.توقفت سيارة قاسم أمام المقابر، ثم ترجل اولاً منذر من السيارة يليه قاسم، سار  بضع خطوات على الأرجل قبل أن يتوقفا أمام بوابة سوداء كبيرة يظهر من داخلها قبر كبير وضع أمامه اسم زهران ابو المجد وتاريخ الوفاة   قال منذر وهو ينظر إلى قاسم:

_اديني طاوعتك أهو وجينا لحد تربته عايز اي تاني؟ 

نظر له قاسم في حزن ثم قال:

_نقر اله الفاتحة وبعدين نمشي٠ 

وافق منذر على قرار قاسم ثم أتم قراءة الفاتحة قبل أن يقول في لهجة اعتراض:

_عايز تفضل شوية كمان؟؟ 

نظر قاسم إلى داخل البوابة ثم رفع يده مثل من يلوح إلى شخص ما والتفت إلى منذر  قائلاً :

_خلاص يا لا بينا٠

توقف قاسم أمام سيارته ثم قال ل منذر:

_مش عارف يا منذر أنا حاسس أن في حاجة انا لسه معملتهاش  للراجل دا ٠

منذر نظر له في حيرة وقال:

_حاجا زي اي عاد؟ العزا ورحت ولاده وسلمت عليهم في أي تاني؟ 

نظر قاسم إلى المقابر وقال في صوت منخفض:

_آخر مكالمه كانت بيني وبينه كان هو لسه واصل بلاد برا قال لي أنا عارف أن المصالحة اللي جت في اخر العمر دي حظي أنا، وعارف انك مش هتبخل عليا بأي حاجة٠ 

نظر له منذر في تفكير ثم قال:

_تعرف اي هي الحاجة دي يا واد عمي؟ 

قاسم قال في إهتمام:

_اي هي؟ 

منذر نظر في إتجاه المقابر وقال:

_ أنا فاهم كويس اوي يا واد عمي انت بتفكر ازاي،  انت صعبان عليك الراجل، الراجل كان له شنة ورنه وفجاة كدا ومن غير مقدمات وقع دا مش وقع بس دا انتهى 

وأنت حاسس أن الناس كلها بتفكر زي داليا مرتك واختي،  وهو دا اللي محسسك أن في حاجة لسه عليك ل زهران ابو المجد،  هو دا اللي محسسك أن الكلمة اللي قلتها ل داليا واجب تتقال للناس كلها علشان مش داليا بس اللي لسه حاطة في دماغك الكلام دا، لا دا كل ناس البلد الكلام دا معشش في نافوخهم مع أن الحكومة نفسها برءته، بس فرعنه الراجل وجبروته أيام ضرب النار خلى الكل يقول زهران اللي عملها وفلت بجيروته وقوته   من الحكومة ، والراجل أيامها كان عاجبه اوي الكلام دا ومكنش عايز يلغيه دا رفع راسه تكبر وتجبر وقال للدنيا كلها

أنا أعمل اللي أنا عايزه 

وقانوني هو اللي ماشي

كان بيداري على حزنه وحسرته ايامها، 

 انت حاسس أن زهران  عايزك تبرءه قدام الناس كلها من تهمة ضرب النار عليك، مش هو دا اللي في دماغك يا واد عمي؟  

هو دا الدين أو الواجب اللي انت حاسس بيه ناحية الراجل دا٠ 

نظر قاسم في إتجاه زرع الصبار المنتشر في المقابر وقال في لهجة شك:

_جايز، بس دا حله بسيط اوي في أي قعدة صلح جاية تتم في المضيفة  هقول كدا بنفسي٠

منذر نظر إلى المقابر وقال:

_بقولك اي تعال نلف ناحية  المقابر  الشرق نقرا الفاتحة لابوك وأبوي يا لا٠

هز قاسم رأسه موافقاً على كلماته، ثم اتجه إلى مقابر عائلتهم، وفتح البوابة الخاصة بهم وجلس إلى جوار منذر على كرسي رخامي وقام على قراءة الفاتحة، ثم نظر إلى شجرة أغصانها عالية داخل المقبرة وقال:

_اخر مرة جيت هنا كانت الشجرة قليلة، دلوقت ضللت عليهم٠

منذر أخذ ذراع قاسم واتجه به إلى الخارج وقال:

_ما في ناس  بتراعي الترب كلها بأمر منك انت وبمرتب كمان٠

منذر قال وهو يغلق البوابة:

_انت حاطط مفتاح بوابة التربة مع مفتاح عربيتك ويييي منك يا قاسم وييي٠

قاسم وهو يتجه إلى خارج المقابر:

_ايوا علشان خالي صبور تعبان بقاله شهرين قلت يمكن يكلموني وأنا برا علشان يفتحو  التربة٠ 

منذر نظر إلى قاسم في استنكار وقال:

_خالك صبور تاجر البهايم تعبان!؟ دا خالك صبور دا فيه صحة تهد جبال، دا مش بعيد يشيع العيلة كلها ويصبح يتجوز من تاني، اكيد كان عنده دور برد وقالك لما أخذي العين  ولم عياله ووصاهم  ينشروها في البلد وهما انت خابر كلمته سهم  على روسهم بينفذوه، خابر يا قاسم وأنا جاي شفت خالك صبور بيرمح  ورا تور تبعه ملكه  هايج في أراضي الناس، ومعاه ولاده السبعه وشباب 

من الجيهه جيرانه  

وهو لوحده اللي قدر عليه وجابه، يعني التور بجلاله قدره معرفش يدوخ خالك صبور، لا دا خالك اللي شل حركته، وتقولي خالك تعبان، اومال احنا نبقي اي؟ 

مرضى ولا ميتين عاد٠ 

أبتسم قاسم ثم قال:

_بالحق يا منذر هو انت خدت بالك من جاسر وجلال؟ 

صعد قاسم ومنذر السيارة قبل أن يقول منذر:

_ايوا خدت بالي منهم طبعهم واحد وعينيهم قاسيه ونفوسهم ميتة٠ 

هز قاسم رأسه وهو ينظر إلى الطريق وقال:

_تعرف أنا بتعجب اوي؟ 

منذر قال وهو يرخي رأسه إلى الخلف:

_من اي التعجب يا واد عمي وأنا اقولك ع اللي يشيله؟ 

قاسم وهو ينظر إلى الطريق في إهتمام:

_جاسر وجلال دول زي ما يكون مش ولاد زهران٠

أبتسم منذر وتابع:

_لا اعكس قولك يا واد عمي جاسر وجلال هما ولاد زهران في الشكل والطبع كمان٠ 

قاسم في لهجة اعتراض:

_لا ابداً ابوهم الله يرحمه كان شديد واعر بس مكنش فيه طريقتهم دي ابداً٠

منذر ابتسم ثم قال:

_نسخة معدلة بقا يا كبير٠ 

ثم استطرد قائلاً في إهتمام:

_زهران ابو المجد كان شديد وقاسي بس كان له قوانين حاططها  لنفسه، قوانين غرزتها فيه تربيته هنا وسطينا متخلاش عن عادات  بلده ولا أهله، ولاده شربوا منه الشديه 

وهو حطهم في السوق، 

السوق فيه حيتان وغيلان، وهما من اول يوم ليهم في السوق 

حلفو ليكونوا هما الغيلان والحيتان الكبيرة اللي الكل بيخاف منها، 

هما بقا عملوا لنفسهم قوانين تانية قوانين 

مافيهاش غير أنا وبعدين الطوفان بعد مني٠ 

هز قاسم رأسه علامة الموافقة وقال:

_ايوا صح مظبوط كلامك يا واد العم٠ 

منذر نظر فجأة في إتجاه النافذة التي بجوار قاسم وقال:

_عويس واد عمك صبور أهو على الجيهه التانية أهو، واخد التور ومرجعه بيته وخالك صبور ساحب لوحده خمس تيران بايده الاتنين، بص شوف وتقولي خالك صبور تعبان يا راجل قول كلام غير دا خليني اصدقك شوية٠ 

قاسم نظر له في اعتراض وقال:

_احمدك ربك أن خالي بعيد عنك وعني، لو سمعك كان جري وراك البلد كلها٠ 

أبتسم منذر وقال:

_عرفت بقا أن خالك سليم وفي صحة عنك وعني وعن البلد كلها؟  

قاسم نظر في إتجاه عويس وقال:

_واد خالي شبهه الخالق الناطق فولة وانقسمت نصين٠ 

اخذ  قاسم زفير حاد ثم قال:

_جاسر كمان شبهه زهران اوي٠ 

منذر نظر إلى قاسم نظرة سريعة قبل أن ينظر إلى الطريق وقد لمس شوق وحنين قاسم إلى الأبناء فاكتفى بالصمت، وفكر أن يعرض عليه أن يستشيرا أطباء جدد في القاهرة ولكنه التزم الصمت  في حين أعقب  

قاسم:

_وانا ولادي اكيد هيكونوا شبهي لما يجوا٠ 

نظر منذر إلى قاسم ثم أعقب في لهجة مرح:

_لا ولادك أنت هيكونوا شبهي أنا وبكرا عن قريب أوي تشوف رزقك لما يجي وتعرف أن منذر كلمته حق٠

توقفت السيارة أمام الثرايا، كانت داليا تقف في الحديقة أسرعت إلى قاسم ومنذر فور أن شاهدتهم قائلة:

_اي التأخير دا كله؟ كنت لسه هروح أنا على العزا٠

وضع قاسم يده على شعر داليا في حنان:

_ولا تأخير ولا حاجة٠ 

منذر قال في لهجة اعتراض:

_ ايوا اتاخرنا، علشان نيجي على الاكل طوالي، الاكل جاهز ولا اي؟ اوعي تكون نسيتي اخوك وطلباته٠ 

هزت داليا رأسها علامة النفي وقالت:

_كله كله جاهز، يا لا يا اغلى الناس عندي ناكل سوا أنا كمان مي_تة من الجوع