-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 13 - 1 - الثلاثاء 28/1/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الثالث عشر

1

تم النشر الثلاثاء

28/1/2025

-فلعلها.. ولعلها.. 


الرسلانية..١٩١٦..

تسلل الشبحان نحو دار رسلان، متلفحين بالعتمة التي بدأت تنشر عباءتها بالأفق، وتسترا خلف سور دار سعد في انتظار خروجه في أي لحظة، ولكن قبل أن يهم بالخروج، كان عليهما أن ينفذا ما جاءا لأجله، أشار أحدهما لصاحبه لتنفيذ ما اتفقا عليه، فقام بإلهاء الخفير المرابط على بوابة دار الرسلانية بإلقاء حجر في اتجاه ما بالقرب من موضعه، ليندفع الخفير مشهرا سلاحه نحو موضع الحركة المباغتة، هاتفا بالجملة المعتادة: مين هناك! 

ظل الخفير متسمرا موضعه لبرهة لعل الحركة تنجم عن ظهور شخص ما، أو ربما حيوان دفعه الجوع للخروج بحثا عن ما يسد رمقه، لكن ما كان هناك من أحد إلا السكون المريب الذي دفع الخفير للعودة موضعه أمام البوابة، بعد أن قام أحد الشبحان برش ذاك السائل على عتبة باب دار الرسلانية في وقت خروج سيد الدار.. 

انتظرا حتى يطمئنا أن الأمر قد تم بنجاح، وأن سعد مر بالفعل على موضع سكب السائل الملعون، وها قد جاءت اللحظة الحاسمة حين هل سعد خارجا من داره في اتجاه البوابة الخارجية، لكن قبل أن يبلغ البوابة هل طيف شخص ما مسرعا، مستجيرا بسعد في مظلمة ما: يا سعد بيه!.. 

توقف سعد موضعه، وما أن هم الخفير بمنع المستجير من دخول الدار دون إذن سيده‍ا، إلا وأذن سعد أمرا الخفير بقوة: سيبه، تعال.. شرف.. 

خطا الرجل لداخل دار سعد، وشهق الشبحان في صدمة، ما دفع أحدهما ليهمس في خوف: ستي فُتنة هتجطع من چتتنا وترمي لديابة الچبل، نجولها ع اللي حصل، ولاّ بلاها!.. 

هتف الآخر: طب وإحنا ذنبنا ايه عاد!.. عِملنا اللي علينا وربك مش رايد يتم مرادها، خلينا نجولوا لها اللي چرا، أصلك هي هتعرف هتعرف، وإحنا بجى ونصيبنا.. وربك يتولانا.. 

تسلل الشبحان من جديد مبتعدين، وغابا بعد أن فشل مسعى سيدتهما.. 

❈-❈-❈

جلس الخواجه نعيم في سكون أشبه بتمثال من شمع، لا يحمل وجهه أي دلالات، وهو يتطلع لشمعدان الم*نوراه السباعي، وأخيرا مد كفا مشعلا إحدى الشمعات احتفالا بالس*بت، دخلت رحيل الحجرة، مطالبة: نعيم! عايزة فلوس! 

انتفض متطلعا نحوها في حنق: النهاردة السبت، أنتي مش واعية رحيل! 

هتفت ممتعضة: ولادك جعانين! هأكلهم إيه! ده حتى اللي على أيدي ده، مبقاش لبن فصدري له، نشف من قلة الأكل، زي ما أنت منشفها علينا.. 

هتف نعيم بلا مبالاة: سرحي العيال يشوفوا حالهم،  اهو يطلعوا لهم ب أي لقمة من هنا ولا هنا، أو يمدوا يدهم ياخدوا حزمتين جرجير ولا بصل من أي غيط، ولا كام برتقانة من جنينة الموالح بتاعت الرسلانية..

هتفت رحيل زاعقة: يا نعيم ده مش أكل، عايزين عيش وغموس، العيال نشفت.. 

هتف نعيم حانقا: ليه! مش كلتوا زفر في فرح سعد رسلان ومن بعده لما دبح العجلين لما مراته حبلت، هتنهبوا!  

صرخت رحيل في حنق: يا راجل ده من كام شهر! دي خلاص على وش ولادة.. 

أكد نعيم في هدوء مقيت: السبت للعبادة والتأمل، ومفيش حتى صرف للمال، انتهينا.. روحي وسبيني للتأمل.. قطعتي عليا عبادتي وصلواتي.. 

زفرت رحيل في حنق، وما أن همت بالخروج من الغرفة إلا واستوقفها نعيم متسائلا: إنتي قولتي مرات سعد رسلان على ولادة! 

أكدت رحيل في ضيق: آه، هي وأخته.. 

هتف نعيم في غل: خلينا نقعد ونتفرج، لما تروح منه مراته واللي فبطنها زي اللي سبقوها.. 

تطلعت رحيل نحوه ولم تعقب، وأخيرا سألت في فضول: ليه مستني ده يحصل!. هو ده هيفيدنا فحاجة! هيعود علينا بمصلحة يعني! 

أكد نعيم وهو يتطلع للشمع..دان المق..دس، مؤكدا في نبرة تنضح حقدا: لو رسلان جاله الولد، هيمد جدوره فالأرض دي أكتر بدل ما ينقطع نسله ونرتاح.. أرض البركة مش له ولا لولاده، أرض البركة حقنا إحنا رحيل، ولازما هناخدها.. 

همست رحيل متعجبة: طب ما وهدان الحراني خلي بِك، وأنت كنت معتمد عليه في الوصول للأرض، إزاي هتوصل لها دلوقت! 

هتف نعيم في نبرة خبيثة: ما هو مش بخطره، وهدان الحراني هيعمل اللي أنا عاوزه غصب عنه، ومش هايقدر يعارض لي رأي، ولا يرفض لي طلب.. 

هتفت رحيل في فضول: إزاي! 

تطلع نعيم نحوها في استخفاف، أمرا إياها في نزق: روحي دوري للعيال على لقمة يكلوها، وسبيني أنا أشوف حال الدنيا.. 

انتفضت رحيل مغادرة الغرفة في حنق، حين أدركت أن نعيم لا يرغب في اشراكها في خططه، تاركة إياه لرمزه الغالي مقسما على تنفيذ الوعد كما تشير أعمدته السبعة بالعودة، مهما كان الثمن.. 

❈-❈-❈

دفعت في عجالة ذاك الباب الخشبي المتهالك، لتلك الدار الطينية المهدمة أركانها لحد كببر، حتى يظن الناظر أنها مجرد ركام من دار خربة، أصدر الباب صريرا مزعجا، ما نبه مكحلة العجوز لتهتف متسائلة: مين الچاي!.. 

ظهرت شفاعات دافعة عنها بردتها التي كانت تتخفى تحتها، هاتفة في تأكيد: أني شفاعات يا خالة، العواف! 

سألت مكحلة بلا مبالاة، وهي تقلب سائل بقِدر نحاسي يغلي على كانون طيني، يشتعل تحته بعض أعواد جافة: خير يا شفاعات! ايه في! 

هتفت شفاعات مؤكدة: ايه في يا خالة غير المسدوحة اللي كلت عجل الراچل، كنه ما نضر حريم، والله عملاه عمل، وهي محچبة ما محوج فيها شي، لازما تشوفيلي تصريفة يا خالة!.. أني هموت بجهرتي..

همست مكحلة: وأني بيدي ايه يا بتي ومعملتوش! العمل ضيعتيه يوم دخلتهم، جلنا نسجطها! چه المعدول چوزك وچاب لها الحكيم اللي بياچي لمرت أخوها البرنسيسة، عشنا وشفنا جال حكيم جال! وأني يا بوي مجدرش اعتب عندها ولا امد يدي عليها، طب جلنا نحطوا لها حاچة ف أكلها، بجت توجف زي الددبان فوج روس خدمها وهم بيسوا وكلها، حتى جُلة الميا، هي اللي بتملاها بيدها، وما حد يستچري يمد يده على غسيلها ولا يطلع فوج عندها، دي حاطة الخدم حراس.. طب دي كنها محچبة صح، وواعية للي چاي فخاطرك بالمظبوط يا فجرية!.. 

بكت شفاعات كمدا، وأخيرا نهضت مغادرة في عجالة بلا تحية، وقد أقرت أن ذاك هو آخر ما في عزم مكحلة وجهدها، وأن قدراتها أصبحت عاجزة عن تبليغها مناها، وعليها أن تبحث عن منقذ آخر ينتشلها من هوة القهر التي سقطت فيها قسرا، بسبب زواج رجلها من هذه المرأة.. 

عاد الباب المتهالك لصريره مجددا، فرفعت مكحلة رأسها نحو القادم، معتقدة أن شفاعات عادت من جديد، لكن ما أن أزاحت القادمة بردتها عن محياها، حتى هتفت مكحلة في رتابة: وااه، كن مكتوب عليا النهاردة نسوان بيت الحراني! إيه في يا ست فُتنة! .. 

اندفعت فُتنة تجلس بالقرب من مكحلة، هاتفة في اضطراب: غيتيني يا خالة: العمل المرشوش لچل ما سعد بيه يخطي عليه، خطا عليه راچل تاني! أسوي كيف دلوجت! 

هتفت مكحلة مذعورة: يا مري، يا مري، أني مش موعياكي تحرصي ما حد يخطي عليه إلا اللي عليه الجصد والنية! .. بوووه، كده غفلجت.. 

ضربت فُتنة على صدرها في ذعر في تتابع عدة مرات، لا تنطق حرفا في صدمة، قبل أن تتمالك نفسها متسائلة في لهفة: طب نعكسوا العمل! سوي اللي تعرفيه كله يا خالة، أني رايدة سعد بيه، ومليش غرض في راچل غيره.. 

هتفت مكحلة متنهدة: وربك مش رايد يا بتي، كنهم محچبين صُح ولاد رسلان، كيف ما جالت شفاعات!.. 

ساد الصمت لبرهة، قبل أن تشرع فُتنة في البكاء وخيبة الأمل تغمر قلبها، بعد أن تأكد لها أن ما تصبو إليه هو أبعد من أن تطاله يديها، لتهتف مكحلة متسائلة في فضول: ومين بجى صاحب النصيب اللي خطا بدل سعد بيه! 

هتفت فُتنة في قهر: أبو زكيبة! شوفتي حظي يا خالة! 

هتفت مكحلة في فرح: واه، أبو زكيبة سمسار المواشي! طب ده يا حظك وهناكي! 

هتفت فُتنة في حنق: ايه چاب لچاب يا خالة! من سعد بيه يبجى حظي مع سمسار البهايم ده!.. 

قهقهت مكحلة ساخرة: الدنيا حظوظ بجى يا بتي!.. والراچل اللي يعيبه چيبه، وده على ما اسمع كده، چيبه مدفي وعمران، وانتي بدر منور، والله ده أني أفرح واخليه تحت رچلي وما يجدر يرفض لي طلب.. 

همست فُتنة في قلة حيلة: يعني خلاص كده خربت يا خالة!.. 

أكدت مكحلة متنهدة: ده كده باينها عمرت يا بتي! واللي چاي برضك زين، شوفي حالك، بلا سعد بلا حِزن، ده غرجان مع البرنسيسة اللي مالكة جلبه، كيف ما سوت أخته فأخوكي.. اللي مرته ماسكة السما بيدها ومش طايلة منها لا حج ولا باطل.. 

تنهدت فُتنة في قلة حيلة، ومدت كفها تتلفح ببردتها قبل أن تغادر دار مكحلة، التي مصمصت شفتيها في اشفاق، وهي تتطلع نحو موضع رحيلها الصامت، هامسة في نبرة متعاطفة: يا بووي ع العشج وعمايله!..