-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 5 - 1 الجمعة 20/12/2024

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش

 

الفصل الخامس

1

تم النشر الجمعة

20/12/2024

حالة خاصة جداً 

القاهرة ١٩١٥..

تنبه رستم باشا الذي غادر طاولة الإفطار لتوه، لتلك الأحمال التي كان خدمه يدخلونها باتجاه المطبخ، فسأل كبير خدمه الذي كان يشرف على نظافة المائدة من بقايا صحون الفطور: ايه ده يا إدريس! 

أكد الخادم في أدب ورأس منكس: دي هدايا سعد بيه يا باشا.. وصل وفي انتظارك ف الصالون..

دخل رستم الصالون، فنهض سعد يلقي التحية في تأدب، ليبادره رستم مازحا: كتير يا سعد بيه الحاجات اللي أنت جايبها، هو أنت جبت الرسلانية كلها معاك ولا إيه! 

ابتسم سعد مؤكدا في ود حقيقي: متغلاش على چنابك يا باشا، دي حاچات بسيطة.. ميچيش من بعد خير سعادتك وكرمك علينا.. 

جلس رستم فتبعه سعد جالسا، ورستم يؤكد: أنت عارف إني بعزك حقيقي يا سعد، أنت راجل محترم وأصيل، وفي حاجة كمان يمكن أول مرة أقولها، إن والدتي رحمة الله عليها..

ردد سعد الرحمات، ليستطرد رستم: والدتي زي ما أنت عارف مصرية، لكن اللي معندكش به خبر، إن كان لها أصل صعيدي من ناحية جدي.. 

زان البشر وجه سعد مؤكدا: ده إحنا إزددنا شرف يا رستم باشا.. 

هز رستم رأسه في هدوء، ثم سأل وقد تبدلت نبرته للرسمية قليلا: ها إيه أخبار الاشغال، يا رب تكون عال!

أكد سعد في حماس: اطمن ع الآخر يا رستم باشا، كله عال، ولا تشغل بال سعادتك..

أكد رستم مبتسما: أنا مش شاغل بالي أبدا، أنا عارف إنك راجل مجتهد وذكي، وإلا ما كنتش شاركتك، ولا ساعدتك توصل لبشوات تانية، وشغلك يوسع.. 

أكد سعد ممتنا: چمايل على راسي يا رستم باشا.. عمرها ما هتتنسي، بس أنى لسه طمعان..

تطلع إليه رستم متعجبا: طمعان! إيه يا سعد.. بتفكر فالبشوية ولا ايه! 

انتفض سعد نافيا: العفو يا باشا، أني طمعان وكلي عشم في تشريفنا بزيارتكم الكريمة للرسلانية .. 

نهض رستم وقد علت ضحكاته، يفتح صندوق السيجار متناولا إحداها من داخله، خالعا عنه غلافه الشفاف مشعله في هوادة، نافثا دخانه، مستفسرا: عزومة يعني! 

هتف سعد: لاه، عزومة ايه يا باشا!.. دا انتوا أصحاب مكان! ونتشرف بصحبتكم.. چنابك، والعيلة الكريمة.. 

هز رستم رأسه متفهما، وفكر لبرهة ثم أجاب في سلاسة: فكرة مش بطالة، الهانم كان نفسها في رحلة زي دي.. 

اندفع سعد مستطردا: والهانم أخت سعادتك، تشرف وتنور، هي والباشا چوزها، أهو نتعرف.. هي مش متچوزة برضك! 

غام وجه رستم، متحدثا بنبرة متحسرة: أنس الوجود.. هي فعلا محتاجة لرحلة مريحة.. 

انشرح وجه سعد رغما عنه، وحاول على قدر استطاعته اخفاء ذاك البشر الذي حل على محياه لمعرفته بقدومها، على الرغم من أن الباشا لم يجب سؤاله عن حالها، لكنه حاول احتراما لتلك النبرة الحزينة التي يفضي بها الباشا عما يثقل صدره، مسطردا: هي فعلا محتاجة رحلة تغير فيها جو، مخبيش عليك يا سعد بيه، هي جت من إسطنبول في حالة سيئة ومحتاجة فعلا بعض التغيير بعد أيام صعبة عاشتها هناك.. دي وصية والدي كاظم باشا لما اقترحت عليه يبعتها مصر، إني أحاول أخرجها من حزنها وعزلتها، وأنا انشغلت حقيقي، بس اعتقد إن دعوتك لزيارة الرسلانية جت في وقتها.. 

تهلل وجه سعد لكلمات الباشا، فهذا معناه الموافقة وقبول الدعوة بشكل نهائي، ما جعله يهتف في ود: الرسلانية هتنور بحضوركم يا رستم باشا، وإن شاء الله تكون زيارة ميمونة، وتسعد الهانم الصغيرة.. 

هز رستم رأسه ممتنا، وجلسا من جديد يتبادلا الأخبار عن أسواق المال والأعمال، وتأثيرات الأحداث السياسية على الوضع الاقتصادي طبقا لظروف الحرب وتأثيراتها.. 

خرج سعد من قصر رستم باشا، هابطا الدرج في وقار في اتجاه البوابة، وإذا به يبصرها على مقربة، تجلس على غير عادتها وحيدة بلا خادمتها التي لا تفارقها، والتي تتبعها كما ظلها أينما حلت.. 

كانت شاردة في الملكوت، حتى أنها لم تدرك وجوده، كانت النظرة إليها بهجة خالصة في حد ذاتها، وكان على استعداد تام للمكوث موضعه يتطلع إلى أية الحسن تلك وما هو بمكتف، لكنه أدرك أنه أطال الوقوف بلا داع، ما دفعه قسرا لاستكمال طريقه نحو بوابة القصر، يحاول جاهدا أن يركز على مواضع قدميه، لا موضع تلك الجميلة هناك، والتي أضفى عليها ذاك الشجن الذي يغلف محياها سحرا خاصا، وتساءل.. ترى ما هي تلك الأيام الصعبة التي عاشتها هناك في بلادها!..وما سبب ذاك الألم الذي سكن هذه الملامح الملائكية، وطغى على محياها راسما عليها ذاك الحزن المصفى، والتي أثرت عليها لهذه الدرجة!.. 

❈-❈-❈

انتفضت شفاعات من على فراشها، مندفعة صوب زوجها وهدان الذي دخل غرفتهما لتوه، صارخة في ثورة: أنت هتسمع لكلام الخواچه المخبل ده، وتتچوز عليا! 

تطلع وهدان لها في لا مبالاة، دافعا عن كتفيه لاسته ملقيا بها جانبا، ثم جلس في هوادة يخلع عنه نعليه، قبل أن يجيب بلا حماس: انتي مش هتبطلي خصلتك المهببة دي! مش بكفياكي وجفة ورا البيبان.. 

هتف شفاعات في غيظ: مجلتليش! هتتبع كلام الخواچه الكهين ده! 

هتف وهدان بهدوء أثار المزيد من حنقها: لسه هنشوفوا، بجلب الموضوع ف دماغي، ولو فالمصلحة هيحصل..

عاودت شفاعات صراخها: يبجى أنت ناويها يا أبو عيالي.. جول الحج! ..ناوي تتچوز بت الرسلانية يا وهدان! هتچيب لي درة تشاركني فيك، وفكل اللي شجيت معاك سنين لچل ما توصل له! 

تطلع نحوها وهدان وهو يدفع عنه جلبابه، تاركا إياه بالقرب، وهو يعتلي السرير النحاسي المرتفع يستعد للنوم، مغلقا باب المناقشة السمجة التي بلا طائل، هاتفا في نفاذ صبر: جلت هشوف، وبطلي نبر، أحسن أجوم اعملها دلوجت، وتلاجيني داخل عليكي بمرا تانية، روحي شوفي حالك وخليني اتخمد لي هبابة.. 

سكتت على مضض، لكن داخلها بركان ثائر لم تقدر على إخماده، ما جعلها تندفع في عجالة لخارج الحجرة، مغلقة الباب خلفها في عنف، تسير الردهة الطويلة على عجل، وما أن وصلت لحجرة أخته الصغرى حتى دفعت بابها في شدة، صارخة تشكو زوجها: شايفة يا فُتنة أخوكي، هيتچوز عليا! 

حادت فُتنة بناظريها عن النافذة التي كانت تتطلع من خلف خصاصها للخارج، متطلعة بلا اهتمام صوب شفاعات: طب وايه فيها لما يتچوز! هو حر.. راچل ويعمل ما بدا له.. 

زعقت شفاعات: هو ده اللي ربنا جدرك عليه! هو حر!.. ولما يچيب لنا مرا تشاركنا ف الدار، وتعمل لنا فيها هانم، هيبجى برضك حر!.. 

تعجبت فُتنة: هانم! ليه! هو ناوي على بت مين! 

هتفت شفاعات في حنق: منه لله الخواچه نعيم وش البوم، خلاه يفكر ف توحيد أخت سعد رسلان، ودي لو دخلت الدار هتبجى الكل ف الكل.. معلوم، مش بت الحسب والنسب، وأني وأنتي.. هتروح علينا يا حزينة.. 

هتفت فُتنة في حماس، مخالف لما توقعته شفاعات: بت الرسلانية، أخت سعد! يا ريت.. بس تفكري يرضى يناسب أخوي من أساسه! .. 

زعقت شفاعات وهي تضع كفها فوق رأسها متضرعة: يا مثبت العجل والدين يا رب، انتي فرحانة إننا هنبجى خدامينها يا فجرية!.. 

تناهى من الخارج صوت زاعق، ما دفعهما لقطع نقاشهما متطلعات من النافذة المشرعة قليلا، مستطلعات ما يحدث خارجها، كان سعد رسلان يمتطي فرسه وخلفه عبيده وبعض العمال، يزعق مشيرا لعدة مواضع بالنجع، والكل رهن إشارة من كفه لتنفيذ ما يطلب، وتحويله لواقع ملموس.. 

تنهدت فُتنة في هيام، وعيناها معلقة بمحيا سعد على فرسه الأدهم الذي يبرق كنجمة ليل، ما جعل شفاعات تتطلع نحو أخت زوجها في صدمة، هاتفة في نبرة متسائلة يشوبها الكثير من الريبة: بت يا فُتنة، إنتي عينك من سعد بيه رسلان يا مخبلة! 

همست فُتنة في وله: عيني منه! ده أني كلي منه يا شفاعات! ليلة واحدة معاه، طب نظرة رضا واحدة بس منِه، ومش عايزة حاچة تاني م الدنيا يا مرت أخوي.. 

شهقت شفاعات في زعر: يخيبك! أنتي فين وهو فين يا حزينة! احلمي على كدك، بدل ما تفوجي وانتي واجعة م السما السابعة على جدور رجبتك.. هو آه إنتي جمر اربعتاشر، ومفيش في چمالك، بس من ميتا هي بالچمال يا بت عمي! ما أهي توحيد اللي ما تسوى فسوج الحريم ميلم، اخوكي اللي يتعد من كبرات النچع عايز يتچوزها.. 

مصمصت شفتيها في حنق، وقد تنبهت فجأة هاتفة في اعتراض: ااااه..جولتيلي بجى! إكمنك فرحتي أول ما عرفتي إن وهدان بيفكر في توحيد، لتفكري إن النسب ده هيجربك من سعد بيه ووصاله، ده على أساس لو سعد بيه وافج أصلا! يا عيني عليكي.. هتتعشمي ع الفاضي.. 

تجاهلت فُتنة نصيحة شفاعات، مشيرة لخارج النافذة، متسائلة في فضول: تعرفي ايه اللي حاصل للدبكة دي! إيه في! 

أكدت شفاعات في هوادة، وهي تمسك ظهرها متوجعة،، تجلس على إحدى الآرائك في تؤدة، وهي تملس على بطنها المنتفخ قليلا: اللي سمعته إن فيه ناس كبرات چايين النچع لسعد بيه، والدبكة دي كلها لچل الضيوف دول.. آه ياني.. والله أني ما ليا في الزعيج والجهرة دي وأني على حالي ده! منك لله يا نعيم الزفت، ياچي ويحط عليك يا بَعيد، محراك شر من يوم ما هليت ع النچع.. 

سألت فُتنة متعجبة: ضيوف! ومن مصر! ضيوف مين! .. هو مين اللي جال لك ع الخبرية دي!


الصفحة التالية