-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 20 - 2

 

 رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل العشرون

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈


وضعت ساندرا طفلها بمهده الهزاز بعد أن أدركه النوم وهى كانت واضعة إياه بين ذراعيها تعمل على تهدئته من بكاءه الذى لم يكف عنه منذ الصباح الباكر ، فأسنانه الجديدة التى تشق طريقها فى الظهور ، تسببت له فى بعض الأعراض التى زادت من حدتها ، جعلته لا يهدأ بنومه أو مأكله ومشربه ، بل يظل يبكى لوقت طويل وأرتفعت حرارة جسده ، على الرغم من أنها تتبع كافة الاحتياطات التى تجعل تلك الفترة من ظهور أسنانه اللبنية تمر بسلام ، ولكن بدا أن ذلك لم يكن كافياً ، وربما الصغير شعر بإنشغال راسل عنه مما زاد من مزاجه العصبى ، فمنذ ما حدث لزوج إبنه شقيقه وهى لم تعد تراه إلا بضع دقائق قبل خلودها للنوم


خرجت من الغرفة على رؤوس أصابعها حتى لا يصدر منها صوتاً يجعل الصغير يستيقظ وتعود ثانية لمحاولاتها فى تهدئته ، فأغلقت الباب بحرص وهبطت الدرج وفكرت بأن تخرج للحديقة ، لعلمها بأن لا أحد فى المنزل وأنهم ذهبوا جميعهم لزيارة عمران بالمشفى والإطمئنان على أحواله الصحية ، والتى لم تستقر بعد مثلما أخبرها راسل عندما سألته بالأمس 


نادت لإحدى الخادمات وخاطبتها بمودة :

– أنا قاعدة فى الجنينة ساجد لو صحى نادى عليا وعايزة عصير فريش لو سمحتى 


أماءت الخادمة برأسها وردت قائلة بإحترام :

– أمرك يا هانم 


وصلت ساندرا لذلك المكان القريب من حظيرة الخيول وهى تفكر فى إختيار الوقت الملائم لإخبار راسل برغبتها فى العودة هى وصغيرها إلى كندا ، فهى لن تستطع أن تقيم فى هذا المنزل أكثر من ذلك ، حتى وإن كان سيشق عليها عدم رؤيتها له أو لوفاء وسجود ، ولكنها لن تحيا الباقى من عمرها تثقل كاهله بأمرها هى وطفلها ، فهو لم يبخل عليها بمساعدته وستظل أسيرة إمتنانه لما تبقى من حياتها ، ولكن هو لديه زوجة وعائلة وهم الأولى بوقته ورعايته ، ويكفى أن حياء لم تتخلى عن كياستها وأصول الضيافة ولم تلقى بها خارج المنزل لإشتراكها بتلك الكذبة السخيفة من إدعائهما بأنها الزوجة الجديدة لراسل 


سمعت صوت حركة قريبة منها فألتفتت برأسها وجدت أدم وصديقه قادمان إليها ، فعقدت حاجبيها بدهشة ، لظنها أن لا أحد فى المنزل غيرها هى والخدم وبعض الحرس 


جلس أدم بإرتياح على أحد المقاعد قائلاً بهدوء:

– هنضايقك لو قعدنا معاكى 


حركت ساندرا رأسها ببطئ وهى تنفى ضيقها من جلوسهما برفقتها ، ولكنها لم تمنع نفسها من فرك كفيها حتى زاد شعورها بالألم ، فركز أدم بصره على حركة يديها المتوترة ، وسألها فجأة :

– أنتى مالك متوترة كده ليه ، فى حاجة يا ساندرا ، ليه حاسس أنك بتهربى من أنك تقعدى مع أى حد فى البيت ، إيه السبب ؟ أو إيه حكايتك بالظبط ؟


وكزه عماد بكتفه ، لعله يراعى حديثه معها ، فهمس له قائلاً بغيظ :

– إيه يا بنى ما تهدى شوية ، أنتى جاى تحقق معاها ، هى حرة فى تصرفاتها 


أنفعلت ساندرا لسؤال أدم الذى رآته أنه محاولة منه فى التدخل فيما لا يعنيه ، فهبت واقفة وردت قائلة بإمتعاض :

– أظن مش من حقك تدخل فى حياة غيرك ، وكل الموضوع إن أنا صديقة وضيفة راسل 


– طب كانوا بيقولوا أنك مراته ليه ، وبتكذبوا ليه ؟


سألها أدم بإلحاح لا يخلو من الشك فى أفعالها وتصرفاتها المبهمة له وليس هو فقط بل لجميع قاطنى قصر النعمانى ، على الرغم من أن لا أحد منهم شغل باله بالسؤال عما تحويه من سر تلك العلاقة بينها وبين راسل 


ضمت ساندرا ذراعيها وردت قائلة ببرود محاولة بذل المزيد من الجهد فى منع فرار دموعها :

– وأنت مالك أنت وبتسأل ليه ، ياريت ما تشغلش بالك بحياتى أو تصرفاتى عن إذنكم 


ذهبت ساندرا وهى تدب الأرض بقدميها من محاولة أدم فى سبر أغوارها ، فنظر إليه عماد وهو يهز رأسه بقلة حيلة من تدخل صديقه السافر فى حياة الأخرين ، فهتف به بإستياء :

– أرتاحت دلوقتى ، أهى أدتك دش بارد بس تصدق تستاهل ، عملى نفسك دكتور نفسانى وقاعد تحلل تصرفات اللى حواليك


رفع أدم حاجبه ونظر لأثر ساندرا وهو يقول بحيرة :

– دى غريبة أوى ، أنا من اللى عرفته عن راسل وشوفته ، ميقولش أنه واحد يكون صداقات مع بنات أو ستات أو حتى يفكر أنه يحب واحدة غير حياء مراته ، الموضوع ده فيه لغز ولازم أعرفه 


رفع عماد يده وبظاهرها صفع صدر أدم ، لعله يكف عن حدس المحققين الدوليين الذى تملكه فجأة فى أن يعلم طبيعة العلاقات الإنسانية والإجتماعية التى تربط بين المحيطين به ، ولكن أكثر من شغل تفكيره فى أن يتقفى أثره ويعلم كل صغيرة وكبيرة عنه هو راسل ، ولا يعلم سر إصراره اللعين ، أو ربما يحاول أن يتوهم أنه لا يعلم أسباب أدم الحقيقية فى التعرف على حياة راسل عن كثب


لوى ثغره وقال ساخراً :

– متعملناش فيها شارلوك هولمز ، أنت عمال تدور ورا عمك راسل مش حباً فى أن تتعرف عليه يا أدم تحب أقولك بتعمل كده ليه ولا بلاش     


توترت عضلة قرب فم أدم ورد قائلاً بلامبالاة :

– هيكون ليه عادى يعنى وأنت قولت أهو عمى


رفع عماد حاجبه دلالة على أنه أكثر من يتفهم حالاته المزاجية ، وأن تلك المرة لم يكن جاداً وصادقاً فى حديثه معه ، وهذا ما جعله يخشى أن تتحقق مخاوفه من أنه يفعل ذلك من أجل أن يساهم فى زيادة الخلافات بين راسل وحياء ، كأن ذلك الغبى لم يستسلم بعد لحقيقة أن حياء زوجة عمه ويجب عليه إقتلاع تلك الأوهام من رأسه بأن ربما سيأتى اليوم وتستبدل زوجها به هو ، ولا يعلم أى منطق لعين هذا الذى يفكر به


تركه أدم وولج للداخل فتبعه ليعلم أين هو ذاهباً ، كأنه نصب نفسه حارساً له يتبع خطواته حتى لا يقدم على إرتكاب فعلة حمقاء ستكلفه الكثير ، فرآى ساندرا جالسة بالصالة وما أن رآتهما هبت واقفة وصعدت الدرج حتى وصلت لغرفتها ووجدت إبنها مازالا نائماً ، فأخذت هاتفها وأجرت إتصالاً براسل لعله يطمئنها اليوم عن زوج ميس ، والتى لم تعد للمنزل منذ ما حدث لزوجها 


سمع راسل رنين هاتفه وعلم هوية المتصل ، ففتح الهاتف قائلاً بهدوء :

– أيوة يا ساندرا ، خير فى حاجة ؟ ساجد عامل ايه دلوقتى ، لسه برضه بيعيط


أجابته ساندرا :

– كويس ونايم ، أنا كلمتك علشان أطمن على عمران عامل ايه النهاردة 


تنهد راسل بصوت مسموع وأجابها :

– لسه مفيش جديد ، وأنا دلوقتى هروح أشوفه ، سلام وخلى بالك من ساجد 


أنهى راسل مكالمته الهاتفية وخرج من غرفة مكتبه ليمر بتلك الغرفة التى تم إيداع عمران بها ، فقبل دخوله نظر عبر الزجاج وجد ميس جالسة على مقعد بجوار سريره ممسكة بيده وتتحدث معه ويعلم أنه يسمعها ولكن العقاقير الطبية التى يتناولها تجعله فاقداً لوعيه بصورة جزئية وغير قادراً على أن يتفوه بكلمة ، ففضل تركها معه على أن يعود إليه فى وقت لاحق 


فبالداخل ، كانت ميس تمرر يدها على ظاهر يد زوجها لعله يحيى الأمل بداخلها من أنه سيتعافى بوقت قريب عوضاً عن تركها هكذا تحيا يومها وأعصابها تحترق بنيران الخوف 


مسحت دموعها من على وجهها وإبتسمت بألم :

– عمران يا حبيبى مش ناوى تقوم بقى وتتخانق معايا زى ما كنت بتعمل وتقولى يا بنت النعمانى ، طب قوم علشان نرجع بيتنا تانى ، وأنا خلاص هرجع معاك على بيتك ومش هقولك نستنى ، أرجوك فوق بقى أنا بموت من غيرك يا عمران ، علشان خاطرى لازم تقاوم ومتستسلمش 


يسمع صوتها بوضوح ولكن رؤيته لها مشوشة وضبابية ، فكم يهفو لأن يجيبها بأنه لا يتشبث بحياته إلا من أجلها ولكنه عاجزاً عن أن يصدر رد فعل لحديثها سوى أن تتحرك أصابعه على يدها ليخبرها أنه يسمعها ، فعادت معقبة بعد رؤيتها لحركة أصابعه :


– عارفة أنك سامعنى يا حبيبى ، ومستنية الوقت اللى تقوم فيه بكامل صحتك وأسمعك بتقولى يا ماسة وإن شاء الله ده هيحصل قريب 


أغمض عمران عينيه فكفت ميس عن الكلام ، وظلت جالسة مكانها بدون كلل أو ملل 


فبعد مرور بضعة أيام وأثناء جلوسها بجواره كالعادة ، أعلنت الساعة عن بلوغها الثامنة مساءًا ، فرأت أن تعود لغرفة مكتب راسل ، ولكن أثناء سحب يديها اللتان أحتضنتا يد زوجها وقبل إبتعادها ، قبض عمران على أطراف أصابعها وسمعته يهمس بصوت كاد يذهب بأنفاسه :


– ماسة 


– قلب ماسة 


قالتها ميس بسعادة أختلجت فى نبرة صوتها ، وأرتمت على صدره كأنها نسيت جروحه وأن ربما ستتسبب له بإيذاء من فعلتها المباغتة له ، فظلت تبكى حتى وعيت بأنها يجب أن ترفع رأسها عن صدره 


إبتسم عمران إبتسامة واهنة وقال مازحاً بصوت خفيض :

– يعنى أفوق شوية عايزة تفطسينى يا بنت النعمانى 


دنت بوجهها من وجهه قائلة بوعيد واهى وعبراتها تتساقط من عينيها :

– بنت النعمانى هتاخد حقها منك يا ابن الزناتى على وجع قلبها وحرقة أعصابها اللى أنت عيشتها فيها الأيام اللى فاتت دى 


عادت تبكى ثانية ، فأمرها بلطف أن تكف عن البكاء :

– يعنى بتعيطى وبتهددينى فى نفس اللحظة 


لم تشأ أن تجعله يسترسل بحديثه معها وربما ستتأثر صحته سلباً بذلك ، فأمرته هى برفق ولين أن يأخذ قسط من الراحة ويكفيها أنها عادت وسمعت صوته من جديد ، فإستجاب عمران لأمرها ، كأنه تكبد مشقة فى إجراء ذلك الحوار القصير معها والذى لم يتعدى بضع عبارات ، فعاد وأغلق عيناه من جديد ، ومسدت على رأسه بإبتسامة عاشقة ، وتمنت لو أن يزول عنه الخطر بصورة نهائية ، وأن يعود لعافيته ، فهى صادقة بحديثها من أنها ستعود لمنزله ، ولن تتصلب برأيها معه ، ولا أنها ستعود وتفكر بإجراء الحقن المجهري لحدوث الحمل ، فلا يعنيها بوقتها الحالى سوى أن يعود عمران كما كان دائماً قوياً ويتمتع بوافر الصحة والعافية ، وكل شئ يمكن تعويضه طالما سيكون بأمان من ذلك الخطر المحدق به ، والذى سيزول بزواله كل مخاوفها بأن تفقده ، فإن كانت مازالت حزينة لخسارة طفلها الذى لم تراه بعينيها ، فكيف سيكون حالها إذا خسرته هو ؟ وعند تلك الخاطرة ظلت تدعو الله بأن يحفظه لها وأن لا تتكبد هماً ولا حسرة على فقدان عزيز على قلبها ، وعمران ليس بأى عزيز عليها بل أن العشق والحب تلخص بكلمة مكونة من بضعة حروف " زوجها '' 

❈-❈-❈


لم تغلق وفاء بابها فى وجهه عندما أتى إليها شاكياً لألمه وتلك الهموم التى أثقلت كاهله ومنعت عليه الراحة ، فتفردها بتلك المكانة لديه ، جعلتها حتى وإن كانت مستاءة منه ولم تصفح عن أفعاله بحق زوجته ، أن تستقبله بين ذراعيها ، عندما زارته تلك اللمحة من الضعف والإرهاق الذى كسا ملامحه ،كأن عمره إزداد أضعافاً ، فقبل أن يتفوه بكلمة كانت تمد ذراعيها إليه وجذبته إليها وراحت تربت على ظهره وتمسد على رأسه ، كأنه طفلها الصغير ، الذى ضل الطريق للمنزل ولكنه عاد إليه أخيراً ، ولم تكتفى بأمور تدليلها له لهذا الحد ، بل جلست فى الفراش وجعلته يتوسد ساقها وراحت تمسد على خصلاته الفحمية وهى تتلو أيات الذكر الحكيم ، تطمئنه بصوتها أن كل شئ سيسير على ما يرام ، وماعليه إلا أن يدعو الله وهو سيستجيب له ويجيب دعاءه ، فأثناء تمريرها يدها على وجهه شعرت بتلك الرطوبة التى تمثلت بدمعة حارة ، قلما ما تراها إلا بعدما يبلغ به الضيق واليأس أقصى درجاته ، ولا تعلم حاجته للبكاء الآن وأمور زوج إبنة شقيقه باتت على مايرام وأخبرها أنه اليوم تحدث مع ميس وشقيقه معتصم 


مالت وفاء برأسها قليلاً للأمام قائلة بإهتمام :

– مالك يا حبيبى ؟ 


أغمض راسل جفنيه بوجه تلك الموجة العاتية من عبراته الحارة التى كانت تهدد بالسقوط و إغراق وجهه ، فتنفس بعمق ورد قائلاً بنبرة خافتة :

– مفيش حاجة يا ماما المشكلة إن أنا حاسس بالتعب والإرهاق مش أكتر وكمان حالة عمران وزعل ميس مش مخلينى أبطل تفكير


رفع كفيه ومسح بهما على عيناه ، فإستلقى على ظهره ورفع وجهه شاخصاً ببصره لوفاء ، التى رآت ما أرتسم بداخل مقلتيه من شعوره الساحق بالحيرة أو ربما فشله فى كيفية تدبير أموره مع زوجته ، فربتت على صدره وتساءلت بصدق:

– حاسس بالارهاق والتفكير فى بنت اخوك وجوزها ، ولا هتتجنن علشان مش عارف تصالح مراتك وتجاهلها ليك مجننك زيادة ومخليك هطق وأنك حاسس أنها ممكن تكون فعلاً كرهتك من عمايلك معاها وأن فرصتك فى أنك تصالحها خلاص ضاع وقتها ؟


تلاحما حاجبيه ورفع رأسه عن ساقها وجلس بجوارها قائلاً بضيق طفيف :

– إيه الصراحة بتاعتك دى يا وفاء ، طب هاتيها واحدة واحدة مش تقوليها فى وشى كده خبط لازق 


– ما أنت السبب فى ده كله من الأول ، حد قالك كل شوية ألعب بأعصابها أنك مرة هتتجوز عليها ومرة تقول أنك اتجوزت ، أشرب بقى يا دكتور


قالتها وفاء بتأنيب وإبتسمت رغماً عن شعورها بالحزن لتلك الظروف الراهنة ، إلا أنها لم تمنع إبتسامتها بعدما رآت بوادر إهتياجه لخوفه من أن تكون حياء أقتلعت حبه من قلبها ولن يعود بإمكانه إستعادة مكانته لديها ، ومازاد فى إتساع إبتسامتها سماعها لما قاله وهو يترك الفراش غاضباً كطفل أزعجته والدته بأن أخبرته أنه لن ينال حصته من الحلوى لإساءته التصرف :


– خلاص هو كل شوية أسمع الكلمتين دول سواء منها أو منك ، أنا هروح أولع فى نفسى وأرتاح منكم أنتوا الاتنين 


وضعت وفاء يدها على وجنتها وقالت باسمة بمكر :

– بدل ما تروح تولع فى نفسك روح أعملك كوباية شاى بالأعشاب اللى بتحبه يمكن يهديك شوية يا حبيبى ويبقى عندك طاقة تستحمل اللى هيجرالك من حياء لما ترجع الأوضة ، وعلشان تعرف تنام تلاقيك يا حرام مبتعرفش تنام طول الليل ، هتلاقى الأعشاب فى درج من أدراج المطبخ الصغير اللى فى الدور هنا جبت معايا من المحل النهاردة علشانك هتلاقيها فى كيس لونه أبيض وفى كيس تانى لونه أزرق ملكش دعوة بيه علشان دى أعشاب معمول بيها وصفة لواحدة زبونة كانت طلبتها منى 


– مش عايز أشرب شاى بالأعشاب كفاية اللى شربته منك واللى هشربه منها هى كمان دى عيشة تقصر العمر 


أنهى عبارته الغاضبة وصفح الباب خلفه وذهب رأساً لتلك الغرفة التى يقتسمها مع زوجته 

ولج الغرفة والغضب بأثره متمثلاً فى إغلاقه الباب خلفه بحدة ، جعلت حياء تنتبه على دخوله العاصف ، إلا أنها لم تعقب على أفعاله ، بل أهدته نظرة عابرة غير مكترثة وعادت لما كانت عليه من تركيز بصرها على شاشة الحاسوب ، أنتظر بين الفينة والأخرى أن تسأله عن أسباب تصرفه العصبى ، إلا أن إنتظاره قد طال ، فخلع عنه قميصه وأطاح به من يده مستقراً على مقعد قريباً منها 


نظرت حياء للقميص ومن ثم رمقته ببرود قائلة بنبرة فاترة :

– مش عوايدك يعنى تقلع هدومك وترميها فى أى مكان 


فضل الصمت عوضاً عن أن يثار بينهما شجار هو فى غنى عنه ، فتلك اللمحة القصيرة من هدوءها ودعمها له التى أعقبت حادث عمران ، لم يعد لها وجود بعدما علمت بأن الخطر قد زال عنه وأطمئن الجميع على أحواله الصحية  ، فحاول ضبط أعصابه بممارسة رياضة الضغط ، وظلت  حياء توزع نظراتها بين زوجها وحاسوبها ، إلا أنها أختلست النظر إليه بعدما رأته يستقيم بوقفته ومن ثم جلس على حافة الفراش وتمدد بنصفه الأعلى وقدميه مازالتا مستقرتان على الأرض 


ولكن لم تدوم حالته طويلاً ، إذ هب واقفاً ولم يتروى بتفكيره قبل أن يحسم قراره بالخروج إلى الشرفة ، فما أن سمع صوت الجيتار الخاص بأدم ، إستقام بوقفته تاركاً الفراش ، بعدما نظر لزوجته الجالسة على الأريكة المقابلة لفراشهما الوثير ومنكفأة على حاسوبها الشخصى تنهى بعد أعمالها العالقة ، ولكن ما أن رآته يفتح باب الشرفة الزجاجى ، حتى زفرت بضيق وهزت رأسها بيأس من ردود أفعاله العصبية والتى زادت بالأونة الأخيرة خلافاً لبروده المعتاد والذى لم يكن أحد يخرجه عن طوره بسهولة 


ما أن إستطاع رؤية أدم جالساً بشرفة غرفته محتضناً جيتاره ويبدو متحمساً وهو يعزف الموسيقى ، حتى علا صوته صائحاً :

– أنت يا إبنى أنت مش عارفين ننام ، هو ده وقت تخرج فيه البلكونة وتعزف على الجيتار ورانا شغل الصبح خلى عندك دم شوية 


وضع أدم الجيتار من يده تاركاً مقعده ، وما لبث أن أنحنى بجزعه العلوى وأستند بمرفقيه على سور شرفته ورغم أن المسافة بين الشرفتين شاسعاً ، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يبتسم قائلاً ببرود :


– مكنتش عارف أن الصوت واصل لحد عندك كده ، بس كنت مضايق شوية وحبيت أعزف على الجيتار بس لو صوتى ضايقك حط سماعات فى ودنك وأنت مش هتسمعنى 


أطاح بصوابه من رده اللامبالى ، فخرج راسل من الشرفة وهو فى نيته الذهاب إليه بغرفته ، ولكن وجد حياء تعترض طريقه ووضعت إحدى يديها على صدره مانعة تقدمه خطوة أخرى وقالت بنفاذ صبر :


– أستنى أنت رايح فين ، رايح تتخانق مع أدم صح ؟


أراد إزاحتها من أمامه ليكمل طريقه إلا أنها أبت أن تتزحزح من أمامه قيد أنملة ، فقالت مستطردة :

– أظن عيب أنك تروح تتخانق معاه علشان قاعد براحته فى أوضته ، لو أنت مضايق متروحش تطلع عصبيتك على حد ملوش ذنب ، وكفاية أن الكل أخد باله أنك مش طايقه فى البيت زى ما يكون جه وأخد ورثك


لم يفه بكلمة ، بل تركها تكمل حديثها حتى النهاية ، وربما كانت فرصة جيدة لأن يصرف عنه غضبه ، إذ لم يكن يضمن رد فعله إذا نجح فى الوصول لغرفة أدم وتشاجر معه ، وفكر أن الأنسب له أن يذهب للمطبخ ليعد له كوباً من الشاى ، الذى أوصته وفاء بتناوله 


فقال بهدوء وهو يقبض على يدها التى وضعتها حائل بينهما :

– أنا هروح المطبخ أعمل كوباية شاى بالأعشاب


هزت رأسها وإبتعدت عن طريقه ، إلا أنها تحفزت لأى رد فعل مخالف لما أخبرها به ، ولكنها وجدته يذهب حقاً لذلك المطبخ الصغير الموجود بأخر الردهة بالطابق الثاني ، وتم إعداد ذلك المطبخ من أجل إذا رغب أحد منهم فى تناول المشروبات أو تناول الأطعمة الخفيفة فى المساء دون الحاجة للذهاب إلى المطبخ الكبير الموجود بالطابق الأرضى 


فتش عن الأعشاب ولكن أعصابه الثائرة وغيظه منعاه من أن يمنع النظر بها جيداً ، فعوضاً عن أخذه الأعشاب الموجودة فى الكيس البلاستيكى الأبيض ، أخذ من الأعشاب الموجودة فى الكيس الآخر باللون الأزرق ، إذ لم يدور بعقله سوى أنه يريد الذهاب لغرفة أدم ويحطم وجهه 


وضع كوبان على الصينية ووضع الشاى وبعد أن مزجه بالأعشاب حمله إلى الغرفة ، رفع أحد الأكواب ووضعه على المنضدة أمامها مغمغماً :

– أنا عملتلك كوباية معايا هيعجبك أوى 


– شكراً

هتفت بها حياء وهى ترفع الكوب لتبدأ فى إحتساءه ، تعجبت بالبداية من مذاقه الذى لم تعتاده ، فهى تعلم مذاق الشاى بالأعشاب الذى كانت تعده وفاء دائماً ، إلا أنها لم تجد طعمه كريهاً أو منفراً ، رفعت رأسها ونظرت إليه وتساءلت بعفوية :


– هو الشاى طعمه غريب شوية ليه كده ، هى دى أعشاب جديدة 


أحتسى راسل من كوبه ورد قائلاً بتفكير :

– شكلها كده لأن أول مرة أشرب الشاى بالطعم الجديد ده ، جايز ماما حاطة معاهم حاجة جديدة بس طعمه مش وحش 


هزت رأسها موافقة على كلامه ، وعادت تحتسى الباقى من كوبها وهى تعمل على إنهاء عملها ، بينما جلس هو على الفراش يتصفح هاتفه ، ولكن مرت عدة دقائق وشعر أن حرارته أرتفعت فجأة ، وكأن أحدهم ألقاه بوسط نيران مستعرة بدأت تلتهمه ببطئ مميت ، فأنتفض من على فراشه بعدما تزاحمت برأسه تلك الأفكار التى حامت حول حياء كزوجة إشتاق إليها ويريدها بأى ثمن حتى لو كان سيأخذها عنوة ودون رضاها ، فهو يريدها أن تطفئ تلك النيران من الشوق التى إستعرت بداخله دون سابق إنذار ، فظل يصفع وجهه كمن أصيب بالثمالة ويريد إستعادة وعيه ولم يجد سوى الصفع حلاً ولكنه لم يجدى نفعاً ، تعرق وجهه بالكامل كمن يقف بمواجهة الشمس مباشرة دون ساتر له من حرارتها الحارقة 


فغمغم بهمس وأنفاسه المتلاحقة تتضافر مع نبضات قلبه القافزة بداخل صدره :

– إيه اللى بيحصل ده ،  أنا اتجننت ولا إيه وايه اللى بفكر فيه ده 


أعتصر جفنيه لعله يغلق عقله أمام تلك الأفكار التى عادت لتعيث الاضطراب بعقله وقلبه ، فلم يعد يحكم سيطرته على قدميه اللتان ساقته إلى حيث تجلس زوجته ، ولكن ما أن رآت حياء ظله العملاق يقترب منها ، أنتفضت من مجلسها وهى تلهث وأنفاسها تزداد إضطراباً ، فحالها لا يفرق كثيراً عن حاله 


قالت بسرعة وهى تتجه للفراش تستلقى عليه وتسحب أغطيته حتى رأسها لكى تخفى رؤيته عن عينيها :

– تصبح على خير 


عن أى خير تتحدث وكلاهما يشعران بجحيم من الشوق أنفتح بوجهيهما مطالباً كل منهما أن يستميل إليه الطرف الآخر لكى يخمد ثورته التى لن تكف عن فورانها بداخل عروقهما ، أستلقى على الطرف الآخر ووضع الوسادة على وجهه لعله يستطع منع نفسه من التفكير فى الإقتراب منها ، ولكن حركتها المفرطة كمن لا تشعر بالراحة فى نومها ، جعلت من المستحيل عليه أن يخضع عقله لأوامره ، فأزاح الوسادة عن رأسه وأقترب منها قليلاً وجذب طرف الغطاء عن وجهها 


شخصت ببصرها إليه كمن ترى شبحاً أو وحشاً على وشك إفتراسها ، فأزدردت لعابها وتساءلت:

– فـ فى إيه وعايز إيه ؟


إبتسم راسل قائلاً بتوتر :

– مش عايز حاجة أنا بس كنت هسألك عمالة تتحركى كتير ليه كده ومش عارفة تنامى


وضعت يدها على جبهتها لعلها تدمغ حجتها الواهية بدليل :

– لاء دا أنا بس مصدعة شوية ولما بصدع مبعرفش أنام ، شوية وهكون كويسة متشغلش بالك


تمنت لو أن يعود لمكانه ويغفو بنومه ، عوضاً عن تحديقها الأبلة والحالم بوجهه ونفسها تغريها على معانقته حتى ترتوى روحها الظمأنة لقربه والذى لم تعلم مدى شعورها بالإشتياق إليه إلا بتلك اللحظة ، فما عادت تتذكر برودها أو إفتخارها بأنها سترده دائماً صفر اليدين من أمام أبواب وصال الهوى ، بل أرادته أن يضرب بكلامها عرض الحائط 


أدنى برأسه منها قائلاً بإهتمام :

– ألف سلامة عليكى يا حبيبتى ، أجبلك قرص مسكن للصداع 


أزدردت لعابها للمرة التى لا تعلم عددها وردت قائلة وعيناها تحدق بعمق فى سوداويتيه :

– لاء ملوش لزوم شوية وهبقى كويسة ، بس طفى النور علشان ننام 


مد ذراعه ليغلق الإضاءة الجانبية للفراش من جهتها أولاً ، فغاصت برأسها فى الوسادة لعلها تخلق مسافة أمنة دون أن يتلامسا ، ولكنه كان قريباً بالشكل الكافى الذى مكنها من إستنشاق رائحة عطره السخية التى فاحت من ثيابه ، ولكن ما أن أتم مهمته بغلق إحدى الأنوار ، وأثناء سحبه لذراعه تلكأ بفعل ذلك متعمداً ، يزيد من حيرتهما سوياً ، فعوضاً عن أن يعود لمكانه ويغلق الاضاءة من جانبه ، ظل يتفرس فى وجهها على ضوء الإنارة التى تم خفضها ، وعقله يدور بكل اتجاه عن احتمالية قبولها أو رفضها لأقترابه منها ، بذلت جهداً لكى تفتح عينيها ثانية ورأت وجهه قريباً منها ، وكأن مضت لحظة أبدية ، وما أن أدنى بوجهه منها أكثر ، لم تقاوم هدير صوته المغناطيسى فى أعماق رأسها ، وكأنها أنحدرت إلى نوع من الغيبوبة منتظرة ما سيحدث ، ودون مقدمات لن تفيده ، أنحنى إليها يعانقها بحذر ، منتظراً قتالها المستميت عن نفسها ، ولكنه لم يجد شئ من هذا القبيل ، بل وجدها تبادله العناق بجنون لا يقل عن جنونه الذى أطلق له العنان ما أن رآى بوادر موافقتها عما يحدث بينهما ، أحست بنفسها تعود إلى الأرض بعدما كانت تحلق في السماء ، عندما بدأ راسل يرخى ذراعيه من حولها ، ويتركها إلى إحساس مفاجئ من الفراغ 


إبتعد عنها لكى يترك لها مساحة كافية لإلتقاط أنفاسها ، وتصارعت أفكاره فى عودته إليها ، يخشى أن تكون تلك لحظة أدركها فيها الضعف الناتج عن شوقها ، وما أن تثب لرشدها ستتهمه بإستغلالها ، وربما لن تكف عن تأنيبه 


أبتلعت حياء لعابها وقالت بإرتباك :

– مالك فى إيه 


حاولت جمع شتات نفسها ومررت يدها على شعرها بشعور يفتقر إلى الثبات ، إذ لم يكن سهلاً أن تعود لحالتها الطبيعية بعد ذلك العناق الذى خاضته معه بقلب مشتاق لعودته إليها ، ورغم تحفظها الظاهرى معه بل وصدها الدائم له ، إلا أن سحر اللحظة لا يزال يتدفق فى عروقها كالزئبق


حدق فى وجهها يتأمل ملامحها الجميلة ، وراحت يده تتحسس كل إنش به وتدور حوله ، مر بخديها ، وتوقف لحظة قرب ثغرها ، ثم تحركت أصابعه إلى الخط النحيل لوجنتيها ، حتى وصل لجانب عنقها حيث لف أصابعه الفولاذية فجأة حوله برقة وقال بصوت هامس :

– أنتى دلوقتى خايفة منى ولا خايفة من نفسك يا حياء ، بتبصيلى كأن وحش هيفترسك


فقالت حياء وهى تلهث :

– علشان أنت واحد قاسى لدرجة أنك ممكن تخلينى أكرهك بسبب عمايلك 


حدقت فى عينيه اللتين راح ترمقها بصمت ، بينما قلبها ظل يدق كالمطرقة بداخل صدرها ، تخشى أن يفطن لمدى شعورها المفاجئ تجاهه الآن ، من أنها تتفوه بأى حديث ، لكى توهمه بأنها مازالت محافظة على كبرياءها ، الذى تخشى أن يُهدر تحت وطأة تلك المشاعر والعواطف التى عادت تتأجج فى قلبها من جديد 


أنزلقت يده عن عنقها ولف اطراف شعرها القصير على أنامله متسائلاً بترقب :

– يعنى أنتى لسه مكرهتنيش يا حياء ؟


أحست حياء بقلبها يثب بين جوانحها ، ولم تستطع أن تجيبه على سؤاله ، وعاد يقول بصوت أكتر دفئاً :

– مردتيش على سؤالى ليه 


قالت حياء بعدما إبتلعت تلك الغصة التى منعت عليها الكلام :

– عايزنى أرد عليك أقولك إيه يا راسل ، عايز تسمع منى إيه بالظبط 


صمتت وكأنها لن تجد كلمات ترد بها وتجعله يكف عن تلك الحيرة التى رأتها بوضوح فى عينيه وحركة فكه المرتجف ، كمن ينتظر إذناً لبدء معركة مصيرية ، ولكنها أجفلت ما أن لمس أجفانها كأنها يخشى تجمع الدموع فى عينيها ومن ثم تعود وتبكى 


ولكن كأن سرت صدمة كهربائية فى أوصالها ولم تستطع أن تكبت همسة خافتة قادمة من أعماق قلبها :

– ياريتى أعرف أكرهك يا راسل يمكن ساعتها أرتاح وأبطل أتعذب كل ما أشوفك قدامى 


فتأوه راسل قائلاً بشوق مستعر :

– وحشتينى أوى يا حياء ، أنا ليلى بقى زى نهارى ، وأيامى بقت جحيم ، متتخيليش العذاب اللى ببقى فيه وأنتى جمبى ومش قادر أقرب منك ، عايز أرجع أحس بيكى قريبة منى ، وعايز قلبى يرجع ينبض بالحياة تانى ، مش عايز أفضل مجرد شبح لواحد هيفضل عايش حياته كلها فى الوجع والألم اللى اتفرضوا عليه حتى من قبل ما ييجى للدنيا دى ، كأن هفضل عايش فى مقبرة الماضى والذكريات 


جذبته إليها ولفت ذراعيها حول عنقه وقالت وهى ترتعد :

– خلاص كفاية يا راسل كفاية 


لأول مرة منذ عودته يشعر بهذا الهدوء ، ولا يعلم هل ناتج عن صدق مشاعرهما أم أن تلك العواطف التى غمرتهما فجأة ولا يعلمان سر ظهورها خاصة بهذا الوقت ، ستكون طارئة وما أن يزول مفعول سحرها سيعودان لما كانا عليه قبل تلك الليلة ، ولكنه لم يشأ أن يفكر كثيراً ، فمن الأفضل له إغتنام تلك الفرصة ، التى ربما لن يحالفه الحظ بأن يقتنصها مرة أخرى 


طوقها بذراعيه، وغمرت أنفاسه وجهها وهو يقول بصوت متهدج :

– أنتى روح راسل اللى إشتقت ترجع تسكن قلبى وبين ضلوعى 


تحركت حياء بين ذراعيه كهمسة الحرير ، ورفعت وجهها له تعرض عينيها وشفتيها ووعد الشوق ، الذى سيطمئنه من أن قلبها مازال ينبض بعشقه ، فرفت أهدابها وتغشى عينيها بريق من الخضوع المحبب لنفوس العاشقين ، وأجابته بأنفاس كادت تذوب وتتلاشى ، ما أن شعرت بدفء أشواقه:


– أنت متتخيلش وحشتنى قد إيه يا حبيبي ، راسل أنا إشتقتلك أوى ، خليك معايا ومتفكرش تسيبنى أو تبعد عنى تانى


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة