوقات التي تتنزل فيها النفحات والرحمات والعطايا الربانية، وبعد أن طلعت الشمس معلنة عن يوم جديد، انتهت مُصدقة واغلقت مصحفها الصغير و وضعته جوارها ثم طالعته أثناء نومه بنظرة عميقة مُطولة، وكان قربه هو أول دعواتها التي ألحت على الله بها وحينها وجدت قدميها تقودها نحو الفراش لتجلس على طرفه تتأمل كيف يبدو مُسالمًا وشيء فشيء ظهرت بسمة هادئة على ثغرها حين راودتها ومضات مشوشة لعودته بالأمس وهمسه في أُذنها أثناء نومها، قبل أن يُعدل وضعها و يجعلها تستقر داخل عرين احضانه وهنا قشعر بدنها من أفعاله الخطيرة التي تزيد يوم عن يومٍ بشكل يربك كيانها وعلى ذكر الربكة قطمت شفاهها واعتصرت زيتونها تتذكر محتوايات الصندوق الذي أخبرها أنه لها ففور أن قامت بفتحه وَدت لو إنشقت الأرض وابتلعتها في جوفها من شدة خجلها حتى أنها لم تتفقد محتوياته كاملًا وفي لحظة إدارك أتت بعدها نهرت ذاتها وشجعتها أن تتخلى عن خجلها وتساير وضعها فهو بالأخير زوجها ومالك قلبها واثناء هيام نظراتها وجدت أناملها تتلهف للمس لحيته الناعمة الحالك لونها فإن كادت تَقربها همس هو بعيون مغلقة لينفضها ويزيد إرتباكها:
-سكتِ ليه بحب اسمعك وانتِ بتقرأي القرآن
برقت عيناها وضمت اناملها
لصـ درها متلعثمة:
-انت صاحي
أجابها باسمًا وهو يعتدل في رقدته ويفرج عن عيناه المنتفخة بعض الشيء أثر نومه:
-صحيت على صوتك من شوية
شهقت بخفوت ثم عبرت عن استيائها من ذاتها:
-أسفة والله مكنش قصدي اقلقك وحاولت على أد ما اقدر اوطي صوتي
نفى برأسه أن لا عليكِ وقال بصوته العميق الذي يستقر في أعماقها:
-ممكن بعد كده تصحيني اصلي الفجر معاكِ
هزت رأسها بحماس شديد لطلبه ليتابع هو:
-هعترفلك بحاجة...
حثته بزيتونها على إخبارها، ليتابع هو متنهدًا وليل عيناه يدور في فُلكها:
-من اول يوم ليكِ في البيت ده واتعودت اصحى بدري واقف ورا باب أوضتك اسمعك واليوم اللي مكنتش بلحقك فيه كنت ببقى مضايق
رمشت عدة مرات بأهدابها الكثيفة ثم همست غير مُصدقة:
-بتتكلم بجد كنت بتقف على باب الأوضة علشان تسمعني!
هز رأسه بثقة يؤكد لها وهو يمرر يده بحنان بين خصلاتها ليرفرف قلبها وتتسع بسمتها أمام نظراته التي تمر على تقاسيمها و بعد ثوانٍ من التحام عيناهم تسائل بنبرة يقطر الاهتمام منها:
-طمنيني دراعك عامل إيه لسه في ألم؟
نفت برأسها وقالت تحمد ربها:
-لأ الحمد لله والدكتورة قالت كام يوم واقدر افك السلك
-بإذن الله يا" شمس"
طال عناق نظراتهم بعد قوله ويده التي كانت تمر بين خصلاتها أصبحت تتلمس عُنقها بحركات جعلت القشعريرة تنتابها وتحت وطأة عيناه تسائلت بنبرة مهزوزة متأثرة:
-انت...رجعت امتى امبارح اصلي نمت وانا مستنياك
اجابها ببسمة هادئة وهو يجذبها برفق لعنده من مؤخرة رأسها جاعلها تستند على صدره بكفها:
-رجعت متأخر ولقيتك نايمة
لفحت انفاسه الساخنة صفحة وجهها بطريقة دغدغت حواسها وجعلتها تبرر بتيه:
-كنت مستنياك وقولت انشغل في القراية بس يظهر النوم غلبني
مال يقبل عينها التي اغلقتها لتوها ومن ثم نثر على وجهها قُبلات خفيفة كالفراشات التي تتلاعب داخل قلبها، فكان يشعر أنه يتقلب على جمر مُشتعل من قربها يتوق كل التوق لجُود نبعها ومع عدم اعتراضها شعر أنه سيفقد سيطرته على ذاته إن لم يبتعد فلن يخل بوعده لذاته فحرصه على سلامتها أهم بكثير من لهفته لنيلها لذلك اعتصر قاتمتيه و ابتعد برأسه يحاول إلهاء ذاته:
-شكل الكتاب محتواه كويس
أجابته بتقطع وهي بالكاد تلملم شتاتها:
-محتواه هايل وبيتناول نظريات كتير في علم النفس.
هز رأسه ورمق الكتاب اعلى الكمود بنظرة مُستغربة بعد إطرائها:
-بس الكتاب ده انجليزي ومش فاكر أنه كان في مكتبتي
اعتدلت بجسدها الذي اماله عليه واجابته وهي تلملم غرتها خلف اُذنها:
-لأ اصل الكتاب ده كنت أخداه علشان اترجمه من "معتز"
بس بعد الظروف اللي حصلت نسيته خالص...
جز على نواجذه من ذكرها لأسم ذلك ال"معتز" وتمتم بحنق:
-كويس انك نستيه
قالها ونهض من الفراش ينوي أن يدلف للمرحاض ولكن استوقفه ردها:
-إزاي بس يا "سليم" انا كنت عايزة اروح اعتذر ليه وعلى الأقل ادفع تمن الكتاب
التفت ينظر لها لهنيهة وكأنه يتأكد أن الحديث خرج من فمها قبل أن يرد بنبرة هادئة مُريبة تخفي الكثير خلفها:
-لأ مش هتروحي في حتة ولا تعتذري لحد انا هبقى اعدي في أي وقت ادفعله تمنه وخلاص
انعقد حاجبيها من قرارته الحاسمة التي طفر بها وعقبت تبرر إصرارها:
-بس انا اللي اخدت الكتاب وكان في اتفاق بينا إني اشتغل معاه و....
صعدت دمائه الحامية لرأسه بسبب إصرارها وقد اخشوشنت نبرته دون قصد وهو يجيبها:
-مفيش شغل معاه والموضوع ده تنسيه تمامًا...
لو امرأة آخرى كانت هابت هيئته ورضخت لرغبته بلا نقاش ولكن هي بالطبع لم تفعل فقد لمع ذلك الوميض بعيناها وجادلت:
-انساه ليه أديني سبب؟!
زفر انفاسه وتناول عُلبة سجائره يُخرج واحدة منها ويضعها بفمه وهو يجيبها:
-من غير ليه يا "شمس" انا مش عاجبني الموضوع من اوله بس مكنش من حقي اعترض لكن دلوقتي أنتِ مراتي
اعتصرت عينها بقوة تحاول أن لا تزيد الوضع سوءٍ وتتفوه بترهات ولكن كان للسانها رأي آخر حين اندفع بالحديث مثل جسدها بلا مهابة تنزع السيجارة التي كاد يُشعلها من فمه وتلقيها تحت نظراته البارقة:
-انت منفعل ليه كده؟
انا عارفة أنك اكيد خايف عليا وعايز الصالح ليا بس ده ميدكش الحق تلغيني انا مش عسكري عندك بياخد منك أوامر انت قولت اني مراتك وانا من حقي عليك أنك تحاول تقنعني وتناقشني وتوصلي وجهة نظرك...
قالت ما قالته وهي تواليه ظهرها تفتح النافذة بصعوبة بيد واحدة وتقف تلقي بنظراتها لإطلالة البحر أمامها
ليلعن تحت انفاسه بخفوت و ينظر لظهرها فهو مدرك أن انثى مثلها ليست بالضعيفة التي تتنازل عن كبريائها لذلك بشكل ما وجد ذاته يروق له رد فعلها فلطالما كان يعشق ثوراتها وذلك الوهج الشرس حين يثير اعصابها، فقد اقترب يحاوط خصرها من الخلف هامسًا بلين وهو يقبل قمة رأسها:
-أنتِ عندك حق انا آسف وعلى فكرة انا مش ضد شغلك بس يوم ما تشتغلي لازم تكون حاجة تليق بيكِ وبيا ليصمت برهة ويتابع بنبرة مُنفعلة ظهرت غيرته جلية بها:
-وبصراحة بقى "مازن" ده ملزق وشغله ملزق زيه
اعتذاره النادر ارضى نفسها و وئد ضيقها فقد ضمت شفاهها تمنع بسمتها بعدما تفهمت ما يجتاحه ليديرها له ويُصرح متنهدًا وهو يمرر يده بحنو اعلى ذراعها المصاب:
-انا بثق فيكِ بس غصب عني بغير يا"شمس" واظن دي حاجة مينفعش تلوميني عليها علشان متأكدة إني بحبك
رفعت نظراتها له لترى الصدق يقطر من عيناه الدافئة التي تشملها لتظهر بسمتها الناعمة وتبعتها بهمسها:
-طيب توعدني انك هتشوفلي شغل مناسب
صمت و بهتت بسمته قليلًا بسبب حِرصه وخوفه عليها، ولكنه بالأخير اجابها وهو يحاوط خصرها يقربها منه بيد وبالآخرى يكَوب وجنتها و يحرك إبهامه بحركة حثية على خدها:
-اوعدك بس علشان اكون صريح معاكِ مش هينفع دلوقتي ومتسأليش عن السبب...ممكن!
ابتلعت رمقها بسبب قربه الذي يفعل الافاعيل بها ثم دون مجادلة أومات برأسها فهي تثق أن وعوده قاطعة لذلك تخطت الموقف قائلة بشيء من التوتر:
-ممكن...بس لوسمحت خليني اروح اشوف ست "صباح" علشان تحضر الفطار عقبال ما تجهز لشغلك
راق له تخطيها للأمر بلا اسئلة يعجز عن الاجابة عنها فقد اتسعت بسمته وبدلٍ أن يفلتها كما تريد؛ مال يطبع قُـ بلة خاطفة على خدها ومن بعدها آخرى على ثغرها جعلتها لا تنتظر رده بل حين فصلها دفعته برفق و هرولت من أمامه وبسمة ناعمة خجلة تعتلي ثغرها.
❈-❈-❈
-هو انت ليه مش عايز ترسيني!
قالها "جلال" بعدما حضر لمنزل "سلطان" صباحًا بعدما شت عقله من التفكير طوال الليل، بينما "سلطان" أجابه بخبث وهو منشغل بلف سجارة زاخرة:
-ارسيك على ايه يا "جلال" ما قولتلك
أصر "جلال" على نبش بواطنه لعله يخرج منه قول يريح فضوله:
-لأ انا قلبي حاسس ان مجية "الغجري" وراها حاجة انت مش عايز تقولها
فرك "سلطان" جرح حاجبيه ورمقه بنظرة لم يتفهم الآخر ما ورائها ثم نطق وهو يُشعل سيجارته:
-قولتلك عرض عليا يشاركني في العملية وكمان هيخلص ويدفع باقي فلوس البضاعة
لم تكن تلك الاجابة التي يريدها فهو على علم مُسبق بها، وكان يتوقع عدم موافقته بتلك السهولة لذلك شكك قائلًا:
-مش شايفها غريبة انك توافق على طلبه!
ناوله "سلطان" سيجارته لكي يشارك أنفاسها معه ورد ببسمة يكمن الكثير من الآمال خلفها:
-مش انت بنفسك قولتلي المينا كلها في ايده هو ورجالته ومحتاجين حد يأمن جوه واديني حلتهالك وبعدين
ما محبة إلا بعد عداوة وبيني وبينك انا عندي استعداد اتحالف مع الشيطان ذات نفسه بس قلبي يرتاح
تسائل الآخر حين زادت حيرته:
-مش فاهم يا "سلطان" فهمني!
-متستعجلش هتعرف يا خبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش
قالها ببسمة غامضة تخفي الكثير خلفها جعلت "جلال" يكاد يشت عقله أكثر من تكتمه، فرغم انهم اصدقاء ويأتمنه على ماله إلا أن "سلطان" شخصية لئيمة تضمر الكثير في بواطنها غير حديثها وإن فعل وقرر أن يتحدث؛ يخبر من أمامه بما يريد فقط.
❈-❈-❈
في المساء وخاصًة داخل مقر شركتها كانت تتابع إنجاز حُلمها مع العُمال التي استعانت بهم لتجهيزه، تمر بين طرقات المكان بذهن حاضر ولكن شعور غريب من الضيق كان يجتاحها منذ مهاتفة صغارها في الصباح. فكانت ساهمة حين باغتها صوته من خلفها:
-سرحانة في إيه يا بشمهندسة
ابتسمت والتفتت تطالعه بتنهيدة مُرتاحة تنم عن افتقادها له قبل أن تهمس بأسمه:
-"نضال " برضو جيت وسيبت شغلك
رفع منكابيه واجابها وبسمته البشوشة تزين وجهه:
-اعمل ايه وحشتيني ومقدرتش اشتغل واسيبك لوحدك مع العُمال
-طيب أنت مش قولتلي عندك ولادة قيصرية النهاردة
طمأنها بثقة وهو يقترب يقف أمامها:
-حصل والحمد لله الأم ولدت وجابت بنت زي القمر واول ما اطمنت عليهم مشيت وجيتلك
أومأت برأسها وقالت متنهدة:
-جيت في وقتك اصلا لو مكنتش جيت كنت هتصل بيك دلوقتي
اعتلى حاجبيه يستغرب قولها وتسائل بلهفة لم يتعود على إخفائها:
-خير يا حبيبي في إيه؟
قالها وهو يحاوط خصرها ويسحبها معه للشُرفة الواسعة بعيدًا عن مرأى العُمال، لتقف هي تستند على السور بظهرها وتقول بنبرة مختنقة أظهرت مدى ضيقها:
-اصل الولاد وحشوني اوي
وقف مواجه لها يساير قولها:
-حبيبي أنتِ مش بتكلميهم كل يوم وبتطمني عليهم
اجابته بتوتر وهي تربع يدها على صدرها:
-بطمن وهما الحمد لله بيقولوا انهم بخير ومبسوطين مع بابهم بس "شيري" النهاردة قالتلي أن "حسن "اتخانق مع مراته وانها سابت البيت وراحت عند مامتها
تسائل وخضراويتاه بارقة تتعجب لأمرها:
-طيب وانتِ مالك بكل ده؟!
بررت منفعلة وذكرت أسباب قلقها:
-ازاي بس يا "نضال" اكيد متخانق معاها بسبب الولاد
تفهم قلقها وسبب توقعاتها؛ لذلك كان مراعي لأبعد حد حين حاوط ذراعها وقال بنبرة حنونة مطمئنة:
-"رهف" اهدي ومتخديش كل حاجة على اعصابك "حسن" حر في مشاكله مع مراته وحتى لو كان بسبب ولادك دي مش مشكلتهم ولا مشكلتك انتِ.
هو هيعرف يتصرف زي اي اب ومتهيألي هو مش غبي وهيعرف يمشي امور بيته بالطريقة اللي تريحه وانتِ كل اللي يهمك ولادك يكونو بخير وبس
صمتت لبرهة تستوعب منطقية حديثه قبل أن تقول بإقتناع:
-انت معاك حق
غمز بعيناه التي دومًا يتراقص العبث بها وقال يشاكسها وهو يقرص بلطف وجنتها:
-طيب ايه اضحكي خلي الدنيا تفتح و الربيع يجي
ابتسمت بسمة رقيقة لا تليق سوى بها في حين هو تنهد تنهيدة عميقة ينعم بربيعها الذي أسر قلبه المُولع بها قبل أن يقترح:
-طيب قدامك كتير انا واقع من الجوع تعالي نتغدى بره او اقولك على فكرة احلى تعالي نتغدا في النادي "شريف" اكيد هيبقى هناك
هزت برأسها تؤيد اقتراحه وعقبت:
-فكرة حلوة اوي يلا بينا كده كده هما هيخلصوا ويقفلوا المكان
-طيب تمام اوي يلا يدوب نوصل قبل ما التمرين يخلص
قالها وهو يحتضن كفها ويغادر بها ولكن خطواتها كانت تسبقه من شدة اشتياقها لفلذات أكبادها.
❈-❈-❈
أما عنه فكان يجلس على احد الطاولات في الساحة الواسعة يراقب "شيري" وهي تلهو مع الصغار وبين الحين والآخر تلوح له عن بعد وكأن اهتمامه يروقها ولا تقبل أن يحيد بنظراته عنها وعند تلك الفكرة وجد بسمة راضية تتسلل إلى ثغره فمنذ مجيئهم لعنده وهو يشعر بشعور رائع من الكمال بهم ورغم ما افتعلته زوجته ذات اللسان السليط بسبب حضورهم وتركها المنزل إلا انه لم يهتم وكان كل ما يشغله انه يعوض ابنائه عن تقصيره السابق بحقهم...نعم يعترف ويُقر انه قَصر فحتى قرار أخذهم في العُطلة من امهم كان لغرض تعكير صفوهم ولكن حقًا يشعر بالخزي من ذاته لتفكيره السابق فمجرد بضع كلمات استمع لها خلسة من غريمة غيرت منظوره للأمر فمن يصدق أن من كان يعامله بكل عجرفة ويستغل أي حديث بينهم ليضغط على بواطن ضعفه ويشعره بنقصه هو ذاته من دافع عنه أمام صغاره وقدم لهم حُجج تُستر على أفعاله السابقة، وهنا كم شعر بحقارته ونُبل الآخر فا شخصٍ غيره كان استغل الأمر لصالحه وعكر نفوس ابنائه منه بالتحامل ولكن ذلك ال "نضال" دومًا ما يفاجئه.
كان غارق في أفكاره حين اقتربا منه وبادرت "رهف" قائلة:
-ازيك يا بشمهندس
تأهب "حسن" بجسده ونهض يجيبها يستغرب حضورها:
-الحمد لله يا "رهف"
ابتسم "نضال" بسمة مجاملة كتحية له وصافحه دون استخدام كلمات بينما "رهف" تابعت قولها:
-انا و"نضال" جاين نتغدى هنا وقولت فُرصة اشوف الولاد وقت التمرين
هز "حسن" رأسه ثم أخبرها:
-"شريف" لسه التمرين بتاعه مخلصش و"شيري" هناك في الملاهي بتلعب
هزت رأسها بتفهم ثم استئذنت من "نضال" قائلة:
-"نضال" هروح اشوفهم هتيجي معايا
اراد "نضال" ترك مساحة لها مع اطفالها حين نفى برأسه واخبرها ببسمة هادئة:
-لأ هستناكِ هنا حبيبي وهطلب الأكل عقبال ما ترجعي
أومأت له وابتعدت بخطواتها ليتنهد" نضال" قائلًا:
-عن اذنك يا بشمهندس
قالها وكاد يبتعد كي يجلس على طاولة آخرى تكون خاصة بهم ولكن استوقفه "حسن":
-اقعد يا دكتور استناها هنا
حقًا لا ينقصه أن يُسمعه سُم الكلام ككل مرة لذلك اجابه وهو ثابت على موقفه:
-لأ ملهوش داعي الطرابيزات كتير
ذم "حسن" فمه يشعر بالحرج من رفضه وبطبيعته المُندفعة المتعجرفة قال:
-طيب اسمع انت اكيد عارف إني عمري ما حبيتك وطول عمرك مش بتنزلي من زور بس...
صمت "حسن" ولم يجد طريقة تناسبه يسوغ بها كلماته المتبقية بينما "نضال"ابتسم ساخرًا من فظاظته اللا متناهية وقال بثبات إنفعالي يُحسد عليه:
-القلوب عند بعضها يا بشمهندس
برقت عين "حسن" بعد رده الذي كان بمثابة الصاعين له، ثم مرر يده على وجهه قائلًا دفعة واحدة:
-محدش فينا يقدر يلوم التاني بس ده ميمنعش إني لازم اشكرك
انعقد حاجبين "نضال" يستغرب ما يتفوه به ورد وهو يسحب المقعد ويجلس عليه:
-تشكرني على إيه مش فاهم؟
فعل "حسن" مثله وجلس مواجه له قائلًا بنبرة مهتزة يبدو انه جاهد لكل تخرج منه غير مُتعجرفة:
-على أنك أخدت بالك من ولادي وبتعاملهم كويس هما حكولي حاجات كتير عنك وكمان علشان مستغلتش الظروف و متحاملتش عليا و لا كرهتم فيا
اجابه"نضال" بكل شفافية و سلاسة:
-هما ولادك ومحدش يقدر يجور على حقك وانا عذرك ومقدر موقفك وشايفه منطقي وممكن لو كنت مكانك كنت هعمل زيك
نفى "حسن" برأسه ورد يسخر من عقم أفكاره قبل أي شيء:
-بس انا لو كنت مكانك كنت مستحيل اعمل زيك
ضحك "نضال"بوتيرة متزايدة يستغرب قوله ليتابع "حسن" بضحكة مماثلة:
-متستغربش انا اصلي غبي
ودماغي جزمة والمشكلة إني عارف ده ورغم كده بغلط
قال أخر جملة بذات السخرية ولكن بنبرة متثاقلة يكمن الكثير خلفها جعلت "نضال" يدثر ضحكته ويعقب مواسيًا:
-مش عيب تغلط العيب هو انك متتعلمش من غلطك وتكرره
واظن انت بتحاول وده كفاية
اعتلى حاجبي "حسن" وقد غامت بُنيتاه القاتمة بنظرة مُشككة:
-تفتكر كفاية!
-ربنا سبحانه وتعالى قال في سـورة الرعـد{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
ومتهيألي النية متوفرة عندك
أومأ له ببسمة باهتة وهو يزداد تعجبه أكثر من شخصية ذلك ال"نضال" فمجرد استخدامه لكلمات قليلة اَسكن قلبه وحمسه للمثابرة وهنا كم شعر بالسخرية من ذاته ومن تفكيره السابق فمن يصدق أن أكثر شخص مقته واتهمه بنهب كل ما يخصه هو من دافع عنه أمام أبنائه وذكر محاسنه القليلة بضمير حي و ذاته من يجلس أمامه الآن ويتبادل معه أطراف الحديث.
❈-❈-❈
-مش ده اتفقنا!
قالها "جلال" بريبة عبر الهاتف بعدما قرر مهاتفة الآخر، لياتيه الرد من الطرف الثاني:
-الاتفاق أنك تحط ايدك في ايدي علشان نهاية "سلطان" وانا معملتش غير كده...ليتابع بفخر لئيم:
-بس ايه رأيك خليته زي الخاتم في صباعي من قاعدة واحدة عكس ما انت اتوقعت
-وده اللي فاجأني اكيد قولتله حاجة متفقناش عليها وعلشان كده مرضتش تتكلم قدامي
-اللي قولته ميشغلكش و اتعلم علشان تبقى معلم مينفعش اوراقك كلها تبقى مكشوفة لازم يبقى معاك ورق تلعب بيه من تحت الطرابيزة
-معنى كده انك ممكن تغدر؟
-عيب عليك ده انت الراجل بتاعي وطالما كل اللي يهمك الخلاص من "سلطان" يبقى هتفضل حبيبي وتحت جناحي
-ماشي يا "غجري" لما اشوف اخرتها
-أصبر وهتتفرج على لعب الكبار وكل اللي مطلوب منك تنقلي كل كبيرة وصغيرة زي ما كنت بتعمل
-ماشي يا "غجري" بس لو فكرت تاخدني في الرجلين يبقى حربت على موتك
قهقه ال"غجري" بكامل صوته البغيض استخفافًا به قبل أن يقطع الخط تارك "جلال" يحملق في وجه من أمامه الذي كان يستمع للمحادثة عن طريق السماعة الخارجية، فقد ابتلع "جلال" رمقه وقال متخوفًا وهو يعتدل في مقعد سيارة الآخر:
-انا مش مطمن...تفتكر كان يقصد إيه بالورق اللي من تحت الطرابيزة
زفر انفاسه قبل ان يخرج سيجارة من علبته ويُشعلها قائلًا وعينه الثاقبة ترتكز في نقطة في الفراغ:
-كل شيء هيبان مع الوقت بس انت اثبت ومتتهزش
مسد "جلال" جبهته عقب بنبرة خرجت مُهتزة بعض الشيء:
-من اليوم اياه وانا قلبي حديد علشان وعدتني بالحماية بس دلوقتي منكرش إني قلقت "سلطان" مقدور عليه لكن "الغجري" مش مضمون وشـ راني ممكن يقتـ لني ويتاويـ ني ومحدش يحس بيا
وهنا اخشوشنت نبرته وضاقت عينه عليه بطريقة مُـ رعبة قبل أن يُذكره بنبرة جدية مفعمة بالثقة:
-احنا مش في غابة واظن انا مفرضتش عليك حاجة و لولا موافقتك على الاتفاق اللي دار بينا كان زمانك في السـ جن بعد الراجل صاحب السنترال اعترف عليك وقال انك انت اللي اشتريت منه الخطوط اللي كنت بتهـ ددني منها واظن برضو إني خيرتك بين السـ جن وبين انك تساعدني وانت اللي اخترت علشان متأكد إني هقدر احميك...
-يا "سليم "باشا وربنا عارف وانا من يومها الراجل بتاعك وكل اللي أمرتني بيه نفذته يوم الفرح
-مكنش أدامك خيار تاني ودلوقتي لازم تجمد علشان نكمل اللي بدأناه
-حاضر بس ايه العمل لو عرفوا إني بلعب عليهم هما الاتنين لصالحك
-احنا حرصين جدًا..متقلقش علشان بخـ وفك ده هتشككهم فيك...ومتشغلش بالك بالكلام اللي قالوه في غيابك هانت والعملية اللي هما بيرتبولها اصلًا تحت ايدنا
-ماشي يا "سليم" باشا ربنا يكملها بالستر
قالها متمنيًا قبل أن يتدلى من السيارة ويغلق بابه واقفَا داخل تلك البقعة النائية التي تعمدوا أن يتقابلون بها بعيدًا عن الأعين، بينما الآخر وقبل انطلاقه بسيارته ارسل له نظرة مطمئنة يحثه بها على الثبات.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام وقد حان موعد زيارة الطبيبة لكي تحل القطب وتطمئن على جرحها فكان هو يصطحبها بسيارته بينما هي كانت تتلفت تنظر خلفها لا يروقها تتبع سيارة حراسته لهم فقد تنهدت وظهر الاستياء جلي على وجهها حين طفر سؤالها:
-هما ليه ماشين ورانا؟
اجابها وهو يصوب نظراته على الطريق:
-زيادة حرص على سلامتنا مش اكتر
اجابته لم تريحها وجعلتها تتسائل وشعور غريب يتسلل لقلبها:
-انت مخبي عليا حاجة يا "سليم"
طالعها لبرهة قبل أن يجيبها ببسمة أراد بث الطمأنينة بها:
-ابدًا يا "شمس" هخبي عليكِ ايه بس
استرسلت تخبره سبب قلقها بنبرة رغم ثباتها إلا أنه استشف منها استيائها:
-اصل قلقك وخوفك عليا محسسني إني في خطر يعني طول الفترة اللي فاتت مكنتش بتسمح ليا اخرج لوحدي والدكتورة كانت بتيجي تغيرلي على الجرح في البيت وحتى لما طلبت منك اروح ازور "بدور" و"رامي" في بيتهم الجديد رفضت وبعت الحرس بتوعك جابوهم وانا بصراحة مش مطمنة ابدًا
تنهد بعمق اثناء قيادته ثم رفع كفها لفمه يلثمه بقبلة حنونة ويحتفظ بها قبل أن يحاول طمأنتها:
-مفيش حاجة تقلق صدقيني انا كنت الأول مفيش حاجة بتهمني لكن بعد ما اتصابتي مكاني حسيت ان لازم أأمنك اكتر واظن متقدريش تلوميني على خوفي عليكِ ولو هنتكلم عن "بدور" فا دي كانت رغبتها وانا مقدرش افرض عليها حاجة
-بس "صالح" اخباره مقطوعة وانا خايفة يعرف طريقهم
-متقلقيش انا ليا ألف عين في المنطقة لو ظهر هيبلغوني
وهنا لان قلبها وعبرت عن ذلك الشعور المقبض الذي تسلل منذ عدة أيام لقلبها:
-تفتكر غيابه ده طبيعي يعني ممكن يكون حصله حاجة؟
هز رأسه دليل على عدم معرفته وأجابها:
-معرفش بس على حسب كلامك هو كان بيغيب عن البيت كتير بس لو عايزاني ادور عليه مفيش مشكلة
زفرت انفاسها وقالت بضيق بعدما اعتصرت زيتونها:
-معرفش يا "سليم" قلبي مقبوض ليه!
شَدد على كفها يحثها بنبرته الهادئة العميقة التي تستقر في اعماقها:
-مفيش حاجة بإذن الله ومتفكريش كتير وانا معاكِ
-حاضر
قالتها مُستبشرة ببسمة هادئة وهي تنظر ليده الكبيرة ذات العروق البارزة وهي تدثر كفها وهي تنوي إطفاء عقلها وتتركه يُظلل بظله الآمن على قلبها.
❈-❈-❈
قدمت ساق وأخرت آخرى وهي في طريقها لعنده ترددت كثيرًا ولكن في الأخير حسمت أمرها حين طرقت على باب غرفته وإن فتح بابه، تسمر بمكانه ناطق بأسمها، لا يستوعب أمر حضورها:
-"بسمة"
ردت ببسمة باهتة لم تصل لعينها:
-ازيك يا "عماد"
لعن ذاته في سره كونه أطال النظر لها، ثم أغلق باب غرفته خلفه و سار يتخطى موقع وقوفها، قائلًا وهو ينظر لكل شيء عداها هي:
-الحمد لله بخير، انتِ كويسة
اجابته مترددة وهي تهمك اناملها بكفها:
-كويسة بس اصل كنت....
حثها متنهدًا بملامح وجه تضاهي القطب ببرودها:
-اتكلمي يا" بسمة" متتكسفيش
-أصل...
زفر انفاسه بنفاذ صبر من ترددها ثم التفت يترقب قولها وهو يلوح في وجهها:
- اتكلمي اوعي يكون "سلطان" ضايقك
نفت برأسها و أجابته بنبرة مغلفة بإمتنانها له:
-لأ الشهادة لله محصلش
وقالي كرامة ليك مش هيتعرض ليا ابدًا
تنهد براحة ثم سار بضع خطوات يستند على السور الكنز براحتيه يلقي نظراته للأسفل يشاهد حركة الشارع لعله يلهي دواخله العاصية عنها:
-طيب ايه الموضوع؟
اقتربت بتؤدة لموضعه وقالت بنبرة استشعر بها قلة حيلتها وضعفها:
-انا عايزة اسلم الشقة لصاحب البيت اخر الشهر ومش لاقية مكان اروحه سألت كتير على شقة أو حتى اوضة بس ملقتش حاجة تناسب الفلوس اللي معايا
اعتصر ناعستيه يقاوم أنين قلبه قبل أن يتسائل وهو مازال يواليها ظهره:
-عايزة تسيبي شقتك ليه؟
صمتت لوهلة تشعر بالخزي من ذاتها قبل أن تجيبه:
- كده احسن اصل الشقة دي هو اللي كان دافع الخلو بتاعها وكمان الإيجار وبعد اللي حصل مش هينفع اقعد فيها
كور اربعته بقوة من ثمن تفريطها البخث ثم التفت يجيبها بنبرة لم يستطيع اخفاء إنفعاله وحَرقة قلبه بها:
-وجيالي ليه علشان اشوفلك مكان مش كده على العموم هسألك ولو لقيت حاجة مناسبة هبعتلك حد يبلغك و ياريت متطلعيش تاني هنا
انتفض جسدها وشحب وجهها من صراخه ولكن لا يحق لها أن تبدي استيائها فكان هو قشة النجاه بالنسبة لها وحين شعرت أنها بحاجة للمساعدة لتخطي ما اقترفته بحق ذاتها اتى هو قاطع سبيلها في احترام ذاتها، فقد غامت عينها وردت بنبرة مرتعشة تقاوم بكائها:
-تشكر يا "عماد" كتر خيرك
سكين ثلم انغرس بنصف قلبه بعد رؤيته الدموع تلتمع داخل عينها ولكن هنا ثار عقله وارد أن يذكره قبلها:
-متشكرنيش ده اقل واجب يا طليقت اخويا
بكى كل شيء بها إلا عينها وكأن ذلك اللقب الذي منحه لها وَصمها بذنب عشق لم تنل منه سوى خسارة نفسها فقد انسحبت قبل أن تفر دمعاتها:
-عن اذنك
قالتها وغادرت تاركته يودعها بملامح جليدية قاسية يكمن خلفها بركان مُلتهب من خيبة قلبه في عِشقها.
❈-❈-❈
بعد انتهائهم من زيارة الطبيبة وبعد الكثير من الاحاديث المتبادلة بينهم كان الاحباط يرتسم على وجهها وهي تظن كونه سيعيدها للمنزل من جديد ولكنه خالف توقعاتها وتوقف بسيارته أمام مجمع تجاري كبير يضم عدة مطاعم شهيرة التي يكون روادها غالبًا من نخبة المجتمع، لتبتلع رمقها وتتسائل مُترقبة:
-انت جبتني هنا ليه؟
اجابها ببسمة هادئة وهو يطفئ محرك سيارته:
-هنتغدى مع بعض وبعدين نروح
لوهلة تحمست ولكن حين نظرت خلفها لاتعلم لمَ شعرت بعدم الراحة و قالت مُعارضة:
-بس انا مش جعانة
زفر انفاسه ودون مجادلة أكثر كان ينزل من بابه ويسير لبابها قائلًا وهو يفتحه بلباقة:
-انزلي يا "شمس" انا جعان واكيد مش هاكل لوحدي
هزت رأسها ثم تدلت من السيارة وهي تضع يدها بكفه الممدود لها، ليبتسم هو ويسير بها للداخل ولكن قبل أن يؤشر لرجاله بانتظاره خارجًا
مما جعلها تشعر بالراحة اكثر وتستغرب كيف له أن يتفهم ما يدور داخل عقلها.
دقائق وكان ينفرد بها على طاولة منعزلة ومليئة بمأكولات بحرية متنوعة تفوح منها رائحة ذكية امتزجت مع رائحة البحر لتصنع مزيج مدهش دغدغ حواسها، فقد تناولت نفسٍ عميق من الهواء تدفنه بأعماقها ثم قالت وزيتونها يتأمل إطلالة البحر امامها:
-المكان حلو اوي يا "سليم" والجو يجنن
اجابها ببسمة واثقة:
-كنت عارف أن المكان هيعجبك
تسائلت ونسمات الهواء تراقص خصلاتها:
-انت بتيجي كتير هنا؟
لوهلة هام بها يغار من الهواء الذي يتخلل خصلاتها ولكن بالاخير أجابها:
-لأ مش كتير بس ساعات "نضال" لما بيجي زيارة بجيبه هنا
وعلى ذكر صديقه تذكرت ما سرده لها عن قصة عِشقه وتسائلت بعدها:
-هو عامل إيه مع مراته تعرف إني نفسي اشوفها اوي
-هما بخير الحمد لله واكيد لو شوفتي البشمهندسة هتحبيها.
