-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 21 - 2 - الأثنين 27/1/2025

  

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الفصل الواحد والعشرون

2

تم النشر بتاريخ الأثنين

27/1/2025

ابتعدت عنه وكأنها تفر من قيدٍ

وهو غارق في جنونه بها


تحلم بحبٍ آخر لا تدري

أن قلبها ما زال في يديه




كانت «وعد» تقود بسرعة جنونية، كأن الشوارع قد تحولت إلى مسارات هروب، وكأن هناك شيطانًا يلاحقها، يطاردها في كل انعطافة وكل زاوية  ، عيناها كانتا مثبّتتين على الطريق، لكن عقلها كان يسافر بعيدًا، يعود إلى تلك اللحظات التي لا تستطيع نسيانها.


نظراته، تلك النظرات التي كانت تشعرها وكأنها تتغلغل في أعماقها، توقظ خوفًا دفينًا لم تعرف وجوده من قبل  ، نظراته لم تكن عادية، كانت نظرات مشوبة بالشك، بالسيطرة، وكأنها كانت تقرأ في عينيه شيئًا لم ترغب في رؤيته. 


كانت تجلس معه على السفرة، تكاد أن تختنق، الهواء يصبح ثقيلًا، والجدران تقترب، وكأن الغرفة تتحول إلى قفص يطبق عليها. 


الخوف كان يطرق بابها بصوتٍ عالٍ كلما تواجدت في نفس المكان معه، لكنه لم يكن خوفًا عاديًا، بل كان خوفًا خاصًا، مرتبطًا بهذا الشخص فقط.


تذكرت حين اقترب منها، كان قريبًا جدًا، حتى أنها شعرت بأنفاسه تلامس بشرتها، كأنها إدمان بالنسبة له، كانت تستطيع أن تشم رائحته، تلك الرائحة التي لم تكن تريحها أبدًا. 


جسدها توتر بشكل لا يمكن السيطرة عليه، كأن شيئًا في الداخل كان يحاول الهروب، لكنه لا يستطيع  ، العلاقة بينهما كانت دائمًا متوترة، وكأن هناك خيطًا مشدودًا بينهما، خيط يمكن أن ينقطع في أي لحظة ويترك كل شيء في فوضى.


لعنت «راندة» في تلك اللحظة، لعنت الصدفة التي جمعتهم ببعض، لعنت كل شيء جعلها تجد نفسها في هذا الموقف، كل شيء جمعها به. 


لم تكن تستطيع تحمل وجوده، لم تشعر بالأمان بتاتًا معه، وكأن حضوره كان كافيًا ليقلب كل معايير الطمأنينة في حياتها.


كانت تريد أن تتخلص منه للأبد، هذا الشخص لم يكن فقط غريبًا، بل كان مريبًا جدًا، تصرفاته، نظراته، الطريقة التي يتحرك بها، كل شيء فيه كان ينذر بالخطر. 


لم يكن هو الشخص الذي يبدو عليه، كان هناك شيء آخر تحته، شيء مظلم، شيء لا تستطيع تحديده، لكنه يجعلها تشعر بأنفاس الخطر على رقبتها.


كل لحظة قضتها معه كانت تتركها في حالة من التوتر الذي لم تعرفه من قبل، وكأنها تعيش على حافة الهاوية، تنتظر اللحظة التي ستسقط فيها، ولا تعرف كيف أو متى ستحدث تلك السقطة.


أفاقت على صوت هاتفها، كان الرنين يخترق الصمت الذي أحاط بها، وكأن العالم بأكمله عاد ليقتحم لحظتها الخاصة، ارتعش جسدها تلقائيًا، كأن الصوت كان إشارة إلى شيء مقلق، إشارة لعودة الواقع بكل ثقله. 


يـ ـدها المرتجفة امتدت إلى الهاتف الموضوع بجانبها على المقعد، نظرت إلى الشاشة بعينين مثقلتين بالتوتر، وما زالت تقود بسرعة مجنونة.


رأت الاسم «كمال» يظهر على الشاشة، تنهدت بعمق، وكأنها كانت تنتظر هذا الاتصال، تنتظر أن تجد في صوته ملاذًا مؤقتًا من الفوضى التي تعيشها. 


رفعت الهاتف بسرعة إلى أذنها، وردت عليه بلهفة لا تستطيع إخفاءها :


ـ كمال  . 


صوته كان هادئًا، لكنه حمل معه بعض القلق :


ـ وعد، إنتِ فين؟؟  ، إنتِ مش جاية الشركة النهاردة؟؟ 


صوتها كان مرتعشًا، كلماتها تخرج بسرعة وكأنها تحاول التهرب من شيء ما :



لا  ، أنا كنت هشتري فستان عشان المؤتمر بس  ، بس اتخنقت، وشوية وهقعد في مكان، وهروح  . 


كل كلمة نطقت بها كانت تخرج مع أنفاس متلاحقة، وكأنها بالكاد تستطيع التقاط أنفاسها بين الكلمات  .


 شعر «كمال» بالقلق في نبرتها، لم يستطع تجاهل هذا التوتر الذي يكسو صوتها :


ـ مالك يا وعد؟؟ 


 سألها بقلق، نبرته أصبحت أكثر جدية، وكأنه كان يحاول فك شفرة ما يجري معها  . 


 كانت «وعد» لا تزال تقود، كانت عيناها تلتمعان بتوتر شديد، عقلها يعيدها إلى تلك اللحظات المزعجة، إلى ذلك الرجل الذي جعلها تشعر بالخوف الذي لم تفهمه تمامًا. 


حاولت جاهدة أن تبقي صوتها ثابتًا، لكنها لم تستطع إخفاء ارتجافها :


ـ مفيش يا كمال، أنا هروح أقعد على البحر شوية، وشوية وهكلمك تانى  . 


أغلقت المكالمة قبل أن يتمكن من الرد، وكأنها كانت تخشى أن يسأل المزيد من الأسئلة، أن يكشف عن الاضطراب الذي يملأها. 


وضعت الهاتف بجانبها مرة أخرى، ويدها ما زالت ترتجف، تشعر أن الاتصال لم يكن كافيًا لتهدئتها، لكنه كان على الأقل نافذة صغيرة سمحت لها بأخذ نفس، حتى لو كان قصيرًا.


استمرت في القيادة، لكن عقلها لم يكن حاضرًا بالكامل، كان مشغولًا بذلك الشعور بالخوف الذي لا تستطيع التخلص منه، وبصوت كمال الذي حاول طمأنتها، لكنها كانت تعرف أن هذا الخوف أعمق مما يمكن لصوته أن يبدده  . 


أغلقت الهاتف، والهمس يختفي،

لكن القلب ما زال في الخوف يكتفي.

تركض من كلماتٍ لا تريد سماعها،

وتهرب من قلقٍ يعانق أضلاعها.



الهروب بدا قريب،

لكنها لا تهرب من القدر الرهيب.

يربطها به كظلٍ لا يغيب،

ذلك الشخص المريب، والقلب لا يطيب.



تسكن عيناها بحرًا من الظنون،

وتسأل الليل عن ذاك السكون.

لكن الطرقات تقودها إليه،

حيث المصير يكتب بخط اليدين.



لا مفر من القدر المحتوم،

ولا راحة في قلب مسموم.

فهي سجينة لحبٍ مجهول،

وشبح الماضي يظل معلول


❈-❈-❈


نظر «كمال» إلى الهاتف، وعيناه معلقتان بالشاشة المظلمة، وكأنها تحمل إجابة لم يستطع استيعابها بعد  ، لحظة إغلاقها المكالمة في وجهه، كانت كأنها صفعة غير متوقعة. 


الدهشة تجمدت في ملامحه، لكنه سرعان ما تحول هذا الشعور إلى قلق عميق يملأ صدره، تذكر صوتها المرتعش، الكلمات التي كانت تخرج منها بحذر، وكأنها تخفي شيئًا أكبر من مجرد إرهاق عادي.


تذكر حديثها عن ذهابها إلى البحر، كيف أنها أرادت أن تهرب من العالم، ولو للحظات، لتجلس هناك وحدها  ، كل كلمة نطقتها كانت تزرع بذور القلق في قلبه، وها هو الآن يواجه تلك البذور التي نمت بسرعة.


لم يستطع البقاء في الاجتماع، ترك الطاولة دون أن ينطق بكلمة واحدة  ، الوجوه المندهشة من حوله لم تستطع أن توقفه، حتى سكرتيره الذي بدأ يركض خلفه، يحاول معرفة ما الذي جعله يترك الاجتماع بهذه الطريقة المفاجئة. 



ـ أستاذ كمال، أستاذ كمال 


 ناداه السكرتير، صوته كان ممتلئًا بالتساؤل والارتباك، لكنه لم يتلق أي رد.


عقل كمال كان في مكان آخر تمامًا، لم يكن هناك، بين زملائه وأوراق العمل، بل كان مع وعد، حيث البحر، حيث الخوف الذي كان يشعر به في نبرتها. 


غادر الاجتماع بعجالة، ولم يهتم بالأصوات التي تلاحقه أو النظرات التي تتساءل عن سبب مغادرته.


ـ أستاذ كمال، لو سمحت، ايه اللي حصل، استاذ كمال طب الأجتماع؟؟ 


حاول السكرتير مجددًا، وهو يلاحق خطوات كمال السريعة، لكن «كمال» لم يكن يسمع، لم يكن يرى سوى الصور التي يخلقها خياله عن وعد وهي وحيدة على شاطئ البحر، محاطة بشيء لا يفهمه، لكنه يشعر بوجوده.


ركب سيارته بسرعة، أغلق الباب بقوة وكأنها وسيلته الوحيدة لكتم الأفكار المشتتة  ، بدأ يقود بجنون، كأن الطريق هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن تأخذه إليها. بحث عنها كالمجنون، عينيه تنتقلان بين الطريق وهاتفه، ينتظر أن تعاود الاتصال، أن تمنحه إشعارًا بأنها بخير.


 لم «كمال» يكن يقود فقط، بل كان يطارد خوفه، يبحث عن «وعد»، ويأمل أن يصل إليها قبل أن يتفاقم هذا القلق الذي يأكله من الداخل. 




أين أنتِ، التي أسرتِ كياني؟

أجوب الطرقات بحثًا عنكِ في أحزاني،

تركتِني أتخبط في شوقي ولهفتي،

وأنتِ الغائبة، تسكنين كل أوطاني.




أمسك «كمال» هاتفه بيدٍ مرتجفة، وكأن الجهاز أصبح ثقيلًا من فرط القلق الذي يعتريه  ، أصابع يـ ـده الأخرى كانت تضغط على أزرار الاتصال بتوتر متزايد، عيناه تحدقان في الشاشة بانتظار أن يضيء اسمها مجددًا.


 اتصل بها مرة ثانية، ثم ثالثة، ثم عاشرة، وكل مرة كان الأمل يتلاشى تدريجيًا مع كل رنة لا تجد إجابة.


الوقت كان يتحرك ببطء، كل ثانية تمر وكأنها ساعة، بينما كان عقله يعيد شريط المكالمة الأخيرة مرارًا وتكرارًا، يبحث عن أي إشارة، أي كلمة ربما لم ينتبه لها. 


صوتها المرتعش، الكلمة المبتورة، ذلك التنهيد الطويل قبل أن تغلق الخط، كل شيء كان يزرع بذور القلق في قلبه.


لكنها لم ترد، كل اتصال كان يزيد من إحساسه بالعجز، وكأن الهاتف أصبح عدوًا له، يذكره بأن المسافة بينها وبينه تزداد مع كل رنة لا يُجاب عليها. 


جلس في سيارته للحظة، يضغط على جبهته بيده، يحاول أن يهدئ نفسه، لكن نبضات قلبه كانت تتسارع، تخترق صدره كطبولٍ تزداد قوة.


لماذا لا ترد؟ كان السؤال يدور في رأسه بلا توقف، يتردد كصدى لا نهاية له  ، هل حدث لها شيء؟ هل هي بخير؟ أم أن شيئًا ما يمنعها من الرد؟ عقله بدأ ينسج سيناريوهات مخيفة، وقلقه تحول إلى خوف حقيقي.


 كل لحظة كانت تمر تزيد من شعوره بالخطر، كأنه كان في سباق مع الوقت، لكنه لم يكن يعرف ما هو الخطر الذي يطارده.


نظر إلى الهاتف مجددًا، وكأنه يتوقع أن ترد في أي لحظة، أن تضيء الشاشة وتملأ الفراغ بصوتها، لكن الصمت كان ثقيلًا، يضغط على أنفاسه ويجعل قلبه يئن.


ضغط على زر الاتصال مرة أخرى، هذه المرة بقوة أكبر، كأنه يريد أن يجبرها على الرد  ، رن الهاتف مرة أخرى، والانتظار أصبح أكثر صعوبة، كل رنة كانت تشبه طعنة في قلبه، لكنه ظل متمسكًا بالأمل، بالأمل الوحيد الذي كان يمكن أن ينقذه من هذه الدوامة.


 لكنه، مرة أخرى، لم يجد إجابة  ،في تلك اللحظة، أدرك «كمال» أن الوقت ليس في صالحه، وأن عليه أن يفعل شيئًا أكثر من مجرد الاتصال.



في تلك اللحظة، وبينما كان القلق يأكل قلب «كمال» بلا رحمة، خطر في ذهنه اسم واحد يمكن أن يكون طوق النجاة الوحيد في هذا الوضع المربك،« نور»


كانت «نور» قد تكون تعرف «وعد»  ، تعرف تفاصيلها الصغيرة، الأماكن التي تلجأ إليها عندما تصبح الحياة أكثر ثقلًا مما يمكنها احتماله. 


 كانت «نور» الشخص الوحيد القادر على مساعدته الآن، على توجيهه إلى المكان الذي قد تكون فيه وعد، إلى ذلك الركن المفضل لها عند البحر.


أمسك بهاتفه مرة أخرى، هذه المرة كان لديه أمل بسيط، لكنه كان يتمسك به بكل قوته. 


ضغط على اسم «نور» في قائمة جهات الاتصال، وعيناه ما زالتا تتابعان الطريق أمامه، كأنه في سباق مع الزمن. 


وضع الهاتف على أذنه، وصوته في داخله يهمس :


 "ردي يا نور... من فضلك ردي "


رن الهاتف مرة... ثم مرتين... لكن لا إجابة  ، بدأ يشعر «كمال» بالانزعاج، ليس فقط لأن نور لم ترد، ولكن لأن هذا يعني أنه لا يزال عالقًا في دوامة القلق، لا يعرف أين يمكن أن تكون «وعد».


 حاول مرة أخرى، ثم مرة ثالثة، وصوت الهاتف الذي يرن دون استجابة كان يزيد من حدة التوتر في داخله.


" ردي يا نور "


 قالها بصوت مسموع، وكأن الكلمات كانت محاولة يائسة لجعلها تسمعه حتى دون أن ترد  ، لكن الصمت كان سيد الموقف.


فكر للحظة  ، وتشاؤلات تقتحم رأسه  ، "هل يمكن أنها مشغولة؟ أم أن الهاتف بعيد عنها؟" 


 لكنه سرعان ما أسقط هذه الأفكار، إذ لم يكن في وضع يسمح له بالصبر أو تحليل الأمور، حاول مرة رابعة وخامسة، لكن النتيجة لم تتغير، الهاتف كان يرن، و«نور» لم تكن ترد.


كل مرة كان الاتصال ينتهي دون إجابة، كان يشعر بأن الخيط الرفيع الذي يمسك به يوشك على الانقطاع. 


أصابعه بدأت تضغط على الهاتف بقوة، وكأن غضبه بدأ يتسرب إلى يديه  ، لعن هذه اللحظة بصوت مسموع،


 ـ مش وقتك يا نور  ، مش وقتك خالص  . 


 قالها بحدة، وكأن الكلمات كانت موجهة إلى العالم بأسره، وليس فقط إلى «نور».


الطريق أمامه بدا أطول مما هو عليه، كأن المسافة تتسع مع كل لحظة تمر دون أن يجد أي إجابة  ،  شعر «كمال» بالعجز للمرة الأولى، وهو أمر لم يكن معتادًا عليه.


 كان دائمًا ذلك الشخص الذي يجد الحلول، الذي يتحكم في الأمور، لكن الآن، الأمور كانت تخرج عن يـ ـديه بالكامل.


ضغط على زر الاتصال مرة أخرى، وكأن الاتصال الأخير قد يحمل معجزة، لكنه لم يجد إجابة  ، الصمت الذي كان يحيط به أصبح ثقيلًا، كأن العالم بأسره توقف عن الحركة ليتركه وحده يواجه هذه اللحظة.



 كان «كمال» يشعر أن دقات قلبه تتسارع مع كل دقيقة، أغلق الهاتف في إحباط، وأسند رأسه على عجلة القيادة لثوانٍ، محاولًا التقاط أنفاسه  ، عيناه أغمضت للحظة، لكنه كان يرى في ذهنه وجه «وعد»، وصوتها المرتعش في المكالمة الأخيرة.


ـ مش هسيبها  ، لازم ألاقيها. 


قالها بصوت حازم، ثم ضغط على دواسة البنزين بقوة، وكأن السيارة أصبحت امتدادًا لقلقه، تسابق الزمن والمجهول في محاولة يائسة للوصول إلى «وعد» رغم كل شيء، ورغم عدم إجابة «نور»، لم يفقد الأمل تمامًا، كان يعرف أن عليه أن يبحث، أن يفعل أي شيء، لكن التوقف لم يكن خيارًا. 


الصفحة التالية