الفصل الثالث - كما يحلو لكِ - النسخة الفصحى
الفصل الثالث
النسخة الفصحي
لقد تم تفعيل وضع الدمار الشامل على ما يبدو في يومه، زوجته التي يعشقها تكتشف أنها تُشبه حبيبته الخائنة، تعرف عنه الكثير من الماضي وهو يجلس أمامها كالطفل يُطالب بالغفران، وهو الذي كان يتهرب مما حدث بطفولته بتلك البلدة التي لا يكره مكان أكثر مما يكرهه والآن والده بالأسفل، بالطبع لقد حضر كي يعرف لماذا قرر عدم السفر بعد اتفاقهما؟!
يتبقى أن تحضر "يُمنى" و "عدي" والشيطان الثاني يُغادر سجنه وسيتحول الدمار إلي جحيم!! لماذا لم ينتحر عندما آتت له الفكرة بالسابق؟ الإجابة لأنه غبي!!
أومأ إلي مُربيتها بالتفهم ثم حدثها بإقتضابٍ ليقول:
- حسنًا.. شكرًا لكِ
اغلق الباب دون ترك الفرصة لها للإستماع للمزيد من الكلمات التي لن تُفيد ثم التفت نحوها بملامح منزعجة ولكن لم تقرأ غضبه على ملامحه واقترب منها بينما اشاحت هي بنظرها عنه لتجده يتلمس اسفل ذقنها كي يرغمها على النظر له وتكلم بهدوء بالرغم من تلك الغمامة السوداء التي باتت تغلف كل ثنايا مخه برأسه وباتت تنذره هو نفسه بإقتراب سيل لن ينقطع سوى بعد شهور على ما يبدو وسيحدث عاصفة ستلتهم كل ما يُقابلها في طريقها:
- سأرى ما الذي يُريده وسآتي بعد قليل.. لم ينتهِ حديثنا سويًا!!
حاولت التحكم بنظراتها الساخرة التي كادت أن تكسو كل ملامحها وردت مُعقبة بهدوء:
- لقد انتهى بالفعل عمر، لم يعد هناك المزيد لقوله
رفع حاجباه بنظرة اعتراضية بينما تخلصت هي من لمسته ونهضت من فوق فراشهما واتجهت لغرفة الملابس من جديد فلحق بها ممسكًا بساعدها وارغمها على الإلتفات:
- اسمعي
حاوط وجهها بين كفيه لتلمح بدايات الغضب على ملامحه واشتدت نظرات فحميتيه اللتين كانتا منذ قليل باهتتين بسبب بُكاءه وثبتت مترقبة ما ود قوله وهي بداخلها قد فعلت وضع عدم استقبال المزيد من تُراهاته بينما آتى صوته تحذيريًا بحتًا:
- اصرخي، وابكِ، وافعلي كل ما يحلو لكِ.. قومي بمناداتي بالكاذب وتشاجري معي أو حتى توقفي عن التعامل معي، ولكن الطلاق ليس بإختيار روان!
تفقدته وهو يملي بتعليماته التي لن تنتهي أبدًا وكأنه يأمرها كيف عليها التصرف فاكتفت بالنظر له ببرود وارتفع احدى حاجباها برمقة اعتراضية لا توافق على ما يقوله لتشتد عقدة حاجباه وهو بداخله يئن آلمًا على كل هذا التوسل الذي لم يعد سواه يغادر شفتاه منذ أن عرفت بالأمر فأطبق أسنانه بعنفٍ حتى كاد يُهشمها وأكمل بنفس النبرة التحذيرية السابقة:
- لن اتحدث بشأن الطلاق من جديد!
حرقتها رمقاته وهو يُشاها بغيظٍ بينما عقدت ذراعيها وازداد ارتفاع حاجبها ولم تنبس ببنت شفة لتسمعه يُتمتم مطلقًا سُبابًا ثم اقترب منها وجذب وجهها له وقبلها بعمق فحاولت هي دفعه ولكنه لم يتركها سوى بعد احتياجه هو للأنفاس ليلمحها وهي ترمقه بغيظٍ وعسليتيها تصوب نحوه آلاف من خناجر الغضب التي يستطيع التعامل معها عكس كل ذلك البرود الذي سبقها ثم تكلم من بين لهاثه وهو يحاول استعادة وتيرة انفاسه المنتظمة:
- لا تجعليني اعاني بسببها بدل المرة آلاف المرات، يكفي كل ما حدث بالماضي روان!
لم يقل المزيد والتفت ليُغادر إلي الخارج فهو عليه مواجهة والده كي يستكمل المزيد من المواجهات معها وتابعته هي بعسليتيها إلي أن غاب عن مرمى بصرها واستعت لباب غرفتهما وهو يقوم بإغلاقه ورغمًا عنها لم تستطع أن تمنع نفسها من البُكاء على كل ما واجهته معه منذ صباح اليوم!!
❈-❈-❈
حاول أن يُجبر ابتسامة على وجهه ولكنه بات بالفشل لتختفي شفتيه كخط رفيع وهو يزم كلتاها بين لحيته وشاربه وكان يكفي والده هذه الملامح المضطربة لمعرفة أن هناك شيئًا يحدث لولده لا يعرفه هو:
- مرحبًا والدي
رحب به وهو يجبر شفتيه اللعينتين التي تأبى كلتاهما التحرك بينما سهل والده الأمر عليه وهو يرمقه بتفحص شديد وكأنه يجذب من مُقلتيه الحقيقة حتى لمت الآلام بقرنيتيه وكأنه ينزعهما نزعًا بعينيه التي تشابه فحميتيه هو نفسه:
- مرحبًا عُمر.. لماذا قمت بتأخير السفر اليوم؟
رفع حاجباه بتلقائية وقلب شفتاه يمطهما بينما لاحظ الآخر أنه سيحيد عن الحقيقة وسيقوم بالكذب وانتظر سماع ما لديه:
- لدي قضية هامة اعمل عليها!
ربت والده على كتفه ليلمح الآخر بوجهه السخرية اللاذعة وكأنما علم بكذبه بالفعل! على من ظن أنه سيدعي؟ على الذي علمه كيف يتبين الصادق من الكاذب دون مجهود يُذكر؟! اللعنة على غبائه المستمر منذ بداية اليوم!
- دعنا نذهب للسير قليلًا.. لقد باتت الأجواء أفضل بهذا الطقس الربيعي، ألا تتفق معي بالأمر؟
يتحدث عن الطقس! هذه مُقدمة ليست بجيدة وخصوصًا وهو يمزجها بتلك الابتسامة الواهنة واللمحة السريعة تلك يعرف أن كل ما بعدها لن يكون حميدًا!
قدم يده بأن يفعلها واتجه كلاهما للخارج ليتأكد أن ما سيقوله والده سيكون سخيفًا للغاية ولاذعًا بدرجة ستجعل ما بعقله يسوء أكثر حتى يوشك على الإنفجار ولذلك بحث عن الخصوصية لأنه يستحيل أن يقوم بالإستهزاء من ابنه البكر على مقربة من الجميع!
سار كلاهما بمحاذاة ليُشعل والده سيجاره الضخم الذي لا يُفارق يده والتفت له بتفحص وهو يتوقف بعد أن ابتعدا عن المنزل بمسافة مقبولة:
- ما القضية الهامة عمر؟ هل لك أن تحدثني عنها قليلًا؟
زفر وابتسم بسخرية وهو يعرف جيدًا حلقة الإستجواب تلك فأجابه سائلًا:
- ما الذي تريد أن تصل له؟
انعكست على شفتي والده ابتسامة مماثلة كالتي سخر بها منذ قليل وأردف مغمغمًا بإعجاب:
- افتخر كثيرًا بأنك تُشابهني حقًا!
استنشق من سيجاره الضخم ثم نفث دخانه وكلاهما تنحيا عن السخرية ونظر لبعضهما البعض بندية وغُلفت ملامحهما بالجدية، فالقول الذي سيصدر عن أي منهما سيكون بمثابة المواجهة الفعلية بعد هذه المقدمات التي لم تُفد أي منهما وقد كان قول والده مباشرًا صريحًا بمنتصف فحميتيه تمامًا ليجعلها تشتعل بمزيد من الإنزعاج الذي يحاول أن يتجنبه منذ صباح اليوم:
- أنت منذ عملك على قضية تلك الفتاة التي تزوجتها وأنت لم تقم بتولي أي قضية عمر!
واضح للغاية أنه السيد "يزيد الجندي" ترك كل ما لديه من قضايا ليتابع ما يدور بحياته كالمرصاد:
- أنا اتمهل، يكفي كل ما توليته بالسابق!
انقشعت ابتسامته الملتوية لأحدى جوانب وجهه وهو يتفحصه بعينيه هاكمًا من قول ابنه ثم اضاف متعحبًا:
- تتمهل وانت بالثالثة والثلاثين ... ألا تظن أن تقاعدك المفاجئ مبكرًا قليلًا بالنسبة لشاب بعمرك؟
زفر بعمقٍ شديد ثم سأله مباشرةً:
- ما الذي تريده أبي؟
رفع حاجباه وهو يأخذ خطوة متراجعًا للخلف كعلامة استسلام واجابه بإبتسامة مستفزة:
- أريد أن اكمل مشاهدتك وأنت محامي ناجح الكل يتحدث عن مدى ذكائك وبراعتك ... ليس وأنت مجرد رجل إداري مثله مثل الكثيرون يدير اعماله بعدة امضاءات ويقضي وقته بالمنزل كالنساء!
تسمر بمكانه لتوجيه والده هذا الإتهام له صراحةً واستعرت فحميتيه بالغضب بينما وجده يُضيف:
- هذا تمامًا ما تفعله الفتاة التي تزوجتها، تباشر عملها من المنزل، وتذهب مرة أو اثنتان بالأسبوع لمقر عملها، أليس كذلك؟
جيد للغاية، هو يخبره بإستتار أن ما يفعله من شيم النساء، ومثله مثل الزوجة الأنثى التي يتبقى لها أن تقوم بصنع الطعام والتزين لزوجها عن قدومه بعد يوم عمل شاق!!
اكشر أخيرًا والده عن غضبه الحقيقي من تأجيل السفر الذي تم بالطبع بسببه هو نفسه وحدثه مُحذرًا:
- أنا لن اتراجع أمام الجميع بقولي، أمامك يوم واحد عمر لتُنهي أي ما تفعله ... غدًا، بنفس الوقت، سنقوم بالسفر.. كل اخوتي ينتظرون حضوري أنا وأنت ... وأنا كلمتي نافذة مع الجميع، لذا اتوقع من الرجل الذي ربيته أن يحافظ على ماء وجهي أمام الجميع ... ويكفي أننا تأخرنا بالفعل ليوم!
رمقه بغضب يمزق فحميتيه احتراقًا والتفت والده للمغادرة فناداه:
- انتظر أبـ..
نظر له مرة اخرى وقاطعه بتحديجه بنظرات تصرخ بالجفاء والقسوة ماثلت خاصته هو نفسه:
- لم يعد هناك فائدة من التحدث كالنسوة، ولم يعد هناك فائدة من تهربك من الأمر عمر... ما حدث قد مر عليه أكثر من عشرون عامًا ورجل مثلك في عمرك، وفي بأسك وصلابتك سيستطيع أن يتحمل الأمر! كن رجل كما ربيتك وكف عن اصابتي بخيبة الأمل!
ازداد تيبس جسده وانعقد لسانه وهو يعرف تمامًا إلي ماذا يُرمي، عن تلك الحادثة وهو طفل صغير، عن الثلاث أشهر وهو بمفرده، عن تلك الليلة اللعينة التي غيرته بالكامل وجعلته كدرع بشري أمام الجميع، ولكنه لن يقف دون مواجهة تُذكر حتى لو التفت وتركه من جديد وهو يغادره!
ذهب خلفه بخطواتٍ واسعة قبل أن يدخل سيارته التي كانت في انتظاره بصحبة السائق بينما قطعت عليه الطريق "روان" التي تحركت بخطواتٍ مهرولة نحو والده كغزال رشيق جعلته يتسمر ويتفقدها اكثر ليرآها قد بدلت ملابسها وعكصت شعرها للخلف بفوضوية وهتفت بوالده منادية بإبتسامة عذبة:
- عمي..
توقف والتفت لها بإبتسامة لم تلمس عينيه بينما وقف "عمر" كذلك وهو يتابع ما سيحدث بينهما حيث أن تلك الإبتسامة المغتاظة المُحتقرة على وجه والده التي بالطبع لن تفهمها "روان" ليحاول الإقتراب اكثر بخطوات حذرة كي يستمع لما يدور:
- لماذا تغادر باكرًا كهذا، اجلس معنا حتى وقت الغداء على الأقل، نحن بالكاد نراك، دعني اتحدث لعنود وعدي بالهاتف ونتناول الغداء جميعنا سويًا
ابتسمت له بعد أن تصافحا بينما التفت له والده بنظراتٍ مستهجنة واعاد نظره لها بنفس الإبتسامة الدبلوماسية التي تحمل الإعتراض والسخرية بطياتها وحدثها قائلًا:
- كما تعلمين لقد أجل عمر السفر لإنشغاله، ربما سيكسبني هذا المزيد من الوقت للعمل، فكما تعرفين المحامي الجيد لا يتوقف عن العمل عن قضاياه الهامة..
توقف لبرهة ورمق "عمر" بنظرة علم جيدًا أنه يسخر منه خلالها ثم واصل حديثه:
- اظنك تعرفين هذا بالفعل، زواجك من محامي ناجح مثال على ذلك واظنك تلاحظين كم يعمل بتفاني!!
القى بذلك اللغم فيما بينهما منتظر من سيطأ بقدمه عليه أولًا بينما اتسعت ابتسامته ليودعها:
- سأقوم بزيارتكم عما قريب عندما اكون متفرغًا .. وداعًا ابنتي!
قامت هي الأخرى بتوديعه وهي تستغرب للغاية من رسميته الشديدة وذلك الفتور الذي عاملها به ولكن سرعان ما تراجعت بينها وبين نفسها، فلو كان ابنه نفسه كان بمثل هذه الفظاظة في يومٍ من الأيام، لم عليها أن تستغرب الأمر الآن؟
التفتت نحوه ليقترب منها بنظراتٍ تحمل الإعتذار وهو يتفقدها بتفحص وهي غارقة بهذا اللون الأحمر الغناء الذي وكأنه ينعكس على ملامحها ليُغرقها بالمزيد من الفتنة والمثالية التي تجعل عسليتيها كشمسين تفتق بهذا الشفق الدامي وكلتاهما تقبلاه بحُزنٍ دفين بينهما:
- روان، لم يكن عليكِ أن تقابليه.. المرة المُقبلة دعيـ..
قاطعته بتنهيدة وعينيها تُكيل له اللوم الصامت:
- هذا كان من باب اللباقة ليس إلا، لقد آتى وهو والد زوجي وبمنزلي..
رمقته لمرة اخيرة وقرأ بعينيها أنها لا تزال متشبثة بما قالته صباح اليوم ثم استطردت:
- على كلٍ كنت على وشك البدأ بالعمل ولقد اضعت الكثير من الوقت بالفعل منذ الصباح حتى لن يُمكنني الذهاب للشركة.. اراك لاحقًا..
اضاعت وقتها!! حقًا؟! هذا ما تشعر به! جيد للغاية.. اكتفى برمقها وهي تتوجه لداخل المنزل الذي رمقه من الخارج بتشتت وهو يتسائل بداخل نفسه، هل لهذا المنزل العظيم الإستمرار أم سينتهي به الحال ليُصبح ركامًا في يوم من الأيام؟
- إما أن تستمر إلى النهاية أو لا تحاول على الإطلاق.. أنسيت قول أوفيد عزيزي؟!
لعن آلاف المرات بداخله، هو ليس مستعدًا للتحدث لهذا الصوت الذي بات يجعله يكره نفسه ويكره حياته بأكملها ولم يكن عليه سوى أن يتجاهله تمامًا ليجده يحثه ناصحًا مرة اخرى:
- دعها وشأنها، لا تقوم بالمجادلة معها.. دعها تشعر وكأنها هي المتحكمة كي لا تقتل المزيد من الكبرياء بداخلها.. يكفي كل ما فعلته إلي اليوم عمر.. أنا وأنت نعلم جيدًا أنها تعشقك.. دعها تقوم بالإختيار وإلا لو اجبرتها لن تحصل منها سوى على المزيد من النفور!
لوهلة شعر وكأن هذا هو الحل المناسب، لقد قام بإجبارها قبلًا وتوابع فعلته ظل يعاني منها لكثير من الوقت معها.. ربما ليس لديه حلًا آخر سوى الإنصات ولو لبعض الوقت لصوت افكاره الذي لا يتوقف عن ازعاجه ولا يأتي سوى بأحلك لحظات حياته!
❈-❈-❈
مساءًا نفس اليوم..
ظل يُتابعها بفحميتيه وهي جالسة تعمل، تقود كل من تتحدث معه بمنتهى الاحترافية، تُلقي بالآوامر هنا وهناك، افعل ولا تفعل، رابضًا بركنه لا يتحرك، منتظرًا تلك اللحظة المناسبة للإنقضاض فلقد سأم تجاهلها اياه وتعاملها مع الجميع وبكل شيء في نفس الوقت وكأنها ولدت لتصنع آلاف الأشياء بنفس الوقت وبنفس مقدار الحيوية والنشاط من الوهلة الأولى حتى بعد تطاير كل هذه الساعات!
بدأ الغضب بداخله يصل لأعلى درجات اشتعاله، كان يتصور الكثير من المشاهد سوى أنه جالس بركن ينتظر غفرانها، ولكنه لم يكن يعلم أن هذا هو الحل الوحيد أمامها حتى تستطيع الفرار من الإنهيار الحتمي الذي يلوح بداخلها وكلما اقتربت من هذه البؤرة سرعان ما حاولت أن تنتشل نفسها من التفكير بأنها مجرد بديلة لإمرأة أخرى.. إمرأة خائنة!!
فجأة لاحظ كيف تضع يدها على عينيها تحجبهما في يأسٍ عما يبدو اخبارًا ليست بجيدة وقبل أن تُعطيه الفرصة للنهوض والسؤال عما تمر به وجدها تتحدث إلي مساعدتها الشخصية:
- هل لابد من استبدال تلك الحواسيب خلال هذا الشهر؟
نهض ليقترب نحوها بينما وجدها تتابع الحديث بتنهيدة تجلى الإرهاق خلالها:
- لا لا.. لا تفعلي، اتركي هذا الأمر دون أن نلجأ لإدارة المشتريات.. أنا بالفعل اعرف احد سيعطي سعرًا افضل.. نعم هو، سأرى ما الذي استطيع أن افعله.. وداعًا..
اقترب نحوها وهي تحدق بشاشة هاتفها تستخرج بها شيئًا ما وتلمس كتفها لترفع عينيها له وحدثته بإستياء قبل أن يتحدث هو:
- اتركني وشأني عمر، لدي الكثير لأفعله ولا، لن اتحدث ولن نتكلم سويًا ونعم لا زلت افكر في الأمر!
تفاجئ من ردة فعلها بينما نهضت هي وابتعدت مستندة بيدها بمنتصف ظهرها ووضعت الهاتف على اذنها وأخذت تتجول بغرفة المكتب اسفل عينيه التي اشتعلت بالغضب ولم تمر سوى لحظات حتى قام الطرف الآخر بالرد عليها ليجدها تبتسم ابتسامة غريبة للغاية عليها ولأول مرة يراها تعتلي ثغرها ثم انصت جيدًا لما ستقوله:
- نعم، هذا أنا ابنة الخالة التي لا تحدثك إلا عندما تريد شيئًا.. كيف حالك؟
حسنًا.. هذه المُكالمة لم تلق اعجابه وازادته غضبًا على غضبٍ بعد تخمينه إلي من تتحدث، أليس هذا هو نفسه ابنة خالتها الذي قام بعرض الزواج عليها:
- أنت محق، وأنا بخير، ونعم الزواج بأفضل حال.. وسأدخل بصلب الموضوع مباشرة!!
تنهدت وهي تزم شفتاها وتابعت:
- سأقوم بتبديل عدد هائل من الحواسيب نظرًا لتغير الإصدار الأخير من windows واحتاج إليها خلال هذا الشهر، أنت تعلم كم سيُكلفني هذا.. لذا لم اسنده لإدارة المشتريات، وانت تعمل بالإستيراد لذا!!
تريثت لبرهة واعينها ترمق الأرضية بتركيز ولم تر تلك الأعين التي كادت أن تفتك بها وذهب ليجلس على احدى المقاعد وهو يتابعها ببرودٍ شديد بينما اندفعت هي لحاسوبها وأخذت تفعل شيئًا لم يتعد ثوانٍ ثم صاحت بهاتفها:
- لا يونس!! أنت تمزح بالتأكيد! لن اقبل بهذه الاسعار! لو اسندت الأمر لإدارة المشتريات سيعطوني اسعارًا افضل!
لاحظ مدى جديتها، وانها فقط تتحدث بشأن العمل ليس إلا ولكن لا يزال ناقمًا على المكالمة، وعليه، وعليها، وعلى حظه العسر الذي يجعله جالسًا كالشبل الوديع لا يستطيع أن يزأر في عرينه بسبب ما حدث بينهما صباحًا:
- لا يونس، يبدو أنه كان علي التحدث ليارا أولًا حتى تحل لي الأمر وترغمك على القبول!
صدحت ضحكتها فجأة واستمع لتردد صدى ضحكة هذا الكريه تنطلق من هاتفها لتحتدم دمائه بالمزيد من الإشتعال ثم استمع لها وهي تقول:
- الكمية لن تكون أقل من آلف حاسوب.. وبهذا السعر يستحيل أن اقبل هذا العرض يونس..
تنهدت ثم اختلفت ملامحها وعادت من جديد للجدية ثم قالت:
- حسنًا سأنتظر العرض الذي سترسله لي، ولكن هذا السعر الفلكي لا تحلم بإرساله ببريدي الإلكتروني!
ضيقت ما بين حاجبيها وازداد صمتها وملامحها تتهلل شيئًا فشيئًا ثم تحدثت بإبتسامة:
- حقًا!! لم تخبرني.. علي أن أقوم بتهنئتها بنفسي..
التفتت ثم نظرت إليه مباشرة وهو جالس يحاول أن يتحكم بتلك النيران السارية بجسده بينما رأى التردد بعسليتيها واكملت مكالمتها:
- لا أدري، هو يستعد للسفر، لديه بعض الأعمال، ولكن أنا متفرغة بنهاية الأسبوع!
هنا لم يحتمل واتجه نحوها بملامح عكست غليان دمائه المتقدة بينما تابعت هي الحديث:
- وعند عودته يُمكنك مقابلته أيضًا.. لا ادري بعد اسبوعين اعتقد.. حسنًا تفقنا.. وداعًا!
انهت مكالمتها ثم التفتت لتعود نحو مقعدها لتُكمل عملها ليوقفها بقبضة فولاذية لترفع هي عينيها نحوه بغيظٍ متقد وغضبٍ مماثل لغضبه وقبل أن تبادر بالكلام فعل هو:
- أنتِ تتعمدين استفزازي!! هذا لن يكون بصف أي مننا روان!
زفرت وهي تقلب عينيها ثم حدثته بنبرة مستفزة:
- اتظن انني اتحدث لإبن خالتي التي طلب الزواج مني لأثير غيرتك العمياء لأنني وجدت حقيقة أنك اخفيت عني التشابه بيني وبين حبيبتك السابقة! لا لم افعل!
التفتت رأسها مشيرة إلي حاسوبها ثم عادت لترمقه بإحتقارٍ وحدثته قائلة:
- هيا اذهب وتفقد بريدي الإلكتروني الذي استقبلته للتو وإن لم اغير هذه الحواسيب كي تتوافق مع الاصدارات الجديدة ستتأجل الكثير من الإجراءات مع العملاء، لم اهيئ الأمر لأثير غضبك ولا غيرتك.. لم امكث لأيام وشهور اكتب خطابات رائعة ملفقة بعشقٍ كاذب مثلك حتى اباغتك بصفعة الغيرة!
لانت قبضته على ذراعها بينما اقتلعت ساعدها منه وتوجهت لتتفقد ما الذي يتبقى من عملها فلقد مزقها الإرهاق والتفكير على حد سواء بينما اشتد غضبه واقترب نحوها وحدثها بإنزعاج:
- روان، لا تبالغي، يكفي منذ الصباح و..
رفعت نظرها له وقاطعته غير متقبلة للهراء الذي يغادر شفتاه:
- ابالغ! ابلغ بأي لعنة عمر؟
نهضت لتواجهه وهو يأبى تركها وشأنها منذ صباح اليوم حتى شعرت بشدة اختناقها منه وعقدت ذراعيها بتحفزٍ لتقول:
- ابالغ في محاولتي منذ الصباح التفكير بأنك اخفيت عني فوق ما يقارب من خمسة اشهر، منذ رؤيتي ومعرفتي، منذ أن قمت بطلبك بالزواج مني الذي تم بالإجبار على ما اذكر، أنني اشابه حبيبتك السابقة وتظن أنني ابالغ!
اعادت شعرها للخلف وهي تومأ بالإنكار غير مُصدقة ما يقوله وقبل أن يتحدث انتزعت هي منه مجرى هذا الشجار:
- كل ما طالبت به هو أن تترك لي بعض الوقت للتفكير، هذه ليست بمبالغة، هذه هي الطريقة المثلى لحل الأمور كأي زوجين ناضجين يملكا بعض العقل والتفاهم!
اشاحت بنظرها عنه وسلطت نظرها للأرضية ثم خفتت نبرتها وهي تواصل:
- لو قمت الآن بمواجهتك على ما رأيته صباح اليوم، وعلى كل ما استمعته منك، لن أرضى سوى الطلاق كحل نهائي يُنجيني منك أنت وحياتك وماضيك..
ابتلعت لوهلة ثم رفعت عينيها التي احتجبت خلف عبراتها المتكومة وهمست له بصوتٍ يناضل الدموع المالحة:
- اياك وأن تستغل العشق الذي بيننا بهذا الأمر، واعلم جيدًا أن بنفس مقدار العشق تكون الصدمة عمر!
اتجهت سريعًا لتحمل حاسوبها كي تغادر غرفة المكتب الماكث بها بينما ناداها:
- انتظري روان
لم تستجب لندائه بينما اكملت الطريق نحو الباب وتوقفت من تلقاء نفسها وحدثته بصوت مسموع يغالبه النحيب:
- بالمناسبة، كان يونس يدعونا أنا وأنت وأمي وأخي للغداء معًا بصحبة اخته وزوجها راشد.. ولكنك ستسافر.. وأضف إلي معلوماتك لا أريد مشاركتك الغرفة اليوم.. حاول أن تُسرع بسفرك المزعوم!
تركته ودموعها تنهمر لتجففها سريعًا كي لا يراها أحد بالمنزل ليزفر هو وخلل شعره بغضب وبالرغم من قدرته على فعل الكثير ولكن هذه المرة فقط سيتركها لفعل ما تشاء بعد أن صفعته بالكثير من الحقائق التي يود أن يهرب منها.. سيُسافر إذن، ليس لديه حل آخر.. ربما كان يتمنى أن يُقضي وقته بعيدًا عن كل ما يحتويه الماضي بتفاصيله ولكن يبدو وأن هذا هو الحل الوحيد أمامه الآن!
توجه بخطواتٍ متعجلة دون حتى أن يرى أين هي بعد أن احبطت جميع محاولاته بالصلح أو حتى الحديث واتجه فورًا نحو غرفتهما ليُمسك بحقيبة سفره التي قاما بإعدادها سويًا منذ ساعات ثم غادر بسرعة، دون وداع، ودون المزيد من الحديث الذي لن يُفيد!
يُتبع ..