أجابته بثقة وبرأس شامخة تنم عن فخرها:
-اكيد هحبها، اصلًا انا معجبة باصرارها على تقدير نفسها رغم كل الظروف اللي اتخطتها مستسلمتش ورضت بالأمر الواقع ومقبلتش تيجي على حق نفسها
حانت منه ساخرة وقال يذكرها بِخصالها:
-اللي يسمعك بتتكلمي يستغربك اصلك اكتر واحدة مُضحية وبتبدي كل اللي حواليكِ عن نفسك
بهتت ملامحها قليلًا قبل أن تخبره بقناعة شخصية تؤمن بها:
-فعلاً يمكن اكون كده بس حاجتين مستحيل اضحي في سبيلهم الكدب والخيانه
تجمدت نظراته على وجهها وهو يشعر بحرب دامية تقام في رأسه بسبب قولها، وحين طال صمته المُريب بالنسبة لها، اقترحت وهي تطالع الطعام المتراص أمامها:
-طيب ايه...مش هناكل الاكل هيبرد
انتشله من خضم افكاره صوتها ليبتلع رمقه ويؤيد حديثها ولكن بعدما قرر إطفاء عقله كي ينعم بتلك اللحظات بقربها:
-هناكل بس الأول عايز اديك حاجة
قالها اخرج من جيب سترته عُلبة صغيرة مخملية اللون و وضعها أمامها قائلًا:
-افتحيها
تناوبت نظراتها بين العُلبة وبينه قبل أن تفتحها ببسمة اخذت تتسع شيء فشيء حين وجدت دبلتان احداهم فضية ومعهم سلسال ذهبي رقيق يتدلى منه قرص دائري مُرصع بفصوص من الالماس يشع كالشمس في أوج وهجها ويحاوطه هالة فضية يتدلى منها نجوم صغيرة تضوي مثل عينها التي التمع الدمع بها لتوها وتبعها همسها:
-الله حلوين اوي يا "سليم "
اقترب يجلس على المقعد الملاصق لها يخرج اولًا دبلتها الذهبية قائلًا وهو يلتقط كفها ويلبسها إياها ببنصرها:
-عارف إني اتأخرت في موضوع الدبل ده بس معلش الظروف اللي حصلت كانت ملخبطة كل حاجة
اومأت بتفهم وأخذت تتأمل الدبلة التي زينت بنصرها بعيون حالمة، ليتناول دبلته الفضية ويعطيها لها ويحثها بعينه أن تُلبسه إياها وإن فعلت رفع يدها و وضع قبلة خاطفة عليها قبل أن يلتقط السلسال من عُلبته ويرفعه أمام نظراتها قائلًا بنبرة فاضت فيض بما يكنه له:
-السلسلة دي اتعملت مخصوص علشان تناسبك فاكرة لما قولتلك انتِ شمسي انا وكياني وارضي بتدور حوالكِ
وهل لها أن تنسى كلمة تفوه بها فنظراته الدافئة المفعمة بالحب مع جملته لامست للمرة الثانية شغاف قلبها، لتفر دموع عينها لا تستوعب قدر ما يكنه لها مما جعله يهمس وهو يمر بإبهامه مسرى الدمع على خدها:
-ليه الدموع؟
طالعته كأنه اغلى ما لها وقالت والصدق يغلف حروفها:
-دي دموع الفرحة انا مقدرش اقولك مبسوطة أد إيه ومش مصدقة أن ربنا عوضني بحبك عن كل حاجة وحشة شوفتها
شملها بدفء عيناه قبل أن يتمنى صادقًا:
-ربنا يقدرني واسعدك
التقطت كفه تربت عليه بحنان بالغ وهمست وزيتونها المرتوي يذدهر بإنعكاسه:
-وجودك جنبي وحده كفاية يسعدني يا "سليم" ربنا يديمك ليا
مال يلثم يدها التي تربت على كفه ثم تنهد تنهيدة عميقة محملة بمشاعر حارة مؤججة أصبح بالآونة الأخيرة يجد صعوبة في كبحها، بينما هي اقترحت والحماس جلي على وجهها:
-طيب يلا لبسهالي علشان مش هقلعها من رقبتي ابدًا
هز رأسه وبسمة هادئة تعتلي ثغره وتبعها أنه فك قفل السلسال حين ولته ظهرها أثناء جلوسها، ليضعه على عُنقها وإن تم إغلاق قفله سحب نفس مُطول ينتشي من عبق شعرها وهنا كم نهر ذاته فإن كانوا بالمنزل لاستطاع أن يدفن وجهه بها فكان غارق بعبثية تامة في أفكاره حين اعتدلت بجلستها ليزفر أنفاسه ويتناول كوب المياه الباردة الذي أمامه على الطاولة يتجرعه كاملًا لعله يُخمد أفكاره التي لا تشبهه قبل أن يحثها على الشروع في تناول الطعام بينما هي قبل أن تفعل احتضنت سلساله ببسمة حالمة للغاية واخذت تدثره اكثر بالقرب من قلبها وهي تقسم أن دقاته تقرع طبولٍ وتصرخ مُصرحة بعِشقها...
فكانوا في حالة من الانسجام الغير عادي اثناء تناولهم الطعام يتبادلون النظرات والاحاديث والضحكات يطعمها بيده وتفعل مثله بأُلفة ومودة لا تليق سوى بعشاق يتمنون دوام سعادتهم للأبد ولكن كيف! و صاحب النوايا القاتمة مازال يحقد عليهم ويُوكل رجاله تترصد خطواتهم عن بُعد.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ميرا كريم من رواية ذنبي عشقك، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية