-->

رواية جديدة جونجان (غابة الذئاب والسحر الأسود) لفاطمة الألفي - الفصل 2

 

قراءة رواية جونجان (غابة الذئاب والسحر الأسود) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية جونجان (غابة الذئاب والسحر الأسود)

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة فاطمة الألفي


الفصل الثاني

"مقايضة روح بروح"



 قبل عام


كانت تسير بخطوات متهادئة داخل الغابة كالفراش تتحرك بين الأشجار من غصن لآخر ،  "تيا"  فتاة ذات الخامسة عشر ربيعًا ، قصيرة القامة بيضاء البشرة بملامح طفولية جميلة ورقيقة ، من يتطلع لها ينبهر بجمالها الذي ورثته عن والدتها"جونجان" على النقيض تمامًا  رغم الشبه الكثير بينهما إلا أن تيا تحمل قلبًا أبيضًا رقيق مرهفة الاحساس تشعر بالآخرين على عكس والدتها الساحرة الجميع يخشاها وعندما تنظر لها يدب الرعب باوصالك وتسير قشعريرة خوف ورهبة بجسدك 


وقفت أمام إحدى الأشجار الضخمة تنتظر قدوم صديقها "ماكسر"

الشاب الذي يكبرها بعامين ولكنه صديقها الوحيد الذي يشعر بها وتقص عليه كل ما يخصها ، هو الذي دائما يواسها أحزانها ويخفف عنها ما تعانيه بسبب والدتها ، فالجميع يبتعد عنها عندما يعلم بأنها ابنة المشعوذة التي تستخدم سحرها الاسود في السيطرة عليهم ، لذلك تعاني تيا الوحيدة منذ أن كانت طفلة وكلما كبرت ينعزل عنها الجميع الا ذلك الشاب "ماكسر" فلم يبتعد عنها وكان دائما بجانبها ويلتقي بها في الخفاء خوفا من بطش والدتها .


زفرت بضيق وهي تتطلع للفراغ أمامها بملل تترقب ظهور صديقها .

لم تشعر بالعيون المتلصصة عليها تراقبها من بعيد، تعد عليها أنفاسها، تنهد ذاك الشاب بعمق ثم لاحت ابتسامته الماكرة وهو يختلس النظر إليها بتمعن ، ثم تقدم منها بخطواته الواثقة


دققت تيا النظر بمقلتيها الصفراء المنزوجة بهالة خضراء لامعة ، تهللت اساريرها عندما رأت ظل قادم اتجاهها ، ظنت بن صاحب الظل الذي يقترب منها ليس إلا صديقها " ماكسر" 


وعندما اقترب منها اتضحت لها الرؤية وظهر ذلك الشاب أمامها بطوله الفاره وعيناه الزرقاويتين اللاتي ينبعث من داخلها نظرات حادة ثاقبة، يرمقها كالفهد الذي يقف أمام فريسته بعدما أمسك بها.

ضيقت تيا حاجبيها وتنهدت بضيق ودارت وجهها تتطلع للجهة الأخرى تنتظر قدوم صديقها الذي سأمت من تأخره.


ولكن وقف الشاب أمامها مباشرةً ولازال محتفظ بابتسامته ثم دنا منها قائلا:

- مرحبًا تيا

نظرت له بدهشة لانه يقصدها ثم هتفت بتسأل:

- هل تعرفني؟

هز رأسه بايماءة بسيطة وقال: 

- بالطبع 

ثم أردف قائلا: 

- وكيف لم أعرف شقيقتي الصغرى

علت الدهشة ملامحها التي صرخت فرحة عندما أخبرها بأنه شقيقها ، تذكرت حقا ملامحه التي اشتاقت لها فلم تراه منذ أعوام مضت ، هتفت بسعادة تردد أسم شقيقها الأكبر


-"فيبو"

ابتسم لها وفرد ذراعيه وهو يقول: 

"فيبو جاكوب " شقيقك تيا

ارتمت داخل أحضانه بفرحة عارمة تعانقه بقوة وهو متسمرًا مكانه بسبب ذلك العناق، كادت عينية أن تذرف الدمع ولكن جاهد في كبت دموعه وتحلى بالجمود والبرود عندما تذكر مشاهد من حياته القاسية الذي مر بها وهو طفلا صغير، ابتعد عنها دون أن يبادلها العناق وظل ينظر لملامحها التي تشبه ملامح والدتها المتجبرة القاسية التي جعلته يعاني طفولته وشبابه وأخرج تنهيده حارقة من أعماق قلبه المذبوح بسبب ما ترسخ في عقله بالماضي.


استجمع شتاته المبعثر ثم دس يده داخل جيب سترته وأخرج منهما خنجرًا ذهبي ابتاعها خصيصاً من أجل تلك اللحظة 

رمقها بنظرات معتذرة وكادت دموعه تتساقط وهو يجوب بانظاره على صفيحة وجهها البرئ ثم هتف قائلا:

- سامحيني "تيا" ليس أمامي غير فعل ذلك 


هتفت بتسأل: 

- ماذا تقصد "فيبو" لم أفهمك

عاد يهمس بصوت مكلوم:

- لم أعد كما السابق تيا، ما فعلته والدتك هدم كل شيء بداخلي  .. الذي يقف أمامك الان مغلوب على فعل ذلك 

رفع كفه وربت على خصلاتها الذهبية بحنان :

- يجب أن أخذ بثأري ، اعتذر منك 


ارتجف جسدها الصغير وابتعدت عنه بخوف ورهبة اثر كلماته المبهمة ، ولكن قبض جاكوب بقوه على رسغها يمنعها الابتعاد 

هتفت بذعر وصوت مهتز ، بعدما اشهر الخجر أمامها، سارت قشعريرة بجسدها الضئيل وارتجفت بين يديه القابضة عليها بقوة ورفعت مقلتيها الخضراء تتطلع له بنظرات خائفة لم تصدق بأنها يريد الخلاص منها. 


خرج صوتها برجفة : 

-" فيبو" أنا تيا شقيقتك الصغرى، فراشتك الصغيرة ، نسيت ما كنت تخبرني به يا شقيقي

هز راسها بأسى وجاهد في إخفاء مشاعره ثم قال غاضبًا:

- أتذكر فقط صوت السياج وهو ينهال على جسدي من قبل والدتك دون شفقة أو رحمه، أتذكر لعناتها وسبها لي ولوالدتي الراحلة وهي المتسببة في موتها ، جونجان هي من دمرتني وأصبحت أمامك أشلاء يا تيا، اعتذر لم اريد أذاءك ولكن حان وقت الانتقام ، يحب أن تدفع جونجان ضريبة ما فعلته بي.


ودون أن ترمش عيناه طعن شقيقته بمنتصف صدرها بكل ما أوتي من قوة وغضب جامح افرغة على تلك البريئة التي لا ذنب لها إلا أنها ابنة المشعوذة"جونجان" زوجة ابيه التي كانت تعامله بكل قسوة وتجبر ولم يتذكر يومًا أنها أشفقت على صغر سنه وعوضته حرمان والدته ، لم يتذكر منها يد ربتت على ظهره بحنو ولا يد حاولت أن تمسح دموعه المنهالة في جوف الليل داخل غرفته وهو متقوقع على نفسه بركن الغرفة لم يتذكر سوا كفين صغيرين كانت تربت بهما تيا ذات الخمسة أعوام واناملها الرقيقة الصغيرة التي ترفعهما لتربت بحنو على وجنته.


أنسابت دموعه في تلك اللحظة ونظر لجسد شقيقته الساكن بين يديه ، صرخ بقوة مناديا باسمها بحرقة وهطلت دموعه كالامطار لا تتوقف ، ضمها لصدره وعلت صراخات معتذرًا عن ما فعله بها ، فهي حقا لن تستحق منه ذلك ولكن أراد انتقامة من زوجة أبيه وتلك الصغيرة هي ضحية والدتها..


❈-❈-❈


في الوقت الحالي داخل الغابة، تقف أمام المراد تحدثه بغضب فهي غير قادرة على تنفيذ أوامره تلك المرة


لم تتحمل حديثه الغاضب وإصراره على تحرير الفتيات من قبضتها، هتفت منفعلة وهي ترقد على ركبتيها أمامه:

- وماذا عن النيران المشتعلة داخل صدري؟ وأنت لم تستطيع حماية ابنتي منما حدث لها


خرج صوته كذئير غاضب جعل الأشجار تهتز من حوله:

- نسيتِ أمر الغابة التي ألقيت عليها لعنتي ليتحولو كل من بها لذئاب خاضعة لكِ ، يخشونك وينفذون أوامرك بطاعة وخنوع، سخرتهم من أجلك وحدك.


أستقامت من أمامه واقفة ووضعت القنسلوة السوداء تواري رأسها ثم قالت بهمس خافت:

- فعلت مقايضة من أجل روح ابنتي ولن أحرر الفتيات قبل أن أحصل على مبتغاي

ثم عادت بخطواتها للخلف وهمت بالسير لتغادر المكان ، ولكن أستوقفها صوته الجلي:


- عودي إلى صوابك "جونجان" إذا استخدمتي الفتيات ستحل علينا أبواب من اللعنات لم تُغلق.

 غادرت المكان غاضبة بخطوات واسعة وكل ما يشغل بالها هو المقايضة التي فعلتها من أجل أسترداد روح ابنتها التي خسرتها في مقتبل العمر ، لذلك وقع أختارها على الثلاث فيتات لأنهن باعمار متقاربة لعمر ابنتها ، كما انهن يمتلكن ملامح متشابهة من ابنتها " تيا"


وعندما ولجت لداخل الكوخ ظلت تطالعهن وهن نيام ، تدور حولهن وهي جاحظت العينين إلى أن وقع أختيارها على " ماري" الفتاة التي تتميز ببشرتها البيضاء وعينيها الرمادي تشبه بعيون ابنتها الراحلة، كما أنها قصيرة القامة فكل شيء بتلك الفتاة يذكرها بابنتها، أبتسمت " جونجان" بهدوء وجلست تشعل النيران وسحبت ريشة الطاووس بعدما غمستها بالدماء ونقشت بعض الطلاسم على جلد غزال تحتفظ به داخل كوخها وظلت تردد بصوت مسموع يخرج من فاها كصرير الرياح في جوف الليل الدامس تردد "تعويذة المقايضة" 

❈-❈-❈


ظلام دامس، ليل عاتم، برد قارس والرياح تعصف بالاشجار وتهزها هزًا، تكاد تختلع من جذورها ، ركض"ماكسر" مهرولاً بنفسه، مبتعدًا عن غابة الذئاب وظل يلهث بأنفاسه وهو يعدو خطاه في طريقه إلى قبر رفيقته وصديقة طفولته "تيا" الفتاة الرقيقة التي أحبها منذ نعومة أظافرها ولكن فقدها منذ عدة أعوام وأصابته لعنة والدتها، دفن وجهه بالرمال المحاطة بقبر الصغيرة وزرفت دموعه، ثم مد عنقه يعوي وعاء  بصوت مكلوم ، منكسر ًا ، حزينًا على ما فقده وهي تحت التراب الان


بعد أن هدأت نوبة حزنه مدد بجسده بجوار المقبرة وبرقت عيناة اللامعة وهو يتذكرها عندما كانت تأتي إليه تقاسمه شطيرتها الشهية التي تتذوقها بنهم، ولكنها لن تنسى صديقها ، كانوا يتشاطران الأحزان والهموم معًا ، رحلت هي وبقى هو مُصاب باللعنة.

اغمض عيناه بنعاس ونام جوارها ممدد بجسده أمام قبرها كأنه يشكُ إليها ما يشعر به الآن بعد فراقها ..




نكست "جونجان" برأسها تصوب أنظارها الحادة على البلورة التي أمامها وكانها ترأ طيف من بعيد لفتاة ما، لكن لم يظهر لها ملامح.

وضعت كفيها تحتضن البلورة بقوة واغمضت عينيها وخرج صوتها كالفحيح المشتعل يخرج من فاها تردد كلمات مبهمة لم يفهمها غيرها "أيتها الروح الراقدة بين جوف الأرض أخرجي الأن وتهيئي" 


رددت تلك الكلمات عدة مرات وهي تشدد بقوة على البلورة المسحورة، ثم فتحت عينيها بضيق وكأن لم يعد لديها قوة على إكمال السحر، تبخرت قوتها فزفرت أنفاسها بغضب وامسكت بجلد الغزال ونقشت عليه بعد أن شقت رسغها وسالت دماءها ظلت تقطر دمًا في أناء فخاري وبعد أن أكتفت كتمت رسغها النازف بجلد الغزال وعادت تجلس أمام النيران المشتعلة ونثرت بعض وريقات الشجر التي تستخدمه في تلك التعويذات وانتثر الدخان بالكوخ. 


عندما أشتمت الفتيات ذلك الدخان استيقظوا من غفلتهم وظلوا يسعلون بشدة ولكن تشوشت الرؤية تمامًا، سحبت من بينهما الفتاة المنشودة وسارت "ماري" كالمغيبة لا تعي شيء منقادة خلفها بصمت تام. 

وهمت بها جونجان في خطواتها متوجهًا إلى مقبرة ابنتها الراحلة..

عندما شعر الذئب ماكسر خطوات قدوم "جونجان"  ابتعد بخفة عن مقبرة رفيقته وتوارى خلف الأشجار يسترقي النظر إليها بعيون تومض ببريق حاد كالنيران ..




تتبعها ماكسر بأنظاره الثاقبة ورفع عنقه يشخص بصره لرؤية الفتاة التي سحبتها "جونجان" منساقة دون وعي ودنت من قبر ابنتها تنبشه بأظافرها بغضب جامح تريد إخراج جثمانها.

عندما رأ ماكسر ما تفعله ركض مُهرولاً إلى الشجرة الذي يخرج منها المارد، فهو وحده قادر على ردع جنون هذه المشعوذة. 


وقف عند الشجرة وظل يحوم حولها ويصدر عواءه إلى أن خرج دخان أسود من داخل الشجرة ثم تحول الدخان لمارد ضخم ملامح وجهه مخفية وخرج صوته بفحيح يهز الرياح هزًا وقوة قوية حركت الأشجار وعلم ما تفعله "جونجان" وانها قد خرجت عن طوعه وهو لم يقبل بذلك.


استمعت جونجان لهمسات المارد المرعبة، توقفت عن ما كانت تفعله وتركت الفتاة بجوار قبر ابنتها وسارت بخطواتها الواسعة ذاهبة إلى "المارد" بعدما استدعاها 

أما عن "ماكسر" ركض عائدًا إلى حيث تقبع رفيقته وعندما وصل لهناك وجد ذئب رمادي اللون بعيون حمراء ليس من عشيرته ينقض قضًا على الفتاة المسكينة وهي تصرخ محاولة الاستنجاد بأحد. 


جريَّ بسرعته الفائقة فهو من فصيلة "الالفا" الاقوى والاسرع والامهر وقفز بسرعة البرق على ذاك الذئب الذي غرس أنيابه بساعدي الفتاة بعدما أطاحها ارضًا

نجح ماكسر في إبعاده عن فريسته وحدث شجار قوي بينهما إلى أن فر الذئب هاربًا من أمامه، ثم اقترب هو من الفتاة يتفقدها بعدما غابت عن الوعي من شدة خوفها من أن تلاقي حتفها على يد هؤلاء المستذئبين.

 

دار حولها عدة مرات يشتم رائحتها فلم يشتم رائحة بشرية منذ أن اصابته لعنة "جونجان" وعندما وجدها تنزف من ساعديها وعنقها، خرج لعابه ولعق مكان تلك الجروح النازفه ليساعدها على التأم جرحها وخوف من أن يراه أحد ركض إلى حيث كوخه المنعزل عن غابته وعاد إليها مسرعًا بعدما جلب قطعة متهالكة من رداء قديم وجده وفرده أرضًا باقدامه وسحب الفتاة على تلك الخرقة البالية ثم امسكها بانيابه وقدميه الامامتين وتوجه بها إلى كوخه ليخفيها عن أعين عشيرته.. 

❈-❈-❈


اما عن جونجان وغضب المارد لأنها خرجت عن طواعيه 

سقطت على ارجلها وانهمرت دموعها كالشلالات دون توقف وخرج صوتها المنكسر من بين دموعها قائلة :

-الا تشفق على حالتي بعد خسارتي لقطعة من روحي، دفنت ابنتي بيدي قبل أن اعلم من فعلها؟ 


ثم استطردت قائلة:

-أنسيت "تيا" تلك الصغيرة التي شاركتني في رعايتها؛ نسيت كم المعاناة التي واجهتني بعدما هُدم كل شيء 

خرج صوته غاضبًا:

- لم انسى ابنتك وسينال الجاني عقابه وهؤلاء الفتيات هن من يصلونك للقاتل، الفتيات من بينهن فتاة تمتلك قوة خارقة ستساعدكِ على تقصي الحقائق، وأذا حدث لهن مكروه سوف تحل لعنة لن استطيع ردعها جونجان، تلك الفتاة مُحاطة بهالة ذهبية وقوة خفية لن يستطيع احد خرقها، كونِ حذرة ولن تستخدمي سحرك الأسود مع الفتيات ولن أحذركِ ثانيًا جونجان

ثم تحول لدخان واختفى فجأة كما ظهر فجأة. 


❈-❈-❈


داخل الكوخ الخاص الساحرة 


بعدما فاقت الفتاتين "نيروز وسيرين" ظلتا يسعلان وفاق أيضا الكابتن "عزيز" 

اعتصر قلب نيروز وهي تبكي بحرقة أين اختفت صديقتهن الثالثة؟ هل قتلتها الساحرة الشريرة كما لقبتها عندما رأتها؟ 

استوقفتها سيرين بحزم :

-نيروز كُفي عن ذلك الجنون، اذا كانت تريد قتلنا لما أتت بنا إلى هنا؟ 

لابد وأن" ماري" تتفتل بالمكان 


كفكفت دموعها وهمست باستهزاء مبطن:

-حقًا تكتشف سحر وجمال الطبيعة الخلابة في غابة الأشباح ام في غابة الذئاب أيهما أفضل، جننتني سيرين الخطر محاط بينا من كل جانب من أمامنا تلك المشعوذة الداهية الغير مفهومة ومن خلفنا الذئاب التي قتلت كل من كان على متن الطائرة 


ثم عادت تبكي بحرقة وقالت صارخه :

- كنت أود أن اتحرر من قسوة زوجة عمي وبناتها الاشرار ولكن ها أنا ذاك  على مشارف الموت ومازلت في ريعان الشباب 

تبسم عزيز على شجارهن وأسلوبهن وكل منهنا يفكر بأمر ما 


سارت سيرين بخطوات مبتعدة واشاحت بذراعها وهي تهم بمغادرة الكوخ:

-ستظلين جبانة ولن تكفى عن الحديث عن مأسواتك، سوف ابحث عن ماري 

غادرت سيرين الكوخ ورمقت نيروز الكابتن بنظرات حزينة ثم عادت تجلس ووضعت قبضة كفها أسفل ذقنها وتنهدت بحزن وانكسار 


هتف عزيز قائلا:

- صديقتك معها حق، هيا نبحث عن الأخرى لا تظلي هكذا 

نهضت معه مستسلمة ولكن احتمت بذراعه فظلت متشبثه به، نظر عزيز لساعده التي تقبض عليه تلك الفتاة بقوة ثم أبتسم بخفة وسار في خطواته الجادة في البحث عن الفتيات.. 



❈-❈-❈


داخل المشفى الذي يعمل بها "سادم ياكوب" 

وبالتحديد داخل المشرحة وهو يدون تقرير تلك الفتاة الممدة أمامه وقد تبين انها تم اغتـ صابها وقتلها بطريقة وحشية فقد كانت بدون قلب، الجاني اخرج قلبها بدم بارد دون شفقة او رحمة وجميعهن الفتيات الاتي تعرضن لتلك الحالات

 جميعهن  تم قتلهن بغرز خنجرًا في صدورهن وأخرج قلوبهن من بين صدورهن

 إذا الفاعل هو شخص واحد ومختل، كما يترك وشمًا على ظهور الفتيات وذلك الوشم خاص "بزهرة الزنبق


حيث ترمز تلك الزهرة إلى النقاء والعفة وهذا الذي يجعل المُحققين يتشتتون فيما يرمز القاتل فيما يفعله ولماذا يترك أثر على كل فتاة ولما تلك الزهرة تحديداً؟

تسألات عديدة ولن يجدو لها إجابة حتى الآن.


هتف المساعد الخاص به جاك:

- هل انتهيت من كتابة التقرير الخاص بالفتاة؟ 

- أجل 

-اذا المحقق ينتظر سماعك بمكتب المدير 

قال سادم ببرود:

-حسناً أنا ذاهب إليهما 

استوقفه جاك قائلا:

- برأيك ما المشترك بهؤلاء الفتيات لكي يفعل القاتل بهن ذلك؟ كما أنه يوشمهم بوشم غريب، تُرا بماذا ترمز تلك الزهرة؟ ولما يقتلهم بتلك الوحشية؟ 

اجابه غاضبًا:

- ما شأني أنا في القاتل ودوافعه أنا مجرد طبيب تشريح وأخرج تقريري ما شأني بذلك


-اعتذر أستاذي 

تركه سادم وسحب التقرير الذي دونه وسار متوجهًا لمكتب مدير المشفى لكي يلتقي بالمُحققين اللذين يتولوا تلك الجريمة المتكررة يومياً والقاتل ليس إلا شخص واحد "قاتل متسلسل" ومازل اللغز مُعقدًا ولن يستطيع احد معرفة الجاني او ما يدفعه لارتكاب جرائم بشعة كهذا؟ 


وقف سادم وطرق باب المكتب برفق ثم ولج لداخل هامسًا بجدية:

-مرحبًا سيدي 

أشار إليه مدير المشفى بالجلوس ثم اعطي التقرير الخاص بتشريح جثة الفتاة إلى المُحقق 


التقط منه التقرير ثم فتحه ليقرا المدون داخله ثم عاد يرفع أنظاره ويوجهها إلى الطبيب متسألا:

-أذا الفاعل شخص واحد في كل الجرائم الماضية، إلى الآن تم قتل عشرون فتاة على مدار عامًا وجميعهن تم اختفائهم قبل قتلهم بأيام 

هتف سادم بنبرة جادة:


- اعتقد بأن الفاعل مُختل عقلي 

أيماءة خفيفة فعلها المُحقق ثم نهض عن مقعده واستأذن المغادرة بعدما صافح سادم بود وشكره بامتنان وغادر المشفى باكمله، ام عن سادم فعاد إلى المشرحة ولاحت ابتسامة تعلو ثغره ثم كشف الغطاء عن وجه الفتاة ومسد على وجنتها برفق كأنه يواسيها بما حدث لها على يد القاتل.. 


تعثرت خطواتهم داخل الغابة وهم يبحثون عن ماري وعندما أستمعوا لعواء الذئاب تسمرت نيروز مكانها وارتجفت اوصالها ولم تستطع الحراك. 


اما سيرين فقد عادت إلى الكوخ بعدما رأت جونجان تقترب منها، همت بتسأل عن صديقتها ولكن  جونجان لم تجيبها فقط سحبتها قسرأ من رثغها وقالت بصوت حاد:

- لا تخرجين وتتفتلي بالغابة المستذئبين لن يتركوكِ أذا أشتم أحدهم رائحة بشرية 


عقدت سيرين جبهتها وهتفت دون خوف:

- ولماذا إذا تعشين بتلك الغابة إلا تخافين أن يشعرون بيكِ 

ضحكت جونجان بصخب ثم قالت :

-أنا من فعلت بهم ذلك، هم تحت سيطرتي أنا فقط 

ارتجف قلبها وهي تنظر لبؤبؤة عينيها التي تحولت لنيران مشتعلة ورات ما فعلته جونجان من تعويذة لتحويل الاناس إلى مستذئبين دائمين لم يعودوا إلى بشر ثانيًا إلا بعد الخلاص من المشعوذة"جونجان" 


في ليلة اكتمال القمر

انتشر الهلع والفزع في قلوب سكان الغابة واختلط عليهم الامر كان ذلك المنظر يثير في النفس الرهبة أخذت الهواجس تساور الجميع ثم اشتد بهما الخوف .

اتبعت تعويذ شيطانية ، نيران مشتعلة وبخور ودماء وجلود حيوانات تستخدمها في ذلك السحر الاسود.


جلست جونجان واشعلت الجمر   أمامها ثم نثرت عليَّ حبات البخور ليصدر دخان منبعث من بين الجمرات المتشعلة ورفعت كفيها تحاوط النيران وتدني منها دون خوف تهمس بصوت خافت ، تصدر نغمات مبهمة لم يفهمها غيرها ، وكأنها تلقي تعويذتها وتهامس الجمر المشتعل أمامها ، لتتزايد ألسنة اللهب ، ابتعدت برأسها للخلف قليلا ومازالت عينيها تتابع النيران المتصاعدة وأشارت بكفيها لكي تهبط النيران وتنخمد 

 ثم دست ريشة الطاووس وغمستها بالدماء ثم بالكبريت الأحمر التي تتخذه  في سحرها الأسود ، وجلبت جلد الغزال ذات الرائحة الكريهة ورسمت نجمة سداسيه بالمنتصف وحاوطتها بدائرة ثم نثرت حروف أسم ابنتها متقطعة  وظلت تردد بصوت هامس كفحيح الأفاعي ، تلقي بتعويذتها لتتصاعد الأدخنة داخل الكوخ.

همت جونجان ونهضت من أمام النيران وسارت بخطوات واثقة تعرف طريقها ، دنت من الغابة المقصودة ، لتقلبها رأسا على عقب.


قوة خفية تتحكم بها وغضبها على فقدان ابنتها جعلها تريد أن التحرق الاخضر واليابس ، تريد حرق الكون بمن عليه.

خرج صوتها كالفحيح الهامس في جوف الليل الدامس وردت تعويذتها لتحول الاناس لمستذئبين هي المتحكم والأمر بهم لن تدعهم ينعمون بعد خسارتها لقطعة من روحها، فقد حُرمت عليهم طعم الراحة والسكون بعد الآن.


رفعت جونجان كفيها واشهرتها امامهم بكل غضب ساكن بداخلها

تتطلع لهم باسمة وهي تشاهد تعذيبهم أثناء التحول بقلبا متحجرًا، باردً يماثل برودة إحدى القطبين

ثم رفعت كفيها واشهرتها امامهم بكل غضب ساكن بداخلها

ليتم تحويل الاناس لمستذئبين ببطء شديد 


ازدادت أحجام اجسادهم  وانشقت مخالبهما باناملهم وتضعاف حجم كفيهما، منما تضاعفت اقدامهم أيضا وبرزت مخالبهم وكث الشعر  الاسود الطويل أجسادهم وعلت صحيات صراخهم الغابة بأكملها ، وبرزت انيابهم الطويلة وصراخات تدنو تلو الأخرى عواء مفزع، مروع ، تهتز الأشجار لصرخات الألم التى تنشب من داخلهما، عواء الذئاب يعلو بانحاء الغابة يشق ظلام الليل.


يحرك الهواء والسكون لتتعالى عواءهم بألم يمذقهم لم يستطع أحد السيطرة عليه


كل ذلك اتخذ منهما الكثير من الآلام المتفرقة باوصال أجسادهم .

وهي تصوب انظارها بفرحة عارمة لم تذقها من قبل بعدما وصلت لهدفها .


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي من رواية جونجان، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة