-->

نوفيلا جديدة عشق الجاسر لسهام محمود - جـ 4- الخميس 18/7/2024

  

قراءة نوفيلا عشق الجاسر

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة قصة عشق الجاسر

قصة قصيرة جديدة

من روايات وقصص 

الكاتبة سهام محمود

الجزء الرابع

تم النشر يوم الخميس

18/7/2024





في منتصف الليل كانت تجلس عشق امام شاشة الحاسوب و تحاول إختراق حسابه الشخصي، بعد عدة محاولات نجحت بالفعل.


بدأت ترسل رسائل الى نفسها و ترد كذلك بعد بعض الوقت خرجت و تأكدت من محو أي آثار تدل على أنه تم إختراق حسابه، عندها فقط هدأت نبضات قلبها السريعة و ابتسمت بخبث شديد.



جل ما تنتظره الآن هو ردة فعله التي ستحدد مصيرهما معاً بشكل بسيط.

❈-❈-❈



 بعد مرور يومين كان يصادف يوم الخميس فقرر جاسر العودة من العمل مبكراً قليلاً بسبب شعوره بالخمول بدون سبب لكن هذا كان بسبب قلة الراحة التي كان يعاني منها منذ مدة، تزامناً مع عودته إلى المنزل وجد والدته تجلس بمفردها.


نظرت له بإستغراب رغم ابتسامتها و قالت:


"حمد لله ع السلامة ي جاسر، رجعت بدري يعني من الشغل!!"

"امشي يعني؟!"


فتح الباب يصطنع الخروج لترفع والدته حاجبيها سرعان ما جذبته من ذراعه تغلق الباب بإحكام و اردفت بحنق:


"بص الواد و عمايله!!، تعال بس اقعد هنا جنبي"



ضحك جاسر عليها فجلس بجانبها، كانت تحتسي فنجاناً من القهوة و تشاهد احدى الأفلام الكوميدية، ربتت على ظهره بحنان و قالت بنبرة قلقة:



"انت بقالك كام يوم بتيجي من الشغل بتنام من كتر تعبك ارحم نفسك شوية، ده حتى يوم الاجازة خدته نوم، حالك ده مينفعش"


مسد جاسر رأسه بينما يأخذ انفاسه بعمق ثم اتكئ ظهره على الاريكة بشكل مريح، نظرت له والدته في حيرة من امرها منه ليقول لها بإبتسامة خفيفة:


"متقلقيش فترة و هتعدي ان شاء الله، ما انا رجعت النهاردة بدري اهو عشان اكل لقمة حلوة من الايدين الحلوين دول و ارتاح كويس"

"عنيا ي حبيبي خمس دقايق و يبقى الاكل جاهز، قوم غير هدومك و هترجع تلاقيه مستنيك ع الطرابيزة"



اومئ مقبلاً ظهر يدها لتمسد كتفه بحنان مبتسمة، ذهبت للمطبخ حتى تجهز له الطعام بينما هو اخرج هاتفه على صوت رسالة فتحها ليجد رد عشق كان كالآتي:


[خدتلك معاد مع بابا بكرة]



قرن حاجبيه بتعجب من رسالتها الغامضة له، لـيرد بسرعة:


[معاد ايه ؟؟]



لامست انامله فكه الحاد كـ حركة معتادة ينتظر منها أن تُجيب عليه، بعد وهلة قصيرة رأى رسالتها:


[ايه ده لحقت تنسى؟!، راجع الشات]



دون الإجابة عليها نظر بجدية و تركيز الى الدردشة التي رأاها كـ الآتي و توقف عند رسالة معينة بأعين مندهشة:


[انا بحبك و معجب بيكي]


من المفترض أنه هو مَن ارسل هذه الرسالة إلى عشق التي ردت عليه:


[و انا كمان معجبة بيك]


بغض النظر عن أنها اعترفت بمشاعر الاعجاب التي تُكنها له لم يستطع أن يتجاهل باقي المحتوى:


[طيب اذا كان كدة، عايز اجي اقابل الحاج]

[ماشي، استنى بس اخلص الامتحان بتاع بكرة و ارد عليك ع طول]

[متتأخريش عشان انا مستعجل حبتين]

[يعني هو احنا هنطير مثلا!]

[ايوة خايف انك انتي تطيري مني]

[بجد؟!]

