رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 8 - الأربعاء 1/1/2025
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل الثامن
تم النشر الأربعاء
1/1/2025
عندما خرجت من القاعة، التقت عيون ليان بعيني سبيل، وكانت نظرتها مليئة بالحزن والأسف. قالت ليان بصوت هادئ ومواسي:
"أنا آسفة يا سبيل. دي مجرد خطوة، هنستأنف الحكم ومش هبطل أحارب عشانك."
لكن سبيل كانت غارقة في دوامة من الإحباط واليأس. نظرت إلى ليان بعينين مثقلتين بالحزن وهمست بصوت منخفض بالكاد يُسمع:
"مش عارفة إزاي هعيش كده... كل حاجة اتكسرت، كل أحلامي راحت."
خطت سبيل ببطء نحو سيارة السجن، وكأن خطواتها كانت تُثقلها سنوات السجن القادمة. بمجرد أن وضعت قدمها داخل السيارة وشعرت ببرودة الحديد، أدركت أنها على أعتاب عالم جديد لا يشبه شيئًا عرفته من قبل، عالم مليء بالخوف والتحديات.
في طريقها، حاولت أن تتشبث بأي شعاع أمل، لكن الألم كان أقوى. تذكرت والدها وكيف كان دائمًا يقول لها:
"مهما حصل، خليكي قوية، الحياة عمرها ما بتدي لحد كل اللي نفسه فيه بسهولة."
❈-❈-❈
وعندما وصلت إلى زنزانتها تلك الليلة، جلست على السرير المعدني الذي بالكاد يسع جسدها النحيل. عيناها مثبتتان على السقف، وأفكارها تتسابق بلا توقف. همست لنفسها وسط الظلام:
"إزاي هعيش هنا 15 سنة؟... إزاي هعدي الأيام؟"
لكن رغم كل شيء، كانت داخليًا تحاول أن تتمسك بآخر خيط من القوة، عازمة على أنها، ولو بعد حين، ستستعيد حياتها.
❈-❈-❈
في أحد الأيام، جلست سبيل على سريرها البارد في زنزانتها، تحمل دفترًا صغيرًا أعطته لها ليان في زيارتها الأخيرة. رفعت رأسها عندما دخلت ليان، وجهها مفعم بالعزيمة، ولكن عيناها تحملان أثر التعب.
قالت ليان بصوت واثق:
"سبيل، مش هسيبك كده. عندنا فرصة حقيقية للاستئناف، بس محتاجة تكوني قوية. لازم نكمل المعركة دي سوا."
نظرت سبيل إليها بتردد، وقالت بصوت مليء بالحزن:
"إزاي عايزاني أبقى قوية؟ أنا فقدت كل حاجة... حريتي، حلمي، حياتي."
اقتربت ليان منها، وضعت يدها على كتفها برفق وقالت بحماسة:
"لسه عندنا أمل. هنجيب أدلة جديدة، وهنسمع شهادات ممكن تغير كل حاجة. الناس هتعرف إن الحكم ده كان ظالم. بس محتاجة منك حاجة واحدة: ثقي في نفسك وفي الحق اللي إحنا بندافع عنه."
❈-❈-❈
مرت الأيام، وبدأت كلمات ليان تجد طريقها إلى قلب سبيل. رغم الخوف والمرارة، شعرت أن هناك بصيص أمل صغير يستحق المحاولة. جلست مع ليان في زيارتها التالية، وبدؤوا في استعراض كل ما يتعلق بالقضية.
قالت ليان وهي تمد يدها بورقة وقلم:
"عايزاكِ تكتبي كل اللي تفتكريه عن الليلة دي. تفاصيل صغيرة ممكن تغير مسار القضية كلها."
أمسكت سبيل القلم وترددت للحظة، ثم بدأت في الكتابة. كانت الكلمات تتدفق كأنها تفتح بوابة لذكريات مؤلمة حاولت نسيانها. كتبت عن الليلة التي تغيرت فيها حياتها، عن أصوات الجدل، عن مشاعر الخوف والضياع التي اجتاحتها.
كلما كتبت أكثر، انفجرت بالبكاء، وكأن الحروف تُخرج جزءًا من الألم المكبوت بداخلها. ورغم دموعها، شعرت بشيء من الراحة، وكأنها تُفرغ قلبها المثقل من عبء ثقيل.
في النهاية، أعطت ليان المذكرات، وقالت بصوت مهتز:
"دي كل حاجة كنت شايفاها وحاساها و مريت بيها في اليوم ده . لو في أمل، أنا معاكِ."
أخذت ليان الدفتر وقالت بابتسامة مشجعة:
"دي خطوة كبيرة، سبيل. هنشتغل على ده، وهتكوني فخورة بنفسك لما نخلص."
في تلك اللحظة، أدركت سبيل أن المعركة لم تنتهِ بعد، وأنها لا تزال تملك شيئًا لتقاتل من أجله.
❈-❈-❈
عندما حان موعد جلسة النقض، شعرت سبيل وكأن قلبها يُنتزع من مكانه. كان التوتر يسيطر عليها وهي تُقاد إلى المحكمة، ابتسمت لها ليان محاولةً منحها القليل من الثقة. اقتربت منها ليان في قاعة المحكمة، وهمست بلطف:
"طول ما إنتِ صادقة وواثقة في براءتك، كل حاجة هتكون بخير. إحنا معاكِ."
بدأت ليان المرافعة بحماس، تقدم الأدلة الجديدة والشهادات التي جمعتها. تحدثت بصوت قوي وواضح:
أعضاء هيئة المحكمة المحترمين،
أقف أمامكم اليوم بصوت يعتصره الألم، وبقلبي المليء بالقلق على مصير طفلة لم تتجاوز بعد سن السادسة عشرة، والتي تم الحكم عليها بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا. أطلب منكم إعادة النظر في هذا الحكم، لأنه، بكل وضوح، حكم غير عادل وغير إنساني، وله تبعات وخيمة على حياة سبيل عبدالله.
اولا طفولة محرومة من العدالة: يجب أن نفهم أن سبيل كانت طفلة، تعيش في ظروف صعبة وبيئة مليئة بالحب والعطاء. أي قرار يُتخذ ضدها يجب أن يكون في إطار مراعاة حالتها النفسية والاجتماعية. كيف يمكننا كقضاة وكمجتمع أن نُحكم على طفلة، بدلاً من أن نكون لها ملاذًا وعونًا؟ إن الحكم عليها بخمسة عشر عامًا يعني حرمانها من طفولتها، ومن حقها في التعلم والنمو.
غياب الأدلة القاطعة: المحكمة السابقة اعتمدت على أدلة غير كافية لإدانتها. وجود بصمات على السكين لا يعني بالضرورة أنها مرتكبة الجريمة. يجب أن يكون هناك دليل قاطع يثبت أنها ارتكبت الجريمة، ولكن ما نراه هو مجرد ادعاءات تعتمد على الشكوك وليس الحقائق.
الإصلاح بدلاً من العقوبة القاسية: العقوبة القاسية لن تؤدي إلا إلى تفاقم مشاعر اليأس والحرمان لدى سبيل. هناك بدائل أكثر إنسانية يمكن أن تساعد في إعادة تأهيلها. بدلاً من سلبها حريتها، يجب أن تُمنح فرصة للتعلم والنمو في بيئة صحية.
دعوة للعدالة: يجب أن نكون صوتًا لمن لا صوت لهم، وخصوصًا أولئك الذين تعرضوا للظلم. سبيل تستحق فرصة جديدة لتعيد بناء حياتها، وأن تُعطى الفرصة للتعافي من المعاناة التي تعرضت لها.
لذا، أطلب منكم، بكل احترام، أن تأخذوا هذه النقاط بعين الاعتبار، وأن تنصفوا سبيل عبدالله، الطفلة التي عانت من الظلم، وأن تقضوا بإلغاء الحكم السابق وتخفيف العقوبة.
أشكركم على حسن استماعكم، وآمل أن تنصفوا الحق والعدالة في هذه القضية.
عندما استخدمت ليان عبارات قوية حول براءة سبيل وظروفها القاسية، رفع القاضي حاجبيه قليلاً، معبرًا عن استيعابه لما تُثيره ليان من نقاط مهمة. كانت نظراته حادة، تدل على أنه يأخذ كل كلمة على محمل الجد. عندما استدعت ليان القيم الأخلاقية والإنسانية، تخلل وجه القاضي تعبير خفيف من التأمل، وكأنه يعيد تقييم الموقف.
❈-❈-❈
عند انتهاء مرافعة ليان، أشار القاضي برأسه في تقدير، مظهرًا احترامه لجهودها وتفانيها في الدفاع عن موكلتها. ولكنه في نفس الوقت كان يظهر جديته، وكأنما يزن الكلمات التي سمعها بعناية قبل أن يتخذ القرار. عادت عينيه إلى الأوراق التي أمامه، يستعد للنطق بالحكم، مما جعل كل من في القاعة يشعر بترقب كبير لمستقبل سبيل.
كانت كل كلمة من ليان كأنها تُضيء شعلة صغيرة من الأمل داخل سبيل. شعرت للحظة أن الجدران التي حاصرتها طويلاً بدأت تتصدع.
مرت ساعات طويلة من المرافعات، والشهادات التي استدعتها ليان كانت مليئة بتفاصيل جديدة، تُلقي الضوء على براءة سبيل لكنها ضعيفة لا يؤخذ بها . ومع انتهاء الجلسة، تم رفع الجلسة للمداولة، تاركين سبيل تنتظر بفارغ الصبر.
وقفت مع ليان في الرواق، وقلبها يتصارع بين الأمل والخوف. همست:
"لو المحكمة وافقت، يعني كده ممكن أخرج؟"
أجابت ليان بابتسامة مشجعة:
"لو نجحنا النهارده، هيكون عندك فرصة جديدة لإثبات براءتك. إحنا لسه في أول الطريق."
عادت المحكمة للانعقاد بعد ساعات بدت كأنها دهر. صمتت القاعة بينما نظر القاضي إلى أوراقه، ثم أعلن بصوت هادئ لكنه حاسم:
"بعد مراجعة الأدلة والشهادات الجديدة، تقرر المحكمة قبول طلب النقض. يُلغى الحكم السابق، وتُعاد محاكمة المتهمة سبيل عبدالله."
لم تستطع سبيل تمالك نفسها، وانفجرت دموعها بلا توقف. التفتت إلى ليان وقالت بصوت مختنق:
"يعني أنا لسه عندي فرصة؟"
عانقتها ليان بحرارة وقالت بحماس:
"أيوة يا سبيل، عندك فرصة. لسه المشوار طويل، لكن النهارده خطوة كبيرة. إحنا هنكمل لحد ما تثبتي للعالم إنك بريئة."
في تلك اللحظة، شعرت سبيل أن بابًا جديدًا قد فُتح أمامها، وأنها لم تعد وحدها في هذه المعركة الطويلة.
❈-❈-❈
قال القاضي بنبرة صوت جادة أسكت الجميع :
"بعد استماع هيئة المحكمة إلى مرافعة المحامية ليان للدفاع عن موكلتها سبيل عبدالله، واطلاع المحكمة على جميع المستندات والأدلة المقدمة، وبعد النظر في أسباب النقض، قررت المحكمة ما يلي:
قبول النقض:
بعد مراجعة الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية، وجدت المحكمة أن هناك أوجه قصور في تطبيق العدالة، وأن الأدلة المقدمة لم تكن كافية لدعم الحكم القاسي الصادر بحق سبيل عبدالله.
لذلك قررنا تخفيف الحكم:
استنادًا إلى الظروف النفسية والاجتماعية التي مرت بها سبيل، ولأنها كانت طفلة وقت ارتكاب الجريمة المزعومة، قررت المحكمة تخفيف العقوبة إلى سبع سنوات.
يجب علينا مراعاة حالة المتهمة:
تأخذ المحكمة في اعتبارها الوضع النفسي والاجتماعي لسبيل، وتؤكد على ضرورة توفير برامج إعادة تأهيلها خلال فترة العقوبة، بدلاً من التركيز على العقوبات القاسية.
إلزام الجهات المعنية:
تقرر المحكمة أيضًا إلزام الجهات المعنية بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لسبيل خلال فترة وجودها في السجن، لضمان استعادة حياتها الطبيعية بعد انتهاء العقوبة.
وبذلك، يحكم على سبيل عبدالله بالسجن لمدة سبع سنوات، مع الإشارة إلى ضرورة مراعاة حقوقها كطفلة وضرورة إعادة تأهيلها.
هذا الحكم يسعى إلى تحقيق التوازن بين العدالة والرحمة، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة للمتهمة."
رفعت الجلسة.
❈-❈-❈
نظرت ليان إلى سبيل بألم :
" أنا آسفة ده كل اللي أقدر أعمله "
تم ترحيلها في عربة السجن الضيقة و محكمة الغلق حتى وصلت الأحداث فهي في السادسة عشرة من عمرها لتقضي عامين في الأحداث ثم تذهب الى سجن النساء كبقية النساء السجينات .
شعور سبيل بالظلم كان عميقًا ومُرًا، وكأن ثقل العالم كله قد وُضع على كاهلها. كانت تشعر وكأنها سجينة في جسدها، محاطة بجدران لا تُرى، تُعبر عن إحساسها بالحبس والانغلاق. كانت دموعها تتجمع في عينيها، تغالبها، ولكنها تعمدت عدم السماح لها بالانهيار أمام الآخرين.
عندما تذكرت في حياتها، كانت ترى كل لحظة ضائعة، كل ذكرى حنونة مع والديها التي سُلبت منها، وتمر عليها كخنجر يطعن قلبها. شعرت بالوحدة الشديدة، فالأشخاص الذين كان يجب أن يدعموها ويقفون بجانبها، تركوها لتواجه مصيرها القاسي بمفردها.
كانت تفكر في كيفية اتخاذها خطوات للنجاة، في حين أن نظام العدالة الذي كان يجب أن يحميها قد خذلها. شعور بالخيانة عميق غمرها، إذ اعتقدت أن العالم سيرى براءتها، ولكن بدلاً من ذلك، وجدت نفسها مُدانة من قبل الجميع، وكأنها تُجسد صورة الجاني في عيونهم.
كما انتابها شعور بالعجز، وكأنها تقف في ظلال محكمة غير عادلة، حيث تم اتخاذ القرار بناءً على افتراضات وأحكام مسبقة. كان قلبها ينبض بالخوف من مستقبل غامض، ومن غياب العدالة. كانت تتساءل عن كيف يمكن أن بحكم عليها بالسجن في حين أنها لم ترتكب الجريمة، مما زاد من شعورها بالظلم والإحباط.
عندما فُتحت بوابة الأحداث الثقيلة، دخلت سبيل بخطوات مترددة. نظرت حولها بعينين تحملان خليطًا من الخوف واليأس. كانت الممرات طويلة، والجدران باردة كأنها تشهد على قصص مظلمة بلا نهاية.
المشرفة: "يلا يا بنت، امشي ورايا. ما فيش وقت نضيعه."
نظرت سبيل للمشرفة التي كانت تحمل ملفًا صغيرًا باسمها. لم تنطق بكلمة.
قادتها المشرفة إلى غرفة صغيرة. هناك كانت عاملة أخرى تنتظر.
العاملة: "اخلعي هدومك كلها. لازم نفتشك."
سبيل بصوت مرتعش: "ليه؟ أنا... أنا مش عاملة حاجة غلط."
العاملة بحدة: "ده إجراء لازم يتعمل لكل اللي بيدخلوا هنا. يلا بسرعة و سلمي أي متعلقات شخصية"
بيدين مرتجفتين، نفذت سبيل ما طُلب منها. شعرت بالإهانة تسحق ما تبقى من كبريائها، لكنها لم تقاوم.
بعد التفتيش، أعطتها العاملة زيًا رماديًا قديمًا.
العاملة: "ده لبسك من دلوقتي. البسيه واتفضلي ورا المشرفة."
سبيل بهمس: "ده كابوس... مش ممكن يكون حقيقي."
سارت سبيل خلف المشرفة عبر الممرات الطويلة.
سبيل بصوت منخفض: "هي الزنزانة بعيدة؟"
المشرفة ببرود: "مش فارق. هتكوني هنا كتير لحد ما تتعودي على المكان."
شعرت سبيل بكلماتها تخترقها كالسهم.
عندما وصلت إلى زنزانتها، فتحت المشرفة الباب بصوت معدن يصم الآذان.
المشرفة: "ده مكانك. ادخلي."
سبيل مترددة: "أنا... هفضل هنا لوحدي مع كل دول؟"
المشرفة: "ما تستنيش رفاهية. ده سجن، مش فندق. إدخلي ياختي"
❈-❈-❈
دخلت سبيل إلى الزنزانة. كانت صغيرة للغاية، تحتوي على عدة سرائر معدنية قديمة ووسائد بالكاد تُسمى وسادة. أغلقت المشرفة الباب خلفها بصوت عالٍ.
جلست سبيل على السرير، تحاول أن تستوعب ما يحدث. فجأة.
كانت الفتيات تنظر لها بريبة و فجأة تحدثت فتاة :
"إيه يا جديدة؟ خايفة؟"
سبيل: "أنا... آه. أنا مش متعودة على المكان."
الفتاة: "ولا أنا كنت متعودة. بس مع الوقت، هتعرفي إن هنا محدش بيشيل هم حد."
سبيل بهمس: "بس أنا ما عملتش حاجة... أنا مظلومة."
الفتاة بضحكة ساخرة: "كلنا هنا مظلومين... على الأقل ده اللي بنقوله."
وضعت سبيل رأسها بين يديها، والدموع تتسلل من عينيها. تمتمت لنفسها بصوت خافت:
سبيل: "ده مش حقيقي. أنا مش المفروض أكون هنا."
استمرت في الجلوس، محاطة بأصوات بكاء من الزنازين المجاورة، وصدى خطوات الحراس. كان الليل طويلاً، ممتلئًا بالخوف والوحدة، وكأن الظلم الذي تعيشه أصبح جزءً من الهواء الذي تتنفسه.
رأت فتاة شابة بشعر قصير وابتسامة صغيرة تقترب منها.
الفتاة: " شكلك مرعوب."
سبيل بتردد: "آه... شكلكم غريب أوي ."
الفتاة ضاحكة: "غريب ازاي .. هتكوني زينا متقلقيش
. على فكرة، أنا اسمي هنا.و عمري أربعة عشر عامًا"
سبيل: "أنا... أنا اسمي سبيل.و عمري ستة عشر "
هنا وهي تميل برأسها: "اسم حلو، بس شكلك مش مرتاحة خالص. أول مرة و لا ايه ؟"
سبيل بصوت مكسور: "آه. أنا ما عملتش حاجة... والله العظيم مظلومة."
جلست هنا بجانبها على الأرض، ووضعت يدها على كتفها.
هنا: "ما تقلقيش، كلنا هنا أول يوم بنقول كده. بس بصراحة، لما شوفتك حسيتك مختلفة."
سبيل بانفعال: "أنا بجد مظلومة ،اتحكم عليا ظلم، وكل ده بسبب حاجة أنا ما عملتهاش."
هنا بابتسامة صغيرة: "طب اسمعي، هنا المكان ملوش علاقة مين عمل إيه. المهم إزاي تعيشي فيه. فاهمة؟"
نظرت سبيل إليها بعينين ممتلئتين بالدموع، ثم تنهدت.
سبيل: "وأنا أعيش إزاي؟ أنا مش قادرة أستوعب حتى إني هنا."
"هتعيشي لما تبدأي تفهمي قوانين المكان. أول حاجة، خليكي دايمًا هادية. محدش بيحب اللي بيعمل مشاكل. تاني حاجة، خليكي في حالك و ياريت لما تسمعي أي حاجة إعملي نفسك طرشة الوضع هنا أصعب مما تتخيلي ، لازم تتعلمي صنعة و يكون ليكي فلوس و لا هيدوسوا عليكي ، المهم في حد يبعتلك فلوس برا السجن و لا مقطوعة من شجرة زي حالاتي"
سبيل بتردد: " لأ.. مافيش حد "
عوجت شفتيها :
" أخص .. ليه كده زعلتيني.. طيب انا هاحميكِ "
ليه بتساعديني؟"
هنا بصوت جدي: "لأني شوفت كتير زيك. وشوفت ناس اتدمرت لما محدش وقف معاها. مش عايزاكي تكوني واحدة منهم."
شعرت سبيل ببعض الراحة، رغم كل الألم الذي يعتصرها.
سبيل: "شكرا"
هنا بضحكة: "شكرا دي تقوليهالي بالفلوس اللي هتكسبيها يا جميل "
سبيل بفضول: "ليه جيتي هنا يا هنا؟"
تنهدت هنا وشردت للحظة قبل أن ترد بصوت مهتز:
"مسكونا في المرور وأنا وأخويا "مدثر" بنشحت... قالوا علينا حرامية واتهمونا بالسرقة. خدونا وودونا على القسم، وبعدها جابونا هنا. بس والله العظيم ظلم... أنا ما عملتش حاجة ده أنا بكسب لقمتي بعرق جبيني مش محتاجة أسرق "
كانت عين هنا تمتلئ بالدموع وهي تتحدث، وسبيل شعرت بوجعها.
سبيل بحزن: "وأخوكِ؟ إيه اللي حصل له؟"
هنا تمسح دموعها سريعًا: "مش عارفة... فرقونا، وماشفتوش من يوم ما جابوني هنا.. و هو عيل صغير عده عشر سنين بس واد يعجبك كان صبي ميكانيكي بس الله يسامحه معلمه غدر بيه و بقى ياكل شقاه و تعبه و يرميله ملاليم و لما حد يديله فلوس تشجيع يعني ياخدها و كان بياكل كباب و كفتة وفراخ و يرمي للواد الفتافيت راجل ظالم منه لله "
وضعت سبيل يدها على كتف هنا بلطف، تحاول أن تهدئها:
" إن شاء الله يكون بخير و تشوفيه قريب "
بعدما هدأت هنا قليلًا، بدأت تتحدث مع سبيل عن الحياة داخل المؤسسة:
هنا بحذر: "في ناس هنا طيبين، بس في ناس تانية بيخوفوا... لازم تكوني واخدة بالك."
سبيل بفضول: "زي مين؟"
"في واحدة اسمها شيماء... دي الكل بيخاف منها. بتفرض كلمتها على الكل، ولو حد عاندها، ما بتسكتش."
سبيل بتحدي: "مش هسمح لحد يتسلط عليا."
هنا تضحك بخوف: "يا ريت، بس خلي بالك، هي قوية ومحدش يقدر عليها."
في تلك اللحظة، اقتحمت الغرفة فتاة طويلة، بشعرها المجعد وعينيها الحادتين. بدا واضحًا أنها شيماء. نظرت إليهما بنظرة حادة ثم قالت بصوت قوي: "إنتِ جديدة، مش كده؟"
سبيل بحزم: "آه، جديدة."
شيماء تبتسم بسخرية: "خليكي في حالك هنا، وما تحاوليش تزعلي حد... علشان الدنيا هنا مش زي بره يا كتكوتة."
سبيل بنبرة ثابتة: "أنا ما بزعلش حد طول ما محدش بيحاول يزعلني."
ارتفع حاجبا شيماء بدهشة من رد سبيل، لكنها لم تُظهر أي انزعاج. اقتربت بخطوات بطيئة قبل أن تهمس:
"هنشوف كلامك ده."
توجهت شيماء إلى سريرها، وتركتهما في توتر. نظرت هنا إلى سبيل بخوف:
"إيه اللي عملتيه ده؟ دي هتفضل وراكِ"
سبيل بثقة: "أنا مش هسمح لحد يدوس عليا. لو هي قوية، أنا كمان مش ضعيفة.. المهم هتلاقي اخوكي ازاي"
شعرت هنا بمزيج من الإعجاب والخوف تجاه سبيل، لكنها أدركت أن سبيل ليست مثل بقية الفتيات.
" ماتقلقيش أنا و هو نعرف نقابل بعض كويس.. نامي يا حلوة علشان الحفلة بتاعة بكرة "
"حفلة ايه "
ضحكت هنا بصوت عال" هتعرفي لما تصحي "
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية