الفصل الخامس - كما يحلو لكِ - النسخة الفصحى
الفصل الخامس
النسخة الفصحى
التقت اعينها بتلك المرأة التي وكأنها توأم لها ولم تختلف عنها سوى بتلك المُقلتين التي ينهمر منهما لون الزمرد الصارخ لتبدو عينيها كعيني افعى غير مُريحة بتاتًا، وهناك ذلك الشعر الأسود القصير الكثيف الذي يترنح كلما تحركت بينما لمحت قوامها بتفحص لتجده ممتلئ نوعًا ما عنها، وربما اطول منها بعض السنتيمترات القليلة ولكن هذا الحذاء الذي ترتديه "روان" يجعلها تبدو اطول منها! ولكن بالرغم من كل هذه الإختلافات بينهما إلا أن كلتاهما تبدوان وكأنهما توأم! ولكن تبقى شفتيها أفضل من شفتي تلك الشمطاء التي لا تدري ما الغرض من قدومها لتراها بمنزل ابنة خالتها تحديدًا!
تفقدتها "يُمنى" هي الأخرى وبداخلها احتدمت الثقة بالنفس بعد رؤية المرأة التي تزوجها، لا تُصدق أن بعد كل هذه السنين فعلها وتزوج إمرأة كادت أن تماثلها لولا بعض الطفرات الجينية البسيطة واختلافها بين البشر! يا له من رجل ضعيف.. يبحث عنها بكل إمرأة ولا يجد من تُماثلها ولن يفعل!! لم يجد سوى مجرد نسخة شاحبة صفراء اللون منها!
نظفت حلقها وهي جالسة بشموخ ولكن بنفس الوقت بتلقائية، ربما تبدو واثقة من نفسها ولكن لا تريد المبالغة، فهي تعرف جيدًا أنها اخيرًا سنحت لها الفرصة بالإنتقام مثل ما تركها يومًا ما، ستعمل مليًا على دمار هذا الزواج؛ بل، وستبدأ بالمساومة على كل ما عملت على أن تمتلكه يومًا ما واضاعه هو من بين يديها.. أموال، ثأر قديم، ولكنها لم تنس أيًا من تلك الأيام، سبع سنوات منذ أن كانت بالثامنة عشر إلي أن اصبحت بالخامسة والعشرون مع عرقلة بمسيرتها المهنية، لن يفلت منها إلا وهي تُدمر كل ما عمل هو على بنائه!
- اعلم انني اتيت دون موعد مسبق بمنزل ابنة خالتك ولكن كان هذا الحل الوحيد لدي كي اراكِ واتحدث معكِ..
تحدثت موجهة كلماتها إليها بينما التفتت "يارا" نحو ابنة خالتها التي لا تدري ما الذي يحدث بين تلك المرأة وبينها وملامحها بأكملها متسائلة عما تراه أمام عينيها ولا تفهم شيئًا لتنظر لها "روان" نظرة ذات مغزى ثم همست لها:
- سأشرح لكِ الأمر لاحقًا ... ولكن دعيني بمفردي معها قليلًا، سأنهي الأمر سريعًا وسآتي لكِ على الفور!
أومأت لها بالتفهم بالرغم من إلحاح عقلها بأن تعرف ما الذي يجري بين كلتاهما ولماذا اصرت هذه المرأة أن تأتي لمنزلها ومشت على مضض لتترك لكلتاهما بعض الخصوصية على أن تُفسر لها "روان" كل هذا بعد أن تنتهي!
- فلتتفضلي بالحديث، ما الذي تريديه؟
ارتفعت انفها بحركة تلقائية منها بينما عقدت ذراعيها بثقة، نبرتها وكل نظراتها لا تدل على أنها لأول مرة تعلم التشابه بالملامح بينهما، يبدو وأنه كان صادقًا معها بخصوص هذا الشأن، لتبدأ اللعبة إذن!!
اتجهت "روان" لتجلس أمامها مترقبة ما ودت أن تقوله وجلست معتدة بنفسها والثقة تصرخ من كل ملامحها فتحدثت "يُمنى" إليها بنبرة مُعتدلة تلقائية كي لا تُثير ارتيابها:
- أنا لا ادري كيف كانت بدايتك معه، ولا حتى اعرف ما الذي بينكما.. وأنا فقط اتيت اليوم لأعطي لكِ نصيحة ولكي احذرك!
تهكمت "روان" بداخلها على ما تستمع له، نصيحة وتحذير، يا لها من إمرأة شريفة تكترث للآخرين حقًا!
حاولت بعث بعض الحزن لملامحها كي تبدو متأثرة على ما أوشكت على قوله ثم استطردت بينما تابعتها الأخرى بكبرياء وبرود هائل وبداخلها تنوي على صرفها من هذا المنزل بأسوأ طريقة تجرح كرامتها:
- عمر شخص كاذب، لم يكن يومًا رجل صريح معي، ما اذاني به لا يزال يؤثر على حياتي إلي اليوم، لا ادري على تعرفين عنه كل شيء أم لا .. ولكن نصيحتي لكِ أن تبتعدي عنه قبل أن يؤذيكِ مثل ما قام بإيذائي يومًا ما!
رفعت حاجبيها بإستنكار ثم ردت مُعقبة بإستهجانٍ شديد وسؤال تفلت من بين شفتيها بنبرة تؤكد لها أنها لا تُصدق شيء من كلماتها:
- وهل هذه الكلمات لم يكن بإستطاعتك أن تُبلغيني بها عن طريق الهاتف وكان يستلزم الأمر حضورك إلي منزل ابنة خالتي؟
ابتسمت لها بإقتضاب ثم تنهدت واجابت سؤالها:
- لو كنت ذهبت إلي أي من منازلك أو لعملك كانوا سيمنعوني بالدخول ولن يسمحوا لي، خصوصًا بعد هذا الجيش الذي عينه لحراستك وملازمتك طوال الوقت، ولو حدثتك بالهاتف لا استبعد أنه قد لفق لي التُهم والأكاذيب الخالصة ومن الطبيعي وقتها كمثل أي زوجة ستغلقين الهاتف بوجهي ولن تُصدقيني.. لم يكن لدي أي حل آخر سوى مقابلتك هنا بمنزل ابنة خالتك، بعد أن حاولت معرفة اقاربك واصدقائك ومن منهم لا يملك هذا الجيش التابع له كمراقبة على منزلها ثم تهاتفك لتخبرك بقدومي، واخترت بالفعل وقت يكون هو بعيدًا حتي يمكنني التحدث لكِ.. يمكن أن عمر قام بخداعي مرة منذ سنوات ولكن لن اسمح له بتدمير المزيد من النساء أو مجرد فتاة معروفة وبريئة وناجحة مثلك لا تعرف الحقائق خلفه!
همهمت وهي تقلب شفتيها وهزت رأسها لها بتفهم ثم تريثت لبُرهة وامعنت التفكير بكلماتها لتجيبها ببرود شديد:
- جيد للغاية، شكرًا لنصحك لي وتحذيري كما اشكركِ على المجهود الهائل الذي قمت ببذله حتى تتحدثي لي..
رآت ملامحها التي تدل على انها لم تُصدق ولو كلمة واحدة من حديثها فقررت أن تترك لها سببًا مقنعًا كي يؤيد حديثها وكذلك ستتلاعب على الغيرة التي تراها تُشع منها منذ أن التقت اعينهما:
- اعلم أنكِ لن تُصدقيني، واعلم أن عمر بكلماته وطريقته الخبيثة يجعلكِ تغرقي بعشقه حتى الثمالة ولا تمتلكي سوى الشفقة والتعاطف على حاله وتجدي نفسك تتشبثين به اكثر، ولكنكِ لا تعلمي ما الذي يُمكنه فعله، لقد وثقت به واعطيته الأمان وصدقت بكل كلماته ولكن الحقيقة أنه طوال سبع سنوات كان يقوم بخداعي، سبع سنوات تحملته خلالهن، لن يجد إمرأة تستطيع أن تتحمله مثلي، بكل تفاصيل حياته واخفاقه ووالده الذي وكأنه خُلق ليكرهني عن عمد وكان كل شغفه هو أن يُفرق بيننا.. ولكنك تستطيعين التأكد من كلماتي، بنفسكِ وبعينيكِ، ولا أظن بعد أن تتيقني من كلماتي أنكِ ستستمرين بعدم تصديقي!
زمت شفتيها بنفاذ صبرٍ ثم ابتلعت وداعبت خصلات شعرها وهي تعيد رأسها للخلف كعلامة على مللها الشديد مما تقوله وتفقدتها برمقاتٍ لا تزال تبرهن لها أنها لا تصدق ولو حرفًا واحدًا مما تقوله وكأفعى محنكة كان عليها ترك الفخ لفريستها قبل أن تعتصرها وتلدغها بسمها النافذ المميت:
- لو تريدي التأكد فافعلي بنفسك.. غرفة المتعة التي تقع بغرفته هو نفسه، هناك خزينة بالغرفة التي يضع بها الفراش، هذا إن لم يكن غير تفاصيل هذه الغرفة بما فيها، ستجديها اسفل الفراش بعد الأرض الخشبية المصقولة نفسها.. اذا استطعتِ التوصل لما بداخل الخزينة ستري ما بداخلها من اوراق، ستعرفين ممن تزوجتِ..
هزت رأسها بقلة حيلة مُدعية الحُزن بينما رآت انها استطاعت جذب انتباهها لما تقوله بعد تلك الملامح المُتعجبة التي تظهر عليها ورآتها تبتلع بتأهب تحاول أن تخفيه لتحكم الفخ مليًا:
- الم تتساءلي قط لماذا قد فعل نظام حماية لهذه الغرفة لا يعمل إلا ببصمة يده؟ بالرغم من أن منزله شاسعًا للغاية، يملك الكثير من افراد الأمن والحراسة الذين لا تستطيع أن تمر هرة خلالهم، ألم تتساءلي لماذا فرض كل هذه الحراسة عليكِ ويذهبوا معكِ بكل مكان؟ ألم تتعجبي لماذا تزوج إمرأة تشابهني تمامًا وكأنها توأمتي؟
رآت التردد بعينيها لتشعر بأن انتصارها وشيك للغاية لتزداد ثقة بداخلها ثم همست مُدعية الحُزن الزائف:
- لقد اتيت لنصيحتك اليوم بعدما قام بتدمير حياتي حتى العمل لم يتركني لأعمل بسلام، سنوات كثيرة حتى استطعت أن اعمل بالرغم من تفوقي الهائل بالجامعة، هذا هو عمر، يؤذي كل من يعرفه، ولا يكف عن فعل الأمر، لقد اخبرتكِ بالحقيقة وسأتركك لتتيقني بنفسك، قد تظنيني كاذبة واحتال عليكِ وهذا حقكِ بالطبع.. ولكنك يومًا ما ستعري أنني لم أرد سوى تحذيرك بألا تُضيعي حياتك على رجل مثله!
نهضت كي تُغادرها وكادت أن تصرخ بها بأنها كاذبة لعينة وخائنة ولكنها ترددت قبل أن ينطلق لسانها، فهي على علمٍ بأن "عمر" لم يُصارحها بحقيقة خيانتها، وهي بالفعل ليست بحالة تستطيع خلالها تحمل كل هذا!!
نظرت لها متظاهرة بالتعاطف بل والشفقة واضافت اخر سمومها:
- ابتعدي عنه لأنه سيقوم بإيذائك، وخاصة لو قمت برؤية ما يحمله بهذه الخزينة ويحفظه بعيدًا عن اعين الجميع لن يستطيع الكذب عليكِ وقتها، وعلى كل حال لقد استطعت أن اصل إلي رقم هاتفك بعد معاناة وهذا رقمي..
اخرجت احدى البطاقات ثم تركتها على منضدة موضوعة بينهما واستطردت:
- لن يفهمه في هذه الحياة سواي بعد أن اختبرت العذاب على يده، لو في يوم شعرتِ بالحاجة لأي مساعدة فأنا موجودة.. ولكن كنصيحة اخيرة أنتِ لم تعرفيه سوى للقليل من الوقت ولا يزال في امكانك الإبتعاد عن شره، ضرره عليكِ الآن لن يكون بمثل الضرر الذي وقع على فتاة تعذبت معه لسبع سنواتٍ كاملة!
نهضت "روان" وهي تتفقدها غير مُدركة ما الذي عليها قوله لتجدها تبتسم لها بإقتضاب واعتذرت قائلة:
- آسفة مرة ثانية ولم اكن اود أن اسبب لكِ أي مشكلات.. بأي وقت تريدين المساعدة لا تتردي في طلبها، اعلم انه في البداية قد ترين أن عمر يُمكنه أن يقوم بحل كل شيء ويجبر من أمامه على كل ما يُريده، ولكن لكل رجل مثله الكثثير من الأعداء، الكثير قد قام بإيذائهم، واذا فكرتِ يومًا بالابتعاد عنه بطريقة قانونية شرعية اعلم انكِ ستخافين من نفوذه هو ووالده كي يجبروا العديد من المحامين ألا يقبلوا قضيتك.. ولكن لا يزال هناك من يملكون ضمير ولا يقبلوا بالظلم.. لا تقلقي ولا تخافي، لو تريدي أي مساعدة قانونية فأنا كفيلة بها دون علمه أو ادراكه!
نكست رأسها مُدعية قلة الحيلة ثم استأذنتها بلطف وهي تطرق على الحديد وهو ساخن قبل أن تستعيد ثقتها بنفسها:
- اعتذر مجددًا ولكن هل يمكنك الذهاب بصحبة الأمن إلي أي مكان ولو فقط لخمس دقائق كي لا يراني احد، سأكون ممتنة لكِ لو قمتِ بمساعدتي بهذا الأمر.. أنا فقط اتيت لأنصحك في النهاية أنتِ من ستقرري، وإذا اردتِ عدم التحدث لي ولا رؤيتي من جديد سأتفهم الأمر ولن ازعجك أبدًا..
❈-❈-❈
بعد مرور نصف ساعة..
ترجلت هي وابنة خالتها "يارا" من السيارة ودخلت كلتاهما تتجهان حيث هذا المقهى القريب من منزلها والثانية تحاول استلهام الصبر إلي أن جلست كلتاهما حيث صاحبهما نادل إلي منضدة قريبة حتى جلستا وطلبتا أية مشروبات لتسألها وهي لم تعد تستطيع الصبر أكثر من هذا وسرعان ما تفلتت الأسئلة من بين شفتيها:
- من هذه المرأة روان؟ ولماذا تشابهك لهذه الدرجة؟ ولماذا آتت بمنزلي لرؤيتك؟ أنا حقًا لا استطيع فهم أي شيء من كل هذا!! ولماذا صممتِ على أن نغادر المنزل الآن قبلها حتى؟ ولماذا لم تتحدثِ بالسيارة؟ ارجوكِ اشرحي لي ما يحدث!!
دلكت "روان" جبينها بإضطراب وهي لا تدري من أين عليها أن تبدأ لتزفر بعمق ثم اجابتها:
- هذه المرأة هي حبيبة عمر السابقة وارتبط بها لمدة سبع سنوات.. كانت زميلته، منذ أول عام بالجامعة كان معها واستمرت علاقتهم إلي بعد تخرج كلاهما
ضيقت ما بين حاجبيها بإستغراب ثم اردفت سائلة:
- هل تقصدين أن عمر تزوجك لتشابه ملامح كلتاكما؟
ترددت كثيرًا قبل أن تُجيب على هذا التساؤل وحدقت بالفراغ ثم همست مُجيبة بإنكسار:
- لا ادري، حقًا لا اعرف شيء!!
هزت كتفيها وكادت أن تدخل "يارا" بالمزيد بينما تابعت همسها مستطردة:
- أنا لتوي علمت أمر مشابهتي لها منذ يومان فقط!
رفعت حاجبيها ذاهلة مما استمعت له ثم حدثتها متسائلة:
- هل هو من اخبرك أم علمت بطريقة اخرى؟
نظرت لها لتلتقي اعينهما وامتلئت عينيها بالعبرات لتدمع وهي تجيبها:
- لقد عرفت عن طريق الصدفة عندما رأيت صورتها بطريقة غير مقصودة، لم اكن لأصدقك أنه يُخفي علي أمر كهذا
لم يعد هناك مفر من الإخفاء، لم يعد هناك أي ملاذ تحتمي منه من شدة التوتر على اعصابها بسبب كل ما تُكنه له وما تظل تكتشفه عنه كلما اتجهت لأعماقه، لم يعد هناك مفر من تلك المُسكنات التي تعطيها لها "مريم" بكلماتها ومحاولاتها التي لا تنفك تحاول بها مع رجل مثله، ولم يعد عليها أن تظل نفس الفتاة العملية التي ليس لديها من تتحدث معه ولا تصادقه سوى الحاسوب والعمل!
لسخريتها قد اصبحت إمرأة متزوجة من زوج خبيث ذو ماضي لا تنتهي توابعه، وعليها أن تغير حياتها هي الأخرى، حتى لو ستجلس مثلها مثل أي إمرأة مجروحة لتُدلي بكل ما تشعر به على مسامع صديقة، أو قريبة، أو أي كائن حي يستمع لها ولن يناله الضرر الشديد من كل ما يحدث لها، فابنة خالتها ليست مصابة بالشلل كوالدتها وليست مثل اخيها الصغير الذي سيهمل دراسته من اجلها أو ستتملكه العاطفة من جهة زوج اخته الذي يراه واحدًا من افضل الرجال في حين أنه الأسوأ على الإطلاق، ولمصيبتها هي تعشقه عشقًا لا تستطيع فهمه أو ادراكه!
- يارا، أنا احيا بعذاب، منذ بداية زواجي وأنا بعذاب لا ينتهي، لا ادري ما الذي علي فعله! لم اعد ادري كيف اتصرف!
اجهشت بالبُكاء رغم عنها واستسلمت للإنهيار التام بينما حاولت "يارا" أن تربت على كتفها وهي تنظر لها بتعاطف حقيقي وحزنت من اجلها وحاولت أن تُطمئنها فتحدثت بنبرة حنونة:
- اهدئي عزيزتي وتوقفي عن البُكاء ارجوكِ واخبريني ما الأمر، سأستمع إليك وسنستطيع حل كل شيء سويًا!
رفعت كتفيها ثم اخفضتهما كدلالة على عدم المعرفة وحاولت أن تتحكم بنحيبها ولكنها لم تستطع أن تفعلها وبنفس الوقت شعرت بأن رأسها سينفجر حتمًا لو أنها احتفظت بالمزيد من التفاصيل بداخلها دون أن تتفوه بها على مسامع أحد:
- بأول يوم رأيته وعرفت من هو عمر الجندي كان بهذا اليوم الذي ادعى علي عمي بأنه يملك تسعة واربعون بالمائة من اسهم شركات والدي كإرثٍ له بوصية مُزيفة، وذهبت إلي عمر كي يترافع لي عن هذه القضية، اقسم لكِ أن هذه لم تكن وصية والدي.. كان لابد أن اتصرف بأي إجراء وعندما ذهبت له اخبرني مؤكدًا انني سأكسب القضية، ولكن بالمساء قابلني واخبرني انه يُريد في المُقابل أن يتزوجني.. رفضت بالطبع وحاولت البحث عن محامٍ آخر ولكن وجدت الجميع لا يُريدوا العمل قضيتي..
امتدت اناملها المرتجفة إلي وجهها لتجفف تلك الدموع التي تأبى التوقف عن الإنهمار لتتملكها شهقات تلقائية وحاولت أن تتابع بصخب صوتها الذي يرتد بمنتهى العنف بين البُكاء وبين الإنهيار:
- لقد ظننت أنه شخص ناجح وجيد ورسمي فقط ليس إلا، مستواه الإجتماعي جيد مثل عائلتي وليس برجل طامع، وجدت أمي تميل إليه وبسام تعلق به كثيرًا والجميع يتحدث عنه بأنه رجل جيد.. كل مُشكلته وقتها التحكم الزائد، ولقد حدثته بالأمر ظنًا مني أنه مجرد عيب من العيوب التي يُمكنه أن يتغير بها بعد الزواج، لقد ظننت أن الزواج سيُصلح الأمر ولكنني صُدمت بالأسوأ!
تعالت شهقاتها بصحبة نوبة بُكاء جارف لتربت "يارا" عليها مرة ثانية وحاولت أن تهدأ منها ولكنها لم تستطع ليزداد بُكائها ارتجافًا لتكلمها بنبرة مُطمئنة:
- اهدئي ارجوك، قصِ علي الأمر وسنحله سويًا، لا تخافي روان فأنت أخت لي وسأساعدك بكل ما استطعت..
نظرت إليها وكلمتها بنحيب لتقول:
- أنا لست بخائفة، انا فقط اشعر بأنني إمرأة فاشلة وضعيفة ولا استطيع أن اتصرف ولا افعل شيء معه!
ازداد انهيارها اكثر لتنظر لها الأخرى بمؤازرة شديدة وتحدثت "روان" والكلمات تتهرب من لسانها:
- لقد كان رجل سيء للغاية في بداية الزواج، وطلبت منه الطلاق، ولكن اخبرني أننا سنبدأ سويًا من جديد، ولقد شعرت بالرعب أن اعود لوالدتي واخي وأنا لا زلت عروس بأُصبح مُطلقة في غضون ايام، وكنت خائفة لو قام بإيذاء أي منهما، كنت خائفة أن يقوم بفرض نفوذه علي كما فعل بالبداية ومنع عني الكثير من المحامين، كنت اشعر بالذعر لو رآني المجتمع بأكمله وأنا ناجحة بعملي وبنفس الوقت اكون مطلقة وانا بالكاد بالسابعة والعشرين من عمري، كنت خائفة من حكم الجميع ونظرتهم نحو ونحن عائلتنا بأكملها لا يوجد بها إمرأة مُطلقة.. لذا حاولت معه، ويا ليتني لم افعلها، لقد وقعت في عشقه، ليس مجرد غفران ومسامحة على كل ما فعله بي!
حاولت التنفس بين شهقاتها وهي تشعر أن قلبها قارب على الفرار من بين ضلوعها وتابعت بمزيد من الإنهيار:
- رجل لم ار مثله قط، هادئ، مثقف للغاية، يعشق التاريخ، رومانسي وكأنني اشاهده بواحدًا من تلك الأفلام الخيالية، حياته بأكملها كانت صعبة للغاية، وكلما مر علينا الوقت سويًا اجد بداخلي ذلك الشعور كي احاول وانجح معه، لدرجة لا تتصوريها حقًا، بهذا اليوم الذي ذهبت به معكِ من اجل رؤية شقة يونس عندما قابلتِ مهندس الديكور، وجدت عيادة مستشارة زوجية فبدأت معها، وحاولت أن اقنعه آلاف المرات ولكنه يجد أن العلاج النفسي وكذلك الإستشارة الزوجية ما هي إلا تراهات وجنون ويقوم الناس بإضاعة وقتهم الثمين عليها لذا كان علي أن اخفي الأمر عليه واذهب لها دون علمه، حاولت معه قدر ما استطعت وهو كان يتحسن بطريقة ملحوظة، وشعرت منه بعشقي وكان يقص علي كل شيء، ولكن عندما رأيت صورة هذه المرأة، شعرت انني كنت مخدوعة لا اعيش معه سوى بالكذب الخالص!
ارتفع نحيبها وارتجف جسدها على اثره بشدة ودموعها باتت كشلالات منهمرة يستحيل أن تواجهها وهي بهذا القارب المتواضع من التماسك الذي انهكته رحلتها معه خلال كل الأشهر المنصرمة فكان عليها الانصياع والإستسلام لتيار المياة الجارف لها بشدة ثم اكملت بنشيج:
- لم اعد استطيع تصديقه، ولا حتى اصدق مشاعري ومشاعره، ربما اخطئت منذ البداية، ولكنني اقسم انني حاولت الإصلاح، ولقد تغير معي هو الآخر بالكثير من الأشياء، ولكنني اصبحت اشعر بالرعب ما إن استيقظت بيوم واجد خلفه المزيد من الكوارث والمصائب والحقائق التي لا اعلمها.. صورة الرجل الناجح الجذاب لا يرى احد ما يقع خلفها غيري..لا احد يعلم عنه ما علمته انا، اصبحت مرعوبة برفقته! لا ادري هل علي الثقة به بعد كل ذلك أم أن كل ما بيني وبينه مجرد كذب وخداع، لا ادري هل لو ابتعدت عنه سأشعر بالراحة أم بمزيد من العذاب! لقد اصبحت تائهة، شاردة طوال الوقت، صداع رأسي لا يتوقف أبدًا، وحتى كلمات تلك المستشارة الزوجية، كان في البداية اشعر بالأمل بسببه وقد نجحت لبعض الوقت ولكن الآن اشعر وكأنه لا يُفيدني!
ازدادت شدة اجهاشها بالبُكاء ولم تعد قادرة على المواصلة لتقوم "يارا" بضمها واخذت تُربت عليها وقررت ألا تُفرق هذا العناق إلا بعد أن تهدأ تمامًا وانتظرت إلي أن لمست منها بعض الهدوء وهي لتوها توقفت عن البُكاء ولا يتهرب منها سوى شهقات متتابعة فتريثت كي تُلهمها المزيد من الهدوء وابتعدت قليلًا لتناولها كوب من المياة واشارت لها أن تتناول منه البعض وهي تربت على كتفها فارتشفت منه بإرتجافة تلقائية تأبى أن تُغادرها فهمست لها متسائلة بعد بُرهة:
- اتشعرين أنكِ افضل بعد التحدث لي؟
رمقتها بعسليتين اكتسحها غمامة جديدة من العبرات ووجهها بأكمله يتمزق حُزنًا وكادت أن تبكي من جديد بينما لحقتها الأخرى مسرعة وهي تُمسك يدها لتشد عليها بقوة:
- لاعليك التماسك من اجلي حتى نستطيع أن نقوم بحل الأمر سويًا، لا تقلقي ولا تخافي! انتِ روان طيلة حياتك فتاة ذكية وجميلة وقوية وستستطيعين أن تقومي بحل الأمر.. ولكن لابد أن تهدئي حتي تستطيعي التفكير
سرعان ما تحدثت بسخرية لاذعة معقبة على كلمات ابنة خالتها:
- اتقصدين طيلة حياتي كنت غبية ومنشغلة بتفاهات العمل وعزلت نفسي عن الدنيا بأكملها ويوم أن تزوجت اصبحت فاشلة وغبية اكثير من السابق وقمت بتدمير حياتي!
أومأت لها بالإنكار وقالت بإعتراض صريح ونبرة مؤكدة:
- من يقول هذا؟ بال العكس تمامًا، كل من يعرفك يحسدك على كل ما توصلتِ له، إما مُعجب بذكائك ونجاحك ويُطري عليكِ!
اطلقت زفرة مصحوبة بهمهمة هاكمة على نفسها ثم غمغمت وهي شاردة ببقعة خاوية بالمنضدة امامها:
- فليتفضلوا بالجلوس بغرفة الإستقبال ليروا حياتي المُدمرة الفاشلة!
ابتسمت لها ونظرت لها نظرة مطولة وحاولت أن تشتت تفكيرها عن الحُزن قليلًا فحدثتها ببعض الحماس ونبرة مُلفتة لإنتباهها:
- اتعرفين؟! أنا كنت أكثر من يؤيد زواجك أنتي ويونس ورأيتك اكثر فتاة مناسبة له.. وأنك الوحيدة التي تستطيعي أن توقفيه عن تلك العلاقات السريعة التي لا يكف عنها، لأنك تملكين شخصية قوية وكنتِ تقدري على تغيير حياته!
التفتت ناظرة لها بتعجب شديد واستغربت لتسألها:
- هل هذا حقيقي أم أنكِ فقط تهونين علي حُزني؟
أومأت لها بالإيجاب وابتسمت لها لتقول:
- طوال عمرك تعرفين أن يونس يقترب من فتاة والجميع يظن أن هذه هي الفتاة المنشودة ثم فجأة يقوم بتغيير رأيه، لذا شعرت أن فتاة بشخصية مثل شخصيتك القوية هي الوحيدة التي تستطيع أن تُنهيه عن افعاله، فتاة مثلك جميلة وذكية وهتى لم يسبق لها الإرتباط، ولكن عندما قمتِ بالرفض ظننا أن هذه هو القدر ولا يوجد نصيب لكما معًا!
من جديد تهكمت على حالها بلذاعة ثم عقبت بسخرية:
- يا ليتني وافقت عندما اخبرتني والدتي يومها، على الأقل لم اكن لأتشتت بهذا الصداع اللعين من شدة التفكير
ربتت عليها بدعمٍ ثم حدثتها بإبتسامة واردفت:
- الزواج والعمل والأبناء رزق ونصيب روان، كل فتاة وإمرأة بل وإنسان له رزقه المعلوم وقدره الذي كتبه له الله، إن لم تكني على هذا القدر من الصلابة والتحمل لم يكن ليُحملك الله ما لا طاقة لكِ به ،ربما هو يعشقك حقًا وصادق معك، وربما قد تغير بسببك، وربما هذا ابتلاء واختبار لكِ من الله كي يُلقنك درسًا سيُساعدك لاحقًا في حياتك! لا يدري احد ما الحكمة وراء الأحاث والتفاصيل في حياتنا، وعندما نتذكرها بعد مرورها نشعر وكأن إن لم تكن بنفس الطريقة وسارت كما كتب الله لنا، لما كنا وصلنا للأفضل وكانت لتسوء الأمور اكثر، الله دائمًا لديه حكمة في كل شيء يحدث لنا ودائمًا ما يفعل الخير لنا!
تفقدتها وهي تحاول التحكم بواحدة من شهقاتها التي لا تتوقف اثرًا لبُكائها الشديد وهي تحاول التفكير بكلماتها، لم تكن يومًا متدينة إلي هذه الدرجة التي تجعلها تُفكر بهذا الشكل، فهي إمرأة عملية بشدة، كما أن والدها ووالدتها لم يهتموا كثيرًا بشأن الدين بهذه الدرجة التي كانت تهتم بها خالتها، بالرغم من أن "يونس" معروف عنه عدم تدينه بالرغم من مناقشة والدته واخته له بهذا الشأن ولكن كلتاهما كانتا غيره تمامًا كما كان زوج خالتها نفسه!
تناولت نفسًا مطولًا ثم سألتها بجدية عندما التمست هدوئها النسبي منها بعدم بُكائها:
- ما الذي كانت تريده هذه المرأة؟
هنا لم تستطع كبح ابتسامتها الساخرة التي توسعت لتكشف عن إشراق وجهها بالرغم من شحوبه الشديد بعد كل ما تمر به وانفجرت بعصبية شديدة:
- فلتخمني، لقد آتت لتحذرني منه وتنصحني بالإبتعاد عنه وهي في الحقيقة من خانته!
لوهلة ندمت بداخلها على ما صرحت به لإبنة خالتها ولكن على كل حال لقد اكتفت من وحدتها اللاذعة التي لا تُفيد ووجدت "يارا" تُضيف ما بين حاجبيها بمزيد من التعجب لتسألها من جديد:
- وهل هي لا تدري أنه قد اخبرك بالأمر أو على الأقل قص عليكِ ما حدث؟
التفتت ناظرة لها بتفحص والسخرية تنفر بشدة من أن تترك وجهها لتتفوه بنبرة تشير إلي السخافة من قولها هي نفسه:
- المحامي العظيم الذي تزوجته لم يدعها تعلم بأنه قد عرف بشأن خيانتها له.. وتلاعب بها عامان بأكملهما! وبالطبع أنا بئر اسراره، ولابد من أن اسمع وانصت وأقوم بالتعاطف والتصديق وأهون عليه.. والآن تنصحني هي بالابتعاد عنه! والكارثة بعد كل ما عععرفته عنه انني اجد كلماتها صائبة وصحيحة بشأنه.. واخبرتني بمنتهى الصراحة أنها لن تُكلمني ولن تُحدثني ولن تسبب لي اي ازعاج من جديد
تريثت لبُرهة وهمهمت لها بتفهم وحاولت أن تُفكر بحل بينا الأخرى تشاهدها ووضعت ذقنها على يدها واستطردت سائلة بتهكم:
- أرأيت؟!.. هل اصدقها أم اصدق زوجي؟ أم اطلب الطلاق وهو لا يريد أن يُطلقني؟ وكما ترين أنني محاطة بجيش من الحراسة لا يفارقني اي منهم ولو للحظة واحدة واصبحت خبيثة معه واخفي عليه ما الذي افعله وإلي من اتحدث، اصبحت بسجن وكأن كل افعالي باتت كالهاربة من القانون!
قضمت شفتاها وهي تحاول التفكير اكثر تاركة كل كلماتها اللاذعة جانبًا وسألتها بجدية:
- هل هناك طريقة لتتيقني بها؟ اسرته، عائلته، عمله، اصدقائه، أي طريقة لتعرفي بها كل شيء عنه!
التوت شفتاها بمزيد من السخرية ثم عقبت بتنهيدة :
- لا عزيزتي لقد وصلت إلي المرحلة الأخيرة التي تصارعين بها الوحش الكبير.. والده نسخة منه،لا احد يعرف عنه شيء، لا يملك اصدقاء، ووالده ووالدته ابناء عمومة.. كل عائلتهم ببلدتهم، علاقته معهم سطحية جدًا، ليس امامي سوى كلماته وأن اصدقها واقع في عشقه واتقبله واسامحه وادعمه، لقد ارهقت من هذا الدور الذي فُرض علي منذ معرفته! لقد وصلت لمرحلة أنني سأطالب بالطلاق وليحترق هو والمجتمع والبشر في الجحيم وليحكم علي من شاء!
نفخت كل ما برئتيها من أنفاس وحدقتها بجدية بعد تفكير وسألتها:
- هل تصدقيه هو أم تلك المرأة، روان؟
رفعت كتفيها واخفضتهما ثم اجابتها بإقتضاب:
- لا ادري! فلتعرفي انني سأكون كاذبة لو اخبرتك انني اصدق اي منهما.. هو يستطيع أن يخفي كل شيء وأي شيء ولا يدعك أن تشعرين بأن هناك أمر خاطئ.. ولا حاجة للحديث عن مقدرته في تشتيتي بالكلمات! محامي بارع حد اللعنة!
همهمت لها بتفهم ثم حدثتها بمنطقية:
- هل يُمكنك التأكد من خيانة هذه المرأة له؟ لو كان هو الصادق بهذا الأمر فإن هذه المرأة هي الكاذبة، ولو كان هو الكاذب فابتعدي عنه، هذا بالطبع بناءًا على قولك انك تعشقيه ولا تدري هل هو صادق أم لا.. ربما هي فقط اتت لتثير بداخلك الإرتياب وتفرق بينكم، فهناك هذه النساء التي تقوم بالخراب بين المتزوجين دون اكتراث!
قلبت شفتيها واطنبت لوهلة بالتفكير بينما تابعت "يارا" متسائلة:
- من أين علم بأمر خيانتها؟
حاولت التذكر وعينيها تبحث بتردد عن الإجابة ثم قالت بثقة:
- اخبرني أن احد قام بتصويرها اثناء فعلتها وارسل له بالدليل، اظن على احدى الإسطوانات، نظرًا لأن هذا حدث منذ اعوامٍ كثيرة، حوالي عشر سنوات!
توسعت عين "يارا" بحماس وادت على كلماتها بثقة:
- حسنًا، هذا هو الحل إذن، فلتري من منهما صادق، حاولي أن تحصلي على دليل خيانتها له، إما هو الصادق وإما هي التي صدقت! بالإضافة إلي أنكِ اكتشفتِ التشابه بينك وبينها، لابد من أن تضعي حدًا للأمر، وخذي كامل وقتك بالتفكير، ومن حقك أن تطلبي الطلاق وحتى لو رفض الطلاق بالتأكيد هناك حل لكل هذا، لن يجبرك على الأمر، الزواج لا ينجح ولا يستمر بهذه الطريقة!
زفرت بقلة حيلة وهي ترمقها بحزن وانطفئت السخرية على ملامحها وحاولت التفكير بكلماتها لتحاول معرفة كيف تصل لهذه الخيانة التي يشدو بأن خيانتها هي السبب بكل ما حدث وما يحدث له، نعم، لقد كان اقترابه من ذلك العمل غير المشروع بسبب اثباته لها بأنه يملك الأموال التي ارادتها، لا تدري كيف تكون إمرأة لا تريد سوى الأموال؟ ولماذا آتت لها بعد كل هذه السنوات؟ هل تريد فقط الإنتقام والأخذ بثأرها أم هو الكاذب الخبيث المُخادع وهي مجرد مُغفلة ساذجة تُصدقه؟!
❈-❈-❈
عصرًا نفس اليوم ..
جلس يُتابع ويُصدق ويؤكد على كل كلمات والده التي باتت خطة مُحكمة واقناع شامل تام لن يترك مؤيد أو معارض للحزب الذي ينتمي إليه ابن عمه "أنس" إلا وهو مقتنع بكل حرفٍ من هذه الوعود الوثيقة والعهود المُشرقة بالأمل والنهضة العظيمة لأهل هذه البلدة بأكمله وكل الدوائر التي يترشح عنها للحصول على المقعد بالبرلمان!
لماذا آتى إذن؟ هو يعرف الإجابة عن ظهر قلب، والده يُريد أن يُلقنه الدرس، يريده أن يتبع المزيد من خطواته الحاذقة الذكية الناجحة المتحكمة في الجميع ليجلس بنفس مقعده يومًا ما ككبير لهذه العائلة كي يُصبح يومًا ما المحرك الأساسي للجميع مثله! مجرد "يزيد الجندي" آخر ولكن سيضع ثلاثة حروف قبله، العين والميم والراء!! ألا يُمكن أن يستبدله بـ "أنس"؟ أليس هو الأكبر عُمرًا؟ وحتى اسمه مكون من ثلاثة حروف مثله، ألا يُمكنه التغاضي عن الأمر؟
زم شفتاه وهو يتنهد محاولًا الفرار والهروب من هذا الجمع ووالده لديه اليوم طاقة لا تُقهر بالثرثرة والحديث والتفاصيل كلها برأسه منظمة بمنتهى الذكاء، يا له من داهية، ويا له من مجبر على تعلم المزيد منه، هو رجل رأسه لا تُقدر بثمن، ولكنه أُرهق بشدة من كل ما برأسه، أين المفر من كل ذلك؟
طُرق الباب من احدى الحراس الذين دخلوا واعلن احدهما:
- سيد عمر، هناك طرد قد آتى من اجلك والمندوب في انتظار توقيعك عليه!
من هذا المُنقذ الذي سيُكافئه مكافئة لم يحلم بها يومًا وانتشله ببراعة من وسط هذه المحاضرة التي لا تود الإنتهاء منذ ساعات:
- سأقوم بإستلامه!
سرعان ما نهض بينما والده يتفحصه بفحميتيه المطابقتين لخاصته ولكنه حاول ادعاء عدم المُلاحظة وفر للخارج بخطوات متريثة ليُحافظ على مظهره امام الجميع ولكن بداخل عقله لا يعرف من الذي اهتم بإرسال شيئًا له؟ وما الذي يُرسله؟ ومن حتى يعرف أنه هنا ببلدته وغادر منزله؟
قام بالتوقيع بخانة الإستلام ليُمسك بذلك الصندوق الذي قام بتمزيق اوراقه التي تغلفه من شركة الشحن ليفتح الصندوق ووجد رسائله بأكملها بداخله وورقة صغيرة بخطها غير المقروء باللغة الإنجليزية طُبع عليها:
لا اعرف الأشعار ولست مولعة بالتاريخ مثلك، لست ضليعة باللغة العربية كما هو حالك أيها المحامي الناجح المشهور..
ولكن هناك من قد يستفيد بهذه الرسائل اكثر مني..
قم بإرسالها إليها، قد ترى مدى معاناتك..
وقد تطالبك بالغفران نادمة على استغلالها لك وخيانتها لكل ما بينكما..
لو غفرت لها، سأغفر أنا لك!!
روان صادق!
واكره أن اشير لنفسي بـ "زوجتك" !
يُتبع..