رواية جديدة اليمامة والطاووس (روقة) لمنى الفولي - الفصل 11 - 1 - الأحد 19/5/2024
قراءة رواية اليمامة والطاووس (روقة) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية اليمامة والطاووس (روقة)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة منى الفولي
الفصل الحادي عشر
1
تم النشر يوم الأحد
19/5/2024
تمتمت بحسرة: وأنا ساعدتهم، فضلت كل شوية اجيبله في سيرتها ولو مكنش واخد باله من مشاعرها ناحيته بعمايلي دي لفت نظره ليها، [هامسة بصوت مختنق لائم] وأنت كمان يا ماما ساعدتيهم.
شهقت أمها بصدمة وهي تتسائل مستنكرة: أنا يا بنتي.
أمأت برأسها ايجابا مغمغمة: لهفتك على الجوازة وموافقتك على كل اللي يقولوا رخصتيني في عينيهم، خليتيهم يتعاملوا معايا من فوق، وخلتيني أنا متحفزة لكل كلمة يقولوها.
اندفعت تدافع عن نفسها: أنا مكنتش عايزة حاجة تبوظ الجوازة، كنت فرحانة أن ربنا كرمك بجوازة مرتاحة مكنتش عايزكي تشوفي اللي أنا شوفته.
اعترضت ببساطة تناقشها بتعقل: لو لينا نصيب مع بعض، مكنتش هتبوظ من غير ما أقل من نفسي.
صاحت مستنكرة تنافي ما اتهمتها به: مكنتش بأقل منك يابنتي، بس أنا مصدقتش لما لاقيته موافق يجهز، كنا هنلاقي فين حد كده وأنت عارفة الظروف.
حاولت تبسيط الأمر لوالدتها لتفهمه: مسألة أنه يجهز دي حقي الطبيعي أصلا، وكون أننا بنسهل على بعض فده مش معناها أنه بقى قانون، وأنه بيمن علي لو مشينا على شرع ربنا، خصوصا وهو مقتدر.
هتفت والدتها ساخطة على عادات صارت شرعا أقوى من شرع الله: محدش بيمشي بالشرع دلوقتي، العوايد هي اللي بتمشي واللي ممهوش مايلزمهوش.
ارخت كتفيها بلامبالاة: هو اللي كان مستعجل، وحتى لو مستعجلش، هو دخل البيت وهو عارف ظروفي، وأن امكانياتي مختلفة ومتسمحش أن أجهز في المستوى اللي هو بيجهز بيه، يبقى يا كان قبل بامكانياتي، يا شاف اللي تناسب مستواه.
نظرت لها والدتها بنظرة ذات مغزى: اللي يسمعك دلوقتي ميشوفش فرحتك وقتها.
أجابتها بصدق: مابنكرش أني كنت ميالة له جدا، وأني فرحت بتمسكه بيا، بس كرامتي أهم يا أمي، ولو محصلش نصيب كنت هازعل، بس شوية وهانسى، وكنت هلاقي شخص مناسب لظروفي، أو ظروفي أنا تختلف بعد التخرج، وأقدر اشتغل وأساعد في الجهاز.
غمغمت والدتها بندم: والله يابنتي أنا مكنتش عايزة حاجة من الدنيا غير مصلحتك، ومكنتش طمعانة في حاجة لنفسي.
أمأت مؤكدة: طبعا يا ماما أنا واثقة، ده أنت كنتي بتزعقي لو جبنا شوية فاكهة واحنا جاين، حاجة أيه اللي هتطمعي فيها بس، ده....
قطع حوارهما طرقات على الباب تبعها دخول أبيها متوترا: دعاء في واحد محامي بره جاي يقابلك، بيقول أنه جاي في موضوع يخصك ومش هيقوله لحد غيرك.
توترت والدتها بينما كست ملامحها الحيرة، وهي تتأكد من هندامها قبل خروجها إليه، لتخرج متطالعة لذلك الشاب الأنيق بريبة متمتمة بالتحية: السلام عليكم.
ابتسم بعملية: وعليكم السلام، حضرتك مدام دعاء.
أجابته بتحفز شاعرة نحوه بعدم الإرتياح: ايوه يا فندم، أي خدمة.
اتسعت ابتسامته مقدما نفسه: أنا محمد الدسوقي من مكتب المستشار عبد المجيد الحاوي.
أجابته متحفزة، فاسم الحاوي غير جديد بالنسبة لها، حيث يتداول زملائها بالجامعة بعض سيرته: اهلا بحضرتك، ممكن أعرف حضرتك عايزني في أيه.
دعاها للجلوس ليجلس بعدما جلست بجوار والدها، ليبدأ حديثه فورا بعملية: الحقيقة أن عندنا خبر بطلاق حضرتك، وأنك ماخدتيش مستحاقاتك من طليقك، ومكتبنا مستعد يقف جنب سيادتك ويرجع لك حقوقك كاملة، [متداركا بسرعة] ومن غير اتعاب، كل اللي على حضرتك مشوار للشهر العقاري تعملي توكيل لسيادة المستشار وهو هيقوم باللازم كله، وممكن معلش نحتاج أمضة حضرتك على كام محضر تعدي بتاريخ قديم، بس مش هتحتاجي تروحي القسم غير مرة واحدة.
هتفت بحدة: محاضر تعدي ضد مين وليه؟
أجابها ببساطة وكأن ما يقوله بديهيا: محاضر ضد طليقك، عشان نقدر نرجع لحضرتك كل حقوقك نفقة عدة ومتعة وقايمة ومؤخرا ده غير التمكين ونفقة الولد والحضانة أول ما تقومي بالسلامة.
أسرع والدها يعترض: بس هي ملهاش قايمة، وهو بعت لها المؤخر من نفسه.
ارتسمت ابتسامة ملتوية على شفتيه وهو يردف بخبث: حتى لو مش ماضي علي قايمة في حاجة أسمها قايمة المثل، وهو صحيح بعت لها المؤخر بس هي ممضيتش بالاستلام.
انتفض والدها مرددا: حد الله مابينا وبين الحرام.
لم يبالي برد فعل والدها، وهو ينظر لصمتها وتحديقها به بنظرات غامضة، وبينما تمنى أن يكون صمتها موافقة وأن شك بذلك، كانت هي تحترق داخليا خوفا على ياسر، لا تعرف ما بينه وبين هؤلاء ليفكروا بإيذائه عن طريقها.
تسائل ببرود محاولا إنهاء تلك المصارعة البصرية: أيه رأيك يا مدام دعاء.
انتفضت واقفة تنهي الزيارة بوقاحة، وهي تصفعه بردها القاسي وهي تربت على بطنها المنتفخة: صحيح أن ياسر طليقي، بس لو حاول حد يأذيه، فأنا لو قدرت أساعد هاساعده هو، لأنه صحيح مبقاش جوزي بس هيفضل أبو ابني العمر كله.
لم تبالي بانصرافه الغاضب، كان كل اهتمامها منصب على محاولاتها الفاشلة في الاتصال بياسر والأطمئنان عليه، لتزفر بنفاذ صبر: أنا هاتجنن أتصلت بيه أكتر من عشر مرات تليفونه مقفول، حتى دوست على نفسي وطلبت نمرة الدكتور برضو مقفول.
حاول والدها طمآنتها رغم انتقال قلقها إليه: يا بنتي الغايب حجته معاه، ممكن يكونوا في مكان مفيهوش شبكة، ولا الدكتور في عملية،أكيد شوية وتليفون حد منهم يفتح.
دعت الله أن يكون والدها على حق، ولكن هاتف بداخلها كان يخبرهاعكس ذلك، و يؤكده عدم حضوره اليوم لرؤيتها كعادته الأسبوعية.
❈-❈-❈
استيقظ من نومه ليفاجأ بأنه قد نام مكانه مستندا على الحائط خلفه، اعتدل وهو ينتبه لتلك الخطوات الصاعدة تقترب، ليهدأ وتنفرج أساريره عندما ظهر زينهم أمامه بابتسامته السمحة، زحف يسبقه للغرفة، بينما تتبعه أعين زينهم بحزن وهو يدعو له بانكشاف الهم، ورفع الهامة، فما أصعب أن تنحني ناصية الرجال.
جلس أمامه وهو يفض تلك اللفافة مخرجا ذلك الطعام الفواح وهو يهتف بحماس: فطير بالسمن البلدي يستاهل بوقك، حظك حلو ده من أيد الست آمنة.
سأله ياسر بحيرة: مين الست آمنة دي.
صاح مستنكرا جهله بأعلام حياته البسيطة: الحاجة آمنة، دي ست الكل، ست تتحط على الجرح يطيب، خيرها على الكل ومبيفوتهاش واجب، وتبقى أم الدكتور يوسف وحماة الست فاطمة.
سأله بفضول: وهي اللي بتبيع الفطير ده.
أجابه مستنكرا: لا طبعا، دي ست مقتدرة وابنها دكتور، ولا محتاجة تبيع ولا تشتري، دي بتعمله صدقة عشان مهاب، [مستدركا بإباء] بس أنا طبعا مش بتديهوني صدقة، ده هدية عشان أنا اللي بلف أوزعه.
تسائل ياسر بفضول: مين مهاب ده، وبتفرق فطيرعشانه ليه؟
غلف الحنان صوته وهو يجيبه بحزن: مهاب ده حتة سكر، حنية الدنيا فيه، بس ياخسارة مولود عنده داون، وكان عيان من كام يوم فهي اتصدقت عنه بأكتر حاجة بيحبها.
تأثر صوته بحالة الصغير، خاصة وهو بانتظار طفله الذي يدعو له بالمعافاة: هو مهاب يبقى أبن الحاجة آمنة وأخو دكتور يوسف.
أمأ له زينهم نافيا: لا، هو حفيد الست آمنة، ويبقى ابن الست وفاء بنت الحاجة آمنة وأخت الأستاذ يوسف.
ابتسم للحنان صوته فيما يخص الطفل: أنت بتحبه قوي كده.
ابتسم زينهم بحب: باقولك حنية الدنيا فيه، ده غير أنه نضيف جدا ومؤدب، أصلهم مهتمين بيه قوي، وست وفاء بتقول أنها هتدخله مدرسة للحالات اللي زيه مع أنها في المركز مش هنا.
زفر بضيق لجحود أشباه الرجال، متذكرا أحد معارفه الذي طلق زوجته لإنجابها طفل مثل مهاب، ليتسائل بشك: وباباه كمان موافق يدخله المدرسة.
زفر بحزن: الله يرحمه بقى، كان زينة الرجالة كلهم زي ما بسمع، بس والست وفاء حامل في مهاب، ربنا أراد انه ينصاب بعيار طايش في خناقة.
غمغم ياسر بحزن متأثرا بحمل تلك السيدة التي ينوء بحمله أعتى الرجال: ربنا يعينها.
ندم زينهم على ذكر مثل هذه الأمور على الطعام، وإفساد شهية ضيفه، ليغتصب ابتسامة مردفا: كل الفطير بقى النهاردة، وبكرة السوق وهتدوق من إيدي أنا أحلى أكل.
لفت انتباه الحديث المتكرر عن السوق ليتسائل بحيرة: هو أيه حكاية بكرة السوق دي، مش السوق مفتوح علطول عادي يعني.
ضحك زينهم وهو يومأ نافيا: الكلام ده عندكم في مصر، هنا السوق يوم في الأسبوع، بنجيب كل حاجات الأسبوع.
سأله باهتمام: يعني كل البلد بتروح السوق ده.
أمأ ايجابا بفم ممتلئ ليبتلع طعامه مجيبا بعدها: أه طبعا واللي ميعرفاش يروح بيحتاس الأسبوع بحاله لحد السوق اللي بعده، وبصراحة أنا باطلع لي بقرشين حلويين قوي اليوم ده، وبإذن الله الرزق هيزيد على وشك الحلو.
تمتم ياسر بفضول: ليه هو أنت بتبيع أيه هناك.
ابتسم زينهم برضا: لا أنا مش بابيع، أنا باوصل، أول حاجة باوصل حريم البيت هنا للسوق، وباسيبهم هناك يشتروا حاجتهم وأي حد اشترى حاجة وعايز يوصلها باوصله وأهي بترزق.
هتف ياسر بلهفة: طيب أنا عايز أروح السوق.
وقف الطعام بحلق زينهم ليسعل بشدة، مد يده يلتقط زجاجة المياه يتجرع منها بلهفة، حتى هدأ نسبيا، ليهتف بعدها بنفس متقطع: تروح فين؟
أجابه ياسر مطمئنا: أهدى بس يا زينهم، أنت بتقول أن البلد كلها بتروح السوق، يعني زحمة وزيطة ومحدش حاسس بحد، وطبيعي يبقى في ناس غريبة عن البلد.
اعترض زينهم متوترا: طيب وأهل البيت هنا.
أجابه ياسر ببساطة: مش أنت بتقول أنك بتوصل حريم البيت كله للسوق، وبتسيبهم هناك وبعدين ترجع لهم لما يشتروا توصلهم تاني، أنا بقى هانزل بعد ماتنزلوا وهارجع قبلكم ولا مين شاف ولا مين دري.
اعترض زينهم متوترا: طيب ما أنا ممكن أجيبلك كل اللي أنت عايزه ومفيش داعي للمخاطرة.
أجابه بلهجة هادئة محاولا امتصاص توتره: مفيش مخاطرة ولا حاجة، أنا محدش يعرفني، وبعدين أنا هانزل لابس الجلبية اللي لبستهاني واحنا جايين على هنا عشان ملفتش النظر بلبسي.
كان يعلم بحرج زينهم من قلة ما يجود به رغم أنه اقصى ما يستطيعه، فأكد رافعا عنه الحرج: وبعدين أنا فعلا مش ناقصني أي حاجة عشان تجيبهالي، أنا بس ناقصني أخرج وأشوف الناس بدل ما اتجنن من الحبسة دي، والسوق فرصة حلوة.
أندفع زينهم صائحا باهتمام: بعد الشر ربنا يحفظك من كل شر، خلاص يا أستاذ، أخرج وربنا يسترها ولا تشيل في نفسك أبدا وتضايقها.
ابتسم ياسر مستمتعا بعفويته، يتعجب أن شخصا مثله يتخذ هذا الموقف الشهم تجاهه رغم عدم معرفتهم السابقة، انتفض من أفكاره على غطيط زينهم الذي نام لتوه كعادته.