رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 27 - 2
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
الكاتبة سماح نجيب
الفصل السابع والعشرون
الجزء الثاني
" معجزة الكاف والنون "
دام إجتماع والد هند مع محاميه الخاص فى غرفة مكتبه وقتاً أكثر من اللازم ، حتى كادت تشعر زوجته بالقلق من انقضاء ساعتين بأكملهما ولم ينتهيان بعد ، فما الذى يتناقشان به جعله يتأخر هكذا عن تناول طعام العشاء معها ، فرغم إنشغاله الدائم بأعباءه السياسية وإدارة أعماله التجارية ، إلا أنه لم يتأخر يوماً عن تناول طعامه برفقتها طوال تلك السنوات التى مضت عليهما وهما زوجين ، لذلك كان من الأدعى أن تشعر بالقلق تخشى أن يكون هناك أمرًا يخفيه عنها ، كذلك الأمر الذى حدث منذ أكثر من عامين و جعله يدعى بأنه مريضاً ولم تعلم الحقيقة إلا بعدما تأكد من حصول إبنتهما على زوجها كرم وأنهما سيظلان متزوجان ولن ينفصلان
ظلت جالسة مكانها وعيناها ترصد باب غرفة المكتب فى إنتظار خروجهما ، ولكن لم يحدث شئ من هذا القبيل ، وما كادت تهم بالذهاب إليهما ، حتى سمعت إحدى الخادمات تناديها لتخبرها بأنها ستذهب بالطعام لهند وكرم فى غرفتهما ، رغم أن كرم أحياناً يتناول الطعام معها هى وزوجها ولكن فى الأغلب لا يترك هند تأكل بمفردها ، فبعد إطمئنانها لوضع الأطباق الشهية التى تحب إبنتها تناولها دائماً منذ أن كانت صغيرة ، أمرت الخادمة بحمل الطعام والذهاب به للسيدة الصغيرة وزوجها
وما أن خرجت من المطبخ لمحت خروج المحامى من باب المنزل ، فهرولت تجاه غرفة مكتب زوجها وولجت إليه وأغلقت الباب خلفها ، فوقفت بجوار المكتب الخشبى الجالس خلفه وتساءلت بإهتمام :
- هو أنت كنت قاعد مع المحامى بتاعك الوقت ده كله ليه ؟
خلع نظارته ورتب الأوراق الموضوعة أمامه ، ومن ثم رمقها باسماً:
- مفيش حاجة متقلقيش بس كنا بنتكلم فى حاجات خاصة بالشغل
لم يكن جوابه كافياً ليجعلها قنوعة بأن إجتماعه الطويل مع محاميه أثمر عن نقاش بعض الأعمال ، فرفعت الأوراق الموضوعة أمامه ، وجالت بعينيها فيها وما أن رآت ما تحمله من صفة عقود بيع وشراء للأملاك ، ضيقت عينيها ونظرت إليه لعله يفسر سبب وجود تلك الأوراق:
- عقود البيع والشرا ده لمين ؟
أخذ منها الأوراق وترك مقعده وأجابها بصدق:
- دى عقود بيع وشرا ليكى أنتى وهند وكرم بأملاكى كلها أنا اتنازلت ليكم عنها بالكامل
إجابته على سؤالها لم تحمل لها إلا وساوس تمنت أن تكون خاطئة ، فلا أحد يقدم على فعل ذلك إلا إذا كان الأمر خطيراً ، فحملقت فى وجهه وتساءلت بخوف حقيقى:
- وليه عملت كده ؟ أنت مخبى عليا حاجة ؟
فطن لظنونها فضحك فجأة لكونها تظن أنه ربما يعانى مرضاً خطيراً سيودى بحياته فى القريب العاجل ، فأجابها بعدما قبض على كتفيها بحنان. :
- متخافيش أنا لا عيان ولا حاسس إن هموت قريب علشان كده بوزع ثروتى عليكم ، ده إجراء قانونى مش أكتر ، وبالنسبة للوقت اللى اتأخرناه، فده بسبب إن أشتريت مدرسة خاصة وكمان كرم هو اللى هيديرها بما إنه مدرس
ضمت شفتيها بتفكير لعلمها أنه من المؤكد أن إبن شقيقتها سيرفض الأمر ، فزفرت قائلة بقلة حيلة:
- بس ممكن كرم ميوافقش على كده ، ده إبن أختى وأنا عرفاه عامل زى أمه اللى يرحمها كانت نفسها عزيزة أوى ومكنتش بترضى تخلينى أساعدها فى حاجة أبداً وكانت دايماً اللى على لسانها الحمد لله إحنا مستورين وعايشين كويسين وجوزى مش مخلينى عايزة حاجة ، وربت كرم على كده ، وتصدق بالرغم من أنه دايما يرفض كل حاجة مننا وعايز هو اللى يصرف على مراته ، إلا أن من جوايا مبسوطة إن بنتى اتجوزت راجل بجد
إبتسم زوجها على ما قالته وأشادت وأثنت به على أخلاق زوج إبنتهما وهذا ما يجعله يمرر له أحياناً تصلبه وتعنته فى رفض كل ما يرغب فى تقديمه لابنته من أجل مستقبل أفضل لها ، إلا أن تلك المرة أصر على أن كرم لابد له من أن يستمع إليه ، فبعد بضعة أشهر سيصير أباً وحتماً سيريد تقديم الأفضل لطفله ولزوجته
أخذ نفساً عميقاً ومن ثم قال بروية :
- أنا كمان معجب جدا بكرم ورجولته وأخلاقه ، بس اظن لازم بقى يبدأ يفكر كويس وخصوصاً إنه خلاص هيبقى أب ، وأنا مش عايز منه أكتر من أن بنتى وولادها يعيشوا كويسين وفى مستوى مادى محترم ، ثم الفلوس اللي عندى دى كلها ماهى فى الاخر هتبقى لهند ، فيتمتعوا بيها من دلوقتى
ربتت زوجته على ذراعه باسمة :
- والله لو قدرت تقنع جوز بنتك بالكلام ده خير وبركة ، حسيت انه مش موافق بلاش تضغط عليه ، لأن مصدقت أشوف بنتى بتحب جوزها واتغيرت زى ما كنت بتمنى ، ماشى
صمتت لبرهة ومن ثم سألته بإهتمام :
– أنت مقولتليش عملت إيه مع الشغالة بعد اللى عرفناه عنها من كرم ومشيت من البيت
جلس على مقعده خلف المكتب ورد قائلاً بهدوء :
– أديتها قرشين تفتح بيهم مشروع ، علشان تبقى تقدر تصرف على نفسها وعلى طفلها اللى جاى فى السكة وسفرتها على بلدهم ، علشان مش عايزين مشاكل ودوشة ، وكمان أنا عندى بنت وحامل ، فمكنتش أقدر أاذيها
زفرت براحة وقالت بإطمئنان :
– طب الحمد لله أنك عملت كده ، ربنا يسترها معانا دايما ، أنا هروح اناديلك كرم وزى ما قولتلك بلاش تضغط عليه
حرك رأسه موافقاً على ما اقترحته ، ورغم وضعه احتمالات لرفض كرم لما سيعرضه عليه ، إلا أنه يأمل تلك المرة أن يكون أقل تصلباً فى رأيه ، فطلب منها أن ترسل إليه إحدى الخادمات ببعض المشروبات المرطبة لشعوره المفاجئ بالعطش
وما كادت تمر بضع دقائق حتى وجد كرم يطرق باب الغرفة ، فأذن له بالدخول ، ولج غرفة مكتب والد زوجته وهو يفكر فى سبب إستدعاءه له ، وما أن جلس حيث أشار له ، نظر إليه متسائلاً بإهتمام :
- خير يا عمى حضرتك كنت عايزنى ليه ؟
إبتسم له والد زوجته كتشجيع له أن النقاش الذى سيدور بينهما سيكون ودياً ولا حاجة له أن يشعر بالقلق ، فقال وهو يمد يده له بعدة أوراق قائلاً بهدوء :
- ده ورق مدرسة خاصة أنا اشترتها يا كرم ، وكنت عايزك أنت تديرها
قبل أن يفتح كرم فمه معترضاً ، إستأنف والد زوجته حديثه :
- ثوانى بس قبل ما ترفض ، أنا عايزك تفكر كويس ،أنت دلوقتى هتبقى أب وعندك أسرة وأكيد عايز توفر لهم الأحسن فى كل حاجة ، وصدقنى يا ابنى أنا مش بقولك كده لاسمح الله علشان حاجة أو إن أنا مثلاً مش عاجبنى المستوى اللى أنت عايش فيه ، لا أبدا أنا بس أب عايز يشوف بنته واحفاده فى أحسن حال وطالما ربنا موسعها علينا وده فى الآخر برضه هيبقى ليها ، فليه متخليهاش تعيش مرتاحة من دلوقتى ، أنت أكيد بتحب هند وعايزها دايما تعيش فى أحسن مستوى ، علشان كده فكر كويس قبل ما تقول لاء أو تقول أه
أخذ كرم الأوراق من يد والد زوجته وهو يفكر فى كل كلمة قالها ويقصد بها فى المقام الأول الحرص على تدليل إبنته وضمان رغد العيش لها ، فنهض قائلاً بإبتسامة هادئة:
- هفكر يا عمى عن إذنك
خرج من غرفة المكتب وصعد الدرج حتى وصل غرفة زوجته ، فولج للداخل وجدها مستلقية على الفراش ، ويبدو أنها تشعر بالنعاس ، وعندما أمعن النظر فى وجهها ، ووجدها مسترخية ويبدو عليها سيمات الراحة النفسية والجسدية ، وأنها بحق لم تخلق إلا لتحيا فى ترف وثراء ، فعاد ونظر للأوراق فى يده وتقاذفته رغبته بين أن يقبل عرض والد زوجته السخى وبين أن يرفض حفاظاً على ألا ينظر إليه أحد بأنه الرجل الذي إستغل ثراء ونفوذ والد زوجته من أجل ضمان مستوى معيشى مترف
تحركت هند فى نومها وفتحت عينيها فجأة وجدت زوجها يقف قريباً من الفراش وينظر لتلك الأوراق التى بين يديه ، فإعتدلت فى جلستها وسألته بجدية :
- مالك يا حبيبى واقف ليه كده وورق ايه اللى معاك ده
جلس كرم قبالتها على الفراش واجابها بصوت هادئ :
- دا ورق مدرسة باباكى إشتراها وعايزنى أنا أديرها
دققت هند النظر في وجهه وسألته بحذر لعلمها بمدى شعوره بالانزعاج إذا تطرق الأمر لمساعدة والدها لهما :
- وأنت قررت إيه ؟
زفر كرم قائلاً بحيرة :
- تصدقى مش عارف أقرر ، مكدبش عليكى إن عايز اخليكى عايشة مرتاحة ومبسوطة ، بس بس ....
لم تدعه يكمل حديثه ، لعلمها بما يشعر به من شعوره المتغاير بين رفضه وقبوله ، فقبضت على كفيه بين راحتيها الناعمتين وإبتسمت فى وجهه وهى تقول بحب وصدق :
- أنا حاسة بالحيرة اللى أنت فيها يا حبيبى وصدقنى حتى لو أنت رفضت أنا مش هزعل أو اضايق ، أنا المهم عندى أنت وبس ومش عايزة حاجة تانية
أدناها منه وضمها إليه ، وأسند وجهه لرأسها ولكنه لم يفكر فى أمر عناقها ، إذ أنه بتلك اللحظة لم يكن يريد سوى أن يشعر بها قريبة منه ويستشعر صدق أقوالها وحديثها ، فحرصها على أن تظهر له مدى حبها الخالى من أى شائبة ، جعله تلك المرة يفكر جدياً فى قبول عرض أبيها ليس لشئ سوى أنه يريدها حقاً أن تظل مدللة ويحرص هو على أن يهبها كل ما تصبو إليه من حب وعشق
زفر أنفاسه بتتابع لعله يتخلص مما اعتراه من حيرة ، فأبعدها عنه قليلاً وإبتسم فى وجهها وهو يعيد ترتيب خصيلات شعرها ، ومن ثم قال وهو يسند جبينه لجبينها:
- صدقينى يا هند أنا لو أطول اجبلك نجوم السما مش هتأخر ، لأن أنتى لازم دايما تعيشى أميرة زى ما كنتى طول عمرك
حقاً هو يرى أنها خُلقت للحب والدلال ، حتى وإن كان من أجلها سيعمل على تقديم بعض التنازلات ، وليحاول التأقلم على وضعه الجديد ، فوجدها تضع رأسها على كتفه بعدما طوقت عنقه وهى تقول بنبرة صوتها المفعمة بمشاعر يصعب وصفها :
- أنا لو هعيش أميرة ، فده علشان أنت أميرى الوسيم ، اللى جه وانقذنى من اللى كنت فيه ، وخليتنى أشوف الدنيا بنظرة تانية عن أن حياتى كلها هى الفسح والسفر والشوبينج ، عرفتى يعنى ايه أكون زوجة وحبيبة ، يعنى إيه معنى إن قلبى ده يدق علشانك ، إن يعنى إيه اللهفة فى أن أشوف صورتى فى عينيك وأنت بتقولى بحبك ، وإن أقعد اعد الدقايق وأنت غايب عنى لحد ما ترجعلى وإن الحاجة البسيطة اللى بتشتريهالى وأنت راجع البيت حتى لو كانت شيكولاتة أغلى عندى من أى حاجة تانية أو إن حد غيرك يجبهالى ، علشان كده أنا عايزة اقولك يا كرم أن أنت أغلى وأعز حبيب حتى لو أنا وأنت هنعيش فى أى مكان وأى مستوى
تركها تتحدث على سجيتها وتخبره بمدى عشقها ولهفتها بأن تظل تحيا معه حتى وإن كان قوتهما سيكون القليل من الخبز والكثير من العشق ، ارادها أن تبوح بكل ما تشعر به ، حتى يأتى دوره هو الآخر فى إظهار نواياه بأنه لن يترك درب ولا سبيل لإسعادها إلا وسيسلكه ، فإن كانت هى تعشقه إلى تلك الدرجة من العشق والهوس ، فلما لا يكون جاداً فى منحها كافة الامتيازات التي ستجعلها تهنئ بمعيشتها من أن تحيا هانئة مطمئنة ويوفر لها كافة سبل الراحة ، لذلك فأمر قبوله لما عرضه عليه أباها صار أمراً حتمياً من أجلها هى فقط ، فيكفى ما يراه من إعتناء تحظى به مما كان له الأثر الحسن عليها
فلا أحد يستطيع نكران أهمية المال فى تذليل بعض مصاعب الحياة ، فما أن ألقى نظرة خاطفة لتلك الأوراق الموضوعة بجوارهما على الفراش ، أخبرها بأنه سيوافق على عرض أبيها وربما سيبدأ فصل جديد فى حياتهما سوياً ، ولكن تعاهد كل منهما أن لا يجعل أى تغير سيطرأ على معيشتهما يجعلهما ينسيان أن حبهما وعشقهما له الأولوية فى تيسير زورق أحلامهما ، فالمال وحده لن يكون كافياً ليجعلها تشعر بالسعادة والطمأنينة ولكن عليه أن يرفق معه دفقات العشق والغرام الذى يغرقها بلجة عميقة من المشاعر والعواطف ، وأن يحافظ على أن يجعل شغفهما بأوج مراحله ، وإلا عندها ستكون الحياة بينهما رتيبة ممللة ، إذا أنغمس فى عمله وتكدست اعباءه التى ستجعله ينسى أن لديه زوجة بحاجة إلى الحب والرعاية والاهتمام أكثر من المال الذى سيجنيه ، فأعطاها كرم وعده بأن عشقهما لن تخمد نيرانه طالما مازال على قيد غرامها
❈-❈-❈
أنتهى طوافها حول البيت الحرام ، ولكنها لم تفكر فى العودة إلى الفندق المقيمة به هى وزوجها ، إذ لم يكن بنيتها ترك تلك الروحانيات التى تعم الأجواء خالقة هدوء تعجز النفس المشتاقة لزيارة بيت الله الحرام عن وصفه ، ودون أن تدرى وجدت نفسها تبكى بكاءًا شديدًا ، جعل زوجها ينتبه عليها ، بل المعتمرين راحوا ينظرون إليها بغرابة وهى تشهق ببكاءها كأن أحدهم ربما تسبب فى إيذاءها أثناء الطواف وهو غير منتبه، ولكن هى جاءت باكية مترجية محملة بأمنيات تعلم أن الخالق سبحانه وتعالى لن يعجز عن تحقيقها بين طرفة عين وإنتباهتها
فثقتها الدائمة من أن قدرة الله تفوق العقل والعلم وكل ما يمكن أن يفترضه بنى البشر من حدوث شئ أو إستحالته ، جعلها تبتهل بدعاءها ، بل لا تمل من طلب أمنيتها وتكرار رجاءها لله بأن يمن عليها بها ، حتى لو إستلزمها الأمر أن تظل الباقى من عمرها تدعو الله بأن يرزقها الذرية الصالحة ،فعم السكون والهدوء بداخلها ما أن أنتهت من دعاءها الخافت الذى جاءت دمعاتها السخية دلالة على مدى لهفتها بأن يحقق الله لها دعاءها ومطلبها ، فبين الكاف والنون تتجلى عظمة الخالق بأن يقول للشئ كن فيكون ، وخزائنه ملئ ومن يدعو بصدق ويتمنى ويفرط فى دعاءه وأحلامه وأمنياته ربما يجيب دعوته فى الحال أو يرجأها إلى وقت يراه مناسباً لأن يغدق على عباده من فيض رحماته
نادها راسل بصوت منخفض :
- حياء يلا بينا نرجع الفندق علشان ترتاحى شوية وكمان تاكلى
حركت حياء رأسها بالرفض القاطع لعودتها إلى الفندق ، فنظرت إليه قائلة برجاء :
- خلينا هنا شوية عايزة أفضل قاعدة فى الحرم ، وأنا مش جعانة دلوقتى ، الصراحة من ساعة ما جيت لا حاسة بجوع ولا عطش عايزة أفضل قاعدة هنا وبس
أشار لمكان يقيها حرارة الشمس الحارقة ، فهتف بها بإبتسامة مشرقة :
- طب تعالى نقعد فى المكان اللى هناك ده علشان الشمس والحر وخليكى قاعدة براحتك
إستمعت لنصيحته ، فرغم أنها لم تريد ترك مكانها من جوار الكعبة ، إلا أن حرارة الجو وأشعة الشمس الساطعة ربما سيتسببان لها فى حالة من الإعياء ، فوجدت مكان حيث جلس بعض المعتمرين ، فجلست هى وراسل على مقربة منهما ، ولم تنتبه إلا بعدما وجدت طفل صغير ربما لم يتخطى عمره العامين يجلس على ساقيها ، بل أنه تمدد كأنه فى حاجة إلى النوم
نظرت حياء فى وجه الطفل ومن ثم رفعت وجهها لزوجها وهى تبتسم على ما فعله الصغير ، ولكن وجدت إمرأة من الجمع القريب من مجلسهما تقترب منهما قائلة بإبتسامة وإعتذار :
- أنا أسفة جدا ، هو سابنى وجرى وبينام على رجل أى حد يقابله
مدت يدها لتأخذه ، فرمقتها حياء باسمة :
- لاء أرجوكى سبيه ، دا عسول خالص ربنا يباركلك فيه يارب
ناشدت حياء والدة الطفل أن تتركه غافياً على ساقيها ، فعادت المرأة لمكانها ويبدو أنها برفقة زوجها وأسرتها ، بينما ظلت حياء تمسد على شعره وتداعب وجنته الملساء وتنظر لزوجها من حين لأخر وهى تبتسم
قالت بتمنى وهى تحدق فى وجه الصغير :
- ربنا يرزقنا بيبى حلو كده زيه يا راسل
ربت راسل على يدها قائلاً بلطف :
- إن شاء الله يا حبيبتى ، ربنا كريم وهيرزقنا باللى بنتمناه
ظلت تهدهد الصغير حتى أخذ غفوته القصيرة وإستيقظ باحثاً عن والدته ، كأنه جاء إليها من أجل زيارة سريعة وحان وقت عودته ، فقبلته قبل أن تأخذه والدته وتنصرف ، بل رفعت يدها وظلت تلوح له حتى أختفى بين الحشود
قفزت على قدميها تشعر بطاقة إيجابية وحماس ونظرت لزوجها قائلة وهى تشير إليه بالنهوض :
- يلا بينا بقى نرجع الفندق ، علشان حسيت بالجوع فجأة وكمان حاسة إن مبسوطة كده من غير سبب
نهض راسل من مكانه وإستقام بوقفته قائلاً بحب:
- إن شاء الله تكونى مبسوطة وفرحانة على طول يا حبيبتى يلا بينا
أخذها وعاد للفندق ، فوجدت نفسها فى اليوم التالى تبحث عن ذلك الطفل الذى جلس على ساقيها ، كأنها تريد رؤيته مرة أخرى قبل رحيلها ، فأيامهما بالأراضى المقدسة أوشكت على الإنتهاء وسيعودان إلى إلاسكندرية ، ولكن لم يحالفها الحظ برؤيته مرة أخرى
عادا إلى المنزل محملان بالأمل والتفاؤل والهدوء النفسي ، وأيضاً بالكثير من الهدايا التى قاما بشراءها من أجل أفراد العائلة ، وكان النصيب الأكبر من تلك الهدايا من نصيب سجود وطفل ساندرا ، التى إبتهجت بما ابتاعته حياء من أجل طفلها ، حتى لم تنسى أن تشترى لها ثوباً كهدية ، ففرحت ساندرا كثيراً بهديتها وشكرتها وعيناها محملة برجاء أن تغفر لها إذا كانت أثقلت كاهلهما بوجودها هى وطفلها
أخذت غزل أحد الأثواب الصغيرة ووضعته على بطنها المنتفخ قائلة بإبتسامة عذبة :
- شكراً يا حياء ده هدوم البيبى شكلها جميل أوى عقبال ما نشترى للبيبى بتاعكم
ردت حياء باسمة :
- إن شاء الله ، وتقومى بالسلامة يا غزل بإذن الله
لم يستطيع راسل أن يحيد بعيناه عن وجهها الذى ملأه بريق أخاذ يكاد يذهب عقله وهى توزع إبتساماتها اللطيفة على كل الجالسين ، فكلما وقعت عينيه عليها ، لا يعلم سر تلك الرجفة التى تصيب قلبه مانعة إياه من أن يلتقط أنفاسه بصورة منتظمة ، ويخشى أن يرى الحاضرين علامات الشوق التى كادت عينيه تفضحه بأنه يختزن منها الكثير
- راسل مالك سرحت فى إيه ؟
سألته بإهتمام ورمقته بعفوية فوجدته يحملق بها باسماً :
– لاء ما سرحتش ولا حاجة أنا معاكم أهو
كأن إبتسامته تضمر لها نوايا لا يعلمها أحد غيره ، فضيقت ما بين حاجبيها وإبتسمت بخجل وسرعان ما أشاحت بعينيها عنه
خرج من تأمله لمرآها الفاتن على صوت والده وهو يقول بدهاء :
- مالك يا دكتور ، أنت مرهق من السفر
حمحم راسل ليجلى صوته ، واجاب والده بهدوءه المعتاد:
- ايوة مرهق شوية وخصوصاً إن منمتش من إمبارح فعن إذنكم بقى علشان عايز أستريح
نظر لزوجته وترك مقعده وخرج من غرفة المعيشة ، وما أن وضع قدميه على الدرج وجدها تأتى خلفه تسأله بإهتمام وجدية :
- مالك يا حبيبى كده زى ما يكون فى حاجة حصلت
إبتسم لها وأدنى برأسه منها هامساً :
- مفيش حاجة يا روحى ، بس بجد مرهق شوية من السفر ، فتعالى نيمينى
قهقهت حياء ووضعت يدها على فمها بعد سماعه يكاد يستجديها أن تجعله يذهب للفراش كطفل صغير ، لعلمها بأن تلك ماهى إلا حجة واهية لأن يجعلها قريبة منه ، حتى وإن كان نائماً
- ماشى يا حبيبى
قالتها وهى تضع يدها بيده الممدودة لها ، فقبض عليها بقوة كأنه يخشى فرارها ، وما أن صعدا الدرج ووصلا لغرفتهما وأغلقت حياء الباب خلفها ، وجدته يرتمى على الفراش مغمغماً بكسل وشعور عارم بالراحة :
- ياااه حاسس إن عايز أنام سنة كاملة
مكثت بجواره على الفراش ونادته بصوتها الرقيق :
- راسل
أجابها مغمغماً وهو مغلق العينين ويده اليمنى تزحف على الفراش لتصل إليها :
- نعم يا روح راسل
- هو أنت ليه مش أديت باباك الهدية اللى أنت اشتريتهاله
سألته حياء فجأة ، ففتح راسل عيناه على الفور ، فمن أين علمت بشأن تلك الهدية التى إبتاعها من أجل والده ؟
إعتدل بجلسته وسألها بحيرة :
- وأنتى عرفتى منين إن أنا اشتريت له هدية ؟
إبتسمت حياء وهى تضم ذراعيها ، فردت قائلة وهى تغمزه بإحدى عينيها :
- عيب دا أنا حياء ، أنا عرفت إنك اشتريت ليه خاتم فضة وطلبت كمان أن يتنقش عليه إسمه
وضع يده خلف عنقها وجذبها إليه ممازحاً:
- هو أنا متجوز المفتش كرومبو
ضحكت حياء على مزحته ومن ثم قالت بجدية :
- بجد ليه بقى مش اديته الخاتم أكيد كان هيفرح أنه هدية منك ، صدقنى باباك بيحبك جدا يا راسل
زفر من أنفه ومن ثم قال وهو يغمض عينيه بيأس :
- مش عارف يا حياء ، كل ما أحس أن عايز أقرب منه أبعد تانى ، بالرغم من أن الأمور بينا قبل ما سافر كانت إلى حد ما كويسة ، بس لما رجعت وابتديت اعمل عمايلى دى علشان الكل ييأس منى قبل ما اسافر تانى ، رجعنا زى الأول وخصوصاً أنه كان بيدافع عنك بإستماتة ، لدرجة إنه سمع كلامك وجاب المأذون علشان نطلق ، مع أن هو عمره ما سمع كلمة لحد ، دا هو اللى دايما يقول والكل يسمعله
نظرت حياء ليديها المضمومتين وقالت وهى تشعر بصدق تلك المحبة من والد زوجها لها وكأنها أضحت حقاً إبنته :
- صدقنى باباك حنين جداً ، والسنتين اللى أنت غبت عني فيهم لولا وقفته هو معايا كان ممكن يحصلى حاجة بسبب حالتى النفسية وقتها ، وعلمنى ازاى اتغلب على حزنى واقف على رجلى وأبقى قوية ، بجد أنا مديونة ليه لأنه ساعدنى
مدت يدها وشدت على معصمه لعله ينتبه لنصيحتها :
- وعلشان كده لازم تحسن تعاملك معاه أو بمعنى أصح مع أهلك كلهم ، حاول تسامح وتنسى ، زى أنا ما سامحت وبحاول أنسى ، ماشى يا حبيبى
أماء برأسه موافقاً وجذبها إليه ، فوضعت رأسها على صدره بعدما إستلقى على الفراش ،و فى البداية حاولت أن تنهى حيرته من التفكير بشأن ما طلبته منه ، وأن يحسم أمره بإتخاذ الغفران مسلكاً للخروج من تلك المتاهة التى ضاع بين دروبها الوعرة حتى لم يعد يرى سبيل للخروج ، وما كاد الأمر يتطرق بينهما لوصال المحبين حتى سمعا طرق على باب الغرفة
تركها راسل ليرى من الطارق ،وما أن فتح الباب وجد ساندرا تقف أمامه تنظر فى هاتفها بتمعن وما أن أنتبهت على وجوده ، قالت دون أى مقدمات كأنها فى عجلة من أمرها :
- راسل لازم أخد إبنى وأسافر من إسكندرية بسرعة
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية