-->

رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الفصل 37

 

قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ميرا كريم


الفصل السايع والثلاثون



نحنُ لا نعِيش الحياة في خطٍ مُستقيم،‏ بل نعيشُها في دوائِر. نعتقدُ أنَّ السِّنين تُبعِدُنا عن الشّيء ثُم نتفاجأ بأنّنا كُنا في رحلةٍ طويلة للعودةِ إليه.


― إيزابيل الليندي.

❈-❈-❈


-يعني ايه اختفى راح فين؟


قالها "سليم" بصوت جهوري منفعل للضابط الاقل رُتبة الواقف أمامه الذي رد بدوره: 

-يا سليم بيه قلبنا عليه المنطقة شبر شبر ملهوش أثر وحتى المُرشدين بتوعنا جوة المنطقة محدش شافه نازل من بيته وكأنه فص ملح وداب


زمـ جر سليم غاضـ بًا وهدر من بين اسـ نانه: 

-هيكون راح فين!

اسمع يا احمد تستجوب كل اللي يعرفهم وتقلب الدنيا عليه فاهـــــــــــم

اجابه احمد بطاعة وهو يؤدي التحية قبل أن يغادر: 

-تحت امرك يا سليم بيه لو في جديد هبلغك 


أومأ له "سليم" بمعالم واجمة وعروق نافـ رة تنبض بالغـ ضب؛ وهو يتـ وعد لذلك اللـ عين أشد الوعـ يد فإن ظل طليقًا لن يهدأ له بال.

❈-❈-❈


عاد مجددًا لداخل الاربع جدران التي تقـ بض الأنفاس جزائاً لما فعله، وها هو يجلس في أحد الزوايا ناقـ مًا ما آل إليه حاله، يتذكر حين كان جالس القرفصاء داخل الرواق أمام مكتب الضابط بعدما تم القـ بض عليه وإحضاره إلى القسم. 

flash back 

-حوكش متخافش انا جبتلك محامي 

قالتها "فريال" وهي تهرول لعنده ومعها شخص أخر لينهض "حوكش" من جلسته و يـ ده محاطة بتلك الأساور الحد يدية التي يشاركها معه أحد العساكر الذي قال بدوره وهو يحـ يل بيـ ده اقترابها:

-ممنوع يا ست 


رجته" فريال" وهي تربت اعلى صـ درها:

-ب الله عليك يا دُفعة هكلمه كلمتين بس


ليعلق "حوكش" وهو يـ دس داخل جيبه كل ما كان يحمله وقتها هامسًا:

-مشي حالك يا دُفعة هما كلمتين


تناوب العسكري نظراته مترقبًا قبل أن يمنحهم ايماءة موافقة لتقترب هي منه ويتسائل هو بصوت خفيض:

-عملتي ايه روحتي ل "سلطان "

اجابته بخفوت وهي تلـ وي فمها يمينًا ويسارًا:

-روحتله وكرشني وبهدلني وقالي أن ملهوش دعوة بمصايـ بك


وهنا تقلـ صت معالمه بغضب فعن أي مـ صائب يتحدث وهو منذ أن خرج من السجن ولم يفعل شيء سوى محاولة قـ تل غريـ مه:

-يعني ايه سلطان باعني!


هزت "فريال" رأسها تؤكد له  

وهنا احتدت عينه ولمع الحـ قد بها حين فتح باب المكتب ودفـ عه العسكري للداخل فكان 

يقف بعيون زائغة أمامه وبرأس مطرقة وهو يتوجس خِيفة من نظراته الثاقبة التي تضيق عليه، بينما هو كان يجلس على مقعده بكل أريحية ويتلاعب بالقلم بين أنامله يمارس عليه تَرهـ يب النظرات قبل أن يخرج صوته الصارم متسائلًا:

-اتكلم يا حوكش مين المعلم اللي عملتوا الخدمة دي علشانه


ابتلع "حوكش" رمقه واستنكر حتى يُنجي ذاته اولًا:

-انا معملتش حاجة يابيه

وماشي جنب الحيط من ساعة ما طلعت من السجن


وبنفس الثبات وبذات النظرات الثاقبة اكمل حديثه: 

-حازم اعترف عليك وهو اللي عطانا عنوان فريال


وعند نطقه الاسم برقت عينه لوهلة قبل أن يتدارك: 

-حازم مين لمؤاخذة انا معرفش حد بالأسم ده


حانت منه شبح بسمة ساخرة وهو يلـ قي القلم من يـ ده ثم تحول هدوئه إلى عاصفة 

هـ وجاء من الغضب هادرًا:

-اسمع يا روح امك انا معنديش وقت اضيعه معاك بأعتراف حازم والسـ لاح اللي لقيناه في بيت فريال التهمة لبساك لبساك فمتحاولش تنكر وتحـ ميه علشان صدقني مش هينفعك لما تشـ يل الليلة لوحدك


زاغت نظرات "حوكش" وهو يدرك أن لا مفر من الأمر ليلـ عن "سلطان" الذي ور طه وحتى لم يكلف ذاته عـ ناء شكره ومدح صَنيعه، فكان يُفكر ويُفكر تحت نظرات "سليم" الذي نفذ صبره زاعقًا به:

-خلصني وانطق

وبعد تفكير عُضال قرر أن لا ينال جزائه وحده فقد نطق بحروف ماقـ تة:

-سلطان يا بيه هو اللي حرضـ ني على قتـ لك

end 

-سلطان

كرر اسمه بعدما عاد بذاكرته حاقـ دًا لاعـ نًا ذلك الخسـ يس الذي لم يتخيل لوهلة أنه سيُرجع بفضله هنا. 

❈-❈-❈


عاد بوقت متأخر للمنزل بمزاج عكر للغاية بسبب اختفاء ذلك اللـ عين ففور أن فات من باب البيت ألقى نظرة خاطفة على والدته الغافية ومن بعدها ألـ قى بمفاتيحه وارتـ مى على الأريكة التي تتوسط الردهة زافرًا وهو يمـ سد جبهته لعله يخفف من حدة التفكير التي تفـ تك برأسه، اقتربت هي  تستراب من هيئته هامسة بأسمه: 

-"سليم"


رفع قاتمتيه المرهقة لها ينطق متنهدًا: 

-وحشتيني 

ليوشير لها أن تقترب أكثر وإن فعلت جـ ذبها لتستقر على ساقيه، وأخذ يطالعها بنظرات حانية في حين هي رغم حرجها من فعلته التي لأول مرة يباغتها بها إلا أنها كوبت وجهه وتسألت والقلق يفيض مع نظراتها: 

-انت كويس


تنهد اولًا قبل أن يجيبها ببسمة باهتة لم تصل لعينه و تَفطن هي لمثلها: 

-كويس يا شمسي مفيش حاجة


طالعت عيناه تتحرى صدقها  واناملها تتحرك بنعومة بين شعيرات ذقنه الناعمة متسائلة: 

-انا عارفاك كويس بلاش تخبي عليا انت في حاجة مضايقاك 


نفى قائلًا وعينه تدور في فُلكها و يحـ رك يـ ده بحركات محسـ وسة على خـ صرها تتمنى لو تعتادها ولا تنـ تفض منها:

-شوية ضغط في الشغل مش اكتر

ابتلعت رمقها ثم هزت رأسها تُقنع  ذاتها بحُجته قبل أن تقول وهي تتأهب بجـ سدها كي تنهض: 

-طيب هحضرلك العشا اكيد جعان

وقبل أن تطأ قدمها الأرض كان يجـ ذبها ويمـ يل بها على الأريكة هامسًا بصوته العميق الذي يدغـ دغ أعماقها: 

-انامش محتاج حاجة غير قربك يا شمس 

ابتسمت بنعومة وهمست تعبر عن ما يجتاحها: 

-وانا مليش أمنيات غير وجودك جنبي يا سليم 


ليـ دفن رأسه بين أحضانها بعد قولها ويتنهد بِسُهاد قائلًا:

-بحبك يا شمس... بحبك


ضمت رأسه لصـ درها وهمست وهي تضع قُبلة على قمـ تها: 

-انا بحبك اكتر على فكرة 

رفع رأسه يبتسم بسمة رائقة لقولها ثم همس وهو يمـ يل يضع قُبل متفرقة على وجهها ويـ ده تتحـ رك بحُرية لتبـ عثر شتاتها: 

-شكلك محتاجة اثبتلك ان انا أكتر

اغلقت عينها وتعالى وجيبها و

قـ شعر بَـ دنها ولا تعرف متى أو كيف هزت رأسها، وقبل أن تدارك حتى كان يَحـ ملها بين يـ ده ويسير بها بعدما ألتـ قم شفاهها في قُبلة نهمة اطـ احت بكيانها، بعدما أطفأ عقله ليحظى بها و أيقن أن راحته وسَكينة قلبه لا تتمثل سوى في نعيم قربها.

❈-❈-❈ 


في الصباح كان يخرج من القسم حانقًا بسبب احضار رجال الشرطة له ليتم سؤاله عن شقيقه، فكانت الاجابة على جميع الاسئلة هو أنه لا يعلم عنه شيء ولا يعلم مكان تواجده.

وفور أن سار بضع خطوات وجد "جلال" يسبقه بعدة خطوات ويبدو انه كان هنا لذات السبب فقد هتف بأسمه ليلتفت "جلال" له ويعود ادراجه، متسائلًا:

-كانوا بيسألوك عن "سلطان" زي مش كده 

أومأ "عماد" متسائلًا بريبة: 

-شكله عامل مصيبة المرة دي؟ 


-كلام في سرك بيقولوا انه حـ رض على قـ تل الظابط اللي اتجوز الست شمس 


اعتـ صر عماد ناعستيه يلـ عن بداخله شقيقه وذلك الحـ قد الذي يتملك منه،  قبل أن يتسائل متخوفًا: 

-الظابط حصله حاجة 


نفى "جلال" برأسه واجابه: 

-لأ الست شمس خدتها مكانه بس ربنا ستر

ضـ غط "عماد" على أربعتة بقوة بغيظ من شقيقه وعقب مُتحسرًا: 

-هو مكفهوش أذ ية، إزاي الشـ يطان عامي بصـ يرته ومسـ ود قلبه كده

-جرا إيه يا عماد ده برضو اخوك


نفى "عماد "برأسه يستنكر قوله بنبرة مريرة نابعة من شدة خـ ذلانه: 

-انا مليش اخوات اخويا مـ ات من زمان يا" جلال" من اليوم اللي كان السبب فيه في مـ وت صاحبي وقـ طع حتة من لحـ مي


قالها وغادر يبتعد بخطواته تارك" جلال" يشاركه ذات المـ رارة التي ذاقها و يدعوا أن تكون شكوكه التي أخبر بها "سليم"حول مكان تواجد ذلك اللـ عين في محلها. 

❈-❈-❈


استيقظ ولم يجدها جواره ولا حتى الصغار، ليـ هب من الفراش مناديًا بأسمها: 

-"رهف" 


أتاه صوتها من داخل غرفة الملابس تجيبه: 

-انا هنا

خطى نحو الغرفة يشرأب برأسه يتفقد أمرها إذا بها تقف بين كومة من ملابسه و تقوم بكيها، 

ليتنهد معاتبًا: 

-ينفع اصحى ملقكيش جنبي كده


ابتسمت هي بسمة ربيعها واجابته وعيناها تركز فيما تفعله: 

-معلش ورايا حاجات كتير ومرضتش اقلقك معايا

لم يروقه انشغالها ولا حتى نظراتها المُلتهية عنه، ليتنهد مُتسائلًا:  

-طيب فين الولاد؟ 


-نزلوا من بدري للمدرسة


اجابتها صدرت منها مقتضبة  وهي تطوي ياقة أحد القمصان وتضغط عليها بالمكواة بثقلها، ليزفر أنفاسه ويطالب باهتمامها: 

-طيب ممكن تسيبي اللي في ايدك ده وتيجي تديني حـ ضن وبـ وسة


انتبهت وهزت رأسها بطاعة  واخبرته وهي تضغط على  مكبس المكواه توقف تشغيلها:   

-حاضر يا حبيبي 

قالتها وسارت بخطواتها وصولًا لعنده تحاوط خـ صره وتستند برأسها على صدره لثوانِ قبل أن ترتفع على أطراف أصابع قدميها تضـ ع قُبلة على وجنته،  ليعلق هو دون رضا وحاجبه يعتلي بشكل درامي: 

-انا بيضحك عليا وانتِ مبقاش عندك ذمة 

قهقهت على قوله وكررت المحاولة ولكن تلك المرة وضعت قُبلتها على فمه ليُشدد هو على خصـ رها و يرفـ عها قليلًا لمستواه ويهمس بمـ جون والمكر يتلاعب داخل خضراويتاه: 

-برضو مش بذمة 

تعلـ قت بعـ نقه تكرر المحاولة وهو تارك لها حُرية التحكم في وتيرة القُبلة دون تدخل منه

وإن انتهت وطالعت عينه تنتظر رضاه عنها ليهمس بأنفاس ثائرة ماكرًا: 

-يظهر كده محدش عنده ضمير وبيعرف يبهر غيري


قالها وتناول شفـ ـاهها في قُبلة مُتلهـ فة يكمن أعاصير مُلتـ هبة خلفها وَد أن يطلق سراحها وهو يتجه بها نحو غرفتهم قاصد  الفراش ولكن هي تملـ ملت بين يده تَتدلى بجـ سدها وتلامـ س الأرض بأقدامها مُتهربة بخطواتها بعدما فَطنت لمَ ينتويه: 

-مش وقت انبهارات حضرتك انت عندك شغل وانا كمان يدوب احضرلك الفطار واكمل اللي ورايا


نفى برأسه لا يقتنع بحديثها ولاحق خطواتها يتمـ سك بيـ دها ويجـ ذبها لعنده: 

-تعالي اقولك بس من غير حضرتك دي


نفت بسبابتها بدلال يليق بها ثم وضعت قبلة خاطفة على ثغره قبل أن تفـ ر هاربة: 

-يبقالك يا بتاع الانبهارات

ألقت جملتها وفتحت باب الغرفة تركض خارجًا، ليُعقب على هروبها بمغزى يعلم أنه سيصل لها: 

-ماشي بس كده حسابك تقل اوي

أتاه عن بُعد صوت ضحكاتها، ليبتسم ايضًا وإن كاد يخطو للمرحاض رأى كوب من المياه موضوع على الكومود وبجانبه عُلبة من الحبوب العلاجية التي يواظب عليها، مهلًا يَذُكر أنه أنهاها في الأمس ولم يجلب واحدة جديدة، ترى هي من جلبتها...نعم فمن غيرها وهنا ارتسمت معالم الرضا على قسماته وصحبها بسمة رائقة للغاية ليرفع نظراته لاعلى ويدعو الله بداخله أن لا يخـ يب رجاءه وأمنياتها. 

❈-❈-❈


بعد صلاة الفجر التي أَمها بها،  وبعد قرائتها لوردها غفت من جديد بين أحـ ضانه، بينما هو من حينها ولم تغمض له عين يفكر ويفكر في تخمين "جلال" وإمكانية تواجد ذلك اللعـ ين، فقد زفر أنفاسه مُحـ بطًا حين اضطر أن ينتظر أمر النيابة بالتفتيش فإن كان عليه ما كان توانى ولكن بالأخير لا يستطيع تعدى حدود وظيفته، فقد وضع قُبلة على جبينها قبل أن يُعدل من وضع رأسها على الوسادة بحرص شديد ومن بعدها تنهد يطالعها يُشبع عينه من حُسنها قبل أن يغادر الفراش كي يستعد ويخرج دون أن يقلق منامها. 

❈-❈-❈


شعر أن أنفاسه تضيق به بسبب أفعال شقيقه فكان شارد يسير ويسير بلا وجهة محددة ولكن تفاجئ حين وجد ذاته أمام المصنع التي تعمل به و حقًا لم يتقصد ذلك بتاتًا ولكن ذلك لا يمنع أنه تمنى أن يطمأن عن أحوالها ولكن ما منعه أن عقله يأبـ ى ويُعـ أرضه 

بشدة ويذكره بتفريطها، فمنذ مغادرتها وتلك النظرة التي طالعته بها و هو يشعر بنصـ ل حاد انغـ رس في قلبه وزاد

أنيـ نه مع خطواتها، فنعم كل ما به رافضًا، ناقمًا عليها ولكن عدا ذلك العا صي الذي يبدو أنه مازال رغم تفريطها ينبض لها، ويبدو ايضًا أنه من قاده لعندها. وها هي تقترب بخطواتها المُنـ هزمة مطأطأة رأسها

وكأن ما ارتكـ بته في حق ذاتها مُرتسم على وجهها ليتوارى هو عن أنظارها لحين دلفت 

لداخل المصنع تاركته يشعر بالحُزن لحالها ولكن حين تدخل عقله نال توبيـ خ له ولها ليتوارى قلبه ويتراجع مُنكمش ينعي 

خيـ بته بفضلها. 

❈-❈-❈


رجال هنا وهناك يبحثون بكل شبر داخل منزله الكبير على أمل العثور عليه ولكن بلا فائدة فكان يقف "سليم" بكامل هيبته يتوسط ردهة المكان ويقف أمامه ال "غجري" مبتسم بسمة مستفزة خبيثة لا يستنبط ما خلفها حين تجمعوا رجال "سليم" قائلين في نفسٍ واحد: 

-ملهوش أثر يا سليم بيه


كـ ور "سليم" قبـ ضة يـ ده يـ جز على نوا جزه من شدة غيـ ظه بينما عقب الغجري مُتشـ فيًا: 

-قولتلك يا بيه اللي بتدور عليه مش هتلاقيه عندي


ضـ يق "سليم" ثاقبـ تيه عليه وهدر مشككًا: 

-مش عارف ليه مش مصدقك يا غجري


عقب الغجري وهو يُعدل قليلًا الرقعة السوداء على عينه متهكمًا: 

-الميا تكدب الغطاس يا بيه ورجالـ تك قلبوا البيت فوقه 

تحـ تيه 

رشقه " سليم" بنظراته مُخمنًا: 

-ممكن متكنش مخبيه هنا.


حانت من الغجري بسمة خبيثة يكمن خلفها شك بِعينه: 

-يظهر انك متعرفش ان انا وسلطان مفيش ما بينا عمار واكيد عارف انه السبب في تصـ فية عيـ ني واتسـ جن بسببها ومش من العقل انا اللي اخبيه


صمت "سليم" لوهلة يُدرك منطقية الأمر ولكن لم يهـ تز وفَسر حُجته بدهـ اءٍ: 

-واعرف برضو أنك كنت عنده من كام يوم وكنت قاعد على القهوة معاه و بتتكلم و الناس شافوك وشهدوا بكده


ليصمت برهة يقرأ تعابير وجه الآخر المتوترة ويطفر بخِبرته في مجاله وبما اكتسبه منها كي يلهيه عن ذلك الشك الذي رأه بعينه: 

-وبعدين يا غجري أي حاجة تخصكم ملهاش علاقة بالمنطقية  وشوفت من اشكالكم كتير ودايمًا التعابـ ين مكانها الجـ حور وانتم جحـ وركم واحدة


حانت من ال"غجري" بسمة صفراء ورد ببرود مُسـ تفز: 

-صح كنت عنده بس مش معناه إني انا اللي مخبيه دي زيارة عادية والمسامح كريم يا سليم بيه 


وهنا اخشـ وشنت نبرة "سليم" وتوحـ شت نظراته متـ وعدًا وهو يُشـ هر سبابته: 

-هيبان يا غجري وحط في اعتبارك لو ليك يد في اختفائه مش هرحـ مك لا انت ولا هو

قالها وغادر بخطوات غاضـ بة ورجـ اله خلفه تاركين ال"غجري" يبتسم بسمة متخابثة، مُستخفة لأبعد حد.

❈-❈-❈


-انتِ كمان وحشتيني يا "حكمت" 

اخبارك ايه و"حسام" عامل ايه 

جملة وَدودة قالتها "شمس" عبر الهاتف تخص بها "حكمت" تلك السيدة التي سَندتها في أصعب أوقاتها شدة، فقد اجابتها "حكمت" من الطرف الآخر حامدة:

-الحمد لله بخير  و ربنا كارمنا اخر كرم وفتحنا مطعم صغير على أدنا

حانت من "شمس "بسمة سعيدة صادقة وعقبت على قولها خلال الهاتف:

-ربنا يكرمكم يارب ويجعله فاتحة خير عليكم


لتتسائل "حكمت" من الطرف الآخر:

-قوليلي بقى أنتِ ايه اخبارك لسه اخوكِ طا يح 


تنهدت "شمس" تنهيدة مُثـ قلة وكأن شيء يجـ ثو على صـ درها لا تعلم سببه وردت:

-لأ...ده حصل حاجات كتير اوي


-طيب ومستنية ايه ما تحكيلي


وهنا تنهدت "شمس" وباشرت سردها للاحداث ولكن بالطبع احتفظت بالبعض لنفسها  

لتستمع لها "حكمت" وتُعبر عن دهشتها لكل ما آلت له حياتها.

❈-❈-❈


رفرف بأهدابه في محاولة بائسة منه لاسترداد وعيه وإن فعل وانفرجت عينه تأوه يطالع كل ما حوله بنظرة مُهتزة، ضائعة وهمهم بصوت واهن ضعيف:

-انا فين؟ 

اقتربت الممرضة منه تجيبه بنبرة تقطر الشفقة منها وهي تـ دس حقنة المُسكن داخل وريده:

-انت في مستشفى***حمد الله على سلامتك


نظر لمَ تفعله بملامح مُتقـ لصة ثم همهم متأ وهًا:

-انا عايز امشي مش بحب قاعدة المستشفيات


وهنا زاغت نظرات الممرضة ولم تعرف ماذا تجيبه كل ما فعلته أنها أخبرته بإقتضاب:

-للاسف مينفعش محتاج شوية وقت علشان تتعافى


احتد صوته بعض الشيء رغم ضعفه وتسائل بريبة وهو ينـ زع عن يده خرطوم المغذي المثبت بوريده: 

-هو ايه اللي مينفعش انا عايز امشي 


شهقت الممرضة لفعلته وهرولت تجلب المساعدة بينما هو نفـ ض الغطاء عنه ينوي المغادرة ولكن شعر أن محاولاته تبوء بالفشل فرغم إرادته بتحريك جزئه السفلي إلا أن لاشيء يحدث وهنا برقت نظراته وغمغم بنبرة ترتعش و بوجه شاحـ ب يحاكي المـ وتى:

-انا مش حاسس برجلي ومش بتتحرك


حاول الطبيب الذي حضر لتوه هو اثنان من الممرضين تهدئته وإخباره بعلـ ته: 

-اهدى دي حالة من الشلل  مؤقتة وممكن تتعافى وتقدر تحركها مع الوقت


تناوب "صالح" النظرات بينه وبين ساقه وتسائل غير مُصدقًا والدموع تطفر من عينه دون سابقة:

-يعني ايه انا اتشليت؟


لم يجبه الطبيب بل توجه ليحضر له حقنة مهدئة تساعده بينما هو هز رأسه بجنون وقال بهستيرية وهو يدفـ ع جـ سده على أمل التحكم به ولكن كانت النتيجة أنه سقط عن الفراش 

صا رخًا بُحـ رقة لا مثيل لها: 

-انا كويس 

انا هتحرك وهمشي مش صالح اللي يحصله كده...مش صالح... لأ يارب.. يــــــــــــــــــــارب انا استقويت بس بلاش عقابك يبقى كده.... 

حاولوا مجموعة من الممرضين  مساعدته إلا أنه كان كمن فقد عقـ له يضـ رب ساقيه بكفوف يـ ده وكأنه يعنـ فها كي تكف عن خيانته و تستجيب له ولكن بلا فائدة ليظل يصـ رخ ويصـ رخ بنحـ يب قوي وصل لعنان السماء و أثا ر شفـ قة واستـ عطاف كل من استمع له. 

❈-❈-❈


أما هناك في تلك المنطقة المُتـ طرفة وخاصًة داخل ذلك المخزن الخاوي توقف  بسيارته وتدلى منها يسير بخطوات حذرة يتلفت خلفه ليتأكد أن لا أحد يتتبعه بعد محاولاته في اللف بالسيارة بلا وجهة لبعض الوقت تحسبًا.

وحين وصل لذلك الباب الحديدي دفعه محـ دث صرير قوي نفـ ض من كان مُمـ دد على الأرضية بالداخل، ففور أن تقدم الأخر منه زفر براحة قائلًا:

-هو انت الله يحـ رقك وقـ عت قلبي في رجليا 


ابتسم الآخر بسمة هازئة ورد على ذعره وهو يضـ ع اكياس الطعام من يـ ده: 

-اجمد اومال يا "سلطان" ده انت طلعت خفيف اوي


اعتلى جانب فم "سلطان" ولوح في وجهه هادرًا: 

-بلاش نأورة وحياة ابوك وقولي ايه الأخبار، تنهد الآخر يخبره ببسمة خبيثة مُتحاملة: 

-الظابط قالب عليك الدنيا


ابتسم "سلطان" بتشـ في قائلة: 

-طيب كويس خليه يلـ ف حوالين نفسه لغاية ما اظبط حالي...قولي في جديد


-لقينا المصلحة بس مستنين الوقت المناسب 

تحمس "سلطان" وقال مادحًا مجهودات الآخر: 

-فل عليكِ وعلى رجالتك يا "غجري"


اعتلى جانب فم ال"غجري" بزهو ثم قال بملامح جادة وهو يُعدل وضع رقعة عينه: 

-بس مش ده اللي جايلك علشانه


تأهب "سلطان" برأسه، ليتابع ال"غجري" ماكرًا: 

-الظابط جه بنفسه يدور عليك عندي عارف ده معناه إيه؟ 


فرك "سلطان" نـ دبة حاجبه وتسأل بعدم معرفة: 

-معناه ايه لامؤاخذة


-هقولك يا غشيم طرطق ودانك واسمع


قالها ال"غجري" قبل أن يخبره  بشكوكه لتنكمش معالم "سلطان" شيء فشيء ويُسكن الشـ ر عينه وهو يربط معه الخيوط ببعضها. 

❈-❈-❈


عاد للمنزل باكرًا على غير المعتاد 

بعدما أتاه الخبر اليقين بعد تكليفه لمعاونيه بالبحث عن شقيقها وها هو يجلس بهدوء  على مقعد المطبخ يستمع لها و هي تخبره بتلك المكالمة التي دارت بينها وبين "حكمت" اثناء اعدادها العشاء فكانت تقص والبسمة تعتلي وجهه وحقًا استصـ عب عليه إخبارها ولكن هي لاحظت وجلست أمامه تحثه قائلة:

-مالك بقى يعني اليوم اللي ترجع فيه بدري تفضل ساكت كده


حانت منه بسمة عابرة ثم نطق وهو يلتقط كف يدها ويضـ ع قُبلة على ظهره:

-"شمس" عايز اقولك على حاجة بس اوعديني أنك تهدي


فرت الدمـ اء من وجهها وتسألت مُتخوفة: 

-حاجة وحشة حصلت! 


طالعها ولم يجب لتتابع تخمينها وقلبها يهـ وي بين ضلوعها:

-"بدور" او "رامي" فيهم حاجة 

طمئنها سريعًا: 

-لأ هما بخير وانتِ بنفسك بتكلميها كل يوم بس... 


قاطعته بحروف ترتعـ ش والدموع تلتمع داخل عينها: 

-صالح؟


زفر أنفاسه حانقًا قبل أن يومأ لها، لتهـ ب من جلستها وتضـ ع يدها على قلبها ودموعها تعرف مسارها:

-حصله إيه يا سليم...لتتابع متشائمة والخوف ينهـ ش قلبها: 

-مـ ات...مـ ات يا "سليم"

نفى "سليم" برأسه ونهض يحتـ ويها بين احضانه مطمئنًا: 

-لأ يا "شمس" عايش بس في المستشفى

شهقت بقوة ثم تمسكت بقميصه واصرت باكية: 

-عايزة اروحله عايزة اشوفه يا "سليم" خدني ليه دلوقتي...


-حاضر...حاضر بس اهدي يا "شمس" 

قالها بحنو شديد وهو يحتوي جـ سدها المنـ تفض مع شهقاتها أكثر ويربت على ظهرها لعلها تهدأ قليلًا قبل أن يأخذها لتطمئن عليه بذاتها. 

❈-❈-❈  


اصطحبها في الحال كما وعدها وها هي تهرول مُتلهفة بين اروقة المشفى

وإن وصلت لغرفته دفـ عت بابها ولكن هو لم يلحق بها للداخل، فكان "صالح" مُمـ دد بحالة

يرثـ ى لها فاقد الكثير من الوزن و ذقنه مُستطالة و وجهه شاحـ ب مُتـ عب وعيونه غـ ـائرة محاطة بهالات سوداء قاتـ مة.

يرتكز بعينه في الفراغ بنظرات خاوية جعلت "شمس" تضع يـ دها على فمها تكـ بت شهقات بكائها قبل أن تقترب ناطقة بأسمه:

-"صالح"

رفع  نظراته الخاوية لها بنظرة تحمل الكثير من المشاعر المُتضاربة ما بين إختـ ذاله وأفعاله المُخـ زية التي اغدقها بها وما بين تلك النظرة الصادقة والحُزن الجلي على وجهها، فكانت نظراته مُبهمة بالنسبة لها حين اقتربت بخطواتها لعنده تتسائل بقلق ولهفة حقيقية يعلم في باطنه أنه لايستحقها: 

-انت كويس...طمني عليك حصلك إيه...


غرغرت عينه بالدموع وغمغم بضـ عف مُستنكرًا:

-انتِ بجد زعلانة عليا يا شمس!


أجابته باكية وهي تتمـ سك 

بيـ ده مؤاذرة: 

-انت اخويا "صالح" لو مزعلتش عليك هزعل على مين.


نظر ليدها التي تُشدد على يده وغمغم وعينه تفيض بدموع نادمة:  

-بس انا وِحش وياما ظلمتك


قاطعته مُسالمة بطيب أصلها، ولين قلبها: 

-بس انا مسمحاك...مسمحاك ومش هسيبك

نظر لها نظرة مُنكسرة خاوية وهمس بمرارة تضاهي مُر 

خـ ذلانه لها: 

-انا اتشليت يا "شمس" ربنا 

انتقـ ملك مني وانتقم ل "بدور" وكأنه عايز يقولي أنت استقويت عليهم وانا الاقوى


تحركت "شمس" تحتضن رأسه تُصبره ورغم عنها دموعها تهطل تنعـ ي  ما آل له حاله: 

-ده قضاء ربنا…وربنا رحيم بعباده


نطق يتـ شفى بذاته وهو يرتج بكايًا بين يدها: 

-انا استاهل واستاهل اكتر من كده ياريتني مـ وتت وريحتكم مني


نهـ ته متفائلة وعيناها مازالت تفيض بدموعها:  

-بعد الشـ ر عليك...متقولش كده بإذن الله هتبقى كويس...وانا مش هسيبك ابدًا 

حدث ذلك اللقاء أمام عين "سليم" الذي تقلـ صت معالمه متأثرًا أثناء وقفته على أعتاب الباب؛ فلم يشاء أن يفوت معها ليمنحها مساحة مع شقيقها خاصة بها. 

❈-❈-❈


عاد بها للمنزل وها هو جـ سدها ينتـ فض دليل على بكائها التي لم تنفك عنه فقد تنهد بتثاقل قبل أن يمـ يل على جـ سدها المتـ كوم في الفراش هامسًا وهو يجفـ ف بيـ ده دموعها:

-كفاية عياط يا "شمس" حرام عليكِ هيبقى كويس ومتقلقيش هتكفل بعلاجه لغاية ما ربنا يكرمه


غمغمت هي متأثرة من بين شهقاتها: 

-صعبان عليا اوي يا "سليم" 


وساها وهو يمـ سد على شعرها: 

-معلش ادعيله ربنا يشفيه


-هدعيله بس اللي عملوا كده لازم ياخدوا جزاتهم


طمئنها بنبرة واثقة وهو مازال يُمـ سد بحنو على خصلاتها: 

-متقلقيش ظابط زميلي اتولى الموضوع واخوكِ بيقول ان اللي عمل كده رجالة واحد اسمه "حوكش" وده انا بنفسي قـ ـابض عليه يعني تحت ايدينا


أومأت برأسها دليل على إقتناعها ليمـ رر هو كفه على وجنتها يجـ فف بقايا دموعها هامسًا:

-خلاص بقى بطلي عياط دموعك غالية اوي عليا


خفتت شهقاتها قليلًا وحاوطت خـ صره تـ دفن رأسها في مأوى صدره قائلة:

-انا بحبك اوي يا "سليم" ومعرفش من غيرك كنت عملت إيه ربنا يخليك ليا


-ويخليكِ ليا يا شمسي

قالها متنهدًا وهو يدثرها أكثر بين أحضانه وكأنه يخبرها أنه حصنها الآمن من براثن الحياة ونوائب دهرها.         

❈-❈-❈   


في الصباح كانت ذاهبة إلى عملها الجديد وهي تتمـ سك بيـ د صغيرها الذي تضعه في طريقها داخل الروضة  القريبة من بيتها وفور مرورها من أمام محل المصوغات خرج مالكه رجل في أوائل العقد الخامس بهيئة مُرتبة للغاية هاتفًا:

-ست "بدور" 


التفتت "بدور "بدورها ليقترب هو قائلًا:

-إزيك يا ست الستات


زفرت" بدور" انفاسها و أجابته بنبرة هجـ ومية غير مُتمهلة:

-انا مش ست حد يا حج "راضي" الله يكرمك عايز ايه؟


تابع "راضي" يروقه هجـ ومها: 

-استهدي بالله بس مين زعلك 


تابعت "بدور" هجومها بد ماء حُرة لا تقبل أحد يخوض في عرضـ ها:

-وقفتك ليا في الراحة والجاية هي اللي تزعل يا حج راضي و انا واحدة مليش في اللوع وعايزة اعيش انا وابني كافيين خيرنا شـ رنا ومش حِمل حد يتكلم نص كلمة عليا 


حاول تهدئة روعها بكلمات طيبة: 

-اهدي بس انا قصدي شريف واللي هتطلبيه انا تحت امرك فيه


ابتلعت "بدور" رمقها تستغرب ما تفوه به قبل أن تُباشر هجـ ومها: 

-بس انت متجـ وز ومخلف كمان وعيالك طولك


-وماله بس الشرع حلل اربعة وانا راجل مقتدر واقدر افتح  بيتين وام العيال مش هتعارض


زاغت نظرات" بدور" لثوانِ وقد قررت أن ترفض و تُعرض عن الفكرة ذاتها  في سبيل صغيرها إلا أنه قال مطمئنًا وكأنه قرأ أفكارها: 

-وافقي ومش هتندمي وإذا كان على ابنك انا راجل حاجج بيت ربنا وهتقي الله فيه وهشيله فوق راسي ومش هنقصه ولا هنقصك حاجة ابدًا.

تلجـ مت أمام حديثه الصادق وشعرت بسَـ كينة لطالما كانت تحلم بها، فلم يكن أمامها إلا أن تُمهل ذاتها وقتًا أكثر لتتخذ قرارها قائلة:

-هفكر...واقولك 

اجابها ببسمة متفائلة:

-وماله حقك يا ست الستات وانا هستنى 


فور أن قالها استأنفت طريقها برفقة صغيرها وهي تشعر بحيرة لا مثيل لها.

فيا ترى القدر ابتسم أخيرًا لها أَم ستظل تجني مـ رارة إختيارها.  


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ميرا كريم من رواية ذنبي عشقك، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كامل