-->

الفصل الثامن - كما يحلو لكِ - النسخة الفصحى

  

الفصل الثامن 

النسخة الفصحى

- صباح الخير صغيرتي..


شعرت بتحركات شفتيه المنعكسة على اذنها بهذا الهمس الذي لوهلة ذكرها بأيام كانت تتمنى لو دامت معه وفي غفلة من نُعاسها ظنت أنه حلم لتستيقظ على مرارة الواقع، هي زوجة نافرة من هذا الزواج وتريد أن تحصل على الطلاق والحرية من هذا الزوج غريب الأطوار!

تبدلت ملامحها من استرخاء النوم ثم التفتت له وفتحت عينيها الغاضبتين لتنظر له بصفاء عسليتيها وحدثته بجدية لا تُناسب غزله بها السابق:

- عمر أرجوك، توقف عن هذه الأفعال، لن تستطيع خلالها أن تُغير شيء!


تهللت ملامحه بابتسامة ثم عقب بثقة:

- بل سيتغير كل شيء حلوتي..


تعجبت لوهلة من ملامحه التي ناقضت تلك الأخرى التي تخيلتها اثناء بُكائه قبل نومهما لتجده يُردف قبل أن تحاول حتى التفكير:

- ماذا لو استيقظت وانتهيتِ من اغتسالك واستعدادك للذهاب للعمل، لقد قمت بتحضير مفاجأة لكِ ستُعجبك للغاية!


زفرت بيأس وعبست ملامحها وهي تدفعه كي تستطيع النهوض ثم عقبت باستياء واضح وكلمات جادة حازمة:

- لا أريد أي شيء، لقد كنت جادة فيما يتعلق بالخلع والطلاق! ولو انني لا زلت هنا في نفس المنزل إلي وقت صدور الحكم فهو من غبائي الشديد أنني وثقت في احترامك لقراري دون أن نثير جلبة وضوضاء أمام الجميع، لكن من الواضح أنك لا تنوي احترام صورتي وصورتك أمام أحد! أنت لم تترك لي حلًا سوى أن ادع الجميع يشترك بهذا!


تابعها بعينيه الحماسيتين وهو يراها تتجه إلي الحمام وهي تُمسك بهاتفها ثم استمع لإغلاقها له بالمزلاج المخصص كإشارة منها لعدم سماحها بأن يتبعها بينما غمغم بتنهيدة عميقة:

- وأنتِ أيضًا صغيرتي لم تتركِ لي حلًا سوى أن أقوم بدعوة الجميع لما بيننا!


سرعان ما قام بربط الأحداث ببعضها البعض، من هؤلاء الذين ستقوم بتكبير الأمر أمامهم، وما بالها تأخذ هاتفها معها وتحمله إلي الحمام وهي ليست مُعتادة كثيرًا على فعل الأمر، حسنًا فلتبدأ هذه اللعبة التي على ما يبدو سيستمتع بها كثيرًا في الأيام المُقبلة!


جذب هو الآخر هاتفه ثم اجرى اتصالًا بالرجل المسئول عن الطاقم الأمني الذي عينه من أجلها ثم أملى بأوامره سريعًا بعد تبادل تحية مقتضبة معه:

- قد بزيادة عدد الحراسة، يتواجد دائمًا واحد من رجال الأمن أمام مكتبها وليس شركتها، وأيًا كان من يدخل مكتبها لابد من أن تعرفوا من هو.. ومصاعد المرأب، لابد من أن يتواجد اثنان ليُتابعان حركة كل من يدخل ويخرج خلاله، ولوذهبت إلي أي مكان فلابد من اخباري، قوموا بمراقبتها دون أن تسببوا لها الإزعاج!


كانت هذه هي خُلاصة الأمر، المزيد من إحكام الخناق عليها، فلو تظن أنها ستنجو بفعلتها وتنفيذ ما تريده وترغبه فهي بالتأكيد مُخطئة، ولو ظنت أنه قد عشقها لدرجة أن يُصبح رجل ضعيف مع زوجته وسينصاع لتحقيق كل غاياتها فهي أيضًا مُخطئة، ويقع عليه هو وحده أن يُصحح الأمر ويصوب تفكيرها الذي يشوبه التشويش بشأن ما تستطيع فعله، لن يسمح ولو لفرصة وحيدة بأن يُصبح والده مُحقًا هذه المرة كما أخبره بالسابق، لن يكون مجرد دمية تُحركها هي كما يحلو لها!


خلل شعره وهو يلمح مظهره بالمرآة مرتديًا تلك الملابس المنزلية ثم اتجه للأسفل حيث غرفة مكتبه، وبإحدى الأركان المنزوية بمكتبته الضامة لمئات من كتب التاريخ الشغوف بها استطاعت يده الإمساك بزجاجة احدى المشروبات الكحولية ذات التركيز الشديد واحتسى منها مباشرة جرعة ضئيلة استعر على اثرها حلقه ثم أعاد الزجاجة من جديد وخرج مُنتظرًا اقتراب والدتها من مائدة الطعام حيث الاجتماع اليومي لتناول الفطور ولكن على ما يبدو أنه يلزمه اليوم التصرف بمزيد من الود وأخذ حركة سريعة ليربح هذه الجولة!


اتجه نحو غرفة والدتها ثم طرق الباب وانتظر إلي أن يستمع لسماحها بالمرور للداخل فوجد مربيتها تقوم بفتح الباب له فابتسم لها بملامح متهللة ثم تحدث بتهذيب:

- صباح الخير


بادلته التحية والابتسامة على حد سواء فسرعان ما قام بسؤالها:

- هل يُمكنني التحدث قليلًا مع السيدة أميمة؟


سرعان ما اقتربت والدتها دافعة كُرسيها المتحرك الإلكتروني لتقترب بإتجاهما وحدثته بابتسامة:

- صباح الخير عمر، بالطبع بُني.. تفضل بالدخول!


تهللت ملامحه اكثر بينما توجهت "هدى" للخارج وهي تُغلق الباب خلفها ثم اتجه ليُجالس والدتها سابقًا إياها بخطوة، الإجهاض، الزواج، فكرة حياة فتاة عاملة مُدللة إلي حياة أخرى جديدة عليها تمامًا، تقصيره الشديد مع اقاربها، اعترافه بعدة اخطاء وهمية لا أساس لها من الصحة، وبعض التعويضات لكل هذا.. ستكون مُقنعة للغاية لوالدتها الذي يعلم بقرارة نفسه أنها لن تقبل فكرة الطلاق!


لن يتوانى هذا المحامي المخضرم باستخدام كل الدلائل بين يديه ليربح هذه القضية التي يتوقف عليها زواجه من إمرأة يعشقها وهو يعلم أن لديه آلاف الحيل!

❈-❈-❈

تسلقت الدرج الداخلي للأسفل بعد أن انهت استعدادها لذهابها للعمل، أو هذا ما تريد ادعائه حتى تتخلص من سيطرته على وقتها ويومها وتُعد لمغادرة هذا المنزل!


تعلم أن قرارها بإبلاغ والدتها قد تأخر، وسيؤثر على صحتها الجسدية ومرضها بالسلب، ولكن لم يعد لديها المزيد من البدائل المتاحة بين يديها سوى أن تُصعد الأمر ليُصبح بهذه الشراسة فيما بينهما أمام الجميع!

- صباح الخير..


ألقت تحية الصباح على والدتها واخيها وهي تبتسم لهما بينما تحاشت النظر له تمامًا وشعرت بنظراته تتابعها بإلحاح من ثاقبتيه التي تجعلاها تحصي الثواني لابتعادها عن لهيبهما المستعر المختلط بلذة غريبة لم تستطع أن تتجاهلها!


التفت لها أخوها فجأة بعد أن دام صمت لعدة لحظات واقترب منها ليهمس لها بأذنها متشوقًا بحماس:

- ما تلك المفاجأة التي اعدها لي عُمر؟ لا يريد اخباري حتى العودة من المدرسة!


تعجبت هي نفسها لتلاحظه من الطرف الآخر للمائدة لتراه غارقًا في تناول الطعام بمنتهى الشهية الشديدة ثم انغمس بحديث جانبي لوالدتها وسرعان ما ترجمت أنه يحاول استمالة قلبها من جهة أخيها ولكنها اجابته بهمس:

- لا أدري، ولكن لم يتبق سوى عدة ساعات، ستعلم كل شيء بمجرد عودتك..


ابتسمت له مجبرة نفسها على تحرك شفتيها فهي يستحيل أن تقلب كل هذا الهدوء رأسًا على عقب في غضون ثواني على الأقل ليس بهذا الصباح الباكر وبالطبع لن تبدأ بأخيها الصغير!

- اخبريني رجاءًا روان لا تصعبي الأمر علي!!


تنهدت والتفتت له لتتلمس وجنته بيدها وحدثته قائلة بابتسامة مُجبرة:

-  حبيبي، رجاءًا أنت انتظر قليلًا وستعجبك المفاجأة حتمًا..


أومأ لها موافقًا على مضض ثم عاد ليستكمل تناول فطوره بينما شعرت هي بانعدام شهيتها ثم سلطت عسليتيها التي لمح هو بها لهيب الغضب على والدتها وحدثتها قائلة:

- أمي، احتاج التحدث معكِ بعد أن ننتهي من تناول الطعام


عقبت والدتها بمنتهى الهدوء والتلقائية لتخبرها قائلة:

- بالطبع حبيبتي.. دعينا نشرب القهوة سويًا بعد انتهائنا


أومأت لها بشبح ابتسامة لم تكتمل والتوتر يتصاعد بداخلها من تخمينها كيف ستتقبل والدتها كل ذلك بينما لمحته ينظر لها بملامح متهللة مبالغ بها وهو يُضيف المزيد من الطعام إلي طبقه لتتعجب من تلك الشهية الغريبة التي فجأة بات يشعر بها!


نهضت كي لا يزداد الاستفزاز بداخلها ثم حدثت والدتها قائلة:

-  سأنتظرك بالخارج ولن اذهب لعلملي حتى التحدث معكِ


سرعان ما توجهت للحديقة الخاصة بهذا المنزل الذي ابتاعه لها عند زواجهما ثم حاولت تنظيم شهيقها وزفيرها بعمق ممارسة بعض تمارين التنفس وشعرت بالغضاضة من مجرد النظر حولها لتلك التفاصيل التي ظنت أنها ستعيش بها للأبد وهي تكون زواج ناجح وأسرة سعيدة فأغمضت عينيها بعنفٍ وهي تحاول التخلص من تلك التخيلات التي ظنت أنها ستحققها يومًا ما مثلها مثل أي فتاة ناجحة وحاولت تسليط تركيزها على تلك الكلمات التي ستُخبر بها والدتها بأفضل طريقة ممكنة تستطيع خلالها ألا تُثير توترها أو تُزعجها!

- هل لا زلتِ مصممة على دعوى الخلع؟


انتبهت من هذا الاسترخاء الذي كانت تحاول التشبث به وافاقها صوته لترمقه بغضب دفين وتمعنت بوجهه المتهلل الذي يستر خلفه مزاجًا رائقًا على ما يبدو فأجابته ممقتة اياه بغيظ:

- نعم لا زلت مصممة، ومن الواضح أنك لا تصدق أنني جادة للغاية.. ولكن هذا قراري وإرادتي الشخصية.. حاول أن تحترم أي قرار اتخذه عمر!


ابتسم له وأخذ يقترب منها لتواجهه بملامح شرسة ليعقب ببرود:

- حسنًا!


اقترب بخطوة سريعة ثم أحاط وجهها رغمًا عنها وقبل أن تحاول التخلص منه قبلها قبلة همجية ثم دفعها للخلف لتحدثه بلهاثٍ اثر فعلته وارتجفت شفتيها بتقزز لتتوعده:

- استمر أكثر وقم بقتل أي مرة قد أتذكر بها لحظاتنا الجيدة سويًا وكل مرة سأتذكر انني عشقتك بها!


ابتسم لها ثم التفت وتركها مُغادرًا عندما لاحظ اقتراب والدتها لتشعر بعبء ثقيل على صدرها عندما لاحظت هي الأخرى والدتها ومتابعة المربية لها وهي تحمل فنجانين من القهوة فانتظرت حتى غادرتهما واستمعت لتعجبها:

- ماذا هناك، روان؟ بم تريدين التحدث؟


تنهدت لتجلس في مقابلة والدتها ثم تلمست يدها لا تدري لتدعمها هي عند سماعها لقرارها أم لأنها هي من تحتاج الدعم فنظرت لها بتوسل واجابتها:

- أمي، انتي تعرفين أنني أحاول ألا اتسرع بأي أمر في حياتي، أليس كذلك؟


أومأت لها بابتسامة وأردفت:

- بالطبع حبيبتي، ولكن اخبريني ما الأمر؟


ابتلعت ثم سرقت بعض الهواء الذي جعلها تشعر بالاختناق أكثر وربما ستظل بهذه الحالة إلي أن تستمع رد فعل والدتها لتُحدثها مجيبة:

- أنا أريد أن انفصل عن عُمر، ولقد قمت برفع دعوى خلع!


تشبثت اكتر بيدها بينما انتظرت ردة فعل والدتها التي لم تتوقعها وأخذت تنظر لها بملامح متوسلة لأن تدعمها في هذا الشأن لتجد أن والدتها تبتسم لها بلوم ثم حدثتها بهدوء متسائلة:

- أنا اعلم كم أنتِ ذكية وناجحة، ولكن هل يُمكنكِ أن تخبريني لماذا تريدين أن تتركيه؟


ابتلعت وهي تترقب بارتباكٍ هائل دعمها لها بينما بررت بسرعة متفوهة بالأسباب التي فكرت بها بالفعل لأكثر من مرة:

- ليس هناك تفاهم بيننا، اشعر أنه لا يفهمني، اهتماماتنا ليست مُشتركة.. غريب للغاية بكل شيء وبكل تصرفاته، وكل محاولاتي معه في النهاية لا أصل بعدها سوى إلي طريق مُغلق، فلتصدقيني، لقد حاولت أن انتظر واتريث واتناسى وألا أقوم بالتركيز في كل ما يفعله معي ولكن هو لا يُريد أن يتوقف عن افعاله أو حتى يتغير!


بالطبع يستحيل أن تخبرها أنه رجل مصاب باضطراب بشخصيته وسادي يُعذبها ويُرعبها وكانت في البداية مُهددة من قِبله، لقد تمنت أن تتحدث بالحقيقة ولكن ربما ستصاب والدتها بأزمة قلبية اثرها فوجدتها تُردف قائلة:

- حبيبتي، لا يوجد رجل وامرأة بعد زواجهما بشهورٍ ينفصلا لمثل هذه الأسباب الواهية، أنا ووالدك عزيزتي كان بيننا الكثير من  الاختلافات ولكن مع الوقت تفاهمنا وعشقنا بعضنا البعض وانتِ تعلمين ما الذي حدث لي بعد أن مات وتركني، لم احب في حياتي أحد مثل ما احببته..


تأثرت لوهلة لتتنهد بُحزنٍ ولكنها استطردت:

- ولكن لم نكن هكذا منذ أول يوم بزواجنا، وعمر رجل جيد ويُعاملك بمنتهى الاحترام، أنك لا تتفقي معه ولا تجدي التفاهم فيما بينكما فهذا يأتي بمرور الوقت، لا يحدث بين يوم وليلة ولا حتى شهور، وهل حقًا تريدين الطلاق بعد شهور قليلة؟ هل تعلمينأن عائلتنا بأكملها ليس بها من تطلقت؟


رمقتها باستغاثة وتوترت أنفاسها واندفعت بملامح حزينة منزعجة لتجيبها:

- لقد كنت أحاول أمي طيلة هذه الشهور أقسم لكِ، ولكنني شعرت أنه لا يُمكنني التحمل، ربما كل من يراه يطري عليه ولكن لا أحد يعلم حقيقته مثلي!


رمقتها والدتها بحزن وهزت رأسها بالنفي وهي تقول بلوم:

- لم أكن أتوقع منك أن تأخذي هذه الخطوة وتقومي برفع الدعوى وبعدها تُخبريني، وما هي حقيقته روان؟ أنه هو من قام بإبلاغي بكل شيء قبل منك؟ لقد قام باحترام مكانتي وجعل لي اعتبار وقام بإخباري! وحتى أمر الإجهاض لقد آتى وأخبرني بكل ما كنتِ تخفيه عني.. أنا مستاءة منكِ للغاية! لم أكن أتخيل أنكِ لا تريدي اخباري بكل هذا!


صُدمت من معرفة والدتها بكل تلك التفاصيل وكادت أن تصرخ بوجهها مُخبرة إياها الحقيقة الكامنة وراء كلماته المُقنعة التي لابد من أنه استطاع بمنتهى الحنكة أن يدفعها لتصدقها ولكنها نهضت تاركة يد والدتها وحدثتها بلوم ماثل لومها:

- لأنني كنت خائفة أن تعلمين وتُصابي بوعكة، وكنت خائفة على بسام وأن اسبب له أي توتر في دراسته، نحن بالكاد صدقنا أنكِ اصبحتِ بخير وأفضل من السنوات السابقة، ولكنني قد أتيت واخبرتك بالفعل، هل تقفين في صفي وأم في صفه؟


رفعت والدتها نظرها لها بتعاسة بينما التمعت العبرات بعينيها العسليتين لتردف مجيبة:

- روان ابنتي، زوجك يعشقكِ للغاية، وإنسان جيد ومرموق ويُعاملنا جميعنا بأفضل طريقة ممكنة، ما الدافع لأن تطالبيه بالطلاق؟ انتِ حتى لم تُكملي سنة واحدة معه وانتِ اغلب وقتك تقضيه بعملك! أنا أعي جيدًا أننا نعتمد عليكِ بكل ما يتعلق بأمور العمل، ولكن على الأقل اعطِ له فُرصة ولو هو إنسان ليس بجيد سنرى حقيقته مع الأيام!


نظرت لها بترددٍ وهبطت دموعها لتجففها سريعًا وقالت بإعتراض ولكن دون أن تتحدث بجفاء لوالدتها:

- الدافع الذي يجعلني اطالب بالطلاق هو أمر خاص ولن أكون مثله واخبر الجميع بخصوصياتنا، وآسفة أمي ولكنني سأستكمل إجراءات القضية، أنا لا استطيع العيش معه بعد الآن.. ورجاءًا سنترك المنزل اليوم، فلتُخبري هُدى أن تبدأ بإعداد الحقائب الخاصة بنا!


❈-❈-❈

مشت وهي تجفف المزيد من دموعها ليتحول كل حُزنها إلي غضبٍ لا نهائي يُطبق صدرها بجحيمٍ دفع دمائها للغليان لتبحث عنه حتى وجدته بغرفة مكتبه فدفعت الباب بقوة يحتسي مشروبًا كحولي لا تعرف ما هو ولا تكترث حتى لماذا يفعل هذا في بداية اليوم ثم اقتربت لتقف أمامه وصاحت به:

- ألن تتوقف عن تلاعبك، عمر؟ ذهبت لتكسب أمي وتحتال عليها لتقف في صفك واخبرتها بخصوصيات بيننا لم يكن لديك الحق أن تُفصح عنها دون أخذ رأيي؟ هل ذهبت لإخبارها عن أمر الإجهاض؟ ألم تُفكر بما يُمكن أن يحدث لها بسبب خبر كهذا؟


لم تلحظ تلك السماعة الموصولة بأذنه بينما انتبهت لها عندما قال:

- فقط قم بإرسال اسمه لي، وسنرى ما سنفعله معه، وداعًا!


انهى الاتصال ثم نهض ليتجه نحوها بإبتسامة ووضع يديه بجيبيه بغطرسة واتجه نحوها ناظرًا لها بعينين مسبلتين وسألها بمنتهى البرود المُستفز:

- لماذا أنتِ غاضبة قطتي؟


اشمأزت من بروده غير النهائي وهي قابعة أمامه تغلي كبركان مستعر فصاحت به:

- ما الذي تريد أن تدمره لي في حياتي بالإضافة إلي كل ما دمرته بي؟ أمي وبسام آخر من تبقى لي، ما الذي تريد أن تفعله بهما؟ أتريد أن تقنعهم بأنك ملاك لا ترتكب الأخطاء وأنك ضحية وأنني الجانية بهذا الزواج؟


ضحك بخفوت وهو يفرك ذقنه بين سبابته وإبهامه ثم اتجه ليُغلق ذلك الباب الذي قامت بفتحه منذ قليل والتفت إليها بنظراتٍ ودت أن يكون فهمها لها خاطئ ولكنها لا تستطيع سوى إدراك أن هذه الرمقات منه لا تُذكرها سوى بالرجل الذي لطالما ادعى أن ساديته هي ميول ليست إلا!


ابتلعت وهي تنظر نحوه بأنفاس تلاحقت من شدة غضبها ليُحدثها بلهجة آمرة:

- اقتربي صغيرتي!


هزت رأسها وهي لا تُصدق ما يُنادي به لتهتف به بقهرٍ اندفع من شدة غيظها:

- أنا لا أملك وقت لأضيعه معك، وسأبتعد عنك، وسترى عمر!


اتجهت متحاشية النظر له لتتجه للخارج فأعاق طريقها للخارج لتزفر بضيق وارتفعت عينيها له بحنقٍ وحدثته بلهجة آمرة:

- افسح لي الطريق


التقت اعينهما بكبرياء كل منهما وبدا أن لا أحد يُريد التنازل ولا كل ما يتبعه معها من رقة ولين يُريد أن يأتي بثماره فسرعان ما كمم فمها وارغهما على الالتفات لتصطدم بالباب خلفها ونظر لها بقسوة والتماع غريب إلي فحميتيه وحدثها بخفوت صرخت به الهيمنة:

- ألن تتوقفي عن هذا الجنون؟ أنا لم اخبر والدتك بشيء، وليكون بعلمك، عليكِ أن تصبحين مطيعة وفتاة جيدة حتى لا اعود للرجل الذي لا تطيقه! هل تتذكريه أم تودي أن أذكرك به؟


رمقته من اسفل يده واستمع لصياحها وكأنها تحاول أن تصرخ أسفل يده التي تجذبها بكلتا يديها بكامل قوتها لرغبتها في التخلص منه وعينيها ينهمر منها الغضب الخالص بينما اقترب ليدفع جسدها أكثر حتى يشل حركتها ليُحدثها مُحذرًا بخفوت جعلها ترتاب:

- فلنصبح جيدين مع بعضنا البعض وعودي لتلك الفتاة المطيعة التي اعشقها حتى لا اسبب لك ما يُزعجك صغيرتي! سأخفض يدي وأنتِ لن تتفوهين بحرف وستذهبين إلي عملك وأنا سأرى ما علي فعل اليوم وسنعود عمر وروان العاشقين لبعضهما البعض بدلًا من أن ترين وجه آخر مني لا تُحبيه بل ويُخيفك بقسوة!


سلط نظراته القاسية اليها ثم بدأ يُكمم أنفها بقوة شديدة ليمنعها من التنفس ورفع حاجبيه باستمتاع شديد وأردف:

- اتدرين بم تذكرني ملامحك هذه؟


تريث لبُرهة وهو يتلذذ بملامحها التي تُعاني ليقول بهمسٍ وسعادته تنعكس بعينيه:

- يوم أن عاقبتك بغرفة المتعة عندما تأخرتِ، هل تتذكرين قطتي؟


ازاد من وطأة ما يفعله حتى اتسعت عينيها وبدأ وجهها بتغير لونه إلي أن تركها في النهاية لتحاول امرار الهواء إلي رئتيها فعاد إلي الخلف بخطوة واحدة وتفحص هيئتها من أعلى رأسها لأخمص قدمها ثم سلط مُقلتيه الفحميتين بعسليتيها وحدثها بهيمنة:

- هيا ايتها القطة الصغيرة حتى لا تتأخري عن العمل!


سيطر الوجوم على ملامحه لتشعر بالتقزز منه وبغضون جزء من الثانية كانت بالفعل تسب نفسها للمرة المليون على غبائها الشديد الذي صور لها أنه قد عشقها بالفعل وسيتقبل قرارها بعد فترة من هدنة طويلة دامت بينهما حتى صدقت كل اكاذيبه!


كست العبرات عينيها وهي ترمقه بلوم وكادت أن تغادر ليوقفها مناديًا بجفاء:

- روان! لا تتأخري صغيرتي لأنني احضر لكِ مفاجأة جيدة للغاية مساء اليوم!


❈-❈-❈

جلست على مكتبها وهي لا تُصدق أنها بالفعل يحول الأمر لحربٍ فيما بينهما، لقد كادت الشفقة عليه أن تجعلها تلين له بالأمس من شدة ما يمر به، لقد اصبح حتى يتحدث إلي نفسه، واليوم يستيقظ ليحتسي الكحول ويُخبر والدتها بكل التفاصيل بينهما، وما يعد به "بسام" وكذلك يتناول الطعام بشراهة ويتصرف بطريقة غريبة، إلي متى سيستمر هذا الجنون المحض معه؟


ابتلعت ورمقت هاتفها لترى أنه لا يزال يتبقى ساعة حتى موعد جلستها بصحبة "مريم" لتحاول أن تستفسر منها عن تحوله المُفاجئ، حتى ولو ستتركه ستخبره بكل شيء، ما الذي يُمكن أن يحدث بعد أن يتحدث الشخص إلي نفسه؟ يتخيل اشياء غير حقيقية؟! على الأقل ستكون بهذه النزاهة معه!


لقد عشقته، وظنت خيرًا، بل وصدقت بأنه يعشقها، افترضت أنه سيتغير بدعمها له وهدوئها وسعة صدرها لتقبل كل ما هو عليه مع توضيح ما لا تقبله هي الأخرى، ولكن أن يصل الأمر لكل هذا الإجبار، لا تستطيع تصور هذا!


فاقت من شرودها بالأمر على اهتزاز الهاتف أمامها لتجد أنها "يارا" فسرعان ما اجابتها لتبدأ المكالمة بتعجبها الممتلئ بالقلق:

- أين أنتِ روان لم نتحدث منذ ايام؟ ما أمر دعوة العشاء تلك؟


تعجبت مما تستمع له واجابتها بدهشة:

- أنا بالشركة كالعادة، ودعوة ماذا التي تتسائلين عنها؟


اجابتها الأخرى على الفور بتلقائية:

- لا ادري، راشد اخبرني أن عمر  قام بدعوتنا وأظنه قد هاتف يونس كذلك ! لقد ظننت أن الأمر بينكما اصبح افضل!


اغمضت عينيها وهي تحاول أن تتمسك بآخر ذرات التحمل بداخلها كي لا تفقد اعصابها واجابتها بهدوء عكس تلك الجحيم التي اندلعت بداخلها جراء افعاله:

- لا ادري شيئًا عن هذه الدعوة، وكلا، لم نصبح بخير، ولا زلت اتابع في دعوى الخلع، فلتخبريني، إلي أين دعاكم؟


تريثت ابنة خالتها لبُرهة وهي تتمتم:

- غريب!


سرعان ما أردفت لتجيب تساؤلها:

- لقد فام بدعوتنا على العشاء في فندق **** وقال انه يعتذر اننا لم نتقابل بشكل رسمي بالسابق، وأنه مقصر معنا فكان لابد من أن يزورنا بالسابق، ما الذي يحدث لزوجك ، روان؟


حدقت بغيظٍ امامها وهي تفهم تمامًا ما يفعله، حُيله الرخيصة لن تُصدقها هذه المرة، لم يعد عليها سوى الرد بالمثل وستُريه جيدًا ما ستفعله!!


ردت بنبرة حاسمة مشتقة من كلماتها وهي تنهض لتجمع اشيائها لتقول:

- الذي يحدث لزوجي!! لقد أُصاب بالجنون، وعلي أن اعامله بنفس الطريقة!

❈-❈-❈

ابتسمت لهذا الرجل باقتضاب وهي تتناول منه بطاقتها الائتمانية ببعض العنف ولقد ندمت كثيرًا على قيامها بإلغاء جلستها اليوم مع المعالجة النفسية و على ما ستفعله به ولكنها قد حسمت أمرها معه، لن تعامله منذ الآن وصاعدًا سوى بالمثل!


جمعت تلك الأشياء التي قامت بابتياعها ثم عادت من جديد إلي مقر عملها لتتكلم بنبرة آمرة إلي "علا" وهي في طريقها لمكتبها:

- قومي بإلغاء أي مواعيد لي اليوم!


سرعان ما اتجهت مباشرة إلي الحمام الملحق بمكتبها لتقوم بتبديل ثيابها وارتدت ذلك الشعر المستعار الأسود والزمردتين الزائفتين ثم كادت أن تُغادر لتشعر بهاتفها يُطلق اهتزازات متتابعة فتوجهت لترى ما الذي يُمكن أن يحدث من تحت رأسه علاوة على ذلك العشاء المُنتظر ولكنها وجدت أن "عنود" هي من تهاتفها، هل سيدعو افراد أُسرته كذلك أم ماذا؟


اجابتها سريعًا وقبل أن تنطق بحرفٍ واحدٍ استمعت لبكائها الشديد وهي تقول:

- أنا آسفة على تحدثي فجأة ولكنني قد ارهقت من كل هذا ولا أدري ما الذي علي فعله!


شعرت بالشفقة الشديدة وتوترت لسماع بُكائها هذا لتُحدثها محاولة أن تهدئها كي تستطيع مساعدتها:

- اهدئي حبيبتي رجاءًا كي نستطيع التصرف في كل شيء، أخبريني ما الذي حدث؟


حاولت الأخرى أن تتوقف عن النحيب لتجيبها بين شهقاتها المتوالية:

- أبي يأبى أن اقضي يوم ميلادي مع صديقاتي، اقسم أنني اخبرته أنني سأعود اقصاها بالثامنة، ولكن حتى اليوم لا يكترث لسعادتي ويُريد أن يُحزنني دائمًا بأي طريقة ممكنة


شعرت بالآسى من أجلها كما شعرت بالإحراج لأنها حتى لم تتذكر يوم ميلادها ولم تُهنئها به بينما تريثت لبُرهة كي تُفكر كيف يُمكنها أن تساعدها لتنفجر الأخرى باكية على الطرف الآخر من الهاتف وواتتها فكرة جيدة للغاية، هو الذي قام بدعوة اقاربها، ربما عليها أن تفعل المثل هي الأخرى ولكن لن تستطيع اجبار السيد "يزيد الجندي" لفعل ما تُريده..


ربما عليها أن تلجأ إلي "عُدي" هذه المرة كي يُساعدها، وليقوم هو الآخر بتشريف الجميع بحضوره الذي سيستفز "عُمر".. على كلٍ هو لا يكره رجل في الحياة اكثر منه.. فكما بدأ هو بالجنون معها سترد له الصاع هي الأخرى!

يُتبع..