-->

رواية جديدة في غيابت الجب لنعمة حسن - الفصل 3

 

 قراءة رواية في غيابت الجب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية في غيابت الجب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة نعمة حسن


 الفصل الثالث

~ أنا المُغرم.. أنا الخائن _ ~



نزل جمال إلى المطعم نشيطًا، لقد نال أكبر قسط من الراحة بعد أن نام قرير العين منذ رآها ليلة أمس.


بدأ عمله فورًا وشرع في توصيل الطلبات كلٌ إلى طاولته.


كان يعمل وهو يدندن بألحان ناعمة وكلمات حالمة للغاية؛ مما جعل زملائه يتعجبون إستقرار مزاجه اليوم على غير العادة.


وأثناء عمله رآها تدلف إلى المطعم فأسرع يحضر لها قهوتها وأخذها إليها بعد مرور دقيقتين فقط من وقت نزولها.


دنا منها مصوبًا عيناه تجاهها ينتظر أن تحين منها إلتفاتةً نحوه.. وها قد منحتهُ أصفى إبتسامةً من الممكن له أن يحصل عليها.


أسند قدح القهوة أمامها وهو لازال ينظر إلى عينيها الباسمتين، تبعثره نظراتها، وعمق عينيها الذي أخذ منه كل مأخذٍ..


_ إنت لحقـت تعملها؟!


تساءلت بتعجب وهي تبتسم فقال:

_ قولت ألحق أعملهالك قبل ما حد غيري يجبهالك..


لم يشعر بتلك القلوب التي تتناثر من عيناه وهو يحادثها، لم يكن يعلم أنه يبدو كالمراهق الذي يصطنع الذرائع كي يرى محبوبته سرًا.


_ متشكرة يا جمال.

قالتها بإبتسامة أصابته بعدوى الإبتسام كذلك وقرر حينها أن ينسحب من أمامها سريعًا لأنه لو بقى فمن الممكن أن يعترف لها بعشقه المجنون ويفسد كل شيء.


❈-❈-❈


إستيقظت والدة دليلة من النوم وهي تنادي بإسمها كعادة كل يوم.


_ دليلة، يلا يا بنتي إتأخرتي.


وقفت أمام باب غرفتها وظلت تطرق الباب ولكنها لم تسمع صوت دليلة تجيبها ككل مرة؛ فعادت تناديها مرة أخرى وتقول:

_ دليلة، إنتي لسه نايمة؟


وأدارت مقبض الباب، ثم تقدمت نحو الفراش وتحسسته بيدها فلم تجد دليلة، خرجت من الغرفة وهي تستند بكفها على جدران البيت كي تعرف طريقها وذهبت حيث دورة المياة وطرقت بابها وهي تنادي عليها ولكنها كذلك لم تجب!


جلست فوق مقعدها وهي تحاول التماسك، ولكن إنقباض قلبها أخبرها بأن الأمر ليس طبيعيًا…


_ كده يا دليلة كل يوم تفجعيني الفجعة دي!. والله لما ترجعي ليكون حسابك عسير المرادي..


جلست تنتظر إلى أن مرت ساعة، ساعتين، ثلاث.. ولم تعد دليلة!


أنذرها قلبها بأنه هناك شيئًا قد حدث!


ذهبت إلى غرفة دليلة وهي تستند على الجدران، دخلت وفتحت خزانتها، تلمست موضع ملابسها بيديها وأغراضها الخاصة التي كانت تضعها على طاولة صغيرة بجانب الخزانة.


_ الهدوم فين؟! دليلـــــة…..


إنفلتت صرختها بإسم دليلة وهي تتهاوى أرضًا وظلت تبكي وتذرف الدمعات وعقلها لا يتوقف عن نسج العديد من الخيالات وتخيل الكثير من السيناريوهات المظلمة!


_ روحتي فين يا دليلة؟ سيبتيني وروحتي فين يا بنتي؟ سيبتيني ليه ولمين ياا دليلــــة!!!


تجمع الجيران على صوت صراخها المتكرر الهيستيري..


تكدس الجميع ببيتها يواسونها، البعض يطمأنها ويخبرها بأنها ستعود، والبعض الآخر يحاول إقناعها بأنها حتمًا لم تهرب وربما ترجع في التو، ولكنها لم تقتنع بأيًا من حديثهما. لقد كانت على يقين تام بأنها لن تعود.. أبدًا.


إنقضى الليل كله وهي تجلس بمكانها، لم تتحرك أبدًا ولم يتوقف لسانها عن الدعاء ومناجاة ربها كي يحفظ لها إبنتها ويقر فؤادها برجوعها..


بقت بجوارها جارتها " أم بكر " التي كانت تحاول تهدأتها وتقول:

_ هترجع والله يا أم بلال.. هي يعني ليها مكان غير هنا تروحه؟ هي بس تلاقيها متضايقة من حاجه ودلوقتي راحت عند أي واحدة من صحباتها اللي معاها في المصنع وشوية وتيجي…


أجابتها الأخرى وهي تسند كفها أسفل صدغها وتبكي بمرارةٍ:

_ دليلة ملهاش صحاب، دليلة كانت كل يوم بتتخانق مع البنات اللي في المصنع… دليلة مش هترجع يا أم بكر، خلاص بنتي راحت مني.. بنتي راحت مني ومش هشوفها تاني..


_ يا ستي وحدي الله بس، إهدي والله هترجع، هي ليها مين غيرك بس؟


_ آاااه، ليه يا دليلة ؟ بتعملي فيا كده ليه يا بنتي؟ ده إنتي كنتي سندي وعكازي اللي بتعكز عليه.. كنتي عنيا اللي بشوف بيها، تعملي فيا ليه كده؟ طب وأخوها! أخوها اللي صابح جاي؟ أقولله إيه يا أم بكر؟ أقولله إيه لما يسألني عن أخته؟ ليه يا دليلة تبهدلينا البهدلة دي؟ ليه يا بنتي قصرنا معاكي في إيه؟ ليييييه!!!!


صرخت بالأخرى وهي تنهار تمامًا فأسرعت الأخرى تهدأ من روعها وهي تقول: 

_ إستهدي بالله بس يا خالة ومتعمليش في نفسك كده، هترجع والله متقلقيش.. يلا قومي معايا.. قومي إرتاحي شويه إنتي من بدري وإنتي قاعدة القعدة دي.. قومي كده إتوضي و صلي ركعتين وإدعيلها.. صدقيني هي محتاجة دعاكي دلوقتي أوي..


❈-❈-❈


في اليوم التالي..


كانت لا تزال باقيةً بمكانها.. لم تشعر بساعات الليل الطويلة وهي تمر مثقلةً وتدعس فوق آلامها أكثر وأكثر.


نهضت من مقعدها وذهبت لتتوضأ ولكنها تيبست بمكانها فور أن إستمعت إلى تلك الدقات فوق الباب!!


_ بلال!


همس بها قلبها قبل أن تنطق شفتيها، تقدمت من الباب وهي تتحسس الطريق نحوه بيدها كعادتها.. فتحت الباب ولأول مرة تنقم على حالها! لأول مرة يتزعزع إيمانها ويهتز ثباتها. لأول مرة يصيبها القنوط من ذلك العمى الذي حال بينها وبين رؤية ولدها الذي غاب عنها لسنوات!


ألقى بلال بحقائبه أرضًا وإحتضنها بقوة مغمضًا عينيه بإشتياق، قبّل رأسها ويديها وأغدقها بالكثير من القبل المشتاقة.. 


أما هي، عانقته وهي تبكي، لم يتوقف نحيبها ولم تهدأ مهما حاول تهدئتها.. لقد خارت قواها تمامًا ولم تقوَ على المثابرة أكثر!


_ وحشتيني يا أمي، وحشتيني وحشتيني وحشتيني…. إزيك يا أمي وإزي حالك؟


_ حالي؟ حالي من غيرك ضايع يا بلال.. سيبتني ليه يا بلال وسافرت! سيبتنا ومشيت ليه؟ يا ريتك يابني ما مشيت! يا ريتك ما سافرت!


إنحنى يقبل كفيها بحنان وفير وقال:

_ أنا آسف ياما، مانتي عارفة إبنك بقا لما بيصمم يعمل حاجة لازم يعملها.. وبعدين أنا الحمدلله قدرت أجمع قرشين حلوين من السفرية دي يعني متغربتش في الفاضي.. إلا فين صحيح البت دليلة؟


ونهض متجهًا نحو غرفتها وهو لازال ينادي بإسمها ويقول:

_ دليلة، بلال رجع يا بت.. مش هتيجي تسلمي عليا ولا إيه؟


_ دليلة مشت يا بلال!


ألقتها والدته ببصوتٍ مختنق وإنخرطت في بكاءٍ مرير.


_ مشت؟ مشت على فين؟ هي مش عارفه إني جاي النهارده؟ إوعي تكوني سيباها تنزل المصنع ياما!!


لم يتوقف بكاؤها، تكالبت عليها الهموم وتكاثرت فلم يسعها الكتمان الآن!


_ يبقا سيبتيها تنزل المصنع ياما..


قالها بلال بعصبية هوجاء وهو يضرب كفٍ بآخر، ثم جلس بجوار والدته على مقعد مجاور وهو يتحدث بغضب ويقول:

_ ١٠٠ مرة ياما أقوللك دليلة متشتغلش في مكان مختلط! متشتغلش أصلًا!! دي بنت ياماا وفيها الطمع هو ليه محدش فاهم كلامي! أنا عارف إن الفلوس اللي كنت ببعتها مكانتش بتكفي بس مش معنى كده إنها توافق بأي شغلانة والسلام.. 


وتابع متوعدًا إياها:

_ ماشي يا دليلة، وحق الله لما ترجعي لازم أكسر لك نافوخك اليابس ده!


إبتلعت والدته غصةً وقالت بصوت متلبد:

_ مش هترجع يا بلال! دليلة مش هترجع.


نظر إليها متعجبًا وقال بإستفهام: مش هترجع إزاي؟ يعني إيه ياما مش هترجع؟


_ دليلة طفشت يا بلال! لمت هدومها وسابت البيت وهربت! دليلة إستعمتني وإستغلت غيابك ومشت! معرفش ليه عملت كده؟ والله ما طلبت مني حاجه وقصرت! .. كانت كويسه، مكانش بيها حاجه.. معرفش ليه عملت كده.. ليه تكسرني وتعمل فيا كده!


إختل توازنه، إرتجفت أوصاله، إنكفأ لونه وأحس بالدماء تتدفق في عروقه، وأخذ يحملق بها بصدمة وهو يحاول جاهدًا أن يعي كلماتها فتسائل بهدوء:

_ طفشت؟!! يعني إيه ياما؟ يعني إيه هربت! و ليه تهرب! 


وتحول هدوئه المقيت إلى ثورةٍ عارمة وهو يصرخ بها قائلًا:

_ عملتي فيها إيه ياما يخليها تسيب البيت وتهرب؟ إيه اللي جرى معاها يخليها تلم هدومها وتمشي؟


أجابت وهي ترتجف وتبكي بأنينٍ مُلتاع:

_ والله يابني ما جرى حاجه، هي كانت كويسة وزي الفل، بتروح الشغل وتيجي من الشغل مفيهاش حاجة، جت آخر كم يوم تشتكي إن في شوية مشاكل في المصنع مع البنات اللي هناك قولتلها بطلي تروحي.. لكن هي مسمعتش كلامي وكانت مصممه تخرج.. 


_ و إيه السبب ورا كل ده أنا عاوز أفهم.. أكيد في سبب.. أكيد في حاجه كبيره خلتها تمشي من البيت! ومشت راحت فين؟ قعدت عند مين؟ مين اللي غاواها وضحك عليها خلاها تسيب البيت وتهرب معاه ياما!!!!!


وقعت تلك الكلمات على والدته كوقع الموت! إنتفض جسدها كاملًا باستنكار وقالت:

_ إخرررس!! إسكت خالص متتكلمش عن أختك بالطريقه دي.. بنتي بنت حلال!! بنتي بنت حلال.. بنتي لا يمكن تعمل كده!!


أجابها وهو لا يزال مكفهر الوجه، ترتسم على وجهه علامات الغضب المهلك:

_ لما هي بنت حلال ومش ممكن تعمل كده هربت ليه؟ في واحده هتسيب بيتها وتمشي إلا لما تكون عاملة عملة ولا مصيبة؟ في واحدة مؤدبة محترمة عاقلة هتسيب البيت وتمشي كده عشان طقت في دماغها؟ ولا عشان حد محرضها والله أعلم بينها وبينه إيه! ومش بعيد تكون………


بتر كلماتهُ ونظر صوب والدته بتحقق وهو يقول:

_ فلوسي فين ياما؟ فلوسي اللي كنت ببعتها أشيلها معاكي فين؟!


_ الفلوس بتاعتك في الحفظ والصون متشالين في دولابي بحطة إيدياا..


توجه على الفور ناحية غرفتها، فتح الخزانة وبدأ بتفتيشها ولكنه لم يجد النقود كما توقع!!


غَضِب غضبًا جنونيًا وخرج من الغرفة وهو يقول:

_ بنتك سرقتنا ياما! خدت الفلوس وهربت!! بنتك إنضحك عليها زي ما قولتلك.. واللي هربت معاه هو اللي خلاها تسرق الفلوس وتروحله.. بنتك فلتت منك يااماا!!!


أجابتهُ وهي لازالت تبكي بمرارةٍ:

_ حرام عليك يابني متقولش كده، أختك غلبانة وملهاش في الكلام ده، دي كانت من البيت للشغل ومن الشغل للبيت، هتعرف واحد إمتا بس ولا فين!


أجابها بحنقٍ فائض:

_ وإنتي إشعرفك ياما؟ إنتي يعني كنتي بتشوفيها؟!


أطرقت رأسها أرضًا وقالت بحزن:

_ معاك حق، أنا فعلا مكنتش بشوفها، لو كنت بشوف مكانتش تستعماني وتسرق فلوسك وتمشي، حقك عليا يابني.


شعر بلال بالخزي من نفسه؛ لقد كان وقحًا أكثر مما ينبغي، سار نحو أمه وانحني بجزعه مقبلًا رأسها وقال:

_ أنا آسف يا أمي، مكنتش أقصد كده.


_ متتأسفش يابني، إنت معاك حق، أنا أينعم مكنتش بشوفها بس أنا عارفه بنتي بنت حلال وبتخاف ربنا، أختك مش زي بنات الايام دي يا بلال.


تنهد بلال بضيق ويأس، ثم جلس جوارها وإحتقنت عيناه بالدموع وقال:

_ الوِحِش بيهد عالحلو ياما، تقدري تقوليلي إيه اللي يخليها تاخد الفلوس وتمشي من البيت إلا إذا كانت عاملة نصيبة!! الزمن بقا وحش وصوابع الإيد بتخون.


أومأت أمه وتقاطرت دمعاتها من عينيها اللتان ذهب نورهما وأقرت بصدق حديثه حيث قالت:

_ معاك حق، بس ليه دليلة تعمل كده؟ قصرنا معاها في إيه؟ ده أنا إترملت عليكوا من صغري ومقبلتش أدخل واحد غريب عليكوا البيت وقولت بكره يكبروا ويعوضوني، إنت أول ما شب عودك سبتنا وسافرت، وهي.. هي اللي كنت بتعكز عليها وبشوف بعنيها تعمل فيا كده؟ تستعماني وتستغفلني؟! يا خسارة تربيتي فيكي يا بنت قلبي، يا خسارة شقايا عليكي.


ربت بلال فوق كتفها وشعور بالندم والخزي يعتريه وقال:

_ معلش ياما، أنا مش هكل ولا همل وهفضل أدور عليها لحد ما ألاقيها، لازم ألاقيها، لازم!


❈-❈-❈


في المساء..


كان جمال يقف بشرفته كالعادة ينتظر رجوعها من ذلك النادي الذي دائمًا ما تقضي به معظم أوقاتها برفقة صديقاتها أحيانًا وأحيانًا أخرى مع والدها.


تعاظمت دقات قلبه وهو يراها تصف سيارتها أمام المنزل وتترجل منها بأناقةٍ وتخطو للداخل؛ فخرج من شقتهُ على الفور وبمجرد ما إن سمع صوت طرقات حذائها الرقيق حتى إنتفض داخله وتبعثر..


إبتسمت دليلة فور رؤيتها له وقالت بصوتٍ ناعم للغاية:

_ مساء الخير يا جمال.


نظر إليها مبتسمًا بحالمية وقال:

_ مساء الخير يا ست البنات!


راقها ذلك اللقب كثيرًا؛ فابتسمت متوردة الوجنتين وقالت:

_ عامل إيه في الشغل؟ وأخبار الشقة إيه؟ مرتاح هنا؟


أجابها ولم يزحزح عينيه عنها وقال بصوتٍ مرتجف:

_ مرتاح؟ إلا مرتاح.. يكفي إني بشوفك كل يوم!


لم تكن من اللواتي يطربهن المدح أو الثناء؛ فلقد إعتادت أذنيها على سماع مثل تلك العبارات كثيرًا حتى باتت مألوفة بالنسبة لها وفقدت تأثيرها. ولكن نبرتهُ تلك كانت مميزة للغاية! شيئًا ما أخبرها بأنه لم يقصد مغازلتها فحسب.. هناك أكثر من ذلك!


تنحنح وهو يخبرها ويقول:

_ معلش لو وقفتك ..


وأخرج من جيب قميص بيچامته مغلفًا وأعطاه لها وهو يقول بتردد:

_ إتفضلي.


مدت يدها والتقطت منه المغلف وقالت:

_ إيه ده؟ دي شيكولاته! ميرسي خالص يا جمال..


_ يا رب ذوقي يعجبك.. عن إذنك..


تركها ودخل فدخلت شقتها بدورها ومنها إلى غرفتها على الفور، جلست على طرف فراشها ونزعت الغلاف لتتفاجأ بمطويةٍ صغيرة باللون الأبيض وقد دوّن فوقها " أنا العاشق.. أنا الولهان، وهل على المُغرم التايـه يا ربي مَلام ! "


قرأت كلماته مرارًا وتكرارًا وقلبها ينبض بقوة، كانت تختبر الآن شعورًا جديدًا بالمرة! أراحت ظهرها على فراشها وهي ممسكةًب الورقة بيد وباليد الأخرى تمسك تلك الشيكولاته التي أهداها إياها وتأكل منها وعلى وجهها إبتسامةً بلهاء!


❈-❈-❈


مر شهرين..


كانت دليلة قد بلغت شهرها السابع؛ إنتفخ بطنها أكثر وأصبحت تتحرك بصعوبة، كما أصبحت تذهب إلى عملها رغمًا عنها. لولا حاجتها إلى المال لما ذهبت.


نهضت وإرتدت ملابسها، ثم خرجت من غرفتها وذهبت إلى المنزل الذي تعمل به وبدأت بمباشرة عملها.


في البداية أعدت القهوة الخاصة بـ سالم بيه صاحب المنزل، ثم إصطحبتها إلى مكتبه.


_ أنا مش قولتلك بطلي تيجي لحد ما تولدي يا دليلة؟ ولو على الفلوس يا ستي فانا هبعتلك حسابك كل شهر كأنك بتيجي بالظبط، المهم ترتاحي.


أسندت دليلة القهوة فوق مكتبه وقالت وهي تحاول استجماع كامل قوتها كي تجيبه:

_ ربنا يباركلك يا سليمان بيه، الحقيقه لا حضرتك ولا الهانم مقصرين معايا خالص، هي كمان ربنا يكرمها بتساعدني كتير، بس أنا مش حابة أقعد في البيت لوحدي، بقول أشتغل و أشغل وقتي أحسن وأهو كله بيعدي.


نظر إليها متساءلًا:

_ أومال فين جوزك؟ مش قولتي بيسافر شهر وينزل أجازة عشر أيام؟


_ ها؟ أه.. أيوة صح.. بس الشهر ده عنده ضغط شغل عشان كده مش هيعرف ينزل أجازة.


أومأ موافقًا وقال:

_ طيب خلي رقم سوزان معاكي عشان لو حسيتي إنك هتولدي في أي وقت تكلميها، لازم يكون حد معاكي طالما جوزك مش موجود.


ترقرق الدمع بعينيها وقالت بنشيجٍ مكتوم:

_ ربنا يوقفلك ولاد الحلال يا سليمان بيه.


_ طب يلا روّحي، مش لازم تنضفي النهارده، أم سعد هتنضف مكانك، ومتجيش بكرة، إرتاحي.


أومأت بموافقة وغادرت المكتب، ثم إستأذنت من سيدة المنزل وغادرت.


عادت إلى بيتها تجر قدميها جرًا كالمكبلة بالأغلال، وما إن رأت الفراش حتى إرتمت فوقه بتعب وإنفلتت منها صرخة متعبة.


أغمضت عينيها للحظات تذكرت خلالها كل ما مضى.


بداية تعارفهما، وكيف كان يتبعها كظلها، يغدقها بكلامه المعسول ويطرب أذنيها بكلمات الغزل، يضاحكها ويمازحها ويلاطفها أحيانًا، كيف كان يقسم لها مرارًا وتكرارًا أنه لم يعشق سواها ولن يفعل.


تذكرت يوم دعاها لرؤية عش زوجيتهما.


هه.. يا لكِ من حمقاء يا دليلة!


وقعتِ في فخه بسهولة ودون أدنى مجهود!


من أجل نشوةٍ لم تتعدى دقائق حكمتِ على نفسك بالقهر والهوان مدى الحياة!


والآن، أين هو؟ بعد أن أعطاكِ ميثاقًا بأنه سيكون لكِ وسيواجه العالم أجمع كي يحظى بكِ، بعد أن نسج من الوهم خيوطًا وأحكم عقدها حول عنقك أين ذهب؟


لقد رحل، رحل كما رحل كل شيء قام بإيهامك به ولم يبقَ سوى الخذلان.. 


هل بإمكانك الآن التخطي ونسيان ما حدث؟ هل بإمكانك تجاوز ما فعله؟ بالطبع لا.. قد يستطيع الإنسان تجاوز أي شيء، عدا أنه خُذِل!


تقلبت في فراشها بتعب، كانت تتلوى بمضجعها كمن يفترش الجمر من أسفله، العرق يزداد ويتصبب جسدها بغزارة، وداخل أحشائها كأنه هناك حربًا ضارية.


بيَدّ أنها حاولت جاهدةً التماسك، ولكن إنفلتت منها صرخات متتابعة شقت سكون الليل.


لأول مرة تختبر ألم بذلك الحجم؛ مما أخبرها بأنه ليس ألمًا عابرًا، إنها حتمًا آلام المخاض!


نهضت من الفراش وظلت تجوب الغرفة ذهابًا وجيئةً وهي تحاول تهدئة نفسها وبث السكينة في نفسها ولكنها لم تستطع؛ فلقد فاق الألم تحملها وأصبحت شفا جرفٍ من الموت.


تسارعت أنفاسها وتعالت دقات قلبها عندما أحست بذلك السائل الدافئ يسيل على جانب قدميها، وشعرت بأنها تقترب من النهاية.


ماذا ستفعل؟ إن موعد ولادتها يقترب، بل إنه أصبح وشيكًا للغاية. 


لحظات قليلة مرت بعدها وهي تحاول إيهام نفسها بأن ذلك ليس سوى بأسٌ هيّن وسيزول، لكن تلك الحركة العنيفة بداخلها أثبتت لها أنه ليس كذلك.


سقطت أرضًا من فرط التعب وإرتطمت رأسها بالجدار من خلفها بقوة فصرخت بقوة أكبر وأجهشت في بكاءٍ مرير، ثم ما لبثت أن تحاول النهوض حتى شعرت برأس الطفل وقد برزت من داخلها!


تحاملت على آلامها ونهضت، فتحت باب غرفتها وبخطوات متثاقلة متباطئة سارت وطرقت باب جيرانها.


فتحت جارتها الباب وفورًا إنهارت دليلة إذ سقطت أمام الباب وهي تقول:

_ إلحقيني، بولد.


على الفور ساعدت دليلة كي تنهض ونقلتها إلى غرفتها، ثم جهزت لها حمامًا ساخنًا ريثما تأتي القابلة التي ستقوم بتوليدها،ومن ثم ساعدتها كي تصعد إلى فراشها..


لم تهدأ آلامها ولم تتوقف صرخاتها، دقائق من الموت البطيء عاشتها إلى أن دقت القابلة الباب ودخلت، ثم بدأت على الفور في تجهيزها وهي تقول:

_ قولي يااارب..


_ ياااا رب. صرخت بها دليلة ولأول مرة تستشعر مدى حاجتها لأن يكون الله معها، لأول مرة يصرخ بها فؤادها قبل لسانها. لأول مرة تدرك خزيها وتعي فداحة ما فعلت واقترفت! 


_ ساعديني يا بنتي، كده العيل هيتخنق. ده خلاص راسه بانت.


طفقت دليلة تحرّض جسدها بقوة كي تتخلص من ذلك الجنين العالق برحِمها، وأخذت تقبض عضلاتها كما أمرتها القابلة علها تنجو من الآلام التي تفتك بها.


_ أيوة، كمان.. يلا قرب أهو.. أيوة… يا مسهل الشديد يارب.


شقت صرختها جدران المنزل وزلزلت أثاث البيت العتيق عندما شعرت بمفارقة الطفل لأحشائها وبدئِه في البكاء عاليًا.


_ الحمدلله.. حمدالله على سلامتك، بت زي القمر.


فتاة!


هل رُزِقت بفتاة؟ مسكينة أخرى؟ يتيمة أخرى؟ مقهورة أخرى؟ 


منبوذة أخرى؟!!!!


أطبقت جفنيها على بعضهما بألم وشعرت بحاجتها الشديدة إلى النوم.


كانت القابلة قد إنتهت من قص الحبل السري وحموم الطفلة وإلباسها الثياب التي أحضرتها إليها الجارة، ثم وضعتها بجوار دليلة وهي تقول:

_ يلا يا حبيبتي قومي أحميكي علشان تفوقي كده وتيجي ترضعي بنتك.


نظرت إليها دليلة بعينين حمراوتين ككئوس من دم فقالت:

_ معلش متزعليش نفسك، جارتك أم حمادة قالتلي إنك لوحدك وجوزك مسافر، معاكيش غير ربنا.


أجهشت دليلة ببكاءٍ حار فراحت القابلة تربت فوق ظهرها وتقول:

_ بس متعيطيش عشان بنتك، ويلا سمي الله وشيلي بنتك رضعيها، ربنا يرجعلك جوزك بالسلامة إن شاء الله ووقتها ليا عنده حلاوة كبيرة أوي.


أومأت دليلة بموافقة ونهضت كي تساعدها القابلة في الاستحمام ومن بعدها تتفقد وليدتها.


❈-❈-❈


كان جمال يقف أمام باب شقة بسمة متأنقًا على غير العادة، يرتدي حلة المناسبات السعيدة وبحوزته علبة من الشوكولا الفاخرة التي كلفهُ ثمنها راتب شهر كامل.


دق جرس الباب وقلبه يتراقص بفرحة وتوتر في آنٍ واحد، وما إن إنفرج الباب وظهرت زهور الخادمة حتى تفاقَم إرتباكه وقال بصوت مهزوز:

_ حلمي بيه موجود؟


_ موجود، إتفضل في الصالون على ما أبلغه.


دلف مترددًا وهو يحاول تهدئة إنفعالاته حتى يتمكن من التحدث إليه برصانة ووقار.


مرت دقائق طويلة، قرابة النصف ساعة وهو لا يزال منتظرًا بغرفة الصالون، شعر حينها أنه غير مرحب به وعندما نهض ليغادر دلف حلمي مبتسمًا وقال:

_ معلش يا جمال كان معايا تليفون مهم.


_ ولا يهمك يا حلمي بيه.


جلس حلمي، ثم وضع قدمًا فوق الأخرى وقال بأريحية:

_ إتفضل يا جمال أنا سامعك.


أومأ جمال موافقًا وبداخله تتضارب المشاعر والأحاسيس ثم قال:

_ في البداية آآ… قصدي يعني… بص حضرتك أنا هخليني دوغري معاك.. أنا جاي طالب إيد بنت حضرتك، آنسة بسمه!


زم فمه متفاجئًا من طلب جمال، ثم حاول التماسك لئلا ينفجر ضاحكًا وردد كلماته بإستهجان شديد:

_ تطلب إيد بنتي؟ إنت أكيد بتهزر.


إحتقن وجه جمال بالدماء وشعر بالحرج يكتسح ملامحه، بينما إستطرد الآخر حديثه وقال:

_ أنا توقعت إنك جاي تقوللي إنك هتسيب الشقه، أو مثلا عايز تجدد عقد الإيجار، أو حتى تستلف فلوس! لكن مخطرش على بالي أبدًا إنك تفكر تطلب إيد بسمه!!


تعثر الحديث على شفتيه و همً بالحديث ولكن حلمي عاود مقاطعته مره أخرى وقال:

_ إسمحلي أقوللك يا جمال إنك صدمتني، كونك تطلب مني إيد بنتي دي جرأة شديدة منك، ثم إني مش عارف طلبك ده مبني على إيه؟ هل دي ثقة زيادة في نفسك ولا في حاجه بينك وبين بسمة أنا مش عارفها؟


تريث جمال قليلًا ثم أجابه:

_ لأ مفيش حاجه بيني وبين آنسة بسمه.


هز حلمي رأسه وهو يقول بغطرسة:

_ كنت متأكد.


أخرج سيجارة وبدأ بتدخينها وهو يستطرد حديثه:

_ أصل مش معقول بسمه تكون بتجمعها بيك علاقة عاطفية وكلام فاضي من ده، بسمه إتقدملها شباب زي الورد.. دكاترة ومهندسين وغيرهم من المراكز المرموقة، أنا طبعا زي أي أب نفسي أفرح بيها لكن هي دايما كانت ترفض، فأنا بطلت أجادل معاها في الأمور دي وقولت أسيبها على هواها، بما إنها رفضت الدكتور والمهندس يبقا أكيد طموحها أعلى من كده.


حاول جمال تجاوز الأمر وإلتزم الصمت كي لا يزداد الحال سوءًا، في حين أكمل الآخر كلامه وقال:

_ واجب عليك تلتفت لتكوين مستقبلك أولا يا جمال، وبعد كده لما تبقا قادر تفتح بيت وقتها تشوف موضوع العروسة.


أومأ جمال موافقًا، ثم نهض وإستأذن ليغادر. 


_ بسمة…

صاح بها والدها بعصبية أجفلت بسمة على إثرها حيث كانت تجلس فوق سريرها، تعلم أنه سوف يذهب للحديث معها بعدما أخبرتها زهور بقدوم جمال وبحوزته الشوكولا.


لقد كانت على علم مسبق بأن جمال سوف يذهب لخطبتها؛ فقد أخبرها هو بذلك وطلب منها تمهيد الطريق إلى والدها ولكنها رفضت رفضًا قاطعًا.


دخل والدها إلى الغرفة متشنجًا وقال دون مقدمات:

_ كنتي تعرفي إن جمال جاي يتقدملك؟


تاهت الأحرف من على شفاها فصرخ فيها بقوة:

_ إنطقي، كنتي تعرفي إن الجربوع ده عايز يتقدملك؟


_ أيوة.


ألقتها بخوف وقد تيبست ملامحها بتوتر؛ فحملق هو بها بدهشة وقال:

_ أيوة؟!! إيه اللي بينك وبين الواد ده بالظبط؟!


كانت تفرك أصابعها بتوتر عندما صرخ بها قائلًا:

_ إنطقي.


_ أنا وجمال بنحب بعض، وهو قاللي أكلمك وأحاول أقنعك توافق عليه لكن أنا رفضت أتدخل.


قطب حاجبيه قائلاً باستنكار:

_ بتحبوا بعض؟ وملقيتيش غير ده؟ ده جرسون!!


إقتربت بسمه منه ووقفت قبالته، ثم أمسكت يده وهي تنظر بداخل عينيه بتوسل وقالت:

_ الحب مبينقيش يا بابا، وإلا مكنتش إنت حبيت ماما اللي من عيلة فقيرة وبسيطة.


أجابها دون النظر لعينيها وقال بنبرةٍ جامدة:

_ الوضع يختلف.


_ أبدا يا بابا، الوضع متشابه جدا، حضرتك حبيت ماما البسيطة وحاربت الكون كله بما فيه أهلك علشان تتجوزها، وأنا كمان حبيت جمال البسيط المكافح..


قاطعها حيث قال:

_ و ناوية تحاربيني علشان تتجوزيه؟


رفعت كفه إلى فمها وقبلتهُ وقالت:

_ مقدرش يا بابا، مقدرش أقف قصادك ولا أكسر كلامك، لكن إنت كمان ميهونش عليك تكسر قلبي.


_ لو سيبتك تتجوزيه أبقا بوافق إن قلبك يتكسر.


_ صدقني يا بابا مش هيحصل، جمال بيحبني بجد، ومستعد يعمل أي حاجه علشان نكون مع بعض. أرجوك يا بابا إديله فرصه يشرحلك ظروفه.. مش يمكن تقتنع بيه وتحبه؟


_ وبعد ما أقتنع بيه وأحبه هيحصل إيه؟ أسيبك تتجوزيه وهو محيلتوش اللضى؟


_ هبدأ معاه من الصفر، هنكبر واحدة واحدة، هتحمله  لحد ما ظروفه تتحسن.


_ ومن هنا لحد ما تتحسن ظروفه هتعيشوا إزاي؟ هتاكلوا وتصرفوا منين؟ الكام جنيه اللي بياخدهم كل شهر ميشتروش فستان من فساتينك، ولا عايزاني أصرف عليكوا؟ 


تنهدت بيأس وأجابت:

_ هعيش على قد إمكانياته.


_ مش هتقدري، مش هتتحملي، لو إتحملتي شهر مش هتتحملي التاني.


_ بالحب كل شيء يهون.


ضحك ساخرًا:

_ هه.. ولما تجوعي هيأكلك حب وغرام؟ لما تعوزي تلبسي جديد زي عادتك هيكسيكي بكلامه المعسول؟ الحياة مش وردي زي ما فـ خيالك 


_ وبردو مش سودا للدرجة اللي حضرتك متصورها. أنا وجمال مش أول إتنين ظروفهم تكون مختلفة، ما حضرتك وماما الله يرحمها أهو أقرب مثال، ومع ذلك كنتوا بتحبوا بعض حب مالوش وصف.


_ أنا وأمك زوجين لا يمكن نتعوض! إنما علاقتك بجمال نهايتها الفشل عاجلا أم آجلا.


_ ده يبقا ظلم وإجحاف من حضرتك، ليه تحكم على علاقتي بجمال بالفشل من قبل ما تبدأ!


_ لأني أكبر منك وعارف، اللي زي جمال مالوش أمان، ده لو بيحبك ميقبلش ينزل بيكي لمستوى أقل من مستواكي.


تهدّل كتفيها بإحباط من تلك المناقشة العقيمة وأحست أنها لن تجني من خلفها أي فائدة فقالت:

_ بس أنا مش هتجوز إلا جمال يا بابا.


نظر إليها والدها بحدة وغضب:

_ إنتي بتتحديني يا بنت!!


_ العفو يا بابا، ده مش تحدي، بس لو متجوزتش جمال مش هتجوز غيره.


رمقها أخيرًا بغضب مكبوت، ثم إنصرف صافقًا الباب خلفه وإتجه نحو غرفته.


❈-❈-❈


بعد مرور يومان.


كانت دليلة تجلس فوق فراشها وتحمل طفلتها التي لم تتوقف عن البكاء على قدميها وتبكي بدورها.


_ بس، إسكتي بقا، بس متعيطيش بقا صدعتيني، خلاص إسكتي بقااا.


كانت الطفلة تبكي جوعًا، كما أنها تحتاج إلى حضن أمها و شم رائحتها كي تهدأ روحها و يستكين قلبها الصغير عندما تلامس بشرتها الناعمة جسد أمها.


كانت دليلة تبكي بهيستيرية وهي تتحدث إلى إبنتها البالغة من العمر يومين فقط وكأنها تتحدث إلى فتاة راشدة وتقول:

_ متعيطيش بقا، أعمللك إيه مفيش عندي لبن، مفيش عندي أي حاجه أديهالك، إنتي جايالي ليه أصلا؟ في مليون واحدة يتمنوا يكون عندهم واحدة زيك، إنما أنا لأ. أنا محكوم عليا بالموت كل ساعة وكل دقيقة، إنتي معايا هتموتي.


لم تتوقف الصغيرة عن البكاء؛ فلقد كانت حاجتها أكبر من إدراك أمها ومن إستيعابها، لم تفلح صرخاتها الناعمة في إستدرار عطفها أو إستثارة أمومتها؛ بل زادتها نفورًا وطفقت تصم أذنيها بكفيها حتى لا تستمع إلى صراخ الصغيرة الذي كان يهز قلبها هزًا.


نهضت، ثم إرتدت عباءتها وخرجت في جوف الليل، سارت وهي تحمل الطفلة التي سكت صراخها بمجرد ما إن حملتها أمها، ثم تقدمت بها نحو ذلك البئر المجاور لها.


وقفت ترمق الطفلة بنظرات تملؤها الحسرة والقهر وتمتمت:

_ مش هينفع تعيشي، مش هنقدر لا أنا ولا إنتي، لو سيبتك تعيشي أبقا بظلمك.


رفعت الطفلة إلى فمها وقبّلتها وأخذت تشم رائحتها للمرة الأولى والأخيرة، ثم شملتها بنظرات الوداع وقالت:

_ سامحيني، غصب عني.


مدت يديها المرتجفتين إلى البئر الجافة، ثم أرخت قبضتيها من حول إبنتها وتركتها تسقط……. و مضت !!!!!!!!!!!!


يُتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة نعمة حسن، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية