-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 59 - 4 الخميس 30/11/2023

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل التاسع والخمسون

4

تم النشر يوم الخميس

 30/11/2023

العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈

بعد بعض التوصيات الواجبة، والإرشادات الهامة، سمح الطبيب المختص بحالة "عاصم" بخروجه من المشفى، وذلك كان راجعًا إلى عدم وجود ما يدعي بقائه، بعد الفحوصات الشاملة والتصوير المقطعي للدماغ، وقياس مستويات الأداء الحركي الذي أثبت عدم حاجته إلى علاج طبيعي أو مهني، شدد فقط على الانتظام على الأدوية الموصوفة، والمتابعة الدورية مع الطبيب، مع التركيز على مهمة الأسرة التي ستختزل على الدعم النفسي وإبعاده عن مسببات الانفعالات خلال الفترة القادمة.


دلف "عاصم" من باب الفيلا الداخلي، وبجواره زوجته ممسكة بيده، وخلفه كل من أخيه الحامل للرضيعة "مانيسا"، وزوجته بحوزتها "عاصم" الصغير، أول من أسرع لاستقباله كان "يونس"، الذي نزل الدرج ركضًا، حتى وصل إليه في منتصف البهو تحديدًا، هرولته الشقية جعلت "عاصم" ينحني بجسده ليحمله، قائلًا بملاطفة:


-يونس، حبيبي.


علت وجهه بسمة اتسعت تدرجيًا مع ترديد الصغير باشتياق طفولي:


-وحشتني يا أونكل عاصم.


عبث بيده في خصلاته الناعمة، ورد عليه باشتياق مماثل:


-وانت كمان وحشت أونكل عاصم.


دنا منهما "عز الدين" محدثًا ابنه بتريث:


-تعالى بقى يا يونس عشان اونكل عاصم تعبان.


حاوط عنقه بذراعيه، آبيًا تركه، ممَ جعل ضحكة صغيرة تصدر من "عاصم"، الذي يستمع إلى رفضه الجميل:


-لأ، انا هفضل معاه.


قبل أن يفرض عليه والده تركه، التفت له "عاصم" برأسه، وأخبره بهدوء:


-سيبه يا عز، مش تاعبني.


حرك يديه باستسلام، راضخًا إلى رغبة ابنه، وبدأوا في التحرك نحو الدرج، منتبهين إلى نزول "أمل"، يبوح فوق وجهه بسمة متلهفة، فبعد أن ساءت نفسيتها الفترة الماضية، بسبب رؤيته طريح الفراش، لا يصدر منه صوت ولا حركة، آخيرًا اطمأن قلبها بتعافيه، منبجثًا السرور من عينيها، التي تطالع سيره نحوها، فقد كانت لا تصدق ما أخبرها به ابنها عبر الهاتف، من استيقاظه الذي لم يصاحبه وجود مشكلة صادمة، وقفت قبالته وعلى وجهها بسمة واسعة، مخبرة إياه بسعادة واضحة:


-حمد الله على سلامتك يابني.


وهو محافظ على بسمته البسيطة، رد عليها بنزق:


-الله يسلمك يا مامــ..


تدراك قبل أن يكمل عبارته، ما كان على وشك ترديده بشطل تلقائي، نابعًا من شعوره الداخلي، وبلعثمة ضربت لسانه برر بحرج:


-أنا.. طلعت غصب عنـ..


طالعته بنظرة أمومية حانية، وحاوطت وجهه بيديه، مقاطعة إياه قبل أن يتم جملته:


-وطلعت غصب عني ليه هو انا مش زي مامتك؟ وانت ابني زي عز.


نفذت عباراتها الطيبة إلى قلبه، تاركة تأثيرها داخله، رفع يده الطليقة، ممسكًا بإحدى يديها المحاوطة وجهه، وعلق بتؤثر:


-انتي فعلا زي امي، حتى حسيت كأنها هي اللي مستنياني.


لمعت عيناها بالدموع، أخفضت يديها، رابته فوق ذراعيه، وقالت له بصوت مهزوز:


-الحمد لله إنك رجعت وسطينا تاني، متعرفش حالتنا كانت ازاي وانت..


حاولت التغلب على الشعور الذي يدفعها للبكاء حتى تتم جملتها، ولكنها فشلت بسبب الغصة التي اجتاحت حلقها، حينها رمقها "عاصم" بذهول، مصدوم من رؤية العبرات التي انهمرت من طرفيها، وأردف بدهشة:


-انتي بتعيطي!


جففت عبراتها سريعًا، وهتفت ببسمة مهتزة:


-دي دموع الفرح، فرحانة برجوعك يا حبيبي.


ترقرق الدمع بعينيه وهو يرى تلك المحبة الصادقة، والحنان التي تفيض به عليه منذ قدومها، بالرغم من سابق أسلوبه الجامد معهم، وصده لمحاولات تقربها، اعتلى نظراته الامتنان لوجودهم الفارق، وقبل أن يتحرك ليصعد الدرج، أتت العاملة "سعاد"، مهللة ببسمة فرحة:


-حمد الله على سلامتك يا عاصم، نورت بيتك يابني.


ربت فوق كتفها وهو يشرع في التحرك، شاكرًا بلطف:


-شكرا يا سعاد.


وهم يسيرون نحو الأعلى، طلبت "داليا" من العاملة بتهذيب:


-سعاد ممكن تخلي الناني تجيب الولدين لباباهم أوضتنا عشان يشوفهم.


أومأت لها "سعاد"، مرددة بانصياع:


-حاضر يا بنتي.


صعدوا سلالم الدرج بتمهل، متسايرون مع حرك  "عاصم" البطيئة. بعد أن ولجوا الغرفة، أراحوا جسده على الفراش بتؤدة، وذلك بعد أن أجلس "عاصم" ابن أخيه فوق الفراش، وما كاد يتمدد بجسده حتى انتبه إلى طلب المربية الإذن بالدخول، ورفقتها الصغيران، اللذين يغمغما بكلمات غير مفهومة، حينئذ هتف "عز الدين" بمحبة:


-شوف يا عاصم الحلوين اللي جايين بيغنوا، بيحتفلوا بيك من أوضتهم لحد هنا.


أشرق وجهه بتعبيرات متلهفة، ومد يده آخذً أحدهما منها، والآخر وضعته جواره، قربه بيده الأخرى ليحتضنه، مع الأخر المستقر في حضنه، متمتمًا باشتياق:


-حبايبي.


فرف نظراته المتفحصة على كليهما بانبهار، فقد لاحظ له تغير واضح في نموهما، طغى على شكلهما، ممَ جعله يبتسم وهو يقول:


-أهو انا دلوقتي فعلا حاسس اني بعيد عنكم بقالي كتير.


ثم ما لبث أن رفع حدقتيه نحو زوجته، قائلًا بذهول:


-شكلهم اتغير.


افترت شفتاها عن بسمة واسعة، وتابعته بعينين فرحتين وهو يعود بنظراته نحوهما، مضيفًا بإعجاب:


-احلوا اوي وكبروا عن آخر مرة شوفتهم.


داعب وجنة "رائف" بإصبعيه، ثم انتقل إلى خصلات "نائل"، لحظة وعاود النظر نحو الأول، عندما غمغم بنبرة طفولية متقطعة:


-ببـ..ا با.


رفع حاجبيه مشدوهًا ممَ غادر فم الصغير، منتقلًا بنظره نحو زوجته التي اتسعت بسمتها، وسألها بتأكد مذهول:


-قال بابا!


هزت رأسها بتأكيد، ثم أخبرته بحماس:


-الناني قالتلي إن بقالهم كام يوم بيقولوا بابا، قلبهم كان حاسس إنك راجعلهم.


قربهما منه، ضاممًا الاثنين بمحبة أبوية عارمة، مرددًا بتنهيدة مطولة:


-روح قلب بابا، وحياته كلها انت واخوك..


ثم انتقل ببصره نحو اختهما، التي بين يدي أخيه، الذي اقترب منه وقتئذٍ ليعطيها له، في حين كان يطنب هو:


-ومعاكم البرنسس الصغيرة..


أكمل جملته المرحبة وهو يحملها، مرددًا بحب:


-اللي نورت البيت والدنيا كلها.


قربها منه أكثر، لاثمًا وجنتها الناعمة برقة. ظل لبعض الوقت يلاطف صغاره، ويتحدث مع أفراد أسرته، حتى شعر ببوادر الإرهاق، حينها أعطى الرضيعة لزوجته، والأخيرة أخبرت المربية مشيرة نحو الولدين طالبةً منها بهدوء:


-رجعيهم أوضتهم.


انصاعت لأمرها، وتقدمت لحملهما، وأثناء ذلك، أخبر "عز الدين" أخاه بتحفز:


-هنسيبك احنا دلوقتي يا عاصم عشان ترتاح.


عبس وجه "يونس"، قائلًا بتذمر:


-عايز افضل مع أونكل عاصم شوية.


دنا منه والده، وحدثه بهدوء حتى يقنعه:


-أونكل عاصم هينام دلوقتي، واحنا كمان، والصبح أول لما نصحى هنجيله كلنا، اتفقنا؟


بعد تفكير دام للحظات، أومأ له بموافقة، ونزل بحذر عن الفراش، سعد "عز الدين" لموافقته السريعة، وقبل أن يتحرك، أخبر كل من أخيه وزوجته:


-تصبحوا على خير.


رد عليه الاثنان، بصوت متفاوت في العلو:


-وانتوا من أهله


تابعتهم "داليا" بعينيها إلى إن غادروا، وبعد ذلك عاودت النظر إلى زوجها، الذي بدا متحفزًا للنهوض من الفراش، وقتئذٍ سألته باهتمام متلهف:


-عايز تغير هدومك.


هز رأسه بخفة، نافيًا وهو يقول ببعض التعب:


-هقوم آخد شاور، مش هقدر انام كده.


رافقته حتى المرحاض، وسألته قبل أن يدخل:


-ادخل اساعدك؟


قرأ القلق في عينيها، لذا مسح برفق فوق ذراعها، وهو يرفض ببسمة مطمئتة:


-انا قادر اتحرك متخافيش.


تركته يدلف إلى الداخل بمفرده، وبقت هي منتظرة بالخارج، ما تزال مأخوذة من صدمة استيقاظه، وفي دواخله تخشى أن يكون كل ذلك حلم من نسج خيالها البائس، وسيأتي وقت وتستيقظ على صدمة لا تود تخيلها، في خضم أفكارها السوداوية، وهواجسها المخيفة، انتبهت إلى فتحه باب المرحاض، كأنه ينتشلها من مخاوفها، ويثبت لها أن نهوضه من ثباوته الذي طال حقيقة حية، تحفزت في وقفتها، وعلى الفور لحقته إلى غرفة الثياب، تابعت ارتدائه المتمهل لملابسه، بوجه مشرقًا بسعادة غير طبيعية، وما إن انتهى، واستدار لها، حتى ازدادت بسمتها اتساعًا، ودنت منه وهي تقول بسرور:


-انا مش مصدقة انك بجد رجعت معانا على هنا.


التصقت به متحسسة وجهه بأصابعها برقةً، ثم قالت بأسى وهي تتفحص قسماته بحنين:


-انت متعرفش كنت خايفة ازاي الأيام اللي فاتت.


التمعت عيناها بدموع عالقة، وأطنبت بصوت مرتجف:


-كنت خايفة متفوقش، كنت خايفة يجرالك حاجة، كنت خايفة تسيبني، كنت خايفة من حاجات كتير اوي يا عاصم.


لاح تعبير متأثر على وجهه، من سماعه لوصلة المخاوف، التي استبدت بها خلال أيام غيبوبته المضنية، شعرت بنفسها تبكي وهي تدفع جسده لحضنه، عانقته بقوة مع توسلها بنحيب:


-متبعدش عني تاني، خليك في حضني، متسيبنيش.


انهال جفناه من ذلك القرب المهيج للمشاعر، والعاصف بنبض قلبه المتعب، رفع ذراعيه محاوطًا ظهرها، متنعمًا بذلك العناق الدافئ، وبعد مدة سرى في جسديهما العديد من الرعدات اللذيذة، فصلت "داليا" العناق، ولكنها ظلت لصيقة به، حاوطت وجنتيه براحتيها، وهي تطالعه بنظرة فرحة والبسمة ملء شدقيها، وعند ذلك القرب تحكمت بها رغبة قلبها، دافعة إياها إلى تقبيله فوق سائر وجهه، بلهفة شديدة، جعلت أنفاسه تضطرب، وفكره يضطرب، وعند لحظة تلمسها لشفتيه بخاصتيها، ارتدت للخلف بغتةً، ممَ جعلها تناظره في تعجب قلق، متسائلة بخوف:


-مالك؟


ابتلع ريقًا غير موجود بحلقه، مجيبًا بلهاث مرتبك:


-حاسس اني دايخ شوية.


رمقته بنظرة متخوفة وهو يتحسس بيده جانب رأسه، وسريعًا ما أخبرته بلهفة:


-طب تعالى ارتاح يا حبيبي.


أمسكت بذراعه مصطحبة إياه إلى الفراش، ساعدته فب التدثر تحت الغطاء، وقبل أن تنضم له، سألته باهتمام 


-محتاج حاجة اعملهالك؟


هز رأسه بالسلب وهو يلفظ نفسًا مرهقًا، إرهاقًا نابعًا من قلبه المُنهَك، في حين جاورته هي، ملتصقة بظهره، وهو نائمًا على أحد جانبيه، حتى لا يزيد الضغط على منطقة الجرح، كما نصحه الطبيب، لفت أحد ذراعيه حول بطنه، وبصوت هامس، حنون، قالت له:


-تصبح على خير.


أغمض عيناه وشعور غريب يسحبه من ضمتها المشتدة باحتواء يفتقده منها، ورغم لذته التي غمرت كافة جسده حتى خدر حواسه، إلا إنه متعِب، فقد فتح باب بعقله ليجوس منه عشرات المخاوف، نحو علاقة معقدة منذ أول لحظاتها، كلما لاح به بصيص نور، التهمته الظلمة بين طياتها. بعد مضي عدة دقائق مستنزفة لطاقته، سلب وعيه سلطان النوم، الذي أنهى حربًا من الأفكار الضارية التي دارت في رأسه المنهك، تاركًا الأخرى في تفكيرها الحالم، تعقد الآمال، وترسم الأحلام.



يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي من رواية مشاعر مهشمة الجزءالثاني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية