-->

الفصل التاسع - كما يحلو لكِ - النسخة الفصحى

  

الفصل التاسع 

النسخة الفصحى



دخلت "عنود" مكتبها وهي تحمل لها ملامح الامتنان الشديدة لما فعلته معها وسرعان ما هرعت نحوها لتعانقها وحدثتها بسعادةٍ لتقول:

- لن انسى لكِ هذا الموقف أبدًا طوال حياتي، شكرًا حقًا روان على كل ما فعلتِه من أجلي..


ابتسمت إليها بعد أن بادلتها العناق واخبرتها بنبرة هادئة:

- يوم ميلاد سعيد، واتمنى لك التوفيق وكل الخير بالسنوات المُقبلة.. 


تجمد "عُدي" على مسافة عندما وقعت عينيه عليها فهو يتذكر جيدًا كيف كانت ملامح "يُمنى" التي احبها أخوه بينما تعجبت لها أخته وسألتها بابتسامة:

- هل قمتِ بتغير مظهرك كنوع من انواع التجديد أم ماذا؟ 


أومأت لها بالموافقة وهي تحاول أن تُحافظ على ابتسامتها بصعوبة وهي تجبرها أن ترتسم على شفتيها فليس لها ذنب بتلك الحرب بينها وبين أخوها لتُحدثها بحماسٍ قائلة:

- لقد جعلت مساعدتي تحضر كل شيء.. قومي بدعوة صديقاتك بفندق **** وستسهرين كيفما شئتِ وستعودين معي أنا وعمر فلا تقلقي.. وها، قد أن انسى


التفتت لتتجه إلي مكتبها حيث تلك القلادة التي ابتاعتها اليوم لترتديها لنفسها ولكن توجب عليها أن تُعطي لتلك الفتاة التي لم تر منها سوء قط وتشعر بالشفقة الشديدة عليها بسبب والدها وتحكمه اللانهائي بحياتها وامسكت بالصندوق المُخملي وناولته إياها ثم اخبرتها بابتسامة:

- كل عام وانتي بخير.. يوم ميلاد سعيد حبيبتي


سرعان ما فتحت الصندوق لترى ما فيه وتهللت ملامحها ثم صاحت:

- يا الهي روان.. انه رائع ، شكرًا لكِ عزيزتي.. 


عانقتها من جديد لتبادلها "روان" ثم حدثتها بحماسٍ كي تنفرد بـ "عدي" كما ارادت منذ مهاتفتها له:

- ما رأيك بأن تبلغي صديقاتك قبل أن نضيع الوقت!


أومأت لها بالموافقة بملامح متهللة بينما هرعت لتبدأ بإبلاغ صديقاتها لتتوجه "روان" نحوه وهو لا يزال ينظر لها نظرات مبهمة فهمت معناها جيدًا، فهو يبدو مصدوم بشكلٍ كبير!!


اقتربت منه بملامح مُتشفية وهي تقرأ الصدمة على ملامحه وسألته بسخرية ونبرة هادئة كي لا يصل حديثها لمسامع أخته التي لا تريد أن تُفسد عليها يوم ميلادها أكثر من هذا:

- ماذا؟ هل تفاجئت أنني اشابهها؟


انعقد لسانه واتضح الارتباك على ملامحه بينما حاولت تُسهل عليه الموقف قليلًا:

- بغض النظر عن أنني مستاءة منكم جميعًا لأنكم لم تخبروني ولكن شكرًا أنك استطعت أن تحضر عنود من المنزل فهي ليس لها ذنب في أي شيء، وأظن أنها لا تعرف شيئًا عن عُمر ولا تلك الفتاة التي كان على علاقة بها اثناء الجامعة، بل كنت أنت معهما وتراهما، بما إن هناك فرق سن كبير بينهما على عكسك!


ابتلع بإحراج ثم عقب مُتلعثمًا:

- روان الفكرة أنني لم أكن لأقوم بإستفزاز عُمر فنحن لسنا بخير بالفعل.. الأمر يخصه ولقد ظننت أنكِ تعرفين أو أنه قام بإخبارك بالفعل!


ابتسمت له بتهكم ثم غمغمت بخفوت:

- اخبرني!! يا لها من مُزحة! 


تنهدت ثم حدقته بجدية وحدثته قائلة بلهجة لن تتقبل الرفض:

- لقد قمت برفع دعوى خُلع على عمر، وقريبًا سأكسبها.. وأنت ستساعدني!


عقد حاجباه ناظرًا لها بذهولٍ اثر ما استمع له وحدثها متعجبًا:

- ماذا!! ما الذي حدث بينكما؟


التفت لتتفقد "عنود" لتراها منغمسة بالتحدث مع صديقة لها بهاتفها ثم نظرت له بجدية لتقول:

- هيا لنقوم بجولة بالشركة ودعني اريك الأقسام كذلك!


فهم ما تُرمي إليه حيث رغبتها بالتواجد بعيد عن أخته ليهُز رأسه بالموافقة ثم اتبعها للخارج حيث انعطفت يمينًا لغرفة الاجتماعات واصبحا بمفردهما وقبل أن تبدأ في التحدث له عن كُل شيء اجابت هاتفها عندما وجدت أنه اخيها لتجده يصيح لها بحماس:

- روان لقد عرفت ما هي المُفاجأة.. عُمر أحضر لي دراجة نارية من نوع هارلي، واخبرني انه سيستخرج لي رخصة القيادة في غضون ايام! 

❈-❈-❈

وضع الهاتف بسُترته بينما حدق بالفراغ أمامه وعقله شارد تمامًا بتواجد كلًا من "عُدي" و "عنود" بصحبتها وطرح على نفسه آلاف الأسئلة التي لم يجد لها إجابة بداخله ولكنه لابد من أن يوضح لها أن ما تفعله بالآونة الأخيرة لن يفلح أبدًا معه ولن يقبله ولن يسمح به!


انتظر إلي أن يصل لوجهته وهو يصطحب والدته معها بالسيارة حيث ذلك الشمل العائلي الذي تتهافت عليه، فهي بشكل اسبوعي تذهب لابنة خالتها، فليُهيئ لزوجته الحبيبة كل ما تبتغيه إذن ويرى هذا الكائن المُسمى بـ "يونس" أمام عينيه وهو يتعامل معها، ويرى زوج ابنة خالتها، وليعرف السبب الحقيقي خلف ذهابها الدؤوب لهم!


أمّا عن القضية وذلك المُحامي الذي يُساعدها بالإجراءات الخاصة بدعوى الخُلع فلن يتركه وشأنه، هو يعلم جيدًا من بهذا الوسط، بالرغم من عدم ترافعه في الكثير من القضايا ولكن مكتبه ذائع الصيت الذي يضم الكثير من المحاميين يضمن له معرفة الكثير من المنافسين له، ولو كان الجميع يهاب مُعاداة ابن "يزيد الجندي"، لا يزال هناك قلة مُندسة لا يكترثون سوى لتلك الترهات بالفضائل والأخلاق والحقوق، أو؛ بتعريف أفضل - يُعادوه - هو ووالده!


ترجل خارج السيارة وهو مُتأنق للغاية للاحتفال الوهمي الذي أقامه على شرف زوجته المُحبة وساعد والدتها كذلك بالخروج التي امتنت كثيرًا له فهي لم تذهب للخارج منذ الكثير للوقت ولم يدعها أحد للعشاء بالخارج منذ زمن لا تتذكره!


توجه نحو المائدة التي حُجزت لهم خصيصًا بهذا المطعم الخاص بالفندق وقد تعمد أن يأتي مُتأخرًا نوعًا ما قبلهم وسرعان ما استطاع تمييز "راشد" عن "يونس" ليبتسم للجميع بدبلوماسية ابتسامة لم تلمس عينيه وصافح ثلاثتهم واطنب بمصافحته لابن خالتها الذي مازحه بمرح:

- أين أنت يا رجل، منذ زواجك أنت وروان ألم تُفكر أن تزورنا لمرة؟


لاقاه بنظرته المتفحصة التي لم تستسغ ملامحه ولا هيئته ولا حتى تلك الابتسامة المُتلاعبة ليجيبه بنبرة ثابتة استغربها الآخر قليلًا:

- لا تقلق، لقد وضعت في جدولي وقت خاص بكم أنتم فقط!! 


❈-❈-❈

شردت بعسليتيها المحتجبتين خلف تلك الخُضرة المُزيفة مُسلطة رؤيتها على سيارة "عُدي" التي تسبق موكبها الرئاسي الذي بات يُصيبها بالاختناق و "عنود" بجانبها مُنشغلة بمراسلة نصية على هاتفها بعد أن سأمت منها على ما يبدو من كثرة تلك المنشورات عن القصص والحكايات التي تجعلها تراها عن نساء لا تستطيع الفرار من عائلتهن أو ازواجهن!


لم تعد تعرف ما الذي يُريد الوصول إليه من افعاله، يا ليتها ذهبت إلي "مريم" واخبرتها بكل تلك الأفكار التي تتلاطم برأسها دون انقطاع، وهل يظن أنه يستميل قلبها بتلك الهدية التي احضرها لأخيها وبتلك الدعوة لأفراد لعائلتها على العشاء؟! لابد من أنه يظنها نفس الفتاة الساذجة التي تزوجها ولكنه استطاع أن يحولها لامرأة أخرى لا تكترث بما يشعر به هو وقتل بداخلها أي تعاطف له!


لوهلة شعرت بالتردد جراء مظهرها لتُمسك بهاتفها وهي تتفقد ملامحها بالكاميرا الأمامية للهاتف لتدمع عينيها شاعرة بالغضب بعد كل ما تحدثت به إلي "عُدي" عن كيف أن أخوه عانت معه كثيرًا من بداية الزواج وأنها لم تتحمل فكرة أنه تزوجها من أجل ملامحها ليس إلا لتكره مجرد فكرة النظر إلي تلك الملامح!


لماذا فعلت ذلك؟ هل لتُغضبه أكثر؟ أم لتُغضب نفسها؟ أم لتحول نفسها لامرأة أخرى لم تكن عليها قط؟ رُبما سيزداد غضبه عندما يراها هكذا ولكن ما الذي سيقوله الجميع عن مظهرها هذا؟ كيف ستستقبل تلك الكلمات من الجميع؟ 


سرعان ما ارتفعت يدها لتخلع ذلك الشعر المستعار الأسود وزمردتيها الزائفتين لتلتفت لها أخته وتعجبت من فعلتها:

- ماذا هناك روان؟ هل هناك مظهر جديد ثالث تريدين أن تفاجئينا به؟


التفتت لها وهي تدعي أن عينيها تؤلمها من ارتدائها لتلك العدسات ثم حدثتها قائلة:

- لا ادري، اشعر أنني بالسابق كنت افضل.. كذلك تلك العدسات اللاصقة قامت بإيلامي حيث أنني غير مُعتادة عليها، ما رأيك؟ الشعر الأسود يليق بي أم ملامحي المعهودة أفضل؟


ابتسمت إليها وقالت بنبرة مرحة:

- انتِ تبدين رائعة طوال الوقت روان، لا ادري ما الذي فعله عمر طوال حياته حتى يتزوج من إمرأة فاتنة مثلك


بادلتها الابتسامة لتُجاملها بينما بداخلها ازداد حُزنها لثقتها بأنه لم يتزوجها سوى لمشابهة ملامحها مع تلك المرأة، ربما قد تحملت الكثير منه، وربما حاولت معه آلاف المرات، ولكن آخر ما اكتشفته كان بمثابة القشة التي قضمت ظهر البعير!


ترجلت للخارج بينما تحدثت إلي "عنود" لتخبرها بابتسامة:

- هيا اذهبي وقومي بالإستمتاع بصحبة صديقاتك.. وعندما تنتهين فلتأتي وتجلسي معنا


أقبل "عدي" متجهًا نحو كلتاهما لتنظر لهما "عنود" بامتنان ثم قالت وهي توزع نظراتها بينهما:

- حقًا لن انسى ما فعلتاه لأجلي


سرعان ما تحركت بحركات سريعة للداخل لتلحق بصديقاتها بينما نظرت له "روان" ببعض اللوم وقبل أن يسألها من جديد على مظهرها الذي تغير من جديد تسائلت دون أن تنتظر اجابة على سؤالها:

- كيف تكونوا كذلك؟ لماذا لا يهتم أحد بعنود وتتركوها بمثل هذا الإهمال؟ حتى يوم ميلادها لم يفكر أحد منكم في احضار شيئًا لها أو حتى يحاول بأي طريقة أن يُسعدها؟! 


رفع حاجباه مما أدى لتقطب جبينه وتنهد بعمق ثم عقب قائلًا:

- بيتنا غريب للغاية، روان.. تستطيعين الشعور بأنكِ تدخلين إلي عزاء وليس بين عائلة وضحكات وأُلفة! من يخرج منه يكون في كامل سعادته وهو يبتعد بقدر الإمكان عن تفاصيل لا يريد أن يتذكرها!


رفعت يديها كعلامة ألا يُتابع المزيد فهي بالفعل لديها ما يقلقها لتنظر له بتوسل ثم ناشدته:

- ارجوك عُدي، حاول أن تقنع عُمر بأي طريقة أن يتوقف عن افعاله تلك لأنه سيجعلنا نبدو أسوأ ما يكون أمام الجميع!


أومأ لها بالموافقة وعقب بجدية شديدة:

- حسنًا، ولكنني لا زلت اظن أن عمر لن يستمع لي.. سأحاول قدر المستطاع 


❈-❈-❈

تجمدت عينيه عندما رآها تدخل بكامل زينتها لتبدو فتنتها مُهلكة، ينظر حوله ليرى الأعين تنظر لها، البعض يشاهدها بمنتهى الجرأة وهؤلاء سيقتلع اعينهم لو سمحت له الفُرصة، بينما البعض يشاهد بنظراتٍ مُحرجة لا تخلو من الخبث.. وكون "عُدي" يُلازمها بخطواتٍ متمهلة من أجل حذائها الذي يطرق بأنوثة قاتلة على هذه الأرض الرخامية اسفلها، يجعل منه ضحيته الليلة! أين أخته على كل حال؟! 


رمقها بتفحص كالشارد تمامًا بينما ارتسمت ابتسامة على شفتيها عندما اقتربت من الجميع ثم تحدثت مُعتذرة بلباقة:

- آسفة على تأخيري،  ولكن هذا رغمًا عني، ولقد تفاجئت بأمر العشاء فقمت بالإسراع قدر الإمكان..


نظرت له بتشفي ومقلتين يتراقص بهما الانتصار، هل ظن أنه يضعها أمام الأمر الواقع بإفساد مظهرها أمام الجميع الذين يرتدون ملابس مُناسبة بينما هي ستبدو مُرهقة أمامهم؟ أم يظن أنه يحولها لمظهر تلك المرأة العملية الجادة التي لا تضع المساحيق مثل حبيبته السابقة؟


نهض ثم افسح لها مجالًا وهي تُحيي الجميع ثم طبع على يدها قُبلة رقيقة لتبتسم على مضض أمام "يونس" و "راشد" الذين لا يعرفوا شيئًا عن أمر الطلاق بينهما وبالطبع لن تفعل ما قد يلفت الأنظار إليهم بمكانٍ عام!


جلست بينه وبين والدتها بعد أن بدأ "عُدي" يُعرف نفسه للجميع لتجده يهمس إليها:

- ألا تظني أن ملابسك مبالغ بها؟


التفتت له واستطاع رؤية الغضب المتواري خلف ملامحها الدبلوماسية وهمست له هي الأخرى لتُعقب:

- لقد كنت بالفعل اعد لك مفاجأة رائعة بخصوص مظهري، ولكنني لم أرد أن اصعب الأمور أمام الجميع! 


ضحك بخفوت والسخرية تنهمر من مُقلتيه واردف بجدية سرعان ما حلت محل شفتاه المبتسمتان:

- لماذا قمتِ بدعوة عُدي؟


- على الأقل اكترث لأخته.. انظر خلفك، بإتجاه اليمين..


سرعان ما نظر حيث اخبرته ليرى أخته بين عدة فتيات أخرى ففهم ما فعلته والتفت إليها ورفع احدى حاجبيه بإعجاب وهمس إليها كي لا يستمع لهما أحد:

- اصبحت فجأة سيء وعُدي أفضل مني، هل هذا ما قصدتِ؟


رفعت احدى حاجبيها هي الأخرى بمنتهى الإعجاب ونظرت نحو "عدي" ثم عقبت بإقتضاب:

- عُدي لطالما كان افضل منك..


حسنًا، لقد استطاعت أن تُشعل فتيل غضبه الليلة ولن تتركه وشأنه فأضافت:

- معي، على الأقل!


التفتت له من جديد بابتسامة الهبت نيران غيظه بداخله لتختلف ملامحه وأطبق على أسنانه بغلٍ شديد بينما هي التفتت مرة أخرى توزع على الجميع ابتسامات لبقة فالتقت عينيها بعين "يارا" التي رمقتها بتساؤل لتزم "روان" شفتيها ثم هزت كتفيها بحركة بسيطة كدلالة على عدم علمها هي الأخرى بما وراء ما يفعله من كل ذلك!


- وأخيرًا.. انتِ الآن أمامي ولا تستطيعي تصنع الانشغال.. لن اغادر الليلة دون أن احصل على الشيكات!


انتبهت على قول "يونس" لتبتسم له بمصداقية وحدثته قائلة بنبرة مُحذرة ذات مغزى:

- هل سننقل العمل هنا على المائدة معنا، فلتنسى الأمر واستمتع بالعشاء، يونس! 


رفع حاجبيه وهو يومأ لها بالإنكار وكلمها بنبرة مرحة ليقول:

- ما الذي انساه، الحواسيب إن لم أقم بصرف دُفعة مالية مُقدمة إلي مـ..

- يونس! أنا اعلم ما الذي تستطيع فعله بما يخص العمل، لذا لا تتصنع امامي رجاءًا! هذه ليست مرتنا الأولى في التعامل سويًا!


قاطعته مُتفحصة إياه بتضيق عسليتيها نحوه بينما الآخر بجانبها يشتعل ببراكين تغلي من شدة الغضب ولكن هذا تمامًا ما قصده، هو يُريد أن يعلم ما الذي بينها وبينهم يجعلها تذهب لهم أسبوعيًا! 


زفر بضيقٍ وهو يومأ بالإنكار ليحاول "عُدي" تدارك الموقف بعد ذلك الغضب الذي لمحه على وجه أخيه ولم يتصور سوى انقلاب هذه المائدة بما عليها وحقًا شعر بالخوف على "روان" بل وهذا الرجل الذي لتوه تعرف عليه فقال بمرح:

- هذه مُشكلة أن تتعامل مع الاقارب، يستطيعوا التهرب منك بسهولة.. نصيحة مني لك بعد أن رأيتها تعمل بنفسها لا تدخل معها بأي عمل أو اتفاق..


التفت له ليُعقب بتنهيدة وانزعاج تصنعه كقليل الحيلة:

- اتمنى لو استطيع، هي متخصصة في أن تُمسك من أمامها وتطرق على نقاط ضعفهم.. اتدري، لقد آتى لي الآمر بالتهديد، لن استطيع قول لا! 


- دائمًا ما تصل لما تريده، أليس كذلك؟


التفت الجميع على نبرة "عمر" العميقة التي تدخل بها محاولًا استفزاز كل من حوله ووزع نظراته بين "راشد" الصامت اكثر من المُعتاد وبين ابن خالتها ليقول الأخير بمرح وهو يُشير نحوه قاصدًا التحدث إلي "عُدي":

- حتى زوجها يُقر بذلك، حقًا فليُقدره الله عليها! 


توقف لبُرهة بينما تدخل "راشد" بلباقة ليقول:

- روان امرأة ذكية وبارعة بالعمل ولا تزال تُحافظ على سُمعة شركاتها بعد والدها وكأنه هو من يُمسك بزمام الأمور، التعامل مع شركتها بمداومة من فترة للأخرى، هذا أمر يجعلها عميلة جيدة للغاية لنا، يونس! 


نظر له "يونس" وهو يومأ له بالإنكار وتحدث بعفوية ليقول:

- ماذا هناك راشد، هل قامت بدفع رشوة إليك لا اعلم عنها؟ لماذا أنتم بأكملكم بصفها وتتركوني وحيدًا؟! أم هذا لأنها تستطيع التفوه بكلماتها المنمقة الساحرة على عكسي!


لم تُفلح مساعدة "يارا" التي دفعت زوجها بأن تظهر محاولتها لاستدراك الموقف على لسانه بينما ضحكت "روان" بخفوت وتناولت من كأس المياه ليُباغت "عمر" الجميع بقوله المُندفع:

- ليس كلامها الساحر فقط، بل ملامحها ساحرة وفاتنة للغاية، ألا ترى كم تبدو رائعة الجمال؟!


ترددت الماء بحنجرتها لتسعل بشدة من قوله فسرعان ما تفقدتها والدتها وهي تربت عليها:

- هل أنتي بخير حبيبتي؟ 


كان هذا ما عليها ادعاءه لتلفت النظر إليها بعيدًا عن ذلك الجنون الذي يُغادر شفتاه منذ أن آتت والتفتت لها ناظرة ببعض الإستياء:

- نعم أمي أنا بخير.. 


أضاف ابن خالتها بمُزاح ليقول:

- يقولوا أن هذا لو تحدث الناس عنكِ، من كُثرة ما تفعليه بهم، لابد أنهم يقوموا بالدعاء عليكِ. فلتوقعي لي الشيكات روان، أنا اعلم انكِ دائمًا تحملي دفتر الشيكات معكِ


نظرت له والدتها بلوم ثم زجرته دون مبالغة:

- توقف يونس، ولتتحدثوا بالعمل لاحقًا بُني..


- كلا، لطالما كان يونس هكذا في عمله لا يُحب أن يكون أحد افضل منه!


قالتها "روان" ولم تكترث لتلك الأعين التي اوشكت على افتراسهما وهما يتحدثا بهذه الأريحية الشديدة أمامه ليقول:

- آسف خالتي.. ولكن اقنعيها رجاءًا وأنا أعدك لو فعلتها لن اتحدث عن العمل طيلة الليلة! 


- يونس!!


نادته "يارا" بتحذير بينما صمم على ما يُريده ولم يكترث لنداء أخته بينما ظل ناظرًا إلي "روان" وتوسلها بتلقائية:

- فلتكوني فتاة جيدة جميلة كما انتي دائمًا ولتقومي بإعطائي الشيكات!


هذا الرجل في عداد الموتى، سيقتله حتمًا لا محالة، يُريد فقط المزيد من الأدلة الدامغة!!


زفرت بضيقٍ وهو تومأ باستنكار ثم قالت على مضض:

- حسنًا ايها الثرثار!


همس "عُدي" بأذن "يونس" شيئًا و "عمر" يتفقدهما بنظراتٍ قاتلة ولم تلاحظه هي لانشغالها بتفقد حقيبتها مُخرجة منها دفتر الشيكات لتوقع له دُفعتين فهمست لها والدتها:

- عمر يحاول أن يُسعدك ابنتي، لقد اخبرني أنه فعل ذلك من أجلك.. حاولي أن تصلحي مشاكلكم بهدوء ولا تجعلي أحد يُلاحظ ما بينكم!


التفتت إليها وهمست:

- يقوم بسجني بين هذا الجيش من الحراسة، يتحدث بكلام غريب منذ أن أتيت، يذهب ليُحضر لبسام هدية لا تناسب عُمره وقد تُصيبه بالمخاطر، يفعل كل شيء دون أخذ رأيي أو ابلاغي، حتى هذا العشاء كان لابد من ابلاغي عنه أولا بدلًا من أن اعرف مثلي مثل الغريبة، ماذا لو كان لدي عمل لا استطيع الغاءه؟ كل هذا وتريديني أن اصلح مشاكلنا واتفاهم معه! ارجوكِ دعيني اتصرف كما يحلو لي!


هزت والدتها ملامحها في آسى شديد على اندفاعها بينما أخذت هي تُسلط تركيزها على كتابة الشيكان لتُعقب والدتها:

- حبيبتي، لابد أنه يخاف عليكي ويريد حمايتك، وهذا العشاء ليُفاجئك.. 


زفرت بضيق مُغمضة عينيها لتُلاحظ "يارا" فحاولت أن تستدعي انتباه الجميع:

- عُمر، نحن سُعداء للغاية بهذه الدعوة وكذلك تعرفنا على عُدي.. المرة القادمة لابد من أن تُشرفنا بمنزلنا!


ابتسم إليها ليحيط ظهر "روان" بيده بطريقة استغربها الجميع وقال قبل أن يلتفت لها:

- بالتأكيد.. لقد وجب علي أن اتعرف عليكم وزوجتي العزيزة لا تفارق منزلكم، أليس كذلك حبيبتي؟ 


تفقدته بغيظٍ حاولت أن تكتمه ومن جديد لم تُفلح مساعدة "يارا" التي اجبرت ابتسامة ونظرت لزوجها بضيق الذي تعجب هو الآخر من رده وباغتها بقبلة على كتفها المكشوف لتتردد قليلًا وهي جالسة أمام الجميع ليتعجب "عُدي" مما يراه بينما كل تركيز "يونس" على تلك الشيكان بيديها! 


- روان.. اعطني الشيكان..


ناداها بملامح متهللة لتنظر له ثم نهضت لتتخلص من تلك اللمسة على ظهرها واتجهت لتقف بين ابناء خالتها وحدثته مُحذرة بإبتسامة متحفزة:

- انظر يونس.. هذا الشيك الأول يُمكنك صرفه غدًا لو اردت! 


- وماذا! تابعي واضيفي المزيد من الكلمات التي ستصيبني بجلطة..


تأهب رافعًا عينه لها بينما لم يتخيل "عمر" سوى القيام بسجنها بين اربعة جُدران مُعذبًا اياها ليصرخ به عقله:

- اياك أن تفعلها!! ستكرهك اكثر ما تكرهك بالفعل!


- والدفعة الثانية بنهاية هذا الشهر..


نهض ليقف أمامها وسرعان ما اعترض:

- لا ، أنتِ تمزحين بالتأكيد.. لن ينفـ..

- أنا لدي مُشكلة في السيولة هذه الأيام.. فلتساعدني في هذا، إن لم أكن احتاج حقًا لمساعدتك لما كنت طلبتها منك!!


قاطعته ليتنهد بإستياء ثم غمغم:

- حسنًا، لكِ أنتِ فقط.. ولكن لابد أن تكون الدُفعة الثالثـ..


- مرحبًا.. كيف حالكم؟ أنا عنود أخت عمر وعدي..


قاطعه ذلك الصوت العذب ذو النبرة الحماسية الذي قام بفرض نفسه على الجميع ليرمقها "عمر" بنفاذ صبر بينما بدأ يُحيها الجميع لتستأذن بلباقة مبتسمة:

- اعتذر للجميع، ولكن هل يمكنني أن تأتي معي روان لعشر دقائق فقط، فاليوم هو يوم ميلادي وأريد أن أطفأ الشموع معها وكذلك اعرفها على صديقاتي


- بالطبع، كل الوقت الذي تريديه عزيزتي، فاليوم هو يومك.. 


ابتسمت إليها واخبرتها بعد أن قام الجميع بتهنئتها وهي بداخلها تمتن للإبتعاد عنه ثم حدثت والدتها قائلة:

- رجاءًا أمي اطلبي لي أي وجبة بها مأكولات بحرية!


- هيا بنا.. 


اتجهت معها "روان" بينما تابعهما "يونس" بعينيه وكلتاهما تذهبان بعيدًا حيث مائدة أخرى ولم يُفكر "عمر" سوى بنظراته إلى زوجته بينما لم يكن يدري أن أخته قد لفتت نظره بالفعل.. 


- أليس عليك أن تخفف من فظاظتك أمام الجميع؟!


حذره "عُدي" ليلتفت له بحنقٍ ثم رمقه بغيظٍ وهو يجلس بجانبه ليهمس له بين اسنانه الملتحمة من شدة غضبه:

- هل فقدت كامل كرامتك وماء وجهك حتى تحضر اليوم؟ ما الذي آتى بك بعد أن قمت بطردك آخر مرة رأيت وجهك الكريه في منزلي؟

الملخص الكوميدي




يُتبع..