[اه والله، تروحي من الجامعة ع البيت ع طول متروحيش الشغل]

[انا واخدة اجازة عشان الامتحانات أصلا]

[طيب كدة حلو]

[سلام، هبقى ارد عليك قريب]


تلى ذلك كانت رسالتها، لم يستعب الى الآن ما رأته عيناه و لولا انه هذا هاتفه لـ ظن انه هاتف أحد آخر، بحث حسب قدرته و حاول معرفة إذا كان قد تم إختراق حسابه لكن لم يكن هناك شيء من هذا القبيل ليفكر داخلياً:


'معقول انا بعتلها كدة؟! مش مصدق'


رغم وجود بعض الشك داخله لكنه ارسل رسالة لها يخبرها بصراحة:


[انا قولت كدة؟! مش فاكر حاجة خالص من الشات بصراحة!!]


تنهد يقف ذاهبا الى غرفته بدل ثيابه سريعاً ثم امسك هاتفه من جديد يقرأ رسالتها:


[اه أنت قولت كدة الشات يثبتلك ده]

[ولا انت رجعت في كلامك و هتصغرني قدام بابا؟!]


مسح وجهه بكفه ليبتسم على هذه السخرية التي حدثت، شعر بالمسؤولية الى حدٍ ما إلى جانب أنه أدرك مشاعره نحوها بسبب ما حدث منذ لحظات، و لابد أن السبب في عدم تذكره لهذه المحادثة التي دارت بينهما هي بسبب عادته السيئة في النوم حيث انه كان في بعض الاحيان يستيقظ يفعل بعض الاشياء الغريبة و يعود للنوم دون أن يتذكر ذلك.


ارسل رسالة لها:


[لا، امتى المعاد؟؟]

[بكرة]

[خلاص ماشي]


ثم اغلق الهاتف و وضعه على منضدة غرفته ثم خرج من جديد، جلس على الطاولة حيث جهزت والدته الطعام له لتجلس مقابله تؤنسه بينما تجهز بعض الخضار:



"مش هتاكلي معايا؟؟"

"اتغديت انا و ابوك قبل ما يرجع للشغل تاني"

"ايوة قولي كدة، الله يسهلك ي حجة"


ضحكت لترفع يدها تدعو له:


"عقبال ما اشوفك بتاكل انت و مراتك كدة ي حبيبي"


همهم بينما يبتلع الطعام بجدية قليلاً رغم انه يعرف ردة فعلها القادمة:


"اه بخصوص حوار مراتي ده، انا عايز اتقدم لـ عشق بنت عم عصام جارنا"


اختنقت والدته بينما كانت تشرب الماء و سعلت بقوة فنظر لها جاسر بحاجبين معقودين يسرع بالتربيت على ظهرها حتى توقفت عن السعال تماماً و سمع صوتها العالي:


"بتقول ايه ي واد؟!"

"بقولك عايز اتقدم لـ عشق"

"عشق عصام بنت الجيران؟؟"

"ايوة"


اومئ بهدوء يكمل تناول طعامه لكنه لم يبعد نظره عنها حتى يرى تعابيرها بشكل واضح، بعد ان رمشت عدة مرات بوجه خالي من التعابير سرعان ما بدأت الابتسامة تظهر على شفتيها و السعادة الممتزجة بالاندهاش و المفاجأة تظهر على وجهها، قالت بنبرة فرحة:


"يعني انت خلاص ي ابني قررت تتجوز؟!"

"ايوة، ايه رأيك فيها؟"

"بنت كويسة و مؤدبة، محترمة اووي و اهلها ناس طيبين و جيرتهم حلوة عمري ما شفت العيبة تطلع منهم ابدا، و الشهادة لله ي جاسر عشق دي بنت طيبة اووي و تستاهل كل خير"

"يبقى ربنا يقدم اللي فيه الخير، بعد ما يجي الحاج هقوله الموضوع ده عشان نروح بكرة"

"بكرة؟؟ مش المفروض تكلم ابوها الاول؟!"


نظرت له مستغربة فضحك و قال:


"خليت عشق تكلمه و تاخد معاد منه لبكرة"

"بالسرعة دي؟؟"


وقف بعد ان انتهى من تناول الطعام و قال مقبلا رأسها بإبتسامة شقية لم تعهدها منه:


"البنت لُقطة عشان كدة مستعجل مش هخليها تروح لحد غيري"

"يااا لهووووي واخد طبع ابوك بالضبط"



ضحك جاسر عليها لانه يعلم ذلك جيداً، ذهب الى غرفته و استلقى على السرير ينظر الى السقف بعد وهلة اغمض عيناه يأخذ غفوة حتى يحل الليل.

❈-❈-❈



لم تصدق عشق انه وافق بسهولة على القدوم و ان حيلتها قد انطلت عليه، لقد سقط في فخها بلا شك دون عوائق تُذكر ليس هذا و حسب لقد اخبرت والدها بالفعل أن جاسر يريد مقابلته و جزء منها كان يشك في عدم امتثاله للقدوم للحديث مع والدها.


لكن عندما قَبل اصبحت متأكدة انها تثق به و كلها أمل فيه بأنه الشخص المناسب لها، جلست في سريرها تشعر برغبة في البكاء لكنها تمالكت نفسها سرعان ما تحدثت مع مرام تخبرها بما حدث.


لم تصدق مرام أن الحظ كان يقف بجانبها و تمنت لها السعادة و التوفيق من اعماق قلبها، حثتها أيضاً على اخبارها بأخر التطورات التي قد تحدث معها مهما كانت التفاصيل صغيرة.



وسط سعادتها الغامرة تتمنى أن يأتي يوم الغد بسرعة حتى تراه جالساً مقابل والدها و يطلب يدها منه.



بعد حلول الليل الذي أسدل ستاره الداكن المرصع بالنجوم عاد والد جاسر من عمله، تناول الطعام مع زوجته و أبنه الوحيد في جو أسري متناغم و سعيد سرعان ما اكتملت بهجة اليوم عندما اخبره جاسر بقراره بشأن عشق، لم يعترض والده بل كان سعيداً بإختياره الجيد و اخبره بأنه سيذهب معه حتى لا يكون بمفرده.

❈-❈-❈



صباح اليوم التالي الجمعة كان عصام قد اخبر سعاد و عشق بضرورة تجهيز الغداء حتى يأكل جاسر برفقتهم بعد صلاة الجمعة، لتسرع عشق في تجهيز الغداء برفقة والدتها بالطبع.




بعد اداء صلاة الجمعة في المسجد و اثناء خروج عصام، ياسر، جاسر و والده اخبره جاسر بمطلبه بهدوء دون أن يخجل، ليصر عصام على ضيافتهم هو و ياسر فحدث هذا بالفعل.



كان ياسر قد هاتف والدته و اخبرها بتجهيز الطاولة الى حين وصولهم، عندما وصلوا جلس الرجال معاً بينما كانت عشق تجهز كؤوس العصير لتقديمها لهم، بعد إنتهائهم من تناول الطعام بالطبع لم تخرج عشق من المطبخ نهائياً و من كان يتولى الضيافة الى ذلك ياسر و والدتها.



بعد جلوسهم في غرفة المعيشة استرقت النظر إليه من خلف ستار المطبخ، رغم إرتدائه لملابس عادية عبارة عن قميص اسود خفيف و بنطال جينز ازرق لكنه كان في ابهى طلة، كان قد كشف عن ساعديه القويين عبر طوي اكمام قميصه الى المرفقين بسبب الجو الحار، شعره مصفف بعناية و يجلس بجانب والده الذي لاحظت انه يشبهه إلى حد كبير و كان تقريباً في ذات عمر والدها.



قرصتها والدتها بخفة في كتفها لتنظر لها عشق بعبوس و صاحت بصوت منخفض:


"ياااا ماااااماااا في ايه؟!"

"اوعي من طريقي لحسن ادلق عليكي العصير"

"اتفضلي"



ابتعدت تزيح الستارة من طريقها حتى تسير دون عوائق لتقديم العصير، بعد عودتها بلحظة قصيرة سمعت صوت جاسر يخاطب والدها:


"انا عايز اطلب ايد عشق ي عمي لو مكنش فيه مانع"

"ده يشرفنا والله ي ابني، بس الاصول تقول اني اخد برأيي بنتي قبل رأيي ده الاهم بالنسبالي انها تكون مبسوطة و مرتاحة مع شريك حياتها"

"اذا كان كدة معنديش مشكلة بس هقولك على حاجة كمان لو سمحت"



قرن عصام حاجبيه بأستغراب و نظر الى ياسر بجانبه الذي نظر إليه كذلك، في الداخل حيث نظرت الأم و ابنتها الى بعضهما البعض بتفاجئ تشعران ببعض الضغط:


"اتفضل ي ابني"

"انا عايز اكتب كتاب ع طول لو مكنش في مانع يعني، ده لو حصل نصيب بينا"


استغرب عصام من طلبه و قال بقليل من التوتر:


"طيب مش مستعجل شوية انك تكتب الكتاب دلوقتي؟!"



نفى جاسر و ابتسم متحدثاً بصراحة:


"انا بعتبرك في مقام ابويا بالضبط ي عمي عشان كدة هقولك انا مستعجل ليه، بنتك بالنسبالي حاجة مش هتتكرر في حياتي مرتين عشان كدة انا مش بتمنى اني اكون خطيبها و بس لا انا عايزها تبقى على ذمتي عشان انا خايف تروح مني في اي لحظة"


ابتسم عصام و ياسر على حديث جاسر بينما والده بجانبه ربت على كتفه بفخر، فأكمل:


"عشان كدة بطلب اننا نكتب الكتاب لو كان في نصيب بينا ان شاء الله"

"ربنا يقدم اللي فيه الخير ي ابني ان شاء الله، و يجعلكم من نصيب بعض"



بينما كانوا يبتسمون في وجوه بعضهم البعض بدأوا يتحدثون في مواضيع اخرى، اما عشق في الداخل انقضت على والدتها تمسكها من فكها و بدأت تقبل وجنتيها بقوة عدة مرات.


كتمت سعاد صراخها و تمسكت بأكتافها تقول بصوت منخفض محشور:


"ي بنت المجنونة فطستيني"

"هتجوز ي سوسو زي ما كنتي عايزة"


ضيقت سعاد عيناها بعد أن ابتعدت عشق عنها لتقول بنبرة شك:


"يعني انتي ي مقصوفة الرقبة مواقفة ع كتب الكتاب؟!"

"ايوة موافقة"



اومئت برأسها عدة مرات و الابتسامة تكاد تشق وجهها من السعادة، رغم أن سعاد سعيدة من اجل أبنتها لكن الشك بدأ يساورها عندما وافقت على الزواج من جاسر :



"طيب انتي هتقوليلي ايه اللي بيحصل؟!"

"حاضر بعد ما يمشوا هقولك، بس الكلام ده بيني و بينك ي سوسو"

"اومال هتقوليلي ي بنت بطني؟! انجري اعملي قهوة يلا"

"احلى قهوة هتتعمل حااااالا"



دفعتها برفق من ظهرها لتجهز القهوة، بعد رحيل جاسر و والده جلس عصام مع عشق و اخبرها بما حدث في جلستهم و طلب منها التفكير في الامر و تجيب عليه فيما بعد عندما تكون مرتاحة و متأكدة من قرارها، تلى ذلك انفردت بها والدتها في غرفتها فـ اخبرتها عشق بأنها معجبة به منذ فترة ليست بطويلة و خشية أن يتعلق قلبها به لم تستطع البوح بما في قلبها لها حتى لا تشغل بالها و تقلق عليها.



لكن سعاد اخبرتها انها كانت قلقة عليها بالفعل بسبب استمرارها برفض من يتقدم اليها دون فرصة لرؤيتهم حتى، و لكن عشق اخبرتها بإبتسامة بسيطة تطمأنها بأن جاسر يبادلها ذات الشعور لهذا تقدم لخطبتها لولا انه باح بمشاعره لما وافقت عليه عكس السابق، تمنت سعاد لها السعادة و ان تكون مرتاحة في اختيارها.



و كانت عشق في منتهى السعادة تشعر أن الارض تكاد لا تحملها حتى، لتسرع بالتحدث مع مرام و تخبرها بما حدث معها.



بينما جاسر عند عودته للبيت طمأن والدته أن كل شيء يسير على ما يرام و ينتظر موافقة عشق بالطبع بعد أن يعرف الرد من والدها، لهذا تعمد أن لا يتحدث معها خلال هذه الفترة حتى ذلك الحين، عند معرفة هشام بهذا التطور السريع لم يصدق بسهولة عبر مكالمة هاتفية بينهما ليأتي سريعاً يزوره في المنزل يتحدث معه وجها لوجه.


❈-❈-❈



بعد يومين تحدث عصام مع والد جاسر و اخبره بموافقة عشق على عقد القران لكن قرر أن تتم المناسبة في البيت، وافق جاسر بكل سرور على هذا الطلب حتى يكون الامر حيوياً اكثر و في جو اكثر راحة.



في يوم عقد القران**




كانت مرام و عشق قد اشترتا فستاناً جديداً جميل جداً يليق بها، و كن النساء في المبنى لديهم يساعدن سعاد و الفتيات تساعدن بعضهن بعضاً في جو مليء بالبهجة و السعادة.



حتى اقترب الليل من إسدال ستائره، كان الجميع مستعداً بشكلٍ كامل، فتح عصام الباب على مصراعيه حتى يتمكن من استقبال جاسر و عائلته برفقة الحضور القليل، بعد مدة من الوقت اتى جاسر و معه المأذون والده و والدته، هشام و اسرته و بعض الاصدقاء المقربين أيضاً.




جلس الرجال معا و النساء في غرفة أخرى، كانت مرام تجلس بجانب عشق التي كانت تصفق للفتيات بينما يرقصن سوياً، تحدثت سعاد مع والدة جاسر لتدنو مرام نحو عشق هامسة:


"هي دي حماتك ابت؟!"

"ايوة هي، طيوبة اووي ع فكرة"

"واضح من شكلها بس شايفة البت اللي واقفة هناك عمالة تبص حواليها بقرف كدة"


نظرت عشق بنظرات خاطفة، كانت فتاة شابة يبدو انها اكبر منها قليلاً و طويلة القامة إلى حدٍ ما، ملامحها جميلة جداً لكن التعابير التي تحملها على وجهها الآن ليست ألطف شيء، و كان واضحاً أن ابتسامتها كانت سمجة و صفراء.


ضحكت عشق تميل عليها و قالت بنبرة مرحة منخفضة:


"باين عليها دي الي كانت عينها منه بس ملهاش نصيب فيه"

"يخربيت عقلك"


ضحكت مرام بصوت مكتوم لتهمس لها عشق مجدداً:


"يختاااااااااي قل اعوذ برب الفلق، البت بتبحلق فيا حاسة انها هتاكلني بعنيها"

"قابل بقى ي معلم استعدي للمواجهة"

"استعنا ع الشقى بالله"



وقفت بهدوء و عندما كانت على وشك التحرك أتى ياسر و اصطحبها حتى توقع على عقد الزواج، جلست على الجانب الايمن من المأذون و كان جاسر يجلس على الجانب الأيسر بعد التوقيع بارك لهما المأذون و بدأت التهاليل و المباركات تملئ المنزل.



نظرت عشق الى جاسر بإبتسامة خجولة ليقف جاسر و امسكها من كفها حتى تقف كما انها تفاجأت من حركته، أتت والدته و كانت تحمل في يدها الشبكة ليبدأ جاسر بمساعدتها في إرتدائها ثم ساعدته في إرتداء دبلته في بنصره الأيسر.


كانت مرام تصور كل لحظة على هاتف عشق كما طلبت منها، بعد أن تم تهنئة الثنائي على زواجهما تم تركهما بمفردهما في الشرفة التي كانت مزينة كـ مفاجأة من ياسر لشقيقته، تمسكت عشق بالدرابزين تتنفس بعمق شديد و الابتسامة لا تفارق وجهها.



عقد جاسر ذراعيه على صدره و نظر إليها بإبتسامة طفيفة، تحدث بصوت منخفض جعلها تنظر له بسرعة:


"مبسوطة ي عشق؟!"


بعد التواصل البصري بينهما لمدة من الوقت تحدثت بنبرة مرحة تشبهها:


"عايز الحق ولا ابن عمه؟!"

"الحق طبعاً"


قهقه بصوت منخفض على سؤالها لتبتسم على صوت ضحكه المنخفض، اقتربت خطوة منه و اشارت له بأن يقترب منها ففعل ذلك ثم دنى منها بسبب قصر قامتها وضعت كفها على كتفه و همست بالقرب من أذنه:



"مبسوطة اووووي"


كانت ستتراجع لكن جاسر امسكها من كتفها و همس بخبث في اذنها:


"اكيد لازم تكوني، عشان انتي حققتي اللي كنتي بتحلمي بيه من زمان مش كدة؟"


ابتعد عنها حتى يرى تعابير وجهها المندهشة و المصدومة الى حد انها فغرت فاهها بشكل مضحك، كان يبتسم بثقة امام عيناها و يرفع احد حاجبيه بلفتة جميلة منه مما جعلها تهز رأسها و تبتسم بتوتر متراجعة عنه:


"ا  انا مـ   مش فاهمة أنت تقصد ايه؟!"


شهقت بدهشة عندما جذبها نحوه من خصرها بذراع واحدة وضعت كفيها على صدره العريض تحاول التملص منه لكنه رفع يده الاخرى و امسكها من كلتا وجنتيها ضاغطاً عليها بخفة لتبرز شفتيها رغماً عنها للامام قليلاً، قرنت حاجبيها باستغراب من فعلته بينما تنظر إليه بحيرة و بعض الخوف.



قهقه جاسر على تعابيرها ليقول:



"لو انتي مفكرة اني مكنتش واخد بالي منك فـ انتي غلطانة، كل ما هنالك انا مكنتش بفكر اتجوز اصلا لكن انتي غيرتي الفكرة دي في دماغي من فترة"


قرب وجهه منها لتحاول اعادة رأسها للخلف لكنها آنت متألمة بسبب انامله التي تضغط على وجهها همس في اذنها بنبرة متملكة:


"انا اللي بيدخل قلبي و عقلي ي عشق كأنه دخل قفص ملوش مفتاح انتي فاهمة انا بقول ايه؟!"


هزت رأسها مرة واحدة فقبلها من جبينها و كلتا وجنتيها ثم احتضنها بخفة، تضع رأسها على صدره مندهشة مما حدث بينما تستمع الى نبضات قلبه العنيفة التي تشبه خاصتها و فكرت داخلياً:



'باين عليكي انتي اللي ادبستي ي عشق مش هو اللي ادبس!! ياااا نهاااااار اززززرق!!'

❈-❈-❈



مضت الأيام بعد ذلك تتوالى بشكل إعتيادي الفرق الوحيد هو أن عشق اصبحت مشغولة في عملها و كان جاسر يصطحبها من و إلى العمل، لم يطلب منها أن تتوقف عن العمل و هو كان يغادر مبكراً من اجلها.



كانت تراقب عشق جميع افعاله و تركز على تفاصيله بشكل دقيق جداً، حتى أن جاسر كان يخبرها في بعض الأحيان انه كان يعلم بأمر مراقبتها له لكنه لم يكتشف بعد انها اوقعته في شباك فخها الذي جعله يتخذ خطوة بشأنهما.


و هي مع مرور الوقت رغم سعادتها العارمة كانت تشعر بالذنب تجاهه، مع الاسف كان هذا الشعور يتفاقم مع مرور الوقت و ينذرها بالسوء.



كانت علاقتهما في افضل أحوالها دائما و مع مضي الأيام دون توقف كان يقترب موعد زفاف شقيقها ياسر الذي كان يتم الترتيب له على قدم و ساق دون عوائق.



و في يوم المناسبة خرج جاسر من عمله مبكراً عائداً للمنزل بعد الاستراحة لبعض الوقت استحم و ارتدى ثيابه الجاهزة مسبقاً من قبل والدته، صفف شعره بعشوائية و رش من عطره ثم خرج إلى والديه الذين كانا ينتظرانه.



بعد رؤية أبنها الوحيد في أبهى حلته قالت والدته مبتسمة:



"بسم الله ما شاء الله، ربنا يحميك و يحفظك ي حبيبي و افرح بفرحك قريب"

"تسلمي ي ست الكل، قريب ان شاء الله"


قهقه والده عليه ثم فتح الباب مشيراً للخارج يحثه على التحرك بسرعة:



"يلا ي حضرة الضابط هنتأخر على مراتك مش وقت تلزيقك في مراتي"

"خلاص ي حاج متتحمقش اووي كدة اهي اتفضل سيبهالك مخضرة"



دفع والدته نحو والده التي شهقت ضاحكة منهما فهذا ليس بجديد عليها، جذبها حتى تقف بشكل صحيح و قال والده ببرود:


"كل واحد يروح مع مراته في عربيته غيرت رأيي مش هروح معاك"


رفع جاسر حاجبه الايسر نحو والده ليشيح وجهه بعيداً عنه ببرود، تنهد جاسر و امتثل لحديث والده بهدوء:



"اللي انت شايفه ي حاج براحتك ع الاخر"

"ايوة براحتي طبعاً"



وضع جاسر نظارته الشمسية و استقام يخرج من المصعد خلفهما مبتسماً بخفة، بعدما تحرك والده بسيارته الخاصة سارع جاسر بالتحدث مع عشق و اخبرها أن تنتظره لأنه سـ يصطحبها بنفسه الى قاعة الزفاف.



اثناء إنتظاره لها أسفل المبنى المتواجد به بيوتي سنتر هبطت من بايات السلم بحذر بسبب إرتدائها للكعب العالي، نظر إلى تعابيرها المتذمرة و اخذ خطواته الواسعة نحوها يمد كفه لها التي سرعان ما قبضت عليها بكلتا كفيها بقوة تخشى السقوط:



"طيب ما انتي مبتعرفيش تمشي بيه لبستيه ليه؟!"



ضيقت عيناها تنظر له بغضب طفيف و همست:


"عشان اعرف امشي جنبك حتى!!"


قرب وجهه من خاصته لتلمع عيناه بخبث و هو يرى تعابيرها المحرجة منه ممتزجة بالخجل:


"سمعتك ع فكرة، و انتي مش محتاجة كعب عالي عشان تعرفي تقفي جنبي"

"طيب اسكت بقى لحسن اخليك تشيلني"

"و ماله اشيلك بس ده لما نبقى في بيتنا هنا مينفعش تتشالي"


عادت تعابير وجهه الى طبيعتها اثناء إجابته لتتنهد بينما تسير بمساعدته:


"اهو انا مش خايفة غير من الحاجة دي"


صعدت السيارة ثم استقر في مكانه و بدأ يقود، نظرت له عشق تتسأل عن صمته الغريب لانها توقعت أن يُملي عليها لائحة من القواعد التي يجب أن تتبعها في هذه المناسبة، نظرت الى اناملها التي كانت تتحرك بتوتر لكنها جفلت عندما سمعت سؤاله:


"مالك بتفكري في ايه؟!"

"هااه! لا مفيش ابدا"


ابتسمت بخفة ليومئ لها مرة ينتبه إلى قيادته، لكن بعد مدة وجيزة نظرت له و سألته مترددة:


"هـ  هو أنت مش عايز تقولي حاجة كدة ولا كدة؟!"

"زي ايه يعني؟!"


نظر لها مستغرباً لتتنهد و تتحدث مباشرة بما انه لم يفهم ما تلمح إليه:


"يعني مش عايز تقولي مثلا متتكلميش مع ولاد قرايبك او مترقصيش متتنططيش؟! حاجة شبه كدة يعني"



همهم بإبتسامة واسعة ثم عض شفته السفلية في حماس من حديثها، اصابها الاندهاش من ردة فعله التي تراها لأول مرة سرعان ما تحدث بصراحة:



"هو انا اكيد بغير عليكي عشان راجل و دمي حامي و كمان انتي مراتي، ده اللي يفكر بس يمس شعرة منك ممكن اقطعه .... لا بصراحة مش عارف ممكن اعمل ايه بس اكيد هيكون فيها دم"

"انت مجنون؟!!!!"

"و ماله مجنون مجنون انتي مش وحدة غريبة ع فكرة، انتي مراتي، بس كل ما هنالك انه الجواب ابسط مما تتخيلي"



اوقف السيارة في المكان المناسب لينظر لها فيجد ملامح الحيرة متجلية على وجهها ليكمل بإبتسامة طبيعية:


"انا واثق فيكي و عارف انك مش هتعملي اي حاجة عيب، اما بقى لو حسيت انه في حد هيتطاول اووي ف انا هتصرف بمعرفتي متخافيش"

"بعد الكلام اللي انت قولته في الاخر ده لازم اخاف"



لوحت بيدها بعدم تصديق تسرع بفتح الباب، ترجلا من السيارة معا لتتأبط ذراعه يدلفان إلى الداخل سوياً، بعد إلقاء التحية على الاقارب و الاصدقاء تركها مع صديقتها مرام بينما ذهب و جلس برفقة والديه الذين كانا بمفردهما على الطاولة.



.
.
.
.
.
.
.


انفردت بها مرام بينما تتناولان قطعة من الكعك الى جانب كأس من العصير، تذمرت عشق بينما تغرس الشوكة في صحنها دون أن تضعها في فمها حتى همهمت مرام نحوها بأستغراب تسألها:


"مالك ي بنتي فيكي ايه؟!"



تنهدت بعمق و كأن جبلا يثقل كاهليها فتمتمت:



"انا حاسة اني وحدة منافقة، وحشة"


نظرت لها مرام بأعين مستغربة من حديثها الذي لم تفهم منه شيئاً أو أنه لا معنى له و لا يمت للمنطق بصلة:


"و ايه اللي يخليكي تقولي كدة اصلا؟! ايه اللي حصل!!"

"عشان جاسر، حاسة اني خدعته"


عبست ملامح وجهها تجيبها بصوت منخفض مستمرة في طعن الكعكة أمامها، تنهدت مرام ثم ربتت على كتفها تحدثها بهدوء:


"انتي مخدعتهوش ي عشق، انتي كل اللي عملتيه من وجهة نظري انك انقذتي حب حياتك بس كدة"



رفعت كتفيها بلا مبالاة تسند ظهرها ع الكرسي براحة، غمغمت عشق تبكي بإصطناع بينما تخبئ وجهها بكفيها:


"ما هو ده بالنسبة للمنطق مش عذر، ااااااااع اعمل ايه؟!"

"عايزة تعترفيله يعني؟!"

"هاااه؟!"



رفعت مرام حاجبها الأيسر بإستنكار بينما تنظر الى تعابيرها المصدومة، بعد وهلة قصيرة هزت رأسها بتشتت:


"معرفش!!، عـ   عايزة اقوله و مش عايزة، اصلا مش عارفة هتكون ردة فعله ايه"

"بعد كل المدة مش عارفة تتوقعي ردة فعله ايه؟!"

"ردة الفعل الوحيدة اللي بفكر فيها هي انه هيطلع المسدس بتاعه و يحط طلقة في دماغي  و بس ع كدة"



وضعت رأسها بين كفيها تتخيل ما قد يحدث لها، مما جعل مرام تتنهد بقوة و تقول بجدية:



"المفروض تكوني اكتر وحدة عارفة هتكون ردة فعله ايه لو قولتيله ع اللي عملتيه، عايزة تتكلمي هتكوني محتاجة شجاعة عشان تواجهيه بالحقيقة مش اكتر من كدة"

"انا خاااااااايفة"



قهقهت مرام بخفة سرعان ما جذبتها من ذراعها:



"قومي كدة بس و متخافيش خلينا نهيص النهاردة هو احنا كل يوم في مناسبة ولا ايه؟!"



تبسمت عشق بخفة تتحرك معها بينما تلقي نظرة على جاسر الذي كان يتحدث مع والدها بإبتسامة طفيفة.


❈-❈-❈



كانت عشق في حالة مزاجية معقدة بسبب شعورها بالذنب تجاه جاسر، انعكس هذا الشيء على ردات فعلها اليومية في العمل و المنزل حتى اثناء محادثتها له اصبحت مريبة و غير مريحة أكثر فـ أكثر مع مرور الوقت.


لاحظ الجميع تغيرها لكنها لم تبرر أي شيء لهم و كانت تأخذ أمر تعبها من العمل و التحضير إلى الامتحانات حُجة لوضعها حتى شعرت أنه قد طفح بها الكيل و تريد البوح بما فعلته لـ جاسر.



اثناء وجوده في مكتبه كان يجلس على الاريكة يتكئ بمرفقيه على فخذيه يفكر بملامح عابسة بوضعها المثير للشك، رن هاتفه الموضوع على المنضدة المنخفضة أمام عينيه و كان اسمها يضيء الشاشة.



التقطه و أجاب بهدوء:


"الو، كويس الحمد لله و انتي؟، طيب استنيني عشان هنخرج سوى بعد الشغل، عايزك في موضوع، ماشي سلام"



انتهت المكالمة و وضع الهاتف على المنضدة مجدداً، أراح ظهره على الأريكة و بدأ بالتفكير لبعض الوقت فيما سيفعله معها بعد أن اكتشف كل شيء حدث، تبسم بخفوت و هو يعض شفته السفلية في حماس لما سيحدث 
بينهما في هذا اللقاء.


الصفحة التالية