-->

رواية جديدة جونجان (غابة الذئاب والسحر الأسود) لفاطمة الألفي - الفصل 24

 

قراءة رواية جونجان (غابة الذئاب والسحر الأسود) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية جونجان (غابة الذئاب والسحر الأسود)

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة فاطمة الألفي


الفصل الرابع والعشرون

"لعنة الماضي"



بعدما أخبرها والدها بما فعله صغيرها "عزيز" شلت الصدمة حواسها، ونكست وجهها ارضًا تشعر بالخزي فهي المُقصرة في حق صغيرها، تركت له الحرية الكاملة وهو في ذلك السن الحرج، لم يكن عليه رقيب ولا رادع تصرفاته الهوجاء الصبيانية الطائشة ولم تكن على دراية بأنه من الممكن تعريض حياته للخطر إلى هذا الحد وكل ذلك بسبب لُعبة تحدي بينه هو ورفاقه وما اصاب "سادم" نتيجة تلك اللعبة التي قلبت حياتهم جميعًا..


رفعت وجهها وهتف بصوت عالٍ مُنفعل صارخة بمناداة صغيرها "عزيز"

اهتزت ارجاء الفيلا على صراخها الحاد وانتفض جسد الصغير وهب واقفًا عندما استمع لمُنادة والدته، علم بأنها تُسطر لنهاية السر الذي اباح به جده، تركت غرفته بخطوات مُضطربة يُقدم ساق ويُأخر الأخرى، وجبينه يتصبب بالعرق، وقف على مقربة من والدته التي طالعته بعيون ثاقبة من راسه إلى اخمض قدميه ثم نهض من جلستها تقف في مُقابلة وهي تقول بأسى:

- ماذا فعلت لك "عزيز" لكي تتصرف بحماقة دون أن تعلم عواقب فعلتك؟


من المُقصر يا تُرا فيما اودت إليه الأمور؟ تركتك تفعل كل ما يحلو لك، اعطتك الحرية الكاملة وانا واثقة بك، لماذا خذلتني لهذا الحد، سولت لك نفسك انت واصدقاءك بفعل تحدي كاد ان يؤدي إلى خسارة أرواحكم وانتم تظنون انها مُجدد لعبة


تنهدت بحزن عميق ثم قالت باسف:

-هيا اسرع وبدل ثيابك لكي نذهب إلى "سادم" لتقص على والدته كل ما حدث فهي لم تعلم حتى الآن ما سبب إصابة "سادم" وانا سوف اهاتفها واخبرها بقدومنا.


أؤمى بخفه وغادر على الفور صاعدًا إلى حيث غرفته وهو يحدث نفسه بصوت غاضب ليستمع له شقيقه الأكبر "كارم" ما يبتر به من كلمات ولحق به ليعلم ما الخطب..


دلف كارم خلفه وهو يتسأل بفضول عن سبب حالته:

-ماذا بك عزيز أراك تُحدث نفسك؟


نظر له شقيقه ثم قص عليه ما فعله قبل أيام هو وبعض أصدقائه ومن بينهما "سادم" في لعبة التحدي الذي يتحدث عنها الجميع الان ويمارسونها الكبار والصغار وسبب حالة سادم هو خروجه من اللعبة دون إذن تشارلي ولذلك أصابته اللعنة، كل ذلك تحت أنظار "كارم" الصادمة فهو لم يتوقع ذلك على الإطلاق، وقرر أن يذهب معهم لمواساة "سيران" فهو على علم مُسبق بعودتها عن طريق الصُحف و اللقاءات التي أُجريت قبل عودتها ووسائل التواصل التي تحكي عن نجاحاتها وبطولاتها وخبر عودتها لموطنها فجر اليوم..


❈-❈-❈


داخل منزل "سيران"


لم تستطيع "ريم" النوم بعدما هاتفتها صديقتها واخبرتها بخبر قدومهم لزيارة سادم والاطمئنان على سلامته تفاجئت بالاخير تخبرها أيضًا بعودة "سيران" واخبرتها بانهم تركوا المشفى لكي يتلقى سادم علاجه بالمنزل وبعد ذلك اغلقت الهاتف ونهضت من فراشها تستعد لاستقبال صديقتها وخطيب ابنتها.



وانتقت ريم ملابس مُلائمة وبعد ذلك غادرت غرفتها وتوجهت لغرفة صغيرها تتفقد وضعه وتخبر ابنتها بقدوم كارم ووالدته، طرقت الباب ودلفت مُسرعة لتجد الارتباك على تقاسيم وجه ابنتها تبادلت النظرات بينها وبين "لا اي" ثم تسألت عن حالة سادم لياتي الرد التي اعتادت عليه


تنهدت بحزن ثم قالت:

-"سيران" استعدي لاستقبال "جميلة" و"كارم" فهم على وصول

ضيقت سيران حجبيها وعقدت جبينها ثم بترت جملتها دون تردد:

-لا يعنيني وجودهم في شيء هي صديقتك

هتفت ريم مُندهشة:

- ماذا قولتِ؟ كيف لا يعنيكِ وجود خطيبك ووالدته؟!

رفعت كتفيها بلا مبالاة ثم بترت قائلة:

-لقد فسخت خطبتي وأنا في روما ولا أريد مُقابلة أحد وسادم أيضا بحالة صحية لا تستدعي برؤيته وعليهم تفهم الأمر.


قبل أن تبدي والدتها اعتراضها على خبر فسخ خطبتها أتت الخادمة تخبرها بقدوم الضيوف وعليها الآن إن تذهب لتستقبلهم وهي لازالت مصدومة بما قالته ابنتها ولم تعد تفهم ما يحدث لعائلتها..


زفرت "سيران" أنفاسها بضيق ثم تطلعت إلى "لاواي" قائلة:

-كيف سنحرر روح "تشارلي"التي اقتحمت جسد شقيقي؟

قال مطمئن لها:

- سأنهي الأمر لا تقلقي


نظرت داخل مقلتيه بقوة ولكن عجز لسانها عن البوح وعن التسألات التي بخلدها وهو على علم بها لذلك استخدم قوته على أن تتلاشى جميع التسألاوات المُحيرة لعقلها وجعلها فقط تثق به وتنظر له نظرات إعجاب.


أما عن الوضع بالأسفل..


استقبلتهم "ريم" بترحاب رغم توترها بذاك الخبر الذي جعلها تُصعق بعدم تصديق كيف لابنتها ان تُترك خطيبها الذي تكن له كل مشاعر الحب والغرام فقد كانت مُتيمة ب "كارم" منذ الصغر وكبر الحب معها كيف لها أن تتخلى عنه ببساطة؟ لابد وان حدث لهم شيئًا أثناء تلك السفرة ولا احد يفصح عنها، قررت إلا تُظهر عدم معرفتها بذلك وجلست تتحدث معهم بهدوء إلى أن نهض كارم عن مقعده وهو يتسأل عن "سيران" ورغبته في رؤيتها ورؤية "سادم"


ونهض عزيز هو الآخر عن مقعده ولكن أشارت له والدته بأن يجلس ثانيًا ويدع "كارم" وحده هو من يصعد لغرفة سادم لعله يتحدث مع سيران ولكن تفاجئ الجميع بالطبيب الذي عاد مع سيران من إيطاليا وهو يمكث معهم الان بالمنزل وسوف يتولى رعاية سادم وعلاجه إلى هذا الحد اشتعلت مقلتي كارم بالغضب وقص عليها ما سبب حالة سادم وما أصابه إلا لعنة روح مُعذبة إصابة جسده أثناء تحدي مع أصدقائه.

ارتجف قلب"ريم" وطالعت صديقتها بعينان زائغة ثم رددت هامسة"هذه لعنة الماضي" هي من أصابته.

❈-❈-❈


وفي الأعلى يحاول "لاواي" التحدث مع روح تشارلي يتسأل ماذا يُريد من جسد الصغير عليه أن يُغادر جسده الآن ولكن يجيبه تشارلي بالرفض.


خرج صوته بفحيح وهمس مُبهم لا يفهمه أحد وأشار بكفه لكي تقف "سيران" مكانها منعها من الاقتراب وصم أُذنيها لكي لا تستمع له كأنه فعل بها تنويم مغناطيسي واسبلت عينيها تمامًا منما جعله يقترب من جسد "سادم" المُمدد على الفراش بسكون تام ودنا منه يهمس بأذنه قائلا بغلظة وصوت هسهسة :

-ماذا تُريد "تشارلي" من  جسد الصغير؟ 


حدثه تشارلي بلغته الخاصة الذي لا يفهمها سواهم وفتح سادم مقلتية تطالع لاواي بحدقتين كجمرتين مُشتعلتين :

-لن أُحرر جسده ولن ادعى يهنئ بالعيش وانا اتعذب وحدي

-ولكن لا ذنب له فهو لازال طفلا صغيرًا لم يدرك التعامل معك


-وقع الاختيار عليه وانتهى الأمر 

مع اصرار "لاواي" على تحرير جسد "سادم" من تلك الروح الشريرة الذي تُريد أنهاء حياته، استعان بقوته الخفية وقرر استخدام تعويذة الخلاص وكان يهم بالبدء في طقوسه لولا قدوم "ريم" فجأة. 



دلفت ريم الغرفة بذعر وركضت إلى فراش صغيرها جذبته بقوة داخل صدرها ودموعها تنسال على وجنتيها بغرازة وتهتف بخوف :

-لا... ابني لا  دهمان أرجوك لا ذنب له بالماضي. 


التف الجميع حول ريم ينظرون لها بدهشة وغرابة ولكن صديقتها على علم بلعنة الماضي وانتابها الحزن على ما أصاب صديقتها وابنها أما "لاواي" عندما ذكرت ريم أسم والده  فصوب أنظاره الحادة عليها وتخلل داخل عقلها ليعلم سبب معرفتها بوالده "دهمان" والآخرين يطالعونها بعدم فهم.


أصبحت الرؤية واضحة تمامًا لدى "لاواي" وتذكر والده وأمر التميمة المُحصنة وتلك الفتاة الصغيرة التي وهبته روحها واختفت فجأة عن الوجود لأنها مُحصنة بهالة ذهبية صعب اختراقها. 


تبسم لاواي داخله بعدما علم بكل الحقائق وزواجه من سيران  سيجعله هو المُتربع على عرش مملكة الجان وسوف يتخلص من والده للأبد فقد اقترب موعد رحيله لذلك يُريد القلادة التي هي تميتة الحظ بالنسبة له وهو الذي سيقف في مواجهة والده لابعادة عن معشوقته البشرية وعائلتها..


لم يفهم ما تتفوه به ريم ونظرت بلهفة لابنتها قائلة بتسال:

-"سيران" أين القلادة؟ 

حدقت بها سيران ورفعت القلادة عن عُنقها تشهرها أمام أنظار والدتها ونظرات كل من حولها المُبهمة 

ثم اقتربت من والدتها وجلس على طرف الفراش تهمس بحنو:

-ما الأمر لما كل هذا الذعر؟ أعدك بأن "سادم" سيمر هذه الوعكة الصحية 


ضمت صغيرها بقوة وشددت عليه ودموعها تنساب بغزارة قائلة بصوت مكلوم:

-يا ليتها وعكة وتمر حقًا ولكنها لعنة الماضي التي لا مفر منه، لعنة المارد مازالت تحوم حول عائلتي وستجعلني أخسر صغيري 

قالت سيران بتسأل:

- وما هي تلك اللعنة؟ ما الآمر الجلي الذي تُخفيه عنًا يا أمي؟ 


قالت ريم دون خوف أو تردد وعادت بالذاكرة لاعوام مضت ومر عليها ما يقرُب القرن



عادت "ريم" بالذاكرة إلى الماضي وما عانته والدتها في بداية زواجها من الطبيب المعالج لها، حيث مرت تغيرات عدة في مزاجها من سيء لاسوء وكل ذلك حدث بسبب تعويذة السحر الذي خضع لها جدها قبل ولادة "سيرين" وهي لم تواكب الأحداث ولكن قصت لها والدتها ما حدث لها من اوهام وتخيُلات بوجود "سادم" حولها بكل مكان، أرق مضجعها ولم تذق طعم الراحة ودخلت في نوبات أكتئاب حاد وهلع ورهاب من كل شيء يحدث  أمامها كما انها ابتعدت تلك الفترة عن صديقتيها وظلت حبيسة لغرفتها تواجهه الأوهام وحدها.



بكت "ريم" بحرقة وهي تحكي عن مُعاناة والدتها فهي تخشى لصغيرها  نفس مصير جدته وكل ما مرت به جدته من صِعاب وكانت لديها قوة تحمل وأرادة وصبر ونجت من المرحلة العصبية بحياتها ولكنها لاجئت للشيوخ ولطب النفسي لكي تخرج من ذلك البلاء، فلا تُريد أن يتكرر الأمر مع صغيرها وتعيش مأساة الماضي التي لم تعيشه مع والدتها فمجرد التفكير بالأمر يُرهق عقلها ويُقلب حياتها رأسًا على عقب..



-ساءت حالة "سيرين" منما أقلق والديها فقد كانت تظل مُستيقظة لن تسطيع النوم واذا غلفت عينيها تصرخ هلعًا منما يراودها داخل أحلامها وأثناء صحوها، حول حياتها لجحيم مُستعر، أصبحت جسد شاحب وعيون ذائغة تطلع لهم بتيه وشرود.



في ذلك الوقت قررت صديقتيها "ماري" و "نيروز" إخراجها من تلك الحالة ولكنها لن تستجيب لهن فقد أبت محاولتهن بالفشل واقترح والد "ماري" العم شوقي بذهابها لطبيب نفسي وبحث هو بنفسه عن طبيب مُختص المعالجة النفسية وبالفعل خضعت سيرين للعلاج النفسي ومكسوها داخل مصحة نفسية لأنها حاولت الانتحار وهي غير مُدركة لافعالها ولكن كان يُطاردها المارد "دهمان" اللعين الذي كان مُصر على فقدانها لحياتها.


ظلت قرابة العام داخل المصحة وبدعم صديقتيها والطبيب المُعالج غادرت المصحة وأكملت دراستها للطب بمساعدة الطبيب الذي عشقها وقرر الزواج منها وهي لم تجد إلا الموافقه على هذا الزواج فقد كان ملاذها الوحيد في الحياة، وبعد زواجها عادت تراودها الهواجس والهلاوس وتحملت الكثير ولكن  فقدت زوجها الحبيب ورفيق دربها بعدما أنجبت طفلتها "ريم"

وقرر إحدى رجال الدين ان تذهب للأراضي المُقدسة وأداء مناسك الحج وهُناك الراحة والسكينة والأمان ومن هُناك ألتقت بسيدة اعطتها القلادة المُحصنة بذكر الله وحجر كريم نادر الوجود ومن يومها وهي تتمسك بتلك القلادة والبسها لابنتها "ريم" واختفى ظهور دهمان وعودته لها ثانيًا.


كانت حياتها بائسة وعاشت طوال عمرها تخشى عودته بالظهور أمامها وإذاء ابنتها وأحفادها  إلى أن صعدت روحها إلى بارئها.

شهقت ريم بحرقة بعدما أنتهت من حديثها عن الماضي


اقتربت "سيران" تحتضنها وتربت على ظهرها بحنو لتنظر لها" ريم" قائلة بلهفة عندما تذكرت القلادة:

- أين القلادة سيران؟

اخرجتها من خلف كنزتها وقالت:

- هذه القلادة المُحصنة؟

- أجل هي نفسها القلادة وإياكِ ان تنزعيها

قالت سيران بعدم تصديق تلك الخُرافة:

-ولكن هذا غير منطقي كيف لقلادة ان تتحكم بمصير حياتنا يا أمي، أنها مُجرد قلادة عادية كغيرها



قاطعتها ريم بانفعال:

-لا هي ليست مغيرها، لقد أخبرتني جدتك قبل وفاتها بأن داخلها سحر خفي، حجر كريم نادر الوجود، داخله شراب أكسير الحياة ومن يرتشفه يخلد مدا الحياة

شهقت سيران غير مُصدقة لتلك الخرافات التي تتفوه بها والدتها ولكن لمعت عين "لاواي" بوميض غريب وحصل على مراده حقًا ولكن نجح في إخفاء فرحته في الوصول لهدفه.


نزعت ريم القلادة من عُنق ابنتها وحاولت فتح الحجر الفيروزي الذي يلمع بسحر جذاب ولكنها لم تستطع فتحها فهي تعلم بأنها تحمل داخلها الحجر الآخر ولكن حاولت كثيرًا قبل ذلك فتحها ولكنها يأست والآن هي مُصرة على كسرها وأخراج ما بداخلها، تُريد أن تسترد ابنها الراقد بين الحياة والموت.


تنهدت "جميلة" بحزن وقررت الانسحاب هي وابنائها من تلك الغرفة الخاصة ب "سادم" فيكفي ذلك الوضع المُتأذم وسوف تعود إلى منزلها تحاول الجلوس مع والدتها لتعلم كل ما يخص تلك القلادة وما يعرفه والدها عن  "أكسير الحياة"



ولكن رفض "كارم" المُغادرة مع والدته لانه يُريد التحدث مع"سيران" فلم تحدث بينهما مواجهة لمعرفة سبب فض الخطبة ونزع دبلتها.

تنحنح "كارم" ثم نظر لها قائلا بتحفظ بسبب وجود هذا الشاب الغريب عنهما:

-"سيران" أريد التحدث معكِ الآن، هل تسمحين لي بذلك؟


ألقت سيران أنظارها على والدتها المتمسكة بالقلادة وكانها غريق يتعلق بالقشة وجابت بعينيها التطلع إلى "لاواي" الذي رمقها بنظرات دافئة واقترب بخطوة اتجاه والدتها يحاول مُساعدتها على فتح القلادة فهو لديه قوة على ذلك ولكنه رفض فتحها وادعى انه يحاول فتحها حقًا


-لا تقلقِ سأحاول فتحها 

أعطته ريم القلادة بعيون تائهة تتعلق بالأمل 

اما عن سيران زفرت  أنفاسها بضيق وتركت الغرفة وهي تسير أمامه وهو يتبعها في خطواته، قررت الأبعاد عن ذاك الطابق الذي يوجد به شقيقها وهبطت الدرج إلى الاسفل وتحسبًا لأي رد فعل وحدوث شجار أو صوت وأنفعال عليهم الإبتعاد بالخارج وصحبته إلى الحديقة وهي تقول بثبات:


-اعتقد هُنا أنسب مكان للحديث، تفضل أنا اسمعك جيدًا

جلست هي أولا بالمقعد القابع خلف الطاولة المُستديرة الصغيرة التي تضم حولها أربعة مقاعد وهو اتخذ المقعد المقابل لها ورفع أنظاره تتعلق بمقلتيها وهو يهتف قائلا:

-لم تُتيح لنا الفرصة بالتحدث عن أمر نزعك لخاتم الخطبة


لاحت شبح أبتسامة صفراء وقالت وهي تتصنع الدهشة:

-حقًا لم تعرف السبب وراء ذلك؟

هز رأسه نافيًا وقال:

-كيف اعلم وانا من تفاجئ برد فعلك هذا على حين غفلة ولم يحدث بيننا أي حديث او مواجهة

-حسنًا "كارم"  حللت الرباط الذي بيننا لأنك خائن ورأيتك أمام عيني فلن تستطيع إنكار ما حدث بينك وبين "ميلا" التي كُنت أظًُنها صديقتي ولكن انا لم أصادق الخائنين ولن اربط حياتي بهم


جف حلقه وحاول الدفاع عنه نفسه ومحاولة اعطاءه فرصة أخرى فهو يُحبها وما حدث كان لحظة ضعف

-تتركيني وتنسى حُبك لي، سيران أنا إنا أيضًا أُحبك ولا أريد أن تنتهي علاقاتنا بهذا الشكل، دعي لي فرصة أخيرة ولن تندمي أبدًا، أقسم لكِ ما حدث بيننا شيئًا كانت مجرد لحظة هوجاء وميلا هي من بادرت بالتقرب

قاطعته باشمئزاز وهي تنهض عن مقعدها لتنهي الحديث بينهما:

-وأنت ضعفت بكل سذاجة وقبلت بهذا التقرب، "كارم" ما بيننا انتهى ولم يعد كما السابق. 


انهت كلماتها وتركته مصدومًا فلم يتوقع ذلك الرد، كان يظن بأن حبه سيشفع له خيانته ولكن سيران لم تقبل بذلك، عاد إلى منزله مكهفر الوجه ثم صعد إلى غرفته ورفض الحديث مع والدته، واوصد على نفسه وظل حبيسًا لغرفته يتذكر ما مر عليه في ذلك العام الماضي منذ أن تمت خطبته ب"سيران" 


واللحظات الجميلة السعيدة التي جمعت بينهما ورؤية أبتسامتها التي تُنير وجهها وعندما وصل تفكيره لفقدانها القى هاتفه بقوة حيث المرآة لتتهشم إلى نصفين وقف هو يتطلع لنفسه داخلها ليجد أنعكاس صورته لم تعد صورة مُكتملة، وجد نفسه مُهشمًا تمامًا  مثل لوح الزجاج، هيئة غير واضحة معالم وجهه ناقصة وهذا حال قلبه أيضًا لم يعد مكتملا بعدما فقد قطعة منه لم يُدرك حجم خسارته لحبه إلا الآن وجرح محبوبته بصك الخيانة الذي لا يُغتفر..

❈-❈-❈


الخيانة غدر وسوء خلق لا يجب أبداً فعل مثل هذه الأفعال البذيئة من شخص محب للناس، فالخيانة انتقام عظيم وخنجر مسموم يطعن في قلب الأشخاص ويشعرهم بالألم ويغرس في نفوسهم عدم الثقة وكره كل شيء من حولهم، الخيانة سلوك من يشعر بالنقص. 


غدر البشر من أسوأ الأمور في الحياة، فلا أحد يحتمل الغدر ولا الخيانة ولا الألم النفسي الناتج عن الغدر والخيانة، إذ تفعل الخيانة جرح عظيم في القلب وتهد الأشخاص هدًا كما أن الخيانة هي شبح العلاقات والأمر الأسوأ بين الأحبة، لذلك لا يجب أبداً أن يخون المرء أشخاص أحبوه بصدق ومنحوه الحياة التي لطالما تمنى أن يحياها. 


هكذا كان حالها تتمزق من الداخل ويحترق قلبها بسبب ما فعله "كارم" بها لقد طعنها بخنجرًا مسموم بالغدر والخيانة وهي التي منحته قلبًا نقيًا مُحبًا ومُخلصًا له، أحبه بصدق ولكنها تتضرع مرارة الخيانة وحدها وعليها ان تقف صامدة لن يهزها شيئًا يكفي وضع شقيقها الذي يلهيها عن ترك قلبها للحزن..


 يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي من رواية جونجان، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة