-->

رواية جديدة اليمامة والطاووس (روقة) لمنى الفولي - الفصل 13 - 3 - الأثنين 20/5/2024

 

قراءة رواية اليمامة والطاووس (روقة) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية اليمامة والطاووس (روقة)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة منى الفولي


الفصل الثاني عشر

3

تم النشر يوم الأثنين

20/5/2024


وقف مرتديا جلباب زينهم ممسكا بذلك الجوال الذي يحوي حقيبته، وهو يردف بحماس: أنا جهزت خلاص يلا بينا.

 راقبه زينهم بدهشة: أنت لابس كده ليه، المرة اللي فاتت كان عشان محدش يعرفك، دلوقتي أنت مش مضطر تعمل كده غصب عنك.

خجل من نفسه وقد تبين فطنة زينهم لنفورة واشمئزازه وقتها، فغمغم مشاكسا بود: انسى الجلابية دي بقيت بتاعتي ومش هتشوفها تاني.

ابتسم زينهم مغمغا: طيب خدها بس حطها في الشنطة.

ابتسم متمسكا بالجلباب: لا زي ماجيت هامشي، مش عشان محدش يشوفني، لكن أنا حابب ده.

أجابه مستسلما: براحتك.

هبطا الدرج بهدوء، وبكل طابق كان يسترجع درس استفاده أوخطأ ارتكبه، انقبض قلبه بنفور بطابق شوقية ليستبدل بالتقدير عند مروره بباب رانيا، ليهبط مبتسما بتعاطف عندما مر بشقة هناء، وكتم ضحكة شقية وهو يمر على باب فاطمة متذكرا جنونها وزغردوتها اليومية، ليزفر بحيرة وهو يصل للدور الأرضي متسائلا هل نجحت فاتن باسترداد حب زوجها، أملا أن يكون خطأها، خطأ يمكن أصلاحه، متسائلا وماذا عن خطأه هو، هل سينجح بإصلاحه، أم أنه خسر كل شيئ، وترى كيف انتهت محنته وبأي ثمن.

وضع حقيبته الأنيقة داخل الكابينة، ليجلس هو بجوارها بهدوء، فلا داعي للتمدد بجوارها كالمرة السابقة فلا خوف من رؤية أحدهم له هذه المرة، قاد زينهم الدراجة حتى وصلا لنفس المكان، الذي سبق وودع به صديقه، ليجد سيارته بنفس المكان، على أطراف حقل الذرة، ليهرع الصديقان يرتميان بأحضان بعضهما وكلا منهما يتمسك بصديقه بقوة، تتعالى أسئلتهم المتلهفة عن الحال بالأيام الماضية، ليهدأا تدريجيا، ويلحظ عمر ملابس صديقه فيتسائل حائرا: أنت لابس كده ليه هو زينهم مقلكش أن الموضوع انتهى.

ابتسم ياسر وهو ينظر لزينهم بامتنان: هو قالي بس أنت اللي مقولتليش.

تسائل عمر بدهشة: مقولتلكش أيه.

اقترب يحيط كتف زينهم بذراعه: مقولتليش واحنا جايين على هنا أنك موديني، عند أرجل وأجدع راجل ممكن أقابله في حياتي.   

ارتسم الخجل على وجه زينهم، بينما رمق عمر صديقه سعيدا وهو يلاحظ تغير شيئ ما بشخصيته وروحه ليشكر زينهم ممتنا: تعبناك يا زينهم وتقلنا عليك، بس زي ما قال ياسر، أنت أرجل وأجدع راجل ممكن الواحد يقابله في حياته، أنا عمري ماهنسى جميلك ده.

اجابه زينهم بحرج من مدحهما أياه: ده من أصلكم الطيب، خيركم السابق، وأنا رقبتي سدادة في أي وقت.

شكره عمر كثيرا بينما احتضنه ياسر مودعا: جميلك على راسي يازينهم، مش بس أنك خبتني، جميلك أكبر من كده بكتير، خلي بالك من نفسك يا صاحبي.

اختنقت الكلمات بحلق زينهم وهو يرى تقديرهما له رغم الفارق الشاسع بينهم، ليغمغم سعيدا: تسلم وتعيش، ربنا ينصرك ويجبر بخاطرك يارب.

لينطلقا بعدها بسيارة عمر في طريقهما للقاهرة، قص عمر عليه  كل ما حدث، وكيف انتهى الأمر لصالحه بفضل كذبهما بأمر سهل كشفه، وطلاق ياسين لسلوى، وإنتظارهما له لإتمام طلاقه لنجوى بعد تنازلها عن كافة حقوقها وتعهدها بعدم التعرض لحياته ثانية، كما أخبره بأمر دعاء وزياتها لياسين، ليزداد تقديره لها وندمه على ماصدر منه تجاهها، ولكن أكثر ما ألمه هو معرفته بالظروف الصحية التي المت بشقيقه، ولام نفسه كثيرا على سوء ظنه به واعتقاده بأنه غاضب منه منحازا لزوجته بينما هو أخفى عنه ألمه لينقذه، وصلت السيارة أمام المستشفى، ليتسائل ياسر بقلق: هو لسه هنا، أنت مش قولت أنه كويس دلوقتي؟

طمئنه عمر مؤكدا: والله كويس، هو اللي رفض يرجع البيت، وقاعد هنا بمزاجه.

ترجل ياسر من السيارة عدوا بمجرد معرفته برقم غرفة أخيه، يتبعه عمر مهرولا، ليصل لهما وقد ارتمى ياسر بحضن أخيه يتسائل بلهفة: أنت كويس يا ياسين، عامل أيه دلوقتي.

انسحب عمر للخارج تاركا لهم مساحة للحديث. 

شدد ياسين من احتضانه يتلمس به الأزر والسند فهو أخيه وابنه وكل من تبقى له بالحياة، يعلم أنه قد أخطأ بحقه، وكان يخشى أن يخسره، ولكن لهفته وقلقه عليه طمآنا قلبه بأنه مازال يتمتع بنفس المكانة لدى أخيه، ليتمتم بحب: أطمن يا حبيبي، أنا كويس والله؟

صاح ياسر متشككا: كويس وفي المستشفى من يوم ما مشيت.

أكد له، وهو يتمتم بقنوط: والله كويس، بس هامشي أروح فين؟

صاح مندهشا: يعني أيه تروح فين؟ ترجع بيتك طبعا.

ضحك ياسين بقهر: أنهي بيت، بيت سلوى.

هتف ياسر مستاءا: سلوى مين، البيت ده بيت أبونا، وبيتنا من بعده.

ابتسم شاردا يغوص بذكريات أصبحت كل ما يملك حاليا: عمره ما كان بيتي، طول عمري شايف أنه بيتها، أنا خطبتها والعمارة لسه بتتبني، أول مرة دخلت شقتي كان وأنا بافرجها عليها واحنا كاتبين كتابنا، كل قشة في البيت كانت على ذوقها.

 اتسعت ابتسامته وامتزجت بمرارة مؤلمة: كنت عايز أفرحها مع أني كنت حاسس أنها مش طيقاني، كنت عارف أنها مش شيفاني حبيبها، واستكفيت بأني أكون سكنها.

تأثر ياسر كثيرا بحال أخيه، يعلم بأن رجولته لم تسمح له بالإبقاء عليها، ولكن لا حكم له على قلبه، الذي يتعذب بفراق محبوبته، وأن كان يعلم بأنها لا تستحق هذا الحب، فلم يشاء أن يقسو عليه، فيكفيه ما به من ألم، لذا تخطى هذا الموضوع متسائلا: طيب وعيادتك، أنت مفتحتهاش من يومها.

أجابه بلا مبالاة: السكرتير رجع الحجوزات، وبلغ الجميع أني سافرت في مؤتمر طبي ومش هارجع دلوقتي.

هاله ذلك القنوط الجديد بشخص أخيه: بس يا ياسين..

قاطعه ياسين زافر بنفاذ صبر: ممكن تسيبك مني، روح لمراتك يا ياسر، روح لها وراضيها، أنا اعتذرت لها، واعترفت بغلطي، بعدين هافهمك اللي حصل، المهم دلوقتي أن مراتك بنت حلال وأصيلة وبتحبك وكلنا ظلمناها، رجعها يا ياسر وخلي ابنك يتولد في حضنك.

اختنق صوته وهو يستطرد بصوت متحشرج: لو عايزني أروح أبوس أيدها ورجلها أنا موافق والله، المهم تسامحني وترجع لك، حتى لو اشترطت أنكم تقطعوا علاقتكم بيا أعمل كده يا ياسر، لأني الغلط غلطي من الأول.

صاح ياسر مستنكرا: أنت بتقول أيه، أقاطع مين، هو فيه حد برضو بيقاطع أبوه، أنت أبويا يا ياسين، وأن لا يمكن أبيعك مهما كان، لو على الغلط كلنا غلطنا.

شدد ياسين على يده ممتنا: ربنا ما يحرمني منك، بس عشان خاطري روح لها، شوف الأول هتقولك أيه، يمكن نوصل لحل.

صمت شاردا، قلقا من المواجهة يحترق بين نارين، ألا تسامحه، أو أن تطلب منه فعلا التخلي عن أخيه.

❈-❈-❈

لم يستمع لأي من كلمات حماه اللائمة، وتوقفت كل حواسه عن العمل إلا بصره الذي تركز عليها بمجرد ظهورها من خلف والدها، يروي ظمأ تشققت له روحه منذ فراقها، رقت عيناه وهو ينظر لعينيها الحبيبتين اللتا تهربتا من مواجهته، وازدرد ريقه وهو ينظر لشفتيها المضمومتين بتذمر، بينما فغر فاهه بصدمة وهو ينظر لبطنها التي تكورت على نحو ملحوظ، لم يتبينه على هذا النحو أثناء مراقبتها بسبب ملابسها الفضفاضة وبعد المسافة، تخطته فحبس أنفاسه التي التقطتها أنفه لرائحتها أثناء مرورها به، تتشبع روحه برائحتها التي حرم منها منذ الفراق، والتي كان يقتات ببقاياها بأثاث غرفتهما بصومعة ذكرياته، التي أصبحت مسكنه الفعلي حاليا، جلست أمامه وهي تتأوه من ثقل حملها فتردد صدى تأوهها بقلبه ينعي حرمان المشاركة بحملها والتخفيف من ألمه عليها، ولكنها استكثرت عليه حتى لحظات تأملها، فقطعت عليه حبل افكاره بصوت جامد، خدش أذنيه جفاءه: بابا قال أنك عايز تقابلني.

فشل في رسم ابتسامة على وجهه أمام جمودها البادي، فخرج صوته مرتعشا وقد أغتالت ثقته التي اكتسبها بموقفها من أزمته: وأنت مكنتيش عايزة تشوفيني يا دعاء.

أجابته بنفس اللهجة الجامدة: وأنت بيفرق معاك اللي باعوزه يا ياسر.

باغتته بهجومها المباشر، ولكنه قرر مجاراتها وإنهاءهذا الجفاء المضني لقلبه: أي حاجة بتخصك طول عمرها بتفرق معايا يا دعاء، عارف أن غلطت بس كان غصب عني.

لم تستطع التماسك بقشرة جمودها الظاهري أكثر من ذلك وهي تهدر بغضب: كان بمزاجك يا ياسر كل حاجة كانت بمزاجك، دخولهم وسطنا وتحكماتهم كانت أحلى على قلبك من العسل وكانت من وجهة نظرك لذاذة وخفة دم وأنا اللي قتمة ومقفلة، صحبتهم وفرض نفسهم علينا حتى في أي وقت اجتماعية وترويش وأنا الانطوائية الكئيبة، حتى كلامهم اللي زي السم وتلقحيهم علي، كان عشم ومحبة وأنا اللي على راسي بطحة.

كانت كلماتها كالحجارة ترجم روحه وتصطدم بأبواب ذكرياته مستخرجة تلك المواقف العديدة التي خذلها بها، مساندا لمن أرادوا هدم بيته ولو بسلبيته تجاهه ضيقها، ليجيبها معترفا بألم: عندك حق، مش هاقول أني مغلطتيش في كل اللي قولتيه، لكن عذري الوحيد أني وثقت في ناس مكنوش قد ثقتي فيهم.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منى الفولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة